[center] المعنى البسيط:
" يتصف المعنى البسيط بمجموعة من الخصائص التي تتعلق باللفظ، أو بالمدلول، أو بهما معاً، وأبرز هذه الخصائص تقليدية اللفظ وغموض المدلول وما يكتنف كلاً منهما من العناصر العاطفية والانفعالية ". ( 21 )
ومعظم كلماتنا رموز تقليدية، ونحن نكتسب معاني هذه الكلمات في طفولتنا المبكرة، ولكن عن طريق التعلم، إذ لا يوجد في اللفظ ما ينبئ عن المدلول، فبالإضافة إلى عدم وجود آية علاقة ظاهرة بين اللفظ " منضدة " وما تدل عليه؛ هناك شيئان يعارضان افتراض وجود أية صلة طبيعية بينهما مهما كانت هذه الصلة غامضة، الشيء الأول يتمثل في تنوع الكلمات واختلافها في اللغات المختلفة، والثاني يتبلور في الحقائق التاريخية، فلو كانت معاني الكلمات كامنة في أصواتها، لما أمكن أن تتغير هذه الكلمات في لفظها ومدلولها تغيراً يستحيل ربطه بالوضع الأصلي لها. ( 22 )
ومهما يكن من أمر فليست كلمات اللغة كلها تقليدية صرفة ككلمة " منضدة "، إن الكلمة " قهقهة " مثلاً معبرة ووصفية إلى حد ما بالصيغة نفسها، والأصوات فيها دليل من دلائل المعنى، وفي استطاعة الأجنبي الذي لا يعرف مدلول هذه الكلمة أن يحمل هذا المدلول تخميناً دقيقاً إلى حد ما، على حين لا يمكنه البتة أن يخمن معنى كلمة " منضدة " من الصوت وحده.
كما يمكن - إضافة إلى ذلك - ملاحظة تشابه الكلمات " المحاكية للأصوات " في لغات مختلفة: " فالطائر المسمى " كوكو " cuckoo في الإنكليزية هو في الفرنسية coucou، وفي الألمانية kuckuck، وفي الهنغارية kakuk، وفي الإغريقية القديمة kokkyx ". ( 23 )
يتبين من هذا أن الثروة اللفظية للغة تتألف من مجموعتين كبيرتين: كلمات تقليدية عرفية اصطلاحية، وكلمات مولدة بدافع الحاجة والضرورة. ويتم التوليد بثلاث صور رئيسية هي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- التوليد الصوتي: (24 )
وهو صنع الكلمات الصوتية التي تحاكي في تركيبها الصوتي بعض الأصوات أو الضجيج لتوحي بالصوت نفسه أي تقليد كلمة لصوت آخر: رنين، هدير، نقيق، حفيف، خرير. ..الخ، أو أنه يحدِّد عبر تداعي التجاور الحيوان أو الشيء الذي يصدر الصوت؛ الكوكو.
بيد أن مردود الكلمة الصوتية المحدودة بالضرورة بمجال الأصوات يظلّ ضعيفاً في مجال التسمية الإدراكية أو المعرفية الذي اعتمد قديماً، وبالمقابل فإن قيمة القيم الصوتية المحاكية تبدو عالية جداً على صعيد الأسلوب خاصة الأسلوب الشعري الذي يسعى إلى تقويم كل التداعيات الاستطرادية الكامنة بين الشكل الصوتي و المعنى، وهذه التداعيات ليست محصورة في نطاق صوتين بل تتعدى ذلك لتشمل أصواتاً وألواناً وعواطف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- التوليد الصّرفي والنحوي:
وهو الذي يسمح بتركيب كلمات انطلاقاً من أشكال موجودة، فكلمة " محترم " مثلاً ليست تقليدية محضة، ويستطيع أن يفهمها كل فرد يعرف كلاً من الفعل " احترم " والميم المضمومة التي تكون اسم المفعول من الماضي المزيد، كما في " مُكرَّم – مُقاتل – مُعلَن "، ومع أن كلاً من " احترم " والميم المضمومة عنصر تقليدي، ولكن عملية التوليد تتمثل في ضم هذين العنصرين أحدهما إلى الآخر. وما يقال هنا ينطبق على التراكيب أيضاً، فالكلمتان " ربة " و " بيت " كلمتان تقليديتان، ولكن التركيب " ربة بيت " يمكن أن يعد تركيباً مولداً بدافع الحاجة، وهكذا نرى أن جزءاً كبيراً جداً من الثروة اللفظية للغة يتكون بطريق التوليد بالصورة السابقة، أو بالمزج والنحت، مثل " صهلق " مكونة من " صهل وصلق "، و " بحتر " مكونة من " بتر و حتر "، ولا يخفى ما لهذا النوع من تأثير إيحائي وما يحمله من تداعيات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- التوليد المعنوي:
والذي يبعث على التوليد في هذه الحالة هو الاستعمال المجازي للكلمة كما يصرح " أولمان " (Ullmann)، وهو سبيل واضح المعالم في هذا الشأن، فقد يعمد المتكلم إلى ملاحظة علاقة المشابهة بين المدلولين لتحقق نقلاً مجازياً، ومن ذلك إطلاق عبارة " عنق الزجاجة " في موقف معين على معبر للمشاة، فالسامع سوف يفهم في الحال بأن المقصود " منفذ ضيف للمرور " وقد سمي بهذا الاسم اعتماداً على مشابهة الضيق في كلتا العبارتين.
ولنا أن نتساءل إذا كانت العبارة " عنق الزجاجة "، عبارة مولدة، أم أنها عرفية تقليدية؟
- من الواضح أن هذا التركيب مولّد، نتج عن التشابه بين رقبة الإنسان والجزء الأعلى من الزجاجة، أما إذا تساءلنا عن كلمة " رقبة " نفسها، تقليدية أم ليست تقليدية؟ فيبدو لنا من ذلك بأنها ليست مولدة.
والسؤال الآن متى تُميز الكلمة بأنها اصطلاحية أو مولدة ؟ فتكون القاعدة: " إذا لم يكن التوليد عن باعث صوتي فإن نقطة التحول في التركيب المولد من الناحيتين النحوية والمعنوية لا بد أن يرتد في نهاية الأمر إلى بداية تقليدية " ( 25 )
ومن الخصائص المشتركة بين أنواع التوليد الثلاثة أن دوافعها ليست ثابتة، فمن الجائز أن تفقد الكلمات قوة المحاكاة والتقليد فيها، ويصبح الاستعمال المجازي قديماً بالياً بالتكرار المستمر بحيث لا يُحسُ بأنه مجاز، وفي هذا المعنى جاء القول التقليدي: " إن اللغة معجم من المجازات التي فقدت مجازيتها بالتدريج " ( 26 )، لذلك عدت الاستعارات من هذا القبيل جامدة وتحولت إلى رصيد اللغة.
ويلاحظ أن هذا التوليد المجازي الذي ذكره أولمان نقل إرادي غير تصويري، أي أن أبناء اللغة لم يهدفوا منه إلى تحقيق تأثير معين أو ابتكار أدبي، ويطلق اللغوي الفرنسي بيار غيرو ) P. Guiraud (على هذا النوع مصطلح " التسمية الإدراكية أو المفهومية "، ولكن عندما يستعمل في التعبير يغدو له معنى آخر: " أما التحريف والتأليف فهما يسمحان بتركيب كلمات انطلاقاً من أشكال موجودة، إنه أسلوب التسمية المعرفية المثالي. ويمكن أن يكون ثمة إبداع أو استعمال أسلوبي تلك هي حالة المنقصات والمزيدات في مجال التعبير عن التعاطف أو الذم. .. ". ( 27 )
وعلى الرغم من أنّ إدراك الباعث على توليد الكلمات قد يكون واضحاً في كثير من الحالات، فالغالب أن يعتمد هذا الإدراك على عوامل متعمقة في الذاتية، كاعتماده على طبع كل من المتكلم والسامع وعلى درجة إحساسهما وثقافتهما العامة، بل على مزاجهما كذلك، كما يعتمد على طبيعة السياق وخصائصه، فالكلمات " الباهتة " الخالية من الإشعاع والإيحاء خلواً تاماً في السياقات العلمية المحضة؛ ربما تكشف فجأة عن مصادر غير متوقعة من الإيحاء وقوة التعبير في المواقف الانفعالية والشاعرية. وقد يجدّد الشعراء في الصور القديمة للمعاني ويعيدون إليها الحياة التي فقدتها بالتدريج، وذلك بالرجوع بها إلى أصولها التاريخية الأولى، ويظهر ذلك بصورة أوضح عندما يعمد الشعراء إلى استغلال إمكانات الأصوات وقدرتها على الإيحاء بالمعنى ومحاكاته، " ويظل هذا الاستعمال الأدبي محل الثناء والإعجاب زمناً أطول "، ( 28 ) ولكن مصيره مع كل هذه الشيوع والألفة إلى القدم والبلي في عصر من العصور إلى أن يضمه المعجم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتذكر دائما أننا لانكتب لنا فقط وإنما للأجيال القادمة
فلنقدم لأجيالنا أحسن نموذج من خلال ما نلفظ من قول
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
مع تحيات محب الحرف العربي :
رشيد دكدوك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://alajrass.ahlamontada.com
جرس2010
Admin
عدد المساهمات: 6752
تاريخ التسجيل: 18/06/2009
الموقع: alajrass.ahlamountada.com
مُساهمةموضوع: رد: الوظيفة الدلاليّة في ضوء مناهج اللسانيات الأربعاء نوفمبر 03, 2010 2:29 pm
ب – المعنى المتعدد:
يتحقق المعنى المتعدد في صورتين اثنتين: فقد يرتبط عدد من الألفاظ بمدلول واحد، أو العكس، أي قد يكون الارتباط بين مدلولات عدة ولفظ واحد.
والمصطلح المألوف الذي يطلق على الحالة الأولى هو الترادف " synonymy " أي تعدد الدوال التي تشير إلى مدلول واحد، وإن كان معظم اللغويين ينكرون وجود مثل هذا الترادف، وإذا ما حدث هذا فعلاً " فسرعان ما تظهر بالتدريج فروق معنوية دقيقة بين الألفاظ المترادفة، بحيث يصبح كل لفظ منها مناسباً وملائماً للتعبير عن جانب واحد فقط من الجوانب المختلفة للمدلول الواحد ". ( 29 )
ويرى الدكتور محمد المبارك أن أهم سبب لوجود مثل هذا الترادف في اللغات جميعاً يتعلق بطبيعة النظر إلى المدلول، فقد يبدو أن للشيء وجوهاً وصفات كثيرة، ويمكن أن يشتق له من الألفاظ كلمات متعددة تبعاً لتلك الوجوه والصفات، من ذلك تسمية الدار منزلاً ومسكناً وبيتاً نسبة إلى الاستدارة والنزول، والسكن، والمبيت. ( 30 )
ويبدو أن ما ذكره المبارك يستند إلى واحد من آراء اللغويين العرب القدامى الذين أنكروا الترادف. فقد ذهب هؤلاء إلى أن ما يظن من المترادفات هو من المتباينات بالنظر إلى الصفات، وضربوا مثلاً على ذلك قولهم: إنسان وبشر، فالأولى باعتبار النسيان أو الإيناس، والثاني وضع على أنه بادي البشرة. (31 )
أما الدال الذي يكون له أكثر من مدلول فله ضربان في رأي علماء اللغة المحدثين، فقد اصطلح على تسمية ( تعدد المعنى ) " polysemy " للدلالة على الحالات التي تتعدد فيها مدلولات الكلمة الواحدة، و الملاحظ أن هناك إقراراً عاماً بوجود هذا النوع، فهو يوفر عبئاً على الذاكرة الإنسانية. (32 )
ولعل الاختصار الذي يعتمد على السياق ما يبرر مثل هذه الحالات، فكلمة " operation " التي تدل على "عملية " نستخدمها في سياق الحديث ونحن في المشفى أو السوق أو المعمل أو الجيش دون الحاجة إلى وصفها دائماً بأنها عملية جراحية أو تجارية أو علمية أو عسكرية، ويلاحظ أن استخدام هذه الكلمة يتطابق واستعمالها في معظم اللغات نظراً لما تحمله بعض الأفعال الكثيرة الشيوع والذيوع من شحنات المعنى ومنها الفعل " يعمل ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ريق التدريجي البطيء إلى تعدد المعنى طريق آخر قصير يتحقق في الاستعمال المجازي، نحو إطلاق كلمة " crane " الإنكليزية التي تعني طائر الكركي على " الرافعة " الحديثة اعتماداً على شيء من المشابهة في الارتفاع والامتداد، وإطلاق كلمة العين الساحرة في الفرنسية " oeilmagique " على الجهاز المعروف للمشابهة بينه وبين " العين " في الشكل والوظيفة، ومن أمثلة ذلك في العربية " الخرطوم " دلالة على الأنبوب المطاطي المستعمل في نقل المياه مستعاراً من " خرطوم الفيل " عن طريق المشابهة. (33 )
والضرب الآخر من تعدد المعنى هو المشترك اللفظي " Homonymy "، وهو اتفاق في اللفظ مشافهة، أو في الكتابة، أو في كليهما معاً، وهو أكثر ما ينجم نتيجة الاقتراض من اللغات، أو التطور الصوتي؛ ففي الفرنسية مثلاً تلفظ الكلمات التالية لفظاً واحداً: " verre " كأس و " ver " نحو و " vert " دودة.
أما الاتفاق في الصيغة مع تعدد الأصول التي تلاقت فيمثل له أولمان بكلمة " sound " الإنكليزية التي هي في الحقيقة أربع كلمات اتحدت في صيغة واحدة: فهي " صحيح البدن " في الجرمانية القديمة، و " الصوت " في الفرنسية التي ترجع إلى " son " وإضافة " d " نتيجة تطور صوتي، وهي بمعنى " سبر الغور " امتداد للفعل الفرنسي " sonder "، وربما تكون هناك علاقة تاريخية بين هذه الكلمة الفرنسية وبين كلمة " sound " الرابعة التي تعني " مضيق الماء " في لغات جرمانية متعددة. (34 )
وفي العربية مثل هذا المشترك اللفظي، فكلمة " السُّور " ذات أصل عربي وهي " الحائط " ودخيلة من الفارسية وتدل على " الضيافة " بتقديم الطعام. (35 )
وبمثل ذلك يحدث التضاد " Antonymy " أحياناً، فكلمة " جون " التي تطلق في العربية على الأبيض والأسود، أصلها في اللغات الفارسية والعبرية والسريانية على مطلق اللون سواء أكان أبيض أم أسود، فحين نقلت إلى العربية استعملت بمعنى اللون الأبيض وبمعنى اللون الأسود،( 36 ) ومثلها " جلل " التي أخذت من العبرية فصارت إلى عظيم وحقير كما استعملت في أصلها.
