منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    ]النمذجة وحدودها من خلال النظرية السيميائية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    ]النمذجة وحدودها من خلال النظرية السيميائية Empty ]النمذجة وحدودها من خلال النظرية السيميائية

    مُساهمة   الأحد ديسمبر 19, 2010 9:03 am

    [b][center]النمذجة وحدودها من خلال النظرية السيميائية الجزء الثاني

    الفصل الثالث
    التنظيم السطحي
    حاولنا في الصفحات السابقة تقديم توضيحات كافية تخص الطبيعة الكلية للنص السردي من خلال الحديث عن بنيات سردية سابقة في الوجود عن التجلي النصي. فكل قيمة تحتوي على إمكانية للفعل قد تتولد عنها حكاية تروي بشكل مشخص ما تشير إليه هذه القيمة من خلال حدودها المجردة. وقد قادنا ذلك إلى القول بأن البنيات السميائية / السردية المشكلة للمستوى المغرق في التجريد تتجلى على شكل نحو سميائي وسردي، وذلك في حدود كونها تعد محفلا أوليا داخل المسار التوليدي. استنادا إلى ذلك فإنها تحتوي على مكونين:
    - مكون تركيبي
    - مكون دلالي
    ويندرج هذان المكونان ضمن مستويين :
    - المستوى العميق ويشتمل على مكونين : تركيب أصولي ودلالة أصولية.
    - المستوى السطحي ويشتمل على مكونين : تركيب سردي ودلالة سردية.
    وإذا كانت البنيات العاملية تشكل، باعتبارها تمثل التباشير الأولى للتحول المضموني، أي باعتبارها الوجه التركيبي للجانب العلائقي، مستوى توسطيا بين المحايثة والتجلي، فإنها تعد البؤرة الأساسية التي يتم من خلالها الانتقال من المستوى العميق إلى المستوى السطحي ( أي من العلاقات إلى العمليات إلى الملفوظ السردي). وما دامت تلك طبيعة موقعها، فإنها تشكل في مرحلة أولى تنظيما تركيبيا مجردا قابلا لاحتواء أشكال حدثية متنوعة، كما تقود من خلال طبيعتها تلك إلى توليد فضاءات خطابية متنوعة. ولهذ السبب فلن ينظر إليها في هذه المرحلة إلا بصفتها نسقا. ذلك أن > مجرد الربط بين عامل ومحمول يسمح لنا بتلمس قاعدة تنظيم تركيبي خاص بالتجلي المضموني، وكل إرسالية دلالية تحتوي بالضرورة على العنصرين معا، وذلك لأن العامل يتحدد انطلاقا من وجود المحمول، ويتحدد المحمول انطلاقا من وجود العامل <. (1) ففي المثال السابق الخاص بقيمة : "الاستعباد"، فانطلاقا من هذه القيمة، يمكننا أن نتصور سيرورة تقود من الحدود المجردة التي تشير إليها هذه القيمة، إلى ما ينتج عنها كمحمول، لكي نصل في مرحلة أخيرة إلى تقديم لنا وضع رنساني مخصوص يقدم وجها مشخصا لها . وهكذا نكون أمام السيرورة التالية :
    استعباد ( قيمة مجردة ـــــــــ مستعبد ( عامل) ــــــــ استعبد فعل ( فعل مخصوص ).
    فنحن من خلال هذه السيرورة نشتق من القيمة المجردة محمول وعامل وحالة للتشخيص. وتعد هذه الشبكة العلائقية بين العنصرين شرطا أساسيا لتداول المعنى.
    وتشكل هذه البنيات في مرحلة ثانية إجراءا، أي برمجة أولية للتوليد الدلالي عبر تخصيص البنيات القابلة لاستيعاب أشكال خطابية متنوعة. وهذا يعني القيام بعملية تخطيب للبنية المجردة. وبعبارة أخرى إننا نقوم بعملية صب هذه الحدود المجردة داخل الوعاء الزمني وداخل الوعاء الفضائي. وهكذا عوض أن نتحدث عن الحياة من خلال حدود قيمية مجردة، سيكون بإمكاننا الحديث عن هذه القيم من خلال قصة تضع للتداول قيمة الاستعباد في ارتباطها بكل القيم الموازية : المضادة أو المتطابقة. وهذا يتطلب إدخال كائنات تجسد هذه القيم وتأخذ على عاتقها مهمة تشخيصها. وسنتناول البنيات العاملية من زاويتين :
    - الزاوية الأولى وتحدد النموذج العاملي باعتباره نسقا.
    - وتحدد الزاوية الثانية هذا النموذج باعتباره إجراءً.
    1 - النموذج العاملي باعتباره نسقا
    إذا كان بإمكاننا تحديد النموذج العاملي بصفته استعادة استبدالية للسير التوزيعي للأحداث المروية داخل قصة ما، فإنه يتحدد من زاوية الدلالة كإنتاج للسير التوزيعي لهذه الاحداث. وبعبارة أخرى فإن النموذج العاملي هو أساس تشكل النص كأحداث، أي كصيغة تصويرية. ذلك أن التعرف على الانتظامات الداخلية للحكاية، يدلنا على وجود '' تكرار'' في الأحداث، أي وجود خطاطة تتشكل من مجموعة من العناصر الدائمة الثبات. ولهذا السبب، يمكن اعتبار النموذج العاملي تعميما لبنية تركيبية. أو هو، بعبارة أخرى، شكل قانوني لتنظيم النشاط الإنساني، أو هو النشاط الإنساني مكثفا في خطاطة ثابتة.
    ويمكن أن نحدد هذا النموذج من خلال تعابير بسيطة باعتباره شكلا يجمع داخله كل العوامل المحددة للفعل الإنساني : هدف للفعل، ما يدفع إلى الفعل، المستفيد من الفعل، الرغبة في الفعل، المساعد على الفعل، والمعيق لهذا الفعل.
    وإذا كان النموذج العاملي، في تصور گريماص، هو نتاج عمليه قلب للعلاقات المشكلة للنموذج التأسيسي، فإن جذوره، من زاوية صياغته النموذجية، توجد في أعمال سابقة يحددها گريماص في ثلاثة : نموذج پروپ، نموذج سوريو، ونموذج تنيير.
    1 - نموذج پروپ
    إذا كانت الحكاية عند پروپ هي تتابع لواحد وثلاثين وظيفة يحكمها تتابع منطقي خاص، فإن هذا العدد من الوظائف موزع على عدد محدود من الشخصيات، وكل شخصية تتحدد انطلاقا من وجود دائرة فعل ترسم لهذه الشخصية موقعها، كما تحدد لها لحظة ظهورها داخل الحكاية. وعلى هذا الأساس >إذا كان بإمكاننا تحديد الوظائف، 1،2،3 كعناصر مكونة لدائرة فعل العامل (ع 1)، فإن ثبات هذه الدائرة من حكاية إلى أخرى هو مايسمح باعتبار الممثلين م1، م2 ،م3 كمتغيرات متنوعة لعامل واحد محدد من خلال دائرة فعل ما<. (2) فبالإمكان التعرف في هذا المظهر الدائم التغير على عنصر ثابت يمثل شكلا قارا ومسكوكا لأفعال متحولة، ولكنها محددة ضمن دائرة سلوكية معينة. والخلاصة أن >التأليف بين مجموعة من الممثلين بشكل حكاية خاصة، وتعتبر البنية العاملية جنسا. فالعوامل يملكون، في علاقتهم بالمثلين وضعا ميتا - لغويا، ويفترضون تبعا لذلك، تحليلا وظيفيا، أي تأسيسا لدوائر للفعل<. (3) ويحدد پروپ هذه الدوائر في سبع (انظر تسمية هذه الوظائف في الفصل التمهيدي ).
