فلسفة المدرسة الرمزية
تذهب تلك الفلسفة إلى أن الحياة الباطنة، والفاعلية النفسية، ليست هي
الجانب الجسماني مقلوبًا ظهرًا لبطن، وواقعتها الأولية الشعورية (الشعور
هو معرفة الذات بالذات) هي الأنا. وتلك الأنا ليست الأنا الديكارتية
باعتبارها شيئًا أو جوهرًا بل "وظيفة حس باطن" وفعل تلقائي، فهي واقعة
أولية لنشاط نفسي يقوم بخلق روحي. وفي تلك النقطة تلتقي تلك الفلسفة
بفلسفة برجسون التي تقول بديمومة خلاقة هي كثرة من لا تجانس وتغير تقوم
على تغلغل باطن واتصال ونفاذ متبادل، أي على تلقائية حرة وتطور خلاق لا
على ضرورة حتمية، على شعور حي لا آلية.
فهناك ديمومة محضة وهي شكل يتخذه توالي أحوال الشعور حين تدع الأنا نفسها
تحيا، وحين تكف عن تقرير فصل بين الحال الحاضرة والأحوال السابقة. ويتم
الانتقال بين تلك الأحوال بوثبات وعي، فتواليها هو تداخل متبادل، وتضامن
وتآزر، وتنظيم باطن للعناصر الشعورية، وكل منها وهو يمثل الكل لا يتميز
منه ولا ينعزل عنه. ففي ميدان الشعور لا توجد حالات متجاورة بل كل شيء في
علاقة تضامن وتداخل متبادل. فلسنا إزاء شيء بل معنى ومسرى يتقدم (الفلسفة
المعاصرة في فرنسا ترجمة د. عبد الرحمن بدوي). وما في العالم من قدرة
إبداعية هو الانفعال النابض في الماضي، قاذفًا نفسه محولاً نفسه إلى واقعة
متعالية هي لحظة الخلق أو الوعي. ولا يبقى أمام الشاعر والروائي إلا
ارتياد أحوال الروح.
ويجمع الرمزيين قبيل القرن العشرين احتجاج على المجتمع الغربي الحديث
والفلسفة الوضعية، وحس عميق بحياة الروح وحدس للسر والغموض. وهم يولون
اهتمامهم "لواقع" يتجاوز عالم الظواهر متعاليًا ويحاولون استيعاب جوهر
الشعر متحررًا من النزعة التعليمية أو العاطفية. ويتمثل ذلك في أشعار
مالارميه وبعض قصائد إليوت.
وذلك التصور الفكري للرمزية الحديثة يعتبر العالم الواقعي انعكاسًا لعالم
متعال لا يعرفه إلا الحدس الصوفي للشاعر، ولا يقبل التوصيل إلا في رموز
فنية غير متعينة، فهي تدرجات لونية للروح مرتبطة بما هو أزلي، فكل الأشياء
تفتقر إلى الوضوح أو الثبات. وهي فلسفة توفيقية تجمع أشتاتًا من فلسفة
أفلاطونعن تعالي المثل ومفارقتها وفلسفة كانط في التفرقة الجازمة بين
الشيء في ذاته والظواهر، وفلسفة برجسون.