منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    صورة القوة والإرادة في شعر المتنبي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    صورة القوة والإرادة في شعر المتنبي Empty صورة القوة والإرادة في شعر المتنبي

    مُساهمة   الأربعاء يوليو 06, 2011 7:46 am

    [center]صورة القوة والإرادة في شعر المتنبي ـــ أ.د.حسين جمعة

    1 ـ حدود وأبعاد:

    قبل أن أدخل في صميم البحث؛ أبيّن أن لكل صورة فلسفة خاصة بها، علماً أن مفهوم الفلسفة بقسميه النظري والعملي قديم، وهو متعلّق بالمعارف والفنون والعلوم والحقائق... ولذا عرف ابن سينا الفلسفة بقولـه: "إنها الوقوف على حقائق الأشياء كلها على قدر ما يمكن الإنسان أن يقف عليه"([1">). ولهذا تصبح الكلمة في الأدب مادة للصورة ( الهيئة) باعتبارها الحامل الحقيقي لعالم الوجدان والعقل، ومن ثم تأخذ الصورة الشعرية طبيعتها ووظائفها وأهدافها من خلال الحواس أو ما يعرف بالحسّ المشترك وامتزاجه بمضمون عقلي ومن ثم فقيمة كل شيء تكمن في وجوده وإدراكه في النفس..
    وفي ضوء ذلك فالكلمة (لفظاً وتركيباً) تمدنا بدلالات رمزية تواضع عليها الناس في كل زمان ومكان بما يتوافق وحياتهم وفلسفتهم للحقائق والأشياء والفنون والآداب و .. أي إن الدلالة بكل أنماطها الذهنية والنفسية والاجتماعية و ... تصبح حالة تصورية خاصة بالإنسان وعلاقته بالوسط المحيط به. " ولا يمكن للشاعر المبدع أن يستخدم في شعره اللغة كما يستخدمها الناس في حياتهم المعاشية العادية، فالمفروض في لغة الشعر أن تكون ذات طاقة تعبيرية مصفّاة ومكثفة"([2">)

    وهنا يصبح للمبدع مزية خاصة على بقية الناس باعتبار ما وهب من ملكات التذوق والإدراك، ممّا يجعله يجدد في صورة الكلمة، ويفتق في أساليبها وأنواعها. إنها الرؤية الخاصة التي توجب تصوراً خاصاً لا يملكه الآخر ولا يتساوى فيه معه؛ وكذلك لا يتساوى معه في التعبير عنه، فإذا كانت اللغة مشتركة بين الناس فإنّ أساليب استخدام المبدعين لها ليست مشتركة ولا متطابقة.

    أما القوة فهي تؤسس للخصائص الذاتية والموضوعية للمبدع والإبداع، بما تمتاز به من الشمول والوحدة الجامعة لمختلف الصفات. والقوة ضد الضَّعف؛ وهي القدرة والشدّة والثبات والعزيمة، سواء كان هذا كله في الجسم والغريزة؛ أم العقل والتفكير، ومن ثم فمبدأ القوة المادية أو المعنوية استناده إلى الشعور والإرادة في القيام بفعل ما، وهو ما يطلق عليه الفعل المتهيئ للحدوث، باعتباره موجوداً بالقوة؛ فإذا صار في حيّز الإمكان فهو موجود بالفعل([3">).
    فالقوة مصدر النشاط والحركة، ومبدأ الخَلْق والفعل، وهي منبع الإرادة والعزيمة جسداً وعقلاً.والقوي من يتصف بامتلاك القدرة والتحمل والصبر، بما في ذلك قوة الذكاء والحافظة، وقوة التخييل والتحريك والتغيير؛ وقديماً قيل: من استولى على الشيء أسَر. وغَلَب الإنسان أو الشيء غيره إذا تغلّب عليه، وقهره من غير رضى.

    ومن ثم فالإرادة قوة نفسية تتوق إلى الفعل وتشتاق إليه فطرة ومخيلة وعقلاً؛ مهما كانت أشكالها جزئية أم كلية؛ خاصة أم عامة؛ فردية أم جماعية مشتركة.

    ولهذا قيل: إرادة الشعور؛ وإرادة القوة، وإرادة الحياة، فإرادة الشعور نزعة ذاتية أساسية تؤثر في حياة صاحبها وحياة المجتمع؛ وإرادة القوة نزعة تؤكد الثبات في الوجود الحر الذي لا يعرفه الضعفاء ـ ويستعين المبدعون في هذا الاتجاه بقوة المخيّلة لتجاوز المألوف ـ وإرادة الحياة ـ كما انتهى إليها شوبنهاور ـ مبدأ للقوة الشهوية الغريزية لاستبقاء العنصر الوجودي في الحياة، بصورته الخاصة([4">).

    وعليه؛ كان لزاماً علينا أن نشير إلى أنماط القوة وفلسفتها في شعر المتنبي أسلوباً وتخييلاً وأفكاراً، على اعتبار أن الأسلوب هو الإنسان وهو الذي يرسم خصال المرء وسجاياه([5">) وأن التخيّل أو التخييل قوة مصورة تريك صورة الأشياء الغائبة حتى يُخَيَّل إلينا أنها حاضرة وتسمى القوة المصوِّرة([6">)، وأن الأفكار تجيء وفق أحوال النفس والأحداث والثقافة التي تحيط بها سواء كانت وفق مبدأ تداعي الأفكار، أم مبدأ الاقتران والاقتراض والخبرات؛ ممّا يؤدي إلى حصول معنى ما في الذهن يصاغ بلغة حقيقية أو رمزية أو مجازية أو إشارية لتدل على فكرة صاحبها ومشاعره([7">) ، فالمعنى ((هو الصورة الذهنية من حيث وضع بإزائها اللفظ))([8">) في إطار الجوهر اللغوي الذي يعيشه الذهن في ضوء تصوره لكل ما يريد التعبير عنه. ويرى الدكتور اليافي أن الفكرة تشتمل على الصورة وبهما يحصل الإبداع فيقول: " وإنما تحصل الجودة والإبداع حين تشتمل الفكرة الفنية على صورة تلونها، أو صنعة خفية تخدمها وتؤديها" ([9">) فاللغة صلة الوصل بين الإنسان والمحيط، وهي المكونة للمعنى باعتبارها وعاء الفكر. وعليه فإن " النشاط الذهني ينتج أفكاراً وإشارات حرفية ذات دلالات محددة، والنشاط الخيالي ينتج الأشكال الفنية، وعن طريق التعارض أو التقابل بين الصورة"([10">) وهذا يشي بالحصول على التشكيل الجمالي المؤلف من عناصر عدة تؤسس لمفهوم المتعة واللذة والفائدة؛ أي ((لا يوجد في الواقع فن معتمد على نوع واحد من الإحساسات مثل التصوير الخالص أو النحت الخالص؛ ففي التصوير قيم ليست كلها مستمدة من اللون كما يلاحظ (برنسون Berenson) ))([11">).

    ومن ثم فنحن أحوج ما نكون إلى صياغة مكونات صورة القوة والإرادة وتجلياتها التي انتهجها المتنبي للكشف عن قيمتها باعتبارها صفة من صفات الإبداع ومن ثم الكشف عن موهبته وفرادته في شعره الذي يعدّ شاهداً حياً عن شخصيته التي ملأت الدنيا وشغلت الناس. فالمتنبي يمارس في إبداعه أنماط الإرادة التي أشرنا إليها، وقد انتقلت من إطار الذات إلى الموضوع، وهي ذات عارفة بقيمة ما يملك وبقيمة أشكال القوة في تموضعها الخارجي. لهذا كانت تشغله كينونة وجوده قبل أن تشغله كينونة الآخرين؛ ممّا جعل فنه ينمو ويتطور إضافة واستمراراً، ليصبح وجوده الإبداعي علامة للفن الأصيل الموسوم بالعلاقات الجمالية العديدة.




    ولهذا كله نجد أنفسنا مبهورين بقوة الإرادة التي كان المتنبي قد تميّز بها ووسم بها مواقفه وإنتاجه الأدبي الذي خلده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ممّا يجعلنا نبدأ بالكشف عن البعد الحقيقي لمكونات صورة القوة عند المتنبي باعتبارها الجامع للإرادات الثلاث التي تحدثنا عنها، وهو الأمر نفسه الذي جعلنا نختار عنوان (صورة القوة والإرادة في شعر المتنبي).




    2 ـ مكونات صورة القوة والإرادة:




    نحاول في هذا الاتجاه الكشف عن الذاتية الفردية باعتبارها البعد الحقيقي لمكونات صورة القوة نفسياً واجتماعياً وثقافياً وفنياً على فَرَض أن المتنبي ينطلق منها إلى تشكيل فلسفته ومعانيه، وهو بُعد يتعانق فيه النفسي بالاجتماعي والثقافي والإنساني إلى درجة التعالق العضوي. هذا هو المكون الأول أما المكون الثاني لصورة القوة والإرادة فإنه يكمن في قوة المُصَوِّرة (المخيّلة) التي تميز بها دون غيره من الشعراء. وسنبدأ حديثنا ببيان الذاتية الفردية.
    أ ـ الذاتية الفردية:

    قد يتوهم كثير من الناس أن الذاتية لا تختلف عن الفردية، بيد أن الفرق بينهما كبير وشاسع. فالفردية تعبر عن بروز (الأنا) مقابل الآخر فرداً أم جماعة... وقد تتضخم الفردية على حساب الآخر...

    أما الذاتية فهي العنصر العاطفي الجوهري الممزوج بالاجتماعي والإنساني والثقافي والفني للتعبير عن رؤية مستقلة ومتميزة للكون والناس والأحداث... ومن ثم فالشاعر يرصد أحداث حياته وحياة مجتمعه وتجاربهما وفق رؤية خاصة تحقق له مجموعة من الوظائف والأغراض.

    وفي ضوء ذلك فالذاتية الفردية وفق ما يشي بها شعر المتنبي تنطلق من الطبع المؤاتي للفردية المتماهية في المجتمع على الرغم من الحس الفردي العالي لديه, على اعتبار أنه يتوق دائماً إلى أن تكون شخصيته موضوعاً عاماً, ما يعني أنه لم يستطع أن يعيش منفرداً على الرغم مما يتّصف به من نزوع فردي متعالٍ وبارز في فنّه؛ بيد أن هذا النزوع لا يمكن أن يبرز إلا بوجود الآخر ما يجعله على اتصال فاعل بأغلب الأوساط المحيطة به. فالشاعر مرتبط بجملة من العوامل التربوية والثقافية التي أسهمت في تكوين شخصيته الإبداعية المتفردة، إذ يقدّم رؤاه النفسية بأسلوب يدل عليه، وكأنه البصمة الخاصة به وفق ما يتضح للعالم بالشعر.

    من هنا نجد أن فلسفة القوة والتفاخر لديه ذات أشكال ومظاهر عديدة ترجع إلى الانطباعات دون أن نعدم وجود التراكم الفكري والفني الذي يعزز لديه استثارة من نوع آخر ليثبت استجابة مغايرة تتوافق مع رؤيته إلى الحياة والكون.

    ولهذا كلّه فإن رؤيته الذاتية المبدعة كانت تتفاعل مع بديهته وفطرته الإبداعية التي وهبها الله إياه، ومن ثم تمتزج برؤية موضوعية ملبية لها. ولا شيء أدل على ما تقدم من المقطع الآتي، وفيه تبرز ظاهرة (الأنا) الممتزجة بظاهرة (نحن) وإن كانت الطبيعة المجسدة بـ (أنا) طاغية في ألفاظه كما في قولهSad[12">)
    أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم

    أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخَلْق جَرّاها ويختصم
    فبُنية الحيّز النفسي/ الاجتماعي تتأطر في علاقات فنية تصوغها اللغة بإيقاعات جمالية يتحد فيها الدال والمدلول، لتصبح صيغة (الأنا) التي تمثل الذات الشاعرية ظاهرة فنية فكرية، ومن ثم ظاهرة مرتبطة بالوجود الإنساني من خلال الضمير (هو) المضمر أو الظاهر.

    فضمير (أنا) برز خمس مرات في البيتين، ولكن هذا لم يمنع ظهور الآخر المتعدد فرداً وجماعة (الأعمى ـ الكلمات ـ الأصم ـ الخَلْق) ولابأس من أن نعرض لمثال آخر من مدحه لسيف الدولة، إذ يقولSad[13">)


    وما أنا إلا سَمْهريٌّ حَمَلْتَه فزيّن معروضاً وراعَ مُسَدَّدا
    أَجِزْني إذا أنشدت شعراً فإنما بشعري أتاك المادحون مُرَدَّدا

    ودع كل صوتٍ غير صوتي فإنني أنا الصائح المحكيُّ والآخر الصدى




    تركت السُّرى خلفي لمن قلَّ ماله وأَنْعَلتُ أفراسي بنعماك عسجدا

    ومالٍ ورجال، فيقولSad[40">)






    ليس التعلل بالآمال من أَرَبي




    ولا القناعةُ بالإقلال من شيمي




    وما أظنُّ بناتِ الدهر تتركني حتى تَسُدَّ عليها طُرْقها هممي




    لُمِ الليالي التي أَخْنَت على جِدتي برِقَّةِ الحال واعذرني ولا تَلُمِ




    فالتقابل بينه وبين الدهر يمثل صورة القوي أمام الأقوى، وبهذا يذهب في التخييل إلى ما يؤدي به إلى الوقوف عند جزئيات كثيرة توطّن عنده مفهوم الانهزام أمام الدهر، وهو الذي لم يتخاذل أمام أحد.




    وكذلك يقر بطاعته للدهر لأن الحسين بن إسحاق التنوخي يطيعه؛ فيقول في مدحه لهSad[41">)




    أطعناك طَوْعَ الدهر يا ابنَ يوسفٍ لشهوتنا والحاسدو لكَ بالرَّغْمِ




    ومن ثم فالدهر لا أمان لـه، وأمره مذموم، شديد مكره، ولا هو ممن يَشتاق فيه إلى نسل؛ لأن مآل الحياة فيه إلى الموت، والنسل إلى القبر بعد طول تعب ومعاناة فيقولSad[42">)




    وما الدهر أَهْلٌ أن تُؤَمَّل عنده حياةٌ وأن يُشْتَاق فيه إلى نَسْلِ




    ويقر أيضاً بصحبة الناس للزمان وإصابتهم بغصصه، إذ مرة يحسن ومرة يكدّر ويسيء، بل إذا أحسن فإنه لا يتم إحسانه. أي أن واقعه النفسي يعاني أشكالاً عديدة من المسلمات التي تواضع عليها الناس؛ على اعتبار ما يعرف بالوسط الذي نشأ فيه وشكل العديد من آليات التحفيز (Incevtre) ما أدى به إلى مواجهتها بآلية الدفع لديه (Motire) وفضها ما لم تتوافق معها([43">).




    لهذا لابدّ من مجابهة الزمان بقوّة وثبات وشجاعة، والموت سينال من الشجاع والجبان، وشتان بينهما في المنزلة في الدنيا والآخرة فيقولSad[44">)




    صحب الناس قبلنا ذا الزمانا وعناهم في شأنه ما عنانا




    وتولَّوا بغُصَةٍ كُلَّهُمْ مِنْه وإن سَرَّ بعضهم أحيانا




    رُبَّما تُحسن الصنيع لياليه ولكن تكدّر الإحسانا




    وكأنَّا لم يرضَ فينا بريب الدَّهر حتى أعانه مَنْ أعانا




    كُلَّما أَنبت الزمان قناةً ركَّب المَرْءُ في القناة سنانا




    ومراد النفوس أصغر من أن نتعادى فيه، وأن نتفانا




    غير أن الفتى يلاقي المنايا كالحاتٍ ولا يلاقي الهوانا




    ولو ان الحياةَ تبقى لحيٍّ لعدونا أَضَلَّنا الشجعانا




    وإذا لم يكن من الموت بُدٌّ فمن العجز أن تموت جبانا




    كُلُّ ما لم يكُنْ من الصعب في الأنْفُس سَهْلٌ فيها إذا هو كانا




    ولذلك فهو يدفع أذى الدهر بالشجاعة والكرم وتدبير شؤون الرعية في السلم والحرب([45">). وفي ضوء ما تقدّم فإن رؤية المتنبي للدهر تغاير المألوف من الرؤى القديمة، بل تثور عليها حين يجعل الممدوح أو نفسه صورة للدهر ومعنىً له؛ كما في قوله مادحاً أبا العشائرSad[46">)




    الناس لم يروك أَشْباهُ والدَّهْر لفظ وأنت معناه









    والدهر قد يخطئ بحق ممدوحه ولابدّ له من الاعتذار إليه كما يشي به قولهSad[47">)




    الدهر معتذرٌ والسيفُ منتظرٌ وأرضهم لك مصطاف ومُرْتَبع




    ومن ثم تنكسر الصورة النمطية لقوة الدهر ليصبح مطواعاً للممدوح ينفذ لـه ما يريد، كما يدل عليه قوله في مدح عبد الواحد بن العباس (الكاتب)؛ إذ يرى أن الممدوح إذا أراد شيئاً وافقه القضاء عليه، وأبلغه الدهر مراده؛ ولم يعصه أبداًSad[48">)




    نفذ القضاء لما أردت كأنه لك كلّما أزمعتَ شيئاً أزمعا




    وأطاعك الدهر العصيُّ كأنه عَبْدٌ إذا ناديت لبى مسرعا




    ولا عجب بعد ذلك كلّه أن تظهر قوة الممدوح في الإفناء والقتل والسيطرة مماثلة لقوة الزمان؛ إذ يقول في القصيدة السابقةSad[49">)




    نَفْسٌ لها خُلُقُ الزمان لأنه مُفْني النفوس، مُفَرِّقٌ ما جَمَّعا




    بل إنه لن يرضى من الدهر بما يجود به؛ وهمته لا تقبل برغبات الدهر ونوازعه، وإلا فأين طموحه وفضله عليه؟ إذ يقولSad[50">)




    أين فضلي إذا قنِعْتُ من الدَّهْـ ـر بعيش مُعَجَّلِ التنكيد




    ضاق صدري وطال في طلب الرز ق قيامي وقَلَّ عنه قُعودي




    ومن ثم ينظر إلى الدهر نظرة غير محايدة باعتباره عدواً لـه يقاتله ويرميه بأحداثه وهو وحيد لا ناصر لـه، فيقول في مطلع قصيدة يمدح لها علي بن أحمد بن عامرSad[51">)




    أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر وحيداً، وما قولي كذا ومعيَ الصبر




    وأَشجعُ مني كل يوم سَلامتي وما ثَبتَتْ إلا وفي نفسها أمْرُ


    فلم يكن بقاؤه إلا لأمر عظيم سيتجلى على يديه، لأن المصائب والحوادث لم تصبه فيقول متابعاً:

    تمرّستُ بالآفات حتى تركتها تقول: أمات الموت أم ذُعر الذُّعْر!!




    ولهذا فهو يجعل الدهر من أتباعه يسخّره لإنشاد شعره فيقولSad[52">)




    وما الدهرُ إلا من رواةِ قلائدي إذا قلتُ شعراً أصبح الدهر منشدا




    فسار به من لا يسير مشمّراً وغنى به من لا يغنِّي مُغَرّدا




    2 ـ صورة الحاكم والأمير والقائد:




    إن إحصائية دقيقة للألفاظ التي تدور حول صورة الحاكم وقوته، أو الأمير والقائد السياسي والعسكري تؤكد أن فلسفة القوة تستند إلى الإرادات الثلاث من خلال مبدأ المراجعة الشاملة لعدد من الصور الشعرية القديمة والمعاصرة للمتنبي. فهو يعيد علينا أفكاره وصوره بأساليب قد تظهر للوهلة الأولى أنها متماثلة مع غيره؛ بيد أنها تؤكد فرادتها من خلال استثارات مغايرة وفق استجابات ذاتية وموضوعية تبرز صورة (الأنا) عند الشاعر؛ ولكنها (أنا) غير مريضة؛ بل تتّصف بالثبات والعزيمة والثقة بالذات.




    ويمكننا في هذا المجال أن نستجلب صورة ممدوحه كافور، وصورة الأمير الحمداني سيف الدولة. وفي كلتيهما يضعنا أمام فلسفة تكشف عن مهارة عجيبة في إبراز ذاته، وتقديمها بأسلوب جمالي يؤدي وظائف كثيرة.




    فهو يمدح كافور الإخشيدي بقولهSad[53">)




    شللتَ سيوفاً علَّمتْ كلَّ خاطبٍ على كُلِّ عُودٍ كيف يدعو ويخطبُ




    ويغنيك عمّا يَنْسُب الناس أنه إليك تناهى المكرمات وتُنْسب




    وأي قَبيلٍ يستحقك قَدْره مَعَدُّ بن عدنان فداك ويَعْرُب




    وما طربي لما رأيتك بدِعةً لقد كنت أرجو أن أراك فأطرب




    فهو يؤكد صفة القوة عند كافور حين يراه أنه أخذ البلاد بقوة السيف؛ ومن ثم صار كل خطيب يخطب باسمه. فقد استغنى حين وصفه بالقوة عن نسبته إلى قبيلة من القبائل التي يفتخر الناس بالانتساب إليها والتي تنتهي إلى عدنان أو يعرب؛ ثم انتهى في البيت الأخير إلى صورة مضحكة لهذا الممدوح الذي طرب المتنبي برؤيته وفرح.




    وفي ضوء هذه الصورة الشعرية نتذكر ما كان المتنبي يقول في كافور: ((لو قلبت مدحي فيه كان هجاءً)([54">)




    فهو في البيت الأول يشي بأن الناس لم يذعنوا لـه طاعة ورغبة، وإنما أذعنوا له خوفاً ورهبة، على حين ينفي عنه صفة النسب الأصيل، وهي صفة يعدها المتنبي جزءاً من فلسفة القوة إلى جانب صفة الإيمان بالله حيث يقول في مدح سيف الدولةSad[55">)




    فأنت حُسَام المُلْك والله ضارب وأنت لواء الدين والله عاقد




    وأنت أبو الهيجا ابن حمدانَ يابنَهُ تشابه مولودٌ كريمٌ ووالد




    وحمدانُ حمدونٌ، وحمدون حارِثٌ وحارثُ لقمانٌ، ولقمان راشد




    أولئك أنياب الخلافة كلّها وسائر أملاك البلاد الزوائد




    فالمتنبي يرى في حسام سيف الدولة ما لم يره في حسام كافور؛ فسيف الدولة للمُلْك بمنزلة الحسام ولكنه لا يضرب به إلا تجسيداً لإرادة الله، باعتباره حاملاً لواء الدين الذي عُقِد له لا لغيره. ومن ثم فقد رأى أن هذه المكارم متوارثة فهو يشبه أباه، وأبوه يشبه أباه إلى آخر الآباء.




    وفي هذا المقام لا ننسى أن فلسفته لقيمة النسب تعادل قيمة الثقة بالذات لديه كما في قولهSad[56">)




    لا بقومي شَرُفْتُ بل شرفوا بي وبنفسي فخرت لا بجدودي




    وبهم فخر كل من نطق الضا د وعَوْذ الجاني وغَوث الطريد




    ففي هذه القطعة وأمثالها نستشعر قيمة الحساسية العالية وقد حقق منزلة متميزة في الحياة والشعر، ما جعل الذات الشاعرية الواعية تتفجر بالتفاخر في إطار الهاجس الكوني الذي يبدد اليقين، ويهدد الوجود فلمّا ربط ما هو عليه من مجد بما كان عليه آباؤه، وأجداده لم يكن يفكر تفكير القدماء بقيمة النَّسب ووظائفها الاجتماعية فحسب وإنما كان حريصاً على جعل هذه القيمة الكبرى جزءاً من تجربته الخاصة باعتبارها تجربة تؤكد الوجود الإنساني؛ فهي تجربة تعبّر عن أبعادها الواقعية الدقيقة؛ ولا تصدر إلا عن وعي المتنبي بحقائق الوسط الذي يعيش فيه. وهذا ما نجده في المقطع الآتي؛ من قصيدة لـه؛ وفيه ينتشي بنشوة الخلق الإبداعي الذي يرد فيه على كل من يعبث بمكانته عند سيف الدولة.




    فالمتنبي لا يتوانى عن إظهار ثقته بنفسه وهو يمدح سيف الدولة ويحذر من بواعث الظن والوهم في إطار من الحكمة البديعة كما تبرزه قصائد عديدة له ومنها قولهSad[57">)




    يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم




    أُعيذها نظراتٍ منك صادقةٍ أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم




    وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظُّلَم





      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 2:53 am