يبدو مما تقدم أن التطور اللغوي هو الذي سمح بهذا التعدد في المعنى من خلال تعدد الاستعمال وتنوع السياقات، لذلك لا بد من المرور على أشكال هذا التغير وأسبابه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ – توسيع المعنى:
يقع توسيع المعنى أو امتداده عندما يحدث الانتقال من معنى خاص إلى معنى عام، ويعني أن يصبح عدد ما تشير إليه الكلمة أكثر من السابق، أو يصبح مجال استعمالها أوسع من قبل، كإطلاق اسم " الوردة " على الزهرة عموماً كما في السلافية الجنوبية، ( 39 ) وكلمة " picture " التي كانت تسمى بها اللوحة المرسومة على الصور الفوتوغرافية كلها في الإنكليزية،( 40 ) وكلمة " البأس " التي في أصلها تعني الحرب في العربية، فغدت تدل على الشدة في كل شيء.( 41 )
ب – تضيق المعنى:
ويعد تضييق المعنى أو تقييده أو تخصيصه اتجاهاً عكس السابق، ويعني ذلك بقصر العام على بعض أفراده، ويمكن تفسيره على أساس أن انقراض بعض الأشياء أو العادات أو مظاهر السلوك المعبر عنها دلالياً يؤدي إلى انحصار الدلالة بما بقي من ذلك متداولاً، دون أن تلغي المرحلة التي كانت الدلالة فيها عامة.
ومن التخصيص في اللغة العربية مثلاً " الرث " التي ترد صفة لكل خسيس، ثم غدت تخص اللباس البالي،( 42 ) وفي الفرنسية كلمة " poison " التي تدل على الجرعة من أي سائل تخصصت بالدلالة على الجرعات السامة دون غيرها،( 43 ) وفي الإنكليزية من هذا النحو كلمة " meat " التي كانت تدل على الطعام مطلقاً ثم أصبحت تدل على اللحم خاصة.
ويمكن تفسير تضييق المعنى وتوسيعه على أنه نتيجة زيادة بعض الملامح التمييزية للفظ في التضييق، وإسقاط بعض ملامحها التمييزية في التوسيع. (44 )
ﺠ – انتقال المعنى:
يقول " فندرس " في تحديد المراد بانتقال المعنى: " يكون الانتقال عندما يتعادل المعنيان، أو إذا كانا لا يختلفان من جهة العموم والخصوص ". ( 45 )
وأمثلة انتقال المعنى كثيرة ومن ذلك انتقال كلمة " style " في الإنكليزية من آلة الكتابة إلى نوع من الوظائف التي تقوم بها لتصبح " أسلوباً "،( 46 ) ومنها التعبير عن أحد أعضاء البدن باسم عضو آخر مثل استخدام كلمة " صدر " بدلاً من ثدي، وكلمة " الشنب " التي كانت تعني في القديم جمال الثغر وصفاء الأسنان، وهي في الاستعمال الحديث تعني الشارب. (47 )
" ويشكل - في هذا التصنيف - المجاز المرسل والإضمار حالتي حصر وانتشار للمعنى؛ والحصر حين يؤخذ الجزء على أنه الكل. ..، بينما يكون الانتشار الحالة العكسية...، بيد أن الاستعارة المجردة والاستعارة انتقالان للمعنى ". ( 48 )
إن هذا التقسيم المنطقي كان أفضل الممكنات في عصر لم يعرف الأسس النفسية والسيميائية للكلام، غير أن التطورات التي أصابت نظرية العلامات وتحليل قضية الدال أفقدت هذه التقسيمات كل قيمة استكشافية، وأنقصتها جزءاً من سبب وجودها.
2- تغيّر المعنى: ( أسبابه )
يقترح التحليل السيميائي – في الواقع – مقاييس جديدة في التصنيف وتسمية جديدة، واضعاً في الاعتبارات سمات القضية الدلالية: فمن جهة ثمة قطبية – ثنائية للدال والمدلول، ومن جهة أخرى طبيعة نفسية – تداعية لعلاقاتها بشكلها الثنائي التماثل والتجاور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد ألح " سوسير " منذ مطلع القرن العشرين على هذا التمييز موضحاً العلاقة بين الدال والمدلول، وواضعاً في اعتباراته الطبيعة النفسية التداعية لقضية الدلالة: " يتخذ التبدل الزمني أشكالاً مختلفة. .... ومهما تكن عوامل الانتقال وسواء أكان تأثيرها معزولاً أم مجتمعاً، فإنها تؤدي دائماً إلى انتقال العلاقة بين الدال والمدلول ". ( 49 )
وإذا أضفنا إلى ذلك فصلاً كاملاً في " مقرر الألسنية العامة " كرسه سوسير لإبراز الطبيعة النفسانية – التداعية لهذه العلاقة. ( 50 ) يكون لدينا التحديد السيميائي الأول والشامل لتبدلات المعنى.
لقد كررت هذا التحديد كل النظريات الجديرة بأن تحفظ، وقد أجمعت هذه النظريات أن أسباب تغير المعنى عائدة إلى أسباب خارجية و أخرى داخلية:
" يتصف المعنى البسيط بمجموعة من الخصائص التي تتعلق باللفظ، أو بالمدلول، أو بهما معاً، وأبرز هذه الخصائص تقليدية اللفظ وغموض المدلول وما يكتنف كلاً منهما من العناصر العاطفية والانفعالية ". ( 21 )
ومعظم كلماتنا رموز تقليدية، ونحن نكتسب معاني هذه الكلمات في طفولتنا المبكرة، ولكن عن طريق التعلم، إذ لا يوجد في اللفظ ما ينبئ عن المدلول، فبالإضافة إلى عدم وجود آية علاقة ظاهرة بين اللفظ " منضدة " وما تدل عليه؛ هناك شيئان يعارضان افتراض وجود أية صلة طبيعية بينهما مهما كانت هذه الصلة غامضة، الشيء الأول يتمثل في تنوع الكلمات واختلافها في اللغات المختلفة، والثاني يتبلور في الحقائق التاريخية، فلو كانت معاني الكلمات كامنة في أصواتها، لما أمكن أن تتغير هذه الكلمات في لفظها ومدلولها تغيراً يستحيل ربطه بالوضع الأصلي لها. ( 22 )
ومهما يكن من أمر فليست كلمات اللغة كلها تقليدية صرفة ككلمة " منضدة "، إن الكلمة " قهقهة " مثلاً معبرة ووصفية إلى حد ما بالصيغة نفسها، والأصوات فيها دليل من دلائل المعنى، وفي استطاعة الأجنبي الذي لا يعرف مدلول هذه الكلمة أن يحمل هذا المدلول تخميناً دقيقاً إلى حد ما، على حين لا يمكنه البتة أن يخمن معنى كلمة " منضدة " من الصوت وحده.
كما يمكن - إضافة إلى ذلك - ملاحظة تشابه الكلمات " المحاكية للأصوات " في لغات مختلفة: " فالطائر المسمى " كوكو " cuckoo في الإنكليزية هو في الفرنسية coucou، وفي الألمانية kuckuck، وفي الهنغارية kakuk، وفي الإغريقية القديمة kokkyx ". ( 23 )
يتبين من هذا أن الثروة اللفظية للغة تتألف من مجموعتين كبيرتين: كلمات تقليدية عرفية اصطلاحية، وكلمات مولدة بدافع الحاجة والضرورة. ويتم التوليد بثلاث صور رئيسية هي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- التوليد الصوتي: (24 )
وهو صنع الكلمات الصوتية التي تحاكي في تركيبها الصوتي بعض الأصوات أو الضجيج لتوحي بالصوت نفسه أي تقليد كلمة لصوت آخر: رنين، هدير، نقيق، حفيف، خرير. ..الخ، أو أنه يحدِّد عبر تداعي التجاور الحيوان أو الشيء الذي يصدر الصوت؛ الكوكو.
بيد أن مردود الكلمة الصوتية المحدودة بالضرورة بمجال الأصوات يظلّ ضعيفاً في مجال التسمية الإدراكية أو المعرفية الذي اعتمد قديماً، وبالمقابل فإن قيمة القيم الصوتية المحاكية تبدو عالية جداً على صعيد الأسلوب خاصة الأسلوب الشعري الذي يسعى إلى تقويم كل التداعيات الاستطرادية الكامنة بين الشكل الصوتي و المعنى، وهذه التداعيات ليست محصورة في نطاق صوتين بل تتعدى ذلك لتشمل أصواتاً وألواناً وعواطف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- التوليد الصّرفي والنحوي:
وهو الذي يسمح بتركيب كلمات انطلاقاً من أشكال موجودة، فكلمة " محترم " مثلاً ليست تقليدية محضة، ويستطيع أن يفهمها كل فرد يعرف كلاً من الفعل " احترم " والميم المضمومة التي تكون اسم المفعول من الماضي المزيد، كما في " مُكرَّم – مُقاتل – مُعلَن "، ومع أن كلاً من " احترم " والميم المضمومة عنصر تقليدي، ولكن عملية التوليد تتمثل في ضم هذين العنصرين أحدهما إلى الآخر. وما يقال هنا ينطبق على التراكيب أيضاً، فالكلمتان " ربة " و " بيت " كلمتان تقليديتان، ولكن التركيب " ربة بيت " يمكن أن يعد تركيباً مولداً بدافع الحاجة، وهكذا نرى أن جزءاً كبيراً جداً من الثروة اللفظية للغة يتكون بطريق التوليد بالصورة السابقة، أو بالمزج والنحت، مثل " صهلق " مكونة من " صهل وصلق "، و " بحتر " مكونة من " بتر و حتر "، ولا يخفى ما لهذا النوع من تأثير إيحائي وما يحمله من تداعيات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- التوليد المعنوي:
والذي يبعث على التوليد في هذه الحالة هو الاستعمال المجازي للكلمة كما يصرح " أولمان " (Ullmann)، وهو سبيل واضح المعالم في هذا الشأن، فقد يعمد المتكلم إلى ملاحظة علاقة المشابهة بين المدلولين لتحقق نقلاً مجازياً، ومن ذلك إطلاق عبارة " عنق الزجاجة " في موقف معين على معبر للمشاة، فالسامع سوف يفهم في الحال بأن المقصود " منفذ ضيف للمرور " وقد سمي بهذا الاسم اعتماداً على مشابهة الضيق في كلتا العبارتين.
ولنا أن نتساءل إذا كانت العبارة " عنق الزجاجة "، عبارة مولدة، أم أنها عرفية تقليدية؟
- من الواضح أن هذا التركيب مولّد، نتج عن التشابه بين رقبة الإنسان والجزء الأعلى من الزجاجة، أما إذا تساءلنا عن كلمة " رقبة " نفسها، تقليدية أم ليست تقليدية؟ فيبدو لنا من ذلك بأنها ليست مولدة.
والسؤال الآن متى تُميز الكلمة بأنها اصطلاحية أو مولدة ؟ فتكون القاعدة: " إذا لم يكن التوليد عن باعث صوتي فإن نقطة التحول في التركيب المولد من الناحيتين النحوية والمعنوية لا بد أن يرتد في نهاية الأمر إلى بداية تقليدية " ( 25 )
ومن الخصائص المشتركة بين أنواع التوليد الثلاثة أن دوافعها ليست ثابتة، فمن الجائز أن تفقد الكلمات قوة المحاكاة والتقليد فيها، ويصبح الاستعمال المجازي قديماً بالياً بالتكرار المستمر بحيث لا يُحسُ بأنه مجاز، وفي هذا المعنى جاء القول التقليدي: " إن اللغة معجم من المجازات التي فقدت مجازيتها بالتدريج " ( 26 )، لذلك عدت الاستعارات من هذا القبيل جامدة وتحولت إلى رصيد اللغة.
ويلاحظ أن هذا التوليد المجازي الذي ذكره أولمان نقل إرادي غير تصويري، أي أن أبناء اللغة لم يهدفوا منه إلى تحقيق تأثير معين أو ابتكار أدبي، ويطلق اللغوي الفرنسي بيار غيرو ) P. Guiraud (على هذا النوع مصطلح " التسمية الإدراكية أو المفهومية "، ولكن عندما يستعمل في التعبير يغدو له معنى آخر: " أما التحريف والتأليف فهما يسمحان بتركيب كلمات انطلاقاً من أشكال موجودة، إنه أسلوب التسمية المعرفية المثالي. ويمكن أن يكون ثمة إبداع أو استعمال أسلوبي تلك هي حالة المنقصات والمزيدات في مجال التعبير عن التعاطف أو الذم. .. ". ( 27 )
وعلى الرغم من أنّ إدراك الباعث على توليد الكلمات قد يكون واضحاً في كثير من الحالات، فالغالب أن يعتمد هذا الإدراك على عوامل متعمقة في الذاتية، كاعتماده على طبع كل من المتكلم والسامع وعلى درجة إحساسهما وثقافتهما العامة، بل على مزاجهما كذلك، كما يعتمد على طبيعة السياق وخصائصه، فالكلمات " الباهتة " الخالية من الإشعاع والإيحاء خلواً تاماً في السياقات العلمية المحضة؛ ربما تكشف فجأة عن مصادر غير متوقعة من الإيحاء وقوة التعبير في المواقف الانفعالية والشاعرية. وقد يجدّد الشعراء في الصور القديمة للمعاني ويعيدون إليها الحياة التي فقدتها بالتدريج، وذلك بالرجوع بها إلى أصولها التاريخية الأولى، ويظهر ذلك بصورة أوضح عندما يعمد الشعراء إلى استغلال إمكانات الأصوات وقدرتها على الإيحاء بالمعنى ومحاكاته، " ويظل هذا الاستعمال الأدبي محل الثناء والإعجاب زمناً أطول "، ( 28 ) ولكن مصيره مع كل هذه الشيوع والألفة إلى القدم والبلي في عصر من العصور إلى أن يضمه المعجم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتذكر دائما أننا لانكتب لنا فقط وإنما للأجيال القادمة
فلنقدم لأجيالنا أحسن نموذج من خلال ما نلفظ من قول
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
مع تحيات محب الحرف العربي :
رشيد دكدوك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://alajrass.ahlamontada.com
جرس2010
Admin
عدد المساهمات: 6752
تاريخ التسجيل: 18/06/2009
الموقع: alajrass.ahlamountada.com
مُساهمةموضوع: رد: الوظيفة الدلاليّة في ضوء مناهج اللسانيات الأربعاء نوفمبر 03, 2010 2:29 pm
ب – المعنى المتعدد:
يتحقق المعنى المتعدد في صورتين اثنتين: فقد يرتبط عدد من الألفاظ بمدلول واحد، أو العكس، أي قد يكون الارتباط بين مدلولات عدة ولفظ واحد.
والمصطلح المألوف الذي يطلق على الحالة الأولى هو الترادف " synonymy " أي تعدد الدوال التي تشير إلى مدلول واحد، وإن كان معظم اللغويين ينكرون وجود مثل هذا الترادف، وإذا ما حدث هذا فعلاً " فسرعان ما تظهر بالتدريج فروق معنوية دقيقة بين الألفاظ المترادفة، بحيث يصبح كل لفظ منها مناسباً وملائماً للتعبير عن جانب واحد فقط من الجوانب المختلفة للمدلول الواحد ". ( 29 )
ويرى الدكتور محمد المبارك أن أهم سبب لوجود مثل هذا الترادف في اللغات جميعاً يتعلق بطبيعة النظر إلى المدلول، فقد يبدو أن للشيء وجوهاً وصفات كثيرة، ويمكن أن يشتق له من الألفاظ كلمات متعددة تبعاً لتلك الوجوه والصفات، من ذلك تسمية الدار منزلاً ومسكناً وبيتاً نسبة إلى الاستدارة والنزول، والسكن، والمبيت. ( 30 )
ويبدو أن ما ذكره المبارك يستند إلى واحد من آراء اللغويين العرب القدامى الذين أنكروا الترادف. فقد ذهب هؤلاء إلى أن ما يظن من المترادفات هو من المتباينات بالنظر إلى الصفات، وضربوا مثلاً على ذلك قولهم: إنسان وبشر، فالأولى باعتبار النسيان أو الإيناس، والثاني وضع على أنه بادي البشرة. (31 )
أما الدال الذي يكون له أكثر من مدلول فله ضربان في رأي علماء اللغة المحدثين، فقد اصطلح على تسمية ( تعدد المعنى ) " polysemy " للدلالة على الحالات التي تتعدد فيها مدلولات الكلمة الواحدة، و الملاحظ أن هناك إقراراً عاماً بوجود هذا النوع، فهو يوفر عبئاً على الذاكرة الإنسانية. (32 )
ولعل الاختصار الذي يعتمد على السياق ما يبرر مثل هذه الحالات، فكلمة " operation " التي تدل على "عملية " نستخدمها في سياق الحديث ونحن في المشفى أو السوق أو المعمل أو الجيش دون الحاجة إلى وصفها دائماً بأنها عملية جراحية أو تجارية أو علمية أو عسكرية، ويلاحظ أن استخدام هذه الكلمة يتطابق واستعمالها في معظم اللغات نظراً لما تحمله بعض الأفعال الكثيرة الشيوع والذيوع من شحنات المعنى ومنها الفعل " يعمل ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ريق التدريجي البطيء إلى تعدد المعنى طريق آخر قصير يتحقق في الاستعمال المجازي، نحو إطلاق كلمة " crane " الإنكليزية التي تعني طائر الكركي على " الرافعة " الحديثة اعتماداً على شيء من المشابهة في الارتفاع والامتداد، وإطلاق كلمة العين الساحرة في الفرنسية " oeilmagique " على الجهاز المعروف للمشابهة بينه وبين " العين " في الشكل والوظيفة، ومن أمثلة ذلك في العربية " الخرطوم " دلالة على الأنبوب المطاطي المستعمل في نقل المياه مستعاراً من " خرطوم الفيل " عن طريق المشابهة. (33 )
والضرب الآخر من تعدد المعنى هو المشترك اللفظي " Homonymy "، وهو اتفاق في اللفظ مشافهة، أو في الكتابة، أو في كليهما معاً، وهو أكثر ما ينجم نتيجة الاقتراض من اللغات، أو التطور الصوتي؛ ففي الفرنسية مثلاً تلفظ الكلمات التالية لفظاً واحداً: " verre " كأس و " ver " نحو و " vert " دودة.
أما الاتفاق في الصيغة مع تعدد الأصول التي تلاقت فيمثل له أولمان بكلمة " sound " الإنكليزية التي هي في الحقيقة أربع كلمات اتحدت في صيغة واحدة: فهي " صحيح البدن " في الجرمانية القديمة، و " الصوت " في الفرنسية التي ترجع إلى " son " وإضافة " d " نتيجة تطور صوتي، وهي بمعنى " سبر الغور " امتداد للفعل الفرنسي " sonder "، وربما تكون هناك علاقة تاريخية بين هذه الكلمة الفرنسية وبين كلمة " sound " الرابعة التي تعني " مضيق الماء " في لغات جرمانية متعددة. (34 )
وفي العربية مثل هذا المشترك اللفظي، فكلمة " السُّور " ذات أصل عربي وهي " الحائط " ودخيلة من الفارسية وتدل على " الضيافة " بتقديم الطعام. (35 )
وبمثل ذلك يحدث التضاد " Antonymy " أحياناً، فكلمة " جون " التي تطلق في العربية على الأبيض والأسود، أصلها في اللغات الفارسية والعبرية والسريانية على مطلق اللون سواء أكان أبيض أم أسود، فحين نقلت إلى العربية استعملت بمعنى اللون الأبيض وبمعنى اللون الأسود،( 36 ) ومثلها " جلل " التي أخذت من العبرية فصارت إلى عظيم وحقير كما استعملت في أصلها.
يبدو مما تقدم أن التطور اللغوي هو الذي سمح بهذا التعدد في المعنى من خلال تعدد الاستعمال وتنوع السياقات، لذلك لا بد من المرور على أشكال هذا التغير وأسبابه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ – توسيع المعنى:
يقع توسيع المعنى أو امتداده عندما يحدث الانتقال من معنى خاص إلى معنى عام، ويعني أن يصبح عدد ما تشير إليه الكلمة أكثر من السابق، أو يصبح مجال استعمالها أوسع من قبل، كإطلاق اسم " الوردة " على الزهرة عموماً كما في السلافية الجنوبية، ( 39 ) وكلمة " picture " التي كانت تسمى بها اللوحة المرسومة على الصور الفوتوغرافية كلها في الإنكليزية،( 40 ) وكلمة " البأس " التي في أصلها تعني الحرب في العربية، فغدت تدل على الشدة في كل شيء.( 41 )
ب – تضيق المعنى:
ويعد تضييق المعنى أو تقييده أو تخصيصه اتجاهاً عكس السابق، ويعني ذلك بقصر العام على بعض أفراده، ويمكن تفسيره على أساس أن انقراض بعض الأشياء أو العادات أو مظاهر السلوك المعبر عنها دلالياً يؤدي إلى انحصار الدلالة بما بقي من ذلك متداولاً، دون أن تلغي المرحلة التي كانت الدلالة فيها عامة.
ومن التخصيص في اللغة العربية مثلاً " الرث " التي ترد صفة لكل خسيس، ثم غدت تخص اللباس البالي،( 42 ) وفي الفرنسية كلمة " poison " التي تدل على الجرعة من أي سائل تخصصت بالدلالة على الجرعات السامة دون غيرها،( 43 ) وفي الإنكليزية من هذا النحو كلمة " meat " التي كانت تدل على الطعام مطلقاً ثم أصبحت تدل على اللحم خاصة.
ويمكن تفسير تضييق المعنى وتوسيعه على أنه نتيجة زيادة بعض الملامح التمييزية للفظ في التضييق، وإسقاط بعض ملامحها التمييزية في التوسيع. (44 )
ﺠ – انتقال المعنى:
يقول " فندرس " في تحديد المراد بانتقال المعنى: " يكون الانتقال عندما يتعادل المعنيان، أو إذا كانا لا يختلفان من جهة العموم والخصوص ". ( 45 )
وأمثلة انتقال المعنى كثيرة ومن ذلك انتقال كلمة " style " في الإنكليزية من آلة الكتابة إلى نوع من الوظائف التي تقوم بها لتصبح " أسلوباً "،( 46 ) ومنها التعبير عن أحد أعضاء البدن باسم عضو آخر مثل استخدام كلمة " صدر " بدلاً من ثدي، وكلمة " الشنب " التي كانت تعني في القديم جمال الثغر وصفاء الأسنان، وهي في الاستعمال الحديث تعني الشارب. (47 )
" ويشكل - في هذا التصنيف - المجاز المرسل والإضمار حالتي حصر وانتشار للمعنى؛ والحصر حين يؤخذ الجزء على أنه الكل. ..، بينما يكون الانتشار الحالة العكسية...، بيد أن الاستعارة المجردة والاستعارة انتقالان للمعنى ". ( 48 )
إن هذا التقسيم المنطقي كان أفضل الممكنات في عصر لم يعرف الأسس النفسية والسيميائية للكلام، غير أن التطورات التي أصابت نظرية العلامات وتحليل قضية الدال أفقدت هذه التقسيمات كل قيمة استكشافية، وأنقصتها جزءاً من سبب وجودها.
2- تغيّر المعنى: ( أسبابه )
يقترح التحليل السيميائي – في الواقع – مقاييس جديدة في التصنيف وتسمية جديدة، واضعاً في الاعتبارات سمات القضية الدلالية: فمن جهة ثمة قطبية – ثنائية للدال والمدلول، ومن جهة أخرى طبيعة نفسية – تداعية لعلاقاتها بشكلها الثنائي التماثل والتجاور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد ألح " سوسير " منذ مطلع القرن العشرين على هذا التمييز موضحاً العلاقة بين الدال والمدلول، وواضعاً في اعتباراته الطبيعة النفسية التداعية لقضية الدلالة: " يتخذ التبدل الزمني أشكالاً مختلفة. .... ومهما تكن عوامل الانتقال وسواء أكان تأثيرها معزولاً أم مجتمعاً، فإنها تؤدي دائماً إلى انتقال العلاقة بين الدال والمدلول ". ( 49 )
وإذا أضفنا إلى ذلك فصلاً كاملاً في " مقرر الألسنية العامة " كرسه سوسير لإبراز الطبيعة النفسانية – التداعية لهذه العلاقة. ( 50 ) يكون لدينا التحديد السيميائي الأول والشامل لتبدلات المعنى.
لقد كررت هذا التحديد كل النظريات الجديرة بأن تحفظ، وقد أجمعت هذه النظريات أن أسباب تغير المعنى عائدة إلى أسباب خارجية و أخرى داخلية: