[center]ــــــــــــــــــــــ
128*انظر:ادونيس الصوفية والسريالية دار الساقى ص195
ويقول:
لما وجدت دواء دائي عندها هانت علي[صفات جالينوسا]
بشر[تصور غاية]في آية تنفي الظنون[وتفسد التقييسا]
وهذا منحى اختلافي في منظومة الطب فقوله[بصاف جالينوسا]يريد من هذا المنحى ما يصفه جالينوس للامراض من الدواء وهذه الصورة تعطينا دليلا قاطعا على ان المتنبي كان قارئا ومتابعا لكتب العلم والطب خصوصا.ونحن ما يعنينا من هذا الايضاح ، هو شعور المتنبي بالبداهه العلمية ومركزية الحدث الذي يوصفه بتداخل هذه الالفاظ وموضوعية ، المصدرية بالاقيسه.وهذا دليل تصوري آخر على فكرته الكلية عن الموضوع العلمي والبعيد عن الجزئية اضافة الى انها تعتبر ظاهره مدركة لحالة التصور العلمي وبناءه الداخلي الذي يترتب وفق تعميمية تدل على الخصوبة في الصورة بالاشارة المرجعية الى الفلسفة والعلوم الاخرى وكان لواقع الالم على المتنبي كبير وشديد ، فاستطاع ان ينجو ثم يسمو فوقه حيث احتوائه للألم بالقوة المقدرة الحسية ان يسيطر على هذا الالم وادراك ابي الطيب لمثل هذا الاشكال من داخل معترك هذه الحياة وادراكه للشر الذي سيطر على هذا الكون الكبير وهو الذي جعله يدرك هذا الشر ضمنا في اطار قوة هذه الاشكالية بان من الممكن ان يوجد حالة من الخير تتعادل على اقل تقدير مع حالة الشر بعد ان ذاق الالم والمراره واستطاع أن يمقت الصحوة الميته والرجاء الساذج وان يرى-بصبرة ان الشعر ومرتكزاته يخلق من خلال حالة الالم وليس هذا وحسب بل استطاع ابي الطيب ان يوحد صورته الشعرية بهذا الالم المستديم بهذه الامة وان ما حصل عليه من موروث لهذه الامة كان يستمد منه احواله الشعرية والشعورية.يقول المتنبي:
لم الليالي التي أخنت على جدتي برقة الحال واعذرني ولا تلم
أرى أناسا ومحصولي على غنم وذكر جود ومحصولي على الكلم
ان ظهور التجريبية الخفية في النصوص الشعرية لابي الطيب وهي التي عبرت عن التنظير البلاغي في الصورة الشعرية متقدمة وفي طليعة هذا التقدم حركية المعاني وظهور اللغة الشعرية بتركيبات عقلانية في النص وقد تداخلت شعرية المتنبي وفق قوة تحديث وذاتية وقوة في اللغة وبلاغة بالتشكيلات الصورية وهو المرتسم الدقيق في جدار التحديث اللغوي حيث الالتقاء في التمثيل للادراك الحسي والتعبير عن موضوع حسي تتشكل الصورة الشعرية منه والصورة الشعرية عند المتنبي هي خلاصة للتعامل الفكري مع العالم المادي والصورة[mage]هي الإصطلاح الذي يحدد صفة[المادة وحالة التذكر]لمادتها الرئيسية التي يتعامل معها المنطق الفكري ، وهذا هو الانطباع الابتدائي الذي يداهم مقدمه جهاز العصاب اضافة الى هذا الاشكال نقول ان هذا النشاط الفكري وما يكتنفه من مفارقات ونحن بافتراضنا هذه الصور التي اوجدها المتنبي ، هي تصورات واعتقادات تشمل العالم المادي المهيمن-وهذه حقائق.اما ما موجود من افتراضات نظرية وتنظيرية عن هذه الصورة الشعرية المجازية باعتبار ان العالم الذي ارخه المتنبي هو العالم الذهني الواقعي وان الصورة المتركبة في الادراك الحسي تعتبر عنصرًا متركباً من صفات باطنية استحضرتها الذاكرة لوجود عملية كبت كانت قد مرت بهذا التمثيل الذهني وهي تتكشف بخلاصات دقيقة لهذا الحدس وفق صيغة التعبير لهذا التعدد من الصور الشعرية ومن خلال هذا المنحى يمكن الوصول الى المعارف الحدسية وهي تنقل المعاني عن طريق التركيب العقلي المزدوج لهذه العلاقة والا كيف تستطيع نقل هذا المعنى بصورة فردية مستقلة ؟ وعند هذا الاشكال استطاع المنهج التفكيري عند المتنبي ان ينقل الصورة الشعرية الى آفاق جديدة من خلال المعرفة العلمية وامكانات لغوية متطورة ، وكان ابي الطيب يمنهج الصورة الشعرية وفق منطق بلاغي اساسه المنهجية الفكرية وهذا المحور هو الذي اوجد الاصالة في شعره وابقاه الى الوقت الحاضر ينبض بالحياة من خلال الدخول في المسالك والممالك الروحية والفكرية وهو الجديد دائما في الصورة الشعرية.وكان المتنبي في الكوفة الى العام 317ثم توجه الى بادية الجزيرة التي تفضي الى نجد تسمى بادية السماوة فالتقى القبائل واخذ بالتنقل بين العام 319الى اوائل 320دخل المتنبي بغداد ليرى العجب من الاحداث السياسية وشغب الجند على الخلفاء وظهور الموالي من العجم والديلم-والترك على مواليهم اضافة الى الامراء والخلفاء وتصرفهم في شؤون الدولة وتصريفهم سياستها التي انبنت على الشهوات -والمنازعات لهذه الاهواء وهم لا يرتدعون ولايرعوون وتوقف ابي الطيب مذهولا وعف ابي الطيب عن المدح لاحد من هؤلاء وانف ان يتكسب بشعره ورضى بحاله الفقير وبدأ يغلي فعج صدره بأللهب ففي العام[320]قرر الخروج من الكوفة رغم معارضته جدته له فكانت تخاف عليه من هذه الانقباضات السيكولوجية قد يصاب من وراءها بمرض.وهذه الابيات هي آخر ما قاله ابي الطيب وهو بالكوفة ولعله كان خطابا موجها الى جدته حيث قال:
محبــي قيامـــي ما لذلكم النصَّل بريئاً من الجرحى سليما من القتـل
أرى من فرندى قطعــة فرنـــده وجودة ضرب الهام في جودة الصقل
وخضرة ثوب العيش في الخضرة التي أرتك احمرار الموت في مدرج النمل
أمط عنك تشبيهـي بمــا وكأنــه فمــا أحــد فـوقي ولا احد مثلي
وذرنــى وإيـــاه وطرفي وذابلي نكن واحدا يلقى الورى وأنظرن فعلي
****************
[محبي قيامي]وما يعنيه في هذا من ثورة وظهور وخروج ، والنصوص الشعرية تعطينا صورة لثورة الصبا والغرور المستحكم في شخصية المتنبي المتقدة عزيمة وهي دلالة بلاغية على خفاء هذه العزيمة-129*المضمرة في النص ودلالة الاباء كذلك الادراك لما يحدث من أمر وما يلوح في الافق من تشاكيل وهذا الاحتباس السيكولوجي الذي ينفثه المتنبي في ثنايا هذه النصوص هو احتباس الوعي ومكوناته بالخروج عن المألوف الساكن الجامد المتخلق وعكس هذا هو التمرد-والموت المتداخل بهذه الحياة[ارتك احمرار الموت في مدرج النمل فما أحد فوقي ولا أحد مثلي]بهذه اللسعات الواعية والحصار المستديم تشكلت الصورة من هذا الاضطراب السيكولوجي.فكان الخروج الى المنافى لخلق النشاط التوليدي للروح واعادتها الى مصدرها الاصلي وهي الحرية وكينونتها لانها اصبحت مقيدة بهذه الامصار-فكانت اللغة هي البنية والصورة هي الايقاع والاسطورة والرمز الفكري هو المعطي الشفاف والوصي على الخرق ، ومن وراءه المادة المنشطة للشرايين وهي الحرية التجريبية باتجاه المحاولات الدقيقة لادراك المغزى من هذا التمثيل الفكري داخل الصورة الشعرية لانه تمثيل حاد ومبدع لانه يحاكي الحياة من وراء هذا الغشاء الحديدي الشفاف والنصوص الشعرية تمثل الاغتراب داخل المنجز الشعري ومعطياته الثقافية بوصفه يعيش الحرقة والغربة يبتكر نسق آخر للرؤية ، وطرق تعبيرية بين اللغة
ـــــــــــــــــ
129*انظر:جاكوب كورك..اللغة في الادب الحديث-الحداثة والتجريب دار المأمون ص228
وانظمة القيم وهكذا فالنص عند المتنبي يخرج من مجاهيل غريبة الاطوار والاحكام فيستلزم القراءة الدقيقة بوصفه مرجعا مهما يعبر عن اطار ذاتي-موضوعي وقراءته قراءة بآفاق متسامية الخاصيات ، في نصوص المتنبي هناك صورة شعرية ودلالات ومعاني اضفتها التجريبية من حركة الاشياء والمسميات واللغة التي تقدمته لغة كشف بالخروج لهذه الاشياء ومعبرة عن ماضيها الغامض لهذا المعترك الاجتماعي وطريقة التعبير عنه ومداخلات الصورة الشعرية ومداخلات هذا التصور في تجديد الاشياء وتجديد هذه اللغة وهي تنشئ علاقات وتحدد هوية لتحديد الماهيات ، والمتنبي لا ينتهي بهذه الاشكالية بل يبحث عن الافصاح داخل خواص هذا العالم الغريب عبر الصورة الشعرية.ويستقصي النص الشعري وصورته الحركة التي تؤكد مسار التواصل التي تحركه اللغة والاشياء ابتداء بالكشف الغامض عن هذه العلاقات وما تنتهي اليه الصورة الشعرية.
