آليات اللغة الواصفة و الشكل السردي / رياض عبد الواحد
آليات اللغة الواصفة والتشكل السردي
رياض عبد الواحد
يمكننا القول ان الشاعر يتحرك في مناطق شعرية متباينة بسبب حركته غير المستقيمة باتجاه تحقيق الهدف. هذه الحركة تفصح عن هاجس تعبيري قلق ينم عن دراية ذات ملامح متعددة أهمها خرق النسق المتوقع واعتماد البؤر غير المركزية، الأمر الذي يقود إلى تعارض مدروس بين الداخل والخارج، هذا التعارض يخلق نصاً مفتوحاً يبتعد عن منتجات قريبة المسافة عن مركز إنتاج النص وصولاً إلى فضاء كتابي يعتمد تقنية الشكل لتعزيز المضمون.
ولعل هذا الإجراء قصدي ـ تعويضي عن اشتراطات ما هو تقليدي.
(نصيص) المجموعة يلمح إلى زمن مضاع، إذ أن البنية المكانية المتمثلة في مفردة/ حضور/ فاقدة -من جهة الدلالة- لمقومها الحضوري الفاعل إذ أن الشاعر معترف بداءة ان الحضور فقد الكثير من زمنه المؤثر غير أنه يريد ان يشير من طرف خفي الى أن ذلك الحضور له اثره، ولو جاء على حساب فقدان جزء كبير من زمنه الذي يجعله فاعلاً وبذلك يخسر الحضور الكثير فما يمكن ان يفعله لو كان حضوراً مبكراً. إذ التضاد حاصل منذ البداية بين زمن الحضور وزمن التأخر، بمعنى ان حضور الأنا في زمن الآخر المشتهى في ضوء دلالة النصوص حضور خارج عن وظيفته. سنختار بعض القصائد التي تخدم هدفنا من هذه القراءة وسنأخذ القصيدة الأولى في المجموعة يبدأ (النصيص) في هذه القصيدة /مقافل الرؤى/ بخلق إشارة دلالية تعبر عن /الانفعال الزمني/ لا المكاني لأن فعل الإقفال مرتبط بـ/الرؤى/ المتعبنة زمانياً. ويمكن أن نستنتج من صور النص ان الآخر يشكل جمرة ذلك النص بدليل القرائن المثبوتة على جسده. يتم حضور الآخر بوساطة أفق يأخذ شكل التكور الحامل لفنائه منذ لحظة الولادة:
دعي جسدي
يكون قربك
فقاعة...
هكذا حضور يدفع باتجاه التشبث المغاير، بحضور متحقق سلفاً لكن هذا الأجراء يدفع بالنص الى تبئير يبتعد عن المكان – المركز/الجسد. إذ أن:
الجسد= فقاعة = الغياب المتحقق في الزمن اللامرئي.
هذه التعادلية المتضادة مغلفة بفضاء استعاري جميل ذي انزياحٍ غير مترهل بل ملموم في بؤرة مشعة
وغرفتي ستفتحها الرياح
وتسلخ من فمي صرخة
هنا عملية /الفتح/ تحتاج الى فاعل حسي- ملموس، غير أن استعمال الرياح جاء لتحقيق غرضين ليسا من أصل مصدر/الفتح/ اولهما تحقيق شعرية عالية من خلال خرق علاقة الإسناد بين الغرفة والريح، والريح وعملية السلخ. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى خلق النص بؤرة جديدة غير البؤرة المركزية المتمثلة بالجسد في مواجهة الآخر. ان الشاعر استعمل تقنية القطع والعودة السريعة إلى نقطة ما قبل القطع بغية دفع البنية السطحية إلى الالتحام مع البنية العميقة بواسطة النسق النازل المتمثل بامتداد الزمن عبر بوابات ضيقة خارج البؤرة الممثلة له... هذه التعامدات تخلق مجموعة من الفواعل النصية التي تدفع باتجاه الانفتاح على ما يناسب/ إقفال الرؤى/ وبسبب من هذا التداخل الذي تخلقه التجربة بتواصل شعري متجانس يخلق انسجاماً شفافاً بين هذه التعامدات.
