مقدمة نقدية (رولان بارت أنموذجا: كان يتربع على عرش النص بعد أن يدحر قصدية المؤلف ويدفنه
كتبها dude abdalla الصديق عبدالله ، في 27 يوليو 2007 الساعة: 08:26 ص
[size=25]مقدمة نقدية (رولان بارت أنموذجا)
- د. يحيى قاسم سهل
،،إن الكتابة عن (رولان بارت) أمر فيغاية الصعوبة وأعني بذلك من الصعب التحدث عنه بشكل علمي وذلك بسبب غزارةالمراجع النظرية التي يستند إليها ماركس، فرويد، هلمسلف، ميرلوبونتي،مراجع فلسفية وسيكولوجية ولسانية وسيميائية وانتروبولوجية ..الخ.
والصعوبةالأخرى هي الرشاقة التي يتمتع بها بارت والتقلبات التي يخضع لها والتيحالت دون وضعه ضمن أي تصنيف للمدارس الأدبية والمنهجية الكثيرة التي عرفهاالنصف الأول من القرن الفارط، وذلك لأنه أخذ بطرف من معظم هذه المدارسوأسهم فيأكثر من واحدة منها وأيضا لأن بعض هذه المدارس نفسها متشابكة متداخلة كماهو الشأن بالنسبة للبحث السيميولوجي (علم الأدلة) أوعلم الإشارة والمدرسةالبنيوية وأيضا هذه الأخيرة وما بعدها.
ودون شك أن هذه التقلبات دفعت أكثر من باحث إلى السؤال عن كنه منهج بارت ؟.محاولة تصنيف «بارت»لا تستطيع أية محاولة لتصنيف بارت أن تتجاوز كتاب (دي سوسير) الموسوم بـ«دروس في الألسنية العامة» 6191م الذي تنبأ فيهبعلم يدرس حياة العلامات والإشارات واللغة الرمزية واقترح له اسمالسيميولوجيا واعتبر أن اللسانيات ستكون فرعاً من هذا العلم الجديد.
وقد تفرعت عن طرح سوسير اتجاهات لاحصر لها منها: البنيوية في مجال اللسانيات مع مارتيني وشومسكي وفي مجال الأدب الروائي مع جينيت وتودروف وفي مجال تحليل الخطاب مع بنفنست كما تفرع عن طرح سوسير أيضا اتجاه سيميولوجي يمثله في مجال نظرية الإبداع مارتيني وبريتو ومونان، وكان خير من وظفه سيميولوجياً دلالياً مرتبطاً بتقاليد سوسير في مقابل اتجاهات أخرى من البنيوية الاتجاه الإنجلوسكسوني الذي ازدهر فيأمريكا والمتفرع عن سيميوطيقا برس واتجاهات مغايرة من الدرس السيميائي مثلمدرسة باريس والمدرسة الشكلانية الروسية والجناح السيميولوجي الإيطالي معأمبرتوإيكو وروسي لاندي وغير ذلك من النظريات التي يتجاوز الاسترسال فيها موضوعنا.
وبصرف النظر عما قيل وسيقال فإنني وبتواضع جم أقول إن عظمة بارت تكمن في جملة الأسئلة التي تركها معلقة .. ومابرحت تؤرق المشتغلين بالأدب والفكر.
ومن هذه الأسئلة مثلاً: هل هناك معايير نقيس بها جمالية العمل الفني ؟.
وهل هناك قوانين للإبداع تصلح للكاتب ولا تصلح للناقد ؟.
إن اختيار جمعية تنمية الثقافة والأدب (مقرها عدن) رولان بارت أنموذجاً للحديث عن النقد لم يكن مصادفة باعتبار أن بارت يقع في مقدمة من أسهموا فيالعبور بالنص النقدي من صفته التقليدية كلغة شارحة، واصفة، لغة من الدرجةالأولى تلفت الانتباه إلى نفسها أكثر مما تلفته إلى النص الإبداعي الذيتنقده وتقرأه وتقدمه.
ويتجلى ذلك من المسار الذي اتخذه طرح بارت حول (موت المؤلف) و (سلطة النص) و (القارئ) رغبة منه فيإحلال النقد محل المبدع منتج النص وجعله يحقق انتقاماً طالما خامر النقادوهو جعل نتاجهم هو (الإبداع) لا مجرد نص يلتقي أويتعثر بالعتبة الإشكاليةللنص المبدع الذي يقرأونه.بطاقة تعريفولد رولان بارت عام 5191م ومات عام 0891م وترك مجموعة من الكتب من أهمها:
1- الدرجة الصفر للكتابة.
2- أسطوريات.
3- ح/د.
4- عناصر في السيميولوجيا.
5- أبحاث نقدية.
6- نقد وحقيقة.
7- نظام الموضة.
8- حفيف اللغة.
9- لذة النص
01- الأسطورة اليوم.
11- مدخل إلى التحليل البنيوي للقصص.
21- مبادئ في علم الأدلة.
كما ترك العديد من الأبحاث والدراسات يصعب حصرها.النقدجاء في (لسان العرب) أن النقد والتنقاد: تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها، أن هذا الجذر اللغوي «نقد» في كل المعالجم العربية تقريباً هو تمييز الجيد من الردئ والحكم عليه.