يقول المتنبي:
دعوتك لمّا براني البلاءُ وأوهنَ رجليَّ ثقل الحديد
وقد كان مشيهما في النِّعال فقد صار مشيُهما في القيود
وكنتُ من الناس في مَْحفل فَهَا أنا في مَحْفلٍ من قُرُودِ
فلا تسْمَعَنَّ من الكاشحين ولا تعبانَّ[بعجل اليهود]
وكُنْ فارِقاً بين دَعْوى[أردتَ] ودَعْوى[فعْلتَ]بشأوٍ بَعيدِ
في نصوص المتنبي الشعرية ارهاصات ذاتية شديدة الأسى وهي تمثل تمسكا بالموقف الفكري وجذريته في حركته اليومية والتشبيه والاستعارة المتداخلة في هذه الابيات وهي اجوبة يتأسس عليها الحدث المجهول وتغايراته التي تأسست على التواصل مع هذا المجهول وعلاقته المترابطة في هذه الصورة التي تقوم على خلخلة النص وفق نظام من الرؤية الاختلافية لتجسد انعطافة فكرية داخل هذا المعترك الثقافي.فالتجريبية عند المتنبي قامت على العمود الفكري وافقية الحدث السياسي وتطابقاته المتناقضة وذهنيته التي تمثل منطق الحقيقة ، اما البواطن الخفية للنصوص، فهناك يقظة تمثيلية للحدس الفعلي في اشراقة الرؤية حيث الارتباط المعرفي بالاسطورة[بعجل اليهود]هذا التغاير يتكامل بتعدد الاصوات الخفية في النص والتي بدأت بالذات والآخر وعرجت على الجانب [الابستمي والجانب السسيولوجي]وهو الايقاع الخفي في هذه الشخصية الاسطورية في اللغة ، فهو ينتهي بحركية في خواص الحواس ثم الانتقال الى الفعل ، ويصبح المتنبي كيان اسطوري في الحياة وحقيقة متسامية.ويتضح المشكل[الذاتي-موضوعي]عند ابي الطيب هو مشكل الذات بالآخر وهو سيف الدولة داخل مقولة العلاقة بالآخر كما هو مبين في هذه الابيات:
وتعذر الاصرار صير ظهرها إلااليك على ظهر حرام
[أنت الغريبة]في زمان أهله ولدت مكارمهم لغير تمام
اكثرت من بذل النوال ، ولم تزل علما على الإفضال والإنعام
صغرت كل كبيرة ، وكبرت عن لكأنه ، وعددت سن غلام
ورفلت في حلل الثناء ، وإنما عدم الثناء نهاية الإعدام
عيب عليك ترى بسيف في الوغى ما يصنع الصمصام بالصمصام؟
إن كان مثلك كان أو هو كائن فبرئت حينئذ من الاسلام
**************
كان ابي الطيب قد لقي سيف الدولة وكان الاتصال بينهما على الود والحب في هذه النصوص يتضح ان سيف الدولة وقد كان مقاربا في سنه من سن المتنبي حيث الفضل والكرم من قبل سيف الدولة وقد أحب ابي الطيب والغريب في الامر ان هذه القصيدة هي اول قصائده يدلل فيها عن حبه لسيف الدولة بعد أتصاله به في العام "337" (130) في القصيدة اشكالية ذاتية تظهرها الصورة الشعرية حيث العلاقة بسف الدولة هذه العلاقة يكتنفها الوعي والاحترام ومعرفة الاخر عبر هذه القنوات باعتبارها طاقة خلاقة في الصورة وايحاء ينقل فعل الحدث الى مستوى وجودي تبرزه الصورة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(130) أنظر : محمود محمد شاكر في كتابه المتنبي ص217
الشعرية بعد ان ينصهر فيه الاحتفاء والرؤية المشرقة ، لتتحقق المعاني على المستويات كافة من أخلاقية وسياسية وفكرية ، هذه العلاقة على مستوى الوعي التطوري تظهره الصورة بأعتباره افقا تتأسس عليه التجربة الثقافية التي تضيء معنى هذه العلاقة . ويبدو ان المتنبي بتشاكيل هذه الصور يرفع مستوى هذا الحشد ولكن بنبضات شعورية تتفجر وفق وظيفة عقلانية مهمتها الاساسية هي الكشف عن اعماق هذه التراث والتغيرات المفاجئة التي تحدث من فيض الثناء والحلم الى سيف الدولة في لحظة يتماسك بها الموت بلحظة القبض على مداخلات الحياة واستمرارها . وما يعنينا من هذا الايضاح هو افتراض وجود حالة من الاستجابات للقصيدة ، وما معروف من الناحية السيكولوجية . ان النصوص عند المتنبي تتحدث عن عاطفة جياشة تحرك خلاصاته الجمالية في القصيدة ويستطيع الاحساس العاطفي ان ينتاب الشاعر في حالة الوعي الذاتي بخطوات متوازنة عند الاحداث والاعمال المبرزه التي جاء بها "يونغ" و ريتشاردز" بخصوص التحليل للصورة الشعرية والاستجابة لهذه النصوص والذي نطرحه الان من مداخلات هو الحذر من المساواة بين القصيدة والعناصر السيكولوجية التي يفرزها كل متلقي وفق حالات متفردة . والملاحظة التي نشهدها في هذه الصور الشعرية للمتنبي هي صور تعبر عن موقف فكري يرافقه خط عاطفي انساني بسياقاته ومشحون بالاحساس والعاطفة الشعرية . فهذه تنساب نحو القارئ وفق خلاصات سيكولوجية خاصة عندما يرى المتنبي ، ان الكوفه بدأت تزداد ظلاما وانه حان وقت الرحيل ، وهي شبيه بالموقف بصورته الطردية في الشعر من العلاقة التي جمعته بسيف الدولة من الناحية السسيولوجية "كحبه لخولة أخت سيف الدولة" أومن مواقفه الاخلاقية وعلاقته بصدق مع سيف الدولة رغم الاختلاف في المناهج السياسية بين الاثنيين والمتنبي لم يمدح احد من الخلفاء وابنائهم في العراق ولا احد من كبار العراقيين سواء من الامراء او من الخلفاء فقط بني حمدان وحدهم وذلك لان بني حمدان كانوا يصلون جدته في حال نكبتها جزاء لهذا الموقف المشرف من الحمدانيين ذكر المتنبي ابوي سيف الدولة وأخوته في قوله :
صلى الاله عليك موّدعٌ وسقى ثرى أبواك صوب عمام
قومٌ تفرست المنايا فيكم فرأت لكم في الحرب صبر كرام
تالله ما علم أمرء لولاكم كيف السخاء وكيف ضرب الهام
في هذه القصيدة كانت المادة الرئيسية الملموسة هي فخامة الشكل المضمر في النص وهي الصورة الشعرية التي توضحت في شخصية المتنبي اثيرة الطموح حيث التوافق مع سبق الدولة في السن والفتوة والصورة شكلت المعنى كذلك في الشكل والموهبة الشعرية وفقط الشد في الصورة والجهد وسمة الكمال في هذا الشعر والتجانس الغريب الذي جمعهما ، الا ان المتنبي كانت تجيش في شخصية حقيقية الوقت والثورة اللذان لايفترقان واصبحا شغلة – الشاغل ولذلك فارقه ، وضرج من ديار بني حمدان ومن الوان سبق الدولة الى الشام ، وهناك بدات الحوادث تدفى عليه حتى رمت به المقادير في السجن ، وكان المتنبي قبل هذا الوقت معروفا بقصائده قبل دخوله الى الشام ، وكانوا جواسيس العباسيين وشلل العلويين الذين عرفوه وظلموه اضافة الى مراقبته العلويين الفاطميين وقد راجت دعوة الفاطميين الى حزب العباسيين والقضاء على الدولة العباسييه واقامة دوله العلويين الفاطميه والذي امسك هذه الخريطه الاعلاميه عن المتنبي فيما قاله من شخص قبل التقائه سبق الدوله في العام 321 وكان في طريقة الى العراق / قال شعرا القضهم اليه لكن الذي جال دون ذلك هو ابا سعيد المجمري لقاء الملوك امتداحهم حيث قال : اباسعيد جنب العتابا * فروب راي – اخطا الصوابا
فانّهم قد اكثروا الحجابا * واستوقفوا لردنا البوابا
وان حد الصارم القرضابا * والذابلات السمر والعرابا
ترفع فيما بيننا الحجابا 131*
ـــــــــــــــــــــ
131* المصدر السابق نفسه ص 219
وقد شكل اصطلاح الوقت الثورة في انسكلوبيديا المتنبي الشعرية منظومة متطورة للعقل الحر وان كل جملة فلسفية في هذا المنظور الفكري تعد انتصارا للتخلص
من الغرابة في هذا الزمن الافليج ، ان عبارة الوقت والثورة او عبارة العقل الحر عند ابي الطيب لايمكن فهمها الا وفق هذا المقياس في استعادة الذات لتملكها ، والمتنبي احدث تغيرا بمنهجية المفاهيم الفكريه في تلك الفترة ليس على مستوى الصورة الشعرية واللغة بل على مستوى الايديولوجيا ، فكان المتنبي حاد الذكاء ورصين المنظومة الشعرية ، قاسيا وساخرا وصاحب رفعة ذهنية وذوق نبيل ، فكانت الثورة هي هاجسه وهي العلاج لعناد ذلك العصر ودسائسه الغربية والعجيبة والدسائس المضمرة والثورات السرية التي تنفجر بين اونة واخرى ، وتاريخ تلك الفترة على اثر دخوله العراق حيث لقي الكيد – والحقد بسبب اعتناقه فلسفة (الوقت والثورة ) باعتبارها هي الحل للمشكلات القائمة . يقول المتنبي :
رماني خساس الناس من صائب استه واخر قطن من يديه الخبــادل
ومن جاهل بي ، وهو يجهل جهله واني على ظهر السماكين راجل
ويتفجرالمتنبي فكريا في هذه الصور ويخرج لغته ليحررها من الوظيفة الرسمية والعقلانية ، وكان يعني مايقول في هذا التفجير الذاتي – الموضوعي والكشف عن اعماق هذه الذات الثورية واسرار وجودها بفيض من التفجير والتغيير والتوترات بحيث تكون هذه الفترة الشعرية مليئة بالفيض والتوق الى حالة الثورة ،هذا الحوار الذاتي هو في الوقت نفسه حوارا موضوعيا لكائن تجرع المر من هؤلاء الجهلاء ، هذا الحوارالذاتي الاكثر قدرة على كشف حالات الذات للاخر وهي بحاجة الى هذا البعد الثوري ، فالمتنبي يعيد خلق وحدة الكون بالوقت والثورة وحالة النشور عنده هو الجذر والاستيقاظ والنشوة والصحوة الابدية وهي مأخوذة بهذه الصيرورة الشعرية الثورية للعالم ، وتتيح هذه النصوص الشعرية الكشف عن القدرة الذاتية للفعل وحاجة هذا البعد لكي يتماثل ويتفرد في تشكيل هذا الوعي ، والمتنبي يعيد خلق وحدة سسيولوجية ليعطيها الحياة والنشوة ولكن النشوة والصحوة التي تبشر بصيرورة (المجد والعلى ) كما يسميه هذا المجد الذي ينطلق من (الوقت والثورة ) يقول المتنبي:
تحقّر عندي هِّمتـي كُلَّ مطْلــبٍ ويقْصرُ في عيني المدى المتطاولُ
ومازلتُ طوداً لاتزول مناكبــي إِلى ان بـدت ( للضَّيمْ فيَّ زَلازلُ )
ومن يَبْع ماابغْي من المجد والعُلى تســاقَ المحايتـي عِندْهُ والمقاتلُ
الا ليست الحاجـاتُ الا نفوسكُـم ْ وليــس لنــا إِلاّ السُّيوفُ وسائلُ
فاللغة عند ابي الطيب من خلال ايقاع الصورة الشعرية تصف لنا المأساة الذاتية ، ثم توصلنا الى الهاويه التي لايتم فيها الخلاص الا بالثورة 0 فالضيم والقهر هو الذي يرفقق الى الثوره ، وهذه الرؤيه هي حلقة التمرد والانفجار 0 فالصورة الشعرية وتضع ما هية الوجود والجوهرفي اكتشاف صيرورة وعن الثورة بالانفجار 0 والصورة الشعرية تقدم لنا ادراكا ضمينا بان الثورة اتية وان الجوهر الحقيقي بهذا الانعكاس للحياة يأتي عن طريق الصورة الشعرية التي تعكس صنفهم الخلق للوقت والثورة في عالم جديد . عالم نوعي ينطوي على قيم جيدة وضرورية في صورة شعرية تتحدث عن معنى الحياة وقيمة التمرد والثورة التي تجدد الحياة . فالمتنبي يحاكي الحياة الجديدة بالثورة وبهذا المعنى يتم يتم تحريك معادلة الابداع لخلق اشكالية متعددة الوجوه داخل هذا المبنى في الرؤية الشعرية . واللمتنبي يحرص على عملية التطور من خلال منح المجال امام الصورة الشعرية لكي تعبر عن مكنونات هذه النزعة الحياتية المتطورة بخاصة عمق الوقت والثورة وعمق الصورة الشعرية التي تفور جذورها في نسيج وعمق الحدث الشعري ، وتبدو وكأنها تمتلك الارادة على المراقبة والسيطرة من خلال تفاصيل المنحنى الشعري وتفاصيل الصياغة قي الحدث الذي يتركب وخاصية ومعنى الصورة الشعرية .
"اختلافية المعنى في الصورة الشعرية"
فيما يتعلق باختلافية المعنى في فلسفة الصورة الشعرية عند ابي الطيب المتنبي هو مايتعلق بدرجة الباعث الفكري ومتعة التصور وهو الموضوع الذي – وضعنا في ( سيميائية جمالية ابداعية ) واستمرارية في القراءة والبناء وسط مشهد من التصورات الذاتية والموضوعية بتعبيرات المنظومة الشعرية التي تنتمي في مشاهدها وانماطها الى قراءات فلسفية وعلميةمختلفة والى دلالات متغايرة بطريقة الابنية النصية . من هنا تكمن المفارقة الغريبة بالتنوع النصي والابتعاد بل واقصاء عملية الموازنة التي تشكلت بالتماثل بالصورة الشعرية حيث جاءت المقومات الدلالية اختلافية بالايحاء والنزوع المستمر الى التمرد والثورة باعتبار ان الصورة الشعرية .
في فلسفة المتنبي هي صورة لتحقيق المعنى والانفتاح على الكم من الاختلافات والمجازات ، واصبح النص الشعري وصورته استثنائيا لانهما الاكثر ميلا للاستنطاق طالما بقي المتنبي يضع النص بمعترك الثورة لانه ليستهويه التهويم والتأجيج . فالمتنبي يستنطق النص الشعري ليضعه بحالة التغاير والجدلية المستمرة حتى ايقظت هواجسهم النقدية المضادة من خلال المماحكات القولية والرهان على مفردات غريبة الطباع في شعره راهنوا علىعملية التفكيك من الناحية النقدية للوصول الى نتائج وافكار كانت قد صيغت مسبقا وفق ماتمليه الظروف السياسية من اهواء اكدت على موضوعة الذات عند ابي الطيب(passions) وعلاقتها بالتطورات الموضوعية باشكالية الغريب في اللفظ والمعنى وكان لهذه المعرفية في فلسفة المتنبي للصورة الشعرية ، هو الغوص في فضاءات النص لاحداث نقلة نوعية تحديثية قائمة على حركة البنية الابستيمية والحدث التصويري والمفارق بخلاصات العملية الجوهرية والتجذيرية التي اضفت الى ابي الطيب الطابع الفكري والايدلوجي المضمر بجذرية النص الشعري واثارة الابستمية التي يستوجبها الوعي البنيوي من اوسع قراءاته اعتمادا على تصورات التمركز بصياغة الكتابة الاختلافية او تخارجات الكشف الموضعي للنص رغم اقصاء الذي له من قبل النقاد الحاقدين امثال ( الحاتمي – والصاحب بن عباد ) وبقي النص الشعري عصي لعمقه في العمليات الاسترجاعية في تشكيل المعاني المضمرة التي تغيبت على ايدي النقاد ، ولكن تاريخية النص الشعري وصورته بقيتا هما السبيل الابستمولوجي الى تجاوز الحركات التاريخية التي عملت وتعمل على تاخير العملية التفكيرية للشعر وهي تكتب على ايدي المتخلفين من خدم البلاطات والتابعين لهم .
نقول ان النص الشعري وصورته المتركبة عند المتنبي بقيت قريبة من ذات الثورة ووقتها المرتبطان بالوعي الفلسفي الذي يتحرك من خلال النسق المضمر بالنص وهو خارج السور الذاتي ولكن الوهم الذي اطلقه بعض المدعين بان المتنبي يبعث على التشكيك في نصوصه الشعرية المختلفة هؤلاء المدعين مارسوا تعارفا سطحيا للنص دون الغوص في ثناياه وتركييباته لكنهم بقوااسيري هذا الواقع السطحي الهلامي دون الغور في جذور الوعي الفلسفي لهذا النص وصورته ، حيث كانت تتستر قراءاتهم بعملية التلمس للاحداث دون المعاينة والرصانة في وعي الدراسة العلمية الدقيقة، وقد تلمس هؤلاء العكس بالقراءة وبقي الحصاد الابستمي بمستوى التعريق الاختلافي وبقوا يلوكون المزاجية المتركبة بايحاءات النصوص وتداعيات الالفاظ الساقطة اصلا من النصوص والمؤثر بها سلفا ، وكان النص الشعري هو لحظة متقدمة وانخراط في التشكيل الدلالي وماتحدده المواضيع من استهلال يختص بها النص باختيار الملاحظة وباعتماد نقاط التشبث وتوسيع رقعة الدوائر وفق منظور علمي يشترك فيه الاجراء التقني لهندسة النص الشعري حيث يبدأ المتنبي من نقطة الكشف للمحاور والتقصي لكن الافتراضات التي تحيط (بالزمكان) والعمق +الارتحال الفضائي في النص والدرجة الممكنة لصياغات التفكير وماتقع عليه النتيجة المفترضة لهذا الوعي ، فالمتنبي شكل ارتحالا مبكرا في الامكان النصي رغم مامطروح من اشكاليات ومكاشفات للمعاني والتجاوز المستمر لالية الدفع الساكنة والمتأثرة بلعبة المقايسه والمماثلة بالقراءات المسطحة للنصوص الشعرية – وصورتها الملتبسة على النقد التشكيلي ، هذا الموضوع ينقلنا الى التحليل المنطقي للنص الذي يتحمل الصيغة الاولى للفكرة البسيطة والثانية هي الصيغة للفكرة العادية النسبية اما في مرحلته الثالثة الوحيدة لعملية التركيب التي تشكل الوحدة المباشرة لاكثر من فكرتين والتي لايمكن اختزالها الى صيغتين او زوجين التي تضمنت الفكرة الرئيسية المعبر(une paire depaires) عنها ، فالقياسات تنطلق من هنا اي من محاور ثلاثة للنص وكما يلي :
1- المحور الابستمي ثم حلقة المعنى او البحث عن القوانين النقدية ثم تاتي الصياغات الخاصة بالتركيبات البلاغية وكذلك المنطق ينطلق من ثلاثة فروع .