وتتحرك الدلالة بوساطة الدال اللساني/وَدَعْ/ الذي يشير إلى الانفلات والتخلي عن المكان المحاط بظلمتين: ظلمة السكون وظلمة الظلال. فظلمة السكون حاصلة في ذاتها كما هي عليه في الظلال غير أن القضية لا تكمن في هذا الدال اللساني لكنه متحصل في الدال اللساني المضايف/يداهم/. ففعل المداهمة فعل حركي، يحمل في بنيته التوثب والخفة والفطنة ويتأبط سيف الزمن الحاد لنجاح فعل المداهمة، لذلك ارتبط هذا الفعل بالتوصيف المضايف/زعانف الطوفان/، إذ أن الزعنفة تعمل ضمن حقلين أحدهما انها /بوصلة/ والأخرى انها جهاز الدفاع والهجوم، وبذلك يحقق فعل المداهمة دلالته القوية في منح المكان صفة المواجهة، مواجهة الآتي فيما يتحقق داخل بنية الزمن. ويضج النص بالصور التجريدية القائمة على دفع النص باتجاه تكوين مهيمنات تخدم الهم العام له من خلال فجوات متحركة تضيق مرة وتتسع مرة أخرى لتكون معادلاً دقيقاً لعملية /الإقفال/ المنوه عنها في /النصيص/ لهذا يختار الشاعر الجمل الاسمية ذات السمت الثابت لكي تعضد فعل الأفعال.
مرايا قرمزية
عيونها جناحات
تشع عبر أرصفة ومقبرة
ورغبة يوظفها السؤال
في حنايا الزمن السائب
مفازة رملها الضوء والشمس
وملحها الأجاج
كأن ظلها يدنو
وتقبض راحتاها ماء عين والضحى وجهاً
يبلله القطر
وهمس البراكين
من الناحية الدلالية يكرس هذا المقطع هيكلية المكان كما يكرس في الوقت نفسه هيكلية الزمن عبر تشاكل وصفي للاثنين لكنه أي التشاكل على تضاد محسوب لهاتين الركيزتين، فـ/عيون المرايا/ تقوم على زمن ممتد بنحو أفقي لكنها في الوقت نفسه تبحث عن أرضية تحط عليها عبر الدلالة اللسانية المكانية المتمثلة في /الأرصفة+ المقبرة/.
هنا تنشطر الدلالة المكانية إلى شطرين احدهما يمثل الولادة التعيسة المرمية على أطراف الشوارع/الأرصفة/ والأخرى تذهب باتجاه النهاية المحتومة/المقبرة/ المستقر الأخير لهمود الجسد. وعلى الرغم من هذه النهاية إلا إنها /تشع/ من موتها في زمن هلامي يتيه في مفازة لا يغادرها الوضوح والالق والكشف المتمثل في /الشمس/والضحى المنقلب الى وجه يبلله القطر الذي هو سر الحياة... لكن هذا القبض يحمل مضاده /البراكين/ وان كانت هامسة.