    ولئن كان هذا النموذج يعد خطوة هامة نحو فهم واستيعيات ميكانيزمات اشتغال الحكاية ( البنيات السردية للحكاية )، فإنه ظل مع ذلك، حبيس مستوى بالغ التجريد. فقد أهمل پروپ في دراسته الحديث عن طبيعة هذا النموذج وعن قدرته على توليد سلسلة من البنيات الخطابية المانحة لكل نص تلوينه الخاص (الثقافي والإيديولوجي)، كما أهمل تحليل العلاقات الرابطة بين مجمل العناصر المكونة للنموذج. ( انظر ما قلناه عن هذا النموذج التحليلي في الفصل التمهيدي) .
    ب - نموذج سوريو
    وفي نفس الاتجاه، استطاع سوريو، انطاقا من النصوص المسرحية هذه المرة، استخراج نموذج عاملي يكثف ويلخص مجموع التطورات والتحولات التي يزخر بها النص المسرحي، ويتكون نموذجه من ست خانات يحددها في المواقع التركيبية التالية :
    - الأسد : القوة الثيمية الموجهة
    - الشمس : ممثل الخيرالمنشود للقيمة الموجهة
    - الأرض : المستفيد المحتمل من هذا الخير ( أي المحفل الذي يعمل الأسد لصالحه )
    - المريخ : المعيق
    - الميزان : الحكم، واهب الخير
    - القمر: الهجوم الجديد، مضاعفة إحدى القدرات السابقة .(4)
    > إن أهمية فكر سوريو، تكمن في أنه برهن على أن التأويل العاملي يمكن تطبيقه على نصوص مختلفة عن الحكايات الشعبية ( النصوص المسرحية ). ولقد كانت نتائج هذا التطبيق بنفس قيمة النتائج التي تم الحصول عليها انطلاقا من التطبيقات على الحكايات الشعبية. ففي تصنيف سوريو نعثر، وإن بتعابير مختلفة، على نفس التمييزات بين القصة الحدثية (التي لا تشكل عنده سوى سلسلة من الذوات الدرامية)، وبين مستوى الوصف الدلالي (الذي ينجز انطلاقا من ''الوضعيات'' القابلة للتفكيك في إجراء وعوامل<. (5) وما يمثل مشكلة وعائقا في تكون وتصنيف هذا النموذج هو الاستثمار الدلالي الذي خضع له في مرحلة مبكرة من صياغته، أي في مستواه التجريدي ( لنلاحظ أن كل خانة محددة من خلال اسم يحيل على سلوك محدد معطى بشكل سابق)، والحال أن أي استثمار دلالي لا يتم إلا من خلال التحقق العيني للنصوص، أي من خلال البنيات الخطابية التي تخصص التحقق.
    جـ- نموذج تنيير
    إن الرافد الثالث في نظرية گريماص العاملية، يمثلها النحو البنيوي لتنيير، وتتمثل استفادة گريماص من فكر تنيير> في التعريف الذي يعطيه هذا الأخير للملفوظ. فالملفوظ عنده فرجة دائمة : هناك فاعل، وهناك فعل وهناك مفعول به. إن هذه الفرجة تتميز بعنصر بالغ الأهمية يكمن في التوزيع الثابت والدائم للأدوار، فقد تتغير المحافل التي تقوم بالفعل، وقد يتنوع الفعل كما قد يتغير المفعول به، لكن العنصر الضامن لاستمرارية الملفوظ (الفرجة) هو هذا التوزيع بالذات. (6)
    انطلاقا من هذه الخصائص سيعمل گريماص على تعميم هذه البنية وإعطائها نفسا يتجاوز حدود الجملة، > فإذا كان الخطاب '' الطبيعي '' لا يمكنه إضافة عدد جديد من العوامل، كما لا يمكنه توسيع دائرة الإمساك التركيبي بالدلالة إلى ما هو أبعد من الجملة، فإن الأمر لا يختلف عن ذلك في كل كون دلالي صغير، بل وعلى العكس من ذلك، فإن كل كون دلالي صغير لا يمكن تحديده ككون، إلا في حدود قدرته على المثول أمامنا وفي كل لحظة بصفته فرجة بسيطة، أي بنية عاملية<.(7) ومع ذلك، فإن طابع الفرجة هذا يطرح مشكلة تخص عدد المحافل المنخرطة في الملفوظ، فإذا كانت الجملة من الناحية التركيبية الخالصة تتسع لأكثر من فاعل ولأكثر من فعل، ولأكثر من مفعول به، فإن نقل هذا النموذج إلى ميدان آخر غير اللسانيات يتطلب إلحاق تعديل يمس طبيعة الفرجة، وطبيعة الأدوار.
    وفي هذا المجال، يقترح گريماص نوعين من التعديلات :
    - فمن جهة يجب تقليص العوامل التركيبية وردها إلى وضعها الدلالي ( فلئن تتلقى ماري رسالة، أو أن يبعث لها بها، فإنها ستظل دائما مرسلا إليه).
    - ومن جهة ثانية يجب تجميع كل الوظائف المنضوية داخل متن ما، وإسنادها إلى عامل دلالي واحد، وذلك لكي يكون لكل عامل استثماره الدلالي الخاص به، وبعدها يمكن القول بأن مجموع العوامل، كيفما كانت طبيعة العلاقة التي تجمع بينهم، يمثلون التجلي في كليته. (Cool وبهذا، تصبح الجملة، باعتبارها مسرحا للفرجة منطلقا لتوليد بنية تركيبية كبيرة : بنية الخطاب السردي باعتباره يتشكل من الجملة ويتجاوزها.
    انطلاقا من هذه النماذج الثلاثة في تنوعها وغناها وتوزعها على مجالات مختلفة (الحكايات الشعبية، المسرح)، سيعمد گريماص إلى صياغة الصورة النهائية للنموذج العاملي باعتباره مستوى مشتقا من النموذج التأسيسي (ظهور العمليات من صلب العلاقات). ويتكون هذا النموذج من ست خانات موزعة على ثلاثة أزواج، وكل زوج محدد من خلال محور دلالي يحدد طبيعة العلاقة الرابطة بين حدي كل زوج، ويحدد في الآن نفسه طبيعة العلاقة الرابطة بين الأزواج الثلاث. ويعطي گريماص لنموذجه التمثيل التالي :
    مرسل مرسل إليه
    موضوع
    معيق ذات مساعد
    وإذا كانت مردودية النماذج الثلاثة لا تتجاوز حدود المستوى الذي انطلق منه أصحاب هذه النماذج، فإن گريماص، كان يريد لنموذجه أن يكون عاما وشاملا قادرا على احتواء مختلف أشكال النشاط الانساني، بدءا من النصوص الأدبية، انتهاء بأبسط شكل من أشكال السلوك الانساني. (9) ولقد تأتي له ذلك من خلال محاولته الدائمة البحث عن هذا النموذج لا في تنوع السلوك الانساني، بل في الأشكال البسيطة المولدة لهذا التنوع. > فإذا لم يكن بإمكاننا القيام بوصف شامل لكل الإمكانات التأليفية للنشاط الإنساني في مستواه السطحي علينا البحث - داخل الخطاب نفسه - عن المبدأ الذي يمكن أن يقودنا إلى بناء النموذج في مستواه العميق <. (10) وسنحاول فيما يلي أن نقدم تعريفا لحدود هذا النموذج من خلال تحديد الروابط الممكنة بين أطرافه وذلك من خلال صب هذه الحدود في محاور دلالية محدودة العدد والطبيعة.