2- النحو النظري – او النحو الخالص وهو (السيموطيقيا ) بالمعنى الحصري الدقيق.
3- المعنى النقدي
4- والميتودوتيقا وماتعنيه البلاغة الخالصة والتي تؤكد هذا التقابل بالابعاد الثلاثة للعلامة .
***********
1- ابعاد الممثل (representamen)
2– والموضوع: (lobget)
3- المؤول (Linterpretant) وهنا تشتبك العلامة ودلالاتها عند (يبرس )رغم الاختلاف النظري لان (بيرس) لم يؤكد هذا الاستعمال سوى الافكار الاستنتاجية الجديدة التي تعبر عن مباحث جديدة كما هو الحال بالنسبة الى بحوثه الخاصة . لانريد ان نطيل في هذا الموضوع نقول ان الذين درسوا نصوص المتنبي الشعرية وهاجموه لم يستندوا الى حقائق علمية سليمة وجامعه بل اخذوا حقيقة الامر بحالته الخاصه والمجتزأه دون الامعان في تفاصيل المبحث النقدي للنص الشعري ولذلك جاءت كل بحوثهم غير موفقه لانها خالية من العلمية والمنطقية (123) : يقول ابي الطيب في مدحه عضد الدولة ، ويذكر وقعة (( وهشو ذان بن محمد الكردي)) بالطرم وكان والده ركن الدولة انقذ اليه جيشا من الري فهزمه واخذ بلده
إِثْلثْ فَإِنّا أَيهُّـــا الطَّلَلُ نْبكي وَترْزمُ تحتنا الإبـِلُ
أَوْ لاَ فلا عتْبَ علـي طللِ إِنَّ الطُّلـُولَ لِمثلْنــا فُعُلُ
لوْ كنْتَ تنطقُ قُلْتَ معتذراً بي غيرُ مابك أَيُّها الرَّجـلُ
أَبكاكَ أَنَّكَ بعْضُ من شغُفوا لمْ أَبكِ أَني بعضُ مَـن قتلوا
أَنَّ الذْينَ اقمـت واحتملُـوا أَيامُهـُـمْ لديارهـــمْ دُولُ
الحسنُ يرحلُ كُلمَّا رحلـوا مَعُهمُ وينزلُ حيثُمـــا نزلُوا
ـــــــــــــــ
(123) انظر جيرار دولودال السيميائية او نظرية العلامات دار الحوار ، دمشق ،ص24
ان التشكيل الذي ظهر في هذه الصورة الشعرية المتركبة من الرجلين وثلثاهما الطلل فيقول ( اثلث) اي كن ثالثا فهو خطاب ودعوة الطلل للاشتراك بالبكاء .فالصورة تركبت من ثلاثة (( فانا نبكي والابل تبكي وانك الثالث ايها الطلل في البكاء على فقد الاحبة )).
فالصورة الشعرية في ظل الطلل صورة حسية تشد محور المحسوس. وهنا ياتي التامل الذاتي في الصورة عند المتنبي من خلال الصياغة للنص وكذلك الانطباع الذي يتم تولده من خلال اشتراك الطلل وهنا يصبح النص الشعري نصا تجريديا يشترك فيه العقل والجانب السيكيولوجي وياتي من اصرة كبيرة للشاعر والصورة الشعرية هي عملية انعكاس لحركة الواقع المسبوقة بالتسمية للاشياء . وان لخلق الواقع الموضوعي في صورة تؤكد فصاحة المعنى في ضوء الجمالية وصورتها المتمثلة بالحدس وصيغ التعبير المتعددة ، فكانت الصورة الشعرية في هذه الابيات هي فرصه لنقل افاق متنوعة الى عالم من الحس وذلك لتطوير مواقف جديدة في اللغة والصورة . وهكذا الحال في الرمزية الفرنسية التي اعتبرت الاشياء اكثر مصنفات البلاغة وحتى من قدرة الافكار ان الاحداس الاولية هي التي تظهر المجازية كمحور اولي كمايقول البحتري :
أطلبا ثالثا سوى فأني رابع العيس والدجى والبيد
وفي هذه يقول التهامي :
بكيت فحنت ناقتي فاجابها صهيل جوادي حين لاحت ديارها
باعتبارها الحركة والسيرورة( Semiosis) ( Semse )
ويتم الاشتراك بثلاثة عناصر هي :
1- هي العلاقة التي تمثلت بالعاشق وهي الممثل .
2- والعلامة الموضوع والتي تمثلت بالابل.
3- والعلامة المؤول وهي الطلل .
وتصبح المعادلة كما يلي :
العلامة تعني العاشق + العلامة الموضوع وتعني الابل والعلامة المؤول وهو
الطلل= العلامة + العلامة + العلامه
ــــ ــــ ــــ
العاشق الموضوع المؤول
والسيموطيقا
semiotic- semiotigue
وهي النظرية الضرورية او التشكيلية للعلامات وهي ليست كمنطق بيرس.
والعلاقة الثلاثية بين علامات فرعيهsign -signe والعلامة
والابعاد الثلاثةهي : الممثل والموضوع – والمؤول ـ والمؤول الثالث باعتباره العنصرالفعال في العلاقة بين الممثل الاول + الموضوع الثاني ـ والمؤول الثالث: العاشق
(1) العاشق
حنين الابل (2) (3) المركب الثلاثي"الطلل"
وهذه الشروط التقابلية الثلاثة مرتسم النصوص الشعرية لابي الطيب المتنبي والمتكون من :
ثلاثي البكاء ويتكون من العاشق + الابل + الطلل . ومن هذه نلاحظ ان المتنبي تبنى الموقف السيكولوجي في التشكيل اللغوي كما هو الحال عند ((سوسير )) وكذلك تمكن من تحديد موقفه السيكولوجي في تشكيل النص الشعري ، ويظهر هذا في النصوص الشعرية للمتنبي ،اي ان المتنبي قد لابس في موقفه ببناء اللغة من الناصة النصة عما هو في نمطية (( بيرس السيميو لوجية )) وبيرس قد وضح الامر عبر الجسم المتحرك وليس الحركة في المنظومة الجسمية اي ان وقائعنا في افكارنا وليس الافكار التي فينا ـ و (بيرس ) ينكر الاستعانة
بالسيكو لوجيا عند سوسير ولكن، المتنبي كان قد لابس بين تلك النظريتين قبل اكتشافهما من سيكو لوجية سوسير اللغوية وسيميوطيقية ( بيرس ) ومذهبه الذرائعي. وسوسيرعالم لغة وليس منظر باللغة في حين ان السيمولوجيا لاتاتي الا بعد سياق عام للعلامات اللغوية كذلك لم ـ تستأ ثربه ( السميو لوجيا السوسيريه ) : انت تدخل في اقيسة ترابطية عند ابي الطيب في بناء النص الشعري ، وان العلامة اللغوية كما يقول (( مونان )) بين المفهوم العام لهذه الحالات والصورة الصوتية ، اي هنا الربط الجدلي بين اللغة + الفكر لان اللغة في المفهوم السوسيري هي ظاهرة اجتماعية حسب نظرية ((اميل دوركايم وان بيرس يلتزم بالنظرية السلوكية التي دافع عنها والتي بنى عليها نظريته للعلامات)) تعود الى نظرية المتنبي الشعريةـ فيركب صورته السيكولوجية حسب سوسير في خطابة الى الطلل فيقول له (( اثلث )) أي كن ثالثا ايها الطلل بالبكاء لاني ابكي والإبل تبكي وانت مدعو الى البكاء لفقد الاحبه وهذه الصوره السلوكية عند بيرس وعلاقتها بالحس وهي تشد التأمل الذاتي بحلقته الاجتماعية فهي صورة مجازية الانطباع ـ حدسي حقيقي ، والذي يتم تولده باشتراك الطلل تجريديا ، وهنا يشترك الجانب السيكولوجي عند سوسير + الجانب السلوكي عند بيرس + الصورة الصوتية + التشكيل المتلابس عند المتنبي فتكون المعادلة كما يلي : التلابس السيكولوجي في نظرية سوسير + التلابس السلوكي عند بيرس + التشكيل المتلابس عند الاثنين يعطينا اشكالية التلابس عند ابي الطيب
المتنبي والصورة الصوتية التي تشكل الاطار الموضوعي للتشكيلات الثلاث:
-أ- أشكالية التلابس عند "المتنبي"
د
الصورة
الصوتية
-ب- -ج-
الاشكالية السيكولوجية عند"سوسير" الاشكالية السلوكية عند "بيرس"
وتكون المعادلة كما يلي : بان أ = ب + ج + الصورة في( د) وهي المعالة التركيبية الجديدة في الصورة الشعرية وهي الفكرة الواحدة في الصورة الصوتية التي تجمع النظريات الثلاث :1ـ نظرية التلابس عند (المتنبي )والنظرية السيكولوجية عند (سوسير) والنظرية السلوكية عند (بيرس 0) وقد كان (بيرس) يضع حلقة التطور امام عينية( بالمعنى المخبري او المعنى العقلي) والذي يصبح الاختيار هو الحل كما في الفيزياء ـ والرياضيات ، وقد عكف على الدرس العلمي وترك الطريقة الاستبطانية لحالات الوعي ، وتساءل (بيرس) : ما هي العلامة ؟ فكان رفض بيرس للسيكولوجيا عند سوسير هو الذي دفعه الى التطور السسيولوجي وربطه بالسيميوطيقا كما ارتبطت الذرائعية ـ بالنقد الديكارتي ، وقد رفض بيرس ( فاعل الخطاب ،
) ، وقد دافع بيرس عن الطبيعة السسيولوجية للعلامةLe sujetdu discours)
كما دافع ابي الطيب عن فعل عن هذه الطبيعة كما في الابيات الشعرية الواردة والتي مرت قبل قليل وهو ليس كما يفعل ـ سوسير بمعارضه التشكيل اللغوي بل باقصاء الخطاب، فالانا عنده هي حالة اجتماعية ترجع الى سيميوطيقا المتنبي وهي مرتبطة بنظرية بيرس حول تشكيل العلامات باعتبارها نظرية جمعية ملتزمة بالدلالة السياسية وهذا المحور الجمعي بالتزامه للعلامة يرجع الى سيموطيقيا بيرس 133* .
ــــــــــــــــــــــ
133 ـ المصدر السابق نفسه ص47
المفهوم النظري "للوقت والثورة في فكرالمتنبي "
وتنقسم الى منحيين بخلاصات للتأثير والتأثر . هناك تأسيس نظري يتمحور في الممارسة الفكرية لابي الطيب المتنبي ويتصل هذا المنحى الفكري بمفهوم الزمن الشعري المتطور الذي يصب في أستنطاق استرجاعي يتلابس بالخواص الفكرية الحديثة ويتطور بها ، هذا التحديث لا يفارق الوعي الفكري للشاعر بل يجعله في وضع دائم المراجعة والحلقة الثانية في هذا المنحى ، فهو يتصل "بالوقت والثورة" ليسقط الاختلافية الزمنية بعملية الانقطاع كما يحلو للبعض ان يتهمه بها ، فالحداثة وما وراء الحداثة هي الصفة الغالبة في التشكيل الشعري للمتنبي، ثم يتلابس بهذه الزمنية وصفاتها الغالبة بحال من يخص المتنبي حتى في حالة المضايقة له ، ولكن النظرية مستمرة في الاختيار الذي يظل هو المقدمة والمدار المفتوح للمفاهيم المنطقية والعقلية والمتعلقة بالارادة والمقدرة الفعلية للوصول الى الحقيقة عندما تكون الارادة هي في الرفض للغريب والقدرة الخلاقة في التحول بهذا الشأن وعملية التفاعل بخلاصة الصفات في اطار مفهوم "الزمكان" المتجسد في "الوقت والثورة " رغم المدار المغلق الذي يدور حوله هذا الزمن ،وهذا الوجه الاخر للعملية الاستبطانية يرفضه المتنبي ، ومقاومته لهذه الازمنه الرديئة استطاع المضي بطريق البحث عن الثورة وفي أي وقت زمني سواء الذاتي منه اوالموضوعي، اما الاشكالية التراثية بفهم الزمن حسب المنظور الثقافي التطبيقي والتي تضع الزمن في مقدمة الوعي النظري والطموحات المتركبة بحلقاته التصاعدية كما نجد هذا الاستبطان واضحاً في المنحى الفلسفي عند ابي الطيب .
هذا الاستبطان هو الذي صاغ المفهوم الزمني المتصاعد والذي اقترن بحقيقة وعي المتنبي المتقدم والمتطور الذي صنع منه رجلا سياسيا ورجل فكر عبر عن اعتزالية عقلية، حيث أقترن هذا المنحى بملمح متقدم في حركة الفكر العربي والشعري منه حصرا ، هذا الملمح الخلاق الذي كشف عنه المتنبي باقتدار ، فقد اسس من خلاله نظرية فكرية خلاقة كانت اضافة جديدة لاستمرار حضوره الفكري وبلغته الشعرية بعد ان جعل من هذا المفهوم الفكري هوشيء من المقاربة في الزمنية الدائرية ، وهو مفهوم يبدأ بجدلية "الزمنية التأريخية" وحركتها التي لا تتوقف الا لتتركب من جديد وفق معادلة ( الاطروحة +الطباق=التركيب) .
