منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    انفتاح الدِّلالة في النص القرآني الشريف وجه من وجوه الإعجاز المُعْجِب

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    انفتاح الدِّلالة في النص القرآني الشريف وجه من وجوه الإعجاز المُعْجِب Empty انفتاح الدِّلالة في النص القرآني الشريف وجه من وجوه الإعجاز المُعْجِب

    مُساهمة   الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 12:59 pm

    ناشر الموضوع : أبو معتز

    العدد الأربعون
    ربيع الآخر 1426هـ
    أيـــــــــار 2005م
    على مائدة القرآن الكريم
    انفتاح الدِّلالة
    في النص القرآني الشريف
    وجه من وجوه الإعجاز المُعْجِب
    <table id="AutoNumber3" style="border-collapse: collapse;" border="0" bordercolor="#008000" cellpadding="0" cellspacing="0" height="36" width="80%"><tr><td height="19" width="100%">[center]د. مهدي أسعد عرار
    كلية الآداب – جامعة بيرزيت - فلسطين
    </td></tr></table>


    لمّا كانت معجزة كلّ نبي مما شاع عند قومه، ولمّا كان أهلُالجاهلية أهلَ لَدَدٍ وفصاحة – لمّا كان ذلك كذلك – نزل القرآن بلسان عربيمبين على سبيل التحدي والإعجاز، فأفحم الخصوم، وأفضى ببعضهم إلى التقريربأن عليه طُلاوة، وأن له حلاوة، وأن أعلاه مثمر، وأن أسفله مُغدِق، وما هوبقول بشر. والحقّ أن استشراف البواعث التي أذنت بهذا التقرير من رجل ينتسبإلى أولئك الذين يمتلكون ناصية اللغة، والملكة البيانية المُعجِبة، يُفضيإلى المُكْثِ في تلمُّس وجوه إعجازه، وهذا المقال محاولة للكشف عن ملحظٍدلالي جزئي ارتضيتُ له اسم "انفتاح الدلالة"، وليس المَقْصِد المتعيّن منهذه التسمية التأويل، بل تعدد المعاني في السياق الواحد وتضافرها معاً فيدلالة السياق الشريف، وقد بدا لي آنَ انشغالي بهذا المطلب أنَّ مُثُلَ ماأريد تَمَثُّلَه متكاثرة، وأنها تقعُ في مستويات متباينة، ومن ذلك ما يقعفي مضمار المستوى الصوتي، والصرفي، والتركيبي، والمعجمي. ولعله يَحْسُنُأن أُقَدِّمَ لكلامي هذا احتراساً مضمونه أنّ انفتاح الدلالة -في غيرالسياق القرآني الشريف– قد يكون ذا صبغة سلبية؛ إذ إنَّ المتكلِّم قد يأتيبه للإبهام دون الإحكام، فلا يقف السامع على مراده إلا بالتوهّم دونالتحكُّم، وإخالُ أنّ هذا العنوان العريض "انفتاح الدلالة" يَعوزُه فضلُبيانٍ لينتقل به الباحث من مضمار التنظير إلى مضمار التطبيق بغية تجليةبواعثه ومواضعه، وسأتناول ذكر الأمثلة على انفتاح الدلالة حسب مستوياتاللغة التالية:
    1- المستوى الصوتي:
    ثمة باعثان على انفتاح الدلالة في المستوى الصوتي: أولهماالمَفْصِل، فهو سكتة كلامية خفيفة بين الكلمات أو الجمل؛ إذ إنها سبيل منسبل تعيين حدود الكلمات، وذلك نحو " إنما " و " إنْ نما "، وسبيل من سبلانفساخ نسيج التركيب الجُمْلِيّ (1)، ومما يتصل بمطلب الحديث عن المفاصلالصوتية الحديثُ عن الوقف والابتداء في التنزيل العزيز؛ إذ إنه مطلب لهخطره في إقامة المعاني، و "يترتب عليه فوائدُ كثيرة، واستنباطات غزيرة،وبه تتبين معاني الآيات، ويُؤْمَنُ الاحترازُ عن الوقوع في المشكلات" (2).
    ومن الأمثلة التي يتجلّى فيها انفتاح الدلالة الآتي منتباين وجه القول على المَفْصِل قول الحق -تبارك- : (قل تعالوا أَتْلُ ماحرّم ربكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئاً) (الأنعام: 151). يظهر أنه يتباينالمعنى بتباين المفصل الصوتي، فقد يكون الوقف الكافي بعد قوله: (عليكم)،والتقدير: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، ألا تشركوا به شيئاً)،والمصدر المؤول (ألا تشركوا به شيئاً) في محل رفع خبر لمبتدأ محذوفتقديره: هو، وقد يكون الوقف بعد (ربكم) : (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم،عليكم ألا تشركوا به شيئاً) ولا ريب أن ثمة انفتاحًا في الدلالة ههنا،والمعنى هو الإغراء، والعامل فيه: (عليكم) (3)، وهو كقولنا: عليك الذهابَالآن، وليس يخفى على ذي تَبصُّر أن كلاماً يُفضي تباينُ المفصِل فيه إلىاستشراف وجه تركيبي جديد يثير في النفس استحساناً لهو من الدواعي المقررة"وما هو بقول بشر".
    والباعث الثاني على انفتاح الدلالة في المستوى الصوتي(التنغيم) الذي له سُهْمَهٌ في تعيين المعاني النحوية العريضة، كالاستفهاموالتعجب والنداء وغير ذلك (4). ومما انفتحت دلالته وتعدد القول على إعرابهقول الحق -تبارك-: (قُتِل الإنسان ما أكفره) (عبس: 17)، فقد يستقيم أنيقال: إنّ (ما) تعجبية، كقولنا: ما أجملَ السماء! أو أن يقال: إنهااستفهامية، والمعنى: أي شيء حمل الإنسان على الكفر مع ما يرى من الآياتالدالة على التوحيد (5)، وليس يخفى أن ثمة انفتاحاً في دلالة الآيةالشريفة، وأن مردّ ذلك إلى "التنغيم"، ومع هذا كله يلتقي معنى التعجب معمعنى الاستفهام ليدلاّ على عناد الإنسان وتماديه في الكفر، والمَلْحَظُالمُعْجِزُ ههنا أن الله العظيم – وكلُّ شيء عنده بمقدار – لم يخصَّ معنىًدون معنى، بل جاءت دلالة الآية مفتوحة دون أن يفضي هذا إلى مساس بالمعنىالكلي، وهو التنبيه على كفر الإنسان وعناده، إمّا بالتعجب أو بالاستفهامالإنكاري.
    2- المستوى الصرفي:
    وقد يقع الانفتاح الدلالي في المستوى الصرفي، أي في أبنيةالكَلِم، ومن بواعث ذلك "تناوبُ الصيغ"، والحق أن هذه الظاهرة لها حضورهافي العربية، ومن ذلك قيام "مفعول" مقام المصدر (6)، وقيام "فاعل" مقامالمصدر، وقيام "فعيل" مقام فاعل ومفعول ومُفْعِل، وقيام "أفْعَل" مقام"فَعيل" (7)، و"فَعِل" مقام "مفعول" (Cool.
    ومن أمثلة ذلك في التنزيل العزيز قوله -جلّ-: (لا عاصماليوم من أمر الله ) (هود: 43). لما عرّج المفسرون واللغويون على هذهالآية الشريفة تردّدوا بين معنيين مركوزين في الصيغة "عاصم"، أولهما أنهاعلى ما هي عليه من كونها اسم " فاعل : عاصم "، والمعنى: لا أحد يعصمكاليوم من أمر الله، وثانيهما أن هذه الصيغة تنتسب إلى ظاهرة تناوب الصيغ،فهي اسم مفعول جاء في حُلَّة اسم الفاعل : " عاصم : معصوم "، والمعنى: لاأحد معصوم من أمر الله (9)، وهذا وجه لا يُدْفَع، فنحن نقول: الطاعمالكاسي، والمعنى: المطعومُ المكسوّ، ووجه الإعجاز في هذا السياق الشريفملحظان، أولهما: أنّ صيغة واحدة قامت مقام صيغتين فاشتملت على معنيين،وثانيهما أن المعنى في محصلته النهائية واحد، فالله العزيز يريد أن ينفيهذا الأمر بكلّيّتِه، فلا أحد معصوم من أمر الله إلا مَنْ رحم، ولا أحدعاصم من أمر الله؛ ذلك أن العذاب قد حقّ بهم، وبقي ابنُ النبي نوح –عليهالسلام– ممن ظلّوا في طغيانهم يعمهون متكبرين جاحدين، وهو يظن أنه سيأويإلى جبل يعصمه من أمر الله، ولكن هيهات هيهات، لا عاصم ولا معصوم من أمرالله (10).
    هذا وقد تفضي العوارض التصريفية إلى انفتاح الدلالة، ومردّذلك الإدغام، إدغام المثلين، ومن أمثلة ذلك قول الحق -تبارك-: (ولا يضارَّكاتبٌ ولا شهيد) (البقرة: 282). موضع المباحثة في هذه الآية قوله الشريف"يضارّ"؛ إذ إنها بنية سطحية محتمِلة. وقد انفتحت دلالتها لوقوع معنيينتحتها، وهما: " لا يُضَارِرْ، ولا يُضَارَرْ"، ولكن العارض التصريفي أفضىإلى إدغام الراءين معاً، فاتحدت صيغة المبني للمعلوم مع صيغة المبنيللمجهول، مخلّفة وراءها انفتاحاً دلاليّاً، ووجه الإعجاز ههنا أن ثمةنهيين في صيغة واحدة: نهياً للكاتب والشهيد عن إلحاق الضرر بغيرهما، كتركالشهادة أو التحريف، ونهياً عن أن يضارَّ الكاتب والشهيد، وذلك ألا يُعطىالكاتبُ حقه، أو أن يُحَمَّلَ الشهيدُ مُؤْنةَ المجيء من بلد، أو أنيُعَنَّفَ (11)، ويسندُ هذا؛ أعني معنى "ما لم يُسمَّ فاعلُه " قراءةُ ابنمسعود: " ولا يُضارَرْ " (12)، ولكنّ الأول –أعني معنى الفاعلية– أبين عندالطبرسي (13)، كل هذه المعاني تحتملها صيغة واحدة تثير في النفس استحساناًآنَ الكشف عن المعاني الواقعة تحتها، والحاصلُ أن الله العظيم لم يخصّمعنىً دون معنى في هذا النهي: (ولا يضارّ كاتب ولا شهيد)، بل جمعهما معاًفي كلمة واحدة.
    3- المستوى التركيبي:
    أما انفتاح الدلالة الواقع في المستوى التركيبي فمواضعهمتباينة، ومن ذلكم تباين القول على مرجع الضمير؛ وذلك نحو قوله –تبارك- Sadما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها)(الحديد: 22)، يظهر في هذا السياق الشريف أن ثَمَّ ضميراً في قوله: "نبرأها"، وقد تقدّمه ثلاثة مراجع، وهي: المصيبة، والأرض، وأنفسكم، وليسيخفى أنّ قواعد المطابقة تأذن بعود هذا الضمير "الهاء" في (نبرأها) علىهذه المراجع الثلاثة المتقدمة، لِيَعْقُبَ هذا انفتاح دلالي مؤتلف منثلاثة أوجه (14):
    أولها – أن الضمير " الهاء " عائد على (الأرض): من قبل أن نبرأ الأرض.
    وثانيها – أن الضمير عائد على (المصيبة) : من قبل أن نبرأ المصيبة.
    وثالثها – أن الضمير عائد على (النفس) : من قبل أن نبرأ النفس.
    والمستصفى مما تقدم أن تلكم المراجع لا تتدافع، بل هيمُتقبَّلة في سياقها صالحة، ووجه الإعجاز اللغوي في هذا السياق الشريف هوانفتاح الدلالة في ثلاث شعب دلالية، والمقصد الدلالي المتعيّن هو التقريربالتقدير، تقدير العزيز العليم قبل أن يبرأ الأرض، أو النفس، أو المصيبة؛ذلك أن كل شيء عنده بمقدار محفوظ في لوح محفوظ قبل أن يُوجدَ الوجود، فهوالأول بلا بداية. والذي يسترعي الخاطر ههنا هو اشتمال ضمير واحد – وهو"الهاء" في (نبرأها) – على هذه المراجع المتقدمة، ليعقُبَه تخلُّق ثلاثةمعان تفضي إلى نفي المعنى بالمطلق، فالمصيبة التي تحلُّ بالخلق مكتوبةعليهم، ومقدرة قبل أن يبرأ الله الأرض أو الخلق (أنفسكم) أو المصيبة نفسها! ويمكن جدّاً أن ينضاف مرجع رابع، وهو كل ما تقدّم (15)، تبارك الله أحسنالخالقين.
    ومن مثل ما تقدّم قوله: (ثم أنزل عليكم من بعد الغمأَمَنَةً نعاساً) (آل عمران: 154). إذا أمعن المرء النظر في هذا التركيبفإنه سيقف وجاهَ معنيين: أولهما أن تكون (أمنة) مفعولاً به منصوباً: أنزلآمنة. ثم تأتي كلمة (نعاساً) لتفسّر هيئة هذه الأمنة، فتكون بدلاً منها :أمنةً نعاساً. والظاهر أن هذا الإعراب مُتَقَبَّل لا يُدفَع، ولكن وجهالإعجاز المُتمثِّل في تغيُّر أماكن الكلمات قد يفضي إلى معنى جديد، ويكونإعراب (نعاساً) مفعولاً به، ثم تجيء (أمنة) لتجلّيَ السبب، أو لتجلّيَالحال، فتكون مفعولاً له متقدِّماً، أو حالاً، وكأنها جواب عن السؤال:لماذا أنزل الله عليكم نعاساً؟ فيكون : للأمنة أو للأمن، ووجه الإعجاز فيهذا السياق الشريف أن الكلمة الواحدة قد احتملت غير معنى نحوي، فالكلمة(أمنة) تحتمل أن تكون مفعولاً به، أو مفعولاً له، و (نعاساً) تتردد بينكونها بدلاً، أومفعولاً به (16).
    وقد يتجلّى انفتاح الدلالة في المستوى التركيبي من إضافةالمصدر إلى المفعول والفاعل، فمن أمثلة ذلك قوله - عزّ -: (كلاّ سيكفرونبعبادتهم) (مريم: 82). فقد قيل: إن هذا التركيب متردّد بين الفاعليةوالمفعولية، فإذا كان المصدر " عبادة " مضافاً إلى المفعول، فالتقدير:"ستكفر الأصنام بعبادتهم"، وإن كان مضافاً إلى الفاعل فالمعنى المتعيّن منهذا التركيب الشريف: سيكفر المشركون بعبادتهم الأصنام.
    4- المستوى المعجميّ:
    وليس ملحظ انفتاح الدلالة المعجز مقصوراً على المستوىالصوتي، أو الصرفي، أو التركيبي، بل إنه يتعدّى ذلكم المتقدم إلى المستوىالمعجمي، إلى حدود الكلمة المفردة القائمة برأسها، ومن أجلى بواعثه في هذاالمستوى "الاشتراكُ اللفظي"، كأن يقع تحت الكلمة الواحدة معنيان أو أكثر،أو أن تكون الكلمة نفسها ذات دلالة عائمة تتسع لمُدخلات متنوعة، فتنفتحدلالتها لمقتضى إرادة الحق –جلّ-، ومن الأمثلة التي تُخرج ما أنا خائضٌفيه من مضمار التنظير إلى مضمار التطبيق قوله -تنزّه- : (لا يَرْقُبُوافيكم إلاًّ ولا ذمّة) (التوبة: Cool، لقد تمثّل انفتاح الدلالة الآتي منالمعجم في قوله : (إلاًّ)، فهي كلمة تنتسب إلى المشتَرَك اللفظي بِنَسَبٍحميم؛ إذ إنه يقع تحتها غيرُ معنى، ومن ذلكم أنها تعني: الله أو العهد أوالحلف أو القرابة أو الجوار (17)، ووجه الإعجاز المعجِب في هذا السياقالشريف هو اشتمال الإلّ" على معان متعددة، وهذه هي حال المشركين الذين لايضيرهم عهد أو حلف أو قرابة أو ...، وانفتاح الدلالة هذا فيه إلماحة إلىنفي المعنى بكلّيّته، والملحظ اللطيف في هذا أن كلمة واحدة قامت مقامكلمات متعددة محتمِلة، وقد تنبّه الطبري بثاقب بصره، وبعيد تأمله إلى هذهالإلماحة المعجزة فقال: "الإلّ: اسم يشتمل على معان ثلاثة: وهي العهدوالعقد، والحلف والقرابة، وهو أيضاً بمعنى الله، فإذا كانت الكلمة تشملهذه المعاني الثلاثة، ولم يكن الله خصّ من ذلك معنىً دون معنى – فالصوابأن يعمَّ ذلك كما عمَّ بها جلّ ثناؤه معانيها الثلاثة فيقال: لا يرقُبونفي مؤمن : اللهَ ولا قرابةً ولا عهداً ولا ميثاقاً " (18).
    ومن الأمثلة التي تُجلّي مطلب استشراف الانفتاح الدلاليالآتي من المعجم قوله -تبارك- : (انفروا خفافاً وثقالاً) (التوبة: 41).ووجه الانفتاح في هذا السياق الشريف قوله: (خفافاً وثقالاً)، وليس يخفىعلى ذي نُهيةٍ أن هاتين الكلمتين يكتنفهما إجمالٌ ودلالةٌ عائمة لا تقفبنا على معنى على وجه الإحكام، ولذلك قيل: "خفافاً" من السلاح، و "ثقالاً"مستكثرين منه، أو "خفافاً" من الأثقال، و"ثقالاً" بها، أو "خفافاً" منالعيال، و" ثقالاً " بهم، أو "خفافاً" من الأتباع، و"ثقالاً" بهم، أو "خفافاً " إلى المبارزة، و " ثقالاً " في المصابرة، أو "خفافاً" بالمسارعةوالمبادرة، و "ثقالاً" بعد التروّي والتفكر، أو "خفافاً" مهازيل، و"ثقالاً" سماناً، أو "خفافاً " : شباباً، و "ثقالاً" شيوخاً، أو " خفافاً" رُكباناً، و "ثقالاً" رجالاً، أو " خفافاً " إلى الطاعة، و "ثقالاً " عنالمخالقه" (19)، والظاهر أن الحق -تنزه في علاه- قصد هذا الانفتاح الدلاليالمعجب؛ ذلك أن المعوّل عليه في الأمر الجهاد.
    والحق أن هذا الملحظ له حضور جليّ في التنزيل العزيز،وحسبي في مختتم التعريج عليه الإشارة إلى قول ابن قتيبة في قوله – تعالى –متلمِّساً هذا الانفتاح الدلالي المعجب، ملمِّحاً بل مصرِّحاً بأن دلالة(ينزفون) تتسع لمدخلات متنوعة: " وتبيَّنْ قولَه في وصف خمر أهل الجنةSadلا يُصدَّعون عنها ولا ينزفون) (الواقعة: 19) كيف نفى عنها بهذين اللفظينجميع عيوب الخمر، وجمع بقوله: (ولا ينزفون) عدم العقل، وذهاب المال، ونفادالشراب" (20).
    وبعد، فالذي تقدّم قَبْلاً حديثٌ مضمونه "انفتاح الدلالة"،وقد بيّنتُ علّته ومواضعه، ويبقى حقّاً عليّ، استكمالاً لمستلزمات البحث،أن أعرّجَ عَقِبَ هذا المتقدم على علة العلة، ولعل أولها أنها وجه من وجوهالإعجاز الخالد المفضي إلى التقرير: "وما هو بقول بشر"، فقد تبين أن كلمةواحدة تُغني عن جُمَل تَبْسطُ في القول وتطوِّل، وأن تركيباً بنيويّاًواحداً يقع تحته معنيان أو معان لمقتضى إرادة الحق، وأن صيغة صرفية واحدةتحتمل معاني صرفية متباينة، وأن المفاصل الصوتية تعمل على انفساخ نسيجالتركيب لتعيين المعاني النحوية، وأن تباين القول على مواضعها باعث منبواعث انفتاح الدلالة وتعدد المعاني.
    من وجهة ثانية، إخالُ أنه ينضاف إلى ما تقدم آنفاً علةثانية تأذنُ بهذا الانفتاح الدلالي؛ إذ إن انفتاح الدلالة قد يفضي في بعضمُثُلِهِ إلى قيام أحكام فقهية تتضمنها آية واحدة، وهذا من رحمة اللهالعظيم بعباده، ومن ذلك قوله تعالى: (أوْ لامستم النساء) (النساء: 43).فانفتاح الدلالة آت من التردد في اقتناص المتعيِّن من " اللَّمس"، فقالفريق من الفقهاء: إنّ لمسَها لا ينقض الوضوء، وذهبت ثلة أخرى منهم إلى أنلمس المرأة التي ليست بمحرم ينقض الوضوء؛ إذ إنهم فسّروا اللمس بمسّالبشرة (21).
    ومن مثل ما تقدم قوله –تبارك–: (يا أيها الذين آمنوا إذاقمتم إلىالصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم)(المائدة: 6). والظاهر من هذا السياق الشريف أن المسح ركن من أركانالوضوء، ولكن الاختلاف الفقهي واقع في مقدار المسح المتعيِّن، والظاهر أنهذا الاختلاف الفقهي قائم في أصله علىاختلاف لغوي، ذلك أن ثَمَّ انفتاحاًفي دلالة الآية الكريمة، فقد قيل: إن الباء زائدة، والمعنى المتحصِّل: "فامسحوا رؤوسكم"، ومثلُ هذا قوله –تنزه– (لستُ عليكم بشهيد)، أي : شهيداً،وقد جنح آخرون إلى عدّها أصلية معناها التبعيض، والمعنى: "بعض رؤوسكم"(22). والحقّ أن أمثلة تعدد الأحكام الفقهية الآتية من انفتاح الدلالةكثيرة، والتنزيل بها مستفيض، وهي –من وجهة أخرى– تخفيف من ربنا ورحمة.
    من وجهة ثالثة، قد يكون في انفتاح الدلالة تأكيد وتعميمعلى أمر بكلّيتّه، وقد تقدم قبلاً أمثلة متنوعة من مستويات متباينة تسندهذا الذي أنا خائض فيه؛ وذلك نحو دلالة: (خفافاً وثقالاً) أو (يضارَّ)،وليس يستقيم في الفهم أن يذهب الخاطر إلى أن هذه الأمثلة هكذا جاءت واستوىأمرها؛ إذ إنها ليست من كلام البشر، بل من ربّ البشر الذي عنده كلُّ شيءبمقدار، ولذا قد يتعين من هذا الانفتاح الدلالي تأكيدٌ لما أراده الحق، أونفيٌ لأمر ما، واشتمالٌ لمعان متنوعة لم يخصّ الله منها معنىً دون معنى،ويبقى هذا الملحظ المعجب مفضياً إلى ذهاب الخاطر إلى معان متنوعة تتفق فيدلالتها ودلالة السياق الكلية.
    وبعد، فهذا يكثر إن تتبّعتُه، وقد أوردتُ أمثلة تنبّه علىالغرض الذي قصدته، وما هو إلا نزر يسير من مجموع متكاثر يُؤذِن بالتقرير:إن له لحلاوة، وإن عليه لطُلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وماهو بقول بشر.

    هوامش البحث:
    1- انظر تعريف المفصل:
    Robins, R.H, General Linguistics, Longman, New York,1989, p 145 باي، ماريو، أسس علم اللغة، ترجمة، أحمد مختار عمر، جامعةطرابلس، طرابلس، 1973م، 95.
    2- الزركشي، بدر الدين محمد، البرهان في علوم القرآن، تحقيق، محمد أبوالفضل إبراهيم، دار الجيل، بيروت، 1987م، 1/342.
    3- أشار إلى هذين المعنيين ابن الأنباري، البيان، 1/349،والعكبري، التبيان، 2/548، وأبوحيان، تفسير البحر المحيط، تحقيق عادل، عبدالموجود وآخرين، ط1، الكتب العلمية، بيروت، 1993م، 3/251، وقد ضعف وجهالنصب علىالإغراء، ورجح (الفراء) هذا الوجه، انظر: معاني القرآن، تحقيق،أحمد نجاتي، ومحمد النجار، الدار المصرية، القاهرة، 1955م، 1/364.
    4- لبسط القول في ظاهرة التنغيم انظر:
    Singh,S, Phonetics: Principles and Practise, University of Park Press, 1982. p. 1870
    وقد عُدّ مَدخلاً لرفع الغموض النحوي، انظر:
    Katamba, F, An Introduction to Phonology, Longman, New York, 1989, P244.
    5- انظر هذين الوجهين: النحاس، إعراب القرآن، 151، ومكي، المشكل، 2/803، وابن الأنباري، البيان، 2/494.
    6- انظر: ابن فارس، أبوالحسين أحمد، الصاحبي في فقه اللغةالعربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، تحقيق عمر الطباع، ط1، مكتبةالمعارف، بيروت، 1993م، 236، والأستراباذي، رضي الدين محمد، شرح شافية ابنالحاجب، تحقيق محمد الحسن وآخرين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1982م،1/168، ومن ذلك: مالَه معقول ولا مجلود، أي : ليس له عقل ولا جلد.
    7- انظر الأستراباذي، شرح الشافية، 3/524، والمبرد،أبوالعباس محمد، المقتضب، تحقيق محمد عضيمة، ط1، عالم الكتب، بيروت،1968م، 3/246. ومن ذلك: أصغركم وأكبركم، والمعنى: صغيركم وكبيركم.
    8- انظر الأستراباذي، شرح الشافية، 1/162، ومن ذلك الذبح والطحن، والمعنى: المذبوح والمطحون.
    9- أشار إلى المعنيين: الفراء، معاني القرآن، 2/15،وأبوحيان، البحر، 5/227، ابن منظور، اللسان، مادة "عصم"، واكتفى ابن قتيبةبمعنى "مفعول" انظر كتابه : تفسير غريب القرآن، تحقيق السيد أحمد صقر، دارالكتب العلمية، بيروت، 1987م، 204.
    10- رجّح بعض المفسرين أن "عاصم" في سياقها الشريف ذاك علىبابها، أي: اسم فاعل مع ذكرهم المعنيين، انظر: القرطبي، الجامع، 9/28،وذهب الطبرسي أن لها ثلاثة معان، وهي عاصم ومعصوم، وذو عصمة، أي النسب.انظر الطبرسي، 5/208.
    11- انظر ما قيل في هذه الآية: الزمخشري، الكشاف عن حقائقالتنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ط1، دار الفكر، القاهرة، 1977م،1/404، وأبوحيان، البحر، 2/370، وقد ذهب إلى المعنيين النحاس، إعرابالقرآن، 1/346.
    12- القرطبي ، 3/261 – 262.
    13- الطبرسي، مجمع البيان، 2/173.
    14- انظر هذه الوجوه: مكي، المشكل، 2/719، وابن الأنباري، البيان، 2/424.
    15- وذهب بعضهم إلى أن الآية متصلة بما تقدمها، انظر ماقاله فيها القرطبي : الجامع، 17/167، واكتفى الطبرسي بعود الهاء على"الأنفس". انظر : مجمع البيان، 9/308.
    16- أشار إلى المعنيين: النحاس، إعراب القرآن، 1/413، ومكي، المشكل، 1/177، وابن الأنباري، البيان، 1/226.
    17- انظر ما قيل في معنى " الإل ": أبوعبيدة، المجاز،1/253، وابن قتيبة، تفسير الغريب، 183، وابن عزيز، نزهة القلوب، 126،والزمخشري، الكشاف، 2/176، وأبوحيان، البحر، 5/15.
    18- الطبري، أبوجعفر محمد بن جرير ، تفسير الطبري، تحقيق محمود شاكر، دار المعارف، القاهرة، 1969م، 4/148.
    19- انظر هذه المعاني: الزمخشري، الكشاف، 2/191، وأبوحيان، البحر، 5/46.
    20- ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، تحقيق السيد صقر، المكتبة العلمية، بيروت، 1973م، 7.
    21- انظر ما قيل في معنى اللمس: ابن فارس، المقاييس، مادة" لمس" ، وابن عزيز، النزهة، 388، والجرجاني، أبوالعباس أحمد بن محمد،المنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء، دار الكتب العلمية، بيروت،1984م، 9. وقد ذهبا إلى أن اللمس في الآية الشريفة كناية عن الجماع. انظر:ابن قدامة المقدسي، المغني، مطبعة الفجالة، القاهرة، 1968م، 1/142،وأبوحيان، البحر، 3/296.
    22- انظر: ابن هشام، المغني، 1/143، وقد ذكر معنىالاستعانة، ورجح معنى الإلصاق، أما العكبري فقد رجح زيادتها رافضاً كونهاللتبعيض، انظر التبيان، 1/422، وانظر خلاف الفقهاء: عبدالوهاب طويلة، أثراللغة في اختلاف المجتهدين، دار السلام، القاهرة، 1414هـ، 193.

    مجلة الفرقان
    [/center]

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء نوفمبر 27, 2024 11:13 pm