ويعمد الناقد إلى فهم وتفسير ونقد النص المدروس رغبة في تقريبه إلى القراء وتسهيل تناوله وتداوله وكذا رغبة في طرح ومناقشة ما يثيره من صعوبات وتقويم ما يحتويه من عيوب ويوضح غموضه متوسلاً في ذلك بأدوات مختلفة من اللغة النقدية التي تستعمل مصطلحات علمية أو قريبة منها ومنهج معين إن لم يستعمل أكثر من واحد مرة واحدة.بارت والنقديفرق بارت فيكتابه «النقد والحقيقة» بين النقد والعلم مؤكداً أن النقد إنما يعالجالمعاني والعلم ينتجها، ويحتل النقد مكاناً وسطاً بين العلم والقراء، إنهيعطي لغة للكلام الخالص الذي يقرأ كما يعطي كلاماً للغة الأسطورة التي صيغمنها الأثر الأدبي والتي يتناولها العلم.
ويختلف موضوع النقد عن موضوعالعمل الأدبي الذي هو «العالم» هو خطاب فوق خطاب، هو لغة ثانية أو لغةواصفة «كما يقول المناطقة» تعمل على لغة أولى «أو لغة موضوع» ويؤكد ذلكبارت حين يخلص إلى أن الحركة النقدية يجب أن تحتسب من نوعين من العلاقاتعلاقة اللغة النقدية بلغة المؤلف وعلاقة اللغة الموضوع بالعالم.
إن احتكاك هاتين اللغتين هو الذي يحدد النقد وقد يعطيه تشابهاً أكبر من حركات عقلية أخرى.
وعد بارت النقد إبداعاً مؤكداً أن إمكانات النقد الراهنة تتمثل في أن الناقد أصبح كاتباً بمعنى الكلمة، وأن النقد غدا من الضروري أن يقرأ ككتابة بل إنه يتجاوز ذلك إلى تقديم تصور سيميولوجي للنقد.
فالناقد في تصوره يضاعف المعاني ويخلق لغة ثابتة تطفو فوق اللغة الأولى للأثر أي أنه ينتج كلاماً للعلامات.
وبذلكيجد النقد منطلقاته من قضايا وإشكالات اللغة الأولى أي من ذات النص ومنالمهم التأكيد على أنه رغم تميز النقد الأدبي عن حقول المعرفة الأخرىبوصفه بنيةمن الإشارات اللفظية تقوم بعملية التعليق على العمل الأدبي، فإننا ما أننبدأ ببحث المواد التي تمثلها الإشارات- بحسب بارت - حتى ندخل التخوم التييشترك بها اللاهوت والفلسفة والأخلاق وعلم الاجتماع.. ومع ذلك فمنالمستحيل على النقد أن يبقى خارج هذه المناطق المتنازع عليها.
ولعل ما يسم جهود «بارت الفكرية والمعرفية في حقل الممارسة النقدية» أنه رفع من قيمة النقد ووضعه في مستوى الإبداع حيث يرى أن إمكانات النقد الراهنة تتمثل في أن الناقد أصبح كاتباً بمعنى الكلمة وغدا من الضروري أن يقرأ ككتابة.بارت والدرس السيميولوجيلاشك في أن جهود بارت في مجال السيميولوجيا كما في المدرسة البنيوية-تركت آثاراً واضحة - والدرس السيميولوجي عند بارت هو دراسة الأنظمة الدالةسواء أكانت أنظمة لغوية أم إشارة غير لغوية ومن ثم فإن اللغة - عنده- فضاءواسع لا يمكن فقط قصره على الأنساق اللفظية الكلامية.
وتتضح رؤية بارت المتسعة الأفق لمفهوم اللغة فيتوصيفه لمفهوم النص الأدبي الذي هو عنده بمثابة (هايد بارك) عام نص بدونحدود، تناص، كتابة مضاعفة منثنية وحسب تعبيره هو «جيولوجيا كتابات» ليسالمؤلف المبدع منشؤها وإنما هو مجرد جامع وناظم لها لا أكثر (لقد ماتالمؤلف بوصفه مؤسسة واختفى شخصه المدني والانفعالي والمكون للسيرة، كما أنملكيته قد انتهت فإنه لم يعد فيمقدوره أن يمارس على عمله تلك الأبوة الرائعة التي أخذها على عاتقه كل منالتاريخ الأدبي والتعليم والرأي العام.. والإعلان عن موت المؤلف المعنىالمتعدد ولذلك يغدو التأويل محاولة أساسية للكشف عن المستور وراء التراكيبللوصول إلى قصدية النص التي تعني في المقام (أول دحر لقصديه المؤلف)
ولذلكلايمكننا أن نتحدث عن تأويل محدد ما لم نفترض سلفا قصداً للمؤلف يوجه ذلكالتأويل إلى جانب صعوبة التعامل مع النص والكشف عن دلالته بتغييب شخصيةالمؤلف.
إن الاقتصار على البنيةاللغوية أو الشكلية للنص أو الخطاب ترفضها نظرية النظام أو النسق التي جاءبها «زيغفريد شميش» فليس هناك قراءة واعية أو تأويل دون الأخذ بالاعتبارالأثر الذي يحدثه المخاطب في المخاطب عبر قنوات اللغة.
وهذا يعني أن المؤلف ليس جامعاً للنصوص حسب مقولة «التناص» التي نادت بها كريستيفا وبارت في بداية أمره.
هذاوقد تربع المؤلف منذ أرسطو على عرش النص وعززت المناهج التاريخية والنفسيةوالاجتماعية ما يمكن أن يسمى سلطة المؤلف، ومع مطلع القرن العشرين اهتزتتدريجيا سلطة المؤلف لتحل محلها (موت المؤلف) وقاد التركيز على المؤلف إلىإغفال النص.