[center]ـــــــــــــــــــــــــ
120*انظر:البرقوقي عبد الرحمن ج4ص167ص168
وهناك تشاكل خفي بين النص والجملة والكلمة والنص يحتوي على منظومة دلالية غير قابلة للتجزئة مثل القصيدة الشعرية بمنظورها الدلالي ، فجوهرية النص مرهون بدلالته الجديدة دوما وهي تتشاكل وتتراتب في انقسام منظومته الى[فرعية وتركيبية]الى الحضور التفكيكي داخليا كحدود للنواظم الفرعية باعتبارها انماط مختلفة مثل اشكالية[الفصل-والمقطع]في النثر-والاشطر-والابيات في الشعر وهذا متعلق بنظام الدلالة وتفاصيله البنيوية في ملازمته للنص.فوجود البنية شرط من شروط مكونات النص.واذا اردنا ان نتعرف على حقيقة النص فيجب ان نتلمس التشكيل البنائي له والمستوى التنظمي ، فهي الرابطة الجدلية بهذا التحديد ، وان التحليل لهذا الموجب في تركيبه الافقي يقع بين بداية النص وفضائه ونهايته ، ومن الواجب ان لا نغفل حدود التركيب للبنية والامتداد أو الانحسار لا يمثل الحلقة النهائية في تحديد القيمة النوعية للنص.
[التأريخية الفلسفية للنص
عند ابي الطيب المتنبي]
يتم الارتكاز على التصورات الجديدة للنص في الالغاء للاستمرار والانقطاع ، باعتباره منهج داخلي من الانفتاح+الانغلاق في الوقت نفسه ، وهذا الموضوع ينقلنا الى[جينالوجيا البحث]عن الولادة.فالنص بلا ولادة ولا جذور وهو في الوقت نفسه[نسقا وجذرا بلا انساق وجذور]والنص لا يسير بخط مستقيم واحد لانه منظور تفكيكي وهو يحمل تصوران[ستاتيكي-وديناميكي]باعتباره وجها محوريا بتشاكله[العمودي والافقي]وبتفصيلات من الابنية المركبة باوجهها-المتعددة والذي نجم عن انتاج يخضع للاستقامة الطويلة وقابلية لعملية الفهم ورغبة في تشكيل التحليلات للالتقاط الفعل التركيبي الناتج لعملية جدلية ناتجة لهذا التصور بالمداخلات للنصوص.ووفق هذا التصور بدأ المنظوران العمودي والافقي من مستويات اختلافية بالاصوات اللغوية +الوحدات الدلالية والموضوعات الجدلية من التفاصيل الهيكلية والمحاور الرئيسية بانتاج التنظيم العضوي.هذه المستويات التي مثلتها الوظيفة بطريقة الفحص والقراءة لمجاميع من الصيغ والتحليلات الاسلوبية التي إرتكزت على المحوريات الصوتية ووحدات الدلالة وعبر قراءة بنيوية لهذه المحاور من منظور[سيميولوجي]بتعدده الصوتي في[جينالوجية ستاتيكية]وفق صيغة البحث والاستقصاء لمنظور النص واطراف نسبه التي مثلت الركيزة [الفسيولوجية]بمحاور الاختيارات وفق العلائق الاستبدالية التي تحولت الى محاور لتركيبات ودلالات اشارية اضافة الى الفضاء[الجينالوجي الغائب بتشكيلة النص]وهذا الامر ينقلنا الى المحور الديناميكي الذي يخرج وفق هذا التصور للنص ووفق تخارجات تحليلية بألكشف عن قابلية هذا النص بتناصه ، وبحكم العوامل الانتاجية له مثل وحدات[التأمل+المظهرية للنص] ["Genealogie" phenomenoiogie du Texteوتوالديته] كان الاول قد تمثل بالسطح الظواهري وفق مفهوم[هوسرل]في الاعتماد على الشفرة الخاصة بالابنية اللغوية.اما الثاني فقد تمثل بالتعالق بين[الدال+
المدلول]وفق سلم متفاوت الدرجات في التشابك والتعقيد او الامتداد.فالتشكيل المتوالد يتكون في الابنية المظهرية وامتدادها اللاشعوري ، وهنا يلتقي بالتناص مع التشكيل الاخر من النصوص المختلفة 121*يقول المتنبي:
ونكهتها والمندليُّ وقْرقفٌ معتّقةٌ صَهْباءُ في الريِّح والطّعمْ
فالتحليل ياتي وفق مفهوم انتاجية الفكرة ، فهي متصلة بالنكهه-والمندلي الاول يعني رائحة الفم+والمندلى وهو العود الذي يتبخر به ومندل هو المكان الذي يقع بالهند جغرافيا ، يجلب منه العود ومثله قما او قامرون وهو ايضا موضع في بلاد الهند وفي هذا يقول ابن هرمة:
أحبُّ اللّيل إنَّ خيال سلمى اذا نمنا ألّم بنا فزارا
كأن الركب إذا طرقتك باتوا بمندل أو بقارعتيْ قمارا
هنا يقع التناص وفق عملية اتصالية بالامتصاص والتحول باتجاه الكلي والجزئي
ـــــــــــــــــ
121*انظر:الفضل صلاح:بلاغة الخطاب وعلم النص ص238ص240
وفق جذرية من النصوص المتشاكلة.
فالنص الشعري متعالق اصلا في فضاءات نصية اخرى يتسرب من خلالها المؤثر بالمقاربة بمنطق الحوارات وبالممارسات النوعية وهذا الفاصل التجريبي في التناص قد ينقلنا الى مداخلات جديدة مثل الشكل-والايقاع اضافة الى ما تضمنه النص من ابنية ، والجمل المقطعية بحدود استخدامها التناصي وما تشكله المحاور من تمتين، لهذا الحوار سواء على مستوى الانعكاس في عملية التشاكل الفعلي او على مستوى الاقتباسات لنصوص شعرية اخرى. ولكن المحور الرئيسي بهذا الموضوع هو الانعكاس الجوهري وما يتركه من نمطية في التركيز على مستوى تكوين المحاور التفصيلية وترتيب الانساق النصية باطار بنية كلية تنشط فوق تركيز موضوع الجهد البلاغي في التاويل بعد متواليات وتفاصيل تتعلق بالاسلوب وهذا قد اتضح من خلال شرح مركبات وتركيبات البنية البلاغية ووحدة النص الخطابي عند ابي الطيب المتنبي ، وقد يقع هذا التشاكل المعرفي للنص بتحولات عديدة لبرهان التناص ، لينقلنا الى الصيغ التحليلية في انتاج الخطاب الشعري بحدود تركيباته الشاملة بالجمل المقطعية بعد ان تخضع[لجينالوجيا]عملية التشفير بسبب تعلقها[بالسيميولوجيا البرهانية للنص]
يقول عمر بن ابي ربيعة:
لِمن نارٌ قبْيل الصُّبح عند البيت ما تخْبوُ
إذا ما أخمِدتُ يلْقى عليها المندلُ الرطبُ
ويروي إذا ما أوقدت ، يقول كثير:
بأطيبَ من أراد ان عَّزةَ موهناً وقد أوقدتْ بالمندل الرَّطْب نَارُها
يقول:حين يدبر الليل القاه موهنا او في منتصفه او في ساعاته الاولى وينقل البرقوقي :بان احدى المدنيات قالت لكثير:فضى الله فاك ، انك القائل:باطيب من اراد ان عزة ...البيت؟ فقال:نعم ، قالت:أرأيت لو ان زنجية بخرت أردانها بمندل رطب أما كانت تطيب؟ هلا قالت كما قال سيدكم امرؤ القيس:
الم ترياني كلما جئت طارقاً وَجدْتُ بها طيباً وإن لم تطيَّب؟
هنا في هذا البيت والابيات السابقة[لعمر بن ابي ربيعة]هي الممارسة العملية للتناص وفي هذا الانتاج من التقصي في التقتير للصورة يمضي البيت متفردا بملامحه في ابراز الاسلوب والصورة الشعرية وقد تضمن خواص التفرد في الكينونة لكنه يمتاز بالاجراء النظري المتركب بحلقة التاويل البلاغية باعتباره تناصا مركبا ينتمي الى منظومة شعرية واحدة في حقل الخطاب البلاغي وحدوده البنائية وسياقاته الخاصة بتركيب وتفصيل[جينالوجيا الخطاب]ومنظوماته الامكانية في خواص الشفرة[code]كما يقول[امبرتوايكو].
نعود الى بيت ابي الطيب السابق:
ياتي القرقف وهو من اسماء الخمر وكذلك الصهباء بحالة معطوفة على الفاعل[تساوى]في البيت السابق يقول:استوت كل هذه الاشياء في طيب الرائحة والذوق ، الا ان الواحدي قال:وقد استوى في هذا الذوق شيئان:النكهة+الخمر واراد ان يقول في الطعم شيئين وتعد النكهة بلا طعم لانها مرتبطة برائحة الفم ، وياتي الاستفهام بألكلام في ذكر الريح ثم الاحتياج الى القافية والى اقامة الوزن-فذكر الطعم فافسد ، لاختلاف ذكره في الطعم ، وياتي العكبري ليخالف هذا الرأي ، لان عند المتنبي كانت قد استوت نكهتها والمندلي وقرقف وعند وصفه القرقف استطاع ان يقول في الريح والطعم ولم يرد فقط[الخمر في الطعم]وتاتي القيمة الدلالية للتناص في اطار بنية مركبة بمستويات مختلفة والمظهر في تشكيلات البنية يعطينا قيمة دلالية منفردة بمعناها.فالمعنى يظهر متعدد الاشكال الاسلوبية ثم يقوم بتركيبة جديدة يثري فيها المضمون الفني بتناص المعنى وفق حدود متخارجة باللغة وهي تخضع لمستويات عديدة في التعبير وفي انتاج الرؤية الفكرية والجمالية والتاويل النسبي لهذه الصياغات وفق ايقاع رمزي يجمع العديد من الدلالات من خلال التوليد المستجد للمعاني بخواص التناص.فالذي نقوله ان تعدد المحاولات في التحليل البنائي يتضمن فلسفة تطبيقية للنص ببروز البنية الفلسفية للنص ، وان ما فعله المتنبي هو:القدرة في خلق المناخات الحساسة من المعاني والتعدد بالحس الجدلي الذي يصب ببحر اكتشافات المعادل الموضوعي للتناص بالاشارة الى تعدد المعاني والامساك بالمعنى القانوني والتاريخي للنص.فالتفرد عند المتنبي متعدد الاوجه ومنفتح على اختلافية في المعاني وهي محصلة وقابلية بنائية لمعان متشكلة بجوهرية رمزية تعتمد على الصورة بتعدد المعاني والتغير في الانماط وبالفروض للرؤية المركزية وانفتاح على المعنى والتاويل بتبادلية لخلق تمثيل مكثف داخل معنى النص عملا وتأملا في رصد ما حدث من تاويل بموقف الصورة الفنية للنصوص الشعرية ، وتناصها التاويلي في زمنية البنية-والمنهج والمعنى وهم التيار الثلاثي في اشكالية البنية الشعرية عند المتنبي ، وما هو مستخدم لكلمة[الاكتمال]في اظهار القصيدة وباطراد كبير ، بانها نسق اكتمالي للبنية الشعرية.
فالمتنبي كان مكمن للتفكير في شعرية الثقافة ليلائم القول بالمعنى وبين الوصف والتصريح باستخدامه للمفردة وهي التي تدلل على الاشياء ويزيح المبهم ليثبت[الدال-والمدلول]هذه الازاحات تتضمن وحدة اختلافية تتعلق بوحدة الاكمال الثقافي.فوحدة الاكمال[Supplementary]تتعلق بالرغبة والحديث يطول عن المكمل ومفردته ورغبة ابي الطيب في محاولته تحديد اجابة دقيقة عن هذا الاستطراد بالمنظومة الشعرية يقول المتنبي:
جفتني كأنيِّ لست انطق قومها وأطعنُهمْ والشُّهبُ في صورة الدُّهمِ
يحاذرُني حتفي كأنيِّ حتفه وتنكُرني ألأفعى فيقُتلها سمِّي
في البيتين هناك اشارة الى الشهب من الخيل ووصف للالوان ببياض غلب عليه السواد والدهم يطلق على السود وهناك جفاء وهجر والنساء العربيات يعشقن الشجاع والفصيح من الرجال ، وهنا يحضر قول العنبري عندما وجدته امرأته يطحن فازدرته:
تقول وصكّتْ وجهها بيمينها أبعلي هذا بالرَّحى المتقاعسُ
فقلت لها لا تعجلي وتبيَّني بلائي إذا التفت عليَّ الفوارسُ
يريد ان يقول لها انه شجاع فهو حسن البلاء في الحرب حتى ترغب فيه فذكر ابو الطيب ان هذه غادرة ناقضة عادة امثالها بجفائه وهو عندما يصور الشهب في صورة الدهم السوداء يريد من ذلك ان يصور انه اذا رؤيت الخيل الشهب سوداء ذلك لتلطخها بالدماء وجفاف الدماء عليها كما قال النابغة الجعدي:
وتُنكرُ يْومَ الرّوْعِ الوانَ خْيلنا من الطّعنِ حتى تحْسبَ الجْون أشقرا
ثم ياتي الوحدي ليقول:بان الحتف لا يصور الحذر إنما يريد ان يقول ان قرني الذي منه حتفي اذا قاتلني لحذرني كاني حتفه:أي كاني اقتله حتما وانتصر عليه فهو يحذرني حذر من تيقن هلاكه من الانسان وقد يكون هذا مجازا وصيغ من المبالغة في الوصف للبطولة ثم ياتي قوله وتنكرني الافعى:اي عندما يتعرض لي اعدى اعدائي فانتصر عليه فالاعتداء صنفين:حاذرا يحازره ومعترضا يهلكه عندما سماه الافعى واطلق على نفسه[سما]وذلك لشدة تأثره بعدوه 122*وتاتي حلقة التنافر في التنظير ، فالمتنبي يتحدث من الناحية الشعرية في الثقافة بدليل يتعلق بتفاصيل النص ومنه تفصيل المضمر في النص وتشكيل التناص الذي ظهر بالمنحنيات الشعرية ليشغل التاريخ النسبي بهذا النص المضمر ويخص الاصول الشعرية للثقافة وهذه الاشارات الواردة في الشروح تعطينا ثقافة شعرية تاريخية بل هي السيادة التاريخية للشعر والشعرية الثقافية وهي تؤثر وتؤجج الوعي الشعري الثقافي وتنشره بممارسات شعرية تناصية حيث تنشأ في المضمور من الانساق الشعرية عند المتنبي وغيره من الشعراء ثم الانتقال من مزاج الى صورة الى مزاج الى مرتسم ثم الى صورة بهذه النصوص بممارسة تناصية تتعلق بفحولة الشاعر وفصاحته بمرتسمات القصيدة العربية وتأكيد استمرار عملية التأثير والتأثر في مرتسمات الخطاب الشعري وما يتعلق بالبداية ثم الانتقال الى وسط القصيدة ثم الى التكوين النهائي للمرتسم في الوصف والخلاصة الدقيقة للخطاب من اجل الانتقال الى الحدود التقريبية وتكريس-
ـــــــــــــــــــــــ
122*البرقوقي عبد الرحمن ج4ص170
المرتسم النصي وبيان قراءته في نزعة مبكرة لعالم يتحول الى منعطف ثقافي وقواعدي من الشعرية الثقافية ، وان الرصد لهذه التكوينات الثقافية في الشعر وطبيعة النسق المعرفي بالوقوف على الحدث وما يتلون به من صيغة سواء بالمرحلة الجاهلية او المرحلة الاسلامية.وتعد هذه القيمة بوصفها ربما عمقا انسانيا مطلقا وهي معرفة في القدم على طلل حديث اي ذات منحى اسلامي مثلا ، مقارنة بالطلل الجاهلي.كل هذه المفارقات تعطينا تاملا شعريا يحمل في طياته كلتا المرحلتين القديمة والحديثة في الرؤية.ولكن الرغبة الاكمالية بطرف النهايات وهي مفارقة بالنسبة الى ابي الطيب ، فهي شكل من المرتسم النصي يتنازعه بنغمة الشاعر المفسر والمهيمن على النهايات وهو يتبنى النغمة الفلسفية الارسطية ومشهدها[المثيولوجي]في نصوص المتنبي الشعرية كما اتهم بها هو ، وهذه هي النشوة التي ينطوي عليها حلمه بانتاج مكمنه الشعري والذي يدخل بتكوين هذه القوة المعرفية في الشعر لأنها قوة متناهية ، وهي ليست خدعة كتابية اسلامية وهي ليست حلم بعيد عن الحقيقة كذلك هو ليس ثغرة في عملية الانغلاق على النسق الضامر بحقيقة النص ، لكنه في النهاية يكون كشفا للمستور في النصوص الشعرية وتطورا حداثيا باشكالية هذه الظاهرة الثقافية.
وما مطروح من قضايا جدلية في الحديث عن قضية الشعر عند ابي الطيب وقضية اللغة الشعرية ، هذه الحدود تدخل في حدود تمايزها باعتبارها خصائص للمفارقة عند البعض وهو ما يتعلق بالاسلوبية وهي تشارف على النهاية في مقدمة الاشياء ، هذه الاشكالية تنطوي عند المتنبي كانها صياغة بتشكيل النص الشعري وعلاقته بمعجم المتنبي الشعري وهو يدشن التعاملات بخواص شعرية الثقافة حيث توحي المفردة الشعرية ببداية منعطف النظرية ورفض المقدمة المعرفية وما تحتويه من سياقات وتشاكيل تحدد تحركات الشاعر باستعمال جملة من المفردات والجمل الشعرية.فالمتنبي كان يرفض هذه الحدود لكنه كان يلتزم بسياقات الوعي القبلي للشعر بكل قوانينه وباختيار معرفي ومطلق لخواص هذه المقدمة الشعرية في الرفض للمساءلة ما دامت لا تخرج عن قوانين الشعر المطلقة.وإننا نقول بان نظرية ابي الطيب الشعرية ترفض المساءلة والاحتكام الى جمالية النص ، اي ان فعل القراءة يحيط بالولادة الجديدة من خلال تشكيل هذا التناص بمفردات متفردة وبمفهوم يقع على امتياز في حسابه سلسلة من التبدلات تظهر خصائص المنهج الاسلوبي المتميز باستبدالية منهجية ذاتية في اللغة.فالثنائية الاسلوبية اللغوية وتركيباتها تنتهي عند المتنبي بالصياغة الشعرية وحدود امكاناتها الواضحة باختلافية منهجية بين[الدال-والمدلول].لكن الاختلافية على هذا النحو يستبدلها المتنبي بفكرة التحول في منهجية النص والاختلاف التام على هذا النحو في اطار المنظومة اللغوية وتشكيلاتها النصية.إننا نقوم بنقل مدلولات شعرية ومناقشتها استنادا الى ادلة دالة او أداة تتعلق بالنصوص الشعرية عند المتنبي ، والمبحث اللغوي او الاسلوبي بهذا الموضوع يضعنا باشكالية هذا التناص الذي يظهر عند الشعراء الاخرين من مختلف الاجيال داخل منهجية تفكيكية يتأسس عليها البعد الفلسفي للنص في اطار لعبة مزدوجة في الحضور الشعري المجرد ومناقشته الدقيقة للفوارق الفلسفية وفكرة الحضور في الاستخدامات للمنهج التفكيكي بفعالية تمثل عبقرية الوجود داخل المسار التفكيكي للنص. وكان المنحى النقدي في الفترات السابقة واللاحقة يقوم بتفعيل الجهود للكشف عن ما وراء النص من اشكاليات في العمل الشعري والوقوف على النص بشفراته الثقافية وهي قراءة للنصوص في مجال التنظير النقدي باطار بعيد عن المداخلات الجمالية وحتى الاسهام في نقل العمل بالنسق الذهني وفق اشكال خطابي وبتحول عبر مرحلة جوهرية وتاريخية ، وهذه جهود معرفية طبعت بالاكتشافات داخل منهاجية النص الشعرية حيث المرحلة الحداثية الجديدة التي تمخضت عن البنيوية باطار وعي ما بعد الحداثة الى مرحلة ما بعد[الكولونياليه]وحيث الاستخدام الأمثل لمنحنيات اعمق في مجالات الوعي وحدود منطق النظرية الجمالية في اللغة البلاغية وهي التي تضع افتراضات تتعلق بدلالة العنصر الخطابي والاتقان في كشف الدلالة ولكن ما يتعين من كشوفات بقيت رهينة التحولات فيما بعد الحداثة وقد تعالقت هذه المخفيات من العناصر التي ركبت النص من مضمر في التركيبات التي تتعلق بالذات او الموضوع او الفعل الدلالي باعتباره المشكل بالمنظور التحليلي.فالمحور الجمالي في النصوص الشعرية للمتنبي لا تعطينا مفهوما رسميا تحت يافطة النظرية الجمالية في اللغة والبلاغة إنما تعطينا خطابا فاعلا نصفه الاخر يلتزم به المتلقي.فالمتلقي هو النصف الاخر للحقيقة الجمالية العامة.والنص الشعري عند المتنبي ، هو ليس نتاج بلاغي احتكاري لكن شروط الاحتكار يكسرها المتلقي باستلهامه للوعي الجمالي في النص.ثم بعد ذلك يأتي دور الناقد وهو الكاشف لهذه النصوص لمعرفة خفايا النص بالاستناد الى الثقافة الفكرية والادبية والمعرفية بشكل عام.وان فعل الكشف لا ياتي من لا شيء اي ان الناقد مطلوب منه ثقافة واسعه لكي يعرف مكمن ما يحويه النص من شروط ثقافية وحضارية.واصبح النص منتوج اقتصادي وحيث ما يحقق من ارباح على مستوى الثقافة وبالتالي فهو وسيلة واداة تنفيذية حسب مفهوم الوعي الثقافي الجديد واصبح النص ليس الغاية والهدف ، بل هو المحور الرئيسي في اطار اشكالية الوعي الثقافي لانه تمثيل للمنظومات السردية والتفاصيل المتعلقة بالنسق التمثيلي والتحليلي والغاية القصوى بهذا الاشكال وما يتعلق بالمنهجية الذاتية في تشاكلها السسيولوجي وهي تتموضع نصوصيا.123*
ــــــــــــــــــــ
123*انظر:RJohnson:what is cultural studies any way?in J [storey "ed" what is cultural studies[75
وما يتشكل بالمراهنة على خلاصات المتنبي بالمعالجة للمشاكل التي تمثلت بالصياغات الشعرية وفق سياقات التأسيس لثقافة مختلفة بموضوعية التاريخ للنص واختيار هذا المحور البلاغي الايديولوجي الذي يتواصل مع سياسات التفكيك النصية وليؤكد من وراء ذلك من ان النص الشعري نص متدفق ومنشغل بطريقة تجسد الوعي واثره في الثقافة واثر هذا التنبؤ بشخصية ابي الطيب وهو يتساءل عن حقيقة الوضع الشرعي وهو يؤثر على انبثاق رؤية تتعلق بالسلطة المرجعية بعد اكتشافات المتنبي لعقدة الروح داخل هذه النفس البشرية لانها[وعر]لا يعرف الهوان.لقد منح المتنبي هذه العقدة والمصابرة في البحث عن مركزية الوعي الشعري ثم بدأ يغوص في ذلك اللهب الذي يطهر النفس البشرية لينقلها الى حالة التسامي انطلاقا من حالة السياق الشعري.
يقول المتنبي :
سيصْحبُ النَّصْل منِّي مثل مضْربهِ وينجْلي خبــري عَنْ صَّمة الصِّممَِ
لقد تصبَّرْتُ حتَّى لاتَ مُصطبرٍ فالأن أقحُــم حتــَّى لات مقْتحمِ
ميعادُ كلِّ رقيق الشِّفرتين غداً ومن عصى من مُلوك العُربِ والعَجَمِ
فأنْ أجابُوا فما قصدي بها لُهُم وإن توّلوْا ، فما ارضَى لهـا بِهـِـم
وتوحي الاجمالية في التشكيل اللغوي ، بان التركيب يهيء مواضع في المتن الشعري تكون قابلة للحركة والتمحور ووفق استخدام امثل لاغراض هذه التراكيب.فالتركيب الاكبر في المتن اللغوي ينقلنا الى علاقة هذا المتن والتطور التاريخي للنص.وثمة علاقة دقيقة بين المتن في النص الشعري والهامش الاعتيادي بمنطق النص فهو يشبه الاشياء في عالمنا الحقيقي ويبرز هذا الوجود عبر السياق العام للنسق الشعري وكما هو واضح في البيت الثاني فهو يكشف اي النص عن اغشية رقيقة قابلة للرؤية رغم وجود الفواصل لكن-الاختيار يأتي وفق معايير تتركز عليها الابيات لتحقق منعطف حقيقي.والهامش عند المتنبي لغويا لباقي المتن في مجال التعبير اللفظي لانه هو الشكل المحرك للعمل الشعري ويقع ضمن هذا الفراغ ومرتبط بخيوط غير مرئية ليؤلف دائرة الكلمات داخل متن النص.وقد مضى ابي الطيب في تشكيله الشعري في رسم الخطوط البيانية وهو يشمل الوعي الشعري الدائب في احكام الرؤية وتطوير الاداة وتشخيص اللحظة من الناحية الادراكية.ان شيئا لديه سوف يقوله ، هذا على مستوى المتن في النسيج الشعري اما على مستوى الهامش وهو المسلك البشري الواضح ايضا.والمألوف في حركة التطور اي ان التجربة هي حقيقة التجريب التي يبحث عنها الشاعر بل يسعى اليها ويتقبلها بشكل فعلي وهذا الهامش هو الخميرة المتوقدة في انتاج التأمل والاطلاع والرغبات والعلاقات اضافة الى[منطق الشهوة+المغامرة]وفي الحالتين اي حالتي[المتن والهامش]هما خطان يسيران ويلتقيا في مرتفع عال ليحققا المعنى الشعري من خلال احتشاد هذه التجربة وتبلور التجريبية وفق الصياغات الفنية المتقدمة ليتلابس فيهما الشكل مع المضمون.وما يتعلق بهذا الاشكال التأريخي ولغة العصور وما يتعلق بالذوق اللغوي والصوري الخاص بذلك العصر او القيمة الفكرية في عملية التصوير والمرتبطة بين الشكل والمضمون او فصل المعنى عن تراتبيته الشعرية والمتعلقة بخواص ذلك العصر.رغم كل هذه التفاصيل ، فقد احتفظت اللغة الشعرية عبر هذه العصور بكل ألمقدمات الفنية في النمو وهذا جاء بفضل-العبقرية الشعرية التي جاء بها المتنبي التي اثرت في الصياغات والمعاني كما انها اثرت بالتجربة الشعرية والتجريبية الفنية وقواعدها اللغوية والفاظها وما يتعلق بالتجديد فهو يتقدم الموضوعات في المجالين الجوهري والتجذيري لانهما الحلقة[الابستمية]في أسلوب المعاني وكذلك السمو في مناهج اللغة والمهارة في صناعة النص عبر رؤية شعرية تقنية متقدمة من خلال الاستفادة من منهجية الثقافات العالمية والشعرية حصرا وربط الشعر سسيولوجيا بعلو المعايير المتسامية بعمود الشعر.124*
ــــــــــــــــــــــــــ
124*انظر:الفنيمي محمد هلال النقد الادبي الحديث ص167
[الصورة الشعرية عند المتنبي]
وتؤثر هذه المعايير بالمبدع والمتلقي كذلك فيما يتعلق بالشعرية.فالمحتوى المفهومي هو ما يتعلق باللغة وتركيباتها والفاظها والاصوات المتعينة بخلاصات النسق الضامر والموسيقى اضافة الى المنجز الخفي للمحتوى العقلي والايحاء ، واتصال كل هذا بالمفردات حيث يتكون ايقاع متفرد تستوي فيه شروط الوعي الشعري من خلال منهجية نظرية للشعر وتفاصيلها التي تتأكد بألصورة الشعرية بايضاحها للمفاهيم الحياتية.فالحياة الخفية للقصيدة عند ابي الطيب تنقلنا الى مبدأ التعاقب بالاشكالية الفكرية-واتجاهاتها واختلاف العملية التاريخية في تحديد المنحى داخل حركة القصيدة.في هذه الحالة يجري توظيف الصورة الشعرية باعتبارها مادة تنظيرية تكنيكية مكونة ، لتشكل النص الشعري ومن ثم احتياجات المرحلة التاريخية لتفصيل المرحلة الجوهرية للشعر عبر قنوات مختلفة وهذا ينقلنا بدوره الى حلقة التوصيل ودرجة الوضوح والدقة لمسار الفعاليات داخل بوتقة الابداع هذه ، حيث تتأكد المناقشات الاختلافية ومن خلال هذا المنظور التنظيري ، هناك دعوة للخروج من هذه القولبة النظرية والجمالية والانتقال الى السوق كما يقول البعض ممن تأثروا بالنظريات ما بعد الحداثوية وارادوا ان يترجموا ما جاء به المنظرون الغربيون حول الشعر العربي واتهموا المتنبي بالشاعر الذي يستجدي في شعره ولم يحقق اي تطور على مستوى الايصال الشعبي[وسوف نعود الى هذا الموضوع في الصفحات القادمة]والصورة الشعرية باعتبارها احدالاصناف الموضوعية[Category] التي تتعلق بالعملية الابداعية في مكونات القصيدة[والصورة الشعرية]تركيب معقد وعنصر مكون للعمل الادبي والشعري حصرا ومستقلا داخل هذا الفعل الجوهري ، لان اصطلاح الصورة[Image]متشكل من دلالات ومعاني ، والقصيدة عند ابي الطيب تتركب من صور عديدة فالاستنتاج بهذا الموضوع يحدد لنا خواص الاسلوب فهو في حالة تغير دائم وكذلك الوزن وحتى اشكالية الموضوع يمكن ان تتغير ولكن تبقى القصيدة عند المتنبي وحدة صورية وتشكيلات من تركيب للصورة الواحدة وهي القوام الرشيق في معناه للاشياء حيث الرسم الدقيق بالكلمات وباشكال يجيز بقاء المجاز ظاهر داخل الصورة لانه قياس ابداعي ، وان قوة المجاز عند الشاعر ياتي من قوة شعره كما يقول[هربرت ريد]كذلك قول[ارسطو]وهو يتحدث عن المجاز في الشعر[ان الشيءالعظيم هو الى حد بعيد قابلية التحكم في المجاز وهذا وحده لا يمكن ابانته من جانب شخص اخر ، فهو علاقة النبوغ]125*
ـــــــــــــــــــــ
125*انظر:سي دي لويس[الصورة الشعرية]وزارة الثقافة والاعلام العراقية دار الرشيد 1982ص20
وكل المركبات المتعلقة بالوصف والمجاز او التشبيه والاصوات المبثوثة في ثنايا ومتون القصيدة ، هي التي تركب الصورة الشعرية ، والصورة الشعرية بشكل عام تقدم لنا رؤية تفيق الوصف بدلالة تفوقه على ذلك الانعكاس المتقن للحقيقة الموضوعية.والصورة الشعرية عند المتنبي رغم حقيقتها الموضوعية او الذاتية فهي الى جانب ذلك تعبر عن مجازية جوهرية متجذرة في سياقات الملاحظة وقابلة للحركة[الديلكتيكية]اذا باشرنا بتفاصيل الصورة الشعرية عند ابي الطيب لانها الطابع التجذيري للقصيدة ولانها تعبر عن رؤية دفينة داخل النص الشعري المضمر.فهي تعبر عن الحس السيكولوجي وترابطه المرئي-واللامرئي فهي في النهاية تستقي كل جوهريتها هذه من الحس الدفين باستقرائية منهجية متطورة تتميز باشكالية التفكير الفلسفي والعلمي ، وهي انشطة واعية تساعد في عمليات البحث العلمي وبالتالي فهي شكل من اشكال هذا الاستيعاب للعالم بامكانية الكشف عن جوهر هذه العلاقات المرتبطة بالواقع الموضوعي. وبهذه النتاجات الفكرية والعلمية وما يعنيه الوضوح والحدة بالمقارنة لهذه الانشطة وهي تتوصل الى الانشطة النظرية والعملية للبشر ووضعها باتجاه المفاهيم الفكرية والمنطقية المتعلقة بحلقة التنظير والنظرية وتطبيقاتها بشكل عام.هذه الوحدات تشكل المادة الاساسية والحتمية الراسخة بتأكيدها ألنظرية الانعكاسية باطارها المادي الجدلي التاريخي.وان الوعي الذي ارَّخته البشرية وفق هذا المنظور التجذيري الجوهري لا يمكن ان يعود عمليات بسيطة تسعى لتجفيف منعطفات ذاتية داخل معترك موضوعي ، اضافة الى ذلك ، فان الحقائق الموضوعية حددت في الادراك باعتباره مفهوم انساني يلتقي وجوبا من اجل ذاته التطبيقية وعليه فان الوعي الانساني وفق هذه النظرية والتنظيرية الجوهرية الخاصة لا يحدد صيغة الانعكاس فحسب بل يقوم بعملية الخلق لوجوده.126*وان هذه الوحدة الجدلية في الانعكاس للنظرية والتطبيق والروابط التبادلية ووحدة الانشطة الواعية تكون-مترابطة لكنها غير متشابهة بميادين هذه الانشطة المادية ، فهو يجاهد الى التأكيد لنفسه من الناحية الذاتية تطبيقا لتخلق عالم مفعم بالمشاعر والاحاسيس الفكرية.ومن هذه المعادلة نستنتج ، بان النظرية الموضوعية للعالم المنعكس في الفقرة أ-وهو الانعكاس الموضوعي.اما الاشكال المتعلقة بالتطبيق فهي العملية او المعادلة في الخلق وتحرر في ب-ويصبح العالم الموضوعي بكل مفاهيمه وتصوراته ، هو خلاصة لنتاجات تتعلق بالصورة الفنية.من خلال هذه العلاقة المرتبطة بالواقع الموضوعي في ج-فالمعادلة تصبح كما يلي أ-المنعكس في+ب =الناتج التطوري للواقع الموضوعي في ج نقول ان المتنبي في هذه المعادلة الفنية قد قام بخلق ظاهرة نوعية عميقة من خلال
ــــــــــــــــــــــ
126*انظر:المادية الديلكتيكية دار التقدم موسكو ص35
طبيعته الموضوعية ويتكشف هذا الموضوع وبعمق من نشاطه الحقيقي في الانعكاس عبر التغلغل الجوهري باعماق الانسان وكيانه الحي ، هذا التمثيل يتضح بالخلق الفكري والتاريخي للصورة الشعرية حتى من الناحية الفنية حيث التداخل للشاعر الكبير في الشاعر الصغير وفي مواضع اخرى نشاهد علامات التغير التي ظهرت في شعره خاصة بعد الكبر هو تقديمه الثقة بالله على الثقة بسيفه.هذا الاثر السيكولوجي كان سببه جدته التي منحته هذه التربية وهذا النصح.
يقول المتنبي وهو بالكتاتيب:
الى أيّ حينٍ أنت في زيِّ مُحْرم وحتَّى متى في شقْوة وإلى كَم !!
والاّ تمُتْ تحت السُّيوف مكرَّماً تمُتْ وتقاس الذُّلَّ غَيرْ مكرَّمِ
فَثِبْ واثقاً بالله وثبْة ماجدٍ يرى الموتَ في الهْيجا جنى النّحْلِ في الفمِ 127*
فاذا دققنا في الصورتين للشاعر الكبير والشاعر الصغير فهما يحملان اهمية شعورية وصوتا ورائحة واشياء دفينة.وان هاتان الصورتان[في الكبر والصغر]تعطينا اثرا حسيا في استكمال الصرخة الموضوعية في تقديم الحدث الشعري المتسامي بقوام هذه الابيات المارة الذكر وهي تلامس المنطق الحسي في المرحلتين التأريخيتين من
ـــــــــــــــــ
127*انظر:محمود محمد شاكر[المتنبي]ص185
اعلان الموقف من الحدث التاريخي الذي ركز فيه المتنبي على طردية الصورة الشعرية في هذه الابيات من الناحية الفنية.ويبقى الظل في الصورة الشعرية وهي تتمخض عن اعلان حسي خفي ومضمر في النص الشعري مشبع بالعاطفة والحس وهو الصوت الذي يحذر من الحسد-والحقد ، والبحث عن خلاص بالانعطافة والتفوق الشعري على غيره من اترابه.فهو يتذكر يوما وهو في وطنه بالعراق وبالكوفة في العام [321]حين رحل الى الشام كان يلقي هذا السلوك والعنت من هؤلاء الحساد الحاقدين حين القوا عليه من تلك العيوب حين فاقهم في خاصية الشعر زاد حقدهم ووشايتهم فاذا قوة الهوان تدميهم وتبددهم ، فبقي ابي الطيب يتذكر هذا الموقف على مدى حياته في[كبره وصغره]وقد ذكر المتنبي هذه المواقف وهو في انطاكية فيما بعد.
يقول ابي الطيب المتنبي:
أبْدُو فيحْسُدُ منْ بالسُّوء يُذكُرني فلا اعاتبهُ صفحاً وإهوانَا
[وهكذا اكنت في اهلي وفي وطني] إنَّ النَّفيس غريبُ حيثُما كانا
[مُحسَّدُ الفضْلِ مكذوبٌ على أثري] ألقي الكمى ويلقاني إذا حانا
***************
فالصورة الشعرية عند المتنبي قد طفحت بحركة الوضع العام وطارحته من خواص في المرحلة الفردية التاريخية وما طرحته من معاني مشحونة بالاحساس السسيولوجي ورغم كل هذه المعادلة في تشخيص الحدث تبفى الصورة الشعرية لا تميز الملمح الشعري للشاعر اي انها تعبر عن ادلة جوهرية لفعل النبوغ الاصيل عند الشاعر وما توفره العاطفة من فكر وصور تتوافق في ايقاظ هذه العاطفة.ويبقى ايضاح هذه القيمة وموازنتها وليس مناقضة ما يقوله [ارسطو]-[بان المأثور هو السيطرة على المجاز هي علاقة النبوغ الشعري]وقيمة الصورة الشعرية عند المتنبي هو الانجاز للخلق الشعري وتحويل الالم والانكسار وتلك حقيقة سيكولوجية الى شاهد على هذا الصدق فيما يقوله ابي الطيب-بانهماكه بالجهاد والثورة على كل شيء في هذه الارض.وهذا الموقف هو الموقف الحياتي العام الذي يحوله من حالته الذاتية الى اشياء عامة وخصبه ، وهو على يقين ، بان الحياة لدى الشخص الحساس المدرك لابد ان تكون عصيبة ومؤلمة ، وهو يعرف ولذلك فانه مضى الى عالمه المؤلم ليرى فيما وراء هذا الحس والجمال والقبح ، ان يرى الخوف والانتصار وحول مصدرية الشعر.لابد من الاشارة الى ان المتنبي اخذ بناحية الالم للشاعر هذا الالم هو ليس قيمة بذاته لكنه قيمة لفهم معترك الحياة وبالتالي فهو مادة فنية ، وهكذا تحول الموقف عند المتنبي الى شيء اكبر وارحب في مواقفه واصالته.وهنا نتذكر ما كتبه اليوت حين قال[كلما كان الفنان اكثر كمالا كان الانفصال لديه اتم بين الانسان الذي يتألم والعقل الذي يخلق]فالقيمة هنا تأتي بالاصرار على الوصف لحركة الصورة وتلابسها بالعاطفة وبالتدفق الشعري.من هنا فالقصيدة كانت قد عبرت عن موضوع متجانس وموحد من خلال ادراكها للعاطفة والتطور بجدلية العاطفة اكثر من كونها عملية نقل للعاطفة ، وهنا يكمن الفرق بين العاطفة الانسانية والعاطفة التي تظهر بعملية جدلية خلاصتها الصورة الشعرية ، والمتنبي واسع المعرفة ، فقد سمع الكثير وجادل وكتب وقرأ وحفظ حتى توضح ذلك في شعره الاول وهذا بيان فكري لا لبس فيه ولاخفاء ثم بدأ هذا المنوال يتقدم حتى استحكم الشعر في دخيلته وموهبته.يقول المتنبي من مفردات علم الكلام:
وضاقت الأرض حتى كان هاربهم اذا رأى غير شيء ظنه رجلا
وهو في هذا يريد ان يقول[لا شيء]فابدل في الصورة الشعرية صورة متركبة من[لا شيء وغيره]والجواب ظنه رجلا
ويقول:
يترشفن من فمي رشفات هن فيه حلاوة التوحيد
في هذه الالفاظ يتم الانتقال الى المتصوفة في مجال الوعي المتطابق وحدود التجلي في الكشف عن الحالة الصورية المطلقة بنضال فكري لمعرفة حدود الجمال في الصورة الشعرية.يقول المتنبي:
كتمت حبك حتى منك تكرمة ثم استوى فيه إسراري وإعلاني
كأنه زاد حتى فاض عن جسدي فصار سقمي به في[جسم كتماني]
***************
قال ابن سكره يصف الشعر[قول إذا شاء سحر ، وقلب الصور لا يهاب أن يخرق الإجماع ، ويقتسير الطباع]128*فالتأمل الذي يتميز به المتنبي في تولد الصورة من الناحية الحسية والانطباع الذي يتحرك داخل المفردة باعتباره انطباع تجريدي ياتي من مداخلات العقل سيكولوجيا.فالصورة الشعرية عند المتنبي هي انعكاس لوقائع موجودة اصلا والصورة هي تسمية للاشياء وخلق لواقع موضوعي يتركب من صور متداخلة الى خلق لمعنى بنتائجه التجريدية وفق منظومة حسية تستجيب لتوكيدات الروح اضافة للحس.ثم تاتي اللغة فهي ليست البديل للصورة الشعرية انما هي طريقة الفصل في توضيح المعنى-والحقيقة على ضوء المكاشفة لمعنى الجمال في النصوص الشعرية.وهنا تصبح الصورة الشعرية بالنسبة لمدرسة التصوف هي الصورة المتسامية.كما في هذين البيتين وحصرا البيت الثاني.فقد تداخلت الصورة الشعرية حتى اصبحت تشكل لوحة حسية متسامية في قول المتنبي:
[فصار سقمي به في"جسم كتماني"][/b]
120*انظر:البرقوقي عبد الرحمن ج4ص167ص168
وهناك تشاكل خفي بين النص والجملة والكلمة والنص يحتوي على منظومة دلالية غير قابلة للتجزئة مثل القصيدة الشعرية بمنظورها الدلالي ، فجوهرية النص مرهون بدلالته الجديدة دوما وهي تتشاكل وتتراتب في انقسام منظومته الى[فرعية وتركيبية]الى الحضور التفكيكي داخليا كحدود للنواظم الفرعية باعتبارها انماط مختلفة مثل اشكالية[الفصل-والمقطع]في النثر-والاشطر-والابيات في الشعر وهذا متعلق بنظام الدلالة وتفاصيله البنيوية في ملازمته للنص.فوجود البنية شرط من شروط مكونات النص.واذا اردنا ان نتعرف على حقيقة النص فيجب ان نتلمس التشكيل البنائي له والمستوى التنظمي ، فهي الرابطة الجدلية بهذا التحديد ، وان التحليل لهذا الموجب في تركيبه الافقي يقع بين بداية النص وفضائه ونهايته ، ومن الواجب ان لا نغفل حدود التركيب للبنية والامتداد أو الانحسار لا يمثل الحلقة النهائية في تحديد القيمة النوعية للنص.
[التأريخية الفلسفية للنص
عند ابي الطيب المتنبي]
يتم الارتكاز على التصورات الجديدة للنص في الالغاء للاستمرار والانقطاع ، باعتباره منهج داخلي من الانفتاح+الانغلاق في الوقت نفسه ، وهذا الموضوع ينقلنا الى[جينالوجيا البحث]عن الولادة.فالنص بلا ولادة ولا جذور وهو في الوقت نفسه[نسقا وجذرا بلا انساق وجذور]والنص لا يسير بخط مستقيم واحد لانه منظور تفكيكي وهو يحمل تصوران[ستاتيكي-وديناميكي]باعتباره وجها محوريا بتشاكله[العمودي والافقي]وبتفصيلات من الابنية المركبة باوجهها-المتعددة والذي نجم عن انتاج يخضع للاستقامة الطويلة وقابلية لعملية الفهم ورغبة في تشكيل التحليلات للالتقاط الفعل التركيبي الناتج لعملية جدلية ناتجة لهذا التصور بالمداخلات للنصوص.ووفق هذا التصور بدأ المنظوران العمودي والافقي من مستويات اختلافية بالاصوات اللغوية +الوحدات الدلالية والموضوعات الجدلية من التفاصيل الهيكلية والمحاور الرئيسية بانتاج التنظيم العضوي.هذه المستويات التي مثلتها الوظيفة بطريقة الفحص والقراءة لمجاميع من الصيغ والتحليلات الاسلوبية التي إرتكزت على المحوريات الصوتية ووحدات الدلالة وعبر قراءة بنيوية لهذه المحاور من منظور[سيميولوجي]بتعدده الصوتي في[جينالوجية ستاتيكية]وفق صيغة البحث والاستقصاء لمنظور النص واطراف نسبه التي مثلت الركيزة [الفسيولوجية]بمحاور الاختيارات وفق العلائق الاستبدالية التي تحولت الى محاور لتركيبات ودلالات اشارية اضافة الى الفضاء[الجينالوجي الغائب بتشكيلة النص]وهذا الامر ينقلنا الى المحور الديناميكي الذي يخرج وفق هذا التصور للنص ووفق تخارجات تحليلية بألكشف عن قابلية هذا النص بتناصه ، وبحكم العوامل الانتاجية له مثل وحدات[التأمل+المظهرية للنص] ["Genealogie" phenomenoiogie du Texteوتوالديته] كان الاول قد تمثل بالسطح الظواهري وفق مفهوم[هوسرل]في الاعتماد على الشفرة الخاصة بالابنية اللغوية.اما الثاني فقد تمثل بالتعالق بين[الدال+
المدلول]وفق سلم متفاوت الدرجات في التشابك والتعقيد او الامتداد.فالتشكيل المتوالد يتكون في الابنية المظهرية وامتدادها اللاشعوري ، وهنا يلتقي بالتناص مع التشكيل الاخر من النصوص المختلفة 121*يقول المتنبي:
ونكهتها والمندليُّ وقْرقفٌ معتّقةٌ صَهْباءُ في الريِّح والطّعمْ
فالتحليل ياتي وفق مفهوم انتاجية الفكرة ، فهي متصلة بالنكهه-والمندلي الاول يعني رائحة الفم+والمندلى وهو العود الذي يتبخر به ومندل هو المكان الذي يقع بالهند جغرافيا ، يجلب منه العود ومثله قما او قامرون وهو ايضا موضع في بلاد الهند وفي هذا يقول ابن هرمة:
أحبُّ اللّيل إنَّ خيال سلمى اذا نمنا ألّم بنا فزارا
كأن الركب إذا طرقتك باتوا بمندل أو بقارعتيْ قمارا
هنا يقع التناص وفق عملية اتصالية بالامتصاص والتحول باتجاه الكلي والجزئي
ـــــــــــــــــ
121*انظر:الفضل صلاح:بلاغة الخطاب وعلم النص ص238ص240
وفق جذرية من النصوص المتشاكلة.
فالنص الشعري متعالق اصلا في فضاءات نصية اخرى يتسرب من خلالها المؤثر بالمقاربة بمنطق الحوارات وبالممارسات النوعية وهذا الفاصل التجريبي في التناص قد ينقلنا الى مداخلات جديدة مثل الشكل-والايقاع اضافة الى ما تضمنه النص من ابنية ، والجمل المقطعية بحدود استخدامها التناصي وما تشكله المحاور من تمتين، لهذا الحوار سواء على مستوى الانعكاس في عملية التشاكل الفعلي او على مستوى الاقتباسات لنصوص شعرية اخرى. ولكن المحور الرئيسي بهذا الموضوع هو الانعكاس الجوهري وما يتركه من نمطية في التركيز على مستوى تكوين المحاور التفصيلية وترتيب الانساق النصية باطار بنية كلية تنشط فوق تركيز موضوع الجهد البلاغي في التاويل بعد متواليات وتفاصيل تتعلق بالاسلوب وهذا قد اتضح من خلال شرح مركبات وتركيبات البنية البلاغية ووحدة النص الخطابي عند ابي الطيب المتنبي ، وقد يقع هذا التشاكل المعرفي للنص بتحولات عديدة لبرهان التناص ، لينقلنا الى الصيغ التحليلية في انتاج الخطاب الشعري بحدود تركيباته الشاملة بالجمل المقطعية بعد ان تخضع[لجينالوجيا]عملية التشفير بسبب تعلقها[بالسيميولوجيا البرهانية للنص]
يقول عمر بن ابي ربيعة:
لِمن نارٌ قبْيل الصُّبح عند البيت ما تخْبوُ
إذا ما أخمِدتُ يلْقى عليها المندلُ الرطبُ
ويروي إذا ما أوقدت ، يقول كثير:
بأطيبَ من أراد ان عَّزةَ موهناً وقد أوقدتْ بالمندل الرَّطْب نَارُها
يقول:حين يدبر الليل القاه موهنا او في منتصفه او في ساعاته الاولى وينقل البرقوقي :بان احدى المدنيات قالت لكثير:فضى الله فاك ، انك القائل:باطيب من اراد ان عزة ...البيت؟ فقال:نعم ، قالت:أرأيت لو ان زنجية بخرت أردانها بمندل رطب أما كانت تطيب؟ هلا قالت كما قال سيدكم امرؤ القيس:
الم ترياني كلما جئت طارقاً وَجدْتُ بها طيباً وإن لم تطيَّب؟
هنا في هذا البيت والابيات السابقة[لعمر بن ابي ربيعة]هي الممارسة العملية للتناص وفي هذا الانتاج من التقصي في التقتير للصورة يمضي البيت متفردا بملامحه في ابراز الاسلوب والصورة الشعرية وقد تضمن خواص التفرد في الكينونة لكنه يمتاز بالاجراء النظري المتركب بحلقة التاويل البلاغية باعتباره تناصا مركبا ينتمي الى منظومة شعرية واحدة في حقل الخطاب البلاغي وحدوده البنائية وسياقاته الخاصة بتركيب وتفصيل[جينالوجيا الخطاب]ومنظوماته الامكانية في خواص الشفرة[code]كما يقول[امبرتوايكو].
نعود الى بيت ابي الطيب السابق:
ياتي القرقف وهو من اسماء الخمر وكذلك الصهباء بحالة معطوفة على الفاعل[تساوى]في البيت السابق يقول:استوت كل هذه الاشياء في طيب الرائحة والذوق ، الا ان الواحدي قال:وقد استوى في هذا الذوق شيئان:النكهة+الخمر واراد ان يقول في الطعم شيئين وتعد النكهة بلا طعم لانها مرتبطة برائحة الفم ، وياتي الاستفهام بألكلام في ذكر الريح ثم الاحتياج الى القافية والى اقامة الوزن-فذكر الطعم فافسد ، لاختلاف ذكره في الطعم ، وياتي العكبري ليخالف هذا الرأي ، لان عند المتنبي كانت قد استوت نكهتها والمندلي وقرقف وعند وصفه القرقف استطاع ان يقول في الريح والطعم ولم يرد فقط[الخمر في الطعم]وتاتي القيمة الدلالية للتناص في اطار بنية مركبة بمستويات مختلفة والمظهر في تشكيلات البنية يعطينا قيمة دلالية منفردة بمعناها.فالمعنى يظهر متعدد الاشكال الاسلوبية ثم يقوم بتركيبة جديدة يثري فيها المضمون الفني بتناص المعنى وفق حدود متخارجة باللغة وهي تخضع لمستويات عديدة في التعبير وفي انتاج الرؤية الفكرية والجمالية والتاويل النسبي لهذه الصياغات وفق ايقاع رمزي يجمع العديد من الدلالات من خلال التوليد المستجد للمعاني بخواص التناص.فالذي نقوله ان تعدد المحاولات في التحليل البنائي يتضمن فلسفة تطبيقية للنص ببروز البنية الفلسفية للنص ، وان ما فعله المتنبي هو:القدرة في خلق المناخات الحساسة من المعاني والتعدد بالحس الجدلي الذي يصب ببحر اكتشافات المعادل الموضوعي للتناص بالاشارة الى تعدد المعاني والامساك بالمعنى القانوني والتاريخي للنص.فالتفرد عند المتنبي متعدد الاوجه ومنفتح على اختلافية في المعاني وهي محصلة وقابلية بنائية لمعان متشكلة بجوهرية رمزية تعتمد على الصورة بتعدد المعاني والتغير في الانماط وبالفروض للرؤية المركزية وانفتاح على المعنى والتاويل بتبادلية لخلق تمثيل مكثف داخل معنى النص عملا وتأملا في رصد ما حدث من تاويل بموقف الصورة الفنية للنصوص الشعرية ، وتناصها التاويلي في زمنية البنية-والمنهج والمعنى وهم التيار الثلاثي في اشكالية البنية الشعرية عند المتنبي ، وما هو مستخدم لكلمة[الاكتمال]في اظهار القصيدة وباطراد كبير ، بانها نسق اكتمالي للبنية الشعرية.
فالمتنبي كان مكمن للتفكير في شعرية الثقافة ليلائم القول بالمعنى وبين الوصف والتصريح باستخدامه للمفردة وهي التي تدلل على الاشياء ويزيح المبهم ليثبت[الدال-والمدلول]هذه الازاحات تتضمن وحدة اختلافية تتعلق بوحدة الاكمال الثقافي.فوحدة الاكمال[Supplementary]تتعلق بالرغبة والحديث يطول عن المكمل ومفردته ورغبة ابي الطيب في محاولته تحديد اجابة دقيقة عن هذا الاستطراد بالمنظومة الشعرية يقول المتنبي:
جفتني كأنيِّ لست انطق قومها وأطعنُهمْ والشُّهبُ في صورة الدُّهمِ
يحاذرُني حتفي كأنيِّ حتفه وتنكُرني ألأفعى فيقُتلها سمِّي
في البيتين هناك اشارة الى الشهب من الخيل ووصف للالوان ببياض غلب عليه السواد والدهم يطلق على السود وهناك جفاء وهجر والنساء العربيات يعشقن الشجاع والفصيح من الرجال ، وهنا يحضر قول العنبري عندما وجدته امرأته يطحن فازدرته:
تقول وصكّتْ وجهها بيمينها أبعلي هذا بالرَّحى المتقاعسُ
فقلت لها لا تعجلي وتبيَّني بلائي إذا التفت عليَّ الفوارسُ
يريد ان يقول لها انه شجاع فهو حسن البلاء في الحرب حتى ترغب فيه فذكر ابو الطيب ان هذه غادرة ناقضة عادة امثالها بجفائه وهو عندما يصور الشهب في صورة الدهم السوداء يريد من ذلك ان يصور انه اذا رؤيت الخيل الشهب سوداء ذلك لتلطخها بالدماء وجفاف الدماء عليها كما قال النابغة الجعدي:
وتُنكرُ يْومَ الرّوْعِ الوانَ خْيلنا من الطّعنِ حتى تحْسبَ الجْون أشقرا
ثم ياتي الوحدي ليقول:بان الحتف لا يصور الحذر إنما يريد ان يقول ان قرني الذي منه حتفي اذا قاتلني لحذرني كاني حتفه:أي كاني اقتله حتما وانتصر عليه فهو يحذرني حذر من تيقن هلاكه من الانسان وقد يكون هذا مجازا وصيغ من المبالغة في الوصف للبطولة ثم ياتي قوله وتنكرني الافعى:اي عندما يتعرض لي اعدى اعدائي فانتصر عليه فالاعتداء صنفين:حاذرا يحازره ومعترضا يهلكه عندما سماه الافعى واطلق على نفسه[سما]وذلك لشدة تأثره بعدوه 122*وتاتي حلقة التنافر في التنظير ، فالمتنبي يتحدث من الناحية الشعرية في الثقافة بدليل يتعلق بتفاصيل النص ومنه تفصيل المضمر في النص وتشكيل التناص الذي ظهر بالمنحنيات الشعرية ليشغل التاريخ النسبي بهذا النص المضمر ويخص الاصول الشعرية للثقافة وهذه الاشارات الواردة في الشروح تعطينا ثقافة شعرية تاريخية بل هي السيادة التاريخية للشعر والشعرية الثقافية وهي تؤثر وتؤجج الوعي الشعري الثقافي وتنشره بممارسات شعرية تناصية حيث تنشأ في المضمور من الانساق الشعرية عند المتنبي وغيره من الشعراء ثم الانتقال من مزاج الى صورة الى مزاج الى مرتسم ثم الى صورة بهذه النصوص بممارسة تناصية تتعلق بفحولة الشاعر وفصاحته بمرتسمات القصيدة العربية وتأكيد استمرار عملية التأثير والتأثر في مرتسمات الخطاب الشعري وما يتعلق بالبداية ثم الانتقال الى وسط القصيدة ثم الى التكوين النهائي للمرتسم في الوصف والخلاصة الدقيقة للخطاب من اجل الانتقال الى الحدود التقريبية وتكريس-
ـــــــــــــــــــــــ
122*البرقوقي عبد الرحمن ج4ص170
المرتسم النصي وبيان قراءته في نزعة مبكرة لعالم يتحول الى منعطف ثقافي وقواعدي من الشعرية الثقافية ، وان الرصد لهذه التكوينات الثقافية في الشعر وطبيعة النسق المعرفي بالوقوف على الحدث وما يتلون به من صيغة سواء بالمرحلة الجاهلية او المرحلة الاسلامية.وتعد هذه القيمة بوصفها ربما عمقا انسانيا مطلقا وهي معرفة في القدم على طلل حديث اي ذات منحى اسلامي مثلا ، مقارنة بالطلل الجاهلي.كل هذه المفارقات تعطينا تاملا شعريا يحمل في طياته كلتا المرحلتين القديمة والحديثة في الرؤية.ولكن الرغبة الاكمالية بطرف النهايات وهي مفارقة بالنسبة الى ابي الطيب ، فهي شكل من المرتسم النصي يتنازعه بنغمة الشاعر المفسر والمهيمن على النهايات وهو يتبنى النغمة الفلسفية الارسطية ومشهدها[المثيولوجي]في نصوص المتنبي الشعرية كما اتهم بها هو ، وهذه هي النشوة التي ينطوي عليها حلمه بانتاج مكمنه الشعري والذي يدخل بتكوين هذه القوة المعرفية في الشعر لأنها قوة متناهية ، وهي ليست خدعة كتابية اسلامية وهي ليست حلم بعيد عن الحقيقة كذلك هو ليس ثغرة في عملية الانغلاق على النسق الضامر بحقيقة النص ، لكنه في النهاية يكون كشفا للمستور في النصوص الشعرية وتطورا حداثيا باشكالية هذه الظاهرة الثقافية.
وما مطروح من قضايا جدلية في الحديث عن قضية الشعر عند ابي الطيب وقضية اللغة الشعرية ، هذه الحدود تدخل في حدود تمايزها باعتبارها خصائص للمفارقة عند البعض وهو ما يتعلق بالاسلوبية وهي تشارف على النهاية في مقدمة الاشياء ، هذه الاشكالية تنطوي عند المتنبي كانها صياغة بتشكيل النص الشعري وعلاقته بمعجم المتنبي الشعري وهو يدشن التعاملات بخواص شعرية الثقافة حيث توحي المفردة الشعرية ببداية منعطف النظرية ورفض المقدمة المعرفية وما تحتويه من سياقات وتشاكيل تحدد تحركات الشاعر باستعمال جملة من المفردات والجمل الشعرية.فالمتنبي كان يرفض هذه الحدود لكنه كان يلتزم بسياقات الوعي القبلي للشعر بكل قوانينه وباختيار معرفي ومطلق لخواص هذه المقدمة الشعرية في الرفض للمساءلة ما دامت لا تخرج عن قوانين الشعر المطلقة.وإننا نقول بان نظرية ابي الطيب الشعرية ترفض المساءلة والاحتكام الى جمالية النص ، اي ان فعل القراءة يحيط بالولادة الجديدة من خلال تشكيل هذا التناص بمفردات متفردة وبمفهوم يقع على امتياز في حسابه سلسلة من التبدلات تظهر خصائص المنهج الاسلوبي المتميز باستبدالية منهجية ذاتية في اللغة.فالثنائية الاسلوبية اللغوية وتركيباتها تنتهي عند المتنبي بالصياغة الشعرية وحدود امكاناتها الواضحة باختلافية منهجية بين[الدال-والمدلول].لكن الاختلافية على هذا النحو يستبدلها المتنبي بفكرة التحول في منهجية النص والاختلاف التام على هذا النحو في اطار المنظومة اللغوية وتشكيلاتها النصية.إننا نقوم بنقل مدلولات شعرية ومناقشتها استنادا الى ادلة دالة او أداة تتعلق بالنصوص الشعرية عند المتنبي ، والمبحث اللغوي او الاسلوبي بهذا الموضوع يضعنا باشكالية هذا التناص الذي يظهر عند الشعراء الاخرين من مختلف الاجيال داخل منهجية تفكيكية يتأسس عليها البعد الفلسفي للنص في اطار لعبة مزدوجة في الحضور الشعري المجرد ومناقشته الدقيقة للفوارق الفلسفية وفكرة الحضور في الاستخدامات للمنهج التفكيكي بفعالية تمثل عبقرية الوجود داخل المسار التفكيكي للنص. وكان المنحى النقدي في الفترات السابقة واللاحقة يقوم بتفعيل الجهود للكشف عن ما وراء النص من اشكاليات في العمل الشعري والوقوف على النص بشفراته الثقافية وهي قراءة للنصوص في مجال التنظير النقدي باطار بعيد عن المداخلات الجمالية وحتى الاسهام في نقل العمل بالنسق الذهني وفق اشكال خطابي وبتحول عبر مرحلة جوهرية وتاريخية ، وهذه جهود معرفية طبعت بالاكتشافات داخل منهاجية النص الشعرية حيث المرحلة الحداثية الجديدة التي تمخضت عن البنيوية باطار وعي ما بعد الحداثة الى مرحلة ما بعد[الكولونياليه]وحيث الاستخدام الأمثل لمنحنيات اعمق في مجالات الوعي وحدود منطق النظرية الجمالية في اللغة البلاغية وهي التي تضع افتراضات تتعلق بدلالة العنصر الخطابي والاتقان في كشف الدلالة ولكن ما يتعين من كشوفات بقيت رهينة التحولات فيما بعد الحداثة وقد تعالقت هذه المخفيات من العناصر التي ركبت النص من مضمر في التركيبات التي تتعلق بالذات او الموضوع او الفعل الدلالي باعتباره المشكل بالمنظور التحليلي.فالمحور الجمالي في النصوص الشعرية للمتنبي لا تعطينا مفهوما رسميا تحت يافطة النظرية الجمالية في اللغة والبلاغة إنما تعطينا خطابا فاعلا نصفه الاخر يلتزم به المتلقي.فالمتلقي هو النصف الاخر للحقيقة الجمالية العامة.والنص الشعري عند المتنبي ، هو ليس نتاج بلاغي احتكاري لكن شروط الاحتكار يكسرها المتلقي باستلهامه للوعي الجمالي في النص.ثم بعد ذلك يأتي دور الناقد وهو الكاشف لهذه النصوص لمعرفة خفايا النص بالاستناد الى الثقافة الفكرية والادبية والمعرفية بشكل عام.وان فعل الكشف لا ياتي من لا شيء اي ان الناقد مطلوب منه ثقافة واسعه لكي يعرف مكمن ما يحويه النص من شروط ثقافية وحضارية.واصبح النص منتوج اقتصادي وحيث ما يحقق من ارباح على مستوى الثقافة وبالتالي فهو وسيلة واداة تنفيذية حسب مفهوم الوعي الثقافي الجديد واصبح النص ليس الغاية والهدف ، بل هو المحور الرئيسي في اطار اشكالية الوعي الثقافي لانه تمثيل للمنظومات السردية والتفاصيل المتعلقة بالنسق التمثيلي والتحليلي والغاية القصوى بهذا الاشكال وما يتعلق بالمنهجية الذاتية في تشاكلها السسيولوجي وهي تتموضع نصوصيا.123*
ــــــــــــــــــــ
123*انظر:RJohnson:what is cultural studies any way?in J [storey "ed" what is cultural studies[75
وما يتشكل بالمراهنة على خلاصات المتنبي بالمعالجة للمشاكل التي تمثلت بالصياغات الشعرية وفق سياقات التأسيس لثقافة مختلفة بموضوعية التاريخ للنص واختيار هذا المحور البلاغي الايديولوجي الذي يتواصل مع سياسات التفكيك النصية وليؤكد من وراء ذلك من ان النص الشعري نص متدفق ومنشغل بطريقة تجسد الوعي واثره في الثقافة واثر هذا التنبؤ بشخصية ابي الطيب وهو يتساءل عن حقيقة الوضع الشرعي وهو يؤثر على انبثاق رؤية تتعلق بالسلطة المرجعية بعد اكتشافات المتنبي لعقدة الروح داخل هذه النفس البشرية لانها[وعر]لا يعرف الهوان.لقد منح المتنبي هذه العقدة والمصابرة في البحث عن مركزية الوعي الشعري ثم بدأ يغوص في ذلك اللهب الذي يطهر النفس البشرية لينقلها الى حالة التسامي انطلاقا من حالة السياق الشعري.
يقول المتنبي :
سيصْحبُ النَّصْل منِّي مثل مضْربهِ وينجْلي خبــري عَنْ صَّمة الصِّممَِ
لقد تصبَّرْتُ حتَّى لاتَ مُصطبرٍ فالأن أقحُــم حتــَّى لات مقْتحمِ
ميعادُ كلِّ رقيق الشِّفرتين غداً ومن عصى من مُلوك العُربِ والعَجَمِ
فأنْ أجابُوا فما قصدي بها لُهُم وإن توّلوْا ، فما ارضَى لهـا بِهـِـم
وتوحي الاجمالية في التشكيل اللغوي ، بان التركيب يهيء مواضع في المتن الشعري تكون قابلة للحركة والتمحور ووفق استخدام امثل لاغراض هذه التراكيب.فالتركيب الاكبر في المتن اللغوي ينقلنا الى علاقة هذا المتن والتطور التاريخي للنص.وثمة علاقة دقيقة بين المتن في النص الشعري والهامش الاعتيادي بمنطق النص فهو يشبه الاشياء في عالمنا الحقيقي ويبرز هذا الوجود عبر السياق العام للنسق الشعري وكما هو واضح في البيت الثاني فهو يكشف اي النص عن اغشية رقيقة قابلة للرؤية رغم وجود الفواصل لكن-الاختيار يأتي وفق معايير تتركز عليها الابيات لتحقق منعطف حقيقي.والهامش عند المتنبي لغويا لباقي المتن في مجال التعبير اللفظي لانه هو الشكل المحرك للعمل الشعري ويقع ضمن هذا الفراغ ومرتبط بخيوط غير مرئية ليؤلف دائرة الكلمات داخل متن النص.وقد مضى ابي الطيب في تشكيله الشعري في رسم الخطوط البيانية وهو يشمل الوعي الشعري الدائب في احكام الرؤية وتطوير الاداة وتشخيص اللحظة من الناحية الادراكية.ان شيئا لديه سوف يقوله ، هذا على مستوى المتن في النسيج الشعري اما على مستوى الهامش وهو المسلك البشري الواضح ايضا.والمألوف في حركة التطور اي ان التجربة هي حقيقة التجريب التي يبحث عنها الشاعر بل يسعى اليها ويتقبلها بشكل فعلي وهذا الهامش هو الخميرة المتوقدة في انتاج التأمل والاطلاع والرغبات والعلاقات اضافة الى[منطق الشهوة+المغامرة]وفي الحالتين اي حالتي[المتن والهامش]هما خطان يسيران ويلتقيا في مرتفع عال ليحققا المعنى الشعري من خلال احتشاد هذه التجربة وتبلور التجريبية وفق الصياغات الفنية المتقدمة ليتلابس فيهما الشكل مع المضمون.وما يتعلق بهذا الاشكال التأريخي ولغة العصور وما يتعلق بالذوق اللغوي والصوري الخاص بذلك العصر او القيمة الفكرية في عملية التصوير والمرتبطة بين الشكل والمضمون او فصل المعنى عن تراتبيته الشعرية والمتعلقة بخواص ذلك العصر.رغم كل هذه التفاصيل ، فقد احتفظت اللغة الشعرية عبر هذه العصور بكل ألمقدمات الفنية في النمو وهذا جاء بفضل-العبقرية الشعرية التي جاء بها المتنبي التي اثرت في الصياغات والمعاني كما انها اثرت بالتجربة الشعرية والتجريبية الفنية وقواعدها اللغوية والفاظها وما يتعلق بالتجديد فهو يتقدم الموضوعات في المجالين الجوهري والتجذيري لانهما الحلقة[الابستمية]في أسلوب المعاني وكذلك السمو في مناهج اللغة والمهارة في صناعة النص عبر رؤية شعرية تقنية متقدمة من خلال الاستفادة من منهجية الثقافات العالمية والشعرية حصرا وربط الشعر سسيولوجيا بعلو المعايير المتسامية بعمود الشعر.124*
ــــــــــــــــــــــــــ
124*انظر:الفنيمي محمد هلال النقد الادبي الحديث ص167
[الصورة الشعرية عند المتنبي]
وتؤثر هذه المعايير بالمبدع والمتلقي كذلك فيما يتعلق بالشعرية.فالمحتوى المفهومي هو ما يتعلق باللغة وتركيباتها والفاظها والاصوات المتعينة بخلاصات النسق الضامر والموسيقى اضافة الى المنجز الخفي للمحتوى العقلي والايحاء ، واتصال كل هذا بالمفردات حيث يتكون ايقاع متفرد تستوي فيه شروط الوعي الشعري من خلال منهجية نظرية للشعر وتفاصيلها التي تتأكد بألصورة الشعرية بايضاحها للمفاهيم الحياتية.فالحياة الخفية للقصيدة عند ابي الطيب تنقلنا الى مبدأ التعاقب بالاشكالية الفكرية-واتجاهاتها واختلاف العملية التاريخية في تحديد المنحى داخل حركة القصيدة.في هذه الحالة يجري توظيف الصورة الشعرية باعتبارها مادة تنظيرية تكنيكية مكونة ، لتشكل النص الشعري ومن ثم احتياجات المرحلة التاريخية لتفصيل المرحلة الجوهرية للشعر عبر قنوات مختلفة وهذا ينقلنا بدوره الى حلقة التوصيل ودرجة الوضوح والدقة لمسار الفعاليات داخل بوتقة الابداع هذه ، حيث تتأكد المناقشات الاختلافية ومن خلال هذا المنظور التنظيري ، هناك دعوة للخروج من هذه القولبة النظرية والجمالية والانتقال الى السوق كما يقول البعض ممن تأثروا بالنظريات ما بعد الحداثوية وارادوا ان يترجموا ما جاء به المنظرون الغربيون حول الشعر العربي واتهموا المتنبي بالشاعر الذي يستجدي في شعره ولم يحقق اي تطور على مستوى الايصال الشعبي[وسوف نعود الى هذا الموضوع في الصفحات القادمة]والصورة الشعرية باعتبارها احدالاصناف الموضوعية[Category] التي تتعلق بالعملية الابداعية في مكونات القصيدة[والصورة الشعرية]تركيب معقد وعنصر مكون للعمل الادبي والشعري حصرا ومستقلا داخل هذا الفعل الجوهري ، لان اصطلاح الصورة[Image]متشكل من دلالات ومعاني ، والقصيدة عند ابي الطيب تتركب من صور عديدة فالاستنتاج بهذا الموضوع يحدد لنا خواص الاسلوب فهو في حالة تغير دائم وكذلك الوزن وحتى اشكالية الموضوع يمكن ان تتغير ولكن تبقى القصيدة عند المتنبي وحدة صورية وتشكيلات من تركيب للصورة الواحدة وهي القوام الرشيق في معناه للاشياء حيث الرسم الدقيق بالكلمات وباشكال يجيز بقاء المجاز ظاهر داخل الصورة لانه قياس ابداعي ، وان قوة المجاز عند الشاعر ياتي من قوة شعره كما يقول[هربرت ريد]كذلك قول[ارسطو]وهو يتحدث عن المجاز في الشعر[ان الشيءالعظيم هو الى حد بعيد قابلية التحكم في المجاز وهذا وحده لا يمكن ابانته من جانب شخص اخر ، فهو علاقة النبوغ]125*
ـــــــــــــــــــــ
125*انظر:سي دي لويس[الصورة الشعرية]وزارة الثقافة والاعلام العراقية دار الرشيد 1982ص20
وكل المركبات المتعلقة بالوصف والمجاز او التشبيه والاصوات المبثوثة في ثنايا ومتون القصيدة ، هي التي تركب الصورة الشعرية ، والصورة الشعرية بشكل عام تقدم لنا رؤية تفيق الوصف بدلالة تفوقه على ذلك الانعكاس المتقن للحقيقة الموضوعية.والصورة الشعرية عند المتنبي رغم حقيقتها الموضوعية او الذاتية فهي الى جانب ذلك تعبر عن مجازية جوهرية متجذرة في سياقات الملاحظة وقابلة للحركة[الديلكتيكية]اذا باشرنا بتفاصيل الصورة الشعرية عند ابي الطيب لانها الطابع التجذيري للقصيدة ولانها تعبر عن رؤية دفينة داخل النص الشعري المضمر.فهي تعبر عن الحس السيكولوجي وترابطه المرئي-واللامرئي فهي في النهاية تستقي كل جوهريتها هذه من الحس الدفين باستقرائية منهجية متطورة تتميز باشكالية التفكير الفلسفي والعلمي ، وهي انشطة واعية تساعد في عمليات البحث العلمي وبالتالي فهي شكل من اشكال هذا الاستيعاب للعالم بامكانية الكشف عن جوهر هذه العلاقات المرتبطة بالواقع الموضوعي. وبهذه النتاجات الفكرية والعلمية وما يعنيه الوضوح والحدة بالمقارنة لهذه الانشطة وهي تتوصل الى الانشطة النظرية والعملية للبشر ووضعها باتجاه المفاهيم الفكرية والمنطقية المتعلقة بحلقة التنظير والنظرية وتطبيقاتها بشكل عام.هذه الوحدات تشكل المادة الاساسية والحتمية الراسخة بتأكيدها ألنظرية الانعكاسية باطارها المادي الجدلي التاريخي.وان الوعي الذي ارَّخته البشرية وفق هذا المنظور التجذيري الجوهري لا يمكن ان يعود عمليات بسيطة تسعى لتجفيف منعطفات ذاتية داخل معترك موضوعي ، اضافة الى ذلك ، فان الحقائق الموضوعية حددت في الادراك باعتباره مفهوم انساني يلتقي وجوبا من اجل ذاته التطبيقية وعليه فان الوعي الانساني وفق هذه النظرية والتنظيرية الجوهرية الخاصة لا يحدد صيغة الانعكاس فحسب بل يقوم بعملية الخلق لوجوده.126*وان هذه الوحدة الجدلية في الانعكاس للنظرية والتطبيق والروابط التبادلية ووحدة الانشطة الواعية تكون-مترابطة لكنها غير متشابهة بميادين هذه الانشطة المادية ، فهو يجاهد الى التأكيد لنفسه من الناحية الذاتية تطبيقا لتخلق عالم مفعم بالمشاعر والاحاسيس الفكرية.ومن هذه المعادلة نستنتج ، بان النظرية الموضوعية للعالم المنعكس في الفقرة أ-وهو الانعكاس الموضوعي.اما الاشكال المتعلقة بالتطبيق فهي العملية او المعادلة في الخلق وتحرر في ب-ويصبح العالم الموضوعي بكل مفاهيمه وتصوراته ، هو خلاصة لنتاجات تتعلق بالصورة الفنية.من خلال هذه العلاقة المرتبطة بالواقع الموضوعي في ج-فالمعادلة تصبح كما يلي أ-المنعكس في+ب =الناتج التطوري للواقع الموضوعي في ج نقول ان المتنبي في هذه المعادلة الفنية قد قام بخلق ظاهرة نوعية عميقة من خلال
ــــــــــــــــــــــ
126*انظر:المادية الديلكتيكية دار التقدم موسكو ص35
طبيعته الموضوعية ويتكشف هذا الموضوع وبعمق من نشاطه الحقيقي في الانعكاس عبر التغلغل الجوهري باعماق الانسان وكيانه الحي ، هذا التمثيل يتضح بالخلق الفكري والتاريخي للصورة الشعرية حتى من الناحية الفنية حيث التداخل للشاعر الكبير في الشاعر الصغير وفي مواضع اخرى نشاهد علامات التغير التي ظهرت في شعره خاصة بعد الكبر هو تقديمه الثقة بالله على الثقة بسيفه.هذا الاثر السيكولوجي كان سببه جدته التي منحته هذه التربية وهذا النصح.
يقول المتنبي وهو بالكتاتيب:
الى أيّ حينٍ أنت في زيِّ مُحْرم وحتَّى متى في شقْوة وإلى كَم !!
والاّ تمُتْ تحت السُّيوف مكرَّماً تمُتْ وتقاس الذُّلَّ غَيرْ مكرَّمِ
فَثِبْ واثقاً بالله وثبْة ماجدٍ يرى الموتَ في الهْيجا جنى النّحْلِ في الفمِ 127*
فاذا دققنا في الصورتين للشاعر الكبير والشاعر الصغير فهما يحملان اهمية شعورية وصوتا ورائحة واشياء دفينة.وان هاتان الصورتان[في الكبر والصغر]تعطينا اثرا حسيا في استكمال الصرخة الموضوعية في تقديم الحدث الشعري المتسامي بقوام هذه الابيات المارة الذكر وهي تلامس المنطق الحسي في المرحلتين التأريخيتين من
ـــــــــــــــــ
127*انظر:محمود محمد شاكر[المتنبي]ص185
اعلان الموقف من الحدث التاريخي الذي ركز فيه المتنبي على طردية الصورة الشعرية في هذه الابيات من الناحية الفنية.ويبقى الظل في الصورة الشعرية وهي تتمخض عن اعلان حسي خفي ومضمر في النص الشعري مشبع بالعاطفة والحس وهو الصوت الذي يحذر من الحسد-والحقد ، والبحث عن خلاص بالانعطافة والتفوق الشعري على غيره من اترابه.فهو يتذكر يوما وهو في وطنه بالعراق وبالكوفة في العام [321]حين رحل الى الشام كان يلقي هذا السلوك والعنت من هؤلاء الحساد الحاقدين حين القوا عليه من تلك العيوب حين فاقهم في خاصية الشعر زاد حقدهم ووشايتهم فاذا قوة الهوان تدميهم وتبددهم ، فبقي ابي الطيب يتذكر هذا الموقف على مدى حياته في[كبره وصغره]وقد ذكر المتنبي هذه المواقف وهو في انطاكية فيما بعد.
يقول ابي الطيب المتنبي:
أبْدُو فيحْسُدُ منْ بالسُّوء يُذكُرني فلا اعاتبهُ صفحاً وإهوانَا
[وهكذا اكنت في اهلي وفي وطني] إنَّ النَّفيس غريبُ حيثُما كانا
[مُحسَّدُ الفضْلِ مكذوبٌ على أثري] ألقي الكمى ويلقاني إذا حانا
***************
فالصورة الشعرية عند المتنبي قد طفحت بحركة الوضع العام وطارحته من خواص في المرحلة الفردية التاريخية وما طرحته من معاني مشحونة بالاحساس السسيولوجي ورغم كل هذه المعادلة في تشخيص الحدث تبفى الصورة الشعرية لا تميز الملمح الشعري للشاعر اي انها تعبر عن ادلة جوهرية لفعل النبوغ الاصيل عند الشاعر وما توفره العاطفة من فكر وصور تتوافق في ايقاظ هذه العاطفة.ويبقى ايضاح هذه القيمة وموازنتها وليس مناقضة ما يقوله [ارسطو]-[بان المأثور هو السيطرة على المجاز هي علاقة النبوغ الشعري]وقيمة الصورة الشعرية عند المتنبي هو الانجاز للخلق الشعري وتحويل الالم والانكسار وتلك حقيقة سيكولوجية الى شاهد على هذا الصدق فيما يقوله ابي الطيب-بانهماكه بالجهاد والثورة على كل شيء في هذه الارض.وهذا الموقف هو الموقف الحياتي العام الذي يحوله من حالته الذاتية الى اشياء عامة وخصبه ، وهو على يقين ، بان الحياة لدى الشخص الحساس المدرك لابد ان تكون عصيبة ومؤلمة ، وهو يعرف ولذلك فانه مضى الى عالمه المؤلم ليرى فيما وراء هذا الحس والجمال والقبح ، ان يرى الخوف والانتصار وحول مصدرية الشعر.لابد من الاشارة الى ان المتنبي اخذ بناحية الالم للشاعر هذا الالم هو ليس قيمة بذاته لكنه قيمة لفهم معترك الحياة وبالتالي فهو مادة فنية ، وهكذا تحول الموقف عند المتنبي الى شيء اكبر وارحب في مواقفه واصالته.وهنا نتذكر ما كتبه اليوت حين قال[كلما كان الفنان اكثر كمالا كان الانفصال لديه اتم بين الانسان الذي يتألم والعقل الذي يخلق]فالقيمة هنا تأتي بالاصرار على الوصف لحركة الصورة وتلابسها بالعاطفة وبالتدفق الشعري.من هنا فالقصيدة كانت قد عبرت عن موضوع متجانس وموحد من خلال ادراكها للعاطفة والتطور بجدلية العاطفة اكثر من كونها عملية نقل للعاطفة ، وهنا يكمن الفرق بين العاطفة الانسانية والعاطفة التي تظهر بعملية جدلية خلاصتها الصورة الشعرية ، والمتنبي واسع المعرفة ، فقد سمع الكثير وجادل وكتب وقرأ وحفظ حتى توضح ذلك في شعره الاول وهذا بيان فكري لا لبس فيه ولاخفاء ثم بدأ هذا المنوال يتقدم حتى استحكم الشعر في دخيلته وموهبته.يقول المتنبي من مفردات علم الكلام:
وضاقت الأرض حتى كان هاربهم اذا رأى غير شيء ظنه رجلا
وهو في هذا يريد ان يقول[لا شيء]فابدل في الصورة الشعرية صورة متركبة من[لا شيء وغيره]والجواب ظنه رجلا
ويقول:
يترشفن من فمي رشفات هن فيه حلاوة التوحيد
في هذه الالفاظ يتم الانتقال الى المتصوفة في مجال الوعي المتطابق وحدود التجلي في الكشف عن الحالة الصورية المطلقة بنضال فكري لمعرفة حدود الجمال في الصورة الشعرية.يقول المتنبي:
كتمت حبك حتى منك تكرمة ثم استوى فيه إسراري وإعلاني
كأنه زاد حتى فاض عن جسدي فصار سقمي به في[جسم كتماني]
***************
قال ابن سكره يصف الشعر[قول إذا شاء سحر ، وقلب الصور لا يهاب أن يخرق الإجماع ، ويقتسير الطباع]128*فالتأمل الذي يتميز به المتنبي في تولد الصورة من الناحية الحسية والانطباع الذي يتحرك داخل المفردة باعتباره انطباع تجريدي ياتي من مداخلات العقل سيكولوجيا.فالصورة الشعرية عند المتنبي هي انعكاس لوقائع موجودة اصلا والصورة هي تسمية للاشياء وخلق لواقع موضوعي يتركب من صور متداخلة الى خلق لمعنى بنتائجه التجريدية وفق منظومة حسية تستجيب لتوكيدات الروح اضافة للحس.ثم تاتي اللغة فهي ليست البديل للصورة الشعرية انما هي طريقة الفصل في توضيح المعنى-والحقيقة على ضوء المكاشفة لمعنى الجمال في النصوص الشعرية.وهنا تصبح الصورة الشعرية بالنسبة لمدرسة التصوف هي الصورة المتسامية.كما في هذين البيتين وحصرا البيت الثاني.فقد تداخلت الصورة الشعرية حتى اصبحت تشكل لوحة حسية متسامية في قول المتنبي:
[فصار سقمي به في"جسم كتماني"][/b]