منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الصورة الشعرية بين إبداع القدامى وابتداع المحدثين

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الصورة الشعرية بين إبداع القدامى وابتداع المحدثين  Empty الصورة الشعرية بين إبداع القدامى وابتداع المحدثين

    مُساهمة   الجمعة مايو 20, 2011 11:22 am

    الصورة الشعرية بين إبداع القدامى وابتداع المحدثين …


    بقلم: أ. عبد الحميد قبايلي *


    المحرر | أكاديميا, مقالات و دراسات أدبية | 2010.09.211tweetretweet



    الصورة الشعرية بين إبداع القدامى وابتداع المحدثين  %D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9

    ـ مدخل :

    1- مفهوم الصورة :


    عالم الشعر , عالم جميل يموج بالحركة
    والألوان , لغته لا تعترف بالحدود و المنطق, يسعى الشاعر فيه وراء المطلق
    للتمسك به عبر تجربته الشعرية , متوسلا في ذلك الكلمة و الرمز و الإيقاع و
    الصورة » إنه (الشعر) صياغة جمالية
    للإيقاع الفني الخفي الذي يحكم تجربتنا الإنسانية الشاملة , وهو بذلك
    ممارسة للرؤية في أعماقها , ابتغاء استحضار الغائب من خلال اللغة
    «[1]. وهو ليس كالنثر » الذي قوامه العقل و المنطق والوضوح … و يؤدي وظيفة إبلاغية مباشرة « [b][2]
    , إلا أن الشعر بخلاف ذلك » فهو يعتمد على الخيال أو الرؤية التي تحيد بدلالة اللغة الحقيقية عما وضعت لها أصلا لتشحنها بمعان جديدة وإيحاءات غير مألوفة« [3] [/b]

    و يذكر ” أدونيس ” في كتابه ( مقدمة للشعر العربي ) أن الشعر » يأتي مفاجئا , غريبا عدو المنطق والحكمة والعقل ندخل معه إلى حرم الأسرار و يتحد بالأسطوري العجيب السحري«[4]

    و الشعر أو الشاعر , لا ينقل لنا الدلالات
    و المعاني بصورة رتيبة كما هي في الواقع , ولكنه يروم إلى اكتشاف كنه
    الأشياء بالشعور و الحدس لا بالعقل و الفكر . »
    لأن الفكر لا يجوز أن يدخل العالم الشعري إلا متقنعا غير سافر متلفعا
    بالمشاعر و التصورات و الظلال ذائبا في وهج الحس و الانفعال … ليس له أن
    يلج هذا العالم ساكنا باردا مجردا
    «[5]


    فالشاعر إذًا ليس كالعالم أو المفكر الذي يعبر بالكلمة العارية , إنه يعبر بالصورة و الإشارة و الرمز .

    2- مفهوم الصورة :

    إنَّ تحديد ماهية الصورة تحديدا دقيقا من
    الصعوبة بمكان , لأن الفنون بطبيعتها تكره القيود ، ولعل هذا هو السر في
    تعدد مفاهيم (الصورة) وتباينها بين النقاد ، بتعدد اتجاهاتهم ومنطلقاتهم
    الفكرية والفلسفية وبالتالي أضحى للصورة مفهومان :


    - مفهوم قديم لا يتعدى حدود التشبيه و المجاز و الكناية

    - مفهوم جديد يضيف إلى الصورة البلاغية : الصورة الذهنية و الصورة الرمزية بالإضافة إلى الأسطورة لما لها من علاقة بالتصوير .





    3- مفهوم الصورة لغة :

    جاء فيلسان العرب لابن منظور , مادة ( ص .و. ر) » الصورة في الشكل , والجمع صور , وقد صوره فتصور , وتصورت الشيء توهمت صورته , فتصور لي , والتصاوير : التماثيل.

