منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التفاعل النصي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التفاعل النصي Empty التفاعل النصي

    مُساهمة   الجمعة مارس 11, 2011 7:52 am


    1-1-التفاعل النصي - « انفتاح النص الروائي ».
    كاتب هذا المقال: المصطفى الدقاري - المغرب
    1-1-1-تقديم المفهوم:

    كعادته
    مع كل مفهوم، خصص الباحث سعيد يقطين تقديما نظريا لمفهوم التناص قبل
    الانتقال إلى التحليل. وقسم الباحث التقديم النظري إلى قسمين، قدم في الأول
    المفهوم في المرجعية الغربية، وفي القسم الثاني قدم تصوره للمفهوم. وهذا
    الإجراء يجسد الوعي الحاد بطبيعة المفهوم عند الباحث.
    لكن قبل عرض تصور المرجعية الغربية للمفهوم، يعمل الباحث على تأطير مفهوم التناص أوالتفاعل النصي.
    في
    تقديمه لمفهوم التفاعل النصي، ينطلق الباحث من تصوره لمفهوم النص، من حيث
    كونه كلية، بينة دلالية، تسهم كل وحداته وعناصره ومكوناته في بنائه
    وتبنينه، وعلاقة النص بالتلقي. إضافة إلى انطلاقه من التمييز بين النص
    والخطاب، إذ في كتاب « تحليل الخطاب الروائي » تعامل الباحث مع صيغ الخطاب
    وعلاقاتها أما في التفاعل النصي، فسعى الباحث إلى تفكيك النص « بهدف معاينة
    علاقة النص بغيره من النصوص التي عمل على تمثلها واستيعابها وتحويلها في
    بنيته النصية، لتصبح جزءا أساسيا في بنيته وبنائه ».
    وعلى هذا الأساس
    يميز الباحث بين الصيغ في الخطاب، والتفاعلات النصية في النص، فعلى مستوى
    الصيغ، يميز الباحث بين العرض والسرد، أما على مستوى البنيات النصية، فيميز
    بين نص الكاتب ونصوص غيره من الكتاب، حيث يعرف الباحث الأول، بأنه ما يتصل
    بمختلف البنيات النصية المتصلة بالسرد أو العرض، أما نصوص الكتاب، فهي ما
    ثبت نسبتها إلى كاتب معين، كبنيات تم استيعابها وإدخالها في النص »وهذا
    التمييز هو الذي يؤكده الباحث في تعريفه للنص بكونه بنية دلالية تنتجها
    ذات، ضمن بنية نصية منتجة ».
    ويستعمل الباحث تعبير « التفاعل النصي »
    كمصطلح للتعبير عن مفهوم التناص، لكون التناص ليس إلا واحدا من أنواع
    التفاعل النصي. بعد ذلك يقدم الباحث كرونولوجيا لمفهوم التناص ابتدأه
    بتقديم تصور كريستيفا في أواسط الستينيات « القرن 20 » من خلال تصورها للنص
    كإيديولوجيم، باعتباره وظيفة تناصية تتقاطع فيه نصوص عديدة في المجتمع
    والتاريخ. ثم قدم أعمال ندوة 1979 حول التناص في جامعة كولومبيا تحت رئاسة «
    ميخائيل ريفاتير »، التي ستصدر أعمالها سنة 1981 في مجلة الأدب، و قدم
    الباحث سعيد يقطين دراسات منها، لكل من « لوران جيني » و«لوسيان ديلنباخ» و
    «ليلى بيرون موازي» و«ريفاتير» و«بول زيمتور» و«بترديسبوفسكي » و« كارل
    ويني » و« ماري روزلوغان ».

    بعد ذلك قدم الباحث تصور «جرار جنيت »،
    الذي اعتبر موضوع «البويطيقا » هو معمار النص سنة 1972، لكنه سيتحدث، معدلا
    تصوره، على عن أن الموضوع الجديد للبويطيقا هو «التعاليات النصية » أو
    «التفاعل النصي »، ومعناه كل ما يجعل نصا يتعالق مع نصوص أخرى بشكل مباشر
    أو ضمني. ويحدد خمسة أنماط من التعالقات النصية وهي:
    -التناص، والمناص، والميتانص، والنص اللاحق، ومعمارية النص.

    1-1-2-تصور الباحث: التفاعل النصي.
    بعد
    ذلك، قدم الباحث تصوره لمفهوم التناص أو التفاعل النصي، حيث سيتبنى مفهوم
    التفاعل النصي لأنه أعم من التناص ، ولأنه يمكن من البحث في أنواع
    التفاعلات، وفي أشكال اشتغالها داخل النص، وأبعادها الدلالية، كما يتجاوز
    الباحث من خلاله تصور السرديين والسوسيو نصيين في بحثهم عن التناص أو
    المتعاليات .

    ولتحليل التفاعل النصي، يقسم الباحث النص إلى بنيات
    نصية، فيميز بين بنية النص¬) تتصل بعالم النص(، وبنية المتفاعل النصي، وهي
    البنيات المستوعبة من قبل بنية النص. ولتوضيح أنواع التفاعل النصي، ينطلق
    الباحث من تمييز جنيت. فيميز بين:

    أ‌- المناصة: ويعرفها بأنها
    البنية النصية، تشترك وبنية نصية أصلية في مقام وسياق معينين، وتجاورها
    محافظة على بنيتها كاملة ومستقلة. ويميز فيها بين المناصة الداخلية، -داخل
    النص - والمناصة الخارجية - والمقدمة والذيول والملاحق-

    ب‌- التناص:
    ويعرفه في علاقته بالمناصة، فإذا كانت الأولى تعتمد التجاور ففي التناص
    يحضر التضمين، حيث تتضمن بنية نصية ما عناصر سردية أو تيمة من بنيات نصية
    سابقة، وتبدو وكأنها جزء منها، لكنها تدخل معها في علاقة.

    ج‌- الميتانصية: وهي نوع من المناصة، لكنها تأخذ بعدا نقديا محضا في علاقة بينة نصية طارئة مع بنية نصية أصل.
    بعد
    تحديد دلالة هذه المفاهيم، سيعمل الباحث على موضعتها إزاء مرجعيات غربية،
    فمثلا يقول عن المتانص بأنه يختلف عن تعريف « جيني » وقريب من المعني الذي
    أعطاه إياه « أريفي » و« ريفايير ».

    في الأخير، يقدم الباحث
    المصطلحات التي سيستعملها لدراسة التفاعل النصي، وهي التي تحدد تصوره
    لمفهوم التفاعل النصي وهي ثلاثة أشكال من التفاعل، وهي:
    - التفاعل النصي الذاتي: تفاعل نصوص الكاتب الواحد مع بعضها.
    - التفاعل النصي الداخلي: تفاعل نص الكاتب مع نصوص معاصرة.
    - التفاعل النصي الخارجي: تفاعل نصوص الكاتب مع نصوص سابقة.