فالمسار الابدي لحركة التاريخ والتي تتطابق في استعادتها للعودة الى التراكيب الجدلية ، فهي التي تعود الى نقطة الابتداء ، وهي التراكيب باكثر من معنى حيث يتم الالزام الفكري بزمنية دائرية تدعم ما اقترن( بالوقت والثورة ) وما يوازيهما اوما يتجسد بهما بعملية التعاقب لفصول (( تاريخ الثورة)) وحركة المجتمعات التي تتمحور داخل هذا المدار عينه .فالزمن والثورة يتاكد بحركة التمثيل الشعري ، ثم يبدا بمفهوم الزمن الدائري - (زمن) لافت بانساقة وسياقاتة حيث يقوم على وقائع ملازمة في عملية التسليم بخواص الزمن مثل: ( حقيقة الثورة ) واقترانها بلحظة وجودية كلحظة الابتداء في عصر يبحث عن الانقاذ والانبعاث باتجاه حركية المكان وافقيا بحركية الثورة ورأسيا باتجاه جدلية التاريخ والعصور التي اتصلت بلحظة الامتداد الافقي ( للوقت والثورة ) وهي تتفرغ للنزوع نحو الجوهر الى الذروة بتشكيل الامتداد المتعاقب ومسار الخط حيث الابتداء بدائرة الثورة الزمنية لتكتمل الدائرة والصورة المتحولة الى الابتداع لانها تعبر عن الثنائية (في الوقت والثورة) لينتهي الصراع بانتصار الابتداع الثوري والعقل التاويلي الذي يضع اسبقية المفاهيم العضوية بين (( الثقافة الابتداعية )) – و(دائرة الالزام الفكري) التي تضع السبب في لزوم يفترض تحقيقه بالثورة وجعل الازمنة الفاتره والمنحدره هي التعريق للمدارالمغلق لانه
الحركة الغائبه داخل الانسان. فالخطيئة الاولى للانسان كانت ببتعاده عن الوقت والثورة ومعناهما ودلالتهما التبشيرية التي لا تفارق حركته التاريخ الذي لا يفارق دلالته التي ارتبطت بالانسان ونتائجه التطابقية وتماثله الابستيمي اتجاه هذه الموازنه في الانحدار الدائري حيث الاستجابة للموازنه بالسبب والنتيجة وبالعلاقة التماثلية . فالتمثيل الزمني في عصور الانحدار غير جدير بالثقة، فكيف يمكن الوثوق به وهو متلبس بالضديه من "الوقت والثورة " ؟ ، ولا علاقة للزمن المنحدر وفاعلية العقل الا بالثورة من منظور الفاعلية الثقافية والقدرة العقلية على التمييز بالاشياء بفروض الحتمية التاريخيه وهي لاتاتي صدفة بل تأتي نتيجة قوة فاعلة في المنظور التاريخي فلا فاعلية في التمثيل الجدي للزمن والوصايا للخصوم في الازمنة المنحدرة ، فالمنزلة المعرفية للنسق العقلي هوفي البحث عن الخلاص من الوعي المتهالك اوالزمن الهابط نحو الدرك الاسفل حتى التراتبية الافقية التي تجمع الناس على الارادة المتعالية ، يجب تمثيلها بالثورة وبدرجات تفوقها العمودية ،فهو الحراك المتمثل بالاعلى دائما ، فلا سبيل الى التجاوزالا بحركة الثورة ، فالاعلى يظل هو (الوقت والثورة ) لاكتسابه المعنى الثقافي والشعري والادنى يظل ادنى بالتراتبية ومحتوم عليه بالانهيار والمقدرة على نقل الوعي الى المطلق هو الذي يضع العقل في مقدمة هذا التمثيل للوعي ، ويبقى الحراك بمستويات الحضور الفعلي لهذه الطباع الممثلة بطباع الثورة وهي الاكثر نزوعا نحو الفاعلية العلمية والثقافية والمتعددة في المجالات والتنوع الامكاني واتساع رقعة وانحسار رقعة الجنوح الهابط والمستكين ، فالتيار العلمي والثقافي هو جزء من فعل الوعي للوقت والثورة وحضور العلم والثقافة من الناحية التكميلية تظل مدارا مغلقا على الخواص التراتبية وتعاليمها الصارمة والتي تضع في المقدمة اصحاب المصلحة الحقيقية بهذا التراتب لان الذي يدعو الى المعرفة والعلم والثقافة هو المتقدم الاعلى وتسقط كل دلالة الحضور المزيف الذي يدعو في مناهجه الى التخلف والى السلف والى كل مجالات العلوم والثقافة والفنون والاداب الى حلقة فيزيقية تنحصر بسياق المعنى اللاهوتي والذي ينطبق على العلم والمعرفة والثقافة وينزل العلم الى الاسبق الفيزيقي والاقرب الى ذهنيتة ووعيه المتخلف بالايعاز العلمي الذي يشع متى قدروا التابعين فيزيقيا حتى ينتهي بالحالة العلمية والثقافية الى حالة من الانحدار الكامل ويغدو السلم المعرفي مرهون بالسلم المعياري الذي يطول بالتكرار لهذا الانحدار وهذه الادلة واضحة في نظرية السبق على مستوى الوجود والمقاييس المتقدمة في ذلك وهي الادلة والدلالة الثبوتية التي تؤكد حالة الوعي العلمي والثقافي الى كل ماسبق واللاحق يظل تابعا لسابقه وهكذا يكون السبق الى الحدود المطلقة والسلف الصالح هو الاكتمالي العلمي والثقافي والمعرفي اما الجديد بهذا المعنى فهو المكرور والمقدر سلفا ومكتوب بالمطلق لانه يتكرر ويختلف من مرحلة تاريخية الى مرحلة تاريخية اخرى ، وتبقى العلوم والمعارف والاداب والفنون هي عملية اتباع لما سبق ويترسخ هذا المنعطف وحسمه بقضية القضاء والقدر، وانت ترى بأم عينيك عملية الانحدار بهذه الرؤية المرجعية المغلقة التي عوقت عملية التقدم والابداع والاستقلال العلمي والثقافي ، وان العلوم يجب ان تأخذ طريقها الى امام اما ما يسمى بالسلف الصالح فكان الاولى بهذه النظريات الفيزيقية ان تنقل الانسان الى مرحلة التطور النسبي فالعلم هو العمق الكبير للمغزى الروحي والديني ، وهذا الانغلاق على العلوم والثقافات والمعارف يزيد من عملية الجمود والتعصب فيتحول الى عملية سياسية قمعية تؤدي في النهاية الى عرقلة التقدم العلمي والثقافي ما يعنينا من كل ذلك هو ما حققه ابي الطيب من رؤية متقدمة في مجال التراتبية المعرفية فهو الذي سبق الوعي الزمني للسلف وذلك برفضه كل حالة الرتابة والجمود التي لا تحقق للانسان اي فعل نحو التقدم فجاء رفضه بالتمرد والثورة على كل القيم المتخلفة معلنا تمسكه بحركة الفكر الحر ورفض مسار الزمن المنحدر الى الهاوية ، هذا الزمن الذي اصبح قيدا صارما على كل العلوم والفنون والثقافات ولذلك ان كل ما انتجه المتنبي من نصوص شعرية تعتبر علامة متقدمة ودليل على حداثة المتنبي الشعرية حيث المتغيرات التي تحدث في الازمنة الصعبة داخليا ، لكنه كان يحسها خارجيا من خلال ترحاله وتطوافه في البلدان المجاورة ومشاركته في الحروب التي قادها سيف الدولة . والمتنبي باشر الحداثة الشعرية وقدمها فكريا بطبق "الوقت والثورة" وعلى هذا الاساس كان تأسيس الوعي الفكري في الشعر الذي سبق الكثير من الشعراء بنقله "الضرورة والحرية" الى مرتكزات الوعي الفكري واستفاد من العلماء والفلاسفة والمبدعين من غير العرب من خلال رحلاته في ارجاء المعمورة .فالمتنبي كان يحمل حسا انسانيا كبيرا وقد تصاعد هذا الحس بحبه لجدته ورجوعه الى الكوفة وحبه "لخولة اخت سيف الدولة حتى ادى به هذا الحب الى ان يفارق سيف الدولة لهذا السبب الانساني وهذا يعني ان تحقيق الطموحات الانسانية لا يتم الا بالتغيير الجذري والثورة ولذلك فقد تنازل المتنبي عن طموحه الشخصي في سبيل الطموح الانساني الكبير وطموحه كان مرهون بمحاربة التخلف في الداخل ومحاربة الخطر الداهم على البلاد العربية والتهديد بالكوارث وكان هذا التصاعد يأتي خوفا من الاحتلال والغزو وقد ارتبط بقضية القلق الذي رافقه طيلة حياته كان يشده هذا القلق الى الامتزاج بقضيته من خلال منطلقة الفكري الانساني وعروبته ونزعته العقلية التجريبية التي تأسس في داخلها التيار المعرفي الثقافي ومفهوم الزمن المنحدر ومفاهيم الانسانية ومعرفة حقيقة المنظور الفكري الذي تلبس المتنبي منذ الصغر، فكانت نظرية ."الوقت والثورة "وهي الخلاصة لهذا الوعي خصوصا ما يتعلق بتهديد الانسان لمرتكزاته ووعية وثقافته العلمية.
"المرتكز الشعري"
ما دام الانحدار الزمني يأخذ مجاله على كل المستويات ومنها المرتكز الشعري وعملية التدني هذه عبر الزمنية التتابعية الممسوخة والفاسدة كانت قد تحولت بل اعادت تركيب ما افسد من العناصر السابقة الجاهزية واتساقها بقضية الاعتقاد والذي سمي المتأخر في تقدمه وهي عملية الاستعاده الهيكلية لايصال النموذج المراد توصيفه او احتذاءه ، فجاءت قضية المرتكز الشعري الجاهلي وهو ابتداء زماني يتعلق بتبرير المرجعية الشعرية من الناحية التأويلية بحيث تجعل الشعر الجاهلي هو العمود الاول في الاعانة على فهم "القرآن الكريم" عند الالتباس الفني وهناك احاديث كانت قد نسبت الى ابن عباس والحديث ما معناه "اذا تعاجم عليكم شيء من القران فأستعينوا بالشعر لان القرآن عربي" وان هذه العودة الى الشعر الجاهلي هي الاستعانه به على الفهم لما اتى في القرآن من غريب وهو العون اللغوي ، وهذا يعني ان عملية انتقال قد حصلت من الاخروي الى الدنيوي واسقاطا للاخروي على الدنيوي وفي هذا قد استمد القداسة المبرر بالاسبق الاخروي وهذا ينطبق كذلك على الشعر الجاهلي ، وكان الخلاف على مبدا هذا القياس في القرآن على الشعر الجاهلي هو ما خالفه طه حسين من ان الحياة الجاهلية نراها متجسدة في القرآن لافي الشعر الجاهلي وهذا الراي المنهجي كان في كتابة (( في الشعر الجاهلي )) في العام 1926 الذي احدث ضجة والذي يقول في الصفحة الثانية من الكتاب ( اريد ان اقول الشك اريد الانقبل شيئا مما قاله القدماء في الادب وتاريخه الا بعد بحث وتشبث ان لم ينتهيا الى اليقين فقد ينتهيان الى الرجحان ) ثم يقول ( ان الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهليه في شيء ، وانما هي منتحله مختلفه بعد ظهور الاسلام فهي اسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم واهواءهم اكثر مما تمثل حياة الجاهليين ) ويقول " وانانستطيع ان نتصوره تصورا واضحا قويا صحيحا ولكن بشرط الا نعتمد على الشعر بل على القرآن الكريم من ناحية التاريخ والاساطير من ناحية اخرى"134
كان طه حسين ينقض كل ما جاء به المذهب الاتباعي حتى لحظة الابتداء في اي مبررلوجود هذه النظرية ويسقط حركية الاخروي على الدنيوي ثم يقوم بتحيطم هذه القداسة المصنوعة فيزيقيا ويستمر هذا الزمن المحوري والمنحدر بانسانه وبقيمه الادبية والشعريه حصرا من لحظة الابتداء هذه الى لحظة الانحدار بمنزلة الحكام والامراء في الجاهلية، يقولون ويامرون فريض كل شيء يقولونه وفيهم الاقتداء والاحتذاء وهي مكانة مرموقة وهي الاقدام في الوصف كما اشار اليها ابن سينا والشعراء كانوا كالانبياء في الامم والشعوب ثم تساموا واصبحوا افضل الخلق في المنزله الاولى ثم الى المنحدر وهذا عين التباين في الحالتين، ثم ناتي الى القياس والمعيار وهو قياس كل لاحق على كل سابق وهذه العملية تخضع لمنحى الراي والموافقة كذلك نتائجها المختلفة، فالقياس على العموم متوجه الى السابق ، فالسابق هو
ــــــــــــــــ
134 ـ انظر : الدكتور طه حسين : في الشعر الجاهلي دار الكتب المصرية 1926 ص7 ص8
المرجعي وهو المعياري الذي يثبت قيمته الموجبه او ينفيها واما المعايير فهي الموازين التي يتم التحديد بموجبها لانها القياس الذي يعيد به اللاحق عملية الانجاز للسابق وبوسائل كثيرة وكان لصيغ البلاغة وقع كبير في هذا الموضوع فتحدث البلغاء
عن:
1- السبر.
2-التقسيم.
3-الفك.
4-السبك.
5-القلب.
6-الكشف.
7-التوليد.
8-المعارضة.
9-المضاعفة.
10-التفصيل.
11-الاضافة.
12-التبديل.
13-التضمين.
14-التفريع.
15-الاتكاء.
16-
128*انظر:ادونيس الصوفية والسريالية دار الساقى ص195
ويقول:
لما وجدت دواء دائي عندها هانت علي[صفات جالينوسا]
بشر[تصور غاية]في آية تنفي الظنون[وتفسد التقييسا]
وهذا منحى اختلافي في منظومة الطب فقوله[بصاف جالينوسا]يريد من هذا المنحى ما يصفه جالينوس للامراض من الدواء وهذه الصورة تعطينا دليلا قاطعا على ان المتنبي كان قارئا ومتابعا لكتب العلم والطب خصوصا.ونحن ما يعنينا من هذا الايضاح ، هو شعور المتنبي بالبداهه العلمية ومركزية الحدث الذي يوصفه بتداخل هذه الالفاظ وموضوعية ، المصدرية بالاقيسه.وهذا دليل تصوري آخر على فكرته الكلية عن الموضوع العلمي والبعيد عن الجزئية اضافة الى انها تعتبر ظاهره مدركة لحالة التصور العلمي وبناءه الداخلي الذي يترتب وفق تعميمية تدل على الخصوبة في الصورة بالاشارة المرجعية الى الفلسفة والعلوم الاخرى وكان لواقع الالم على المتنبي كبير وشديد ، فاستطاع ان ينجو ثم يسمو فوقه حيث احتوائه للألم بالقوة المقدرة الحسية ان يسيطر على هذا الالم وادراك ابي الطيب لمثل هذا الاشكال من داخل معترك هذه الحياة وادراكه للشر الذي سيطر على هذا الكون الكبير وهو الذي جعله يدرك هذا الشر ضمنا في اطار قوة هذه الاشكالية بان من الممكن ان يوجد حالة من الخير تتعادل على اقل تقدير مع حالة الشر بعد ان ذاق الالم والمراره واستطاع أن يمقت الصحوة الميته والرجاء الساذج وان يرى-بصبرة ان الشعر ومرتكزاته يخلق من خلال حالة الالم وليس هذا وحسب بل استطاع ابي الطيب ان يوحد صورته الشعرية بهذا الالم المستديم بهذه الامة وان ما حصل عليه من موروث لهذه الامة كان يستمد منه احواله الشعرية والشعورية.يقول المتنبي:
لم الليالي التي أخنت على جدتي برقة الحال واعذرني ولا تلم
أرى أناسا ومحصولي على غنم وذكر جود ومحصولي على الكلم
ان ظهور التجريبية الخفية في النصوص الشعرية لابي الطيب وهي التي عبرت عن التنظير البلاغي في الصورة الشعرية متقدمة وفي طليعة هذا التقدم حركية المعاني وظهور اللغة الشعرية بتركيبات عقلانية في النص وقد تداخلت شعرية المتنبي وفق قوة تحديث وذاتية وقوة في اللغة وبلاغة بالتشكيلات الصورية وهو المرتسم الدقيق في جدار التحديث اللغوي حيث الالتقاء في التمثيل للادراك الحسي والتعبير عن موضوع حسي تتشكل الصورة الشعرية منه والصورة الشعرية عند المتنبي هي خلاصة للتعامل الفكري مع العالم المادي والصورة[mage]هي الإصطلاح الذي يحدد صفة[المادة وحالة التذكر]لمادتها الرئيسية التي يتعامل معها المنطق الفكري ، وهذا هو الانطباع الابتدائي الذي يداهم مقدمه جهاز العصاب اضافة الى هذا الاشكال نقول ان هذا النشاط الفكري وما يكتنفه من مفارقات ونحن بافتراضنا هذه الصور التي اوجدها المتنبي ، هي تصورات واعتقادات تشمل العالم المادي المهيمن-وهذه حقائق.اما ما موجود من افتراضات نظرية وتنظيرية عن هذه الصورة الشعرية المجازية باعتبار ان العالم الذي ارخه المتنبي هو العالم الذهني الواقعي وان الصورة المتركبة في الادراك الحسي تعتبر عنصرًا متركباً من صفات باطنية استحضرتها الذاكرة لوجود عملية كبت كانت قد مرت بهذا التمثيل الذهني وهي تتكشف بخلاصات دقيقة لهذا الحدس وفق صيغة التعبير لهذا التعدد من الصور الشعرية ومن خلال هذا المنحى يمكن الوصول الى المعارف الحدسية وهي تنقل المعاني عن طريق التركيب العقلي المزدوج لهذه العلاقة والا كيف تستطيع نقل هذا المعنى بصورة فردية مستقلة ؟ وعند هذا الاشكال استطاع المنهج التفكيري عند المتنبي ان ينقل الصورة الشعرية الى آفاق جديدة من خلال المعرفة العلمية وامكانات لغوية متطورة ، وكان ابي الطيب يمنهج الصورة الشعرية وفق منطق بلاغي اساسه المنهجية الفكرية وهذا المحور هو الذي اوجد الاصالة في شعره وابقاه الى الوقت الحاضر ينبض بالحياة من خلال الدخول في المسالك والممالك الروحية والفكرية وهو الجديد دائما في الصورة الشعرية.وكان المتنبي في الكوفة الى العام 317ثم توجه الى بادية الجزيرة التي تفضي الى نجد تسمى بادية السماوة فالتقى القبائل واخذ بالتنقل بين العام 319الى اوائل 320دخل المتنبي بغداد ليرى العجب من الاحداث السياسية وشغب الجند على الخلفاء وظهور الموالي من العجم والديلم-والترك على مواليهم اضافة الى الامراء والخلفاء وتصرفهم في شؤون الدولة وتصريفهم سياستها التي انبنت على الشهوات -والمنازعات لهذه الاهواء وهم لا يرتدعون ولايرعوون وتوقف ابي الطيب مذهولا وعف ابي الطيب عن المدح لاحد من هؤلاء وانف ان يتكسب بشعره ورضى بحاله الفقير وبدأ يغلي فعج صدره بأللهب ففي العام[320]قرر الخروج من الكوفة رغم معارضته جدته له فكانت تخاف عليه من هذه الانقباضات السيكولوجية قد يصاب من وراءها بمرض.وهذه الابيات هي آخر ما قاله ابي الطيب وهو بالكوفة ولعله كان خطابا موجها الى جدته حيث قال:
محبــي قيامـــي ما لذلكم النصَّل بريئاً من الجرحى سليما من القتـل
أرى من فرندى قطعــة فرنـــده وجودة ضرب الهام في جودة الصقل
وخضرة ثوب العيش في الخضرة التي أرتك احمرار الموت في مدرج النمل
أمط عنك تشبيهـي بمــا وكأنــه فمــا أحــد فـوقي ولا احد مثلي
وذرنــى وإيـــاه وطرفي وذابلي نكن واحدا يلقى الورى وأنظرن فعلي
****************
[محبي قيامي]وما يعنيه في هذا من ثورة وظهور وخروج ، والنصوص الشعرية تعطينا صورة لثورة الصبا والغرور المستحكم في شخصية المتنبي المتقدة عزيمة وهي دلالة بلاغية على خفاء هذه العزيمة-129*المضمرة في النص ودلالة الاباء كذلك الادراك لما يحدث من أمر وما يلوح في الافق من تشاكيل وهذا الاحتباس السيكولوجي الذي ينفثه المتنبي في ثنايا هذه النصوص هو احتباس الوعي ومكوناته بالخروج عن المألوف الساكن الجامد المتخلق وعكس هذا هو التمرد-والموت المتداخل بهذه الحياة[ارتك احمرار الموت في مدرج النمل فما أحد فوقي ولا أحد مثلي]بهذه اللسعات الواعية والحصار المستديم تشكلت الصورة من هذا الاضطراب السيكولوجي.فكان الخروج الى المنافى لخلق النشاط التوليدي للروح واعادتها الى مصدرها الاصلي وهي الحرية وكينونتها لانها اصبحت مقيدة بهذه الامصار-فكانت اللغة هي البنية والصورة هي الايقاع والاسطورة والرمز الفكري هو المعطي الشفاف والوصي على الخرق ، ومن وراءه المادة المنشطة للشرايين وهي الحرية التجريبية باتجاه المحاولات الدقيقة لادراك المغزى من هذا التمثيل الفكري داخل الصورة الشعرية لانه تمثيل حاد ومبدع لانه يحاكي الحياة من وراء هذا الغشاء الحديدي الشفاف والنصوص الشعرية تمثل الاغتراب داخل المنجز الشعري ومعطياته الثقافية بوصفه يعيش الحرقة والغربة يبتكر نسق آخر للرؤية ، وطرق تعبيرية بين اللغة
ـــــــــــــــــ
129*انظر:جاكوب كورك..اللغة في الادب الحديث-الحداثة والتجريب دار المأمون ص228
وانظمة القيم وهكذا فالنص عند المتنبي يخرج من مجاهيل غريبة الاطوار والاحكام فيستلزم القراءة الدقيقة بوصفه مرجعا مهما يعبر عن اطار ذاتي-موضوعي وقراءته قراءة بآفاق متسامية الخاصيات ، في نصوص المتنبي هناك صورة شعرية ودلالات ومعاني اضفتها التجريبية من حركة الاشياء والمسميات واللغة التي تقدمته لغة كشف بالخروج لهذه الاشياء ومعبرة عن ماضيها الغامض لهذا المعترك الاجتماعي وطريقة التعبير عنه ومداخلات الصورة الشعرية ومداخلات هذا التصور في تجديد الاشياء وتجديد هذه اللغة وهي تنشئ علاقات وتحدد هوية لتحديد الماهيات ، والمتنبي لا ينتهي بهذه الاشكالية بل يبحث عن الافصاح داخل خواص هذا العالم الغريب عبر الصورة الشعرية.ويستقصي النص الشعري وصورته الحركة التي تؤكد مسار التواصل التي تحركه اللغة والاشياء ابتداء بالكشف الغامض عن هذه العلاقات وما تنتهي اليه الصورة الشعرية.
يقول المتنبي:
دعوتك لمّا براني البلاءُ وأوهنَ رجليَّ ثقل الحديد
وقد كان مشيهما في النِّعال فقد صار مشيُهما في القيود
وكنتُ من الناس في مَْحفل فَهَا أنا في مَحْفلٍ من قُرُودِ
فلا تسْمَعَنَّ من الكاشحين ولا تعبانَّ[بعجل اليهود]
وكُنْ فارِقاً بين دَعْوى[أردتَ] ودَعْوى[فعْلتَ]بشأوٍ بَعيدِ
في نصوص المتنبي الشعرية ارهاصات ذاتية شديدة الأسى وهي تمثل تمسكا بالموقف الفكري وجذريته في حركته اليومية والتشبيه والاستعارة المتداخلة في هذه الابيات وهي اجوبة يتأسس عليها الحدث المجهول وتغايراته التي تأسست على التواصل مع هذا المجهول وعلاقته المترابطة في هذه الصورة التي تقوم على خلخلة النص وفق نظام من الرؤية الاختلافية لتجسد انعطافة فكرية داخل هذا المعترك الثقافي.فالتجريبية عند المتنبي قامت على العمود الفكري وافقية الحدث السياسي وتطابقاته المتناقضة وذهنيته التي تمثل منطق الحقيقة ، اما البواطن الخفية للنصوص، فهناك يقظة تمثيلية للحدس الفعلي في اشراقة الرؤية حيث الارتباط المعرفي بالاسطورة[بعجل اليهود]هذا التغاير يتكامل بتعدد الاصوات الخفية في النص والتي بدأت بالذات والآخر وعرجت على الجانب [الابستمي والجانب السسيولوجي]وهو الايقاع الخفي في هذه الشخصية الاسطورية في اللغة ، فهو ينتهي بحركية في خواص الحواس ثم الانتقال الى الفعل ، ويصبح المتنبي كيان اسطوري في الحياة وحقيقة متسامية.ويتضح المشكل[الذاتي-موضوعي]عند ابي الطيب هو مشكل الذات بالآخر وهو سيف الدولة داخل مقولة العلاقة بالآخر كما هو مبين في هذه الابيات:
وتعذر الاصرار صير ظهرها إلااليك على ظهر حرام
[أنت الغريبة]في زمان أهله ولدت مكارمهم لغير تمام
اكثرت من بذل النوال ، ولم تزل علما على الإفضال والإنعام
صغرت كل كبيرة ، وكبرت عن لكأنه ، وعددت سن غلام
ورفلت في حلل الثناء ، وإنما عدم الثناء نهاية الإعدام
عيب عليك ترى بسيف في الوغى ما يصنع الصمصام بالصمصام؟
إن كان مثلك كان أو هو كائن فبرئت حينئذ من الاسلام
**************
كان ابي الطيب قد لقي سيف الدولة وكان الاتصال بينهما على الود والحب في هذه النصوص يتضح ان سيف الدولة وقد كان مقاربا في سنه من سن المتنبي حيث الفضل والكرم من قبل سيف الدولة وقد أحب ابي الطيب والغريب في الامر ان هذه القصيدة هي اول قصائده يدلل فيها عن حبه لسيف الدولة بعد أتصاله به في العام "337" (130) في القصيدة اشكالية ذاتية تظهرها الصورة الشعرية حيث العلاقة بسف الدولة هذه العلاقة يكتنفها الوعي والاحترام ومعرفة الاخر عبر هذه القنوات باعتبارها طاقة خلاقة في الصورة وايحاء ينقل فعل الحدث الى مستوى وجودي تبرزه الصورة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(130) أنظر : محمود محمد شاكر في كتابه المتنبي ص217
الشعرية بعد ان ينصهر فيه الاحتفاء والرؤية المشرقة ، لتتحقق المعاني على المستويات كافة من أخلاقية وسياسية وفكرية ، هذه العلاقة على مستوى الوعي التطوري تظهره الصورة بأعتباره افقا تتأسس عليه التجربة الثقافية التي تضيء معنى هذه العلاقة . ويبدو ان المتنبي بتشاكيل هذه الصور يرفع مستوى هذا الحشد ولكن بنبضات شعورية تتفجر وفق وظيفة عقلانية مهمتها الاساسية هي الكشف عن اعماق هذه التراث والتغيرات المفاجئة التي تحدث من فيض الثناء والحلم الى سيف الدولة في لحظة يتماسك بها الموت بلحظة القبض على مداخلات الحياة واستمرارها . وما يعنينا من هذا الايضاح هو افتراض وجود حالة من الاستجابات للقصيدة ، وما معروف من الناحية السيكولوجية . ان النصوص عند المتنبي تتحدث عن عاطفة جياشة تحرك خلاصاته الجمالية في القصيدة ويستطيع الاحساس العاطفي ان ينتاب الشاعر في حالة الوعي الذاتي بخطوات متوازنة عند الاحداث والاعمال المبرزه التي جاء بها "يونغ" و ريتشاردز" بخصوص التحليل للصورة الشعرية والاستجابة لهذه النصوص والذي نطرحه الان من مداخلات هو الحذر من المساواة بين القصيدة والعناصر السيكولوجية التي يفرزها كل متلقي وفق حالات متفردة . والملاحظة التي نشهدها في هذه الصور الشعرية للمتنبي هي صور تعبر عن موقف فكري يرافقه خط عاطفي انساني بسياقاته ومشحون بالاحساس والعاطفة الشعرية . فهذه تنساب نحو القارئ وفق خلاصات سيكولوجية خاصة عندما يرى المتنبي ، ان الكوفه بدأت تزداد ظلاما وانه حان وقت الرحيل ، وهي شبيه بالموقف بصورته الطردية في الشعر من العلاقة التي جمعته بسيف الدولة من الناحية السسيولوجية "كحبه لخولة أخت سيف الدولة" أومن مواقفه الاخلاقية وعلاقته بصدق مع سيف الدولة رغم الاختلاف في المناهج السياسية بين الاثنيين والمتنبي لم يمدح احد من الخلفاء وابنائهم في العراق ولا احد من كبار العراقيين سواء من الامراء او من الخلفاء فقط بني حمدان وحدهم وذلك لان بني حمدان كانوا يصلون جدته في حال نكبتها جزاء لهذا الموقف المشرف من الحمدانيين ذكر المتنبي ابوي سيف الدولة وأخوته في قوله :
صلى الاله عليك موّدعٌ وسقى ثرى أبواك صوب عمام
قومٌ تفرست المنايا فيكم فرأت لكم في الحرب صبر كرام
تالله ما علم أمرء لولاكم كيف السخاء وكيف ضرب الهام
في هذه القصيدة كانت المادة الرئيسية الملموسة هي فخامة الشكل المضمر في النص وهي الصورة الشعرية التي توضحت في شخصية المتنبي اثيرة الطموح حيث التوافق مع سبق الدولة في السن والفتوة والصورة شكلت المعنى كذلك في الشكل والموهبة الشعرية وفقط الشد في الصورة والجهد وسمة الكمال في هذا الشعر والتجانس الغريب الذي جمعهما ، الا ان المتنبي كانت تجيش في شخصية حقيقية الوقت والثورة اللذان لايفترقان واصبحا شغلة – الشاغل ولذلك فارقه ، وضرج من ديار بني حمدان ومن الوان سبق الدولة الى الشام ، وهناك بدات الحوادث تدفى عليه حتى رمت به المقادير في السجن ، وكان المتنبي قبل هذا الوقت معروفا بقصائده قبل دخوله الى الشام ، وكانوا جواسيس العباسيين وشلل العلويين الذين عرفوه وظلموه اضافة الى مراقبته العلويين الفاطميين وقد راجت دعوة الفاطميين الى حزب العباسيين والقضاء على الدولة العباسييه واقامة دوله العلويين الفاطميه والذي امسك هذه الخريطه الاعلاميه عن المتنبي فيما قاله من شخص قبل التقائه سبق الدوله في العام 321 وكان في طريقة الى العراق / قال شعرا القضهم اليه لكن الذي جال دون ذلك هو ابا سعيد المجمري لقاء الملوك امتداحهم حيث قال : اباسعيد جنب العتابا * فروب راي – اخطا الصوابا
فانّهم قد اكثروا الحجابا * واستوقفوا لردنا البوابا
وان حد الصارم القرضابا * والذابلات السمر والعرابا
ترفع فيما بيننا الحجابا 131*
ـــــــــــــــــــــ
131* المصدر السابق نفسه ص 219
وقد شكل اصطلاح الوقت الثورة في انسكلوبيديا المتنبي الشعرية منظومة متطورة للعقل الحر وان كل جملة فلسفية في هذا المنظور الفكري تعد انتصارا للتخلص
من الغرابة في هذا الزمن الافليج ، ان عبارة الوقت والثورة او عبارة العقل الحر عند ابي الطيب لايمكن فهمها الا وفق هذا المقياس في استعادة الذات لتملكها ، والمتنبي احدث تغيرا بمنهجية المفاهيم الفكريه في تلك الفترة ليس على مستوى الصورة الشعرية واللغة بل على مستوى الايديولوجيا ، فكان المتنبي حاد الذكاء ورصين المنظومة الشعرية ، قاسيا وساخرا وصاحب رفعة ذهنية وذوق نبيل ، فكانت الثورة هي هاجسه وهي العلاج لعناد ذلك العصر ودسائسه الغربية والعجيبة والدسائس المضمرة والثورات السرية التي تنفجر بين اونة واخرى ، وتاريخ تلك الفترة على اثر دخوله العراق حيث لقي الكيد – والحقد بسبب اعتناقه فلسفة (الوقت والثورة ) باعتبارها هي الحل للمشكلات القائمة . يقول المتنبي :
رماني خساس الناس من صائب استه واخر قطن من يديه الخبــادل
ومن جاهل بي ، وهو يجهل جهله واني على ظهر السماكين راجل
ويتفجرالمتنبي فكريا في هذه الصور ويخرج لغته ليحررها من الوظيفة الرسمية والعقلانية ، وكان يعني مايقول في هذا التفجير الذاتي – الموضوعي والكشف عن اعماق هذه الذات الثورية واسرار وجودها بفيض من التفجير والتغيير والتوترات بحيث تكون هذه الفترة الشعرية مليئة بالفيض والتوق الى حالة الثورة ،هذا الحوار الذاتي هو في الوقت نفسه حوارا موضوعيا لكائن تجرع المر من هؤلاء الجهلاء ، هذا الحوارالذاتي الاكثر قدرة على كشف حالات الذات للاخر وهي بحاجة الى هذا البعد الثوري ، فالمتنبي يعيد خلق وحدة الكون بالوقت والثورة وحالة النشور عنده هو الجذر والاستيقاظ والنشوة والصحوة الابدية وهي مأخوذة بهذه الصيرورة الشعرية الثورية للعالم ، وتتيح هذه النصوص الشعرية الكشف عن القدرة الذاتية للفعل وحاجة هذا البعد لكي يتماثل ويتفرد في تشكيل هذا الوعي ، والمتنبي يعيد خلق وحدة سسيولوجية ليعطيها الحياة والنشوة ولكن النشوة والصحوة التي تبشر بصيرورة (المجد والعلى ) كما يسميه هذا المجد الذي ينطلق من (الوقت والثورة ) يقول المتنبي:
تحقّر عندي هِّمتـي كُلَّ مطْلــبٍ ويقْصرُ في عيني المدى المتطاولُ
ومازلتُ طوداً لاتزول مناكبــي إِلى ان بـدت ( للضَّيمْ فيَّ زَلازلُ )
ومن يَبْع ماابغْي من المجد والعُلى تســاقَ المحايتـي عِندْهُ والمقاتلُ
الا ليست الحاجـاتُ الا نفوسكُـم ْ وليــس لنــا إِلاّ السُّيوفُ وسائلُ
فاللغة عند ابي الطيب من خلال ايقاع الصورة الشعرية تصف لنا المأساة الذاتية ، ثم توصلنا الى الهاويه التي لايتم فيها الخلاص الا بالثورة 0 فالضيم والقهر هو الذي يرفقق الى الثوره ، وهذه الرؤيه هي حلقة التمرد والانفجار 0 فالصورة الشعرية وتضع ما هية الوجود والجوهرفي اكتشاف صيرورة وعن الثورة بالانفجار 0 والصورة الشعرية تقدم لنا ادراكا ضمينا بان الثورة اتية وان الجوهر الحقيقي بهذا الانعكاس للحياة يأتي عن طريق الصورة الشعرية التي تعكس صنفهم الخلق للوقت والثورة في عالم جديد . عالم نوعي ينطوي على قيم جيدة وضرورية في صورة شعرية تتحدث عن معنى الحياة وقيمة التمرد والثورة التي تجدد الحياة . فالمتنبي يحاكي الحياة الجديدة بالثورة وبهذا المعنى يتم يتم تحريك معادلة الابداع لخلق اشكالية متعددة الوجوه داخل هذا المبنى في الرؤية الشعرية . واللمتنبي يحرص على عملية التطور من خلال منح المجال امام الصورة الشعرية لكي تعبر عن مكنونات هذه النزعة الحياتية المتطورة بخاصة عمق الوقت والثورة وعمق الصورة الشعرية التي تفور جذورها في نسيج وعمق الحدث الشعري ، وتبدو وكأنها تمتلك الارادة على المراقبة والسيطرة من خلال تفاصيل المنحنى الشعري وتفاصيل الصياغة قي الحدث الذي يتركب وخاصية ومعنى الصورة الشعرية .
"اختلافية المعنى في الصورة الشعرية"
فيما يتعلق باختلافية المعنى في فلسفة الصورة الشعرية عند ابي الطيب المتنبي هو مايتعلق بدرجة الباعث الفكري ومتعة التصور وهو الموضوع الذي – وضعنا في ( سيميائية جمالية ابداعية ) واستمرارية في القراءة والبناء وسط مشهد من التصورات الذاتية والموضوعية بتعبيرات المنظومة الشعرية التي تنتمي في مشاهدها وانماطها الى قراءات فلسفية وعلميةمختلفة والى دلالات متغايرة بطريقة الابنية النصية . من هنا تكمن المفارقة الغريبة بالتنوع النصي والابتعاد بل واقصاء عملية الموازنة التي تشكلت بالتماثل بالصورة الشعرية حيث جاءت المقومات الدلالية اختلافية بالايحاء والنزوع المستمر الى التمرد والثورة باعتبار ان الصورة الشعرية .
في فلسفة المتنبي هي صورة لتحقيق المعنى والانفتاح على الكم من الاختلافات والمجازات ، واصبح النص الشعري وصورته استثنائيا لانهما الاكثر ميلا للاستنطاق طالما بقي المتنبي يضع النص بمعترك الثورة لانه ليستهويه التهويم والتأجيج . فالمتنبي يستنطق النص الشعري ليضعه بحالة التغاير والجدلية المستمرة حتى ايقظت هواجسهم النقدية المضادة من خلال المماحكات القولية والرهان على مفردات غريبة الطباع في شعره راهنوا علىعملية التفكيك من الناحية النقدية للوصول الى نتائج وافكار كانت قد صيغت مسبقا وفق ماتمليه الظروف السياسية من اهواء اكدت على موضوعة الذات عند ابي الطيب(passions) وعلاقتها بالتطورات الموضوعية باشكالية الغريب في اللفظ والمعنى وكان لهذه المعرفية في فلسفة المتنبي للصورة الشعرية ، هو الغوص في فضاءات النص لاحداث نقلة نوعية تحديثية قائمة على حركة البنية الابستيمية والحدث التصويري والمفارق بخلاصات العملية الجوهرية والتجذيرية التي اضفت الى ابي الطيب الطابع الفكري والايدلوجي المضمر بجذرية النص الشعري واثارة الابستمية التي يستوجبها الوعي البنيوي من اوسع قراءاته اعتمادا على تصورات التمركز بصياغة الكتابة الاختلافية او تخارجات الكشف الموضعي للنص رغم اقصاء الذي له من قبل النقاد الحاقدين امثال ( الحاتمي – والصاحب بن عباد ) وبقي النص الشعري عصي لعمقه في العمليات الاسترجاعية في تشكيل المعاني المضمرة التي تغيبت على ايدي النقاد ، ولكن تاريخية النص الشعري وصورته بقيتا هما السبيل الابستمولوجي الى تجاوز الحركات التاريخية التي عملت وتعمل على تاخير العملية التفكيرية للشعر وهي تكتب على ايدي المتخلفين من خدم البلاطات والتابعين لهم .
نقول ان النص الشعري وصورته المتركبة عند المتنبي بقيت قريبة من ذات الثورة ووقتها المرتبطان بالوعي الفلسفي الذي يتحرك من خلال النسق المضمر بالنص وهو خارج السور الذاتي ولكن الوهم الذي اطلقه بعض المدعين بان المتنبي يبعث على التشكيك في نصوصه الشعرية المختلفة هؤلاء المدعين مارسوا تعارفا سطحيا للنص دون الغوص في ثناياه وتركييباته لكنهم بقوااسيري هذا الواقع السطحي الهلامي دون الغور في جذور الوعي الفلسفي لهذا النص وصورته ، حيث كانت تتستر قراءاتهم بعملية التلمس للاحداث دون المعاينة والرصانة في وعي الدراسة العلمية الدقيقة، وقد تلمس هؤلاء العكس بالقراءة وبقي الحصاد الابستمي بمستوى التعريق الاختلافي وبقوا يلوكون المزاجية المتركبة بايحاءات النصوص وتداعيات الالفاظ الساقطة اصلا من النصوص والمؤثر بها سلفا ، وكان النص الشعري هو لحظة متقدمة وانخراط في التشكيل الدلالي وماتحدده المواضيع من استهلال يختص بها النص باختيار الملاحظة وباعتماد نقاط التشبث وتوسيع رقعة الدوائر وفق منظور علمي يشترك فيه الاجراء التقني لهندسة النص الشعري حيث يبدأ المتنبي من نقطة الكشف للمحاور والتقصي لكن الافتراضات التي تحيط (بالزمكان) والعمق +الارتحال الفضائي في النص والدرجة الممكنة لصياغات التفكير وماتقع عليه النتيجة المفترضة لهذا الوعي ، فالمتنبي شكل ارتحالا مبكرا في الامكان النصي رغم مامطروح من اشكاليات ومكاشفات للمعاني والتجاوز المستمر لالية الدفع الساكنة والمتأثرة بلعبة المقايسه والمماثلة بالقراءات المسطحة للنصوص الشعرية – وصورتها الملتبسة على النقد التشكيلي ، هذا الموضوع ينقلنا الى التحليل المنطقي للنص الذي يتحمل الصيغة الاولى للفكرة البسيطة والثانية هي الصيغة للفكرة العادية النسبية اما في مرحلته الثالثة الوحيدة لعملية التركيب التي تشكل الوحدة المباشرة لاكثر من فكرتين والتي لايمكن اختزالها الى صيغتين او زوجين التي تضمنت الفكرة الرئيسية المعبر(une paire depaires) عنها ، فالقياسات تنطلق من هنا اي من محاور ثلاثة للنص وكما يلي :
1- المحور الابستمي ثم حلقة المعنى او البحث عن القوانين النقدية ثم تاتي الصياغات الخاصة بالتركيبات البلاغية وكذلك المنطق ينطلق من ثلاثة فروع .