    قال ” ابن الأثير
    ” : الصورة ترد في لسان العرب (لغتهم) على ظاهرها , وعلى معنى حقيقة الشيء
    وهيئته , وعلى معنى صفته , يقال: صورة الفعل كذا وكذا أي هيئته , وصورة
    كذا وكذا أي صفته
    « [b][6]
    [/b]
    - و أما التصوُّر فهو [b]» مرور الفكر بالصورة الطبيعية التي سبق أن شاهدها وانفعل بها ثم اختزنها في مخيلته مروره بها يتصفحها « [b][7][/b][/b]


    - وأما التصوير فهو إبراز الصورة إلى الخارج بشكل فني , فالتصوُّر إذا عقلي أما التصوير فهو شكلــي »إن التصوُّر هو العلاقة بين الصورة والتصوير , و أداته الفكر فقط , وأما التصوير فأداته الفكر واللسان واللغة «[b][8][/b]


    - و التصوير في القرآن الكريم , ليس تصويرا شكليا بل هو تصوير شامل [b]»فهو
    تصوير باللون , وتصوير بالحركة وتصوير بالتخييل , كما أنه تصوير بالنغمة
    تقوم مقام اللون في التمثيل , وكثيرا ما يشترك الوصف والحوار , وجرس
    الكلمات , ونغم العبارات , وموسيقى السياق في إبراز صورة من الصور
    « [b][9]
    [/b][/b]



    4- مفهوم الصورة في الاصطلاح :

    إنَّ الدارس للأدب العربي القديم لا يعثر
    على تعبير الصورة الشعرية في التراث الأدبي بالمفهوم المتداول الآن , وإنَّ
    كان شعرنا القديم لا يخلو من ضروب التصوير – كما أسلفت – لأن الدرس النقدي
    العربي كان يحصر التصوير في مجالات البلاغة المختلفة كالمجاز و التشبيه و
    الاستعارة.


    أما الصورة الشعرية -كمصطلح نقدي- الذي
    يُعنى بجماليات النص الأدبي قد دخل النقد العربي في العصر الحديث تأثرا
    بالدراسات الأدبية الغربية , ومسايرة لحركة التأثير والتأثر التي عرفتها
    الآداب العالمية




    وهو يتطور في حركية دائبة نحو الكمال ,
    أخذ بقدر ما أعطى , وهذا ليس عيبا بقدر ما هو سعيٌ نحو المعاصرة ومحافظة
    على الأصالة و التميز.










    العربي وهو يتطور في حركية دائبة نحو
    الكمال , أخذ بقدر ما أعطى , وهذا ليس عيبا بقدر ما هو سعيٌ نحو المعاصرة
    ومحافظة على الأصالة و التميز.


    لقد ركزت أكثر التعريفات النقدية للصورة على وظيفتها ومجـال عملهـا في الأدب , ويلاحـظ الأستاذ ” الدكتور أحمد علي دهمان ” أن »
    مفهوم الصورة الشعرية ليس من المفاهيم البسيطة السريعة التحديد , وإنما
    هناك عدد من العوامل التي تدخل في تحديد طبيعتها : كالتجربة والشعور والفكر
    والمجاز والإدراك والتشابه والدقة … فهي من القضايا النقدية الصعبة , ولأن
    دراستها (الصورة) لا بد أن تُوقِع الدارس في مزالق العناية بالشكل أو بدور
    الخيال أو بدور موسيقى الشعر كما هو في المدارس الأدبية
    «[b][10]
    [/b]

    فالصورة عند ” أحمد علي دهمان ” مركبة و
    معقدة و تستعصي على الدارس. وللوقوف على مفهوم الصورة الشعرية وأهم عناصرها
    التركيبية , بودي أن أتتبع تعريفاتها عند القدماء مرورا بالمحدثين
    الغربيين ثم المحدثين العرب . لقد ظهر الاهتمام بالصورة في الدرس الأدبي
    عموما ، و الشعر خصوصا ، منذ حركة الترجمة التي عرفها الفكر العربي عن
    الفلسفة اليونانية ، ومدى الاحتكاك الحادث بين الحضارتين الغربية والعربية.


    »
    فإذا كان الاهتمام بالصورة أصيلا بالنظر إلى الإبداع الأدبي وتحليله , فقد
    رأينا أن الاصطلاح قديم كذلك , يتردد في المصنفات النقدية , وإِنْ برُؤَى
    تتقارب حينا ، وتتباعد حينا آخر , فهو ليس جديدا ولا يخفى أن التذوق
    الجمالي منذ أن كان الشعر في المجتمعات القديمة كان مصدره الصورة التي
    تساعد على اكتمال الخصائص الفنية في الفن و الأعمال الأدبية [b][11]
    [/b]

    4.1- مفهوم الصورة عند القدماء : لقد
    كانت الصورة الشعرية وما تزال موضوعا مخصوصا بالمدح و الثناء , ولها من
    الحظوة بمكان , والعجيب أن يكون هذا موضع إجماع بين نقاد ينتمون إلى عصور و
    ثقافات متنوعة , فهذا ” أرسطو ” يميزها عن باقي الأساليب بالتشريف , فيقول
    : »ولكن أعظم الأساليب حقا هو أسلوب الاستعارة…وهو آية الموهبة «[12]


    ومما تقدم نخلص إلى أن ” أرسطو” يربط
    الصورة بإحدى طرق المحاكاة الثلاث ، ويعمِّق الصلة بين الشعر والرسام ,
    فإذا كان الرسام وهو فنان يستعمل الريشة والألوان , فإن الشاعر يستعمل
    الألفاظ والمفردات ويصوغها في قالب فني مؤثر يترك أثره في المتلقي .


    وحتى تكون الصورة حية في النص الأدبي ,
    لها ما لها من مفعول و تأثير , فلا بد لها من خيال يخرجها من النمطية
    والتقرير والمباشرة , فالخيال هو الذي يحلِّق بالقارئ في الآفاق الرحبة ,
    ويخلق له دنيا جديدة , وعوامل لا مرئية تخرجه من العزلة والتقوقع.


    فالخيال الذي يرى فيه ” سقراط ” نوعا من الجنون العلوي , والأمر نفسه عند ” أفلاطون ” الذي كان يعتقــد »أن الشعراء مسكونون بالأرواح, وهذه الأرواح من الممكن أن تكون خيِّرة كما يمكن أن تكون أرواحا شرِّيرة «[13]

    وهذا الاعتقاد بأن الشاعر مهووس , وله
    علاقة بالأرواح والجن , له أثره في الشعر العربي القديم , فقد نُسِب إلى
    الشعراء المجيدين أن أرواحهم ممزوجة بالجن , كما نُسبوا إلى (وادي عبقر)
    الذي تسكنه الجن حسب اعتقادهم و زعمهم , وكان وراء كل شاعر مجيد جِنٌّ
    يسنده و يلهمه. لقد أخذ العرب القدماء مفهوم الصورة مع الفلسفة اليونانية ,
    وبالذات الفلسفة الأرسطية , وجرَّهُم فصل ” أرسطو ” بين الصورة والهُيُولي
    (مادة يصعب الإمساك بها ) إلى الفصل بين اللفظ والمعنى في تفسير القرآن
    الكريم ، وسرعان ما انتقل هذا الفصل بين اللفظ والمعنى إلى الشعر الذي
    يُعَد من الشواهد في تفسير القرآن الكريم على حد تعبير الدكتور”علي البطل” [14]فأبو هلال العسكري” يعلنها صراحة »الألفاظ أجساد و المعاني أرواح«[b][15]
    أما “الجاحظ “فيرى »أن المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي , والبدوي والقروي , وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ,[/b]

    وسهولة المخرج , وكثرة الماء , و في صحة الطبع وجودة السبك , وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير«[16]

    ويرى الدكتور ” فايز الداية ” أن ” السكّاكي ” في كتابه ( مفتاح العلوم )
    اهتم كثيرا بالتفريعات ، و أهمل الأصول وكذا النصوص الإبداعية , فكانت
    جهود السكّاكي رغم أهميتها عبارة عن تقنين وتقعيد بعيدا عن جوهر البلاغة
    وروحها. وهذا ما يلاحظه كثير من علماء البلاغة الذين جاءوا من بعد ”
    السكاكي ” , وكل دارس تعامل مع الكتب البلاغية القديمة »وهذا مما أثر سلبا في الإنتاج الأدبي الذي لم يجد من يُقوِّمُهُ ويُبَيِّنُ أَلَقَهُ «[17]


    وضمن هذا الجو الذي اختلطت فيه القيم
    النقدية , وضاعت فيه المفاهيم البلاغية الجوهرية , وضع “عبد القاهر
    الجرجاني” القواعد الأساسية في البناء النقدي العربي من خلال فهمه لطبيعة
    الصورة ، التي هي عنده مرادفة للنظم أو الصياغة , فنظرية النظم عنده لا
    تعني رصف الألفاظ بعضها بجانب بعض بقدر ما تعني تَوَخِّي معاني النحو التي
    تخلق التفاعل و النماء داخل السياق.


    فالصورة إذًا حسب نظرية النظم مرتبطة
    ارتباطا وثيقا بالصياغة ، وليس غريبا أن يراوح النقد العربي مكانه ويهتم
    بالشكليات و التفريعات و التقنين و التقعيد لمختلف العلوم وبخاصة البلاغية
    منها , “فالجاحظ” يرى أن الشعر ضرب من التصوير بينما نجد “قدامة بن جعفر”
    قد فتح الباب واسعا أمام المنطق في الشعر ,وبالتالي صار مفهوم الصورة
    متأثرا بهذه الثقافة النقدية حيث أصبحت مقصودة لذاتها , أي أنها غاية وليست
    وسيلة لفهم الشعر و إبراز جمالياته للمتلقي. فكانت الصورة عندهم (القدماء)
    جزئية لا كاملة , فهي لا تتعدى كونها استعارة و تشبيها وكناية وغيرها من
    علوم البلاغة التي تهتم بتنميق المعنى ليس إلا.


    وفي ظل هذا الموروث بادر “عبد القاهر الجرجاني” إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة ووضع الأصول الصحيحة, لتغيير ما هو سائد عند سابقيه ,» فلم
    يتعمَّق أحد من النقاد العرب القدماء ما تعمَّقه عبد القاهر الجرجاني في
    فهم الصورة معتمدا في كل ذلك أساسا على فكرته على عقد الصلة بين الشعر و
    الفنون النفعية و طرق النقش و التصوير
    «[18].


    5- مفهوم الصورة عند الغربيين :

    يُعرِّف الشاعر الفرنسي “بيار ريفاردي” (1889- 1960) – وهو من المدرسة الرومانتيكية- لفظة صورة IMAGE بأنها: »إبداع
    ذهني صرف , وهي لا يمكن أن تنبثق من المقارنة و إنما تنبثق من الجمع بين
    حقيقتين واقعيتين تتفاوتان في البعد قلة وكثرة , ولا يمكن إحداث صورة
    المقارنة بين حقيقتين واقعيتين بعيدتين لم يَدْرِكُ ما بينهما من علاقات
    سوى العقل
    « [b][19]
    [/b]

    فالصورة إذًا عند “ريفاردي” وغيره من الرومانسيين إبداع ذهني تعتمد أساسا على الخيال , و العقل وحده هو الذي يدرك علاقاتها.

    وكان لنظرية “كولريدج” في الخيال أثر كبير
    في بناء الصورة الشعرية لأنه يقوم بالدور الأساس في بنائها عن طريق الجمع
    بين عناصرها المختلفة.


    وترتبط الصورة بالخيال ارتباطا وثيقا فبواسطة فاعلية الخيال ونشاطه »
    تنفذ الصورة إلى مُخَيِّلَة المتلقي فتنطبع فيها بشكل معين وهيئة مخصوصة ,
    ناقلة إحساس الشاعر تجاه الأشياء , وانفعاله بِها , وتفاعله معها
    «[20]


    وإذا ما عرَّجنا على المدارس الأدبية الحديثة ونظرتها إلى الصورة , نجد أن ( البرناسية ) لا تعترف إلا بالصورة المرئية المجسمة أو ما يسمى ( بالبلاستيكية ) بعيدا عن نطاق الذات الفردية , وأما ( الرَّمزية )
    فهي لا تقف عند حدود الصورة كالبرناسية ولكنها تطلب أن يتجاوزها الفنان
    إلى أثرها في أعماق النفس أو اللاشعور و بالتالي ابتدعوا وسائلهم الخاصة في
    التعبير كتصوير المسموعات بالمبصرات , والمبصرات بالمشمومات وهو ما يسمى (بتراسل الحواس).


    أما ( السريالية ) فقد
    اهتمت بالصورة على أساس أنها جوهر الشعر ولبُّه ، وجعلت منها فيضا يتلقَّاه
    الشاعر نابعا من وجدانه , وبذلك تبدو الصورة خيالية وحالمة.


    إلا أن ( الوجودية )نظرت إلى الصورة على أنها عمل تركيبي يقوم الخيال ببنائها. [21]

    وانطلاقا من هذه الاتجاهات – التي ذكرناها – نخلص إلى النظرة المتكاملة لمفهوم الصورة الشعرية على حد تعبير “علي البطل” أنهـا :»تشكيل
    لغوي يُكَوِّنُهَا خيال الفنان من معطيات متعددة , يقف العالَم المحسوس في
    مقدِّمتها , لأن أغلب الصور مستمَدَّة من الحواس على جانب ما لا يمكن
    إغفاله من الصور النفسية والعقلية
    «[22]


    6- مفهوم الصورة عند العرب المحدثين :

    لقد توسَّع مفهوم الصورة في العصر الحديث إلى حد »
    أنه أصبح يشمل كل الأدوات التعبيرية مما تَعوَّدنا على دراسته ضمن علم
    البيان و البديع و المعاني و العَروض و القافية و السَّرد و غيرها من وسائل
    التعبير الفنِّي
    « [23]وهي عند “عبد القادر القط”: »الشكل
    الفني الذي تتَّخذه الألفاظ و العبارات يَنظِمها الشاعر في سياق بياني خاص
    ليُعَبِّر عن جانب من جوانب التجربة الشعرية الكامنـة في القصيدة ,
    مستخدمـا طاقات اللغـة و إمكاناتها في الدلالة و التركيب و الإيقاع و
    الحقيقـة و المجـاز و الترادف و التضـاد و المقابلة و التجانس و غيرها من
    وسائل التعبير الفني … و الألفاظ و العبارات هي مادة الشاعر الأولى التي
    يَصُوغ منها ذلك الشكل الفني أو يرسم بها صوره الشعرية
    «[24]


    لم يعد مفهوم الصورة الشعرية في النقد
    العربي الحديث ضيِّقًا أو قاصرا على الجانب البلاغي فقط بل اتسع مفهومها ، و
    امتد إلى الجانب الشعوري الوجداني غير أن مصطلح الصورة الشعرية لم
    يُستعمَل بهذا المعنى إلا حديثا , فهو عند” مصطفى ناصف ” يستعمل عادة
    للدلالة على كل ما له صلة بالتعبير الحسي.


    وتطلق أحيانا مرادفة للاستعمال الاستعاري للكلمات. و يقول في موضع آخر » إن لفظ الاستعارة إذا أُحسِن إدراكه قد يكون أَهْدَى من لفظ الصورة« [25]و يُعَقِّب الأستاذ ” أحمد علي دهمان” على تعريف الدكتور “مصطفى ناصف” للصورة قائلا: »
    أنه قَصَرَ الدِّلالة على الاستعمال المجازي , مع أن كثيرا من الصور لا
    نصيب للمجاز فيها , وهي مع ذلك صور رائعة , خِصبة الخيال , ثَرَّة العاطفة ،
    و تدل على قدرة الأديب على الخلق أيضا
    «[26]


    وهي عند الدكتور ” نعيم اليافي “: »واسطة
    الشعر وجوهره , وكل قصيدة من القصائد وحدة كاملة , تَنْتَظِمُ في داخلها
    وحدات متعددة هي لَبِنَات بنائها العام ، وكل لَبِنَة من هذه اللبنات
    تشكِّل مع أخواتها الصورة الكلية التي هي العمل الفني نفسه
    «[27]


    7- مفهوم الصورة البيانية في الدرس البلاغي :

    قبل أن أتناول الصورة البيانية بشيء من
    التوسع , بودي أن أعرِّج على توضيح بعض المفاهيم الأولية في الفصاحة و
    البلاغة لما لهذين العِلْمَين من علاقة مع البيان.


    • فالفصاحة في اللغة هي : البيان , وفَصُحَ الرَّجُل فصاحة فهو فصيح أي
      بليغ ،و فصُح الأعجمي فصاحة : تكلم بالعربية وفُهِم عنه , و أفصح عن الشيء
      إفصاحا إذا بيَّنه و كشفه.



    و الْمُمْعِنُ في هذه المترادفات ، لا
    يكاد يُميِّز بين البلاغة و الفصاحة و البيان فهي علوم متداخِلة فيما بينها
    يصعب التمييز بينها.


    و الفصاحة عند “أبيالهلال العسكري” هي تمام آلة البيان.

    • أما البلاغة لغة فقد وردت في لسـان العرب : »هي
      الوصول والانتهاء , من بَلَغَ الشيء بُلُوغًا :وصل وانتهى , وقولهم :
      بَلَغْتُ الغاية : إذا انتهيت إليها , وبَلَّغْتُهَا غيري ,ومَبْلَغ الشيء :
      منتهاه ,و المبالغة في الشيء : الانتهاء إلى غايته . وجاء في لسان العرب :
      البلاغة : الفصاحة ,والبَلَغُ والبِلْغُ : البليغ من الرجال , و رجل
      بَلِيغ و بَلْغ و بِلْغ : حسن الكلام فصيحه , يَبْلُغ بعبارة لسانه كُنْه
      ما في قلبه
      «[28]



    و المدرك للعلاقة الوطيدة بين البلاغة و الفصاحة يجزم أن كل كلام بليغ فصيح وليس كل فصيح بليغًا , فالفصاحة إذًا جزء من البلاغة.

    وقد تعددت تعريفات البلاغة, وتنوعت عند النقاد القدماء , فهي عند “الجاحظ” (ت 255 هـ) تأتي »بمعنى الخَطَابة وكثيرا ما كان يستعملها مرادفة للبلاغة « [29]

    وهي عند “السكاكي” (ت 626 هـ): »بُلوغُ المتكلِّم في تأدية المعاني حدًّا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقَّها , و إيراد التشبيه و المجاز و الكناية على وجهها «[30]“فالسكاكي” أول من ذكر أقسام علم البلاغة صراحة.

    ويُعَدُّ “الخطيب القزويني” (ت 739 هـ) أبرز من عرَّف البلاغة في كتابيه : (التلخيص) و(الإيضاح):» البلاغة
    صفة في الكلام و المتكلِّم فقط , فالبلاغة في الكلام : مطابقته لمقتضى
    الحال مع فصاحته وهو مختلف, فإنَّ مقامات الكلام متفاوتة , ولكل كلمة مع
    صاحبها مقام , وارتفاع شأن الكلام في الحُسْنِ والقبول بمطابقته للاعتبار
    المناسب , و انحطاطه بعدمها فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب
    «[31]


    »و البلاغة في المتكلم مَلَكَةٌ يُقْتَدَرُ بها على تأليف كلام بليغ «[32]فَعُلِمَ أنَّ كل بليغ فصيح و لا عكس , وأنَّ البلاغة مرجعها إلى أمرين :
    - الاحتراز من الخطأ في تأدية المعنى المراد.


    - تمييز الفصيح من غيره.



    و”للقزويني” الفضل في تقسيم البلاغة إلى ثلاثة فروع رئيسة وهي :

    أ- علم المعاني : وهو علم يُحْتَرَزُ به عن الخطأ.
    ب- علم البيان : ما يحترز به عن التعقيد المعنوي.



    ج- علم البديع : علم يُعْرَفُ به وجوه تحسين الكلام.

    • § أما البيان لغة : »فهو
      الظهور و الوضوح , نقول : بان الشيء , يَبِينُ : إذا ظهر و اتَّضحَ , و
      البيان ما بَيُنَ به الشيء من الدلالة وغيرها , و بان الشيء بيانا : اتَّضح
      فهو بَيِّنٌ , والجمع : أَبْيِنَاء , و التَّبيين :الإيضاح.



    ومن معاني البيان : الفصاحة و
    اللَّسَنُ , وكلام بَيِّنٌ فصيح , و البيان : الإفصاح , و فلان أَبْيَنٌ من
    فلان : أي أفصح منه و أوضح كلاما , و رجل بَيِّنٌ فصيح.


    وقال الزَّجَّاجُ في تفسير قوله تعالى }خَلَقَ الاِنْسَانَ , عَلَّمَهُ البَيَان{[33]

    وقيل : الإنسان هنا , النبي (e) علَّمه البيان : أي علَّمه القرآن الذي فيه بيان كل شيء , وقيل : الإنسان آدم (u) وعلَّمه البيان , جعله مُمَيَّزًا عن جميع الحيوان ببيانه و تَمَيُّزِهِ «[b][34][/b]

    • § أما البيانفي الاصطلاح : فهو »عِلْم
      يُعْرَفُ به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة, أو هو
      عِلْمٌ يُعْرَفُ به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة بزيادة في وضوح
      الدِّلالة عليه , وبالنقصان لِيُحْتَرَزَ بالوقوف على ذلك عن الخطأ في
      مطابقة الكلام لتمام المُرَاد
      «[35]



    والصورة البيانية التي أتناولها في
    دراستي , أَعْنِي بها تلك الأوجه البلاغية المعروفة : من تشبيه
    واستعارة وكناية ومجاز و التي ستكون محور اهتمامي من خلال تحليل الخطاب
    الشعري الذي أنتجه حسّان بن ثابت الأنصاري (t) , فأحاول أن أبرز جماليات
    البيان العربي في تلك الفترة , ودراسة الصورة القديمة تختلف عن دراسة
    الصورة الفنية الحديثة , فالصورة الفنية القديمة بسيطة واضحة لا تميل إلى
    الغموض و التعقيد, ولا عجب في ذلك لأن البيئة العربية كانت كذلك ونحن لا
    نطالب الشاعر بأكثر ممَّا شاهد وصوَّر .


    وينبغي أن ننظر إلى الصُّورة من خلال
    عصرها وحضارتها , ومن خلال مُبْدِعِهَا وظروف حياته , وعلينا كذلك ألاَّ
    نُحَمِّل النصوص الشعرية أكثر ما تطيق , و بخاصة القديمة منها, ولا نطالبها
    بإبداع قيم شعرية ونقدية عُرِفَت بعد زمان إبداعها , فالدراسة النقدية لا
    يُكْتَبُ لها النجاح إلاَّ إذا انطلقت من النص نفسه وحافظت على محليته.






    الهوامـــش:





    [1] إبراهيم رماني : الغموض في الشعر العربي – ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر د.ت . ص 85

    [2] نفس المرجع السابق . ص 85.

    [3] نفس المرجع السابق . ص 85.

    [4] أدونيس : مقدمة للشعر العربي – دار العودة – بيروت 1971 ص 58

    [5] سيد قطب : النقد الأدبي , أصوله و مناهجه – دار الشروق – بيروت - ط5 1983 ص 58

    [6] ابن منظور : لسان العرب – دار لسان العرب- بيروت- مادة ص.و.ر. - د.ت – 2/492

    [7] صلاح عبد الفتاح الخالدي : نظرية التصوير الفني عند سيد قطب – المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية – الجزائر –1988 ص74

    [8] مجلة الرسالة – المجلد الثاني – السنة الثانية – العدد 64 –تاريخ 24/09/1934 ص 1756

    [9] صلاح عبد الفتاح الخالدي : المرجع نفسه – ص 33

    [10]
    أحمد علي دهمان : الصورة البلاغية عند عبد القاهر الجرجاني منهجا و تطبيقا
    – دار طلاس للدراسات و الترجمة و النشر – دمشق –ط1-1986 – ص269- 270


    [11] فايز الداية : جماليات الأسلوب – الصورة الفنية في الأدب العربي – دار الفكر المعاصر – بيروت – ط2- 1996- ص 15

    [12] أرسطو : فن الشعر – ترجمة محمد شكري عياد – دار الكتاب العربي – القاهرة – 1967 – ص128

    [13] إحسّان عباس : فن الشعر – دار الثقافة – بيروت – ط2- 1959 –ص141

    [14] علي البطل : الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري – دراسة في أصولها وتطورها –دار الأندلس -بيروت – ط3-1983 – ص15

    [15] أبو هلال العسكري : الصناعتين, الكتابة و الشعر –تحقيق مفيد قميحة –دار الكتب العلمية –بيروت –ط2-1984 –ص167

    [16] الجاحظ : عمرو بن بحر – الحيوان –تحقيق عبد السلام هارون- مكتبة الخانجي –القاهرة – د.ت – 3/131-132

    [17] فايز الداية : جماليات الأسلوب –ص13

    [18] محمد غنيمي هلال : النقد الأدبي الحديث – دار الثقافة ودار العودة –بيروت-1973-ص 168

    [19] مجدي وهبة : معجم مصطلحات الأدب –مكتبة لبنان- بيروت –1974- ص237

    [20] الأخضر عيكوس : الخيال الشعري و علاقته بالصورة الشعرية –مجلة الآداب –عدد 1- عام 1994- ص77

    [21] الأخضر عيكوس : الخيال الشعري و علاقته بالصورة الشعرية –مجلة الآداب –عدد 1- عام 1994- ص77

    [22] علي البطل : الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري –ص30

    [23] الولي محمد : الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي- المركز الثقافي العربي-بيروت- ط1- 1990- ص10

    [24] عبد القادر القط : الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر- دار النهضة العربية للطباعة والنشر- ط2- 1981- ص391.

    [25] مصطفى ناصف : الصورة الأدبية –دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت- ط3- 1983- ص 3-5

    [26] أحمد علي دهمان : الصورة البلاغية عند عبد القاهر الجرجاني- ص 269-270

    [27] نعيم اليافي : مقدمة لدراسة الصورة الفنية- منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق- 1982-

    ص 39-40

    [28] ابن منظور : لسان العرب – مادة ب.ل.غ.

    [29] الجاحظ : البيان والتبين , تحقيق علي أبو ملحم – دار ومكتبة الهلال – بيروت – ط1- 1988- 1/93-94.

    [30] السكاكي : مفتاح العلوم- دار الكتب العلمية- بيروت- د.ت- ص196.

    [31] الخطيب القزويني : الإيضاح في علوم البلاغة- شرح وتعليق : عبد المنعم خفاجي- دار الكتاب اللبناني- بيروت- ط4-1975- ص 1/80-83.

    [32] المصدر نفسه : 1/80-83

    [33] سـورة : الرحمن , الآيتان : 3-4.

    [34] ابن منظور : لسان العرب – مادة ب.ي.ن

    [35] الخطيب القزويني : الإيضاح في علوم البلاغة- 1/326


    احفظ المقالة على أحد المواقع التالية



      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 1:27 pm