    المحاور
    فهذه المحاور تعبر عن الرغبة في حالة العلاقة بين الذات وموضوعها، ففي غياب موضوع مرغوب فيه لا مجال للحديث عن ذات أو رغبة. وعن الصراع في حالة العلاقة الرابطة بين المعيق والمساعد، فالرحلة التي لا تصادف ما يعيق استمرارها ولا من يساعدها على الوصول إلى الهدف لا يمكن أن تسمى رحلة. وعن التواصل في حالة العلاقة القائمة بين المرسل والمرسل إليه، فالتواصل ممكن لأن الرحلة تنطلق من رغبة لتصل إلى أهداف، وما بين الرغبة والأهداف هناك الدافع وهناك المستفيد.
    - محور الرغبة : هو المحور الذي يربط بين الذات والموضع
    - محور الابلاغ : وهو عنصر الربط بن المرسل والمرسل إليه
    - محور الصراع : وهو ما يجمع بين المعيق والمساعد
    إن هذا النموذج بعلاقاته الثلاث يضعنا أمام العلاقات المشكلة لأي نشاط إنساني، كيفما كانت طبيعته. وبعبارة أخرى فإن هذا النموذج يعد، بشكل من الأشكال، طريقة في تعريف الحياة ومنحها معنى.
    ذات / موضوع
    تشكل الفئة العاملية ذات / موضوع العمود الفقري داخل النموذج العاملي، إنها مصدر للفعل ونهاية له، إنها تعد مصدرا للفعل لأنها تشكل في واقع الأمر نقطة الإرسال الأولى لمحفل يتوق إلى إلغاء حالة ما أو إثباتها أو خلق حالة جديدة. وتعد من جهة ثانية نهايته، لأن الحد الثاني داخل هذه الفئة يعتبر الحالة التي ستنتهي إليها الحكاية ويستقر عليها الفعل الصادر عن نقطة التوتر الأولى. >ويمكن اعتبار الملفوظ البسيط علاقة موجهة مولدة لحديها النهائيين : ذات/ موضوع<. (11) ويمكن ترجمة هذا التوجه في الصيغة التالية :
    مصدر الحركة (م) غاية الحركة
    وداخل هذه العلاقة لا تتحدد الذات إلا من خلال دخولها في علاقة مع موضوع ما. ففي غياب غاية ما (محتملة أو محينة) لا يمكن الحديث عن ذات فاعلة، كما أن الموضوع لا يمكن أن يتحدد إلا في علاقته بالذات، فخارج عنصر الرغبة المحددة في جوهرها لحدين : راغب ومرغوب فيه، لا يمكن للموضوع أن يكون عنصرا داخل علاقة.
    وإذا وضع النموذج في علاقته بالنموذج التأسيسي، باعتباره الشكل المنظم والمولد لكل كون دلالي صغير، فسيتضح أن التحريك الذي يجب أن يخضع له هذا النموذج ليكتسب دينامكية تمنحه وجها توزيعيا ليس سوى تحول يقودنا من النفي إلى الإثبات، أو من الإثبات إلى النفي. وهكذا، فإن طرح الذات ضمن محور الرغبة يعني طرح أولى أشكال الفعل المؤدية إلى تفجير النموذج في عناصر مشخصة. فأمام علاقة تقابلية من نوع :
    حزن (م) فرح
    يقودنا محور الرغبة من حد إلى حد عبر عملية التحول. فمحور التضاد المحدد للطرف الأساسي داخل النموذج التأسيسي :
    س1 (م) س2 (حزن (م) فرح)
    هو البؤرة التي تتم داخلها عملية النفي أو الإثبات.
    وهكذا سيكون الفرح هو التحول الإيجابي للحزن، وإمكانية الانتقال من الحزن إلى الفرح آتية من قدرتنا على تأسيس علاقة تقودنا، تشخيصيا، من حالة إلى حالة مادمنا لا نستطيع تحديد الحياة باعتبارها حالة دائمة لا تتغير. وعلى أساس هذا التحول ( أو إمكانيته ) > ستبدو الحكاية، في مستواها التوزيعي، كإجراء ينتشر انطلاقا من الإخلال بتعاقد، والتوجه نحو رأب صدع هذا التعاقد. إن الزواج لن يشكل، كما هو الشأن عند پروپ، آخر وظيفة في الحكاية، فالتعاقد الأخير، مدعما بالوصول إلى موضوع الرغبة، هو ما يشكل آخر وظيفة <. (12) والملاحظة الجديرة بالتسجيل في هذا المجال، تكمن في أن الموضوع، باعتباره، طرفا في علاقة،
    ينظر إليه باعتباره عنصرا داخل النموذج التأسيسي في مستواه التجريدي، أي بعيدا عن أي تحريك ،في حين تتحدد الذات باعتبارها الأداة المحركة للنموذج التأسيسي.
    وهذا ما فطن إليه بول ريكور عندما أشار إلى الموقع الإشكالي للموضوع. فبالنسبة إليه، فإن > الموضوع يكتنفه نوع من الغموض، نتيجة انتمائه إلى محور الرغبة ومحور الإبلاغ في ذات الوقت، فهو موضوع البحث داخل محور الرغبة، وموضوع للتبادل داخل محور الابلاغ <. (13) وبما أن الرغبة تتحدد من خلال نفي حالة من أجل إثبات أخرى، فإنها تعد تحقيقا لمعنمين متقابلين :
    اتصال (م) انفصام
    وكل معنم يولد ملفوظا سرديا يشير إلى موقع تركيبي أو حالة ما. وهكذا نكون إما أمام ملفوظ انفصالي.
    ذ U م
    أو أمام ملفوظ اتصالي
    ذ u م
    وإذا أخذنا الحكي في بعده السجالي، فإن كل ملفوظ من هذين الملفوظين يقرأ تارة من زاوية استبدالية، وتارة أخرى من زاوية توزيعية. وهو ما يعطي الشكلين التاليين :
    ذ1 u م ذ 2 n م
    أو
    ذ1 n م ذ 2 u م
    ويمكن أن نشير في النهاية إلى إمكانية اعتبار العلاقة الرابطة بين الذات والموضوع، عماد كل فعل إنساني، فهي تحيل على أنثروبولوجيا للمتخيل الإنساني، > فموضوعات القيمة يجب النظر إليها باعتبارها موضوعات للرغبة ويجب النظر إلى العلاقة ذات / موضوع باعتبارها علاقة غائية تحكمها قصدية<. (14)
    المرسل / المرسل إليه
    إن الزوج الثاني داخل النموذج العاملي، المحدد من خلال محور الإبلاغ يتكون من مرسل ومرسل إليه، أي من باعث على الفعل ومن مستفيد منه. والأمر يتعلق بمحفلين يقعان على المستوى الذهني للفعل، ولا يتحددان إلا من خلال موقعهما من حالتي البدء والنهاية كجزأين سرديين مؤطرين لمجموع التحولات المسجلة داخل النص السردي.
    وإذا كان هذا الزوج يتحدد من خلال علاقته بالذات لأنه هو الدافع على الفعل، وباعتبارالذات منفذة له، فإن هذه العلاقة رغم طابعها المباشر ( في الظاهر على الأقل)، تتوسطها حلقة أخرى هي الرهان الأساس في أي إبلاغ : الموضوع. الموضوع باعتباره رحلة للبحث ومستودعا للقيم وغاية إبلاغية.
    ويمكن صياغة هذه العلاقة الثلاثية الرابطة بن المرسل والموضوع والذات على الشكل الآتي : يقوم المرسل بإلقاء موضوع للتداول وتقوم الذات بتبني هذا الموضوع والاقتناع به لتبدأ رحلة البحث. وبعبارة أخرى، نحن أمام مسار يقودنا من الإقناع إلى القبول (التأويل) إلى الفعل.
    وإذا كانت صورة المرسل إليه، تتلخص، كما هو الشأن في الحكايات الشعبية، كمابرهنت على ذلك تحليلات پروپ، في وجود محفل مؤنس يدفع ذاتا ما ( بطل ) إلى القيام بفعل ما يلغي حالة النقص البدئية، فإن النصوص السردية الحديثة لا يمكن ردها بشكل تبسيطي، إلى هذه الخطاطة، ولا يمكن التعامل معها باعتبارها تحقيقا لكون دلالي ثنائي الأطراف. فرغم أن صورة المرسل (الباعث على الفعل والمبرر له) لا يمكن حذفها من أي نص سردي، فإن حضورها يتخذ أشكالا متنوعة غير قابلة للتقليص في صورة أحادية.
    ويمكن القول إن تحقيقها يتم بطريقة بالغة التعقيد. ففي عالم لم يعد يقبل بتقسيم الكائنات إلى مجموعة ممثلة للخير، وإلى أخرى ممثلة للشر، لا يمكن رسم صورة لمرسل ممثل للخير المطلق في مقابل مرسل مضاد يمثل الشر كله. فما بين الخير والشر تتقاطع القيم وتتداخل لدرجة لا يمكن معها طرح ذات ما باعتبارها صورة مثلى لهذا الجانب أو ذاك، فالأسود موجود وهو نقيض للأبيض، إلا أن الرمادي ممكن أيضا.
    وعلى هذا الأساس، إذا كان التوزيع التركيبي للمواقع، بصفته نوعا من الاستثمار الدلالي ( أي مقابل كل حد داخل المحور الإيجابي، هناك حد مناقض له في المحور السلبي (الذات) (م) ذات مضادة مرسل (م) مرسل مضاد، موضوع إيجابي (م) موضوع سلبي)، فإن هذا الاستثمار الدلالي يمكن أن يعوض باستثمار فني، أو يتم توزيعه وفق تنوع الحدود المكونة للمربع السميائي لا وفق المحور الإيجابي والمحور السلبي. وسندرك آنذاك أن الشخصيات لا تتحدد فقط وفق ثنائية الخير والشر، بل يمكن أن تتوزع دوائرها على مجموعة من الخانات التي يصعب الحسم في انتمائها إلى هذه الدائرة القيمية أو تلك.
    ويكفي أن نحافظ داخل هذا التوزيع، على الانفصال الاستبدالي للعوامل وتنظر إلى انشطارها الثنائي من خلال مطابقتها أو عدم مطابقتها للمحاور المثمنة، (15) لندرك صحة ما قلناه. ولقد حاولت آن أوبرسفيلد تقديم تعديل لا يمس النموذج في شكل بنائه النهائي ولا في طريقة صياغة حدود ه، وإنما ينصب على نمط اشتغال الخانات. وهكذا، عوض الحديث عن خطاطة عاملية واحدة ونهائية تختصر وتستعيد استبداليا كل التحولات المسجلة في النص، فإنها تتحدث عن حركية هذا النموذج وتحولاته المستمرة، وتتجلى هذه الحركية في لااستقرارية المواقع التركيبية. فبالنسبة لأوبرسفيلد، لا وجود لشخصية محددة بشكل نهائي منذ بداية النص إلى نهايته داخل موقع تركيبي ثابت وقار، فتداخل العلاقات الاجتماعية وتسرب القيم من موقع إلى آخر يجعل إمكانية تحول عامل ما من خانة إلى أخرى مسألة واردة باستمرار، كما أن وجود خانة فارغة مسألة لا يمكن استبعادها، فالبطل الوحيد أو البطل الذي يعيش فراغا إيديولوجيا حالة ممكنة الوجود أيضا. (16)
    وعلى أساس هذه الملاحظات، يجب ألا نتحدث عن المرسل إلا باعتباره شكلا مشخصا للقيم، أي باعتباره ضمانه أساسية على وجود كون قيمي نقيس عليه التحولات ونطابق من خلاله بين البداية والنهاية : إنه الجذر المشترك الضامن لتماسك النص وانسجامه ووحدته.
    المساعد/المعيق
    إن الفئة الثالثة المكونة للنموذج العاملي تتكون من معيق ومساعد. وهي فئة متضمنة داخل علاقة يحددها گريماص في مقولة الصراع. فوفق السير العادي لحكاية شعبية ما، فإن البطل يقوم برحلة البحث عن موضوع قيمة، وأثناء تلك الرحلة يصادف كائنات ( أشخاصا أو حيوانات أو عفاريت) تقوم بمساعدته للوصول إلى أهدافه، إلا أنه يصادف في الآن نفسه، معيقين يحولون بينه وبين الوصول إلى هدفه النهائي.
    وليس من العسير أن نجد مرادفا لهذه الصورة البسيطة في الحياة العادية لكل يوم، فداخل المجتمع هناك صورة للمعيق وأخرى للمساعد بدءا من حالة الطقس وانتهاء بالقوى الاجتماعية وضروب الصراع بين مكوناتها.
    وإذا كانت هذه الصورة المبسطة عنصرا أساسيا في تكون الحكايات الشعبية، فإنها تبدو بمظهر أكثر تعقيدا في النصوص المعاصرة، ولهذا المظهر أثر كبير على طبيعة هذين المحفلين، كما أن له تأثير على نمط اشتغال موقع كل محفل على حدة. فمن الواضح أن المعيق لم يعد صورة خارجية معطاة بشكل ضمني أو صريح في العلاقات الإجتماعية فحسب، بل أصبح أيضا صورة داخلية، فقد يكون البطل، من خلال مجموع الصور المرافقة لتشكله، معيقا لنفسه.
    ولقد كان الموقع الثانوي لهذين المحفلين داخل حركة الفعل مصدرا للخلط بينه وبين موقع آخر، ويتعلق الأمر بموقع الذات المضادة ولقد '' حرمت نظرية الصيغ المحفل المساعد من وضعه العاملي، وبرهنت على أن المساعد لا يشكل عنصرا أساسيا في تداول المعنى، ولا يتجاوز حدود إظهار الصفات الجيهية للفعل ...] أما المعيق فإنه يشكل صورة أكثر تعقيدا، فهو يعين في الآن نفسه ما يسمى حاليا بالذات المضادة ويعين المساعد المساعد السلبي، انه نفي بسيط لجزء من أهلية الذات المتجلية من خلال تجسدها في ممثل أخر غير الذات'' (17) .
    وفي جميع الحالات، فإن > تأويلات هذه البنيات التركيبية، في تنوعها، تشير إلى أن الانفصالات التي تقدمها هذه الخطاطات الأولية تبدو عامة بما فيه الكفاية لكي توفر أسس تمفصل أولي للمتخيل. فهي تشير، على المستوى الإجتماعي، إلى أن علاقة الإنسان بالعمل تنتج قيما/ موضوعات وتطرحها للتداول في إطار بنية للتداول، وتشير على المستوى الفردي، إلى أن علاقة الإنسان بموضوع رغبته تندرج ضمن بنيات الإبلاغ البيإنساني '' (18) .
    2 - النموذج العاملي كإجراء
    إن هذا النموذج بعلاقاته المتنوعة وبنمط اشتغاله، وكذا من خلال المحاور التي يستند إليها في عملية تكونه يشكل إبدالا، أي تصنيفا مسكوكا لمجموعة من الأدوار التي نصادفها في كل الحكايات بشكل كلي أو جزئي.
    ولعل هذه العمومية والكلية هي ما يدفعنا الآن إلى تقديم تحليل لهذه الأدوار من خلال تجسدها في مسارات سردية مشخصة تتخذ من الوضعيات الإنسانية المخصوصة سندا لها. ذلك أن الوقوف عند هذه الصورة الكلية لا يساهم في إنجاز تحليل مثمر للنص، ولا يجيب عن الإشكاليات الحقيقية ( الثقافية ) التي يثيرها كل تحقق نصي. فهذه الأدوار لا يمكن فصلها عن الكون الدلالي/الثقافي الذي تتتشكل في إطاره الأدوار، كما لا يمكن فصلها عن الأدوار الثيمية المرتبطة بها. ذلك أنها لا تشكل سمات ثابتة ودائمة تسند بشكل نهائي إلى الشخصيات منذ الإنطلاقة الأولي للأحداث. إنها تشكل بناء، وتبنى إطرادا وتخضع لمجموعة من التحولات والتغيرات. وهذه التحولات هي ما يمنح للقصة ديناميكيتها وتلوينها القيمي الخاص.
    استنادا إلى هذا، علينا الآن، من أجل الوصول إلى تحديد نمط اشتغالها، أن ننظر إلى هذه القصة من زاوية توزيعية أي من زاوية السير المشخص لمجموع العناصر المشكلة للنموذج العاملي. إننا بهذه الخطوة، سننتقل من مستوى العوامل كخطاطة قانونية تستند إلى مجموعة من القواعد المجردة، إلى ما يشكل وجودا مشخصا ( أي التحقق الحدثي ) لهذه العلاقات.
    1 - الخطاطة السردية
    إذا كان الإمساك بالعمليات المندرجة في المستوى العميق لا يتم إلا من خلال عملية تشخيصية تتصارع داخلها كراكيز بلا وجه ولالباس (العوامل) وفق سيناريو محدد سلفا (19)، فإن السير المقنن لكل حكي تصويري لا يمكن أن يتحدد إلا من خلال إدخال مقولة مركزية في السميائيات السردية ويتعلق الأمر بمقولة "التحولات". ذلك أنه إذا كانت البرمجة تتم في مرحلة أولى في مستوى عميق حيث تطرح الدلالة كشكل منظم بشكل سابق عن التجلي وقابلة لأن تتجسد في مواد تعبيرية متنوعة، فإنها تتم في مرحلة ثانية داخل ما أشرنا إليه سابقا كمستوى توسطي بين المحايثة والتجلي. ومن المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية، تطرح الخطاطة السردية باعتبارها عنصرا منظما ومتحكما في التحولات. فما يبدو من خلال قراءة بسيطة لنص سردي وكأنه تنافر وتداخل بين مجموعة من العناصر، يشكل، في مستوى آخر، بنية بالغة الانسجام والتماسك. ومن هنا، فإن الخطاطة السردية تشكل نموذجا لكل التحولات الواقعة بشكل تجريدي في مستوى يتسم بالمفهومية.
    وإذا كان كل نص سردي ينطلق من النقطة (أ) ليصل إلى النقطة (ي)، فإن الانتقال من الحالة الأولى إلى الحالة الثانية، وكيفما كانت طبيعة النقطة البدئية والنقطة النهائية، لا يمكن أن يتم عن طريق الصدفة، بل يستند إلى سلسلة من القواعد الضمنية التي تعد إرثا مشتركا بين مجموع الكائنات. وفي غياب هذه القواعد الضمنية، سنكون أمام سلسلة من الأحداث التي تملأ مساحة فضائية، ولكنها غير قادرة على صنع نص سردي منسجم.
    وبناء على هذا، يجب التعامل مع هذا الانتقال باعتباره عنصرا مبرمجا بشكل سابق داخل خطاطة سردية ضمنية. فهذا الانتقال يشكل، في هذه الحالة، مجموعة من اللحظات السردية المرتبطة فيما بينها وفق منطق خاص. ومن هذا المنظور ستتحدد عملية قلب المضامين كمعادلة بين العمليات والفعل، وسيتخذ الفعل شكل ملفوظ سردي من نوع :
    م س : و (ع)
    ( م س = ملفوظ سردي ، و = وظيفة ، ع = عامل )
    ومن ثم يمكن القول إن كل عملية داخل النحو الأصولي يمكن أن تنقلب إلى ملفوظ سردي. (20) ويمكن تحديد عناصر الخطاطة السردية من خلال اللحظات السردية التالية :
    - التحريك
    -الاهلية
    - الإنجاز
    -الجزاء
    ولكل لحظة من هذه اللحظات موقعها الخاص داخل السير الخطي للحكاية، كما أن انتماءها إلى هذا الجزء النصي أو ذاك يخضع سلفا لمنطق خاص للأحداث بصفتها تسلسلا لا يمكن أن يأتي فيه اللاحق قبل السابق. وبما أن مبرر تأويلاتنا غايات ضمنية أو صريحة، وبما أن لكل فعل غاية، ولا يمكن أن بتحدد إلا من خلال كونه يدشن أو يحول أو ينهي إمكانية سردية معينة، فإن > الوحدة الخطابية المسماة حكيا تعتبر تسلسلا منطقيا، أي تتابعا لملفوظات تقوم داخلها الوظائف / محمولات بتمثيل لساني لمجموعة من السلوكات الموجهة نحو غاية >. (21)
    1-1 - التحريك
    إذا كانت عملية تحريك النموذج التكويني تتم من خلال التعامل مع الدلالة باعتبارها إمساكا أو إنتاجا للمعنى من طرف ذات معينة ( وهو ما يقابل التحول من العلاقات إلى العمليات)، فإن عملية التحريك هاته تفترض، من حيث إنها تحقيقا لغاية ما، صيغة تشير إلى ما يبرر هذا التحول. وبعبارة أخرى إذا كانت الوظيفة هي الخالقة للعامل، تماما كما هو الحال مع الحامل والمحمول ( اصطاد - صياد )، فإن عملية الخلق هاته تستند إلى صيغة تبرر الانتقال من الوظيفة إلى العامل.
    و> إذا أمكن تخصيص قسم من الوظائف من خلال إضافة المعنم السياقي" إرادة"، فإن العوامل المتناظرة مع هذه الوظائف تشكل قسما محددا يمكن تعيينه في العوامل / ذوات. فالإرادة هي هي وحدة معجمية (...) مشخصة تجعل من العامل ذاتا، أي محفلا محتملا للفعل<. ( 22) وكيفما كان مصدر الإرادة، ذاتيا كان أم خارجيا، فإنه يفترض من موقع النموذج العاملي، محفلا ثانيا يقوم بعملية التحريك. والتحريك هنا يمعنى خلق صيغة " فعل الفعل" ( أي الفعل الذي يدفع إلى إنجاز فعل )، أي الدفع بالذات إلى القيام بفعل ما أو الاقناع بهذا الفعل. فإذا كانت الإرادة محمولا جيهيا ( أريد أن أفعل كذا ) يحكم ملفوظا وصفيا، فإنها تفترض وجود حالة نقص ما قابلة للتغيير، ووجوب التغيير يتطابق مع التحريك باعتباره صورة خطابية لا تنفصل عن المرسل باعتباره المنبع الذي تصدر عنه الذات.
    وعلى خلاف العمليات- حيث إن الفعل يتميز بكونه نشاطا يمارسه الإنسان على الطبيعة - فإن التحريك يتميز بكونه نشاطا يمارسه الإنسان تجاه أخيه الإنسان، بهدف الدفع به إلى القيام بإنجاز ما. > ومن خلال موقعه التوزيعي بين ''إرادة'' المرسل وبين الإنجاز الفعلي لبرنامج سردي ما من طرف المرسل إليه / ذات ( البرنامج الذي يقترحه المحرك)، فإنه يستند أساسا إلى الإقناع. ويتمفصل هذا الإقناع في فعل إقناعي يعود إلى المرسل، وفعل تأويلي يعود إلى المرسل إليه <. (23) وما بين العلاقات المنطقية والسير الفعلي للأحداث باعتبارها تشير إلى تشخيص حدثي لهذه العلاقات، يتحدد التحريك كنوع من التعاقد بين المرسل والذات، وبين التعاقد ( مرحلة التحريك) والحكم على مدى مطابقة الفعل المنجز لهذا التعاقد (الجزاء)، تنشر الحركة السردية خيوطها من خلال أحداث متنوعة، فاصلة بذلك بين بعدين أساسيين للكون السردي : البعد الذهني والبعد التداولي.
    إن موقع التحريك داخل البعد الذهني يجعل منه مرحلة سردية سابقة على الفعل الحدثي بحصر المعنى ومحددة له في الآن نفسه. إنه خارج الفعل من حيث إنه يشير إلى الاحتمال فقط (وضع احتمالي للذات وللفعل وللبرنامج السردي) ومتحكم في هذا الفعل، من حيث إن أي تحيين لهذه الذات وهذا الفعل وهذا البرنامج يفترض مرحلة الاحتمال التي تشير إلى أن الفعل المسقط كرغبة قد يتحقق وقد لا يتحقق. وبهذا المعنى يمكن النظر إلى الملفوظ الجيهي باعتباره مرادفا للتحريك بصفته يشكل "الرغبة في تحقيق ''برنامج سردي موجود على شكل ملفوظ وصفي، هو ذاته، ومن خلال وضعه كموضوع، جزء من الملفوظ الصوغي. ولعل هذه الحالة هي التي تمكننا من تحديد تخصيص شكلي للملفوظات الصوغية من خلال الصيغة التالية :
    م ص : ف : إرادة/ ذ:م/ (24)
    ( م ص = ملفوظ صوغي، ف = فعل ، ذ = ذات ، م = موضوع )
    إلى هذا الحد نكون قد وقفنا عند مظهر واحد من مظاهر التحريحك، وهو الجانب المتعلق بموقع هذا التحريك داخل الخطاطةالسردية، بوصفها إحدى اللحظات الأساسية في تشكل النص السردي. ويمكن الآن أن ننظر إليه من جانب آخر، أي من زاوية لا تتطابق بالضرورة مع زاوية نظر گريماص. ولتحديد هذه الزاوية يجب طرح التحريك ضمن البنيات الخطابية أي في التحول من السردي إلى الخطابي عبر إدخال الوضعات الإنسانية المحددة من خلال عناصرالزمان والفضاء، وذلك ضمن مسارات تصويرية مؤدية إلى الكشف عن الثيمات وأنماط تحققها داخل أي النص سردي.
    إذا كان التحريك من الناحية السردية المحض هو نقطة الانتشار السردي الأولى، فإنه يشكل من الناحية الخطابية نقطة إرساء إيديولوجي تتحكم في السير الآتي للأحداث، كما تشكل التلوين الثقافي لهذه الأحداث. وعوض التعامل مع التحريك بصفته الإعلان المبكر عن ميلاد قصة، يجب النظر إليه في هذه المرحلة بصفته التشكيل الابتدائي للرؤية أو التصور الإيديولوجي الذي ستعمل الأحداث الآتية على تفجيره في مسارات تصويرية متنوعة.
    إن هذه النظرة لها ما يبررها في النموذج التكويني نفسه، ذلك أنه إذا كانت العلاقات المكونة لهذا النموذج تتميز بلازمنيتها، كما تتميز بنوع من ''الحياد'' فيما يتعلق بطبيعة الكون الدلالي الذي يؤطره، فإن التشخيص البادي في التحريك، كأولى تباشير التحول من المفهومي إلى المحسوس، يعد عنصرا زمنيا منخرطا في أي اختيار إيديولوجي يعتنقه النص. وبعبارة أخرى، لا يمكن للجانب التشخيصي أن يكون مجرد إطار فارغ مستعد لاستقبال عرض ''موضوعي'' ومحايد لزاوية نظر معينة.
    ومن هذه الزاوية فإن التحريك لا ينفصل من جهة، عن الإمكانات السردية التي يندرج ضمنها الفعل الآتي، أي عملية الانتقاء الخاصة بالتوجهات الكلية أو الجزئية كأول اختيار سردي يعتنقه السارد. انطلاقا من هذا، فإن ما هو مميز في هذه المرحلة هو طبيعة الفعل ونمط اشتغاله وكذا الكون السلوكي الذي يحيل عليه، ذلك أن اختيار هذا الفعل لا ينفصل عن التصور الذي يملكه السارد عن العالم الإيديولوجي الذي يصدر عنه. فالسارد، وهو يسرد قصته، إنما يسرد أيضا قصة الحياة، ما دامت الإمكانات السردية هي في الأصل تسنين لسلسلة من الخصائص وتثبيتها في أشكال مجردة وربما كونية.
    إنه لا ينفصل، من جهة ثانية، عن المضامين الإيديولوجية والثقافية ونمط كينونة الفعل المنتقى. فكل فعل، بدنيا كان أم ذهنيا، إنما هو جرئية ثقافية تقوم بملء الجسم/شيء بحجم إنساني هو ما يحول العنصر الطبيعي في الجسم إلى ما هو ثقافي ( حركات شخصية ما، لا تنفصل عن انتمائها الإجتماعي بل والجغرافي أيضا).
    من هنا، فإن هذا الارتباط المزدوج لا يحدد فقط الإطار المرجعي للفعل بل يحدد أيضا المضمون الإيديولوجي لكل الأفعال الآتية. تأسيسا على هذا، يجب النظر إلى التحريك، رغم موقعه الاستهلالي، باعتباره لحظة الحسم الإيديولوجي، أو هو الاختيار الإيديولوجي في خطوطه العامة قبل أن تعمل الحركة السردية على تخصيصه وتحديد معالمه من خلال تحديد الوضعيات الإنسانية الخاصة.
    2-1 الأهلية
    إذا كان التحريك يتمفصل، كما رأينا في فعلين أساسين : فعل إقناعي يقوم به المرسل، وفعل تأويلي تقوم به الذات، فإن القبول، وهو صيغة ثانية للتأويل، يعد نقطة إرساء لقواعد اللعبة الآتية. إن الإعلان الصريح عن انخراط الذات في هذه اللعبة.
    ومع ذلك، فإن هذا القبول، لا يعني مباشرة الفعل. إنه يشير فقط إلى إمكانية الانتقال من الاحتمال إلى التحيين. فلكي تحقق الذات إنجازها، عليها أن تمتلك، بشكل سابق، الأهلية الضرورية لذلك. وفي هذه الحالة يمكن النظر إلى هذه الأهلية باعتبارها الشروط الضرورية السابقة على الفعل المؤدي إلى امتلاك موضوع ما. وتبعا لذلك، لا يمكن الحديث عن الأهلية إلا من خلال ربطها بالإنجاز. فالأهلية والإنجاز كلاهما مرتبطان بدائرة فعل يحكمها بعد تداولي. > فالأهلية تشكل، في، علاقتها بالإنجاز الذي يعد فعلا منتجا لملفوظات، معرفة للفعل، إنها ذلك "الشيء الذي يدفع للفعل ''، ذلك الشيء الذي يجعل الفعل ممكنا. بل أكثر من ذلك، فهذه المعرفة باعتبارها ''فعلا بالقوة'' منفصلة عن الفعل الذي تعود إلىه ...] ولعل هذا ما يسمح لنا اعتبار الأهلية بنية جيهية. وبهذا التحديد نكون أمام إشكالية الفعل. فإذا كان الفعل هو ''فعل كينونة''، فإن الأهلية هي ما يدفع إلى الفعل، أي كل المسبقات والمفترضات التي تجعل من الفعل أمرا ممكنا<. (25)
    وعلى هذا الأساس، فإن الأهلية لا يمكن أن تحدد انطلاقا من الفعل، أي انطلاقا من البرنامج السردي المرتبط بملفوظ فعل، ذلك أن ملفوظ الفعل يفترض حالة تعد أساسه ومنطلقه. إن ما يشكل أساس الأهلية هو ملفوظ الحالة، فالحالة المتجلية في مرحلة التحريك ( المبني على الإقناع والتأويل)، هي منطلق الأهلية وعنصرها الرئيس. من هنا، فإن موضوع الأهلية يتكون من مجموعة من الصيغ التي يحددها گريماص في :
    - وجود الفعل
    - معرفة الفعل
    - قدرة الفعل
    - إرادة الفعل
    وهي صيغ ليس من الصروري أن تكتسب دفعة واحدة، أو أن تكتسب في مجملها، وليس من الضروري أن تمتلكها ذات واحدة، فقد يتم الحصول على هذه الصيغ تباعا وعلى مراحل، كما قد توزع على مجموعة من الذوات المنضوية تحت كون قيمي واحد. ومن جهة أخرى، إذا كان الإنجاز يتحدد من خلال وجود قيمة هي أساس الفعل ومبرره الرئيس، فإن الأهلية بدورها تفترض موضوعا ولكن هذا الموضوع من طبيعة أخرى، إنه موضوع استعمالي محدد داخل برنامج استعمالي.
    هذه بعض الشروط العامة المحددة لحالة ذات سردية تستعد للمرور إلى الفعل، والأمر يتعلق بالمرحلة التي تسبق مباشرة الإنجاز. ورغم ذلك > إذا كان النظر إلى الأهلية باعتبارها حالة يسمح لنا بتلمس البدايات الأولى للوصف، فإنه لا يستنفد الإشكالية في كليتها. فالملفوظات التي تصوغ هذه الحالة يجب تأويلها باعتبارها ملفوظات حالة تحكمها ملفوظات فعل قادرة على إبراز التحولات التي أدت إلى تكون ''حالة الاشياء هاته''. وبعبارة أخرى، فإن وجود ذات مؤهلة يطرح مشكلة وميكانيزم الأهلية< (26). وقد بينت التحاليل البروبية للحكاية العجبية الأهمية التي توليها كل حكاية لمشكلة امتلاك الوسائل الضرورية ( الأهلية) من أجل الوصول إلى "إنقاذ الأميرة والزواج بها''. وفي الحياة اليومية من الدلائل ما يؤكد أهمية هذا العنصر ويجعل من كل حركة يومية فعلا مرتبطا بأهلية في أفق تحقيق إنجاز ما، وغاية ما.
    وسنطرح الآن موقع هذه الأهمية من التحريك من جهة، وموقعها من الإنجاز من جهة ثانية. فإذا كان التحريك، كما حاولنا تبيين ذلك، هو لحظة الحسم الإيديولوجي، أي لحظة اختيار النقطة الإيديولوجية التي تعد تحقيقا خاصا لمضمون عملية القلب الخاصة بالعلاقات المكونة للنموذج التأسيسي، وتحويلها إلى عمليات، فإن الأهلية، كمرحلة سردية تابعة للتحريك، لا يمكنها أن تخرج عن دائرة هذا الاحتيار. وبعبارة أخرى، فإن اللحظة الأولى باعتبارها بعد ذهنيا داخل الحركة السردية، هي العنصر المحدد لطبيعة هذه الأهلية ولشروط اكتسابها. فالبرمجة السردية كإجراء شكلي عام يقابلها التخطيب باعتباره إجراء تصويريا خاصا. إن العملية الأولى تضعنا أمام بنية مجردة بالغة العمومية، أما الثانية فتضعنا أمام التحقق النصي الخاص. ومن المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية، ننتقل من البعد المفهومي إلى الوضعيات الخاصة. وتعد هذه الوضعيات العنصر الذي يحدد طبيعة الاستثمار الدلالي لكل التجارب، أو اللحظات السردية المشكلة للخطاطة السردية في عموميتها.
    فإذا أخذنا النصوص الحديثة في الاعتبار، سنلاحظ أن هذه النصوص، وإن كانت تسير هي الأخرى وفق خطاطة سردية تحتكم إلى شكل كوني، فإنها تختلف عن الحكايات الشعبية والأساطير، من حيث إن الأولى تكاد تكون دائما نصوصا مفتوحة، في حين تتميز الثانية بالامتلاء. والتفتح والامتلاء لا يدركان إلا من خلال فعل القراءة، أي يستدعيان الأهلية التأويلية للقارئ. إن التفتح يتميز بكونه نتاج بناء نصي يشيد الإنجاز كعنصر يحيل على إنجاز آخر، فاكتساب الوعي السياسي أو الإيديولوجي مثلا، في كثير من روايات الواقعية الاشتراكية، هو إنجاز يؤول داخل الكون القيمي الذي يحكم النص، باعتباره أهلية في أفق تحقيق إنجاز يتجسد كأثر للمحكي.
    استنادا إلى هذا، فإن الاستثمار الدلالي الخاص بالصيغ المشكلة للأهلية لا يمتح عناصر تكونه إلا من الكون القيمي الذي تحيل عليه مرحلة التحريك من خلال فعلي الاقناع والتأويل. ووفق هذه النظرة، فإن الرواية المعاصرة (الروايات الواقعية العربية بالأساس) تُبني في كثير من الأحيان كرحلة للبحث عن الأهلية، باعتبارها إنجازا أساسيا. فاكتساب المعرفة أو القدرة بعيدا عن أن تشكل مرحلة التأهيل، فإنه يشكل مرحلة الإنجاز الحقيقي. ويمكن أن نحيل القارئ على مجموعة من روايات نجيب محفوظ التي تعد صورة مثلى لهذا النوع من البناء. وكلنا يتذكر صرخة سعيد مهران ( بطل اللص والكلاب) " كل الناس معي ولكن ينقصني التنظيم''. فبينما كان الكون القيمي يتطلب أهلية جماعية، ترسم الحركة السردية لسعيد مهران أهلية فردية ( الشجاعة القوة، الذكاء...). وهكذا تتحول الرواية إلى معول يهدم من بداية الرواية إلى نهايتها هذه الأهلية. وكذلك الشأن مع روايات حنا مينة مع اختلاف في التصور الإيديولوجي.
    إن هذه الملاحظة الأخيرة تقودنا إلى طرح الأهلية في علاقتها بالإنجاز. فإذا كان امتلاء الحكايات آت من كونها تعد تسريدا تاما وبسيطا للخطاطة السردية بمراحلها الأربع، فإن غياب هذا الامتلاء في النصوص المعاصرة، هو ما يجعل من الأهلية والإنجاز يتداخلان كفعلين أحدهما متحقق في النص، وثانيهما يتحقق كأثر معنوي داخل الأهلية الموسوعية للقارئ. فتقديم الأهلية باعتبارها إنجازا، هو في نفس الوقت تقديم الإنجاز باعتباره أهلية، وما بين الفعل الأول والفعل الثاني ننتقل من الفعل المتحقق إلى قواعد للفعل : أي رصد الفعل الإنجازي في حالة تحققه خارج النص، أي في الواقع الخارج/ نصي متجسدا في وجود محفل يتلقى النص السردي باعتباره معادلا لسانيا لبنيات واقعية ''حقيقية''.
    1-3 - الإنجاز
    إن الإنجاز يشكل المرحلة الثالثة داخل الخطاطة السردية. وهو من خلال موقعه هذا يشير إلى نوع من الإشباع النصي الذي يقود الدورة السردية إلى الامتلاء، ويقود الخيط السردي إلى الانكفاء على نفسه. إن الإنجاز معناه تحديد للمخرج، ورسم لمعالم كون قيمي مخصوص. ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى الإنجاز باعتباره وحدة سردية تتكون من سلسلة من الملفوظات السردية المترابطة فيما بينها وفق منطق خاص. ويمكن تحديد تتابع هذه الملفوطات على الشكل التالي :
    -م س = مواجهة : (ذ 1 ذ 2)
    -م س = هيمنة : ( ذ 1 ذ 2)
    - م س = منح : ( ذ 1 م )
    وتتطابق هذه الملفوظات مع ثلاث عمليات توجد في أساس النحو الأصولي، أي القواعد الضمنية التي تحكم السلوك الإنساني.
    - ففي الحالة الأولى، يعبر الملفوظ السردي، بشكل تشخيصي، عن العلاقة التناقضية بين حدين متقابلين.
    - وفي الحالة الثانية، يعتبر هذا الملفوظ نقطة الانطلاق لعملية النفي الموجهة حيث إن ذ 1 ينفي ذ 2 أو العكس.
    -أما في الحالة الثالثة، فإن الملفوظ يتطابق مع محفل الإثبات الذي يتجلى في منح الذات موضوعا ما. (27)
    وفي اللحظة التي تطرح فيها العلاقات القائمة على المواجهة والصراع، نكون في واقع الأمر نمر من الوضع المجرد إلى التمثيل السجالي لمجموع الخطاطة، وهو ما يعني الانتقال إلى المعادل المشخص للعلاقات المكونة للنموذج التأسيسي. > فمن خلال عملية القلب التشخيصي تولد العلاقات والعمليات المكونة للنحو الأصولي، ملفوظات سردية ( ملفوظات فعل أو ملفوظات حالة) وتندرج هذه الملفوظات ضمن مركبات أولية يسميها گريماص البرنامج السردي<.(28) ويتطابق هذا البرنامج مع الإنجاز باعتباره ترسيمة إجرائية المراد منها القيام بتحويل للمضامين. وبهذا، يكون الإنجاز هو الوحدة الأكثر تمييزا للتركيب السردي، إنه تركيبة أي خطاطة شكلية قابلة لاستيعاب مضامين متنوعة (29).
    وإذا كان التحريك يحيل على مقولة " فعل الفعل" ، وإذا كانت الأهلية تحيل على " كينونة الفعل"، فإن الإنجاز يحدد "فعل الكينونة"، وهي حالات تخص البطل في مساره السردي وخضوعه لمجموعة من التحولات تمس فعله وكينونته. وطبيعته هاته هي التي تجعل منه ملفوظ فعل يحكم ويحدد ملفوظ حالة.
    استنادا إلى هذا، > فإن الإنجاز، ودونما اعتبار للمضامين (أو لحقول التطبيق)، هو فعل ينتج " حالة شيء"، وسيكون، من خلال هذا الإنتاج، محكوما من جهة بنوعية الأهلية التي تتطلبها الذات المنجزة، ومحكوما، من جهة ثانية، بخانة جيهية محددة في وجوب الفعل ( الضرورة أو الاستحالة) التي تصفي القيم المحددة ''لحالة الأشياء'' الجديدة.(30)
    ويعد الإنجاز، من جهة ثالثة، ومن خلال موقعه داخل الخطاطة السردية، أحد العناصر المكونة لهذه الخطاطة. إنه الحلقة النهائية داخل سلسلة التحولات المسجلة في النص. وبهذا فإن الإنجاز يتقابل مع التحريك باعتبار الثاني وجها تحققيا للأول. ويتقابل مع الجزاء باعتبارالثاني يعد الوجه القيمي ( الحكم على الأفعال المنجزة) لسلسلة الأحداث، ويسمى الإنجاز قرارا إذا كان موقعه ضمن المستوى التداولي. (31)
    إن هذا التمييز بين نوعين من الإنجاز هو الذي يدفعنا إلى متابعة ما طرحناه في حديثنا عن الأهلية وموقعها من التحريك من جهة، وموقعها من الإنجاز من جهة ثانية. فبينما تتميز الحكايات الشعبية في أغلبها بالإنجاز التنفيذي، أي بالحصول على موضوع يعد غاية في ذاته، وهو ما يعني تضمين الفعل غاية محددة بشكل مسبق، تتلخص في الوصول إلى هدف مسطر بوضوح منذ البداية ( الزواج بالأميرة، أو بابنة العم، أو الحصول على المال ...)، تتميز النصوص المعاصرة، وخاصة منها روايات الواقعية الاشتراكية، بالإنجاز القراري، وهو إنجاز يحيل دائما على إنجاز آخر يُنظر إليه باعتباره برنامجا '' للفعل الواقعي''، ويتداخل هذا البرنامج، في غالب الأحيان مع الأهلية باعتبارها تحتوي على صيغ متعددة ومتجاوزة لذاتها. فعادة ما تكون الحركة السردية محكومة بهاجس الوصول إلى رؤية جديدة للحياة، أو اكتساب وعي سياسي، أو امتلاك وعي إيديولوجي؛ والوصول إلى هذه الغاية التي تغير من طبيعة الأشياء ولا تغير من محيط الذات، هو عمق الحركة السردية ومبرر انتش

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 8:51 am