    هذا
    هو التصور النظري الذي قدمه الباحث سعيد يقطين لمفهوم التناص أو التفاعل
    النصي، الذي يتأسس على تصور تفاعلي للنص، وهو التصور الذي ينسجم مع تصوره
    لمفهوم النص، الذي يتأسس على تفاعل داخلي، وتفاعل خارجي.
    فإذا قابلنا بين أشكال التفاعل النصي وبين مكونات تعريفه للنص سنجد العلاقة التالية :

    1- التفاعل الذاتي، يوافق النص بنية دلالية تنتجها ذات كما أنتجت نصوصا أخرى.
    2- التفاعل الداخلي: يوافق إنتاج النص ضمن بنية نصية منتجة.
    3- التفاعل الخارجي: يوافق إنتاج النص في إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة.
    تتضح إذن العلاقة بين تصور الباحث لمفهوم النص ولمفهوم التفاعل النصي- التناص.

    1-1-3-التلقي الإبستمولوجي:
    أسس
    الباحث تصوره الأساسي للتناص من خلال دراسته للمفهوم في المرجعية الغربية.
    بتتبعه المعرفي للتطور الذي عرفه مفهوم التناص وخاصة عند البويطيقين من
    خلال دراساتهم المنشورة في مجلة الأداب عدد 41 سنة 1981، لكن ما هي علاقة
    تصور الباحث بتصورات المرجعية الغربية.

    يصرح الباحث بأنه يشتغل في
    إطار البويطيقا، وعليه يطرح علينا سؤال آخر: ما هي الاختلافات بين تلك
    الدراسات المكونة للعدد 41 من مجلة الأداب، فيما يخص مفهوم التناص؟ هل هناك
    اختلافات أو تناقضات بينها، أم هناك امتداد بينهما؟ هل يمكن الحديث عن
    تناص لمفهوم التناص بين هذه التصورات؟

    إن الباحث لا يناقش المسألة
    بشكل جلي، لكن يمكن بناء تصوره للعلاقات التي تنسجها هذه التصورات فيما يخص
    مفهوم التناص. وفي الأخير تكوين تصور عن علاقة تصور الباحث بتصور المرجعية
    الغربية فيما يخص مفهوم التناص.
    أول دراسة يقدمها الباحث ل« لوران جيني
    » تحت عنوان « استراتيجية الشكل »، وأساس تصوره للتناص، هو أنه لا يمكن
    إدراك المعنى أو البنية في عمل ما إلا في علاقته بأنماط عليا، هي بدورها
    مجرد متوالية من النصوص. "ويميز الباحث بين التناص والمتناص، أما ميكانزم
    التناص فيحدد في ميكانزم التلفيظ والخطية والتضمين.

    أما دراسة «
    لوسيان ديلنباخ ». فيميز من خلالها بين التناص الداخلي والخارجي. ففي
    الداخلي نجدنا أمام علاقة نص الكاتب بنصوص غيره من الكتاب. وفي الخارجي
    علاقة نصوص الكاتب بعضها ببعض، وفي النوع الأول يتحدث عن الإرصاد أو
    الانشطار mise en abyme.
    في دراسة أخرى، تتحدث « ليلى بيرون موازي » عن التناص النقدي حيث لا تبقى هناك حدود بين النص والنص النقدي الذي يتداخل والنص المحلل.

    ويناقش
    « ريفاتير » الخلط السائد بين التناص والمتناص، الذي هو مجموع النصوص التي
    يمكن تقريبها من النص المقروء، أو مجموع النصوص التي نجدها في ذاكرتنا عند
    قراءة مقطع معين.

    أما بول زيمتور فيخصص دراسة عن كيفية اشتغال التناص الذي يبدو في آن من خلال ثلاثة فضاءات هي:
    1- الفضاء الأول مكان لتحويل الملفوظات الآتية من مكان آخر؛
    2- الفضاء الثاني هو فضاء الفهم، وهو لقاء خطابين أو أكثر في ملفوظ واحد؛
    3- القضاء الثالث وهو الفضاء الداخلي للنص،

    ويتحدث بتر ديسبوفسكي عن علاقة التناص بالنقد الأدبي، من حيث ربط النص بالنصوص السابقة عليه.
    أما
    دراسة «كارل ويني» فتطرح علاقة الفيلولوجيا بالعلاقات التناصية، إذ يمكن
    دراسة العلاقات النصية من خلال الفيلولوجيا والتناص باعتباره علاقة داخلية.

    بعد ذلك يعرض الباحث تصور جرار جنيت، الذي يحدد خمسة أنماط من التعاليات النصية وهي:
    1- التناص
    2- المناص
    3- الميتانص
    4- النص اللاحق
    5- معمارية النص.

    قدم
    الباحث، إذن، عدة تصورات لمفهوم التناص تنتمي إلى البويطيقا، وبالطبع لم
    يقف الباحث موقف العارض السلبي لهذه التصورات، بل كان حضور عرضه للمرجعية
    البويطيقية موجها، فنجده تارة يبين نقط الالتقاء بين التصورات، وكذلك نقط
    الاختلاف بينها، إضافة إلى الشروحات والتفسيرات التي ضمنها تقديمه لمختلف
    التصورات.

    قدم الباحث المرجعية الغربية فيما يخص تصورها لمفهوم
    التناص بشكل تصاعدي، ابتدأه من الإرهاصات الأولى لتشكل المفهوم، مرورا
    بوضوح البعد النظري للمفهوم، وصولا إلى بناء التصور الخاص للباحث، والذي
    سيعمل على استثماره في التحليل. فكيف بني الباحث تصوره للتناص أو ما يسميه
    التفاعل النصي ؟

    إن ما يمكن أن نخلص إليه هو أن كل التصورات التي
    قدمها الباحث تعتبر تطويرا لمفهوم التناص، وهو التطوير والتطور الذي يستفيد
    منه الباحث وسيوظفه لبناء تصور يتجاوز حدود التصورات السابقة، مستفيدا من
    مقاربات البويطيقا وتاريخ الأدب، وجمالية التلقي والسميوطيقا لبناء تصوره،
    والذي حدده في التفاعل النصي، الذي يعتبره الباحث أعم من التناص، كما يفضله
    على التعاليات النصية لجنيت.

    1-2-التناص: شعرية النص الروائي.
    1-2-1- تقديم المفهوم.

    بعد
    تقديمنا لمفهوم التناص عند الباحث سعيد يقطين ننتقل إلى تقديم تصور الباحث
    « بشير القمري » في كتابه شعرية النص الروائي. فما هو تصور الباحث لمفهوم
    التناص ؟

    أفرد الباحث قسما نظريا مكونا من إحدى وعشرين صفحة لتقديم
    مفهوم التناص. أما في القسم التطبيقي فقد خصص فضاء مكونا من ستة وثلاثين
    صفحة لتحليل التناص في الرواية « كتاب التجليات ».

    قسم الباحث القسم النظري المخصص للتناص إلى أربعة أقسام وهي:
    1- مفهوم التناص: الطرح الاشكالي؛
    2- مفهوم التناص: الطرح النظري؛
    3- مفهوم التناص: الطرح المنهجي.
    4- تناص اللغة/ تناص الأجناس: حالة الرواية، وهو أطول الأقسام )14 صفحة(.

    وسنعمل على تتبع تقديم الباحث لمفهوم التناص من خلال الطرح الإشكالي.
    1-2-2-التناص، الطرح الإشكالي:

    يتحدث
    الباحث عن القيمة النظرية النقدية والجزئية لمفهوم التناص، والتي يستمدها
    من وضعه الاعتباري وبعده النقدي الذي أطر حدود التحليل البنيوي، من خلال
    وضعه على حدود المفارقة بين النص المغلق والنص المفتوح، وهو ما يدعو نظريا
    إلى ضرورة إحلال بنيوية علائقية محل البنيوية العازلة في تلقي النصوص،
    قراءة وتحليلا )نقدا( وتأويلا.

    لكن ماهو مفهوم التناص؟
    ينقلنا
    هذا السؤال إلى الطرح النظري للتناص، ابتدأ الباحث مقاربة البعد النظري
    للمفهوم بتقديم التصور التقليدي للتناص عند القدماء، الذي حدده في مفهوم
    السرقات الأدبية عند العرب، الذين كانت لهم عدة تصورات، تنسب إلى ابن رشيق،
    والجرجاني وغيرهما. لكننا نتساءل هل يمكن الحديث ن مفهوم التناص في
    المرجعية العربية القديمة؟ هل يمكن اعتبار السرقات تناصا.
    لم ينطلق
    الباحث في هذه التساؤلات، ذلك أنه حسب الخطاب النقدي يعتبر التناص مفهوما
    قائم الذات في الثقافة العربية القديمة. إذ الباحث يتحدث عن رواد التصور
    التقليدي للتناص، ومنهم ممثلو اتجاه السرقات الأدبية صحيح أن مفهوم السرقات
    يحيل على اعتبار النص فضاء لاختراق نصوص سابقة، لكن الحديث عن التناص يتم
    بالانتقال إلى مستوى نظري دقيق، ذلك أن المفهوم صيغ من خلال انفتاح نظرية
    الأدب في أواسط القرن العشرين على ما تحقق في مجال التحليل النفسي والفلسفة
    وخاصة الماركسية مع لوي التوسير.
    أما في التصور الحديث فقدم الباحث
    تصور « جيني »، الذي يعتبر أن التناص يتم على مستوى الشكل والمضمون، وهو
    كذلك ظاهرة نقدية. لكن انطلاقا من أية لحظة يمكن الحديث عن وجود نص داخل
    آخر وفق مصطلح التناص؟ بمعنى متى يمكننا الحديث عن التناص؟ وهو السؤال الذي
    يرجعنا إلى سؤالنا النظري الأول ما هو التناص؟
    إن التناص عمل تحويل وتشرب واستيعاب وتمثل لعدة نصوص، يقوم به نص مركزي يحتفظ بمركز الصدارة في المعنى.
    تتضح إذن المعالم الأولى لمفهوم التناص من خلال العلاقات التي يقدمها هذا التعريف « لجيني ». وأقطاب هذه العلاقات هي:
    1- النص المركز
    –2-النصوص الأخرى، عملية الاستيعاب والتحويل والتشرب.

    بعد
    ذلك يقدم الباحث تصور « أريفي » الذي يقول إن مفهوم التناص يعين على حل
    إحدى قضايا السميائيات الكبرى، في إطار تصور خاص للنص كنظام من العلاقات
    القائمة على مستويات التأثير والايحاء. ويربط كذلك مفهوم التناص بعملية
    القراءة.
    إن ما يضيفه تصور « أريفي » هو الجانب الوظيفي لمفهوم التناص،
    والمتعلق بطبيعته الإجرائية، التي مكنت السميائيات من حل بعض قضاياها
    الكبرى، والمتعلقة بعلاقة النص بالنصوص الأخرى. وهنا نكون قد قاربنا القسم
    الثالث والخاص بالطرح المنهجي لمفهوم التناص.

    أما ريفاتير، فيعتبر
    التناص منتجا للتدال، بينما القراءة الخطية لا تنتج سوى المعنى، فالمعنى
    بهذا التصور نصي ومرجعي، أما الدلالة، فهي نتاج العلائق بين الألفاظ
    والأنساق الشفوية الخارجية عن النص. و أساس هذا التصور هو اعتبار التناص
    انشغالا على اللغة في إطار ما يمكن أن نسميه التناص القصدي، الذي يجنح نحوه
    الكاتب عن وعي. فالنص الأدبي يتأسس على عدة مستويات من التسنين، منها سنن
    اللغة وسنن البلاغة وسنن الأدبية، وعلاقته بالإيديولوجيا. لكن إضافة إلى
    امتلاك النص لسننه الخاصة فهو كذلك نتاج عمل من الاستعادة والتحويل، الذي
    يستخدم عناصر خارجية عنه، فهو يكرر وينتج من جديد، ويعود إلى استعمال وحدات
    سبق أن خضعت لتسنينات مختلفة.

    والسؤال الذي يصل إليه الباحث في القسم الرابع هو: أين يتحقق التناص؟
    يفتتح
    الباحث تصوره برأيين متقابلين، الأول ل« » الذي يقول بأن التناص ينتمي إلى
    الخطاب وليس إلى اللغة، والثاني يؤكد على تناص اللغة. الذي يقول عنه
    الباحث بأنه تصور أغلب منظري التناص ومنهم الباحث المغربي محمد مفتاح
    وكريماص؛ وريفاتير؛ وباختين، الذي قدم الباحث تصوره. وأساس تصور باختين
    يمكن تكثيفه في مستويين:

    1- التناص في مستوى الخطاب واللغة؛
    2- تناص الأجناس.

    فالتناص
    في المستوى الأول يتحدد على عدة مستويات حوارية، ومنها خطابات الشخصيات،
    وعلاقة خطاب الكاتب والسارد وما يترتب عن ذلك من تعدد اللغات، فمن خلال
    كلام الترهينات السردية يسكن كلام الغير لغة العمل الأدبي. والتعدد اللغوي
    ناتج عن تعدد الأصوات المشكلة للنسيج السردي. فهذا التعدد على مستوى
    الأصوات، وبالتالي اللغات يؤسس التناص اللغوي داخل النص الروائي.
    أما
    تناص الأجناس الأدبية من منظور « باختين »، فيتأسس على تصور الأجناس
    الأدبية. إذ ينطلق « باختين » من التسليم بعدم اكتمال الجنس الأدبي
    وانفتاحه على أرباص محيطات مختلف الأجناس الأدبية المتاخمة له، أو التي
    تتشكل وتنمو مستقلة عنه. ففيما يخص الرواية، وعلاقتها بالأجناس الأخرى يقول
    « باختين » إن كل جنس أدبي بإمكانه أن يندرج داخل بنية الرواية.

    فالرواية
    حسب هذا التصور جنس منفتح، وهو ما يؤكده الباحث حين يسلم مع « باختين »
    بانفتاح الرواية، وتحولها المستمر، واستضافتها لأجناس ولغات أدبية متفاعلة،
    إما كنسق روائي أو كبناء قصدي يفعل فيه وعي الكاتب. وعلى هذا الأساس يتحدث
    باختين عن تناص اللغة وتناص الأجناس. وهو ما يؤدي إلى اعتبار النص عبارة
    عن تراتبية تجعله ينقسم إلى نصوص صغيرة تحيل عليه داخليا كما تحيل من جانب
    ثان على بنيات خارج نصية.

    1-2-3-نحو تصور لمفهوم التناص:

    قدم
    الباحث مفهوم التناص، في المرجعية العربية القديمة، والتي لم نركز عليها،
    لغياب صياغة نظرية واضحة للمفهوم، ثم في المرجعية الغربية من خلال تصور
    ميخائيل باختين الذي يشكل أساس التقديم النظري الذي قدمه الباحث بالإضافة
    إلى الاستئناس بتصور « » و«كريستيفا » و«كريزينسكي». لكن ما هو التصور
    الخاص للباحث لمفهوم التناص ؟ يتحدث الباحث عن التناص كإبداع وابتداع،
    ومحاكاة وأسلبة وتحوير، وتناص داخلي وآخر خارجي، وتناص وظيفي قصدي وغير
    قصدي، جزئيا كان أو كليا.

    يمكن بسهولة ضبط الحضور « الباختيني » في
    هذا التصور، والباحث لاينفي ذلك، إذ أثناء عرض المفهوم نجد عبارات من قبيل
    وإذا كنا مع « باختين » نسلم.... أو سلمنا مع «تودوروف».نؤكد انطلاقه من
    تصور « باختين » وكذلك « ». كما نجد حضور التصور التقليدي والقديم من خلال
    قوله « إبداع وابتداع » و « المحاكاة ».

    فالباحث،في ضوء هذه
    التصورات لمفهوم التناص، سيقارب )كتاب التجليات( من خلال فرضية أساسية هي
    أن هذا العمل الأدبي الروائي السردي يجسد في حد ذاته قيمة جمالية، بإمكانها
    أن تنسحب على مجموعة أعمال أدبية عربية، من حيث طبيعة الحساسية التي يصدر
    عنها، فهو كنص روائي يدخل في علائق متباينة من التناص مع أجناس أدبية
    مكتملة إلى جانب كتابات أخرى. وهنا نتساءل لماذا الانطلاق في تصور باختين
    لمقاربة مفهوم التناص؟

    فباختين لم يستعمل مصطلح التناص؛ ولكنه أسس
    له نظريا في كتاباته، وخاصة في كتابه شعرية دستويفسكي، وتكلم كثيرا عن
    مصطلح آخر هو الحوارية فهل "الحوارية" و"التناص"يحيلان على نفس المفهوم؟.

    لقد
    استكملت كريستيفا مفهوم الحوارية، وأسست من خلاله مفهوم التناص الذي قدم
    الباحث مضمونه، الذي يعرفه جرار جنيت "بعلاقة حضور متزامن بين نصين أو عدة
    نصوص، بمعنى، عن طريق الاستحضار (Editéquement) وفي غالب الأحيان بالحضور
    الفعلي لنص داخل آخر
    ويقدر جرار جنيت، في التناص، عدة علاقات من النص
    الأساس والنصوص الحاضرة، ومنها الاستشهاد (Citation)، والسرقات الأدبية
    Plagiat، والتلميح (L'allusion).
    لأن مفهوم الحوارية أشمل من التناص،
    ذلك أن الحوارية، تتجاوز المقاربة الدلالية إلى الاهتمام بتعدد اللغات داخل
    النص الروائي، وتعدد كلام الشخصيات وتعدد الأجناس داخل النص الروائي.

    فكيف ستكون مقاربة الباحث للتناص في النص الروائي المدروس ؟.
    1-3: التناص والنص الدينامي:
    يتناول
    الباحث متنا روائيا مغربيا مكونا من إحدى عشرة رواية، منطلقا من فرضية
    أساسية وهي "النص الدينامي التطوري"، فالنص يتطور على مر العصور بفعل تعاقب
    الأجناس، كما أنه ينمو ويعيش حركية داخلية؛ بعيش دينامية. وإذا أورد
    الأستاذ أحمد اليبوري مقارنة كريزنسكي بين الرواية والخلية، فإننا نقارن
    النص (النص الأدبي) بالأرض في علاقتها بالشمس، فالنص يدور حول نفسه (فهو
    دينامي) ويدور حول تاريخ الأجناس الأدبية، من مظاهر هذه الدينامية التناص،
    وذكر الباحث ثلاثة تحديدات لمفهوم التناص عند كل من جوليا كريستيفا
    وميخائيل ريفاتير وجرار جنيت وجان ماري شايفر.

    ترى جوليا كريستيفا
    أن إنتاج النص يقوم على أساس التفكيك والبناء من جهة وعلى تقاطع عدة
    ملفوظات لنصوص أخرى في فضائه الخاص"، أما تحديد ريفاتير فيعبر أن النص فضاء
    لنصوص متعددة تخترقه وتتفاعل فيه عن طريق أشكال شتى من الحوار والجدل. وفي
    إطار الدلالة يتحدث عن تحليل مسألة الدلالة السياقية والدلالة التناصية،
    وما ينشأ عن تفاعلهما من توليد. فالتناص آلية نصية مولدة للنص، وبالطبع فهي
    مولدة للدلالة.

    أما جرار جنيت، فيتحدث عن التسامي النصي الذي يشمل التناص والميتناص وموازي النص وجامع النص. ويشير شايفر ج. م إلى
    خاصية التعددية النصية، التي تعني العلاقات القائمة بين نص معين وعدة نصوص أخرى.

    1- 3- 1- التلقي الإبستمولوجي:
    رغم
    أن الباحث لم يخصص تحديدا نظريا مستقلا وخاصا لمفهوم التناص، إلا أن
    الإشارات المتضمنة في تحديده لمفهوم النص غنية منهجيا ونظريا، فالباحث لا
    ينطلق من رغبة التأصيل النظري للمفاهيم، بل ينطلق من استراتيجية إجرائية
    أساسها إجرائية المفهوم، وتوظيفه في إنتاج الخطاب النقدي، فمفهوم التناص
    وظف باعتباره آلية منهجية، تفكك وتبني دينامية النص إن حضور النصوص، أو
    اختراقها الفضاء نص روائي ما، يؤسس لعلاقة تفاعلية تبني الدينامية الداخلية
    للنص، وبالتالي تؤسس الدلالة.
    إن الباحث من خلال هذه الإشارات إلى
    مفهوم التناص، يحث القارئ على التسلح بآلية منهجية ضرورية لفهم بناء النصوص
    الروائية المدروسة، فجل الروايات توظف الحكي الشعبي، والأسطورة، والشعر،
    والإيديولوجيا، الحكم والتاريخ... إلى غيرها من النصوص المهاجرة والمستقرة
    في النص الروائي.

    انطلاقا من هذا الاعتبار تكسب هذه الإشارات لمفهوم التناص وعلى قلتها قوتها المنهجية.
    2- التفاعل النصي – التحليل.
    2-1-التفاعل النص في «الزيني بركات».

    بعد
    تقديمنا النظري لمفهوم التفاعل النص – التناص في المرجعية الغربية،
    وتقديمنا لتصور الباحث سعيد يقطين لمفهوم التفاعل النص وعلاقة تصوره
    بالمرجعية الغربية، سننتقل الآن إلى تتبع تطبيق تصور الباحث لمفهوم التفاعل
    النصي، من خلال تحليل مستوى التفاعل النصي في كتاب « انفتاح النص الروائي
    ».

    فكيف سينتقل الباحث من بناء التصور النظري إلى المستوى التطبيقي – التحليلي ؟.
    بعد
    أن أطر الباحث سعيد يقطين تصوره للتفاعل النصي، من خلال تحديد أشكاله
    الثلاثة، ينتقل الباحث إلى القسم التطبيقي، الذي قسمه إلى أربعة أقسام وهي:
    1- البنيات النصية.
    2- النص والمتفاعلات النصية.
    3- أنواع التفاعل النصي.
    4- أشكال التفاعل النصي ومستوياه.
    في
    البنيات النصية يعمق الباحث تصوره لمفهوم التفاعل النصي، من خلال الإجابة
    عن سؤال أساسي وهو علاقة النص بالنصوص الأخرى، مادام كل كاتب ينتج نصوصه
    الإبداعية ضمن بنية نصية سابقة أو معاصرة.

    فما هي نوعية العلاقة بين النص الأدبي المنتج والبنية النصية المنتيجة ؟.
    يتحدث
    الباحث عن عدة علاقات، ومنها التكرار والتحويل، وبالتالي يمكن الحديث عن
    نصية النص ضمن شروط إنتاجية. فالعلاقة بين البنية النصية والبنية النصية
    المتفاعل معها ليست بالبسيطة، ذلك أن التفاعل النصي بين بنيتين نصيتين، لا
    يكون دائما مباشرا وقد يكون ضمنيا، ويمكن الحديث عن علاقة صدامية أو سجالية
    بين البنيتين النصيتين.

    فعلى أساس تصور الباحث للتفاعل النصي،
    سيقوم بتحديد البنية التي أنتج ضمنها النص الروائي المدروس، « الزيني بركات
    » كنص أساسي والنصوص الروائية الأربعة الأخرى، ثم يحدد البنيات النصية
    التي تفاعل معها النص، والتي يسميها المتفاعلات النصية وبعد ذلك سيقوم
    الباحث بتشخيصها ثم الكشف عن علاقاتها ببنية النص الروائي المدروس، وطرق
    اشتغالها.
    فما هي إذن، المتفاعلات النصية التي يستوعبها نص الزيني بركات أو النصوص الأخرى ويتفاعل معها.

    ينطلق الباحث في حصر هذه المتفاعلات النصية من خلال تصنيفها إلى:

    أ‌- متفاعلات قديمة، وتشمل: متفاعلات تاريخية، ودينية و أدبية.
    ب‌- متفاعلات حديثة، وتتضمن: متفاعلات تاريخية، وإعلامية ثم أدبية وثقافية.
    أ‌-
    فالمتفاعلات القديمة هي كذلك من حيث زمن إنجازها كبنيات نصية، وتتأسس هذه
    المتفاعلات على تشاكل القدم، من خلال تكثيف مقوم القدم في المكونات
    الثلاثة، التي هي:

    1- متفاعلات تاريخية: فنص « الزيني بركات » أساسا
    حافل بهذه المتفاعلات، التي تمتد إلى التاريخ السحيق.من خلال الإشارة إلى
    وقائع تاريخية أو شخصيات مرجعية أو أحداث تاريخية، وسواء كان هذا التاريخ
    عربيا إسلاميا، أو غير عربي، يمتد من آدم إلى العصر الحديث.
    2- متفاعلات
    دينية: تتحقق من خلال ورود أسماء دينية، ومقاطع من القرآن أو الكتاب
    المقدس، وبعض الإشارات الدينية، مثل الشعائر- رمضان-الصلاة، والأحاديث
    النبوية - أوالصوفية ...
    3- متفاعلات أدبية: يحددها الباحث في كل
    البنيات المتصلة بالأدب في جانبه الكتابي أوالشفاهي، ففي الشعر نجد
    متفاعلات نصية عربية، وغربية، إشارات إلى الإليادة ودانتي في )عودة الطائر(
    وشكسبير )الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائم (كما نجد
    حضور الأسطورة والحكاية الشعبية.

    ب‌- المتفاعلات الحديثة تتضمن
    متفاعلات تاريخية وإعلامية و أدبية – ثقافية- ويستثني الباحث رواية «
    الزيني بركات »- ويدرج باقي الروايات الأخرى لتحليل حضور المتفاعلات
    الحديثة:

    1- متفاعلات تاريخية: تتضمن الأحداث التاريخية، التي
    تتداخل مع واقع كتابة النصوص زمنيا، ويقدم نموذج الأحداث الواقعة في زمن
    القصة: مثل حرب 1948-1967، عبد الناصر، انقلابات.
    2- متفاعلات إعلامية: تدخل ضمنها البنيات النصية المتصلة بالإعلام: مثل المذياع- الصحافة المكتوبة- لافتات- الدعاية- الانتخابات...
    3-
    متفاعلات أدبية وثقافية: كورود نصوص شعرية من توفيق، و محمود درويش
    )الوقائع( وأخرى لشعراء زنوج )عودة الطائر-الزمن الموحش(- إضافة إلى عدة
    شخصيات مهتمة بالأدب والثقافة.

    كانت هذه المتفاعلات النصية التي
    تفاعل معها النص الروائي واستوعبها ضمن بنيته وبنائه النصيين. وكل نص يحدد
    علاقته الخاصة مع تلك المتفاعلات، وهكذا يتحدث الباحث عن بروز هذه
    المتفاعلات في بعض الروايات « كالزيني بركات »، وعلى هذا الأساس يعتبرها
    القراء تستفيد من التراث، كما يتحدث عن عدم إبراز هذه المتعاليات في بعض
    النصوص الروائية الأخرى كرواية )أنت منذ اليوم( و )الزمن الموحش( التي حسب
    الباحث تحضر فيها المتفاعلات النصية في الخلفية.

    لكن كيف توظف هذه
    المتفاعلات النصية؟ كيف يستوعبها النص ويتفاعل معها؟ وما هي أنواع التفاعل
    النصي المهيمن في النص؟ و ما هي دلالات حضورها في النص؟.

    إنها تقريبا مجموع الأسئلة التي سيعمل الباحث على مقاربتها من خلال تحديده لأنواع التفاعل النصي، ودراسة أشكاله ومستوياته، ودلالاته.
    - حدد الباحث أنواع التفاعل النصي الحاصل بين النص ومتفاعلاته النصية في ثلاثة أنواع وهي ما رأيناه سابقا:
    1- المناصة؛
    2- التناص؛
    3- الميتانصية.
    حدد
    الباحث هذه الأنواع من التفاعل النصي في كل من رواية: )عودة الطائر(- )أنت
    منذ اليوم(- )الوقائع الغريبة(- )الزمن الموحش( ويستثني رواية )الزيني
    بركات(، الرواية الأساس في العمل النقدي،
    1- فالمناصة عرفها الباحث
    بأنها هي عملية التفاعل ذاتها، وطرفاها الرئيسيان هما النص والمناص. وتتحدد
    العلاقة بينهما من خلال مجيء المناص كبنية نصية مستقلة ومتكاملة بذاتها...
    وتأتى مجاورة لبنية النص الأصل. ويقصي الباحث المناصات الخارجية كالعناوين
    والهوامش، والقصيدة التي صدرت بها الزمن الموحش، والكلمات التي تكتب على
    ظهر الغلاف.
    ثم يقدم نماذج من المناصة في)عودة الطائر( ص 28-29)وفي أنت
    منذ اليوم( ص 40-41. وفي )الوقائع( ص 63-37-. فبعد تحليله لهذا النوع من
    التفاعل النصي يحدد أبعاد المناصة من خلال تحقيق ثلاثة أبعاد وهي:

    1- المماثلة أو التشبيه ويحددها في المثال الأول )عودة الطائر(.
    2- المعارضة، ويحددها في النموذج الثاني )أنت منذ اليوم(.
    3- التفسير في )الوقائع الغربية(.

    فما هي وظائف هذه العلاقات الثلاث ؟

    يتحدث
    الباحث عن تحقيق عدة وظائف منها وظيفة جمالية وتدخل في إطار الخلق
    والإبداع الأدبي وجمالية نسيج النص، ووظيفة بلاغية تعمل على تعميق تجاوبنا
    وفهمنا للنص عن طريق الانزياح عن التعبير المباشر في السياقات التي ترد
    فيها. ثم وظيفة دلالية والتي تتعمق من خلال هذه العلاقات.
    2) التناص:
    يحدده الباحث، « بأننا في التناص كعملية نجد المتناص يأتي مندمجا ضمن النص،
    بحيث يصعب على القارئ غير المكون أن يستطيع تبين وجود التناص ويشبهه
    الباحث بصيغة الخطاب المنقول غير المباشر الذي يتكلم فيه الراوي بصوته وهو
    يتحدث عن صوت الآخر (الشخصية) .
    ويمثل للتناص بثلاثة نماذج سردية من )الزمن الموحش( ص 76 ومن ) الزيني بركات( ص 138-139 ومن )عودة الطائر( ص 115 – 116.
    إن
    المناصات التي استخرجها الباحث تحيل كلها إلى نصوص سابقة دينية، في
    النموذج الأول، وتنتمي إلى الحكاية الشعبية، والمعتقد الشعبي (إنجاب
    البغلة) في النموذج الثاني، ومرتبطة بقصة (العروس والضبع) في رواية )عودة
    الطائر(. وجاءت هذه المتناصات إما محولة لإنتاج دلالة أخرى، أو مضمنة دلالة
    مغايرة.

    3) الميتانصية: وحددها الباحث بكونها تشبه كعلاقة بين النص
    والميتانص من حيث طبيعتها التركيبية والبنيوية المناصة ، إلى أن نوع
    التفاعل يختلف بينهما دلاليا . إذ أن التفاعل يقوم هنا على أساس النقد أي
    أن الميتانص يأتي نقدا للنص وعليه يكون الميتانص إما أدبيا أو إيديولوجيا،
    أوتاريخيا.. ويعطي الباحث أربعة أمثلة، من كل من )الزمن الموحش( ص 65-66
    و)الوقائع الغريبة( ص 34، ويقدم نموذجا آخر من نفس الرواية ص 101 – 102
    والمثال الرابع من )عودة الطائر( ص 94-95.
    فكل هذه الأنواع من
    المتفاعلات النصية تتداخل فيما بينها، وتتفاعل مع النصوص، وتحضر في النص
    كبنيات نصية مستقلة يتغير موقعها، وتتغير وظيفتها وبالتالي دلالتها...
    فتصبح بذلك مكونا أساسيا في بناء النص وفي إنتاجيته الدلالية. وهذا النوع
    من التفاعل الحاصل بين هذه المتفاعلات النصية داخل النصوص الروائية سيعمل
    الباحث على رصده خلال القسم الأخير، الذي خصصه لدراسة أشكال التفاعل النصي
    ومستوياته.

    فيما يخص أشكال التفاعل النصي يتحدث الباحث عن ثلاثة أنواع من التفاعل النصي وهي:
    1-التفاعل النصي الذاتي؛
    2-التفاعل النصي الداخلي؛
    3-التفاعل النصي الخارجي.

    أما مستويات التفاعل النصي فقد تناولها الباحث من خلال مستويين،
    المستوى العام؛ رصد فيه بنية النص ككل مع بنية نصية أخرى منجزة تاريخيا؛
    والمستوى الخاص، حيث يتحقق التفاعل النصي مع بنيات جزئية وليس مع بنية كبرى.
    من
    خلال تقديمه النص، كنسق يخضع لبناء مزدوج على المستوى الداخلي، والخارجي،
    ومن خلال حديثه عن التفاعل النصي، وعن أشكال ومستويات هذا التفاعل، يكون
    الباحث سعيد يقطين قد أصل تصوره لمفهوم النص على المستويين النظري
    والتطبيقي، الذي اختصره بقوله « بانفتاح النص الروائي »
    ما هي القيمة المعرفية المستخلصة من تصور الباحث لمفهوم التناص (أو التفاعل النص)، في فهم كيفية بناء واشتغال النص الروائي العربي؟.

    يمكن مقاربة هذه القيمة انطلاقا من الأهداف المحددة من قبل الباحث. ويمكن تكثيف هذه الأهداف إلى:
    أ
    ـ أهداف منهجية: حيث ينطلق الباحث من التمييز بين النص والخطاب؛ فإذا كان
    في الخطاب قد تحدث عن صيغ تقديم القصة، ففي النص تحدث عن التفاعل النصي
    لدراسة علاقة النص بغيره من النصوص؛ فالباحث يضع "التفاعل النصي" في النص
    مقابل "صيغ الخطاب" في تحليلنا للخطاب الروائي.

    لتحقيق هذا الهدف
    يميز الباحث بين النص والبنية التي أنتج ضمنها، والبنيات النصية التي تفاعل
    معها (المتفاعلات النصية)، وهي التي حددها في متفاعلات قديمة (تاريخية
    ودينية وأدبية)؛ ومتفاعلات حديثة (تاريخية وإعلامية وأدبية وثقافية). إن
    هذه المتفاعلات يحتاج تحديدها إلى كفاية تفكيكية، وهو ما يصرح به الباحث
    بحديثه على تفكيك النص . فالتفاعل يتم بين البنية النصية المعاصرة وهي
    الأساس وبين البنية النصية غير المعاصرة. وتحدث الباحث عن سمات محددة
    للبنية الأساس وحددها في:
    1) هيمنة النص الشعري الجديد (أدبيا وثقافيا).
    2) هيمنة البعد التحرري والخطابات الماركسية والوجودية (إيديولوجيا)، فما هي السمات المحددة للمتفاعلات النصية؟
    إن
    الباحث لا يحدد نمذجة على غرار نمذجة صيغ الخطاب. بل يعتمد عدة سمات منها
    ما يعتمد على المكون التيماتيكي أو على السمة الخطابية (الخطاب التاريخي،
    الديني أو الأجناسية على السمة (الشعر).
    ب ـ أهداف معرفية:
    مكن
    التفاعل النصي من تفكيك بنية النص، وإعادة بنائها، لمعرفة كيفية بناء
    واشتغال النص، وتحديد العلائق التي تقيمها البنية الأساسية للنص الروائي مع
    المتفاعلات النصية، فالنص الروائي فضاء غير متجانس من الخطابات والنصوص،
    فهو نسيج من البنيات النصية، وهنا سنعود إلى إعادة طرح سؤال سابق: ما هو
    النص؟
    يقول الباحث "النص بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أو جماعية)، ضمن
    بنية نصية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة. لن نعود مرة
    أخرى إلى تقديم عناصر هذا التحديد، بل سنعمل على إعادة صياغته.
    قال
    الباحث إن النص تنتجه ذات (فردية أو جماعية)، أما نحن فنرى أن الذات هي في
    نفس الوقت فردية وجماعية، فالنص منتج من طرف كاتب يمثل ذاتا جماعية،
    باعتباره تكثيفا لتجارب جماعية، ومعبرا عن وعي جمعي، ومنطلقا من بنى ذهنية
    كلية، إن هذا التحديد يقودنا إلى طرح السؤال التالي:

    كيف تتمظهر الذات الجمعية في النص؟
    إذا
    سلمنا مع السرديات بأن الراوي يتقاسم سلطة السرد وتقديم القصة مع شخصياته،
    فإن الكاتب هو الآخر يتقاسم إنتاج النص مع عناصر أخرى، ومنها الذات
    الجماعية، التي تلج عالم النص خلسة، ودون إذن الكاتب، وعلى المحلل أن يحدد
    أماكن وطبيعة هذا الحضور، وعندما تقرأ تفكيك الباحث للمتفاعلات النصية
    وعلاقاتها وأشكالها نخرج بانطباع، وهو هيمنة الكاتب، فهو المنتج المطلق
    للنص، وحضور هذه المتفاعلات يدخل في استراتيجية الكاتب، فلا شيء يتسلل إلى
    النص بدون علم الكاتب.
    وأساس هذا التصور هو تحديد الباحث للنص الذي تنتجه ذات (فردية أو جماعية) وليس (فردية وجماعية).
    تحدث
    الباحث عن تناظر بين صيغ الخطاب ومتفاعلات نصية في النص، إلا أن الباحث
    حدد نمذجة للصيغ، ولم يحدد نمذجة للمتفاعلات، فرغبة الباحث في بناء نظرية
    لتحليل الخطاب الروائي تطور بويطيقا السرد بإدخال المسأة الدلالية كان
    الدافع الأساسي لبناء هذا التناظر بين الصيغة والتناص. لكن غياب نمذجة
    واضحة للتفاعلات النصية أخل بالنسقية التي يرغب الباحث تحقيقها لعمله.
    3- التناص في ) كتاب التجليات(: تناص أو حوارية
    ينطلق
    الباحث في تحليله التناص من ملاحظة أساسية حول "كتاب التجليات"، وهي عدم
    احتفاظه بنظام ثابت يسير عليه نظام المحكي، وانفتاحه ضمنيا على جملة ممكنات
    أدبية لتشييد معماريته ومبناه الحكائيين. تم محاورته لعدة أجناس متخللة
    تحفل بها الذاكرة العربية، كقصدية تناصية تجعلنا ننعت هذا الملمح "حوار
    الأجناس".

    فكتاب التجليات حسب هذه الملاحظة، نص تتعايش داخله عدة
    نصوص مختلفة الأجناس والأزمنة. وسيعمل الباحث على تفكيك هذه البنية
    الحوارية، من خلال مكونات النص الروائي، )كتاب التجليات( التي سبق أن حددها
    الباحث في القصة والخطاب.
    على مستوى الخطاب، يحتوي مورفولوجيا على عدة
    أنواع من الكتابات، فالاستهلال يوظف الكتابة النثرية (العربية الإسلامية)
    التقليدية، التي برزت إلى الوجود منذ تأسيس الدولة وستتطور هذه الكتابة
    بتطور الدولة العربية الإسلامية، فنجد الافتتاح بالبسملة والدعاء، ثم نجد
    حضور الكتابة الفلسفية والصوفية من خلال استثمار منطق الرحلة الرمزية إلى
    العالم الآخر. كما نجد الكتابة المرتبطة بالحس الشعبي والشعور الجماهيري –
    القومي في مناهضة الغزو الإسرائيلي الذي كان سببا في تغير الأحوال.

    فعلى
    المستوى المورفولوجي والمتكون من قصة الأب، وقصة جمال عبد الناصر وقصة
    الحسين، وما ينتج عن هذه القصص من حضور للواقع والتاريخ والرمز الديني،
    يجعل )كتاب التجليات( فضاء يتكون من أجناس متخللة ويتأرجح بين عدة أجناس
    عربية قديمة، ويجمع بين عدة شحلات من الكتابة الأدبية (الرسائل مثلا).

    فخطاب
    السارد يتشكل من المزج بين ما هو شفوي في القول كملفوظ، وبين ما هو مكتوب
    كأسلبة معيارية فخطاب السارد، إذن، يوظف الموروث الشفوي في بناء خطابه الذي
    يشكل مكونا أساسيا في معيار الخطاب السردي.
    ويضيف الباحث خاصية أخرى
    للراوي حين يصفه بالراوية أو الحاكي. وتغذي هذه الصفة حضور الموروث السردي،
    وهنا يوظف السارد الحاكي. الراوية، نصا تراثيا وهو الحكمة أو صيغة قول من
    الأقوال السائرة التي تغلف نبرتها الوعظية و التقليدية في عدة مقاطع من
    النص.
    ويورد الباحث عدة نماذج من هذه النصوص الحاضرة في الراوية ومنها:
    ص 51: كل شيء في سفر دائم.
    ص 52: الدنيا منزل من منازل المسافر.
    ص 93: نعم الذكرى لمن كان له قلب.
    ص 95: ما يجمعه وقت قد يفرقه وقت.
    إضافة
    إلى نماذج أخرى...وبجانب نص الحكمة نجد حضور البيت الشعري )ص:7 من
    الراوية(. ولهذا الحضور عدة وظائف منها المثل أو الحكمة، والتعليق، ثم
    الشرح.
    يسجل الباحث حضور المرجعية الدينية في النص الروائي المدروس، من
    خلال النص القرآني والحديث النبوي، وهو الحضور الذي يقول عنه الباحث: إنه
    يتخذ شكل إعادة إنتاج معنى القصة الدينية في القرآن. فنكون إزاء حالة تحويل
    للأقوال والملفوظات من سياق حدثي إلى آخر، وفق مرجعية ثقافية خاصة
    بالمؤلف، تعينه على إضفاء صورة القداسة والتمجيد على رؤيته للعالم.
    يعمل
    الباحث على ضبط التناص في النص، من خلال تحديد العلاقة بين هذه النصوص
    المهاجرة، ومنها النص الديني، الموروث السردي، حضور شخصيات مرجعية
    الخ...والنص الروائي، وذلك بتقطيع النص الروائي )كتاب التجليات( إلى
    مقطعين:

    1- المقطع الأول: يحفل بالكتابة النثرية الحديثة؛
    2- المقطع الثاني: يحتوي سردية عتيقة مهجنة تجمع بكثافة بين عدة سجلات للكتابة التراثية القديمة.

    إلا أن السارد حسب الباحث يتدخل بين الفينة والأخرى مخلحلا هذا التصنيف.
    فيمكن الحديث عن تداخل بين الأساليب المعاصرة وسجلات اللغة العتيقة، التي
    يمثلها أدب الرحلات، التاريخ، الحديث النبوي، والسيرة الشعبية، والرسالة
    الإخوانية، والفلسفة، بالإضافة إلى ما يسميه الباحث بمظاهر التناص الشكلي،
    الذي يحضر من خلال كثافة البناء النصي، الذي يعتبره الباحث موقفا شكليا
    ورؤيويا. وبذلك يتحول التناص من مجرد تعالق النصوص، إلى حوارية متعددة
    تتجاوز حدودها الشكلية لإحلال « الغير في تكوين النص».

    نلاحظ من
    خلال التحليل حضور تصور باختين لمفهوم التناص، والمتمثل في "الحوارية".
    فمادام الباحث يعتمد هذا المفهوم، لماذا الانطلاق من مفهوم التناص؛ لماذا
    ينطلق مباشرة من مفهوم الحوارية؛ فهل هذا راجع إلى اعتبار الباحث التناص
    والحوارية مصطلحين لمفهوم واحد؟

    - لا شك أن التناص من المفاهيم
    المستعصية على الضبط والتحديد، ومرد هذه الخاصية هو ارتباط المفهوم بمفهوم
    إشكالي اختلف في تحديده على مر العصور؛ وهو مفهوم النص. والباحث بالطبع على
    دراية بهذه الخاصية وهذه الصعوبة، وبذلك كان من اللازم تحديدي المفاهيم،
    وتحديد علاقة الحوارية بالتناص، وتحديد الأسباب النظرية والمنهجية الكامنة
    وراء اختيار مفهوم الحوارية.



    الهوامش
    1 - مفتاح (محمد): المفاهيم معالم، م. م، ص: 40.
    - يقطين (سعيد): انفتاح النص الروائي، م. م، ص: 91.
    - نفسه، ص: 91.
    - نفسه، ص: 91.
    - نفسه، ص: 32.
    - أعمال الندوة منشورة في: .Littérature N° 41- 1981
    - يقطين (سعيد): انفتاح النص الروائي، م. م، ص: 76 ـ 97.
    - نفسه، ص: 98.
    - نفسه، ص: 98.
    - نفسه، ص: 99.
    - نفسه، ص: 100.
    - نفسه، ص: 32.
    - نفسه، ص: 32.
    -نفسه، ص: 94.
    - الدراسة بعنوان: Intertexte et autotexte منشورة بمجلة ـ Poétique, n° 27, 1976. PT. 257- 281
    -
    اعتمدنا ترجمة للأستاذ احمد اليبوري "الانشطار"، الرجوع إلى كتاب دينامية
    النص الروائي، م. م، ص: 45. هو La myse en abyme وقد خصص لوسيان ديلتبخ
    كتابا بعنوان: Le récit spéculaire, Seuil, 1977.
    - يقطين (سعيد): انفتاح النص الروائي، م. م، ص: 95.
    - نفسه، ص: 96.
    - نفسه، ص: 98.
    - القمري (بشير): شعرية النص الروائي، م. م، ص: 67.
    - نفسه، ص: 70.
    - نفسه، ص: 70.
    - نفسه/ ص: 70.
    - نفسه، ص: 73.
    - نفسه، ص: 73.
    - نفسه، ص: 74.
    - الرجوع إلى كتاب: محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص). المركز الثقافي العربي، 1992.
    - القمري (بشير): شعرية النص الروائي، م. م، ص: 79.
    - نفسه، ص: 81.
    - باختين(ميخائيل): التعدد اللغوي . مذكور في شعرية النص الروائي، ص: 82.
    - القمري (بشير): شعرية النص الروائي، م. م، ص: 83..
    - نفسه، ص: 83.
    - نفسه، ص: 86.
    - القمري (بشير): شعرية النص الروائي، م.م، ص: 83.
    - نفسه، ص: 87.
    -
    يقول كريزنسكي (فكما أن الخلية مكونة من جزئيات، فإن الرواية توظف معطيات
    وراثية تحدد نمذجاتها" ذكره الباحث (ص: 19) من كتاب: Carrefours de signes,
    essais sur le roman moderne, Mouton, 1981, p: 5.
    - اليبوري (أحمد): دينامية النص الروائي، م. م، ص: 15.
    - نفسه ص: 15.
    - نفسه ص: 103.
    - نفسه ص: 103.
    - الروايات الأخرى هي: عودة الطائر، أنت منذ اليوم، الزمن الموحش، والوقائع.
    يقطين (سعيد): انفتاح النص الروائي، م. م،
    - نفسه ص: 107.
    - نفسه ص: 107.
    - نفسه ص: 108.
    - نفسه ص: 109.
    - نفسه ص: 109.
    - نفسه ص: 109.
    - الرجوع إلى انفتاح النصالروائي، ص: 112.
    - نفسه، ص: 115.
    - نفسه، ص: 115.
    - نفسه، ص: 115
    - نفسه، ص: 118.
    - يقطين (سعيد): انفتاح النص الروائي، م. م، ص: 91.
    - نفسه، ص: 91.
    - نفسه، ص: 32.
    القمري (بشير): شعرية النص الروائي، م. م، ص: 88.
    - نفسه، ص: 89.
    - نفسه، ص: 90.
    - نفسه، ص: 90، 91.
    - نفسه، ص: 92
    - نفسه، ص: 93.
    - نفسه، ص: 124.


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 8:21 am