اما قصيدة /سلالة التكوين/ فأن/ النصيص/ يميل دلالياً الى تزمين ظرفي امتدادي، بمعنى تمييع زمن اللحظة باتجاه خلق بؤرة دلالية تعتمد الخاص لكنها تطمح إلى احتواء ما هو عام. يحتفظ النص بترديداته الزمنية المقفلة إغلاقاً تاماً، او كاملاً /محاطاً بسلالة التقاويم/ لكنه لم يلغ تمظهر المكان بوساطة /المرايا المتورمة/ التي تبدو ذات دلالة مرمزة باتجاه المرايا المحدبة convex التي تبقى فيها الصورة غير متغيرة. أما الفيض الحاصل عن المرآة المتورمة فيتكون من مجموع الشعاعات الساقطة مرة بنحو مواز للنصيص ومرة يمر امتداده بالبؤرة المركزية فينعكس عنها وكأنه يوازي محورها، لهذا جاء التشبيه مكتنزاً بتعطيل الحواس حتى لا يتحقق ما هو بمنزلة اليقين في ضوء معطى المرايا الراصدة لكينونتها المغسولة بـ/أجراس الجسد المختلج/ هذا الاختلاج متحقق في بنية الجرس في الأصل لذلك أعطى منتجات مشابهة له دلالياً إضافة الى ان مسافة الإنتاج الحاصلة بين الأجراس والجسد المختلج مسافة تكاد ان تكون معدومة. أما الانغماس بالورد فهو غير/ بروق الأساطير، فمنتج هذه البروق متشعب إلى ثلاثة منتجات لا يجمعها سوى الحروف الرابطة بينها والتي تحقق تعانقاً بين الصوت والمعنى إذ أن:
فأسس = فـ + أ + س
رأس= ر+ أ + س
فار= ف + أ + ر
التعالق حاصل بنحو تبادلي، فالهمزة هي القاسم المشترك الأعظم، وهي أي الهمزة (نقطة لابتداء ظهور الألف، فالاشكال الأربعة لمظاهر الإلف تبدأ بالهمزة) ءُ/ء/ آ
همزة مطلقة ءِ
فحرف الراء تكرار ديمومة الفعل بنحو منظم
حرف الفاء استقبال الزمان والمكان (الوجود)
حرف السين استمرار الفعل(1)
هكذا يربط الشاعر بين بروق الأسطورة وهذه المفردات الثلاث، ولم يكن هذا الربط ربطاً عشوائياً، إذ أن لغة الأسطورة (لها خصائص التزامن والتتابع فزمنها هو الآن الزمن القابل للإعادة =اللغة= التزامن غير القابل للإعادة = الزمن الاحصائي= الكلام= التتابع)(2)
هكذا تشكل العالم السردي للمكان عبر سلسلة دائرية تبدأ بمهيمن تقويضي وتمر عبر مركز إنتاجي لتستقر عند نقطة تقويضية تستلهم ما بعدها عن طريق الامتداد الأفقي لمكون مكاني هو/الجدار/ الذي يحاذي بنية الزمن عبر مفردات الصمت والسكون. ان نهاية النص تحاول الخروج من الأنا /الفرد إلى الآخر/ الكلي المتولد أو المولد له. ان /سلالة التقويم/ هي المهيمنة الرئيسية التي انطلق النص منها وعاد إليها بمنطق الذات التي تستقرئ وجودها المتحصل من خلال الظلامات التي تتخلل رسم صورة/ الأنا/ فيها بواسطة المقابل الكينوني للمرايا نفسها، ويتم ذلك كله عبر تجسيد صوت الأنا الذي تترآى له الصورة الحقيقية للمرآة وما يتجلى عليها عبر يقظة حواس الأنا بأن زمنها الكلي الذي هو الصورة الأخرى للزمن المتجسدة في ذات المرآة والذي ترتسم معالمه في عيون الشاعر على أنه تسلط خارجي يسعى لتحجيم الأنا لكنه لا يقوى على ذلك بسبب من اللحظة /الزمن الذي ينبغي ان يتحقق ذلك فيه ، هو زمن يلفظ أنفاسه الأخيرة في سورة تكوين الآخر.
--------------------
الإحالات:
* حضور متأخر جداً/ مجموعة شعرية / حبيب السامر/ مطبوعة على نفقه الشاعر/
ط1/2005.
1-اللغة الموحدة/ عالم بسيط / ج1/ص111/بغداد. 2-الأسطورة والمغنى/ ليفي شتراوس/ ترجمة وتقديم د. شاكر عبد الحميد سلسلة المائة كتاب،ص
آليات اللغة الواصفة والتشكل السردي
رياض عبد الواحد
يمكننا القول ان الشاعر يتحرك في مناطق شعرية متباينة بسبب حركته غير المستقيمة باتجاه تحقيق الهدف. هذه الحركة تفصح عن هاجس تعبيري قلق ينم عن دراية ذات ملامح متعددة أهمها خرق النسق المتوقع واعتماد البؤر غير المركزية، الأمر الذي يقود إلى تعارض مدروس بين الداخل والخارج، هذا التعارض يخلق نصاً مفتوحاً يبتعد عن منتجات قريبة المسافة عن مركز إنتاج النص وصولاً إلى فضاء كتابي يعتمد تقنية الشكل لتعزيز المضمون.
ولعل هذا الإجراء قصدي ـ تعويضي عن اشتراطات ما هو تقليدي.
(نصيص) المجموعة يلمح إلى زمن مضاع، إذ أن البنية المكانية المتمثلة في مفردة/ حضور/ فاقدة -من جهة الدلالة- لمقومها الحضوري الفاعل إذ أن الشاعر معترف بداءة ان الحضور فقد الكثير من زمنه المؤثر غير أنه يريد ان يشير من طرف خفي الى أن ذلك الحضور له اثره، ولو جاء على حساب فقدان جزء كبير من زمنه الذي يجعله فاعلاً وبذلك يخسر الحضور الكثير فما يمكن ان يفعله لو كان حضوراً مبكراً. إذ التضاد حاصل منذ البداية بين زمن الحضور وزمن التأخر، بمعنى ان حضور الأنا في زمن الآخر المشتهى في ضوء دلالة النصوص حضور خارج عن وظيفته. سنختار بعض القصائد التي تخدم هدفنا من هذه القراءة وسنأخذ القصيدة الأولى في المجموعة يبدأ (النصيص) في هذه القصيدة /مقافل الرؤى/ بخلق إشارة دلالية تعبر عن /الانفعال الزمني/ لا المكاني لأن فعل الإقفال مرتبط بـ/الرؤى/ المتعبنة زمانياً. ويمكن أن نستنتج من صور النص ان الآخر يشكل جمرة ذلك النص بدليل القرائن المثبوتة على جسده. يتم حضور الآخر بوساطة أفق يأخذ شكل التكور الحامل لفنائه منذ لحظة الولادة:
دعي جسدي
يكون قربك
فقاعة...
هكذا حضور يدفع باتجاه التشبث المغاير، بحضور متحقق سلفاً لكن هذا الأجراء يدفع بالنص الى تبئير يبتعد عن المكان – المركز/الجسد. إذ أن:
الجسد= فقاعة = الغياب المتحقق في الزمن اللامرئي.
هذه التعادلية المتضادة مغلفة بفضاء استعاري جميل ذي انزياحٍ غير مترهل بل ملموم في بؤرة مشعة
وغرفتي ستفتحها الرياح
وتسلخ من فمي صرخة
هنا عملية /الفتح/ تحتاج الى فاعل حسي- ملموس، غير أن استعمال الرياح جاء لتحقيق غرضين ليسا من أصل مصدر/الفتح/ اولهما تحقيق شعرية عالية من خلال خرق علاقة الإسناد بين الغرفة والريح، والريح وعملية السلخ. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى خلق النص بؤرة جديدة غير البؤرة المركزية المتمثلة بالجسد في مواجهة الآخر. ان الشاعر استعمل تقنية القطع والعودة السريعة إلى نقطة ما قبل القطع بغية دفع البنية السطحية إلى الالتحام مع البنية العميقة بواسطة النسق النازل المتمثل بامتداد الزمن عبر بوابات ضيقة خارج البؤرة الممثلة له... هذه التعامدات تخلق مجموعة من الفواعل النصية التي تدفع باتجاه الانفتاح على ما يناسب/ إقفال الرؤى/ وبسبب من هذا التداخل الذي تخلقه التجربة بتواصل شعري متجانس يخلق انسجاماً شفافاً بين هذه التعامدات.
وتتحرك الدلالة بوساطة الدال اللساني/وَدَعْ/ الذي يشير إلى الانفلات والتخلي عن المكان المحاط بظلمتين: ظلمة السكون وظلمة الظلال. فظلمة السكون حاصلة في ذاتها كما هي عليه في الظلال غير أن القضية لا تكمن في هذا الدال اللساني لكنه متحصل في الدال اللساني المضايف/يداهم/. ففعل المداهمة فعل حركي، يحمل في بنيته التوثب والخفة والفطنة ويتأبط سيف الزمن الحاد لنجاح فعل المداهمة، لذلك ارتبط هذا الفعل بالتوصيف المضايف/زعانف الطوفان/، إذ أن الزعنفة تعمل ضمن حقلين أحدهما انها /بوصلة/ والأخرى انها جهاز الدفاع والهجوم، وبذلك يحقق فعل المداهمة دلالته القوية في منح المكان صفة المواجهة، مواجهة الآتي فيما يتحقق داخل بنية الزمن. ويضج النص بالصور التجريدية القائمة على دفع النص باتجاه تكوين مهيمنات تخدم الهم العام له من خلال فجوات متحركة تضيق مرة وتتسع مرة أخرى لتكون معادلاً دقيقاً لعملية /الإقفال/ المنوه عنها في /النصيص/ لهذا يختار الشاعر الجمل الاسمية ذات السمت الثابت لكي تعضد فعل الأفعال.
مرايا قرمزية
عيونها جناحات
تشع عبر أرصفة ومقبرة
ورغبة يوظفها السؤال
في حنايا الزمن السائب
مفازة رملها الضوء والشمس
وملحها الأجاج
كأن ظلها يدنو
وتقبض راحتاها ماء عين والضحى وجهاً
يبلله القطر
وهمس البراكين
من الناحية الدلالية يكرس هذا المقطع هيكلية المكان كما يكرس في الوقت نفسه هيكلية الزمن عبر تشاكل وصفي للاثنين لكنه أي التشاكل على تضاد محسوب لهاتين الركيزتين، فـ/عيون المرايا/ تقوم على زمن ممتد بنحو أفقي لكنها في الوقت نفسه تبحث عن أرضية تحط عليها عبر الدلالة اللسانية المكانية المتمثلة في /الأرصفة+ المقبرة/.
هنا تنشطر الدلالة المكانية إلى شطرين احدهما يمثل الولادة التعيسة المرمية على أطراف الشوارع/الأرصفة/ والأخرى تذهب باتجاه النهاية المحتومة/المقبرة/ المستقر الأخير لهمود الجسد. وعلى الرغم من هذه النهاية إلا إنها /تشع/ من موتها في زمن هلامي يتيه في مفازة لا يغادرها الوضوح والالق والكشف المتمثل في /الشمس/والضحى المنقلب الى وجه يبلله القطر الذي هو سر الحياة... لكن هذا القبض يحمل مضاده /البراكين/ وان كانت هامسة.
اما قصيدة /سلالة التكوين/ فأن/ النصيص/ يميل دلالياً الى تزمين ظرفي امتدادي، بمعنى تمييع زمن اللحظة باتجاه خلق بؤرة دلالية تعتمد الخاص لكنها تطمح إلى احتواء ما هو عام. يحتفظ النص بترديداته الزمنية المقفلة إغلاقاً تاماً، او كاملاً /محاطاً بسلالة التقاويم/ لكنه لم يلغ تمظهر المكان بوساطة /المرايا المتورمة/ التي تبدو ذات دلالة مرمزة باتجاه المرايا المحدبة convex التي تبقى فيها الصورة غير متغيرة. أما الفيض الحاصل عن المرآة المتورمة فيتكون من مجموع الشعاعات الساقطة مرة بنحو مواز للنصيص ومرة يمر امتداده بالبؤرة المركزية فينعكس عنها وكأنه يوازي محورها، لهذا جاء التشبيه مكتنزاً بتعطيل الحواس حتى لا يتحقق ما هو بمنزلة اليقين في ضوء معطى المرايا الراصدة لكينونتها المغسولة بـ/أجراس الجسد المختلج/ هذا الاختلاج متحقق في بنية الجرس في الأصل لذلك أعطى منتجات مشابهة له دلالياً إضافة الى ان مسافة الإنتاج الحاصلة بين الأجراس والجسد المختلج مسافة تكاد ان تكون معدومة. أما الانغماس بالورد فهو غير/ بروق الأساطير، فمنتج هذه البروق متشعب إلى ثلاثة منتجات لا يجمعها سوى الحروف الرابطة بينها والتي تحقق تعانقاً بين الصوت والمعنى إذ أن:
فأسس = فـ + أ + س
رأس= ر+ أ + س
فار= ف + أ + ر
التعالق حاصل بنحو تبادلي، فالهمزة هي القاسم المشترك الأعظم، وهي أي الهمزة (نقطة لابتداء ظهور الألف، فالاشكال الأربعة لمظاهر الإلف تبدأ بالهمزة) ءُ/ء/ آ
همزة مطلقة ءِ
فحرف الراء تكرار ديمومة الفعل بنحو منظم
حرف الفاء استقبال الزمان والمكان (الوجود)
حرف السين استمرار الفعل(1)
هكذا يربط الشاعر بين بروق الأسطورة وهذه المفردات الثلاث، ولم يكن هذا الربط ربطاً عشوائياً، إذ أن لغة الأسطورة (لها خصائص التزامن والتتابع فزمنها هو الآن الزمن القابل للإعادة =اللغة= التزامن غير القابل للإعادة = الزمن الاحصائي= الكلام= التتابع)(2)
هكذا تشكل العالم السردي للمكان عبر سلسلة دائرية تبدأ بمهيمن تقويضي وتمر عبر مركز إنتاجي لتستقر عند نقطة تقويضية تستلهم ما بعدها عن طريق الامتداد الأفقي لمكون مكاني هو/الجدار/ الذي يحاذي بنية الزمن عبر مفردات الصمت والسكون. ان نهاية النص تحاول الخروج من الأنا /الفرد إلى الآخر/ الكلي المتولد أو المولد له. ان /سلالة التقويم/ هي المهيمنة الرئيسية التي انطلق النص منها وعاد إليها بمنطق الذات التي تستقرئ وجودها المتحصل من خلال الظلامات التي تتخلل رسم صورة/ الأنا/ فيها بواسطة المقابل الكينوني للمرايا نفسها، ويتم ذلك كله عبر تجسيد صوت الأنا الذي تترآى له الصورة الحقيقية للمرآة وما يتجلى عليها عبر يقظة حواس الأنا بأن زمنها الكلي الذي هو الصورة الأخرى للزمن المتجسدة في ذات المرآة والذي ترتسم معالمه في عيون الشاعر على أنه تسلط خارجي يسعى لتحجيم الأنا لكنه لا يقوى على ذلك بسبب من اللحظة /الزمن الذي ينبغي ان يتحقق ذلك فيه ، هو زمن يلفظ أنفاسه الأخيرة في سورة تكوين الآخر.
--------------------
الإحالات:
* حضور متأخر جداً/ مجموعة شعرية / حبيب السامر/ مطبوعة على نفقه الشاعر/
ط1/2005.
1-اللغة الموحدة/ عالم بسيط / ج1/ص111/بغداد. 2-الأسطورة والمغنى/ ليفي شتراوس/ ترجمة وتقديم د. شاكر عبد الحميد سلسلة المائة كتاب،ص