[center] القافية:[/
الوزن والقافية مكونان أساسيان في الشعر القديم، إلى درجة أن معظم تعاريف
الشعر العربي تؤكد على ضرورة حضورهما في حده وتعريفه، وإذا فقدهما لا
يسمى شعراً: "فالقافية شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر ولا يسمى شعراً حتى
يكون له وزن وقافية".( ( [i] ))
عرفت القافية تعريفات مختلفةمن طرف النقاد والعروضيين( ( [ii]))، ولا يهمنا التوقف عند كل تعريف على حدة، لذلك نكتفي بالإشارة إلى
تعريفين شائعين:
الأول: للخليل بن أحمد الفراهيدي الذي يعرفها كالتالي: القافية من آخر حرف
في البيت إلى أول ساكن يليه من قبله، من حركة الحرف الذي قبل الساكن. وهذا
التعريف هو الثابت في كتب العروض.
الثاني: والتعريف الثاني لثعلب ويجد القافية في الحرف الذي يتكرر في آخر
كل بيت من أبيات القصيدة أي حرف الروي، وهذا هو المفهوم الشائع للقافية.
لم تحظ القافية باهتمام النقاد العرب والمستشرقين، وركز العروضيون عليها
كعنصر عروضي منفصل عن النص الشعري بمكوناته وعناصره الأخرى كالصوت والمعجم والتركيب والدلالة … ..
وقد أدى تقصير النقاد والعروضيين في دراسة مختلف الوظائف التي
يمكن أن تؤديها القافية في الخطاب الشعري إلى ندرة الدراسات الجادة التي
يمكن للمحلل أن يستفيد منها"( ( [iii]))
وأمام هذا الفراغ لا يسع المحلل إلا أن يستعين ببعض الدراسات الغربية التي
حاولت أن تحدد مختلف الوظائف التي تحققها القافية في الخطاب الشعري: فقد
تكون الوظيفة جمالية أو دلالية أو سيميائية، مع تحديد دورها في الإيقاع
وعلاقتها بكل العناصر المكونة للنص الشعري.
ـ قافية القصيدة ميمية مطلقة، ولابد في البداية من التوقف عند هذين العنصرين: حرف القافية وحركتها.
ـ نسبة شيوع حرف الروي:
يعتبر روي القصيدة من أكثر الحروف شيوعاً كقافية ، وقد صنف الدكتور إبراهيم أنيس حرف الروي حسب نسبة شيوعها إلى أربعة أقسام:
"ـ حرف تجيء روياً بكثرة وإن اختلفت نسبة شيوعها في أشعار الشعراء وتلك
هي: الراء. اللام. الميم. النون. الباء. الدال. السين. العين.
ـ حروف متوسطة الشيوع وتلك هي: القاف. الكاف. الهمزة. الحاء. الفاء. الياء. الجيم.
ـ حروف قليلة الشيوع: الضاد. الطاء. الهاء. التاء. الصاد (التاء).
ـ حروف نادرة في مجيئها روياً: الذال. الغين. الخاء. الشين. الزاي. الظاء. الواو".( ( [iv])).
فحرف القافية إذن، من أكثر الحروف التي تجيء روياً في الشعر العربي، ويضاف
شيوعها فيه إلى شيوع البسيط الذي تنتمي إليه القصيدة على المستوى العروضي
وهكذا يحافظ المتنبي على الثوابت الإيقاعية في الشعر العربي على مستوى شيوع
الوزن والقافية، والميم باعتبارها قافية تحتل المرتبة الثانية بعد اللام
في شعر المتنبي. [b] ـ الوظيفة الصوتية للقافية: [/b
إن القافية قبل كل شيء عنصر صوتي، شأنها في ذلك شأن الوزن "فهما بنية فوقية يقف تأثيرها عند المادة الصوتية وحدها"( ( [v])) كما يرى كوهن، ولعل ما يميزها هو تكرارها المنتظم في نهاية كل بيت "لتملي علينا الرجوع إلى السطر"( ( [vi])) حسب التعبير الشهير لأراغون، وهذا التكرار المنتظم يقدمها "كمثال واحد على الإعادة الصوتية"( ( [vii]))، لكن دور القافية لا ينحصر في المستوى الإيقاعي محدداً في التكرار الصوتي، بل يتجاوزه إلى دور إيقاعي تقوم به في النص الشعري"( ( [viii]))،
ويمكن تحديد عناصر جمال القافية في وظائف وصفات مختلفة من بينها
"وظيفتها الوزنية باعتبار أن القافية تشير إلى ختام بيت الشعر"( ( [ix])).
إن
هذا الدور الذي تؤديه القافية يكتسي خاصية جمالية، لأنه يعلن نهاية
الإنشاد، ليمنح الشاعر نفساً فيزيولوجياً لمواصلة عملية الانشاد من جديد،
وهذه الوظيفة لا تعتبر جديدة فقد ركز عليها أغلب الذين تعرضوا لها في
النقد العربي القديم.
تأسيساً على ماسبق، نؤكد على أن روي الميم كصوت، يمتلك خصائص وصفات متعددة (الجهر، الغنة، من أشباه أصوات اللين ـ حرف
شفهي ……
..)، وهي عناصر ذاتية تمنحه مقومات تنسجم مع التناقض الوجداني الذي يعيشه
الشاعر، ومع مقصديته، وبذلك يساهم في تعضيد جنائزية القصيدة، وسلبية
محاورها الدلالية، ولابد من الإشارة إلى ملاحظة مهمة في هذا السياق وهي أن
انتماءه لأشباه أصوات اللين ذو دلالة "فقد وجد المحدثون أن اللام والنون
والميم تحتل القمم في بعض الأحيان مثلها في ذلك، مثل أصوات اللين. ولهذا
اعتبروا أصوات اللين ومعها اللام وا
لميم والنون أصواتاً مقطعية لأنها هي التي تحدد المقاطع الصوتية في
الكلام".
وتأسيساً على ماسبق فإن الميم باحتلالها القمم كما دلت على ذلك التجارب
الصوتية، ملائمة للتعبير عن انفعال الشعر الذي لا حدود له، لحظة الإنشاد
وبعدها، ولا شك أن المتنبي استغل هذه الخاصية ليعبر عن أحاسيسه المتناقضة
تجاه سيف الدولة وتجاه خصومه. [b] الوظيفة السيميائية:
ـ يقول يوري لوتمان: "إن وجود علاقة بين الكلمات التي تتكرر على أنها
قواف على مستوى التعبير، يجعلنا نفترض حضور علاقات محددة للمضمون، تقوى
جانبها السيميائي"
انطلاقاً من الفرضية السابقة يمكن أن نقسم القافية إلى أصناف مختلفة على المستوى السيميائي:
ـ المستوى الأول:
سقم ـ نعم ـ علم ـ ورم ـ قدم ـ صمم ـ حرم ـ علم ـ أمم ـ ألم ـ ذمم ـ ندم ـ عجم ـ كلم. [ذم].
المستوى الثاني:
واللمم ـ والحكم ـ والظلم ـ والندم ـ والقلم ـ والأكم ـ والكرم ـ والهرم ـ والرخم ـ [وفَمُ].
المستوى الثالث:
الأمم ـ الشيم ـ البهم ـ الهمم ـ الديم ـ الدسم.المستوى الرابع:
نقتسم ـ ويختصم ـ ويبتسم ـ يلتطم ـ
المستوى الخامس:
انهزموا
المستوى السادس:
هم.
انطلاقاً من التصنيف السابق للقافية تبعاً للوحدات المعجمية التي تنتمي إليها، يمكن الإشارة إلى الاستنتاجات التالية:
ـ إن كل مجموعة تجمع بينها عناصرمشتركة، وخصائص متشابهة، إما على مستوى
البناء الصوفي أو الوظيفة النحوية أو طبيعة العلاقة التركيبية بالإضافة إلى
التوازي ع
لى المستوى العروضي.
ـ إن التشابه السابق على عدة مستويات يحقق في النص انسجاماً على جانب
كبير من الأهمية، لأنه يأسر انتباه المتلقي ويفتنه برتابته الجميلة، رغم
عدم خضوعها لترتيب معين ومضبوط في القصيدة.
ـ التجانس على المستويات السابقة ما عدا الدلالة، يؤلف بين وحدات معجمية
تنتمي إلى حقول دلالية مختلفة، ويوهم المتلقي بانتمائها إلى حقل دلالي
واحد. ـ الوظيفة الدلالية:
إن وظيفة القافية لا تنحصر في الجانب الصوتي أو السيميائي، بل تتجاوزها
إلى الدلالة، ولذلك ركز بعض الباحثين على ضرورة دراسة علاقتها بالمعنى.
يقول جان كوهن: " … فالقافية تحدد في علاقتها بالمدلول، سواء كانت هذه العلاق
ة موجبة أو سالبة فهي في جميع الأحوال علاقة داخلية، ومكونة لهذا المقوم. ويجب أن تدرس القافية داخل هذه العلاقة"( ( [xii])).
ويلح على نفس الفكرة في موضع آخر من كتابه: "إن القافية ليست أداة أو
وسيلة تابعة لشيء آخر، بل هي عامل مستقل، صورة تضاف إلى غيرها، وهي كغيرها
من الصور لا تظهر وظيفتها الحقيقية إلا في علاقتها بالمعنى"( ( [xiii])) وقد أكد يوري لوتمان بدوره على ضرورة ربط التكرارات الصوتية ـ والقافية أحدها ـ بالبنية الكلية للنص
وإذا عدنا إلى قصيدة المتنبي نلاحظ أن القافية محددة في روي الميم، لا
يمكن عزلها عن دلالة النص، فعلى المستوى الصوتي تنسجم خصائص الميم الصوتية
وصفاتها مع مقصدية الشاعر، وإحساسه السلبي محدداً في التناقض الوجداني،
وإذا تجاوزنا هذا المستوى، نلاحظ أن الوحدات المعجمية التي تنتمي إليها
القافية تحيل على الدلالة السلبية التي تميز المحاور الدلالية للنص،
ويمكن أن نمثل لذلك بما يلي:
تحيل الكلمات على السلبية المطلقة التي تظهر في:
سقم ـ ورم ـ صمم ـ ألم ـ ندم ـ يصم ـ عدم ـ الظلم ـ الهرم ـ يختصم ـ يلتطم ـ
ـ وتحيل على الحرب: البهم..
ـ وتحيل على الرحيل: الرسم..
ـ وعلى الكتابة: القلم … الخ …………
المهم أن الكلمات التي تنتمي إليها القافية تحيلنا على نفس الدلالات التي
تحيل عليها القصيدة، وهذا يؤكد علاقتها الوطيدة بالمعنى، وإذا أخذنا بتعريف
الخليل لها، فإن هذه الفرضية ستزداد أهمية، لأن هذا التعريف سيتيح للوحدات
المعجمية الفرصة لتصبح قافية، بشكل تام أو جزئي. المعجم:
يشكل المعجم عنصراً أساسياً في النص الشعري، حتى إن يوري لوتمان: Iauri Lotman اعتبره "المستوى الأساسي في البنية الكلية للنص الفني"( ( [xv]))إلا
أن ذاك لا ينفي مطلقاً علاقته القوية والبنيوية بباقي مكونات أي نص شعري،
فلا يمكن تصور معجم مستقل عن التركيب والدلالة والصوت، فحضور هذه العناصر
نجدها في مختلف تعاريفه، فالوحدات التي تشكله تتصف بخصائص سيميائية
وصوتية وتركيبية( ( [xvi])).
إلا أن المشكل الذي يطرح على المستوى النظري هو: هل يمكن اعتبار المعجم
نظاماً من أنظمة اللغة،كما هو الشأن بالنسبة للنظام الصوتي والصرفي
والنحوي؟.. يحاول الدكتور تمام حسان الإجابة عن هذا السؤال، مؤكداً في
البداية أنه لكي يصبح المعجم نظاماً لابد له من التوفر على ثلاثة عناصر
تنسب للأنظمة السابقة وهي:
"ـ العلاقة العضوية والقيم الأخلاقية بين المكونات.
ـ الصلاحية للجدولة ـ (أي أن يوضع في صورة جدو
ل).
ـ عدم إمكان الاستعارة من لغة إلى لغة"( ( [xvii]))
وبعد مناقشته لإمكانية توفر المعجم على كل عنصر من العناصر السابقة،
يستنتج أن المعجم لا يمكن أن يكون نظاماً من أنظمة اللغة لأنه لا يتوفر
علىمقومات النظام.
إن إثارة هذا المشكل على المستوى النظري ليست اعتباطية ولا مجانية، ولكنها
تنطلق من وعي منهجي مسبق بالصعوبة التي تصادف المحلل عند تعامله مع المعجم
في النص الشعري، لسبب سبقت الإشارة إليه وهو أنه لا يشكل نظاماً كالصوت
والصرف والنحو، فهذه المستويات تضبطها ومواصفات نظرية محددة تسمح بالتحكم
في حضورها حتى في الشعر أما المعجم فلا تضبطه قواعد معينة، الشيء الذي
يفسح المجال للتع
امل معه على أنه قائمة من الكلمات: "وإذا لم يكن المعجم كما رأينا نظاماً
من أنظمة اللغة لأنه لا تتوافر له مقومات النظام فلابد أن يكون منهج المعجم
متجهاً إلى دراسة "قائمة" من الكلمات تشتمل على جميع ما يستعمله المجتمع
اللغوي من مفردات"( ( [xviii])). 1 ـ المستوى الموضوعاتي : المعجم / قائمة:
إن تصنيف المعجم انطلاقاً من المستوى الموضوعاتي يهدف إلى القبض على
المكونات الدلالية الأساسية للنص، ولتحقيق هذا الهدف سنوظف تقنية المعجم/
قائمة. وذلك بإحصاء الوحدات المعجمية وتصنيفها حسب الدلالة التي تحيل
عليها. ولابد من التركيز على ملاحظة منهجية مهمة تتمثل في سلبيات المعجم
قائمة.( ( [xix])) وأهمها:
"إن هذه الطريقة الإحصائية خادعة إذ تعزل الكلمات عن سياقها وتتعامل معها كشيء، فاقد للتواصل مع ما يتقدمه وما يلحقه" ( ( [xx])).
وقد يترتب على ذلك أحياناً استنتاجات خاطئة، ومناقضة لدلالة النص، فـ"كل
وحدة سيميائية معزولة في اللغة العادية لا تدخل في اللغة الشعرية إلا
لتأدية وظيفة سيميائية معقدة"( ( [xxi])).
ومع ذلك فإن تقنية المعجم/ قائمة تسهل على المحلل تحديد المحاور الدلالية
للنص خصوصاً إذا كانت الوحدات المعجمية التي تحقق ذلك تتكرر في اتجاه منحى
موضوعاتي ودلالي معين.
انطلاقاً من المعجم
/ قائمة يمكن تصنيف القصيدة إلى المحاور التالية:
ـ الإحساس السلبي: واحر قلباه ـ قلبه شبم ـ أكتم حباً ـ تدعي حب ـ حالي عنده سقم ـ وجداننا كل شيء بعدكم عدم ـ أسف ـ عتاب ـ
ـ المدح بالنصر في الحرب : ومكوناته هي:
ـ السيف: سيوف الهند مغمدة ـ السيوف دم ـ تصافحت فيه بيض الهند واللمم ـ
ـ هزيمة العدو وفراره : فوت العد والذي يممته ظفر ـ في طيه أسف ـ عليك هزمهم ـ في كل معترك ـ إذا أنهزموا ـ أنثنى هرباً ـ ظفر حلو ـ
ـ قوة الممدوح :
ـ الفخر بالذات : ويحضر في أبيات من الصعب فصل وحداتها المعجمية عن سياق البيت.
ـ خير من تسعى به قدم ـ نظر الأعمى إلى أدبي ـ أسمعت كلماتي من به صمم ـ
أنام ملء جفوني عن شواردها ـ حتى أتته يد فراسة ودم ـ الخيل والليل
والبيداء تعرفني ـ ………… ........... 2 ـ إواليات توليف المعجم:
ـ يمكن الحديث على المستوى النظري عن تقنيّات تتحكم في تشكيل المعجم الشعري لأي نص شعري، أي عن تقنيات كلية:
ـ عن طريق ال
عموم والخصوص.
ـ عن طريق الترابط المقيد أو الحر..
ـ التعبير بالجزءعن الكل أو السبب عن المسبب.( ( [xxii]))
إن هذه التقنيات قابلة للتطبيق على أي نص شعري، مع التفاوت الممكن في
استجابة النصوص لها، ورغم استفادتنا من إواليات توليف المعجم، في تحليل
معجم القصيدة، إلا أنّه من الضروري التأكيد على أن النص الشعري يجب أن يكون
المنطلق الأول والوحيد لتطبيق أية تقنيات سواء كان أساسها نظري علمياً أو
حدسياً ذوقياً، حتى لا يسقط المحلل في سلبية التعسف على النص.
1 ـ عن طريق العموم والخصوص:
تعتبر هذه التقنية أساسية في توليف المعجم، فبواسطتها يمكن اختزال الوحدات
المعجمية التي تشكل البنية الكلية للنص في كلمات محورية وعامة تتفرع عنها
ألفاظ ذرية وثانوية، وسنحاول البرهنة على ذلك انطلاقاً من قصيدة المتنبي: ـ بنية المدح:
يعتبر النصر بؤرة دلالية يتم التركيز عليها في بنية المدح التي تمتد من
البيت الرابع إلى البيت الحادي عشر. ويستعمل الشاعر وحدات معجمية ثانوية
كلها تنتمي إلى الكلمة/ المركز: الظفر.
الظفر : السيوف ـ العدو ـ الدم ـ هزمهم ـ انهزموا ـ ظفر ـ معتركاً ـ هرب ـ
إن الظفر وحدة معجمية ذات دلالة عاجلة استدعت كلمات أخرى ثانوية تفرعت
عنها، لتعزز البعد الدلالي الذي يلح عليه الشاعر
ويقصده، والذي يعرفه المتلقي بحكم تراكماته المعرفية عبر قنوات مختلفة
ومتعددة.. فالظفر كنتيجة للحرب يستدعي مواجهة بين طرفين متقاتلين، وقد
استعمل الشاعر لفظ العدوّ لتعيين الروم، وتفترض عناصر حربية: (الجيش،
السيوف … ). ـ بنية العتاب:
من المفارقات الطريفة أن القصيدة التي تصنف حسب الدراسات النقدية
والشروح القديمة في العتاب. لا تحضر فيها كلمة (العتاب) إلا في البيت
الأخير:
ولعل ذاك راجع إلى استراتيجية معينة سلكها الشاعر وتتمثل في تقديم عناصر
أطروحته متفرقة، قبل الإعلان عن الأطروحة المركزية في النهاية على شكل
تلخيص واختزال لكل دلالات القصيدة السابقة، إن هذه المسألة لا تهمنا الآن
بقدر ما تهمنا الإشارة إلى أن كلمة "عتاب" باعتبارها وحدة معجمية أساسية..
استد
عت بدورها استعمال كلمات فرعية يمكن تصنيفها في الجدول التالي:
ـ إن العتاب باعتبارها وحدة معجمية مركزية، استدعت بدورها كلماتٍ أخرى
لتميل على تناسل دلالتها وتفريعاتها، وغالباً ما يصعب فصلها عن السياق
نظراً للعلاقة التي تربط بين مختلف هذه الكلمات على مستوى الدلالة العامة،
الشيء الذي يجعل فصل لفظ عن البيت لا يخدم مقصدية التحليل، وقد يؤدي
إلى استنتاج مناقض لدلالة القصيدة … الترابط والتداعي الحر:
الترابط والتداعي الحر إواليتان أساسيتان تتحكمان في معجم أي نص شعري،
وكلما كان النص ذا قيمة إبداعية متميزة كلما ازدادت أهمية التداعي الحرفيه،
وقلت أهمية الترابط، والعكس صحيح، على أنّ الشعر الذي يخرق العادات
اللغوية، ويثور على أعرافها يهيمن عليه التداعي الحر"( ( [xxiii
])).. في حين أن الشعر الذي يقوم على الترابط غالباً ما ينقل إلى
المتلقي دلالات يتوقعها وينتظرها نتيجة معارفه السابقة، ولابد من التركيز
هنا على شكل التعبير، فالمعنى المألوف والعادي إذا صيغ صياغة شعرية متميزة
يكتسب قيمة إبداعية متميزة. ـ الترابط بواسطة التقابل:
ـ يتحكم الترابط التقابلي في الكثير من الوحدات المعجمية ونشير في البداية إلى مواضعه في بعض أبيات القصيدة:
إن الترابط بواسطة التقابل نجده موزعاً في أبيات عديدة من القصيدة، وهو
ينسجم مع التناقض الوجداني الذي يشطر ذات المتنبي إلى أحاسيس متناقضة، كما
ينسجم مع الفرق الجوهري الذي يسعى إلى رسمه ليشكل حداً فاصلاً بينه وبين
حساده على مستوى الشاعرية والفروسية، وعليه فإوالية التقابل التقابلي تخدم
مقصديته الشاعرية.
إن التقابل المعجمي في بنية القصيدة يخدم التناقض الوجداني الذي يميز نفسية الشاعر. ويؤدي الترابط بالتقابل وظيفتين أساسيتين:
الوظيفة الأولى : دلالية تتحدد في تأكيد المعنى وتبليغه.
الوظيفة الثانية : جمالية وتتمثل في أن التقابل بين الوحدات المعجمية
يأسر المتلقي ويؤثر فيه، ولا ننسى أن المتنبي عندما نظم قصيدته كان يضع في
عين الاعتبار المتلقي سواء كان سيف الدولة أومجلسه الذي يضم خصومه
والعلاقة بين الوظيفتين جدلية ومتداخلة.
هناك ملاحظة أخرى، لابد من إضافتها وهي أن التقابل المعجمي في القصيدة
غالباً ما يرتبط إما بالشاعر أو الممدوح أو بهما معاً، ونادراً ما
يتجاوزهما، إلى شخصيات أخرى … . ـ التكرار:
ـ إن القصيدة تتضمن تكراراً ملفتاً للنظر لبعض الوحدات المعجمية على مستوى
البيت الواحد، وقبل تحديد دلالة ذلك، ننطلق من الجدول التصنيفي التالي:
الوزن والقافية مكونان أساسيان في الشعر القديم، إلى درجة أن معظم تعاريف
الشعر العربي تؤكد على ضرورة حضورهما في حده وتعريفه، وإذا فقدهما لا
يسمى شعراً: "فالقافية شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر ولا يسمى شعراً حتى
يكون له وزن وقافية".( ( [i] ))
عرفت القافية تعريفات مختلفةمن طرف النقاد والعروضيين( ( [ii]))، ولا يهمنا التوقف عند كل تعريف على حدة، لذلك نكتفي بالإشارة إلى
تعريفين شائعين:
الأول: للخليل بن أحمد الفراهيدي الذي يعرفها كالتالي: القافية من آخر حرف
في البيت إلى أول ساكن يليه من قبله، من حركة الحرف الذي قبل الساكن. وهذا
التعريف هو الثابت في كتب العروض.
الثاني: والتعريف الثاني لثعلب ويجد القافية في الحرف الذي يتكرر في آخر
كل بيت من أبيات القصيدة أي حرف الروي، وهذا هو المفهوم الشائع للقافية.
لم تحظ القافية باهتمام النقاد العرب والمستشرقين، وركز العروضيون عليها
كعنصر عروضي منفصل عن النص الشعري بمكوناته وعناصره الأخرى كالصوت والمعجم والتركيب والدلالة … ..
وقد أدى تقصير النقاد والعروضيين في دراسة مختلف الوظائف التي
يمكن أن تؤديها القافية في الخطاب الشعري إلى ندرة الدراسات الجادة التي
يمكن للمحلل أن يستفيد منها"( ( [iii]))
وأمام هذا الفراغ لا يسع المحلل إلا أن يستعين ببعض الدراسات الغربية التي
حاولت أن تحدد مختلف الوظائف التي تحققها القافية في الخطاب الشعري: فقد
تكون الوظيفة جمالية أو دلالية أو سيميائية، مع تحديد دورها في الإيقاع
وعلاقتها بكل العناصر المكونة للنص الشعري.
ـ قافية القصيدة ميمية مطلقة، ولابد في البداية من التوقف عند هذين العنصرين: حرف القافية وحركتها.
ـ نسبة شيوع حرف الروي:
يعتبر روي القصيدة من أكثر الحروف شيوعاً كقافية ، وقد صنف الدكتور إبراهيم أنيس حرف الروي حسب نسبة شيوعها إلى أربعة أقسام:
"ـ حرف تجيء روياً بكثرة وإن اختلفت نسبة شيوعها في أشعار الشعراء وتلك
هي: الراء. اللام. الميم. النون. الباء. الدال. السين. العين.
ـ حروف متوسطة الشيوع وتلك هي: القاف. الكاف. الهمزة. الحاء. الفاء. الياء. الجيم.
ـ حروف قليلة الشيوع: الضاد. الطاء. الهاء. التاء. الصاد (التاء).
ـ حروف نادرة في مجيئها روياً: الذال. الغين. الخاء. الشين. الزاي. الظاء. الواو".( ( [iv])).
فحرف القافية إذن، من أكثر الحروف التي تجيء روياً في الشعر العربي، ويضاف
شيوعها فيه إلى شيوع البسيط الذي تنتمي إليه القصيدة على المستوى العروضي
وهكذا يحافظ المتنبي على الثوابت الإيقاعية في الشعر العربي على مستوى شيوع
الوزن والقافية، والميم باعتبارها قافية تحتل المرتبة الثانية بعد اللام
في شعر المتنبي. [b] ـ الوظيفة الصوتية للقافية: [/b
إن القافية قبل كل شيء عنصر صوتي، شأنها في ذلك شأن الوزن "فهما بنية فوقية يقف تأثيرها عند المادة الصوتية وحدها"( ( [v])) كما يرى كوهن، ولعل ما يميزها هو تكرارها المنتظم في نهاية كل بيت "لتملي علينا الرجوع إلى السطر"( ( [vi])) حسب التعبير الشهير لأراغون، وهذا التكرار المنتظم يقدمها "كمثال واحد على الإعادة الصوتية"( ( [vii]))، لكن دور القافية لا ينحصر في المستوى الإيقاعي محدداً في التكرار الصوتي، بل يتجاوزه إلى دور إيقاعي تقوم به في النص الشعري"( ( [viii]))،
ويمكن تحديد عناصر جمال القافية في وظائف وصفات مختلفة من بينها
"وظيفتها الوزنية باعتبار أن القافية تشير إلى ختام بيت الشعر"( ( [ix])).
إن
هذا الدور الذي تؤديه القافية يكتسي خاصية جمالية، لأنه يعلن نهاية
الإنشاد، ليمنح الشاعر نفساً فيزيولوجياً لمواصلة عملية الانشاد من جديد،
وهذه الوظيفة لا تعتبر جديدة فقد ركز عليها أغلب الذين تعرضوا لها في
النقد العربي القديم.
تأسيساً على ماسبق، نؤكد على أن روي الميم كصوت، يمتلك خصائص وصفات متعددة (الجهر، الغنة، من أشباه أصوات اللين ـ حرف
شفهي ……
..)، وهي عناصر ذاتية تمنحه مقومات تنسجم مع التناقض الوجداني الذي يعيشه
الشاعر، ومع مقصديته، وبذلك يساهم في تعضيد جنائزية القصيدة، وسلبية
محاورها الدلالية، ولابد من الإشارة إلى ملاحظة مهمة في هذا السياق وهي أن
انتماءه لأشباه أصوات اللين ذو دلالة "فقد وجد المحدثون أن اللام والنون
والميم تحتل القمم في بعض الأحيان مثلها في ذلك، مثل أصوات اللين. ولهذا
اعتبروا أصوات اللين ومعها اللام وا
لميم والنون أصواتاً مقطعية لأنها هي التي تحدد المقاطع الصوتية في
الكلام".
وتأسيساً على ماسبق فإن الميم باحتلالها القمم كما دلت على ذلك التجارب
الصوتية، ملائمة للتعبير عن انفعال الشعر الذي لا حدود له، لحظة الإنشاد
وبعدها، ولا شك أن المتنبي استغل هذه الخاصية ليعبر عن أحاسيسه المتناقضة
تجاه سيف الدولة وتجاه خصومه. [b] الوظيفة السيميائية:
ـ يقول يوري لوتمان: "إن وجود علاقة بين الكلمات التي تتكرر على أنها
قواف على مستوى التعبير، يجعلنا نفترض حضور علاقات محددة للمضمون، تقوى
جانبها السيميائي"
انطلاقاً من الفرضية السابقة يمكن أن نقسم القافية إلى أصناف مختلفة على المستوى السيميائي:
ـ المستوى الأول:
سقم ـ نعم ـ علم ـ ورم ـ قدم ـ صمم ـ حرم ـ علم ـ أمم ـ ألم ـ ذمم ـ ندم ـ عجم ـ كلم. [ذم].
المستوى الثاني:
واللمم ـ والحكم ـ والظلم ـ والندم ـ والقلم ـ والأكم ـ والكرم ـ والهرم ـ والرخم ـ [وفَمُ].
المستوى الثالث:
الأمم ـ الشيم ـ البهم ـ الهمم ـ الديم ـ الدسم.المستوى الرابع:
نقتسم ـ ويختصم ـ ويبتسم ـ يلتطم ـ
المستوى الخامس:
انهزموا
المستوى السادس:
هم.
انطلاقاً من التصنيف السابق للقافية تبعاً للوحدات المعجمية التي تنتمي إليها، يمكن الإشارة إلى الاستنتاجات التالية:
ـ إن كل مجموعة تجمع بينها عناصرمشتركة، وخصائص متشابهة، إما على مستوى
البناء الصوفي أو الوظيفة النحوية أو طبيعة العلاقة التركيبية بالإضافة إلى
التوازي ع
لى المستوى العروضي.
ـ إن التشابه السابق على عدة مستويات يحقق في النص انسجاماً على جانب
كبير من الأهمية، لأنه يأسر انتباه المتلقي ويفتنه برتابته الجميلة، رغم
عدم خضوعها لترتيب معين ومضبوط في القصيدة.
ـ التجانس على المستويات السابقة ما عدا الدلالة، يؤلف بين وحدات معجمية
تنتمي إلى حقول دلالية مختلفة، ويوهم المتلقي بانتمائها إلى حقل دلالي
واحد. ـ الوظيفة الدلالية:
إن وظيفة القافية لا تنحصر في الجانب الصوتي أو السيميائي، بل تتجاوزها
إلى الدلالة، ولذلك ركز بعض الباحثين على ضرورة دراسة علاقتها بالمعنى.
يقول جان كوهن: " … فالقافية تحدد في علاقتها بالمدلول، سواء كانت هذه العلاق
ة موجبة أو سالبة فهي في جميع الأحوال علاقة داخلية، ومكونة لهذا المقوم. ويجب أن تدرس القافية داخل هذه العلاقة"( ( [xii])).
ويلح على نفس الفكرة في موضع آخر من كتابه: "إن القافية ليست أداة أو
وسيلة تابعة لشيء آخر، بل هي عامل مستقل، صورة تضاف إلى غيرها، وهي كغيرها
من الصور لا تظهر وظيفتها الحقيقية إلا في علاقتها بالمعنى"( ( [xiii])) وقد أكد يوري لوتمان بدوره على ضرورة ربط التكرارات الصوتية ـ والقافية أحدها ـ بالبنية الكلية للنص
وإذا عدنا إلى قصيدة المتنبي نلاحظ أن القافية محددة في روي الميم، لا
يمكن عزلها عن دلالة النص، فعلى المستوى الصوتي تنسجم خصائص الميم الصوتية
وصفاتها مع مقصدية الشاعر، وإحساسه السلبي محدداً في التناقض الوجداني،
وإذا تجاوزنا هذا المستوى، نلاحظ أن الوحدات المعجمية التي تنتمي إليها
القافية تحيل على الدلالة السلبية التي تميز المحاور الدلالية للنص،
ويمكن أن نمثل لذلك بما يلي:
تحيل الكلمات على السلبية المطلقة التي تظهر في:
سقم ـ ورم ـ صمم ـ ألم ـ ندم ـ يصم ـ عدم ـ الظلم ـ الهرم ـ يختصم ـ يلتطم ـ
ـ وتحيل على الحرب: البهم..
ـ وتحيل على الرحيل: الرسم..
ـ وعلى الكتابة: القلم … الخ …………
المهم أن الكلمات التي تنتمي إليها القافية تحيلنا على نفس الدلالات التي
تحيل عليها القصيدة، وهذا يؤكد علاقتها الوطيدة بالمعنى، وإذا أخذنا بتعريف
الخليل لها، فإن هذه الفرضية ستزداد أهمية، لأن هذا التعريف سيتيح للوحدات
المعجمية الفرصة لتصبح قافية، بشكل تام أو جزئي. المعجم:
يشكل المعجم عنصراً أساسياً في النص الشعري، حتى إن يوري لوتمان: Iauri Lotman اعتبره "المستوى الأساسي في البنية الكلية للنص الفني"( ( [xv]))إلا
أن ذاك لا ينفي مطلقاً علاقته القوية والبنيوية بباقي مكونات أي نص شعري،
فلا يمكن تصور معجم مستقل عن التركيب والدلالة والصوت، فحضور هذه العناصر
نجدها في مختلف تعاريفه، فالوحدات التي تشكله تتصف بخصائص سيميائية
وصوتية وتركيبية( ( [xvi])).
إلا أن المشكل الذي يطرح على المستوى النظري هو: هل يمكن اعتبار المعجم
نظاماً من أنظمة اللغة،كما هو الشأن بالنسبة للنظام الصوتي والصرفي
والنحوي؟.. يحاول الدكتور تمام حسان الإجابة عن هذا السؤال، مؤكداً في
البداية أنه لكي يصبح المعجم نظاماً لابد له من التوفر على ثلاثة عناصر
تنسب للأنظمة السابقة وهي:
"ـ العلاقة العضوية والقيم الأخلاقية بين المكونات.
ـ الصلاحية للجدولة ـ (أي أن يوضع في صورة جدو
ل).
ـ عدم إمكان الاستعارة من لغة إلى لغة"( ( [xvii]))
وبعد مناقشته لإمكانية توفر المعجم على كل عنصر من العناصر السابقة،
يستنتج أن المعجم لا يمكن أن يكون نظاماً من أنظمة اللغة لأنه لا يتوفر
علىمقومات النظام.
إن إثارة هذا المشكل على المستوى النظري ليست اعتباطية ولا مجانية، ولكنها
تنطلق من وعي منهجي مسبق بالصعوبة التي تصادف المحلل عند تعامله مع المعجم
في النص الشعري، لسبب سبقت الإشارة إليه وهو أنه لا يشكل نظاماً كالصوت
والصرف والنحو، فهذه المستويات تضبطها ومواصفات نظرية محددة تسمح بالتحكم
في حضورها حتى في الشعر أما المعجم فلا تضبطه قواعد معينة، الشيء الذي
يفسح المجال للتع
امل معه على أنه قائمة من الكلمات: "وإذا لم يكن المعجم كما رأينا نظاماً
من أنظمة اللغة لأنه لا تتوافر له مقومات النظام فلابد أن يكون منهج المعجم
متجهاً إلى دراسة "قائمة" من الكلمات تشتمل على جميع ما يستعمله المجتمع
اللغوي من مفردات"( ( [xviii])). 1 ـ المستوى الموضوعاتي : المعجم / قائمة:
إن تصنيف المعجم انطلاقاً من المستوى الموضوعاتي يهدف إلى القبض على
المكونات الدلالية الأساسية للنص، ولتحقيق هذا الهدف سنوظف تقنية المعجم/
قائمة. وذلك بإحصاء الوحدات المعجمية وتصنيفها حسب الدلالة التي تحيل
عليها. ولابد من التركيز على ملاحظة منهجية مهمة تتمثل في سلبيات المعجم
قائمة.( ( [xix])) وأهمها:
"إن هذه الطريقة الإحصائية خادعة إذ تعزل الكلمات عن سياقها وتتعامل معها كشيء، فاقد للتواصل مع ما يتقدمه وما يلحقه" ( ( [xx])).
وقد يترتب على ذلك أحياناً استنتاجات خاطئة، ومناقضة لدلالة النص، فـ"كل
وحدة سيميائية معزولة في اللغة العادية لا تدخل في اللغة الشعرية إلا
لتأدية وظيفة سيميائية معقدة"( ( [xxi])).
ومع ذلك فإن تقنية المعجم/ قائمة تسهل على المحلل تحديد المحاور الدلالية
للنص خصوصاً إذا كانت الوحدات المعجمية التي تحقق ذلك تتكرر في اتجاه منحى
موضوعاتي ودلالي معين.
انطلاقاً من المعجم
/ قائمة يمكن تصنيف القصيدة إلى المحاور التالية:
ـ الإحساس السلبي: واحر قلباه ـ قلبه شبم ـ أكتم حباً ـ تدعي حب ـ حالي عنده سقم ـ وجداننا كل شيء بعدكم عدم ـ أسف ـ عتاب ـ
ـ المدح بالنصر في الحرب : ومكوناته هي:
ـ السيف: سيوف الهند مغمدة ـ السيوف دم ـ تصافحت فيه بيض الهند واللمم ـ
ـ هزيمة العدو وفراره : فوت العد والذي يممته ظفر ـ في طيه أسف ـ عليك هزمهم ـ في كل معترك ـ إذا أنهزموا ـ أنثنى هرباً ـ ظفر حلو ـ
ـ قوة الممدوح :
إلى المهابة ما لا تصنع البهم | قد ناب عنل شديد ا لخوف واصطنعت |
ـ خير من تسعى به قدم ـ نظر الأعمى إلى أدبي ـ أسمعت كلماتي من به صمم ـ
أنام ملء جفوني عن شواردها ـ حتى أتته يد فراسة ودم ـ الخيل والليل
والبيداء تعرفني ـ ………… ........... 2 ـ إواليات توليف المعجم:
ـ يمكن الحديث على المستوى النظري عن تقنيّات تتحكم في تشكيل المعجم الشعري لأي نص شعري، أي عن تقنيات كلية:
ـ عن طريق ال
عموم والخصوص.
ـ عن طريق الترابط المقيد أو الحر..
ـ التعبير بالجزءعن الكل أو السبب عن المسبب.( ( [xxii]))
إن هذه التقنيات قابلة للتطبيق على أي نص شعري، مع التفاوت الممكن في
استجابة النصوص لها، ورغم استفادتنا من إواليات توليف المعجم، في تحليل
معجم القصيدة، إلا أنّه من الضروري التأكيد على أن النص الشعري يجب أن يكون
المنطلق الأول والوحيد لتطبيق أية تقنيات سواء كان أساسها نظري علمياً أو
حدسياً ذوقياً، حتى لا يسقط المحلل في سلبية التعسف على النص.
1 ـ عن طريق العموم والخصوص:
تعتبر هذه التقنية أساسية في توليف المعجم، فبواسطتها يمكن اختزال الوحدات
المعجمية التي تشكل البنية الكلية للنص في كلمات محورية وعامة تتفرع عنها
ألفاظ ذرية وثانوية، وسنحاول البرهنة على ذلك انطلاقاً من قصيدة المتنبي: ـ بنية المدح:
يعتبر النصر بؤرة دلالية يتم التركيز عليها في بنية المدح التي تمتد من
البيت الرابع إلى البيت الحادي عشر. ويستعمل الشاعر وحدات معجمية ثانوية
كلها تنتمي إلى الكلمة/ المركز: الظفر.
الظفر : السيوف ـ العدو ـ الدم ـ هزمهم ـ انهزموا ـ ظفر ـ معتركاً ـ هرب ـ
إن الظفر وحدة معجمية ذات دلالة عاجلة استدعت كلمات أخرى ثانوية تفرعت
عنها، لتعزز البعد الدلالي الذي يلح عليه الشاعر
ويقصده، والذي يعرفه المتلقي بحكم تراكماته المعرفية عبر قنوات مختلفة
ومتعددة.. فالظفر كنتيجة للحرب يستدعي مواجهة بين طرفين متقاتلين، وقد
استعمل الشاعر لفظ العدوّ لتعيين الروم، وتفترض عناصر حربية: (الجيش،
السيوف … ). ـ بنية العتاب:
من المفارقات الطريفة أن القصيدة التي تصنف حسب الدراسات النقدية
والشروح القديمة في العتاب. لا تحضر فيها كلمة (العتاب) إلا في البيت
الأخير:
قد ضمن الدر إلا أنه كَلِِمُ | هذا عتابك إلا أنّه مِقَةٌ |
ولعل ذاك راجع إلى استراتيجية معينة سلكها الشاعر وتتمثل في تقديم عناصر
أطروحته متفرقة، قبل الإعلان عن الأطروحة المركزية في النهاية على شكل
تلخيص واختزال لكل دلالات القصيدة السابقة، إن هذه المسألة لا تهمنا الآن
بقدر ما تهمنا الإشارة إلى أن كلمة "عتاب" باعتبارها وحدة معجمية أساسية..
استد
عت بدورها استعمال كلمات فرعية يمكن تصنيفها في الجدول التالي:
الكلمات الفرعية | الك لمة/ المحور |
واحر قلباه ـ قلبه شبم ـ ومن بجسمي وحالي عنده سقم ـ أكتم حبّاً ـ تدعي حب سيف الدولة الأمم ـ ليت أنا بقدر الحب نقتسم ـ فيك الخصام وأنت الخصم والحكم. | العتاب: |
ـ إن العتاب باعتبارها وحدة معجمية مركزية، استدعت بدورها كلماتٍ أخرى
لتميل على تناسل دلالتها وتفريعاتها، وغالباً ما يصعب فصلها عن السياق
نظراً للعلاقة التي تربط بين مختلف هذه الكلمات على مستوى الدلالة العامة،
الشيء الذي يجعل فصل لفظ عن البيت لا يخدم مقصدية التحليل، وقد يؤدي
إلى استنتاج مناقض لدلالة القصيدة … الترابط والتداعي الحر:
الترابط والتداعي الحر إواليتان أساسيتان تتحكمان في معجم أي نص شعري،
وكلما كان النص ذا قيمة إبداعية متميزة كلما ازدادت أهمية التداعي الحرفيه،
وقلت أهمية الترابط، والعكس صحيح، على أنّ الشعر الذي يخرق العادات
اللغوية، ويثور على أعرافها يهيمن عليه التداعي الحر"( ( [xxiii
])).. في حين أن الشعر الذي يقوم على الترابط غالباً ما ينقل إلى
المتلقي دلالات يتوقعها وينتظرها نتيجة معارفه السابقة، ولابد من التركيز
هنا على شكل التعبير، فالمعنى المألوف والعادي إذا صيغ صياغة شعرية متميزة
يكتسب قيمة إبداعية متميزة. ـ الترابط بواسطة التقابل:
ـ يتحكم الترابط التقابلي في الكثير من الوحدات المعجمية ونشير في البداية إلى مواضعه في بعض أبيات القصيدة:
الترابط بواسطة التقابل | البيت الشعري |
أكتم ـ تدعي | ـ 2 ـ |
سيوف الهند مغمدة ـ السيوف دم. | ـ 4 ـ |
في طيه أسف ـ في طيه زعم. | ـ 5 ـ |
< B> الخصم ـ الحكم | ـ 13 ـ |
الأنوار ـ الظلم . | ـ 15 ـ |
أنام ـ يسهر | ـ 18 ـ |
تطلبون ـ فيعجزكم | ـ 30 ـ |
عرب ـ عجم | |
عتاب ـ متة |
إن الترابط بواسطة التقابل نجده موزعاً في أبيات عديدة من القصيدة، وهو
ينسجم مع التناقض الوجداني الذي يشطر ذات المتنبي إلى أحاسيس متناقضة، كما
ينسجم مع الفرق الجوهري الذي يسعى إلى رسمه ليشكل حداً فاصلاً بينه وبين
حساده على مستوى الشاعرية والفروسية، وعليه فإوالية التقابل التقابلي تخدم
مقصديته الشاعرية.
إن التقابل المعجمي في بنية القصيدة يخدم التناقض الوجداني الذي يميز نفسية الشاعر. ويؤدي الترابط بالتقابل وظيفتين أساسيتين:
الوظيفة الأولى : دلالية تتحدد في تأكيد المعنى وتبليغه.
الوظيفة الثانية : جمالية وتتمثل في أن التقابل بين الوحدات المعجمية
يأسر المتلقي ويؤثر فيه، ولا ننسى أن المتنبي عندما نظم قصيدته كان يضع في
عين الاعتبار المتلقي سواء كان سيف الدولة أومجلسه الذي يضم خصومه
والعلاقة بين الوظيفتين جدلية ومتداخلة.
هناك ملاحظة أخرى، لابد من إضافتها وهي أن التقابل المعجمي في القصيدة
غالباً ما يرتبط إما بالشاعر أو الممدوح أو بهما معاً، ونادراً ما
يتجاوزهما، إلى شخصيات أخرى … . ـ التكرار:
ـ إن القصيدة تتضمن تكراراً ملفتاً للنظر لبعض الوحدات المعجمية على مستوى
البيت الواحد، وقبل تحديد دلالة ذلك، ننطلق من الجدول التصنيفي التالي: