[center]
التناص والبنية الصوتية
عند المتنبي
ان ما يتعلق باحكام البنية الصوتية وتشكيلاتها الميدانية في شعر المتنبي فهو استكشاف ميداني يسهم في اظهار القضية العلمية التي تضع المرحلة الجزئية في هذه العملية الى الخلف ، وتتقدم المرحلة الكلية عن طريق المرحلة التجريبية الاستقرائية لنتعرف اولا عن طريق الاستنتاج المتعلق بالمنطق العلمي باعتباره خاصية ابستمية مطلقة تحدد خضوع العملية الصوتية في النصوص الشعرية الى عملية بنائية منظمة وفق منحى يؤكد هذه الاتجاهات المتعلقة بالابستمولوجية وابعاد النزعات الجزئية وتفاصيلها البعيدة وقيام النزعة البنائية وفق خارطة التصور الموضوعي . وعليه فان علم الأصوات الإيقاعي يمثل ظاهرة تتحرك وفق سياق علمي بنائي موضوعي .
وفي احداث المقارنة المتشكلة بالعملية الاختلافية للبناء في النصوص الشعرية ما يميز هذه التشكيلة من الاصوات داخل النص الشعري ، وتقع في تناص ابستمي من ناحية التشكيل في المعنى استنادا الى حركية التاويل والجدل المتعاكس بين الاطر الواقعية والمعنى – والمعنى في حيثياته مرتبط بحركية المتكلم أي القصد ما ينطق به وما يفصله في الجملة أي ما يتعلق من نتاج بالعملية الاقترانية بين الوظيفة ذات الخواص المفهومة للحدث وبين الوظيفة الاسنادية وبالتالي هي عملية تعقل صوري يتعلق بالمضمون من ناحية التشكل . من هنا يكون فعل الخطاب الشعري بالجانب الآخر من الواقعة المتعلقة بالجدل . فالمعنى يشكل نظاماً للشفرة بحالتها المجهولة وهي تشكل معلماً افتراضياً . فاللغة مركبة من حركة الناس والمبالغة بالخواص الافتراضية ، وحالات الخطاب المتحول الى موضوع باطار المعنى في حالة النطق ، وقد يأخذ دورا افتراضيا من حركة التناص مع حركة افتراضية متقابلة (فيزيائيا) في نص شعري آخر ويأتي المرتسم العقلي للنص وفق ترجمة خطابية حيث يتشكل النص الشعري من معنى النطق وبفرضية الاتضاح وحلقة التميز للأصوات باختلافيتها في الخصائص كما هو الحال في التناص الصوتي – وتشكيل المعنى في شعر المتنبي مع نصوص لشعراء آخرين يؤدون حركية التقارب سواء على مستوى تفعيل الصوت بواسطة الفعل الهورموني وبين المعنى سواء المباشر او غير المباشر .
مثال على ذلك ما يقوله ابو تمام :
مقيم الظعن عندك والأماني
وان قلقت ركابي في البلاد
ثم يتحرك (الهمس – والمجاهرة في الاصوات) في البيت الثاني ادناه للمتنبي ليكون المعنى في التقارب وفي الانتاج العضوي لحركة التميز في الاصوات التي تتشكل بالمعنى الصوتي حيث تأخذ المفردة دورها الجوهري في الصوت وبالتفاصيل العضوية لمنطق الايقاع – واللفظ وان حركة الصوت تميز الدخول والخروج الصوتي داخل النص .
يقول المتنبي :
وإني عنك بعد غد لغاد
وقلبي عن فنائك غير غاد
من هنا : فان الذي يحدث في ترسيم اللغة يدور حول (شقوق الزمن) وما تدركه اللغة والبنية الايقاعية ، والمخارج والمداخل في تركيبات التناص داخل حفريات اللغة والتميز في بعض الكلمات مع البعض الآخر داخل الابيات . فالصوت والمعنى والتناص في المداخل والمخارج يعطي ملمحاً لاصول سيكولوجية وباراسيكولوجية تميز هذه الجدولة في ايقاع الاصوات ومكانة اللغة وعلاقتها بتشكيل الأصوات وهو المحور في الانتاجية النصية العامة . ربما ان الاختلاف في النصوص يولد الاختلاف في الاصوات والمعاني – والتناص ، ولكن التلازم في محور بنائي يركب كل هذه الجزئيات لتصبح تشكيلة محورية من (حركة الشقوق في الزمن) وهذا محور جديد يجب دراسته داخل منظومة الاصوات + محور المعنى المتركب داخل هذه المنظومة + التناص الذي يوحد هذه التراكيب عبر منظومة فيزيائية تتعلق بالباراسيكولوجي . ويرى (جاكوبسون) ان الاتجاه البنائي في الدراسة للمنظومات الصوتية انه لابد ان يقوم في اطار منهج تكاملي . ان كل حدث صوتي يدرس على انه وحدة جزئية من وحدات ومنظومات اخرى ومستويات مختلفة وان الحركة المتعلقة بالصوتيات التاريخية والتي تقع في المقدمة . هو ان هذا التعديل يقع في مقدمة النظام الداخلي وان ايّ متغير صوتي لا يمكن اغفال دوره الستراتيجي في المنظومة اللغوية( ) .
شقوق الزمن شقوق الزمن
اللّغة
المعنى التناص
الصوت
شقوق الزمن شقوق الزمن
مرتسم رقم (2)
فالمتغير الذي حصل في لسانيات المنظومة الخطابية والذي نطلق عليه تسمية علم الدلالة لتمييزه عن السيمياء بان تركيب الجملة الداخلية للنص عند المتكلم ، تتلخص بالاجراء النحوي وبادوات التحويل (Shifters)( ) وهذا كله تفصح عنه الجملة الشعرية بمعناها الموضوعي . فالمداخل الصوتية تتغير بتغير الابنية الاختلافية وتنتقل بالعلاقات التبادلية داخل المنظومة الصوتية لمعرفة المتغير المتبادل في وحدته الزمنية ، فلا يكفي ان نقوم بوصف حالة التغير هذه دون شرح والتفسير فحتى الوصف فهو الذي يبين لنا التشريعات المترابطة وفق مواقف في العملية التغييرية ، وهذا ما يدعونا الى توضيح هذا الاشكال في التغيير ، وبعد هذا يتم التحول الى السياق الستراتيجي في التاريخ ، ومنه الى المنعطف الكلي الخاص بهذه المسألة . فالتغير مستمر على كل المستويات الصوتية والمعنى والتناص واللغة ، أي كل هذه العوامل اللازمة لصنع النص ، هي عوامل متغيرة منذ اكتشاف اللغة ومنذ وجود الازل والذي يسمى الكون (cosmology)( ) والذي يدرس خواص الكون ، وحتى الكون له بداية زمنية ونضج لانه ارتبط بمفهوم الزمن وكل متغير مرتبط بالزمن وهذا يشمل (الصوت – واللغة – والتناص – والمعنى) وهي محفورة بشقوق الزمن . فالثبات في تفاصيل اللغة كما يقول (جاكوبسون) وهمي مجرد وهو فرض علمي مساعد وليس من خواص العناصر اللغوية( ) ما يتعلق بمفردات وسلّم اللغة وعناصر تكويناتها في النصوص (البلاغية – والبنية الاسلوبية) والبنى البلاغية جزء اساس من مستويات النص وهي (الاصوات – والمعاني) في اللغة والتناص وشقوق الزمن المتحولة . ونحن نتطرق الى هذه التكوينات ، علينا ان نؤشر مجموعة اخرى تساهم في تكوين البنى الاسلوبية قبل الجملة المقطعية والعلاقة بين المفردات والبنى اللغوية الواسعة – والبنى الفوقية وتاتي البلاغة في مقدمة الطبيعة الوظيفية وهي تختص بحركية النص وفعالياته في العملية الاتصالية . فالمنظومة الشعرية عند المتنبي التي نحن بصددها ، تتحرك وفق بنى بلاغية مهمة تتوضح بالنصوص الشعرية ، ويتأكد المتلقي من سلامتها لانها تتواصل باستمية الفعل الاسلوبي باعتبارها متغيرات قانونية في مرحلة من مراحل البنى النصية . هناك جمهرة من تفاصيل في السلم البنائي للبلاغة ودورها من الناحية الوظيفية بتمتين النص وخصائصه البلاغية بشكل عام تاتي في مقدمة الحلقة المتغيرة واحيانا تتجاوز المنحى النحوي لتنتقل الى عمليات التاويل باعتبارها تقع في دائرة المنظومة النظرية ثم تكون عرضه (لشقوق الزمن) المركبة تجريبيا ويشرف عليها (الباراسيكولوجي) لانتاج التناص داخل هذه الابنية النصية . والمتنبي قد تجلت فيه هذه الخواص باعتمادها على الاشكال المجازي للأبنية النصية والبلاغية اضافة الى تحقيقه فعلا تناصيا بمقاييس حركية الشقوق الزمنية التي متنت ايقاعه الشعري واسترساله وفق عدة من المعادلات الوظيفية :
1- المستوى الصوتي + المستوى الصرفي + المستوى النحوي والدلالي .
2- مستوى فعل التناص في تركيبة الشقوق الزمنية وهذا متاتي من اطلاعه على قوانين الشعر العربي ومداخلاته ونواظمه الكبيرة والمبكرة .
3- التكنيك في البناء للنص الشعري .
4- الوحدات اللغوية المتغيرة وفعل التغيير عند المتنبي وتأثره بها .
الخواص الفنية مثل أ) الاضافة ب) الحذف ج) القلب د) الاستبدال كما يقول : (فان ديجك) (Dijk. T. Avan)( ) .
وقد تمركز المتنبي في هذا الاستدلال ، عبر الابستمية (الذاتية –والموضوعية) بدلالة الافق الشعري وحدوده المعرفية . فالمتنبي وضع هذا الاستدلال داخل منظومة قصدية تشكل اضداداَ متناهية داخل تشكيل (الداخل والخارج) للنص والمأخوذة باتجاه عواملها الموضوعية والذاتية . واذا كان ابي الطيب قد اتجه هذا الاتجاه وهو مقتنع تعبيريا وعلميا لاحساسه بمركزية الاسناد في خواص التناص وشروعه الاختلافي تعبيرا عن احساسه بالوجود الذي يغلق منطقه العقلي وهيمنة الحضور المتشكل للنص وهو حضور كان قد هيمن على الوجود من خلال مدار النص من حيث ان مفهومه ينتقل الى الحقلة اللانهائية في كشف نموذج التفصيل السيكولوجي عند ابي الطيب بتشكيلات متشابهة من افعال التعبير والمعنى وفكرة الاستعادة لتاريخ (اللغة – والتناص والاصوات والمعنى) داخل تاريخ هذا التأمل الذي يظهر الغموض باعتباره غموضا في تركيب اللغة المجازية والاستنتاج الذي يظهر الاحساس بشكله العام من حيث طبيعة المعنى وفعل التناص والصوت داخل منظومة اللغة .
يقول البحتري :
واحب اقطار البلاد الى الفتى
ارض ينال بها كريم مطلب
ما يتعلق بالفعل التعبيري هو : تشكيلة الكلام داخل الجملة المقطعية الشعرية وعبر الفعل الادائي ، حيث يتضمن النص اختياراً في الحب من جانب الفتى الذي احب واختار ، فهي العملية الجدلية بين (واقع الحب والارض التي بها الكريم ذلك المطلب) وهذه العملية تنبع من قواعد دلالية تفصلها بنية الجملة الشعرية ، هناك قواعد اساسية في المنطق الاسلوبي : هي القوة الادائية لخطاب المعنى والاداء داخل هذه السمة العامة لأن النص الشعري كان قد تعرض الى سمة موضوعية تؤكد فعل الرغبات في الاثبات لهذه الافعال .
وكل امرئ يولي الجميل محبب
وكل مكان ينبت العز طيب
والنص الشعري عند المتنبي ادخل واكد الرغبة في اثبات ما قبله بشكل تناص يتعلق بالثبات والقوة والفعل التعبيري وقد تمثل بجدل الواقعة التناصية كما قال البحتري والمعنى في كلا الحالتين تطابقت قواعده النظرية مع قصد الاجابة عند المتنبي ، وهي القوة التي ميزت بيت المتنبي في تناصه ووجوبه ووجوده الدلالي بفعل هذا التطابق الطردي ،ثم نعود الى لغة الشعر وجوانبها المنهجية بأختلافية سياقاتها مع نمطية كل شاعر وأعتماده على الخلق الابداعي والبيان الجدلي لهذا الاختلاف وبدرجات مختلفة على مستوى (الصوت ، والنحو والصرف ، والبلاغة ، والمعنى ، والتأويل والتناص) وقوة منظومة نظرية كل شاعر سواء على مستوى الرمز او المستوى اللغوي والتقاليد والقيم الشعرية وتعدد الوظيفة الفنية فيهما .
ثم نأتي الى المنظومة الصوتية وتقع في المقدمة بطريقة استخدامها للغة وحروفها،
والايقاع وخواصه اضافة الى السلم النغمي ، ثم يأتي الايقاع وهو عمود المنظومة الصوتية بأعتباره المحور الرئيسي في البنية الايقاعية والنغمية ومقاماتها ومقاساتها الموسيقية وشبكة التوزيع داخل القافية وحدود النظام الموسيقي والصوتي ، ودلالة
الرمز والتعبير عن المدلول الفكري داخل النص الشعري (67) . كل هذه المكونات كانت قد ميزت شعر المتنبي داخل شبكة بلاغية ووفق منظومة لغوية تتخذ من البلاغة مصدرا وهي جزء يلتحق بالكل المكون ، ثم يأتي البحث داخل نمطية من العمل ويتمحور على المستوى الفعلي من تفاصيل الابنية الصوتية والصرفية ، والمتنبي قام بتشكيل التكرار التام في البيت ، تكرار بعض الاصوات داخل النص بتجانس حركي أختلافي كما في الشطر الاول من البيت + قام بتفصيل الصوت في النص وفق منظومة صوتية متحركة كما هو الحال في الشطر الثاني ،ثم تأتي اللواحق الصرفية داخل البيت وتكرار المعاني والكلمات ذات المصدرية الواحدة + فكان في البيت ترخيم موسيقي ثم يأتي التوازي في البيت الشطر الاول+ الشطر الثاني ثم يأتي الحذف ، فبين اقطار البلاد عند البحتري ويولي الجميل في بيت المتنبي .
فالمتنبي قام بتخصيص فقه المعنى وتركيبه في البيت وأتفق مع البحتري في عملية التناص داخل هذه الابنية ،لكن العناصر الدلالية عند المتنبي هي غيرها عند البحتري وهذا يتأكد بالذروة عند تصاعد النسق الشعري في البيتين ، ونكتشف من خلال هذه السياقات ان الامتداد الادبي في عملية التطبيق للخصائص التي تتعلق باللغة ، لايمكن التحول عنها لانها تتمحور حول الصوت والايقاع ، فالادب والشعر بشكل خاص يضعه في مقدمة أهتماماته لان بناء الاستحكامات الفنية تستند اليها والتوافقات التي تحصل داخل الجمل المقطعية لتقوم بأنشاء انظمة متبادلة تعمل على دفع الخواص الروحية والفكرية على القيام بأنتاج نوع من التفصيل الحي والمعبر عن اللغة المنظومة وليس اللغة العادية ، هذا هو المنعطف الذي تستند اليه اللغة الادبية والشعرية حصرا في تشكيل الصورة الفنية من خلال لغة شعرية تعود باللغة الى منابعها الاولى حيث تعود اللغة هي المنحى العلمي والعملي لتطور الشعوب والامم68)
ــــــــــــــــــــ
(67) د.فضل صلاح نظرية البنائية ص118 ص119.
(68)ralery paul "Variete I Trad , Buenos Aires 1956,p228.
يقول ابراهيم الكاتب:
أحاول أمــراً والقضاء يعوقه فبيني وبين الدهر فيه طراد
ولو الذي حاولت صعب مرامه لساعدني فيه عليه شــداد
والدراسات الدقيقة للنص تقتضي التنمية المتواصلة لفحص تأثير اللغة ومنهجية الابداع في الايحاء والتعبير ، والتي تزيد من قوة النص وتقدم المساهمة الزمنية حراكا في جدل هذه الواقعة ومحتواها التحاوري الذاتي مع زمن مطلق وعصّي . في هذا الخطاب حضور لزمكان بتشكيلة اللغة لانها اتصال (ذاتي وموضوعي) واللغة داخل النص الشعري هي حوار جوهري داخل بنية الخطاب ، ويحتفظ النص الشعري بحركية المعنى في تشكيل الخطاب بأعتباره فعل تمريري وأثبات ما يعنيه الاتفاق داخل هذا التوحد الذاتي في الخطاب الشعري ، وأبراهيم الكاتب حاول اعادة صياغة الوظيفة اللغوية داخل (حلقتين رئيسيتين في الذات والموضوع،) داخل نموذج تشكل لبناته أتصالا مفتوحا داخل حركية النص بين (الشاعر +الزمان والرسالة) كما يقول "رومان جاكوبسن " . ثم تأتي العناصر المكملة للحدث وتتمحور حول بنود ثلاثة تقوم بأثراء هذا النموذج في الحدث ، هذه البنود هي :
1. الشفرة .
2. منظومة الأتصال + السياق وعلى أساس هذه البنود المتشكلة من الشاعر +عملية الأنفعال + المتلقي مع الوظيفة ، والمتلقي مع عملية الانفعال +المتلقي مع عملية الاقناع أضافة للرسالة مع الشاعر أو الوظيفة الشعرية مع ملحق الشفرة اللغوية الشارحة وقنوات الاتصال والسياقات المتعلقة بالعملية التعاطفية ومرجعياتها .
يقول المتنبي :
أهم بشيء والليالي كأنها تطاردني عن كونه وأطاردُ
وبيت المتنبي يثير الوصف داخل الخطاب ويباشر بالانشاد كبقية أنفعالية داخل مرتسم الخطاب ، والبنية العقلية كانت قد تركبت عند المتنبي عبر سلسلة من التفصيلات الشقوقية للزمن ليلحق بالشفرة رابطا أتصالي تقابلي يستدعي أنموذج بحث فلسفي يوقر جدل هذه الواقعة داخل المعنى والوضوح المترتب مع البيتين الاولين لابراهيم الكاتب وهو سر هذه الواقعة الشقوقية .والمتنبي كان أكثر وضوحا في البحث عن المعترك الاختلافي للجمال ، هذا اللغز الشقوقي التناصي هو شرط أمكاني لتفاصيل البنية الشعرية ومداخلات التناص داخل حلقة الخطاب ، يبدو ان المتنبي أتهم بالسرقات لكنه بريء منها لان مفهوم الفعل التناصي يتعدى هذا الاتهام والمتنبي بقي يرفل نصه الشعري بالمعنى والتجذير اللغوي والصوت الخفي داخل النص والصوت الخارج من النص وتجريبيته الواقعة التي تنتقل الى الخلود داخل منحى الشقوق الزمنية لانها جدل الواقعة والمعنى ، والمتنبي قد أهتم بالواقعة التجريبية وعبر عنها بالتقاء هذا التبادل الفكري والسيكولوجي داخل الشفرة اللغوية وداخل ترابط الواقعة ذاتها بين (السماع ، الحوار ،التأريخ ، والفهم للمعنى ) كل هذه التناسبات والمتعاكسات تضع امرا تجانسيا وهو جواب العملية الخطابية التي تم نقلها بشفرة المعنى داخل حلقات الحوار وبمباركة المنحى الشقوقي للزمن الذي هو الترجمة الحقيقية لجوانب هذا الحوار من التناص الذي يضع أبي الطيب المتنبي في معيارية جوهر الخطاب الشعري ومخزاه الداخلي والخارجي ، فهو رديف اللغة وهي كحال عنصر الكتابة القانونية التي أرتبطت (بالانثروبولوجية) الانسانية وشفرة اللغة الكتابية، فالتناص يحمل البذرة الانثروبولوجية في الكتابة أي أن التناص يعيش بالفطرة الكتابية داخل سلم الانسان ككيان ، فوجود التناص داخل ابيات لمختلف الشعراء يعطينا دليلا قاطعا بأن التناص الشعري هو ضرب من أنواع الامكان الانساني يخرج عبر شقوق زمنية تكون متركبة غاية في الدقة ، والتطور العقلي لهذه الشقوق هاجس يظهر عند المبدعين من المفكرين والعلماء والشعراء الكبار وهو ليس أنتحال او سرقة للشعر .
ان ما ترجمه المتنبي من أستبصار وبصيرة مبتكرة تؤكد علاقتها بالموضوع وبالمنطق الدلالي عبر الحدس وضرورات التميز بأفتراض المعنى ، والشيء الفعلي الذي ترجمه المتنبي داخل بنية النص هو العلاقة الدالة على الذات الموضوعي وهي الولادة الكبيرة للمعنى وعلاقة هذا الوضوح ببنية أثر التعبير التي يطرحها النص الشعري بوضوح وعلى نحو تام داخل المشروع ( الأبستيمي) وتواصلا للهيمنة في أدراك الحس البنائي وحاجة النص الى هذا الحس بأعتباره حضورا ذاتيا يتلازم ومنطق أشتغال المعنى على عكس ما يطرحه الاخرين . من هنا ينتج المتنبي (قراءة حوارية للصوت والمعنى) هذا الحوار الذاتي بين الاثنين ينطلق بالعملية الشعرية بتشكيل بنية الكتابة وبنية الصوت ومن ثم أستقلال المعنى وفق قدرة حدسية تنطلق بشفافية غاية في الجمال . من هنا يبدأ المتنبي بحلقة الاختلاف في تشكيلات الاحاسيس والعلامات ، فالمتنبي يتحقق جوهريا من الخطاب الشعري وما يحمله من علاقة تأويلية بين (الصوت والكتابة الفلسفية) وبين التناول الذي يؤسس ملحمة أختلافية لجوهر القضية وهي تشير الى التماثلات وعلل العبث داخل مرجعيات (ديكارت وليبنتز) وما تقدم به من أزاحات وتحليل وقص داخل الشفرة الدلالية ، لان هذه المدارس توصف العقل الدلالي بسببيتة وأنسانيته ، فكيف اذا كان حجر الزاوية في الصياغات البنائية لمعالجة الحالة المتعلقة (بالتناص والصوت واللغة والشفرة والشقوق الزمنية ) .
(بين المتنبي وابن جني )
يبدو ان التفكير المتعالي عند ابي الطيب المتنبي [احمد بن الحسين الكوفي ]كان الخط الذي اوصله الى(( امام العربية وفقيهها هو[ابو الفتح عثمان بن جني الموصلي ]قبل اكثر من الف عام في بلاط سيف الدولة الحمداني بحلب فكانا يمثلا النبوغ والعبقرية العراقية والعربية .فالتفكير المتسامي والمتعالي جمع الاثنين وكان الانطلاق من قوة متناهية في الوعي اللغوي والشعري فكانت الانطلاقة من امكان موضوعية الوعي الفكري وقوته ومنتهاه لانه يفتح البعد الفلسفي امام اشكالية جمعت بين الاثنين صداقة متينة رافقها اعجاب بين الشخصيتين.فكان ابي الطيب يقول اذا راى ابا الفتح[هذا رجل لا يعرف قدره كثيرا من الناس]69.وكان ابو الفتح اذا تحدث عن ابي الطيب قال[وحدثني المتنبي شاعرنا وما عرفته الا صادقا ]70.
فكان المشروع البنائي هو الثمرة العقلية وجاء في كتابين من عيون اللغة العربية والنوادر في خصائص التراث العربي وهما الشرح الكبير والذي سمي [الفسر]والشرح الصغير الذي سمي [الفتح الوهبي]وهذان الكتابان اقدم شروح ديوان المتنبي واوثقهما ولا يوجد شرح لديوان المتنبي لا يرجع في تفاصيل شرحه الى ابي الفتح بن جني.وكان من رد على ابن جني هو [ابن فورجه]الذي الف كتاب الف للرد على ابن جني اسماه [الفتح على فتح ابي الفتح]وهناك تعليقات لاحد تلاميذ ابن جني قرأ على يده الشرح ثم رواه وشرحه وعلق عليه من خلال عباراته . وكان المتنبي قد شغل الناس في تلك المرحلة التاريخية وقد تعددت الشروح والشراح حتى بلغت الشروح [اربعين شرحا]ما بين مطولات ومختصرات ثم تضاعفت هذه الشروح والتعليقات بعد عصر [ابن خلكان]حتى بلغت الاضعاف المضاعفة والتي لم يصلنا منها سوى [شرح الواحدي وشرح العكبري والشرح الكبير لابن جني ]والذي سمي
ــــــــــــــــــــــ
(69) انظر: معجم الادباء جـ5 ص25.
(70) انظر الخصائص جـ1 ص239.
[الفسر ] ويعد الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي في المرتبة الثانية من الشرح الكبير والذي سمي [الفسر]فكان المحتوى النقدي للشرح،وهو الذي احدث معادلة منطقية في الفعل التعبيري ونقل الحركة الادبية الابداعية من الشرح والتاويل الى الجدل لفعل البنية الشعرية وما تشكله من معنى ،فكانت الخاصية للخطاب الشعري عند المتنبي وشروحه قد احدثت اداء نقديا جديدا ورغبة في نقل الوعي النقدي لشعر المتنبي على مساحة اكثر اتساعا، فكانت الوقائع متداخلة داخـــــل الفرز لخواص المعنى ومن هذه الشروح ولنا عوده الى هذا الموضوع في الصفحات القادمة .
ترتيب الشروح على النحو التالي : 1.التنبيه على خطاء ابن جني في تفسير شعر المتنبي لمؤلفه علي بن عيسى الربعي .72
2.قشر الفسر لابي سهل الزوزني (73 ) 3.التجني غلى ابن جني لابن فورجه ) 74( 4.السرد على ابن جني في شعر المتنبي لابي حيان التوحيدي)75 ( 5.تنبع ابيات المعاني التي تكلم عليها ابن جني والشريف المرتضى )76 ( 6.الفتح على فتح ابي الفتح لابن فورجه )77 ( 7.الواضح في مشكلات شعر المتنبي لابي القاسم عبد الله بن عبد
ـ 72.معجم الادباء ج5ص284
73.فهرست مخطوطات دار الكتب المصرية ج2ص203
74.كشف الظنون ج1ص1233
75.معجم الادباء ج5ص381
76.المصدر السابق نفسه ص174
77.نشره محمد الطاهر بن عاشور بتونس سنة 1968.
الرحمن الاصفهاني( 78 )
والذي يهمنا من هذا ;هو ان اتجاهات التفسير لنصوص المتنبي الشعرية مشروطة بالغرض الواضح تعريفا ومحاولة تنشيط متن النص واضائته من ناحية التكوين البنائي والتكوين اللغوي ووحدة البنية داخل الجوهر للنص وما يطرقه المعنى وما تتخلله من وحدة في التعبير والايجاز والتاؤيل الذي اصبح المحور ومداخلات شرح النص عند ابي الطيب .
لقد حمل النص الشعري للمتنبي المعيار التصويري للحدث الشعري وقابليته على الافعال القصديه وروح الفعل الخطابي وحضور القصد الذي يتضمن المعنى
والقوه في جدلية واقع الحدث والتخارج وقابلية الفرز لمستوى الخطاب الشعري .
وما يعنينا من تطور في جدل الواقعة النصية ومداخلات المعنى هو المحتوى الخبري في جانبيه [الذاتي والموضوعي ]واذا كان منتصف القرن الرابع كان الحد الفاصل في ركود ريح الاختلاف حول ابي تمام .فقد تجددت بظهور ابي الطيب المتنبي ،هو الميل من الناحية الموضوعية يتاكد بقوة الشد ميلا الى تحديث الشعر سواء بالنسبة الى ابي تمام او البحتري ولكن المنعطف الجديد في هذه الاشكالية هي بظهور المتنبي الشاعر الذي جمع بين القديم والحديث كما قلنا في بداية الكتاب اضافة الى قوة البيان فقد تضمن شعره فلسفة منهجية للحياة وثقافة تتطلع الى التغيير دائما وهي تنتمي في حيثياتها الى نسيج القرن الرابع بكل خواصه الشعرية والنثرية ،ولكن المقاييس بقيت نسبية لما تحدثوا بها عن عمليات الاختلاف او الصراع بين القديم والحديث او المحدث كما يسمى احيانا. وكانت محاور النقاش الحامية تدور عن ميل ابي تمام او نزوع منهجه الى طريقة البحتري ولكن الحدث الجديد والمحدث الجديد هي الطريقة التي عطلت مقاييس النقاد إتجاه عمود الشعر . والمتنبي يمتلك شخصية وجرأة في المنطق الشعري واللغة والمبالغة في القصيدة التي
ـــــــــــــــــــ
78.الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي تحقيق الدكتور .غياض محسن ص11
يؤمن بها والاداء الفلسفي ومعرفته بالمرحلة التاريخية التي يعيش بها وفساد المؤسسات السياسية للولاة والامراء وتصرفه بالحكمة وباللغة المتينة العالية والقوة والصيرورة عند مخاطبتة الولاة والامراء اضافة الى خصومه الذين ارادوا تحطيمه شعريا وانتقاما من هذه الشخصية المتعالية .وكان شاغلهم الرئيس هو انصرافهم الى تاكيد موضوع هو ان [شعر المتنبي مصنوع من معاني الاخرين ]ولكنهم اخفقوا في ذلك بسبب الوسيلة النقدية البدائية عند الخصوم اضافة الى النسيج الشعري الجديد الذي جاء به المتنبي واكتفوا بابراز وتصوير هذا الاعجاب القلق او تفسير المعاني واللف والدوران حول النسيج الشعري .وما يتعلق بالامور التي تتعلق بالشكل ولكن على العموم كان للمتنبي موقفا مفروضا من الناحية الشعرية والفنية.وبانه ليس شاعرا عاديا وان اكثر ما دار حول المتنبي من نقد وهجوم لانه استنجد بالادوات النقدية القديمة والتي لاتتناسب والشعرية الجديدة للمتنبي وان ما طرحه النقد في تلك الفترة اي القرن الرابع وما تلاه من ادوات ولم ينشغل النقاد مع اي شاعر قدر انشغالهم بابي الطيب المتنبي وذلك لاحساس اصحاب المدارس النقدية بحجم قضية شعر المتنبي .وكان للحاتمي جهد كبير في هذا المضمار وكان جهده هذا ليس مقتصرا على ظاهرة المتنبي الجديدة ولكن وجود المتنبي بالعراق بعد ان غادر مصر اثار انتباهه وكانت تركيبته النقدية تؤكد جدل الواقعة [بالاختلاف والصراع]ولذلك جاء جدله النقدي مختلفا في تفاصيله من حيث التقدير للقواعد والاصول وبين الحدة والجزم في تعقب تلك السقطات.ويبدو ان الحاتمي كان يفهم الواقعة وقد اختلف عن النقاد لانه يحفظ الكثير وبشواهد دقيقة .وكان يختلف عن معاصريه في المجال النقدي وكانت نظرته تؤسس معلما صالحا في النقد فتعلم منه الدارسون . [مؤلفات الحاتمي النقدية ]
1.له كتاب [المعيار والموازنة ]لم يكمله .
2.كتابه[المجاز في الشعر ].
3.له كتاب بعنوان [الهلباجة في صنعة الشعر]كتبه واهداه للوزير بن سعدان في
رجل ذمه بمجلسه وسمي الرجل الهلباجة من غير ان يصرح باسمه.
4.كتاب [سر الصناعة في الشعر ].
5.كتاب[الحالي العاطل في صنعة الشعر ].وعرض فيه اصناف البديع كالتجنيس والتطبيق والاستعارة والاشارة والوحي والتشبيه والتبليغ والتصدير والتسهيم والتقسيم والتقريب والترصيع والتوشيح والموازنة والمقابلة والاستطراد والمماثلة والمكافاة والمبالغة والالتفات والمساواة .ويطالعنا في ترجمته لفن القول فهو يختلف عما قاله النقاد الذين سبقوه .
6.كتابه [حلية المحاضرة ]وهو عرض لما سبقه مع الرعاة للايجاز فهو كتاب صالح ومفيد لمن يطالعه.
[يقول الحاتمي ]
[فاذا كان اللفظ فصيحا والمعنى صريحا واللسان بالبيان مطردا والصواب مجديا والالة مسعدة والبديهة مسعفة والالفاظ لائحة غير مفتقرة الى تاءويل والمعاني متعاقبة غير مفتقرة الى دليل والحجج عند الحاجة ماثلة والاسماع قابلة والقلوب نحو الكلام منعطفة والافهام للمخاطب على قدر فهمه واقعا والذهن مجتمعا والبصيرة قادحة والقائل موجزا في موضوع الايجاز مطيلا اذا صحت الاطالة واقفا عند الكفاية وكان اللبس مامونا وشمائل القول حلوة والقدرة على التصرف عاضدة والطبع الذي هو دعامة المنطق شريفا والفصول ملتحمة والفضول محذوفة والفصول مقسومة وموارد الكلام عذبة ومصادره ...خارجه عن الشركة نقية من تكلف الصنعة فتلك هي البلاغة وهنالك النظام شمل الابانة].72
ــــــــــــــــــــــ
72.انظر.عباس احسان .تاريخ النقد الادبي عند العرب ص256ص257 .
[النسبة والتناسب في القصيدة برأي الحاتمي ]
وهي الوحدة العضوية في بناء القصيدة .حيث يقول ;
[فان القصيدة مثلها مثل خلق الانسان في اتصال بعض اعضائه ببعض فمتى انفصل الواحد عن الاخر او باينه في صحة التركيب غادر بالجسم عاهة تتحّيف(1) محاسنه وتعفي معالم جلاله ]73.
فالوحدة العضوية عند الحاتمي تعني معنى التكامل بحالة الاعتدال والانسجام.فكان الحاتمي يؤكد وحدة القصيدة ووحدة موضوعيتها في البناء وخاصة موضوعية الاختلاف في سلم القصيدة ويؤكد كذلك اشتراكها في منهجية الواقع البنائي وبالجانب المحدث الجديد من الشعر فهو الذي يحسن الاتقان في البناء وهي مختلفة ومتعثرة عند المدارس النقدية القديمة فهي تقتصر على التشكيل الخارجي للمواقع في القصيدة.والحاتمي في مجال النقد التطبيقي ينحو المنحى التعميمي دون التعليل وكشف الاسباب او ايراد الامثلة الشافية.وشغله الشاغل في ذلك هو اهتمامه بالسرقة الشعرية وما يتصل بها من اشكاليات.ونحن نقرأ له هذا الراي [وفرقت بين اصناف ذلك فروقا لم اسبق اليها ولا علمت ان احدا من علماء الشعر سبقني في جمعها ]يقصد الابواب التي وضعها الحاتمي في تعداد انواع الاخذ كمايسميها وهي تتعلق بالتناص الشعري.
ــــــــــ
(1)وهي في الاصل : تتحرق ،ووضع الناسخ فوقها لفظة "كذا"
(73) المصدر السابق نفسه ص257.
[عكوس النص ]
ان الزاوية الدلالية للسيميوطيقا التركيبية في تحديد البنيات الدفينة والواضحة من خلال فحص الدلالات المنطقية للبنية التركيبية للخطابات والنصوص الشعرية السردية،وجعل هذه البنيات الجوهرية والمنطقية هي السبب وراء تفكيك النصوص وارجاعها الى عناصرها ومضامينها الاولية.
فالنصوص الشكلية والمضمونية في قوانين السيميو طيقا تمر عبر قنوات الترشيح الضرورية من خلال فرز المولد الدلالي واستقراء الوظائف النصية التي تعمل على توليد الدلالة دون الرجوع الى الحيثيات من الناحيتين الذاتية والموضوعية وكذلك شكلانية النصوص التضادية داخل عناصرها الفنية.فالمعنى البنيوي المبني على النسقية لا يفهم الا من خلال الاختلافات.
وهذا ما اكده [سوسير]في دراساته العديدة وتتلخص;
ان الاختلاف اهم القنوات البينية للدراسات البنيوية والالسنيةوهذه الفلاتر القائمة على اسس اختلاف النصوص تكشف ضبابية العناصر المختلفة داخل النص سواء البنيوي او الالسني.فالخطابات النصية الالسنية تتمحور حول القنوات التمظهرية لتتحول بعدها الى عملية الترشيح البنيوي والتوزيعي ومن ثم التوليدي والى الجمل اللامتناهية عبر التركيبات القاعدية المتناهية بحسب المكونات النحوية التمظهرية المتداولة ضمن سياق السيميوطيقا التوليدية المختلفة للنصوص.
ان الجانب اللغوي للنصوص البينية القديمة من الجانب التعييني المحدد هو ما يمثل من الظاهر والبارز من مكوناتها، وياتي النص البيني وهو الاسناد للاصل وان النص هو منتهى الاشياء وكلمة استقصيت يعني في هذا المجال ;استيضاح عن شيء وحتى تخرج كل ما عنده وحتى تستخرج راي القوم وتظهره بالاستيضاح للنص اي ما يدل على لفظ الدلالة وما تحمله من احكام.
والنص هو المجال المحدد والمغلق، والمكتفي من حيث الدلالة والمقصد الواحد ينطوي على نقطة ثابتة يوزع كل الروافد وهو الواضح والظاهر والجلي.
وهو الكيان الكامل والدلالة والنصوص البينية تقبل الغموض والابهام والنصوص البينية لا تتعدى معانيها ولا تكثر مدلولاتها او يعقد الدال والمدلول فيها.
النصوص البينية مباشرة تنطلق من نقطة وتصل الى المكان المحدد ووظيفتها هي التواصل ولا تنفصل عن منابع المركز الاساسي لها والارسالي الذي انطلقت منه والالتباس بين زمن الانطلاق للنصوص من منابعها الى مصبها .
لا اجتهاد في النص اي ان الخلاف والاختلاف في ضوء ما تقدم هو الخلاف والاختلاف بين الصوت ورجوع الصدى يكون شاحبا في لحظة الرجوع الى الطرف الثاني ، ولكن الاساس في كل الاحوال ثابت والفعل الاول للنص هي العلة او السبب،وياتي القارئ للنص باعتباره المعلول وكذلك المسؤول في عمليات التعليل والتحليل.
وفي هذه الحالة يغير القارئ بمستوى مفهوم النص في هذه المعاني كل واحد منهم معلول للعلة الاولى وكلاهما معلولان للعلة الاولى، وهو المؤلف او الشاعر وفي هذه الحالة يكون النص منقول مانص عليه وما مقصود منه من قبل القارئ،فالقيمة في هذه الحالة سلبية.
بهذا المنظور الفردي ضل سبيله ستكون القيمة المرجوة بمثل قيمة المراة الصافية التي تنقل دون ان يؤشر لها باية قيمة فيما تنقل ،فسلب القارئ من سلب النص فلا اجتهاد القارئ ولا اجتهاد في النص ولا قدرة على الالهام في الانتاج الفكري او الادبي ومنه الشعري حصرا انه سجين علاقات التنصيص المضمرة والظاهرة.
وان الانجاز في هذه الحالة يبقى هو القدرة على توضيح فعل المعنى المنصوص عليه من خلال دراسة الدلائل السيميولوجية القائمة على الدال والمدلول والدليل السوسيري لدراسة البنيات السيميوطقية الخاصة بنظم الدلالة اللغوية اللسانية وغير اللسانية(74)
ــــــــــــ
74-أنظر :صحيفة نداء المستقبل العراقية (لغة التناص) بقلم علاء هاشم مناف
العدد(3) السنة 1999م.
ما يعنينا من هذه الاحتمالية المشروطة باستخدام باب الانتحال والعرض من الناحية التعريفية هو محاولة شاعر ما اخذ ابياتا لشاعر اخر كما ركب [جرير]المعلول
ان الذين غدوا بلبك غادروا وشلا بعينيك ما يزال معينا
غيضن من عبراتهن وقلن لي ماذا لقيت من الهوى ولقينا
وفي سياق باب الانحال ;الحدث في القصيدة يتركب بطريقة معينة عند شاعر اخر وفي هذا الموضوع لناامثلة عند الامدي في حديث ابن سلام او كما فعل حماد الراوية في حديثه عن المطابقة عند خلف الاحمر وعن نحله الشعر ليتابط شرا والشنفري واخرين او في تفسيره لباب الاغارة في اخذ الابيات من شاعر اخر باينت مذاهبه في امثالها من شعر فيقوم باستنزال قائلها وهنا يعطينا الحاتمي مثالا لما فعله [الفرزدق]مع[ذي الرمة ]حين سمعه ينشد ;
احين اغارت بني تميم نساءها وجردت تجريد الحسام من الغمد
اضافة الى باب المعاني العقم ;وهي الابكار المبتدعة.ومن امثالها قول امرؤ القيس:
اذا ما استحمت كان فضل حميمها على متنتيها كالجمان على الحالي
وفي معنى المواردة في التقاء شاعرين يلتقيان في اطار المعنى ثم يتواردان في تفاصيل اللفظ في حين ان الشاعران لم يلتقيا ابدا وهذه الاشارة القصدية التي تعتمد على فواصل الشقوق الزمنية ومسلمة اللغة وانثروبولوجية التوزيع اللغوي وتخارجاته فيما وراء اللغة وكذلك المرافدة وما تعنيه من تنازل شاعر ما عن بعض نصوصه الشعرية يرقد ويشكل بها شاعر اخر حتى يغلب خصم له في الهجاء.
وياتي الاجتلاب او الاستلحاق في التصرف في النص الشعري وهو يعود الى شاعر اخر عن طريق التمثيل لا الامتلاك للنص او سرقته.وياتي الاصطراف وهو باب في ان يصرف الشاعر ابياتا الى احدى نصوصه الشعرية تعود الى تشكيلة شاعر اخر وذلك لجودة هذه الابيات في تلك القصيدة وياتي الاهتدام على وزن افتعال من الهدم هو عملية التغيير في البيت الماخوذ ويقوم بالتغيير الجزئي كقول الشاعر ;
اريد لانسى ذكرها فكانما تعرض ليلى بكل سبيل
وقول جميل بثينة :
اريد لانسى ذكرها فكانما تعرض لي ليلى على كل مرقب
وباب الاشتراك في اللفظ لشاعرين في شطر بيت ثم يختلفا في الثاني مثال على ذلك
دخيل قد دلف لها بخيل عليها الاسد تهتصر اهتصارا
ثم يقول اخر :
دخيل قد دلفت لها بخيل ترى فرسانها مثل الاسود
وياتي باب تكافؤ المتبع والمبتدع في الاحسان .مثال ذلك قول امرؤ القيس:
فلو انها نفس تموت احتسبتها ولكنها نفس تساقط انفسا
وقول عبدة بن الطيب :
وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
وفي باب تقصير المتبع عن احسان المبتدع.مثال على ذلك قول امرؤ القيس
كان قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
ثم اخذه ابو صخر الهذلي فقصر عنه حين قال:
كان قلوب الطير عند رمائها نوى القسب باق عند بعض المشارب
وياتي باب نقل المعنى الى صياغات مختلفة في اللفظ والمعنى وتقديم التورية عن الاتباع والاقتفاء والتطويع في النقل للمعنى ;هو ايقاظ ما كان راقدا.
وياتي التكافؤ للسابق والسارق في عملية الاساءة والتقصير مثل قول الفرزدق
فيا ليتنا كنا بعيدين لا نرى على منهل الا نشل ونقذف
ثم حوله كثير عزه فجاء به كذلك:
الا ليتنا يا عز كنا لذي غنى بعيدين نرعى في الفلاة ونغرب
وفي باب اخفاء السرقة قال اوس بن حجر:
الم تكسف الشمس والبدر والكواكب للقمر الواجب
ثم انظر الى هذا المعنى واخفاه كل اخفاء النابغة الذبياني فقال :
يقولون حصن ثم تابى نفوسهم وكيف بحصن والجبال جنوح
وفي باب كشف المعنى بازدياد.مثال قول امرؤ القيس:
كبكر المقاناة البياض بصفرة غداة نمير الماء غير المحلل
بعدها اخذه ذو الرمة فقال :
كحلاء في برج صفراء في نعج كانها فضة قد مسها ذهب
وياتي باب الالتقاط وترقيع الالفاظ وفق عملية تلفيقية تتكون من ابيات وحصرها في بيت واحد مثال قول ابن هرمة :
كانك لم تسر بجنوب خلص ولم تلملم على الطلل المحيل
التقطه من بيتين احدهما لجرير :
كانك لم تسر ببلاد نعم ولم تنظر بناظرة الخميل
والبيت الثاني للكميت :
الم تلملم على الطلل المحيل يعيد وما بكاؤك بالطلول
وياتي نظم المنثور وهو تمرير المعنى من النص المنثورالى النص المتركب شعريا.قال مؤبن الاسكندر ;حركنا سكونه.فقال ابو العتاهية ;قد لعمري حكيت لي غصص الموت وحركت كل من سكنا ويشير في هذا الدكتور احسان عباس الى المصدر في75.
ــــــــــــــــ
75.انظر حلية المحاضرة.الورقة80....99مخطوطة رقم2334.
75.انظر الدكتور احسان عباس تاريخ النقد الادبي عند العرب ص258ص259ص260.
الرد على رسالة الموضحة للحاتمي او الحاتمية
هذه البنود التي وضعها الحاتمي ليكوّن رائياً في عملية التخارج في خواص التناص وما يشكله من دلالة[للسيميوطيقا التركيبية]وفي تحديد الخواص الدفينة للبنية التركيبية للخطابات الشعرية والمتعلقة بالسرد.هذه البنيات المنطقية هي التي ادت الى تفكيك النص الشعري حصرا وارجاعه الى عناصره الاولية.
ان هذه المواضيع تمر عبر قنوات من الترشيح الجدلي التاريخي وما شكلته الامثلة اعلاه من منظومة تاريخية وان ما يتعلق بالسرقة فهي واضحة من ناحية تفسير هذه الابواب ولكن الحاتمي وضع هذه البنود باعتبارها لائحة اتهام لمن اراد السطو على نصوص غيره ولكن الحاتمي اخفق في ذلك لان ما تناوله من بنود في هذه اللائحة لا يشكل اتهام من [الناحية القانونية] لان النص الشعري لا يمكن اعادته في قوانين[السيميوطيقا]الا عبر فرز المولد الدلالي واستقراء المعنى الوظيفي للنص والذي يعمل بدوره على [توليد الدلالة].وعلى العموم فان الرجوع الى الحيثيات الاولية لشكلانية النصوص التضادية يطالعنا المعنى البنائي للنص وفق [فقه نسقي]يفهم من خلاله تفاصيل الاختلاف وهذا واضح عند [سوسير]في دراساته الكثيرة والتي تؤكد بان العملية الاختلافية هي اهم القنوات البينية للدراسات البنيوية لانها اصلا قائمة على اساس [العمليات الاختلافية].والنصوص الاصلية تكشف هذا الاغراق في لائحة [الحاتمي ]الاتهامية اضافة الى انها تكشف تلك الضبابية الطارئة داخل هذه القنوات التمظهرية .فالتوزيع يتم بالصياغات الجديدة التي يسميها الحاتمي سرقات وهي مكونات نحوية تمظهرية تداولية ضمن اطار معلم [السيميوطيقا التوليدية]للنصوص الاختلافية هذا الجانب التعييني في اللائحة الذي يمثله الظاهر والباطن للنص الشعري فهو المكون الجديد.
وهو ليس بالضرورة يكون المسند الاصلي وان النص الشعري كما هو معروف هو منتهى الاشياء والاستقصاء يعني الاستيضاح في المعادلة الشعرية وما يدل على اللفظ للدلالة وما تحمله من احكام قطعية لا احكام الحاتمي ولائحته الاتهامية والجدل الاعمق في [الرسالة الموضحة للحاتمي]تعبر عن عمق في احكام القواعد النظرية للنقد وهي الرسالة التي يمكنها ان تقوم باعادة الصياغة الجدلية للمعنى[عند ابي الطيب المتنبي]وتاثره [بارسطو]فهذا باب تطبيقي في اطار المنطق الفلسفي [للمتنبي]يقوم بتوضيحه الحاتمي في [جبهة الادب ]او[الحاتمية]وهي الرسالة التي صنفت في نقد شعر ابي الطيب المتنبي .
وكانت مداخلات هذه الرسالة وهي وليدة الصدفة في لقاء حدث بين [الحاتمي والمتنبي]تعمده الحاتمي اثر عودة المتنبي من مصر الى العراق ويعترف الحاتمي وهو دون الثلاثين من عمره بان [المهلبي]هو الذي حرضه على مهاجمة المتنبي.
[[نص اعتراف الحاتمي بالتحريض ]]
[سامني هتك حريمه وتمزيق اديمه ووكلني بتتبع عواره وتصفح اشعاره واحواجه الى مفارقة العراق]76*.ويذكر ان الرسالة التي كتبها الحاتمي لم تكن رسالة نقدية بقدر ما كانت رسالة تبغي غاية هي [استهداف شخصية المتنبي]ولم تكن محررة نقديا انما اراد بها الحاتمي ارضاء [الوزير المهلبي]اولا وتاسيسا للتحليل القصدي البسيط الذي جاء في الرسالة الحاتمية فالرسالة وضحت امور دقيقة جدا منها الامور المتعلقة [بالشق الذاتي]والتي اشملت :
1.الغرور والطيش الشبابي وابراز شعور الانا والشعور البعيد كل البعد عن المعرفة.
2.والمكرور في الرسالة والمحجوم فيها ينم عن عدم معرفة في مداخلات الوعي النقدي حتى في تلك الفترة لكن اخذت الرسالة الاستمرارية الذاتية في عملية التشبث في خلق الخصائص والمواضيع المصطنعة مثل باب الاشتراك في اللفظ وباب احسان
ــــــــــــــــ
76*.المصدر السابق نفسه ص263.
الامد وكان العملية الشعرية مصنوعة صناعة ولم يطلعنا الحاتمي عن خصائص تؤسس في المواضيع المدركة والمعروفة .
هذه المتعلقات التي وضحها الحاتمي متعلقات منفصلة عن اللحظة التي يجب ان تمثل قصديا .ومن المعروف فان المتعلقات القصدية جاءت دون الارادة الحرة اضافة فان من المعروف ان الموضوع المدرك هو الذي يعطينا مركز هذه الدلالة داخل هذه العملية الذاتية الصرفة .
اما فيما يتعلق بالشق الموضوعي
1.ارضاء الوزير [المهلبي ].ويعترف الحاتمي بهذه التخارجات وهو ما يعيب هذا السلوك في لحظة الوعي النقدي وموقفه من هذا الاعتقاد وما تمخض من مميزات حسية تتعلق بشخصية الحاتمي المهزومة ازاء الطمع والجشع والتقرب الى السلطان .
لان الحاتمي اعتمد الطريقة الانفعالية ويظهرها بطريقة محجوبة ومكرورة وهذا واضح في بنود اللائحة.والجولة الاولى ارضت المهلبي .لكن المفارقة جاءت في المناقشة التي امتدت في جلسة واحدة من [راد الضحى ....حتى نفضت الشمس صبغها وطغت على الظلام بطغلها ]وهذه هي خواص مركزية المناقشة التي وضحها ياقوت الحموي والتي وسمها باسم [جبهة الادب]
ومن هذه المناقشة في اول لقاء بعدها عاد الى بيته وضاع تلك الرسالة التي تسمى جبهة الادب وفي هذه الحالة كون العملية التبادلية سيكولوجيا بينه وبين الوزير المهلبي ولان المعرفة النقدية التبادلية شعوريا واضحة وجلية بين [الحاتمي والوزير المهلبي]وهذا هو سر التقسيم الجوهري للقطيعة بين الذات والموضوع .لان الموضوع قد انقسم الى [الانا]فالمعرفة التي ينشدها الحاتمي شكلت ذاتا عقيمة والموضوع لدى [الوزير المهلبي ]يفهم بالمباينة وكشفا للعلاقة المزيفة التي تصب في شراكات غير متناسبة ومن المفارقة الشعورية ما يدعيه الحاتمي بانه نازع [ابي الطيب ]في مجالس اخرى .ثم يدعي انه وقف بالمطالعة على مواضع من اجتلاباته وسرقاته وهذا مظهر على ما اعتقد يظهر ويكشف عن [انا]طافحة وجلية تتعدى الموضوعية وهذا يتضح سلوكيا بالميول والتوترات والدوافع.وهذه هي حدود علاقته بالمتنبي.اضافة الى ان الحاتمي يدعي انه الف رسالة وقدمها الى الوزير [ابي الفرج محمد بن العباس الشيرازي] ووسمها [بالموضحه]والغريب في الامر ان الموضحه كتبت بشكلها الكامل بعد وفاة المتنبي لماذا لان الحاتمي اراد ان يضع ما ليس بحقيقة ويضيف ما يعتقده ارضاء للوزير المهلبي وتشفيا بابي الطيب المتنبي وهذا هو المحجوب في اظهار الشعور الموجه نحو المتنبي بقصدية تامة وعنيدة
ووعد الحاتمي بتاليف رسالة يتابع بها نتاج المتنبي الشعري .وما يحتويه من سقوط في اللفظ والسرقات وما يحويه من اغراض تتعلق بمنهجه الشعري ولم تصلنا هذه الرسالة .
الان نعود الى ميزة الكشف التي يطالعنا بها [ابن جني ]عن المتنبي حيث تتوقف عند هذا الكشف واندفاعات [بن جني ]ودفاعه عن المتنبي ومقاومته السيكولوجية من الاعماق للدفاع عنه .
لقد اشتد تاريخ الخصومة للمتنبي في تحليل خطابه الشعري وكان الدافع في ذلك هو الحسد والحقد ضد الابداع وكانوا دائما يحاولون احداث شرخ في القضايا التي يرون فيها من مسوغ للموقف والمغالاة في استخدام المتنافرات في المعاني او المفاهيم التي يرونها تتناسب وصفة الكتابة المغالية ضده اما انصاره فكانوا يلذون بالهذيان الشفوي.ولا نجد لهم اي اثر مكتوب خاصة في [القرن الرابع]الذي شهد اعنف المعارك بين المتنبي وخصومه وكان انصار المتنبي وقد انصب اهتمامهم على المطارحات الشفوية في احاديث المجالس والحلقات الدراسية.في حين اتجه خصومه الى التدوين وقاعدة الكشف باختلافية واهتمام لما سوف يحدث من متغيرات على الساحة الشعرية والعودة الى ماضي المجادلات والتعديلات بينما انصاره كانوا يرون بالمتنبي شاعرا كبيرا .
نعم تاثر بقبله من الشعراء لكنه لم ياخذ معنى من احد .كان شاعرا مبدعا .ويقولون :
فاذا سلمنا بانه تاثر فانه من باب تقدم الاداء ونقول نحن من باب التناص في بناء النصوص الشعرية حيث نسمع بهذا الفريق الذي انتصر للمتنبي ولكن لم نسمع له صوتا ولا كتابا والذي يعنينا في هذا الموضوع هو :الرؤية الجدلية والعمق والاصالة واحكام نظرية اللغة في نصوص المتنبي الشعرية باعتبارها خطابا يمكن ان يقدم اعادة دقيقة للصياغات الواقعية للمعاني.فاللغة تتاكد بالعمق وبالمعنى وان المعرفة الشعرية هي العلامة التي تكتسب توجهها في استعمالها للخطاب الشعري .
وكانت جهود [ابو الفتح عثمان بن جني ]فقد كان له رئياً بالذين يحملون على ابي الطيب وذلك بسبب لغة الاصالة في الخطاب الشعري ما يؤكده من
التناص والبنية الصوتية
عند المتنبي
ان ما يتعلق باحكام البنية الصوتية وتشكيلاتها الميدانية في شعر المتنبي فهو استكشاف ميداني يسهم في اظهار القضية العلمية التي تضع المرحلة الجزئية في هذه العملية الى الخلف ، وتتقدم المرحلة الكلية عن طريق المرحلة التجريبية الاستقرائية لنتعرف اولا عن طريق الاستنتاج المتعلق بالمنطق العلمي باعتباره خاصية ابستمية مطلقة تحدد خضوع العملية الصوتية في النصوص الشعرية الى عملية بنائية منظمة وفق منحى يؤكد هذه الاتجاهات المتعلقة بالابستمولوجية وابعاد النزعات الجزئية وتفاصيلها البعيدة وقيام النزعة البنائية وفق خارطة التصور الموضوعي . وعليه فان علم الأصوات الإيقاعي يمثل ظاهرة تتحرك وفق سياق علمي بنائي موضوعي .
وفي احداث المقارنة المتشكلة بالعملية الاختلافية للبناء في النصوص الشعرية ما يميز هذه التشكيلة من الاصوات داخل النص الشعري ، وتقع في تناص ابستمي من ناحية التشكيل في المعنى استنادا الى حركية التاويل والجدل المتعاكس بين الاطر الواقعية والمعنى – والمعنى في حيثياته مرتبط بحركية المتكلم أي القصد ما ينطق به وما يفصله في الجملة أي ما يتعلق من نتاج بالعملية الاقترانية بين الوظيفة ذات الخواص المفهومة للحدث وبين الوظيفة الاسنادية وبالتالي هي عملية تعقل صوري يتعلق بالمضمون من ناحية التشكل . من هنا يكون فعل الخطاب الشعري بالجانب الآخر من الواقعة المتعلقة بالجدل . فالمعنى يشكل نظاماً للشفرة بحالتها المجهولة وهي تشكل معلماً افتراضياً . فاللغة مركبة من حركة الناس والمبالغة بالخواص الافتراضية ، وحالات الخطاب المتحول الى موضوع باطار المعنى في حالة النطق ، وقد يأخذ دورا افتراضيا من حركة التناص مع حركة افتراضية متقابلة (فيزيائيا) في نص شعري آخر ويأتي المرتسم العقلي للنص وفق ترجمة خطابية حيث يتشكل النص الشعري من معنى النطق وبفرضية الاتضاح وحلقة التميز للأصوات باختلافيتها في الخصائص كما هو الحال في التناص الصوتي – وتشكيل المعنى في شعر المتنبي مع نصوص لشعراء آخرين يؤدون حركية التقارب سواء على مستوى تفعيل الصوت بواسطة الفعل الهورموني وبين المعنى سواء المباشر او غير المباشر .
مثال على ذلك ما يقوله ابو تمام :
مقيم الظعن عندك والأماني
وان قلقت ركابي في البلاد
ثم يتحرك (الهمس – والمجاهرة في الاصوات) في البيت الثاني ادناه للمتنبي ليكون المعنى في التقارب وفي الانتاج العضوي لحركة التميز في الاصوات التي تتشكل بالمعنى الصوتي حيث تأخذ المفردة دورها الجوهري في الصوت وبالتفاصيل العضوية لمنطق الايقاع – واللفظ وان حركة الصوت تميز الدخول والخروج الصوتي داخل النص .
يقول المتنبي :
وإني عنك بعد غد لغاد
وقلبي عن فنائك غير غاد
من هنا : فان الذي يحدث في ترسيم اللغة يدور حول (شقوق الزمن) وما تدركه اللغة والبنية الايقاعية ، والمخارج والمداخل في تركيبات التناص داخل حفريات اللغة والتميز في بعض الكلمات مع البعض الآخر داخل الابيات . فالصوت والمعنى والتناص في المداخل والمخارج يعطي ملمحاً لاصول سيكولوجية وباراسيكولوجية تميز هذه الجدولة في ايقاع الاصوات ومكانة اللغة وعلاقتها بتشكيل الأصوات وهو المحور في الانتاجية النصية العامة . ربما ان الاختلاف في النصوص يولد الاختلاف في الاصوات والمعاني – والتناص ، ولكن التلازم في محور بنائي يركب كل هذه الجزئيات لتصبح تشكيلة محورية من (حركة الشقوق في الزمن) وهذا محور جديد يجب دراسته داخل منظومة الاصوات + محور المعنى المتركب داخل هذه المنظومة + التناص الذي يوحد هذه التراكيب عبر منظومة فيزيائية تتعلق بالباراسيكولوجي . ويرى (جاكوبسون) ان الاتجاه البنائي في الدراسة للمنظومات الصوتية انه لابد ان يقوم في اطار منهج تكاملي . ان كل حدث صوتي يدرس على انه وحدة جزئية من وحدات ومنظومات اخرى ومستويات مختلفة وان الحركة المتعلقة بالصوتيات التاريخية والتي تقع في المقدمة . هو ان هذا التعديل يقع في مقدمة النظام الداخلي وان ايّ متغير صوتي لا يمكن اغفال دوره الستراتيجي في المنظومة اللغوية( ) .
شقوق الزمن شقوق الزمن
اللّغة
المعنى التناص
الصوت
شقوق الزمن شقوق الزمن
مرتسم رقم (2)
فالمتغير الذي حصل في لسانيات المنظومة الخطابية والذي نطلق عليه تسمية علم الدلالة لتمييزه عن السيمياء بان تركيب الجملة الداخلية للنص عند المتكلم ، تتلخص بالاجراء النحوي وبادوات التحويل (Shifters)( ) وهذا كله تفصح عنه الجملة الشعرية بمعناها الموضوعي . فالمداخل الصوتية تتغير بتغير الابنية الاختلافية وتنتقل بالعلاقات التبادلية داخل المنظومة الصوتية لمعرفة المتغير المتبادل في وحدته الزمنية ، فلا يكفي ان نقوم بوصف حالة التغير هذه دون شرح والتفسير فحتى الوصف فهو الذي يبين لنا التشريعات المترابطة وفق مواقف في العملية التغييرية ، وهذا ما يدعونا الى توضيح هذا الاشكال في التغيير ، وبعد هذا يتم التحول الى السياق الستراتيجي في التاريخ ، ومنه الى المنعطف الكلي الخاص بهذه المسألة . فالتغير مستمر على كل المستويات الصوتية والمعنى والتناص واللغة ، أي كل هذه العوامل اللازمة لصنع النص ، هي عوامل متغيرة منذ اكتشاف اللغة ومنذ وجود الازل والذي يسمى الكون (cosmology)( ) والذي يدرس خواص الكون ، وحتى الكون له بداية زمنية ونضج لانه ارتبط بمفهوم الزمن وكل متغير مرتبط بالزمن وهذا يشمل (الصوت – واللغة – والتناص – والمعنى) وهي محفورة بشقوق الزمن . فالثبات في تفاصيل اللغة كما يقول (جاكوبسون) وهمي مجرد وهو فرض علمي مساعد وليس من خواص العناصر اللغوية( ) ما يتعلق بمفردات وسلّم اللغة وعناصر تكويناتها في النصوص (البلاغية – والبنية الاسلوبية) والبنى البلاغية جزء اساس من مستويات النص وهي (الاصوات – والمعاني) في اللغة والتناص وشقوق الزمن المتحولة . ونحن نتطرق الى هذه التكوينات ، علينا ان نؤشر مجموعة اخرى تساهم في تكوين البنى الاسلوبية قبل الجملة المقطعية والعلاقة بين المفردات والبنى اللغوية الواسعة – والبنى الفوقية وتاتي البلاغة في مقدمة الطبيعة الوظيفية وهي تختص بحركية النص وفعالياته في العملية الاتصالية . فالمنظومة الشعرية عند المتنبي التي نحن بصددها ، تتحرك وفق بنى بلاغية مهمة تتوضح بالنصوص الشعرية ، ويتأكد المتلقي من سلامتها لانها تتواصل باستمية الفعل الاسلوبي باعتبارها متغيرات قانونية في مرحلة من مراحل البنى النصية . هناك جمهرة من تفاصيل في السلم البنائي للبلاغة ودورها من الناحية الوظيفية بتمتين النص وخصائصه البلاغية بشكل عام تاتي في مقدمة الحلقة المتغيرة واحيانا تتجاوز المنحى النحوي لتنتقل الى عمليات التاويل باعتبارها تقع في دائرة المنظومة النظرية ثم تكون عرضه (لشقوق الزمن) المركبة تجريبيا ويشرف عليها (الباراسيكولوجي) لانتاج التناص داخل هذه الابنية النصية . والمتنبي قد تجلت فيه هذه الخواص باعتمادها على الاشكال المجازي للأبنية النصية والبلاغية اضافة الى تحقيقه فعلا تناصيا بمقاييس حركية الشقوق الزمنية التي متنت ايقاعه الشعري واسترساله وفق عدة من المعادلات الوظيفية :
1- المستوى الصوتي + المستوى الصرفي + المستوى النحوي والدلالي .
2- مستوى فعل التناص في تركيبة الشقوق الزمنية وهذا متاتي من اطلاعه على قوانين الشعر العربي ومداخلاته ونواظمه الكبيرة والمبكرة .
3- التكنيك في البناء للنص الشعري .
4- الوحدات اللغوية المتغيرة وفعل التغيير عند المتنبي وتأثره بها .
الخواص الفنية مثل أ) الاضافة ب) الحذف ج) القلب د) الاستبدال كما يقول : (فان ديجك) (Dijk. T. Avan)( ) .
وقد تمركز المتنبي في هذا الاستدلال ، عبر الابستمية (الذاتية –والموضوعية) بدلالة الافق الشعري وحدوده المعرفية . فالمتنبي وضع هذا الاستدلال داخل منظومة قصدية تشكل اضداداَ متناهية داخل تشكيل (الداخل والخارج) للنص والمأخوذة باتجاه عواملها الموضوعية والذاتية . واذا كان ابي الطيب قد اتجه هذا الاتجاه وهو مقتنع تعبيريا وعلميا لاحساسه بمركزية الاسناد في خواص التناص وشروعه الاختلافي تعبيرا عن احساسه بالوجود الذي يغلق منطقه العقلي وهيمنة الحضور المتشكل للنص وهو حضور كان قد هيمن على الوجود من خلال مدار النص من حيث ان مفهومه ينتقل الى الحقلة اللانهائية في كشف نموذج التفصيل السيكولوجي عند ابي الطيب بتشكيلات متشابهة من افعال التعبير والمعنى وفكرة الاستعادة لتاريخ (اللغة – والتناص والاصوات والمعنى) داخل تاريخ هذا التأمل الذي يظهر الغموض باعتباره غموضا في تركيب اللغة المجازية والاستنتاج الذي يظهر الاحساس بشكله العام من حيث طبيعة المعنى وفعل التناص والصوت داخل منظومة اللغة .
يقول البحتري :
واحب اقطار البلاد الى الفتى
ارض ينال بها كريم مطلب
ما يتعلق بالفعل التعبيري هو : تشكيلة الكلام داخل الجملة المقطعية الشعرية وعبر الفعل الادائي ، حيث يتضمن النص اختياراً في الحب من جانب الفتى الذي احب واختار ، فهي العملية الجدلية بين (واقع الحب والارض التي بها الكريم ذلك المطلب) وهذه العملية تنبع من قواعد دلالية تفصلها بنية الجملة الشعرية ، هناك قواعد اساسية في المنطق الاسلوبي : هي القوة الادائية لخطاب المعنى والاداء داخل هذه السمة العامة لأن النص الشعري كان قد تعرض الى سمة موضوعية تؤكد فعل الرغبات في الاثبات لهذه الافعال .
وكل امرئ يولي الجميل محبب
وكل مكان ينبت العز طيب
والنص الشعري عند المتنبي ادخل واكد الرغبة في اثبات ما قبله بشكل تناص يتعلق بالثبات والقوة والفعل التعبيري وقد تمثل بجدل الواقعة التناصية كما قال البحتري والمعنى في كلا الحالتين تطابقت قواعده النظرية مع قصد الاجابة عند المتنبي ، وهي القوة التي ميزت بيت المتنبي في تناصه ووجوبه ووجوده الدلالي بفعل هذا التطابق الطردي ،ثم نعود الى لغة الشعر وجوانبها المنهجية بأختلافية سياقاتها مع نمطية كل شاعر وأعتماده على الخلق الابداعي والبيان الجدلي لهذا الاختلاف وبدرجات مختلفة على مستوى (الصوت ، والنحو والصرف ، والبلاغة ، والمعنى ، والتأويل والتناص) وقوة منظومة نظرية كل شاعر سواء على مستوى الرمز او المستوى اللغوي والتقاليد والقيم الشعرية وتعدد الوظيفة الفنية فيهما .
ثم نأتي الى المنظومة الصوتية وتقع في المقدمة بطريقة استخدامها للغة وحروفها،
والايقاع وخواصه اضافة الى السلم النغمي ، ثم يأتي الايقاع وهو عمود المنظومة الصوتية بأعتباره المحور الرئيسي في البنية الايقاعية والنغمية ومقاماتها ومقاساتها الموسيقية وشبكة التوزيع داخل القافية وحدود النظام الموسيقي والصوتي ، ودلالة
الرمز والتعبير عن المدلول الفكري داخل النص الشعري (67) . كل هذه المكونات كانت قد ميزت شعر المتنبي داخل شبكة بلاغية ووفق منظومة لغوية تتخذ من البلاغة مصدرا وهي جزء يلتحق بالكل المكون ، ثم يأتي البحث داخل نمطية من العمل ويتمحور على المستوى الفعلي من تفاصيل الابنية الصوتية والصرفية ، والمتنبي قام بتشكيل التكرار التام في البيت ، تكرار بعض الاصوات داخل النص بتجانس حركي أختلافي كما في الشطر الاول من البيت + قام بتفصيل الصوت في النص وفق منظومة صوتية متحركة كما هو الحال في الشطر الثاني ،ثم تأتي اللواحق الصرفية داخل البيت وتكرار المعاني والكلمات ذات المصدرية الواحدة + فكان في البيت ترخيم موسيقي ثم يأتي التوازي في البيت الشطر الاول+ الشطر الثاني ثم يأتي الحذف ، فبين اقطار البلاد عند البحتري ويولي الجميل في بيت المتنبي .
فالمتنبي قام بتخصيص فقه المعنى وتركيبه في البيت وأتفق مع البحتري في عملية التناص داخل هذه الابنية ،لكن العناصر الدلالية عند المتنبي هي غيرها عند البحتري وهذا يتأكد بالذروة عند تصاعد النسق الشعري في البيتين ، ونكتشف من خلال هذه السياقات ان الامتداد الادبي في عملية التطبيق للخصائص التي تتعلق باللغة ، لايمكن التحول عنها لانها تتمحور حول الصوت والايقاع ، فالادب والشعر بشكل خاص يضعه في مقدمة أهتماماته لان بناء الاستحكامات الفنية تستند اليها والتوافقات التي تحصل داخل الجمل المقطعية لتقوم بأنشاء انظمة متبادلة تعمل على دفع الخواص الروحية والفكرية على القيام بأنتاج نوع من التفصيل الحي والمعبر عن اللغة المنظومة وليس اللغة العادية ، هذا هو المنعطف الذي تستند اليه اللغة الادبية والشعرية حصرا في تشكيل الصورة الفنية من خلال لغة شعرية تعود باللغة الى منابعها الاولى حيث تعود اللغة هي المنحى العلمي والعملي لتطور الشعوب والامم68)
ــــــــــــــــــــ
(67) د.فضل صلاح نظرية البنائية ص118 ص119.
(68)ralery paul "Variete I Trad , Buenos Aires 1956,p228.
يقول ابراهيم الكاتب:
أحاول أمــراً والقضاء يعوقه فبيني وبين الدهر فيه طراد
ولو الذي حاولت صعب مرامه لساعدني فيه عليه شــداد
والدراسات الدقيقة للنص تقتضي التنمية المتواصلة لفحص تأثير اللغة ومنهجية الابداع في الايحاء والتعبير ، والتي تزيد من قوة النص وتقدم المساهمة الزمنية حراكا في جدل هذه الواقعة ومحتواها التحاوري الذاتي مع زمن مطلق وعصّي . في هذا الخطاب حضور لزمكان بتشكيلة اللغة لانها اتصال (ذاتي وموضوعي) واللغة داخل النص الشعري هي حوار جوهري داخل بنية الخطاب ، ويحتفظ النص الشعري بحركية المعنى في تشكيل الخطاب بأعتباره فعل تمريري وأثبات ما يعنيه الاتفاق داخل هذا التوحد الذاتي في الخطاب الشعري ، وأبراهيم الكاتب حاول اعادة صياغة الوظيفة اللغوية داخل (حلقتين رئيسيتين في الذات والموضوع،) داخل نموذج تشكل لبناته أتصالا مفتوحا داخل حركية النص بين (الشاعر +الزمان والرسالة) كما يقول "رومان جاكوبسن " . ثم تأتي العناصر المكملة للحدث وتتمحور حول بنود ثلاثة تقوم بأثراء هذا النموذج في الحدث ، هذه البنود هي :
1. الشفرة .
2. منظومة الأتصال + السياق وعلى أساس هذه البنود المتشكلة من الشاعر +عملية الأنفعال + المتلقي مع الوظيفة ، والمتلقي مع عملية الانفعال +المتلقي مع عملية الاقناع أضافة للرسالة مع الشاعر أو الوظيفة الشعرية مع ملحق الشفرة اللغوية الشارحة وقنوات الاتصال والسياقات المتعلقة بالعملية التعاطفية ومرجعياتها .
يقول المتنبي :
أهم بشيء والليالي كأنها تطاردني عن كونه وأطاردُ
وبيت المتنبي يثير الوصف داخل الخطاب ويباشر بالانشاد كبقية أنفعالية داخل مرتسم الخطاب ، والبنية العقلية كانت قد تركبت عند المتنبي عبر سلسلة من التفصيلات الشقوقية للزمن ليلحق بالشفرة رابطا أتصالي تقابلي يستدعي أنموذج بحث فلسفي يوقر جدل هذه الواقعة داخل المعنى والوضوح المترتب مع البيتين الاولين لابراهيم الكاتب وهو سر هذه الواقعة الشقوقية .والمتنبي كان أكثر وضوحا في البحث عن المعترك الاختلافي للجمال ، هذا اللغز الشقوقي التناصي هو شرط أمكاني لتفاصيل البنية الشعرية ومداخلات التناص داخل حلقة الخطاب ، يبدو ان المتنبي أتهم بالسرقات لكنه بريء منها لان مفهوم الفعل التناصي يتعدى هذا الاتهام والمتنبي بقي يرفل نصه الشعري بالمعنى والتجذير اللغوي والصوت الخفي داخل النص والصوت الخارج من النص وتجريبيته الواقعة التي تنتقل الى الخلود داخل منحى الشقوق الزمنية لانها جدل الواقعة والمعنى ، والمتنبي قد أهتم بالواقعة التجريبية وعبر عنها بالتقاء هذا التبادل الفكري والسيكولوجي داخل الشفرة اللغوية وداخل ترابط الواقعة ذاتها بين (السماع ، الحوار ،التأريخ ، والفهم للمعنى ) كل هذه التناسبات والمتعاكسات تضع امرا تجانسيا وهو جواب العملية الخطابية التي تم نقلها بشفرة المعنى داخل حلقات الحوار وبمباركة المنحى الشقوقي للزمن الذي هو الترجمة الحقيقية لجوانب هذا الحوار من التناص الذي يضع أبي الطيب المتنبي في معيارية جوهر الخطاب الشعري ومخزاه الداخلي والخارجي ، فهو رديف اللغة وهي كحال عنصر الكتابة القانونية التي أرتبطت (بالانثروبولوجية) الانسانية وشفرة اللغة الكتابية، فالتناص يحمل البذرة الانثروبولوجية في الكتابة أي أن التناص يعيش بالفطرة الكتابية داخل سلم الانسان ككيان ، فوجود التناص داخل ابيات لمختلف الشعراء يعطينا دليلا قاطعا بأن التناص الشعري هو ضرب من أنواع الامكان الانساني يخرج عبر شقوق زمنية تكون متركبة غاية في الدقة ، والتطور العقلي لهذه الشقوق هاجس يظهر عند المبدعين من المفكرين والعلماء والشعراء الكبار وهو ليس أنتحال او سرقة للشعر .
ان ما ترجمه المتنبي من أستبصار وبصيرة مبتكرة تؤكد علاقتها بالموضوع وبالمنطق الدلالي عبر الحدس وضرورات التميز بأفتراض المعنى ، والشيء الفعلي الذي ترجمه المتنبي داخل بنية النص هو العلاقة الدالة على الذات الموضوعي وهي الولادة الكبيرة للمعنى وعلاقة هذا الوضوح ببنية أثر التعبير التي يطرحها النص الشعري بوضوح وعلى نحو تام داخل المشروع ( الأبستيمي) وتواصلا للهيمنة في أدراك الحس البنائي وحاجة النص الى هذا الحس بأعتباره حضورا ذاتيا يتلازم ومنطق أشتغال المعنى على عكس ما يطرحه الاخرين . من هنا ينتج المتنبي (قراءة حوارية للصوت والمعنى) هذا الحوار الذاتي بين الاثنين ينطلق بالعملية الشعرية بتشكيل بنية الكتابة وبنية الصوت ومن ثم أستقلال المعنى وفق قدرة حدسية تنطلق بشفافية غاية في الجمال . من هنا يبدأ المتنبي بحلقة الاختلاف في تشكيلات الاحاسيس والعلامات ، فالمتنبي يتحقق جوهريا من الخطاب الشعري وما يحمله من علاقة تأويلية بين (الصوت والكتابة الفلسفية) وبين التناول الذي يؤسس ملحمة أختلافية لجوهر القضية وهي تشير الى التماثلات وعلل العبث داخل مرجعيات (ديكارت وليبنتز) وما تقدم به من أزاحات وتحليل وقص داخل الشفرة الدلالية ، لان هذه المدارس توصف العقل الدلالي بسببيتة وأنسانيته ، فكيف اذا كان حجر الزاوية في الصياغات البنائية لمعالجة الحالة المتعلقة (بالتناص والصوت واللغة والشفرة والشقوق الزمنية ) .
(بين المتنبي وابن جني )
يبدو ان التفكير المتعالي عند ابي الطيب المتنبي [احمد بن الحسين الكوفي ]كان الخط الذي اوصله الى(( امام العربية وفقيهها هو[ابو الفتح عثمان بن جني الموصلي ]قبل اكثر من الف عام في بلاط سيف الدولة الحمداني بحلب فكانا يمثلا النبوغ والعبقرية العراقية والعربية .فالتفكير المتسامي والمتعالي جمع الاثنين وكان الانطلاق من قوة متناهية في الوعي اللغوي والشعري فكانت الانطلاقة من امكان موضوعية الوعي الفكري وقوته ومنتهاه لانه يفتح البعد الفلسفي امام اشكالية جمعت بين الاثنين صداقة متينة رافقها اعجاب بين الشخصيتين.فكان ابي الطيب يقول اذا راى ابا الفتح[هذا رجل لا يعرف قدره كثيرا من الناس]69.وكان ابو الفتح اذا تحدث عن ابي الطيب قال[وحدثني المتنبي شاعرنا وما عرفته الا صادقا ]70.
فكان المشروع البنائي هو الثمرة العقلية وجاء في كتابين من عيون اللغة العربية والنوادر في خصائص التراث العربي وهما الشرح الكبير والذي سمي [الفسر]والشرح الصغير الذي سمي [الفتح الوهبي]وهذان الكتابان اقدم شروح ديوان المتنبي واوثقهما ولا يوجد شرح لديوان المتنبي لا يرجع في تفاصيل شرحه الى ابي الفتح بن جني.وكان من رد على ابن جني هو [ابن فورجه]الذي الف كتاب الف للرد على ابن جني اسماه [الفتح على فتح ابي الفتح]وهناك تعليقات لاحد تلاميذ ابن جني قرأ على يده الشرح ثم رواه وشرحه وعلق عليه من خلال عباراته . وكان المتنبي قد شغل الناس في تلك المرحلة التاريخية وقد تعددت الشروح والشراح حتى بلغت الشروح [اربعين شرحا]ما بين مطولات ومختصرات ثم تضاعفت هذه الشروح والتعليقات بعد عصر [ابن خلكان]حتى بلغت الاضعاف المضاعفة والتي لم يصلنا منها سوى [شرح الواحدي وشرح العكبري والشرح الكبير لابن جني ]والذي سمي
ــــــــــــــــــــــ
(69) انظر: معجم الادباء جـ5 ص25.
(70) انظر الخصائص جـ1 ص239.
[الفسر ] ويعد الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي في المرتبة الثانية من الشرح الكبير والذي سمي [الفسر]فكان المحتوى النقدي للشرح،وهو الذي احدث معادلة منطقية في الفعل التعبيري ونقل الحركة الادبية الابداعية من الشرح والتاويل الى الجدل لفعل البنية الشعرية وما تشكله من معنى ،فكانت الخاصية للخطاب الشعري عند المتنبي وشروحه قد احدثت اداء نقديا جديدا ورغبة في نقل الوعي النقدي لشعر المتنبي على مساحة اكثر اتساعا، فكانت الوقائع متداخلة داخـــــل الفرز لخواص المعنى ومن هذه الشروح ولنا عوده الى هذا الموضوع في الصفحات القادمة .
ترتيب الشروح على النحو التالي : 1.التنبيه على خطاء ابن جني في تفسير شعر المتنبي لمؤلفه علي بن عيسى الربعي .72
2.قشر الفسر لابي سهل الزوزني (73 ) 3.التجني غلى ابن جني لابن فورجه ) 74( 4.السرد على ابن جني في شعر المتنبي لابي حيان التوحيدي)75 ( 5.تنبع ابيات المعاني التي تكلم عليها ابن جني والشريف المرتضى )76 ( 6.الفتح على فتح ابي الفتح لابن فورجه )77 ( 7.الواضح في مشكلات شعر المتنبي لابي القاسم عبد الله بن عبد
ـ 72.معجم الادباء ج5ص284
73.فهرست مخطوطات دار الكتب المصرية ج2ص203
74.كشف الظنون ج1ص1233
75.معجم الادباء ج5ص381
76.المصدر السابق نفسه ص174
77.نشره محمد الطاهر بن عاشور بتونس سنة 1968.
الرحمن الاصفهاني( 78 )
والذي يهمنا من هذا ;هو ان اتجاهات التفسير لنصوص المتنبي الشعرية مشروطة بالغرض الواضح تعريفا ومحاولة تنشيط متن النص واضائته من ناحية التكوين البنائي والتكوين اللغوي ووحدة البنية داخل الجوهر للنص وما يطرقه المعنى وما تتخلله من وحدة في التعبير والايجاز والتاؤيل الذي اصبح المحور ومداخلات شرح النص عند ابي الطيب .
لقد حمل النص الشعري للمتنبي المعيار التصويري للحدث الشعري وقابليته على الافعال القصديه وروح الفعل الخطابي وحضور القصد الذي يتضمن المعنى
والقوه في جدلية واقع الحدث والتخارج وقابلية الفرز لمستوى الخطاب الشعري .
وما يعنينا من تطور في جدل الواقعة النصية ومداخلات المعنى هو المحتوى الخبري في جانبيه [الذاتي والموضوعي ]واذا كان منتصف القرن الرابع كان الحد الفاصل في ركود ريح الاختلاف حول ابي تمام .فقد تجددت بظهور ابي الطيب المتنبي ،هو الميل من الناحية الموضوعية يتاكد بقوة الشد ميلا الى تحديث الشعر سواء بالنسبة الى ابي تمام او البحتري ولكن المنعطف الجديد في هذه الاشكالية هي بظهور المتنبي الشاعر الذي جمع بين القديم والحديث كما قلنا في بداية الكتاب اضافة الى قوة البيان فقد تضمن شعره فلسفة منهجية للحياة وثقافة تتطلع الى التغيير دائما وهي تنتمي في حيثياتها الى نسيج القرن الرابع بكل خواصه الشعرية والنثرية ،ولكن المقاييس بقيت نسبية لما تحدثوا بها عن عمليات الاختلاف او الصراع بين القديم والحديث او المحدث كما يسمى احيانا. وكانت محاور النقاش الحامية تدور عن ميل ابي تمام او نزوع منهجه الى طريقة البحتري ولكن الحدث الجديد والمحدث الجديد هي الطريقة التي عطلت مقاييس النقاد إتجاه عمود الشعر . والمتنبي يمتلك شخصية وجرأة في المنطق الشعري واللغة والمبالغة في القصيدة التي
ـــــــــــــــــــ
78.الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي تحقيق الدكتور .غياض محسن ص11
يؤمن بها والاداء الفلسفي ومعرفته بالمرحلة التاريخية التي يعيش بها وفساد المؤسسات السياسية للولاة والامراء وتصرفه بالحكمة وباللغة المتينة العالية والقوة والصيرورة عند مخاطبتة الولاة والامراء اضافة الى خصومه الذين ارادوا تحطيمه شعريا وانتقاما من هذه الشخصية المتعالية .وكان شاغلهم الرئيس هو انصرافهم الى تاكيد موضوع هو ان [شعر المتنبي مصنوع من معاني الاخرين ]ولكنهم اخفقوا في ذلك بسبب الوسيلة النقدية البدائية عند الخصوم اضافة الى النسيج الشعري الجديد الذي جاء به المتنبي واكتفوا بابراز وتصوير هذا الاعجاب القلق او تفسير المعاني واللف والدوران حول النسيج الشعري .وما يتعلق بالامور التي تتعلق بالشكل ولكن على العموم كان للمتنبي موقفا مفروضا من الناحية الشعرية والفنية.وبانه ليس شاعرا عاديا وان اكثر ما دار حول المتنبي من نقد وهجوم لانه استنجد بالادوات النقدية القديمة والتي لاتتناسب والشعرية الجديدة للمتنبي وان ما طرحه النقد في تلك الفترة اي القرن الرابع وما تلاه من ادوات ولم ينشغل النقاد مع اي شاعر قدر انشغالهم بابي الطيب المتنبي وذلك لاحساس اصحاب المدارس النقدية بحجم قضية شعر المتنبي .وكان للحاتمي جهد كبير في هذا المضمار وكان جهده هذا ليس مقتصرا على ظاهرة المتنبي الجديدة ولكن وجود المتنبي بالعراق بعد ان غادر مصر اثار انتباهه وكانت تركيبته النقدية تؤكد جدل الواقعة [بالاختلاف والصراع]ولذلك جاء جدله النقدي مختلفا في تفاصيله من حيث التقدير للقواعد والاصول وبين الحدة والجزم في تعقب تلك السقطات.ويبدو ان الحاتمي كان يفهم الواقعة وقد اختلف عن النقاد لانه يحفظ الكثير وبشواهد دقيقة .وكان يختلف عن معاصريه في المجال النقدي وكانت نظرته تؤسس معلما صالحا في النقد فتعلم منه الدارسون . [مؤلفات الحاتمي النقدية ]
1.له كتاب [المعيار والموازنة ]لم يكمله .
2.كتابه[المجاز في الشعر ].
3.له كتاب بعنوان [الهلباجة في صنعة الشعر]كتبه واهداه للوزير بن سعدان في
رجل ذمه بمجلسه وسمي الرجل الهلباجة من غير ان يصرح باسمه.
4.كتاب [سر الصناعة في الشعر ].
5.كتاب[الحالي العاطل في صنعة الشعر ].وعرض فيه اصناف البديع كالتجنيس والتطبيق والاستعارة والاشارة والوحي والتشبيه والتبليغ والتصدير والتسهيم والتقسيم والتقريب والترصيع والتوشيح والموازنة والمقابلة والاستطراد والمماثلة والمكافاة والمبالغة والالتفات والمساواة .ويطالعنا في ترجمته لفن القول فهو يختلف عما قاله النقاد الذين سبقوه .
6.كتابه [حلية المحاضرة ]وهو عرض لما سبقه مع الرعاة للايجاز فهو كتاب صالح ومفيد لمن يطالعه.
[يقول الحاتمي ]
[فاذا كان اللفظ فصيحا والمعنى صريحا واللسان بالبيان مطردا والصواب مجديا والالة مسعدة والبديهة مسعفة والالفاظ لائحة غير مفتقرة الى تاءويل والمعاني متعاقبة غير مفتقرة الى دليل والحجج عند الحاجة ماثلة والاسماع قابلة والقلوب نحو الكلام منعطفة والافهام للمخاطب على قدر فهمه واقعا والذهن مجتمعا والبصيرة قادحة والقائل موجزا في موضوع الايجاز مطيلا اذا صحت الاطالة واقفا عند الكفاية وكان اللبس مامونا وشمائل القول حلوة والقدرة على التصرف عاضدة والطبع الذي هو دعامة المنطق شريفا والفصول ملتحمة والفضول محذوفة والفصول مقسومة وموارد الكلام عذبة ومصادره ...خارجه عن الشركة نقية من تكلف الصنعة فتلك هي البلاغة وهنالك النظام شمل الابانة].72
ــــــــــــــــــــــ
72.انظر.عباس احسان .تاريخ النقد الادبي عند العرب ص256ص257 .
[النسبة والتناسب في القصيدة برأي الحاتمي ]
وهي الوحدة العضوية في بناء القصيدة .حيث يقول ;
[فان القصيدة مثلها مثل خلق الانسان في اتصال بعض اعضائه ببعض فمتى انفصل الواحد عن الاخر او باينه في صحة التركيب غادر بالجسم عاهة تتحّيف(1) محاسنه وتعفي معالم جلاله ]73.
فالوحدة العضوية عند الحاتمي تعني معنى التكامل بحالة الاعتدال والانسجام.فكان الحاتمي يؤكد وحدة القصيدة ووحدة موضوعيتها في البناء وخاصة موضوعية الاختلاف في سلم القصيدة ويؤكد كذلك اشتراكها في منهجية الواقع البنائي وبالجانب المحدث الجديد من الشعر فهو الذي يحسن الاتقان في البناء وهي مختلفة ومتعثرة عند المدارس النقدية القديمة فهي تقتصر على التشكيل الخارجي للمواقع في القصيدة.والحاتمي في مجال النقد التطبيقي ينحو المنحى التعميمي دون التعليل وكشف الاسباب او ايراد الامثلة الشافية.وشغله الشاغل في ذلك هو اهتمامه بالسرقة الشعرية وما يتصل بها من اشكاليات.ونحن نقرأ له هذا الراي [وفرقت بين اصناف ذلك فروقا لم اسبق اليها ولا علمت ان احدا من علماء الشعر سبقني في جمعها ]يقصد الابواب التي وضعها الحاتمي في تعداد انواع الاخذ كمايسميها وهي تتعلق بالتناص الشعري.
ــــــــــ
(1)وهي في الاصل : تتحرق ،ووضع الناسخ فوقها لفظة "كذا"
(73) المصدر السابق نفسه ص257.
[عكوس النص ]
ان الزاوية الدلالية للسيميوطيقا التركيبية في تحديد البنيات الدفينة والواضحة من خلال فحص الدلالات المنطقية للبنية التركيبية للخطابات والنصوص الشعرية السردية،وجعل هذه البنيات الجوهرية والمنطقية هي السبب وراء تفكيك النصوص وارجاعها الى عناصرها ومضامينها الاولية.
فالنصوص الشكلية والمضمونية في قوانين السيميو طيقا تمر عبر قنوات الترشيح الضرورية من خلال فرز المولد الدلالي واستقراء الوظائف النصية التي تعمل على توليد الدلالة دون الرجوع الى الحيثيات من الناحيتين الذاتية والموضوعية وكذلك شكلانية النصوص التضادية داخل عناصرها الفنية.فالمعنى البنيوي المبني على النسقية لا يفهم الا من خلال الاختلافات.
وهذا ما اكده [سوسير]في دراساته العديدة وتتلخص;
ان الاختلاف اهم القنوات البينية للدراسات البنيوية والالسنيةوهذه الفلاتر القائمة على اسس اختلاف النصوص تكشف ضبابية العناصر المختلفة داخل النص سواء البنيوي او الالسني.فالخطابات النصية الالسنية تتمحور حول القنوات التمظهرية لتتحول بعدها الى عملية الترشيح البنيوي والتوزيعي ومن ثم التوليدي والى الجمل اللامتناهية عبر التركيبات القاعدية المتناهية بحسب المكونات النحوية التمظهرية المتداولة ضمن سياق السيميوطيقا التوليدية المختلفة للنصوص.
ان الجانب اللغوي للنصوص البينية القديمة من الجانب التعييني المحدد هو ما يمثل من الظاهر والبارز من مكوناتها، وياتي النص البيني وهو الاسناد للاصل وان النص هو منتهى الاشياء وكلمة استقصيت يعني في هذا المجال ;استيضاح عن شيء وحتى تخرج كل ما عنده وحتى تستخرج راي القوم وتظهره بالاستيضاح للنص اي ما يدل على لفظ الدلالة وما تحمله من احكام.
والنص هو المجال المحدد والمغلق، والمكتفي من حيث الدلالة والمقصد الواحد ينطوي على نقطة ثابتة يوزع كل الروافد وهو الواضح والظاهر والجلي.
وهو الكيان الكامل والدلالة والنصوص البينية تقبل الغموض والابهام والنصوص البينية لا تتعدى معانيها ولا تكثر مدلولاتها او يعقد الدال والمدلول فيها.
النصوص البينية مباشرة تنطلق من نقطة وتصل الى المكان المحدد ووظيفتها هي التواصل ولا تنفصل عن منابع المركز الاساسي لها والارسالي الذي انطلقت منه والالتباس بين زمن الانطلاق للنصوص من منابعها الى مصبها .
لا اجتهاد في النص اي ان الخلاف والاختلاف في ضوء ما تقدم هو الخلاف والاختلاف بين الصوت ورجوع الصدى يكون شاحبا في لحظة الرجوع الى الطرف الثاني ، ولكن الاساس في كل الاحوال ثابت والفعل الاول للنص هي العلة او السبب،وياتي القارئ للنص باعتباره المعلول وكذلك المسؤول في عمليات التعليل والتحليل.
وفي هذه الحالة يغير القارئ بمستوى مفهوم النص في هذه المعاني كل واحد منهم معلول للعلة الاولى وكلاهما معلولان للعلة الاولى، وهو المؤلف او الشاعر وفي هذه الحالة يكون النص منقول مانص عليه وما مقصود منه من قبل القارئ،فالقيمة في هذه الحالة سلبية.
بهذا المنظور الفردي ضل سبيله ستكون القيمة المرجوة بمثل قيمة المراة الصافية التي تنقل دون ان يؤشر لها باية قيمة فيما تنقل ،فسلب القارئ من سلب النص فلا اجتهاد القارئ ولا اجتهاد في النص ولا قدرة على الالهام في الانتاج الفكري او الادبي ومنه الشعري حصرا انه سجين علاقات التنصيص المضمرة والظاهرة.
وان الانجاز في هذه الحالة يبقى هو القدرة على توضيح فعل المعنى المنصوص عليه من خلال دراسة الدلائل السيميولوجية القائمة على الدال والمدلول والدليل السوسيري لدراسة البنيات السيميوطقية الخاصة بنظم الدلالة اللغوية اللسانية وغير اللسانية(74)
ــــــــــــ
74-أنظر :صحيفة نداء المستقبل العراقية (لغة التناص) بقلم علاء هاشم مناف
العدد(3) السنة 1999م.
ما يعنينا من هذه الاحتمالية المشروطة باستخدام باب الانتحال والعرض من الناحية التعريفية هو محاولة شاعر ما اخذ ابياتا لشاعر اخر كما ركب [جرير]المعلول
ان الذين غدوا بلبك غادروا وشلا بعينيك ما يزال معينا
غيضن من عبراتهن وقلن لي ماذا لقيت من الهوى ولقينا
وفي سياق باب الانحال ;الحدث في القصيدة يتركب بطريقة معينة عند شاعر اخر وفي هذا الموضوع لناامثلة عند الامدي في حديث ابن سلام او كما فعل حماد الراوية في حديثه عن المطابقة عند خلف الاحمر وعن نحله الشعر ليتابط شرا والشنفري واخرين او في تفسيره لباب الاغارة في اخذ الابيات من شاعر اخر باينت مذاهبه في امثالها من شعر فيقوم باستنزال قائلها وهنا يعطينا الحاتمي مثالا لما فعله [الفرزدق]مع[ذي الرمة ]حين سمعه ينشد ;
احين اغارت بني تميم نساءها وجردت تجريد الحسام من الغمد
اضافة الى باب المعاني العقم ;وهي الابكار المبتدعة.ومن امثالها قول امرؤ القيس:
اذا ما استحمت كان فضل حميمها على متنتيها كالجمان على الحالي
وفي معنى المواردة في التقاء شاعرين يلتقيان في اطار المعنى ثم يتواردان في تفاصيل اللفظ في حين ان الشاعران لم يلتقيا ابدا وهذه الاشارة القصدية التي تعتمد على فواصل الشقوق الزمنية ومسلمة اللغة وانثروبولوجية التوزيع اللغوي وتخارجاته فيما وراء اللغة وكذلك المرافدة وما تعنيه من تنازل شاعر ما عن بعض نصوصه الشعرية يرقد ويشكل بها شاعر اخر حتى يغلب خصم له في الهجاء.
وياتي الاجتلاب او الاستلحاق في التصرف في النص الشعري وهو يعود الى شاعر اخر عن طريق التمثيل لا الامتلاك للنص او سرقته.وياتي الاصطراف وهو باب في ان يصرف الشاعر ابياتا الى احدى نصوصه الشعرية تعود الى تشكيلة شاعر اخر وذلك لجودة هذه الابيات في تلك القصيدة وياتي الاهتدام على وزن افتعال من الهدم هو عملية التغيير في البيت الماخوذ ويقوم بالتغيير الجزئي كقول الشاعر ;
اريد لانسى ذكرها فكانما تعرض ليلى بكل سبيل
وقول جميل بثينة :
اريد لانسى ذكرها فكانما تعرض لي ليلى على كل مرقب
وباب الاشتراك في اللفظ لشاعرين في شطر بيت ثم يختلفا في الثاني مثال على ذلك
دخيل قد دلف لها بخيل عليها الاسد تهتصر اهتصارا
ثم يقول اخر :
دخيل قد دلفت لها بخيل ترى فرسانها مثل الاسود
وياتي باب تكافؤ المتبع والمبتدع في الاحسان .مثال ذلك قول امرؤ القيس:
فلو انها نفس تموت احتسبتها ولكنها نفس تساقط انفسا
وقول عبدة بن الطيب :
وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
وفي باب تقصير المتبع عن احسان المبتدع.مثال على ذلك قول امرؤ القيس
كان قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
ثم اخذه ابو صخر الهذلي فقصر عنه حين قال:
كان قلوب الطير عند رمائها نوى القسب باق عند بعض المشارب
وياتي باب نقل المعنى الى صياغات مختلفة في اللفظ والمعنى وتقديم التورية عن الاتباع والاقتفاء والتطويع في النقل للمعنى ;هو ايقاظ ما كان راقدا.
وياتي التكافؤ للسابق والسارق في عملية الاساءة والتقصير مثل قول الفرزدق
فيا ليتنا كنا بعيدين لا نرى على منهل الا نشل ونقذف
ثم حوله كثير عزه فجاء به كذلك:
الا ليتنا يا عز كنا لذي غنى بعيدين نرعى في الفلاة ونغرب
وفي باب اخفاء السرقة قال اوس بن حجر:
الم تكسف الشمس والبدر والكواكب للقمر الواجب
ثم انظر الى هذا المعنى واخفاه كل اخفاء النابغة الذبياني فقال :
يقولون حصن ثم تابى نفوسهم وكيف بحصن والجبال جنوح
وفي باب كشف المعنى بازدياد.مثال قول امرؤ القيس:
كبكر المقاناة البياض بصفرة غداة نمير الماء غير المحلل
بعدها اخذه ذو الرمة فقال :
كحلاء في برج صفراء في نعج كانها فضة قد مسها ذهب
وياتي باب الالتقاط وترقيع الالفاظ وفق عملية تلفيقية تتكون من ابيات وحصرها في بيت واحد مثال قول ابن هرمة :
كانك لم تسر بجنوب خلص ولم تلملم على الطلل المحيل
التقطه من بيتين احدهما لجرير :
كانك لم تسر ببلاد نعم ولم تنظر بناظرة الخميل
والبيت الثاني للكميت :
الم تلملم على الطلل المحيل يعيد وما بكاؤك بالطلول
وياتي نظم المنثور وهو تمرير المعنى من النص المنثورالى النص المتركب شعريا.قال مؤبن الاسكندر ;حركنا سكونه.فقال ابو العتاهية ;قد لعمري حكيت لي غصص الموت وحركت كل من سكنا ويشير في هذا الدكتور احسان عباس الى المصدر في75.
ــــــــــــــــ
75.انظر حلية المحاضرة.الورقة80....99مخطوطة رقم2334.
75.انظر الدكتور احسان عباس تاريخ النقد الادبي عند العرب ص258ص259ص260.
الرد على رسالة الموضحة للحاتمي او الحاتمية
هذه البنود التي وضعها الحاتمي ليكوّن رائياً في عملية التخارج في خواص التناص وما يشكله من دلالة[للسيميوطيقا التركيبية]وفي تحديد الخواص الدفينة للبنية التركيبية للخطابات الشعرية والمتعلقة بالسرد.هذه البنيات المنطقية هي التي ادت الى تفكيك النص الشعري حصرا وارجاعه الى عناصره الاولية.
ان هذه المواضيع تمر عبر قنوات من الترشيح الجدلي التاريخي وما شكلته الامثلة اعلاه من منظومة تاريخية وان ما يتعلق بالسرقة فهي واضحة من ناحية تفسير هذه الابواب ولكن الحاتمي وضع هذه البنود باعتبارها لائحة اتهام لمن اراد السطو على نصوص غيره ولكن الحاتمي اخفق في ذلك لان ما تناوله من بنود في هذه اللائحة لا يشكل اتهام من [الناحية القانونية] لان النص الشعري لا يمكن اعادته في قوانين[السيميوطيقا]الا عبر فرز المولد الدلالي واستقراء المعنى الوظيفي للنص والذي يعمل بدوره على [توليد الدلالة].وعلى العموم فان الرجوع الى الحيثيات الاولية لشكلانية النصوص التضادية يطالعنا المعنى البنائي للنص وفق [فقه نسقي]يفهم من خلاله تفاصيل الاختلاف وهذا واضح عند [سوسير]في دراساته الكثيرة والتي تؤكد بان العملية الاختلافية هي اهم القنوات البينية للدراسات البنيوية لانها اصلا قائمة على اساس [العمليات الاختلافية].والنصوص الاصلية تكشف هذا الاغراق في لائحة [الحاتمي ]الاتهامية اضافة الى انها تكشف تلك الضبابية الطارئة داخل هذه القنوات التمظهرية .فالتوزيع يتم بالصياغات الجديدة التي يسميها الحاتمي سرقات وهي مكونات نحوية تمظهرية تداولية ضمن اطار معلم [السيميوطيقا التوليدية]للنصوص الاختلافية هذا الجانب التعييني في اللائحة الذي يمثله الظاهر والباطن للنص الشعري فهو المكون الجديد.
وهو ليس بالضرورة يكون المسند الاصلي وان النص الشعري كما هو معروف هو منتهى الاشياء والاستقصاء يعني الاستيضاح في المعادلة الشعرية وما يدل على اللفظ للدلالة وما تحمله من احكام قطعية لا احكام الحاتمي ولائحته الاتهامية والجدل الاعمق في [الرسالة الموضحة للحاتمي]تعبر عن عمق في احكام القواعد النظرية للنقد وهي الرسالة التي يمكنها ان تقوم باعادة الصياغة الجدلية للمعنى[عند ابي الطيب المتنبي]وتاثره [بارسطو]فهذا باب تطبيقي في اطار المنطق الفلسفي [للمتنبي]يقوم بتوضيحه الحاتمي في [جبهة الادب ]او[الحاتمية]وهي الرسالة التي صنفت في نقد شعر ابي الطيب المتنبي .
وكانت مداخلات هذه الرسالة وهي وليدة الصدفة في لقاء حدث بين [الحاتمي والمتنبي]تعمده الحاتمي اثر عودة المتنبي من مصر الى العراق ويعترف الحاتمي وهو دون الثلاثين من عمره بان [المهلبي]هو الذي حرضه على مهاجمة المتنبي.
[[نص اعتراف الحاتمي بالتحريض ]]
[سامني هتك حريمه وتمزيق اديمه ووكلني بتتبع عواره وتصفح اشعاره واحواجه الى مفارقة العراق]76*.ويذكر ان الرسالة التي كتبها الحاتمي لم تكن رسالة نقدية بقدر ما كانت رسالة تبغي غاية هي [استهداف شخصية المتنبي]ولم تكن محررة نقديا انما اراد بها الحاتمي ارضاء [الوزير المهلبي]اولا وتاسيسا للتحليل القصدي البسيط الذي جاء في الرسالة الحاتمية فالرسالة وضحت امور دقيقة جدا منها الامور المتعلقة [بالشق الذاتي]والتي اشملت :
1.الغرور والطيش الشبابي وابراز شعور الانا والشعور البعيد كل البعد عن المعرفة.
2.والمكرور في الرسالة والمحجوم فيها ينم عن عدم معرفة في مداخلات الوعي النقدي حتى في تلك الفترة لكن اخذت الرسالة الاستمرارية الذاتية في عملية التشبث في خلق الخصائص والمواضيع المصطنعة مثل باب الاشتراك في اللفظ وباب احسان
ــــــــــــــــ
76*.المصدر السابق نفسه ص263.
الامد وكان العملية الشعرية مصنوعة صناعة ولم يطلعنا الحاتمي عن خصائص تؤسس في المواضيع المدركة والمعروفة .
هذه المتعلقات التي وضحها الحاتمي متعلقات منفصلة عن اللحظة التي يجب ان تمثل قصديا .ومن المعروف فان المتعلقات القصدية جاءت دون الارادة الحرة اضافة فان من المعروف ان الموضوع المدرك هو الذي يعطينا مركز هذه الدلالة داخل هذه العملية الذاتية الصرفة .
اما فيما يتعلق بالشق الموضوعي
1.ارضاء الوزير [المهلبي ].ويعترف الحاتمي بهذه التخارجات وهو ما يعيب هذا السلوك في لحظة الوعي النقدي وموقفه من هذا الاعتقاد وما تمخض من مميزات حسية تتعلق بشخصية الحاتمي المهزومة ازاء الطمع والجشع والتقرب الى السلطان .
لان الحاتمي اعتمد الطريقة الانفعالية ويظهرها بطريقة محجوبة ومكرورة وهذا واضح في بنود اللائحة.والجولة الاولى ارضت المهلبي .لكن المفارقة جاءت في المناقشة التي امتدت في جلسة واحدة من [راد الضحى ....حتى نفضت الشمس صبغها وطغت على الظلام بطغلها ]وهذه هي خواص مركزية المناقشة التي وضحها ياقوت الحموي والتي وسمها باسم [جبهة الادب]
ومن هذه المناقشة في اول لقاء بعدها عاد الى بيته وضاع تلك الرسالة التي تسمى جبهة الادب وفي هذه الحالة كون العملية التبادلية سيكولوجيا بينه وبين الوزير المهلبي ولان المعرفة النقدية التبادلية شعوريا واضحة وجلية بين [الحاتمي والوزير المهلبي]وهذا هو سر التقسيم الجوهري للقطيعة بين الذات والموضوع .لان الموضوع قد انقسم الى [الانا]فالمعرفة التي ينشدها الحاتمي شكلت ذاتا عقيمة والموضوع لدى [الوزير المهلبي ]يفهم بالمباينة وكشفا للعلاقة المزيفة التي تصب في شراكات غير متناسبة ومن المفارقة الشعورية ما يدعيه الحاتمي بانه نازع [ابي الطيب ]في مجالس اخرى .ثم يدعي انه وقف بالمطالعة على مواضع من اجتلاباته وسرقاته وهذا مظهر على ما اعتقد يظهر ويكشف عن [انا]طافحة وجلية تتعدى الموضوعية وهذا يتضح سلوكيا بالميول والتوترات والدوافع.وهذه هي حدود علاقته بالمتنبي.اضافة الى ان الحاتمي يدعي انه الف رسالة وقدمها الى الوزير [ابي الفرج محمد بن العباس الشيرازي] ووسمها [بالموضحه]والغريب في الامر ان الموضحه كتبت بشكلها الكامل بعد وفاة المتنبي لماذا لان الحاتمي اراد ان يضع ما ليس بحقيقة ويضيف ما يعتقده ارضاء للوزير المهلبي وتشفيا بابي الطيب المتنبي وهذا هو المحجوب في اظهار الشعور الموجه نحو المتنبي بقصدية تامة وعنيدة
ووعد الحاتمي بتاليف رسالة يتابع بها نتاج المتنبي الشعري .وما يحتويه من سقوط في اللفظ والسرقات وما يحويه من اغراض تتعلق بمنهجه الشعري ولم تصلنا هذه الرسالة .
الان نعود الى ميزة الكشف التي يطالعنا بها [ابن جني ]عن المتنبي حيث تتوقف عند هذا الكشف واندفاعات [بن جني ]ودفاعه عن المتنبي ومقاومته السيكولوجية من الاعماق للدفاع عنه .
لقد اشتد تاريخ الخصومة للمتنبي في تحليل خطابه الشعري وكان الدافع في ذلك هو الحسد والحقد ضد الابداع وكانوا دائما يحاولون احداث شرخ في القضايا التي يرون فيها من مسوغ للموقف والمغالاة في استخدام المتنافرات في المعاني او المفاهيم التي يرونها تتناسب وصفة الكتابة المغالية ضده اما انصاره فكانوا يلذون بالهذيان الشفوي.ولا نجد لهم اي اثر مكتوب خاصة في [القرن الرابع]الذي شهد اعنف المعارك بين المتنبي وخصومه وكان انصار المتنبي وقد انصب اهتمامهم على المطارحات الشفوية في احاديث المجالس والحلقات الدراسية.في حين اتجه خصومه الى التدوين وقاعدة الكشف باختلافية واهتمام لما سوف يحدث من متغيرات على الساحة الشعرية والعودة الى ماضي المجادلات والتعديلات بينما انصاره كانوا يرون بالمتنبي شاعرا كبيرا .
نعم تاثر بقبله من الشعراء لكنه لم ياخذ معنى من احد .كان شاعرا مبدعا .ويقولون :
فاذا سلمنا بانه تاثر فانه من باب تقدم الاداء ونقول نحن من باب التناص في بناء النصوص الشعرية حيث نسمع بهذا الفريق الذي انتصر للمتنبي ولكن لم نسمع له صوتا ولا كتابا والذي يعنينا في هذا الموضوع هو :الرؤية الجدلية والعمق والاصالة واحكام نظرية اللغة في نصوص المتنبي الشعرية باعتبارها خطابا يمكن ان يقدم اعادة دقيقة للصياغات الواقعية للمعاني.فاللغة تتاكد بالعمق وبالمعنى وان المعرفة الشعرية هي العلامة التي تكتسب توجهها في استعمالها للخطاب الشعري .
وكانت جهود [ابو الفتح عثمان بن جني ]فقد كان له رئياً بالذين يحملون على ابي الطيب وذلك بسبب لغة الاصالة في الخطاب الشعري ما يؤكده من