2- النحو النظري – او النحو الخالص وهو (السيموطيقيا ) بالمعنى الحصري الدقيق.
3- المعنى النقدي
4- والميتودوتيقا وماتعنيه البلاغة الخالصة والتي تؤكد هذا التقابل بالابعاد الثلاثة للعلامة .
***********
1- ابعاد الممثل (representamen)
2– والموضوع: (lobget)
3- المؤول (Linterpretant) وهنا تشتبك العلامة ودلالاتها عند (يبرس )رغم الاختلاف النظري لان (بيرس) لم يؤكد هذا الاستعمال سوى الافكار الاستنتاجية الجديدة التي تعبر عن مباحث جديدة كما هو الحال بالنسبة الى بحوثه الخاصة . لانريد ان نطيل في هذا الموضوع نقول ان الذين درسوا نصوص المتنبي الشعرية وهاجموه لم يستندوا الى حقائق علمية سليمة وجامعه بل اخذوا حقيقة الامر بحالته الخاصه والمجتزأه دون الامعان في تفاصيل المبحث النقدي للنص الشعري ولذلك جاءت كل بحوثهم غير موفقه لانها خالية من العلمية والمنطقية (123) : يقول ابي الطيب في مدحه عضد الدولة ، ويذكر وقعة (( وهشو ذان بن محمد الكردي)) بالطرم وكان والده ركن الدولة انقذ اليه جيشا من الري فهزمه واخذ بلده
إِثْلثْ فَإِنّا أَيهُّـــا الطَّلَلُ نْبكي وَترْزمُ تحتنا الإبـِلُ
أَوْ لاَ فلا عتْبَ علـي طللِ إِنَّ الطُّلـُولَ لِمثلْنــا فُعُلُ
لوْ كنْتَ تنطقُ قُلْتَ معتذراً بي غيرُ مابك أَيُّها الرَّجـلُ
أَبكاكَ أَنَّكَ بعْضُ من شغُفوا لمْ أَبكِ أَني بعضُ مَـن قتلوا
أَنَّ الذْينَ اقمـت واحتملُـوا أَيامُهـُـمْ لديارهـــمْ دُولُ
الحسنُ يرحلُ كُلمَّا رحلـوا مَعُهمُ وينزلُ حيثُمـــا نزلُوا
ـــــــــــــــ
(123) انظر جيرار دولودال السيميائية او نظرية العلامات دار الحوار ، دمشق ،ص24
ان التشكيل الذي ظهر في هذه الصورة الشعرية المتركبة من الرجلين وثلثاهما الطلل فيقول ( اثلث) اي كن ثالثا فهو خطاب ودعوة الطلل للاشتراك بالبكاء .فالصورة تركبت من ثلاثة (( فانا نبكي والابل تبكي وانك الثالث ايها الطلل في البكاء على فقد الاحبة )).
فالصورة الشعرية في ظل الطلل صورة حسية تشد محور المحسوس. وهنا ياتي التامل الذاتي في الصورة عند المتنبي من خلال الصياغة للنص وكذلك الانطباع الذي يتم تولده من خلال اشتراك الطلل وهنا يصبح النص الشعري نصا تجريديا يشترك فيه العقل والجانب السيكيولوجي وياتي من اصرة كبيرة للشاعر والصورة الشعرية هي عملية انعكاس لحركة الواقع المسبوقة بالتسمية للاشياء . وان لخلق الواقع الموضوعي في صورة تؤكد فصاحة المعنى في ضوء الجمالية وصورتها المتمثلة بالحدس وصيغ التعبير المتعددة ، فكانت الصورة الشعرية في هذه الابيات هي فرصه لنقل افاق متنوعة الى عالم من الحس وذلك لتطوير مواقف جديدة في اللغة والصورة . وهكذا الحال في الرمزية الفرنسية التي اعتبرت الاشياء اكثر مصنفات البلاغة وحتى من قدرة الافكار ان الاحداس الاولية هي التي تظهر المجازية كمحور اولي كمايقول البحتري :
أطلبا ثالثا سوى فأني رابع العيس والدجى والبيد
وفي هذه يقول التهامي :
بكيت فحنت ناقتي فاجابها صهيل جوادي حين لاحت ديارها
باعتبارها الحركة والسيرورة( Semiosis) ( Semse )
ويتم الاشتراك بثلاثة عناصر هي :
1- هي العلاقة التي تمثلت بالعاشق وهي الممثل .
2- والعلامة الموضوع والتي تمثلت بالابل.
3- والعلامة المؤول وهي الطلل .
وتصبح المعادلة كما يلي :
العلامة تعني العاشق + العلامة الموضوع وتعني الابل والعلامة المؤول وهو
الطلل= العلامة + العلامة + العلامه
ــــ ــــ ــــ
العاشق الموضوع المؤول
والسيموطيقا
semiotic- semiotigue
وهي النظرية الضرورية او التشكيلية للعلامات وهي ليست كمنطق بيرس.
والعلاقة الثلاثية بين علامات فرعيهsign -signe والعلامة
والابعاد الثلاثةهي : الممثل والموضوع – والمؤول ـ والمؤول الثالث باعتباره العنصرالفعال في العلاقة بين الممثل الاول + الموضوع الثاني ـ والمؤول الثالث: العاشق
(1) العاشق
حنين الابل (2) (3) المركب الثلاثي"الطلل"
وهذه الشروط التقابلية الثلاثة مرتسم النصوص الشعرية لابي الطيب المتنبي والمتكون من :
ثلاثي البكاء ويتكون من العاشق + الابل + الطلل . ومن هذه نلاحظ ان المتنبي تبنى الموقف السيكولوجي في التشكيل اللغوي كما هو الحال عند ((سوسير )) وكذلك تمكن من تحديد موقفه السيكولوجي في تشكيل النص الشعري ، ويظهر هذا في النصوص الشعرية للمتنبي ،اي ان المتنبي قد لابس في موقفه ببناء اللغة من الناصة النصة عما هو في نمطية (( بيرس السيميو لوجية )) وبيرس قد وضح الامر عبر الجسم المتحرك وليس الحركة في المنظومة الجسمية اي ان وقائعنا في افكارنا وليس الافكار التي فينا ـ و (بيرس ) ينكر الاستعانة
بالسيكو لوجيا عند سوسير ولكن، المتنبي كان قد لابس بين تلك النظريتين قبل اكتشافهما من سيكو لوجية سوسير اللغوية وسيميوطيقية ( بيرس ) ومذهبه الذرائعي. وسوسيرعالم لغة وليس منظر باللغة في حين ان السيمولوجيا لاتاتي الا بعد سياق عام للعلامات اللغوية كذلك لم ـ تستأ ثربه ( السميو لوجيا السوسيريه ) : انت تدخل في اقيسة ترابطية عند ابي الطيب في بناء النص الشعري ، وان العلامة اللغوية كما يقول (( مونان )) بين المفهوم العام لهذه الحالات والصورة الصوتية ، اي هنا الربط الجدلي بين اللغة + الفكر لان اللغة في المفهوم السوسيري هي ظاهرة اجتماعية حسب نظرية ((اميل دوركايم وان بيرس يلتزم بالنظرية السلوكية التي دافع عنها والتي بنى عليها نظريته للعلامات)) تعود الى نظرية المتنبي الشعريةـ فيركب صورته السيكولوجية حسب سوسير في خطابة الى الطلل فيقول له (( اثلث )) أي كن ثالثا ايها الطلل بالبكاء لاني ابكي والإبل تبكي وانت مدعو الى البكاء لفقد الاحبه وهذه الصوره السلوكية عند بيرس وعلاقتها بالحس وهي تشد التأمل الذاتي بحلقته الاجتماعية فهي صورة مجازية الانطباع ـ حدسي حقيقي ، والذي يتم تولده باشتراك الطلل تجريديا ، وهنا يشترك الجانب السيكولوجي عند سوسير + الجانب السلوكي عند بيرس + الصورة الصوتية + التشكيل المتلابس عند المتنبي فتكون المعادلة كما يلي : التلابس السيكولوجي في نظرية سوسير + التلابس السلوكي عند بيرس + التشكيل المتلابس عند الاثنين يعطينا اشكالية التلابس عند ابي الطيب
المتنبي والصورة الصوتية التي تشكل الاطار الموضوعي للتشكيلات الثلاث:
-أ- أشكالية التلابس عند "المتنبي"
د
الصورة
الصوتية
-ب- -ج-
الاشكالية السيكولوجية عند"سوسير" الاشكالية السلوكية عند "بيرس"
وتكون المعادلة كما يلي : بان أ = ب + ج + الصورة في( د) وهي المعالة التركيبية الجديدة في الصورة الشعرية وهي الفكرة الواحدة في الصورة الصوتية التي تجمع النظريات الثلاث :1ـ نظرية التلابس عند (المتنبي )والنظرية السيكولوجية عند (سوسير) والنظرية السلوكية عند (بيرس 0) وقد كان (بيرس) يضع حلقة التطور امام عينية( بالمعنى المخبري او المعنى العقلي) والذي يصبح الاختيار هو الحل كما في الفيزياء ـ والرياضيات ، وقد عكف على الدرس العلمي وترك الطريقة الاستبطانية لحالات الوعي ، وتساءل (بيرس) : ما هي العلامة ؟ فكان رفض بيرس للسيكولوجيا عند سوسير هو الذي دفعه الى التطور السسيولوجي وربطه بالسيميوطيقا كما ارتبطت الذرائعية ـ بالنقد الديكارتي ، وقد رفض بيرس ( فاعل الخطاب ،
) ، وقد دافع بيرس عن الطبيعة السسيولوجية للعلامةLe sujetdu discours)
كما دافع ابي الطيب عن فعل عن هذه الطبيعة كما في الابيات الشعرية الواردة والتي مرت قبل قليل وهو ليس كما يفعل ـ سوسير بمعارضه التشكيل اللغوي بل باقصاء الخطاب، فالانا عنده هي حالة اجتماعية ترجع الى سيميوطيقا المتنبي وهي مرتبطة بنظرية بيرس حول تشكيل العلامات باعتبارها نظرية جمعية ملتزمة بالدلالة السياسية وهذا المحور الجمعي بالتزامه للعلامة يرجع الى سيموطيقيا بيرس 133* .
ــــــــــــــــــــــ
133 ـ المصدر السابق نفسه ص47
المفهوم النظري "للوقت والثورة في فكرالمتنبي "
وتنقسم الى منحيين بخلاصات للتأثير والتأثر . هناك تأسيس نظري يتمحور في الممارسة الفكرية لابي الطيب المتنبي ويتصل هذا المنحى الفكري بمفهوم الزمن الشعري المتطور الذي يصب في أستنطاق استرجاعي يتلابس بالخواص الفكرية الحديثة ويتطور بها ، هذا التحديث لا يفارق الوعي الفكري للشاعر بل يجعله في وضع دائم المراجعة والحلقة الثانية في هذا المنحى ، فهو يتصل "بالوقت والثورة" ليسقط الاختلافية الزمنية بعملية الانقطاع كما يحلو للبعض ان يتهمه بها ، فالحداثة وما وراء الحداثة هي الصفة الغالبة في التشكيل الشعري للمتنبي، ثم يتلابس بهذه الزمنية وصفاتها الغالبة بحال من يخص المتنبي حتى في حالة المضايقة له ، ولكن النظرية مستمرة في الاختيار الذي يظل هو المقدمة والمدار المفتوح للمفاهيم المنطقية والعقلية والمتعلقة بالارادة والمقدرة الفعلية للوصول الى الحقيقة عندما تكون الارادة هي في الرفض للغريب والقدرة الخلاقة في التحول بهذا الشأن وعملية التفاعل بخلاصة الصفات في اطار مفهوم "الزمكان" المتجسد في "الوقت والثورة " رغم المدار المغلق الذي يدور حوله هذا الزمن ،وهذا الوجه الاخر للعملية الاستبطانية يرفضه المتنبي ، ومقاومته لهذه الازمنه الرديئة استطاع المضي بطريق البحث عن الثورة وفي أي وقت زمني سواء الذاتي منه اوالموضوعي، اما الاشكالية التراثية بفهم الزمن حسب المنظور الثقافي التطبيقي والتي تضع الزمن في مقدمة الوعي النظري والطموحات المتركبة بحلقاته التصاعدية كما نجد هذا الاستبطان واضحاً في المنحى الفلسفي عند ابي الطيب .
هذا الاستبطان هو الذي صاغ المفهوم الزمني المتصاعد والذي اقترن بحقيقة وعي المتنبي المتقدم والمتطور الذي صنع منه رجلا سياسيا ورجل فكر عبر عن اعتزالية عقلية، حيث أقترن هذا المنحى بملمح متقدم في حركة الفكر العربي والشعري منه حصرا ، هذا الملمح الخلاق الذي كشف عنه المتنبي باقتدار ، فقد اسس من خلاله نظرية فكرية خلاقة كانت اضافة جديدة لاستمرار حضوره الفكري وبلغته الشعرية بعد ان جعل من هذا المفهوم الفكري هوشيء من المقاربة في الزمنية الدائرية ، وهو مفهوم يبدأ بجدلية "الزمنية التأريخية" وحركتها التي لا تتوقف الا لتتركب من جديد وفق معادلة ( الاطروحة +الطباق=التركيب) .
فالمسار الابدي لحركة التاريخ والتي تتطابق في استعادتها للعودة الى التراكيب الجدلية ، فهي التي تعود الى نقطة الابتداء ، وهي التراكيب باكثر من معنى حيث يتم الالزام الفكري بزمنية دائرية تدعم ما اقترن( بالوقت والثورة ) وما يوازيهما اوما يتجسد بهما بعملية التعاقب لفصول (( تاريخ الثورة)) وحركة المجتمعات التي تتمحور داخل هذا المدار عينه .فالزمن والثورة يتاكد بحركة التمثيل الشعري ، ثم يبدا بمفهوم الزمن الدائري - (زمن) لافت بانساقة وسياقاتة حيث يقوم على وقائع ملازمة في عملية التسليم بخواص الزمن مثل: ( حقيقة الثورة ) واقترانها بلحظة وجودية كلحظة الابتداء في عصر يبحث عن الانقاذ والانبعاث باتجاه حركية المكان وافقيا بحركية الثورة ورأسيا باتجاه جدلية التاريخ والعصور التي اتصلت بلحظة الامتداد الافقي ( للوقت والثورة ) وهي تتفرغ للنزوع نحو الجوهر الى الذروة بتشكيل الامتداد المتعاقب ومسار الخط حيث الابتداء بدائرة الثورة الزمنية لتكتمل الدائرة والصورة المتحولة الى الابتداع لانها تعبر عن الثنائية (في الوقت والثورة) لينتهي الصراع بانتصار الابتداع الثوري والعقل التاويلي الذي يضع اسبقية المفاهيم العضوية بين (( الثقافة الابتداعية )) – و(دائرة الالزام الفكري) التي تضع السبب في لزوم يفترض تحقيقه بالثورة وجعل الازمنة الفاتره والمنحدره هي التعريق للمدارالمغلق لانه
الحركة الغائبه داخل الانسان. فالخطيئة الاولى للانسان كانت ببتعاده عن الوقت والثورة ومعناهما ودلالتهما التبشيرية التي لا تفارق حركته التاريخ الذي لا يفارق دلالته التي ارتبطت بالانسان ونتائجه التطابقية وتماثله الابستيمي اتجاه هذه الموازنه في الانحدار الدائري حيث الاستجابة للموازنه بالسبب والنتيجة وبالعلاقة التماثلية . فالتمثيل الزمني في عصور الانحدار غير جدير بالثقة، فكيف يمكن الوثوق به وهو متلبس بالضديه من "الوقت والثورة " ؟ ، ولا علاقة للزمن المنحدر وفاعلية العقل الا بالثورة من منظور الفاعلية الثقافية والقدرة العقلية على التمييز بالاشياء بفروض الحتمية التاريخيه وهي لاتاتي صدفة بل تأتي نتيجة قوة فاعلة في المنظور التاريخي فلا فاعلية في التمثيل الجدي للزمن والوصايا للخصوم في الازمنة المنحدرة ، فالمنزلة المعرفية للنسق العقلي هوفي البحث عن الخلاص من الوعي المتهالك اوالزمن الهابط نحو الدرك الاسفل حتى التراتبية الافقية التي تجمع الناس على الارادة المتعالية ، يجب تمثيلها بالثورة وبدرجات تفوقها العمودية ،فهو الحراك المتمثل بالاعلى دائما ، فلا سبيل الى التجاوزالا بحركة الثورة ، فالاعلى يظل هو (الوقت والثورة ) لاكتسابه المعنى الثقافي والشعري والادنى يظل ادنى بالتراتبية ومحتوم عليه بالانهيار والمقدرة على نقل الوعي الى المطلق هو الذي يضع العقل في مقدمة هذا التمثيل للوعي ، ويبقى الحراك بمستويات الحضور الفعلي لهذه الطباع الممثلة بطباع الثورة وهي الاكثر نزوعا نحو الفاعلية العلمية والثقافية والمتعددة في المجالات والتنوع الامكاني واتساع رقعة وانحسار رقعة الجنوح الهابط والمستكين ، فالتيار العلمي والثقافي هو جزء من فعل الوعي للوقت والثورة وحضور العلم والثقافة من الناحية التكميلية تظل مدارا مغلقا على الخواص التراتبية وتعاليمها الصارمة والتي تضع في المقدمة اصحاب المصلحة الحقيقية بهذا التراتب لان الذي يدعو الى المعرفة والعلم والثقافة هو المتقدم الاعلى وتسقط كل دلالة الحضور المزيف الذي يدعو في مناهجه الى التخلف والى السلف والى كل مجالات العلوم والثقافة والفنون والاداب الى حلقة فيزيقية تنحصر بسياق المعنى اللاهوتي والذي ينطبق على العلم والمعرفة والثقافة وينزل العلم الى الاسبق الفيزيقي والاقرب الى ذهنيتة ووعيه المتخلف بالايعاز العلمي الذي يشع متى قدروا التابعين فيزيقيا حتى ينتهي بالحالة العلمية والثقافية الى حالة من الانحدار الكامل ويغدو السلم المعرفي مرهون بالسلم المعياري الذي يطول بالتكرار لهذا الانحدار وهذه الادلة واضحة في نظرية السبق على مستوى الوجود والمقاييس المتقدمة في ذلك وهي الادلة والدلالة الثبوتية التي تؤكد حالة الوعي العلمي والثقافي الى كل ماسبق واللاحق يظل تابعا لسابقه وهكذا يكون السبق الى الحدود المطلقة والسلف الصالح هو الاكتمالي العلمي والثقافي والمعرفي اما الجديد بهذا المعنى فهو المكرور والمقدر سلفا ومكتوب بالمطلق لانه يتكرر ويختلف من مرحلة تاريخية الى مرحلة تاريخية اخرى ، وتبقى العلوم والمعارف والاداب والفنون هي عملية اتباع لما سبق ويترسخ هذا المنعطف وحسمه بقضية القضاء والقدر، وانت ترى بأم عينيك عملية الانحدار بهذه الرؤية المرجعية المغلقة التي عوقت عملية التقدم والابداع والاستقلال العلمي والثقافي ، وان العلوم يجب ان تأخذ طريقها الى امام اما ما يسمى بالسلف الصالح فكان الاولى بهذه النظريات الفيزيقية ان تنقل الانسان الى مرحلة التطور النسبي فالعلم هو العمق الكبير للمغزى الروحي والديني ، وهذا الانغلاق على العلوم والثقافات والمعارف يزيد من عملية الجمود والتعصب فيتحول الى عملية سياسية قمعية تؤدي في النهاية الى عرقلة التقدم العلمي والثقافي ما يعنينا من كل ذلك هو ما حققه ابي الطيب من رؤية متقدمة في مجال التراتبية المعرفية فهو الذي سبق الوعي الزمني للسلف وذلك برفضه كل حالة الرتابة والجمود التي لا تحقق للانسان اي فعل نحو التقدم فجاء رفضه بالتمرد والثورة على كل القيم المتخلفة معلنا تمسكه بحركة الفكر الحر ورفض مسار الزمن المنحدر الى الهاوية ، هذا الزمن الذي اصبح قيدا صارما على كل العلوم والفنون والثقافات ولذلك ان كل ما انتجه المتنبي من نصوص شعرية تعتبر علامة متقدمة ودليل على حداثة المتنبي الشعرية حيث المتغيرات التي تحدث في الازمنة الصعبة داخليا ، لكنه كان يحسها خارجيا من خلال ترحاله وتطوافه في البلدان المجاورة ومشاركته في الحروب التي قادها سيف الدولة . والمتنبي باشر الحداثة الشعرية وقدمها فكريا بطبق "الوقت والثورة" وعلى هذا الاساس كان تأسيس الوعي الفكري في الشعر الذي سبق الكثير من الشعراء بنقله "الضرورة والحرية" الى مرتكزات الوعي الفكري واستفاد من العلماء والفلاسفة والمبدعين من غير العرب من خلال رحلاته في ارجاء المعمورة .فالمتنبي كان يحمل حسا انسانيا كبيرا وقد تصاعد هذا الحس بحبه لجدته ورجوعه الى الكوفة وحبه "لخولة اخت سيف الدولة حتى ادى به هذا الحب الى ان يفارق سيف الدولة لهذا السبب الانساني وهذا يعني ان تحقيق الطموحات الانسانية لا يتم الا بالتغيير الجذري والثورة ولذلك فقد تنازل المتنبي عن طموحه الشخصي في سبيل الطموح الانساني الكبير وطموحه كان مرهون بمحاربة التخلف في الداخل ومحاربة الخطر الداهم على البلاد العربية والتهديد بالكوارث وكان هذا التصاعد يأتي خوفا من الاحتلال والغزو وقد ارتبط بقضية القلق الذي رافقه طيلة حياته كان يشده هذا القلق الى الامتزاج بقضيته من خلال منطلقة الفكري الانساني وعروبته ونزعته العقلية التجريبية التي تأسس في داخلها التيار المعرفي الثقافي ومفهوم الزمن المنحدر ومفاهيم الانسانية ومعرفة حقيقة المنظور الفكري الذي تلبس المتنبي منذ الصغر، فكانت نظرية ."الوقت والثورة "وهي الخلاصة لهذا الوعي خصوصا ما يتعلق بتهديد الانسان لمرتكزاته ووعية وثقافته العلمية.
"المرتكز الشعري"
ما دام الانحدار الزمني يأخذ مجاله على كل المستويات ومنها المرتكز الشعري وعملية التدني هذه عبر الزمنية التتابعية الممسوخة والفاسدة كانت قد تحولت بل اعادت تركيب ما افسد من العناصر السابقة الجاهزية واتساقها بقضية الاعتقاد والذي سمي المتأخر في تقدمه وهي عملية الاستعاده الهيكلية لايصال النموذج المراد توصيفه او احتذاءه ، فجاءت قضية المرتكز الشعري الجاهلي وهو ابتداء زماني يتعلق بتبرير المرجعية الشعرية من الناحية التأويلية بحيث تجعل الشعر الجاهلي هو العمود الاول في الاعانة على فهم "القرآن الكريم" عند الالتباس الفني وهناك احاديث كانت قد نسبت الى ابن عباس والحديث ما معناه "اذا تعاجم عليكم شيء من القران فأستعينوا بالشعر لان القرآن عربي" وان هذه العودة الى الشعر الجاهلي هي الاستعانه به على الفهم لما اتى في القرآن من غريب وهو العون اللغوي ، وهذا يعني ان عملية انتقال قد حصلت من الاخروي الى الدنيوي واسقاطا للاخروي على الدنيوي وفي هذا قد استمد القداسة المبرر بالاسبق الاخروي وهذا ينطبق كذلك على الشعر الجاهلي ، وكان الخلاف على مبدا هذا القياس في القرآن على الشعر الجاهلي هو ما خالفه طه حسين من ان الحياة الجاهلية نراها متجسدة في القرآن لافي الشعر الجاهلي وهذا الراي المنهجي كان في كتابة (( في الشعر الجاهلي )) في العام 1926 الذي احدث ضجة والذي يقول في الصفحة الثانية من الكتاب ( اريد ان اقول الشك اريد الانقبل شيئا مما قاله القدماء في الادب وتاريخه الا بعد بحث وتشبث ان لم ينتهيا الى اليقين فقد ينتهيان الى الرجحان ) ثم يقول ( ان الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهليه في شيء ، وانما هي منتحله مختلفه بعد ظهور الاسلام فهي اسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم واهواءهم اكثر مما تمثل حياة الجاهليين ) ويقول " وانانستطيع ان نتصوره تصورا واضحا قويا صحيحا ولكن بشرط الا نعتمد على الشعر بل على القرآن الكريم من ناحية التاريخ والاساطير من ناحية اخرى"134
كان طه حسين ينقض كل ما جاء به المذهب الاتباعي حتى لحظة الابتداء في اي مبررلوجود هذه النظرية ويسقط حركية الاخروي على الدنيوي ثم يقوم بتحيطم هذه القداسة المصنوعة فيزيقيا ويستمر هذا الزمن المحوري والمنحدر بانسانه وبقيمه الادبية والشعريه حصرا من لحظة الابتداء هذه الى لحظة الانحدار بمنزلة الحكام والامراء في الجاهلية، يقولون ويامرون فريض كل شيء يقولونه وفيهم الاقتداء والاحتذاء وهي مكانة مرموقة وهي الاقدام في الوصف كما اشار اليها ابن سينا والشعراء كانوا كالانبياء في الامم والشعوب ثم تساموا واصبحوا افضل الخلق في المنزله الاولى ثم الى المنحدر وهذا عين التباين في الحالتين، ثم ناتي الى القياس والمعيار وهو قياس كل لاحق على كل سابق وهذه العملية تخضع لمنحى الراي والموافقة كذلك نتائجها المختلفة، فالقياس على العموم متوجه الى السابق ، فالسابق هو
ــــــــــــــــ
134 ـ انظر : الدكتور طه حسين : في الشعر الجاهلي دار الكتب المصرية 1926 ص7 ص8
المرجعي وهو المعياري الذي يثبت قيمته الموجبه او ينفيها واما المعايير فهي الموازين التي يتم التحديد بموجبها لانها القياس الذي يعيد به اللاحق عملية الانجاز للسابق وبوسائل كثيرة وكان لصيغ البلاغة وقع كبير في هذا الموضوع فتحدث البلغاء
عن:
1- السبر.
2-التقسيم.
3-الفك.
4-السبك.
5-القلب.
6-الكشف.
7-التوليد.
8-المعارضة.
9-المضاعفة.
10-التفصيل.
11-الاضافة.
12-التبديل.
13-التضمين.
14-التفريع.
15-الاتكاء.
16-