منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تابع لصورة القوة والإرادة عند المتنبي.......2

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تابع لصورة القوة والإرادة عند المتنبي.......2 Empty تابع لصورة القوة والإرادة عند المتنبي.......2

    مُساهمة   الأربعاء يوليو 06, 2011 8:20 am

    [center]


    ([1">) المعجم الفلسفي 2/160.




    ([2"> ) د. عز الدين اسماعيل ـ قضايا الشعر المعاصر 178 ـ 179.

    ([3">) (المعجم الفلسفي 2/201-202).

    ([4">) (انظر المعجم الفلسفي 1/57-61)

    ([5">) (المعجم الفلسفي ـ 1/80-81)




    ([6">) (المعجم الفلسفي 1/261)


    ([7">) (انظر المعجم الفلسفي 1/263 و2/398)


    ([8">) (المعجم الفلسفي 2/398)


    ([9"> ) دراسات فنية في الأدب العربي ـ ص 245 ـ ط1 ـ 1963م.


    ([10"> ) تطور الصورة الفنية 13 ـ نعيم اليافي.


    ([11"> ) مقدمة في علم الجمال، 35 د. أميرة حلمي مطر ـ دار الثقافة للنشر والتوزيع ـ القاهرة.


    ([12">) ديوان المتنبي (3/367)


    ([13">) ديوان المتنبي (1/290-291).


    ([14"> ) ديوان طرفة بن العبد 28-29.


    ([15"> ) العاطفة والإبداع الشعري 25 ـ د. عيسى العاكوب


    ([16">) ديوان المتنبي (1/321).


    ([17">) ديوان المتنبي (1/320)


    ([18">) ديوان المتنبي (2/142-143)



    ([19">) ديوان المتنبي (4/174-175).


    ([20">) ديوان المتنبي (4/174).


    ([21">) ديوان المتنبي (2/32-33)


    ([22"> ) انظر مبادئ علم النفس العام ـ ص 68 ـ يوسف مراد ـ دار المعارف ـ مصر ص 4.


    ([23"> ) انظر أرسطوطاليس في النفس 41 ـ 46 و 62 ـ 67 عبد الرجمن بدوي.


    ([24"> ) انظر أرسطوطاليس في الشعر 210 ـ 211 .


    ([25"> ) إشكالية المعرفة في الغنوزيولوجيا ص18، أحمد مبارك ـ مجلة الحياة الثقافيةـ وزارة الثقافة التونسية ـ العدد 90 كانون أول / ديسمبر 1997م.


    ([26">) الحيوان ـ 3/132.


    [27"> د. ألفة كمال الروبي: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين ـ دار التنوير ص 66 لبنان ـ ط 1 ـ 1983م.


    [28"> نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين ـ ص 65.


    ([29">) انظر الصورة الشعرية ونماذج إبداع أبي نواس ـ 21 ـ ساسين عساف ـ دار مارون عبود ـ 1985م.


    ([30">) ديوان المتنبي 4/146 ـ 147.


    ([31">) ديوان المتنبي (3/362)


    ([32"> ) الإحساس بالجمال ص 80 ـ ترجمة الدكتور محمد مصطفى بدوي والدكتور زكي نجيب محمود ـ مكتبة الأنجلو المصرية ـ القاهرة.


    ([33">) ديوان المتنبي ( 1/187)


    ([34">) ديوان المتنبي ( 3/369)


    ([35">) ديوان المتنبي (المتنبي 3/369)


    ([36">) ديوان ابن مقبل (72)


    ([37">) ديوان ابن مقبل (198).

    ([38">) - هو يقر بصروف الدهر ونوائبه على عادة العرب بمعرض ما، ولا سيما الرثاء؛ انظر ـ مثلاً ـ ديوان المتنبي (1/106) و2/174 و3/9.

    ([39">) انظر ديوان المتنبي (انظر 2/188)

    ([40">) ديوان المتنبي (4/39)

    ([41">) ديوان المتنبي (4/56)

    ([42">) ديوان المتنبي (3/52)

    ([43">) راجع في هذا الصدد (نقد الشعر في المنظور النفسي) د. ريكان إبراهيم ـ دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد ـ 1989م.

    ([44">) ديوان المتنبي (4/239-241)


    ([45">) انظر ديوان المتنبي (2/37)


    ([46">) ديوان المتنبي (4/263) وانظر مثلاً آخر ( 2/304)


    ([47">) ديوان المتنبي (233)


    ([48">) ديوان المتنبي (2/265-266)


    ([49">) ديوان المتنبي (2/264)


    ([50">) ديوان المتنبي (1/320)


    ([51">) ديوان المتنبي (2/148)


    ([52">) ديوان المتنبي (1/290-291)


    ([53">) ديوان المتنبي (1/186)


    ([54">) ديوان المتنبي (1/186)


    ([55">) ديوان المتنبي (1/277)


    ([56">) ديوان المتنبي (2/322-323)


    ([57">) ديوان المتنبي (3/368)


    ([58">) ديوان المتنبي (3/378 وما بعدها)


    [59">)) أرسطوطاليس في النفس ـ 64 –65 وانظر فيه 41- 46 و 62 – 67، وانظر كتاب أرسطوطاليس في الشعر 203.


    ([60"> ) انظر معنى الجمال ( نظرية في الاستطيقا) 73 و 83 و 85 ـ ترجمة إمام عبد الفتاح محمد ـ المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة ـ 2000م. وكتابنا التقابل الجمالي ـ 92 ـ93 ـ دار النمير ـ دمشق ـ 2005 .


    ([61">) ديوان المتنبي (3/100-101)

    ([62"> ) انظر علم الجمال ص 24 ـ عَرَّبة نزيه الحكيم ـ وراجعه بديع الكسم ـ المطبعة الهاشمية ـ 1383هـ ـ 1963م.


    ([63">) ديوان المتنبي (3/98-101)


    ([64">) ديوان المتنبي (1/109-112) وانظر (2/123-125)


    ([65">) انظر مثلاً ديوان المتنبي (انظر مثلاً ـ (2/139) و207-210.

    ([66">) ديوان المتنبي (1 /316-317) وانظر مثلاً آخر فيه (2/115-122)

    ([67">) ديوان المتنبي (2/141-142)




    ([68">) ديوان المتنبي (2/304)




    ([69">) ديوان المتنبي (3/95)




    فالمتأمل لهذا النص الشعري يلفته الشكل الخارجي للغة التي تحمل جملة من الوظائف والدلالات في بنيتها الفردية (الكلمة) وبنيتها الكلية (التركيب). فاللغة بهذا البناء الفني عند المتنبي كانت مادة لدلالة ظاهرة وباطنة تتجاوز القرائن البعيدة لتقف عند سطوة المدرك الملموس الذي يستشعره المتنبي، ما جعله يوازن بينه وبين غيره من الشعراء. وحينما نشدد على طغيان الذاتية في شعر المتنبي، وهي ذاتية تعزز مفهوم الفخر الفردي، فإننا نؤمن بأنها ذاتية تختلف عما رأيناه في الشعر القديم ولا سيما الجاهلي منه. فالفخر الذاتي عند طرفة بن العبد وعنترة بن شداد ـ مثلاً ـ إنّما يعزز نزعة الاستعلاء من خلال القيم التي تواضع عليها المجتمع آنذاك؛ وعليه قول طرفة: ([14">)




    ولست بمحلال التلاع لبِيتَةٍ ولكنْ متَى يسترفِدِ القوم أَرْفِدِ




    وإن تبغني في حَلْقة القوم تلقني وإنْ تَقْتنصني في الحوانيت تصطد




    وإنْ يلتقِ الحيُّ الجميعُ تلاقني إلى ذروة البيت الكريم المُصَمَّدِ




    أما ذاتية المتنبي الفردية فإنها تظل معبرة عن فلسفته الخاصة في نزعة مثالية لما يراه من قيم المجتمع، وشتان بين فخره وفخر القدماء.




    ومن ثم تستند فلسفته إلى صورة القوة لديه إلى قوة الإرادة الذاتية والموضوعية لما يتصف به من ثقة بنفسه، وهمته العالية؛ وحكمته الرائعة، ورأيه الحازم، وشجاعته النادرة؛ فكلّها تجسد مكوّنات فلسفته في الوقت الذي تمثل نمطاً من تجليات الصورة الجمالية التي تؤكد قوته المادية والمعنوية. فالمتنبي تمكن بقدراته الإبداعية أن ينفذ إلى القوة الكامنة في اللغة المصورة ليشكلها في لغة جمالية تقدم وظائف عديدة.




    ولهذا فهو لا يثقل شعره بالألفاظ الجزلة، ولا يقع ـ في آن معاً ـ أسيراً للمباشرة والوضوح القاتل، وإنما يلجأ إلى قوة التعبير التي تستثمر وضوح الألفاظ وتراكيبها لصالح تعميق معاني الإرادة ووضعها في جذوة الألق الذاتي الشغوف بالعقل وتجاذباته؛ دون أن يفقد الانسجام (الهارموني) مع الشجاعة، وكل منهما محكوم باستثارة جمالية خاصة. هذا إذا تغافلنا عن قيمة الوزن في الشعر، فالوزن ليس "صورة موسيقية فرضت عليه فرضاً لتكون حلية تزينه، كلا، فالوزن ظاهرة طبيعية لتصوير العاطفة لا يمكن الاستغناء عنها مطلقاً، وذلك لأن العاطفة بطبيعتها قوة نفسية وجدانية لها مظاهر جسمية تبدو على الإنسان الغاضب أو الفِرح أو الحزِين فإذا به مضطرب ثائر، أو مبتهج طروب؛ أو متخاذل يبكي، وإذا لقلبه نبض خاص غير طبيعي ولأنفاسه ترديد غريب، ذلك دليل على انفعال يملك النفس"([15">) وهو القائلSad[16">)




    عِشْ عزيزاً أو مُتْ وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود




    فرؤوس الرماح أذهب للغيظ وأشفى لغلّ صدر الحَقُود




    لا كما قد حييتَ غير حميدٍ وإذا مُتَّ متَّ غير فقيد




    فاطلب العزَّ في لظى وذَرِ الذ ل ولو كان في جنان الخلود




    يُقْتَل العاجز الجبان وقد يَعْجِزُ عن قَطْعِ بُخْنُقِ المَوْلود




    أنا تِرْبُ الندى وربُّ القوافي وسِمَامُ العِدا وغيظ الحسود




    فقوة إرادته وعزة نفسه تجعله يعيش بين حياتين حياة الامتناع من الأعداء أو حياة الموت الكريم في الحرب. وهما حالتان تحققان التوازن القوي للحفاظ على ذاته المبدعة، وفق ما هو مستمد من الحقول الدلالية للنص. فالقتل في المعركة يدل على الشجاعة، وهو خير من الذل؛ أي إن الوعي الجمالي القوي والبديع يمتد إلى العنصر التراجيدي ـ المعذب ليثبت مرجعية وظيفية تحاكي الوعي التاريخي الاجتماعي، ومن ثم يمتد إلى الجميل البطولي، وما يقتضيه من حيوية ذاتية عند الشاعر، فتمتلئ نفسه بإرادة القوة التي تتشبث بالمجد فينطلق من خلال المحمول النفسي والاجتماعي ليرفض الذل والخنوع.




    ولهذا لا يشفي صدر عدوه من الغيظ إلا أن تنال منه الرماح التي اتصفت بالتشخيص والأنسنة وكأنها هي الفاعل. وهو لا يتوانى عن طلب الجهاد والموت الجليل ليعيش في جنة الخلد بدل أن يموت على فراشه ميتة الذل فلا يفتقده الناس، لأنهم لا يبالون بموته وموتهم ولا يذكرونه بعده، ومن ثم يرى أن الجبان قد يموت على فراشه، على حين يسلم الشجاع الذي يخوض أشد الأهوال وأخوفها. ومن هنا نجده يرتد إلى ذاته الداخلية ليرى فيها أنها أخت الجود وصاحبة القصائد ومنشئة القوافي، وقاتلة الأعداء؛ ما يجعلها تسبق إلى قتلهم وكأنها السم الزعاف لهم.




    وكان قد قال من القصيدة نفسهاSad[17">)




    أبداً أقطع البلاد ونجمي في نُحوسٍ وهمَّتي في سعود




    وجاء في قصيدة أخرى ما يعبّر عن قوّة إرادته في ركوب المصاعب، وقد استجاب لما يعتلج في أعماق نفسه في قلقها وحيويتها باعتبارها تكره الخوف، وتشمئز من الانكسار، ومنهاSad[18">)




    أُعَرّضُ للرماح الصُّمِّ نحري وأَنْصِبُ حُرَّ وجهي للهجير




    وأسري في ظلام الليل وحدي كأني منه في قمر منير




    ونفس لا تجيب إلى خسيس وعين لا تدار على نظير




    وكف لا تنازعُ مَنْ أتاني ينازعني سوى شرفي وخيري




    فالرؤية الذاتية للمتنبي تتفاعل في صور حسية فاقعة ومستندة إلى أسلوب التقابل مع أنموذجه المثالي الذي يؤكده في إظهار قدرته وتفوّقه على نفسه في الكرم والعطاء، وكأنه أكثر الناس سخطاً على البخل والظلم. فرؤيته الفلسفية هذه إنما توحي لنا أنه مهموم بالمصير الإنساني القلق؛ ولا سيما حين يعيد القيمة الحقيقية للرأي قبل الشجاعة؛ على حين كان المُعَوَّل عليه في عصره ـ وفق سيفياته في سيف الدولة ـ ينصب على الشجاعة. فانكسار قوة العقل انكسار للمصير الإنساني وخسارة كبرى للروح الفردية والجماعية، أما خسارة القوة البدنية، فهي خسارة فردية، بيد أنه لا يسقطها من حسابه.














    وفي ضوء هذا الفهم فإن فلسفة القوة لديه تقدم الرأي على الشجاعة وأدوات القتال؛ واجتماعهما معاً أفضل من تفرقهما لبلوغ العلياء إذ قالSad[19">)




    الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أَوَّلٌ وهي المحلُّ الثاني




    فإذا هما اجتمعا لنَفْسٍ مِرَّةٍ بلغت من العلياء كل مكان




    ولربما طعن الفتى أقرانه بالرأي قبل تطاعن الأقران




    لولا العقول لكان أَدْنى ضَيْغم أدنى إلى شرف من الإنسان




    ولما تفاضلت النفوس ودَبَّرت أيدي الكُمَاة عوالي المُرَّان




    وقال هذه القصيدة عندما انصرف سيف الدولة من فتح بلاد الروم سنة (345هـ) ويصفه فيها بقوة القلب وشدة البأس؛ بيد أن حكمته وعقله تسبق شجاعته، أي إن شجاعته ملازمة لرجاحة عقله، ولكنها تأتي في مقام صفاته وفضائله بعد العقل والرأي؛ وبهما ينتهي صاحبهما إلى الكمال والعلياء. فقيمة أي شيء تكمن في إدراكه قبل وجوده، وفي كل ما يشي به من دلالات اجتماعية ونفسية، إذا تجاهلنا صلته بالقيم والفضائل. ولعل هذا كله يوحي بالعلاقة الصحيحة بين الواقع بكل قيمه وتجلياته وبين الواقع النفسي، باعتبار علاقة الأصل بظله.




    وهذه الفلسفة تستند عند المتنبي إلى المنطق والدليل وهو ما أورده في البيت الثالث والرابع إذ يرى أنه ربما طعن الفتى أقرانه من الأقوياء الشجعان بالمكيدة ولطف التدبير قبل أن يطعنهم بالرماح. ولولا العقل لكان أقل سبع قوة أقرب بالشرف والمكانة إلى الإنسان، ولولا العقل لما تفاضلت النفوس بعضها على بعض والآدمي أفضل من البهيمة لعقله وقال المأمون: الأجساد أبضاع ولحوم، وإنما تتفاضل بالعقول وهذه الرؤية من كلام الحكماء إذ يقال: الإنسان شبح نور روحاني، ذو عقل غريزي لا ما تراه العيون من ظاهر الصورة([20">)




    وكان قد قال في مدح كافورSad[21">)




    نلت ما لا يُنَالُ بالبِيض والسُّمْر وصُنْتَ الأرواح في الأجساد




    ومَا دَرَوا إذ رأوا فؤادك فيهم ساكناً أنّ رأيَه في الطراد




    ففَدى رأيك الذي لم تُفَدْهُ كل رأيٍ مُعَلَّمٍ مستفاد




    وإذا الحلم لم يكن في طباعٍ لم يُحَلَّمْ تقدُّمُ الميلاد




    فبهذا ومثله سدت يا كا فور واقتدت كل صَعْب القياد




    فصورة كافور مرت بمدركات ذهنية وخبرات متتابعة أدت إلى انطباعات محددة، عبر عنها بها الشكل المنطلق من ذاته الفردية المفكرة.




    ولعل ما أشرت إليه كافٍ فيما أرمي إليه لأنتقل إلى الحديث عن القوة المصوّرة لدى المتنبي، وهي التي تبرز فنه بمثل ما تبرز فلسفته وشخصيته.




    ب ـ القوة المصوّرة ( المخيّلة):




    هناك توافق عجيب بين القدرة على الإبداع وبين الإبداع نفسه ليبرز نمطية الفلسفة التي تثبت العلاقة بين المبدع والإبداع. فالإبداع يرتبط بالقدرة على التخييل في الصور الحسية والمجردة، البعيدة والقريبة، البسيطة والمركبة والاختراع في الأفكار المنبثقة من خصوبة الذهن المشبع بالعناصر الأدبية والثقافية والاجتماعية والفنية فأي شيء خارج الذات أو داخلها لايمكن إلا أن يصدر عن الحواس التي تتكامل مع الحس المشترك لإنتاج صور تمدنا باللذة والإمتاع. وقد أثبت العلم الحديث ظاهرة الجلاء البصري اعتماداً على ترابط المراكز الحسية بعضها ببعض، ومن ثم تكاملها مع العمليات الإدراكية المركبة([22">). فالمبدع يرى صورة لشيء لا يراها غيره من خلال تميزه برؤية خاصة، وهي التي يقال لها ـ أحياناً ـ الحاسة السادسة، ما يجعله يرى الأشياء المغيّبة على صورة يتخيلها وتكون كذلك على الحقيقة ما يجعلك تعيش في حالة الإدهاش. ولعل هذه الحاسة تتقاطع مع ما قاله ابن سينا عن إدراك البصر للحرارة من خلال الحس المشترك للقوة المصورة على اعتبار أن المصوّرة هي الخزانة التي تختزن المحسوسات([23">).




    وإذا وقع الخطأ في التصوير فإنما يرجع إلى الوهم وما يضيفه التخيل إلى الإحساس نتيجة المعاني المكتسبة، والتجارب المعروفة، وفق ما انتهى إليه ابن سينا([24">) ؛ دون أن ننسى لحظة واحدة أن الفكر الإنساني عاجز عن إدراك الواقع إدراكاً تاماً، كما انتهى إليه الفيلسوف (عمانويل كانط)([25">).




    ومن يتعقب الصورة الشعرية عند المتنبي يدرك أنه يتجه إلى الفكرة والواقع باعتبارهما مظهرين لتجليات الذات التي تنطوي على مشاعر متأججة ومؤثرة؛ في الوقت الذي يتوافر لها مضامين جمالية تحرّض الآخرين على الولوج في معرفة كينونتها، وبديع صناعتها، والشعر ـ كما قال الجاحظ ـ: "صناعة، وضرب من النسيج، وجنس من التصوير"([26">) وكلها تحقق الفكرة المتخيلة عنده على اعتبار أن الصورة ذات وموضوع. وهذا يعني أن عملية "التخيّل الشعري ليست عملية حرّة وإنما هي مقيدة بشروط العقل، ولهذا يتحول الشعر إلى صناعة عقلية لا يسمح فيها للخيال بالانطلاق حتى لا يصبح مجرد إلهام أو تلويع مستلب"[27">. وربط عملية الإبداع بالعقل "لن يلغي وجود الوسائل التي تجعل القول مخيّلاً، لأن القدرات الإبداعية والابتكارية للتخيل الشعري سوف تستخدم في تحسين أو تقبيح ما يقرره العقل، وسوف تنحصر العملية إذاً في خلق تشكيلات جمالية مؤثرة"([28">)




    ولهذا فالإبداع التصويري نوع من الخَلْق الجمالي المعبّر عن حاجات ذاتية واجتماعية وثقافية وفنية تؤكد ذاتها في نظام يغلب على نظام آخر. فالنظام هو الحاضنة التي تضم المرجعيات والأبعاد التي يستند إليها إنتاج ما أدبياً كان أم فنياً أم فكرياً، أم لغوياً،...




    ومن يتتبع قصائد المتنبي يلحظ أن قوّة التخييل كانت تتوزع في دوائر إبداعية شتى داخلية وخارجية ولم تكن مجرّد ردّ فعل لظروف خارجية تحيط به، أو مجرد تأثّر ذاتي يصدر عن إعجابه بممدوح ما كسيف الدولة الحمداني، أو إعجابه الشديد بأي موضوع آخر وانغماسه فيه ما يجعل الكلمة المصورة تشبيهاً أو كناية أو استعارة تشكّل النواة والمركز المشع في الصورة الشعرية. فالقوة النفسية ـ مثلا ـ تواقة إلى تجاوز ما تعاور عليها الشعراء في مفهوم اللمحات والسوانح والخواطر، على أهميتها في الإبداع وارتباطها بالإشراق الذاتي والفني، ولكن المتنبي يؤكد ذاته بقوة المخيّلة المنبعثة من أعماق وجدانه وعقله على السواء لتصبح الصورة لديه قادرة على الإدهاش وهي تخرج الخفي غير المدرك إلى صورة مدركة بالحواس، ومن ثم تثير النفس والعقل معاً، ما يعني أن قوة العواطف لديه لا تلغي القوة الذهنية، وهذا شيء ربما يتفرد به دون غيره. ولعل الوقوف عند قصيدته التي وصف فيها الحُمَّى تشي بقدرة المخيّلة العجيبة لديه، باعتبارها قوة إدراك، وقوة بناء للعالم الشعري المكون للرؤيا([29">). فهو يفاجئنا مفاجأة غير متوقعة وفق ما يقال اليوم عن كسر أفق التوقع في الحديث عن الحمى ومكوناتها الشعرية، إذ يقولSad[30">)









    وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في الظلام




    بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي




    يضيق الجلد عن نفسي وعنها فتوسِعُه بأنواع السَّقام




    إذا ما فارقَتْني غسَّلتني كأنا عاكفانِ على حَرام


    كأنَّ الصبح يطردها فتجري مدامعها بأربعة سِجام


    أراقب وقتها من غير شوق مراقبة المشوق المستهام

    فهذا المقطع جزء من كل يضعنا في حالة من تولّد الصورة الذهنية من خلال ربط المألوف بغير المألوف ولا سيما حين تحدث عن بذل كل ما هو ناعم من الوسائد والفرش ولكن توقعه في رغبات تلك الحمّى قد خانه. ومن يرغب في معرفة حقيقة هذه الصورة عليه أن يتمثل حقيقتها الثابتة في عناصرها الذاتية والموضوعية، تصور أو شعوراً، أي عليه إدراك الحالات النفسية التي يمر بها الشعور والعقل لكي يحصل على التأثير المطلوب.

    وكذلك نرى أن القوة النفسية كانت تتعانق بلغة شعرية مدهشة تنحرف عن كل ما هو مألوف لتمتزج بطريقة البناء المصورة المحاكية للنموذج البطولي المدحي، وهي التي منعت المتنبي من الوقوع في الاختراق السلبي المنظور في قيم القصائد المدحية، ولاسيما إذا قارنا مدائحه بمدائح غيره من الشعراء.

    ولا شيء أدل على ذلك كله من مدح المتنبي لسيف الدولة وعتابه في آن معاً في قصيدته المشهورة ومطلعهاSad[31">)

    واحرَّ قلباهُ ممن قلبُهُ شَبِمُ ومن بجسمي وحالي عنده سَقَمُ

    وفيها يتغنى ممتدحاً شعره، من خلال تقنيات لغوية وتصويرية تتكئ على مكونات التنوع والتشويق الصادم للقارئ في دلالته الجمالية التي تحقق لـه التوازن، ولا سيما حين رأى أن وسائل المعرفة والعهود التي جمعت بينهما أعظم من أن تُضَيَّع فقال:

    وبيننا لو رعيتم ذاك مَعْرفةٌ إنَّ المعارفَ في أهل النُّهى ذِمَمُ

    كم تطلبون لنا عيباً فيعجزُكمُ ويكره الله ما تأتون والكرم؟

    فما عهدنا شاعراً يعنّف ممدوحه بمثل ما نجده عند المتنبي، فهو يتحدث عن سيف الدولة لافتاً نظره إلى أنه أصغى إلى الطاعنين في المتنبي، يطلبون له عيباً يغضون به من منزلته عنده ولكنهم لن يجدوا شيئاً من ذلك. وحين كان يعرض لذلك كان يؤكد فاعلية الصورة الشعرية في تمثيلها لمشاعره التي تعتلج في نفسه، ما يوحي بأنه يحيل الوجدان الذي يملكه إلى مطالب تعبر عما يتراءى له من خلال الصورة. وبهذا تظهر القدرة الإبداعية عند الشاعر، فهو يقدم بين أيدينا رغباته المكبوتة بوساطة معادل موضوعي تصويري يحوّلها إلى واقع ملموس يجمع بين العقل والوجدان.

    ومن ثم فالتخييل الشعري نقل كل ما هو مجرد إلى كل ما هو محسوس ـ والعكس صحيح ـ بأسلوب طريف وتقنيات مدهشة، ووضع الأفكار والرؤى تحت أسماعنا وأبصارنا بكل قوة ووضوح ودقة؛ دون أن يخل بالعنصر العاطفي الانفعالي، ما يجعل التخييل فعلاً إبداعياً يصل بين المبدع والمتلقي لالتقاط نظرية فلسفة القوة عند المتنبي، وهي نظرية تحضر بكل عناصرها الجمالية لتخلق الصدمة المدهشة التي تجمع بين عنصرين أصليين (العاطفة والعقل).

    وبهذين المكونين يمكن أن نؤصل لمفهوم نظرية الشعر عند المتنبي، فعندما نستحضر أصل الإبداع ومنطلقه وتكونه ندرك قوة الفن وجاذبيته وجماليته الخاصة به على اعتبار أن العناصر الجمالية مرتبطة بعضها ببعض من خلال الإحساس بالجمال. ومن ثم نفهم طبيعة الفن الشعري عند المتنبي، وانطباقه مع ما انتهى إليه (جورج سانتيانا) في قوله: (( لذّات البصر والسمع والمخيّلة والذاكرة هي أكثر اللذات قدرة على التحول إلى موضوعات جمالية)) ([32">). ولهذا فإذا كانت الصياغة الفنية صياغة جمالية بما انتهت إليه من صور مبدعة، فإن الوجد والعاطفة تغدو في الوقت نفسه قيمة جمالية لأنها أبعدت عنا مرارة الحياة، وقرّبت التطلع إلى الأمل في المستقبل الجميل الذي ينشده.

    3 ـ تجليات صورة القوة والإرادة في شعر المتنبي:
    يرى كثير من الناس أن تصور المفاهيم يتشكل بالخبرة والثقافة والتربية فضلاً عن مبدأ التأثر والتأثير بالبيئة أو الوسط الذي يعيش المرء فيه.

    وقد يقع بعض المبدعين في حالة صراع ذاتية وعقلية بين ما نشأ عليه المجتمع وبين ما يرغب فيه ويتصوره ما يجعله يتمرد على غالبية الأعراف والتقاليد والصور القديمة في الحياة والأدب والفن.

    ولا ريب في أن هذا التمرد يحتاج إلى قدرات خاصة في الإدراك والحس والخيال ما يؤهلهم لـه، ولعل هذا ما نفذ إليه المتنبي الذي يظل حقيقة ثابتة متفردة في وجوده الشخصي والإبداعي.

    وبناء على ذلك كلّه فإن المتنبي لم يعش يوماً حالة من الانكسار سواء تمثل في الاغتراب النفسي أم الاجتماعي أم غيرهما. فهو حاضر أبداً، يشدّه طموحه إلى أعماق نفسه ووجدانه ليطمس كل قلق أو اكتئاب مفتشاً عن آماله الكبرى بعد كل تجربة مخفقة يصاب بها كما ورد في مدح كافور الإخشيدي ولاسيما قولهSad[33">)

    وتعذلني فيك القوافي وهمَّتي كأني بمدح قبل مَدْحك مُذْنبُ

    ولكنه طال الطريق ولم أزل أُفتّش عن هذا الكلام ويُنْهَبُ

    فالصورة الشعرية الحسية تنبئ بحالات شعورية داخلية ذات أبعاد دلالية مثيرة، فضلاً عن عناصرها الجمالية أسلوباً ولغة، من خلال ضمير المتكلم الذي يعدّ نواة الصورة والفكرة والمشاعر. فالحياة المقترنة بالرغبات تضج بحالة شعرية مدهشة في البحث عنها وسط ازدحام الكلمات وفق ما ذهب إليه كثير من الباحثين والمفكرين عن النفس العاقلة المفكرة، على اعتبار أن لكل موجود وجوداً حسياً وعقلياً في آن معاً، وهي لا تتعامل مع المحسوسات بأسلوب مباشر، بل تتأملها وتفكر فيها بحسب رغباتها وثقافتها وخبرتها.

    وكذلك نرى هذا الأسلوب التصويري في ممارسته لفلسفة القوة حين اختار نهايته بإرادته، إنها القوة التي تبرز في بيته الذي قتلهSad[34">)

    الخيل والليل والبيداء تعرفني والضرب والطعن والقرطاس والقلم

    وهذا الاختيار الحر لممارسة فلسفة القوة؛ وفق مفهوم إرادة الاختيار؛ إنما يكشف عن الاستبطان الداخلي لحقيقة نفس المتنبي وما تملكه من تكوين يبرز تجليات القوة والإرادة باعتبار ما نشأت عليه من مفاهيم ومثل وما حملته من مبدأ التغذية الراجعة لثقافته ومبادئه ذاتياً وموضوعياً، وهي تغذية تحقق لـه عملية التوازن بين ما يؤمن به وما يفعله؛ على اعتبار أن فعله محاولة للاستجابة الذاتية بين ما يقوله نصّه الإبداعي وبين عالمه الخارجي. فالمعطى الحقيقي لمرجعية فلسفة القوة في النص المشار إليه ـ على ما يحمله من تقانة فنية أدبية وجمالية ـ أكّد ثباته شكلاً ومضموناً في صياغة واقعية أثبتت تناغمه مع فلسفته؛ ومن ثم كان انتماؤه إلى فلسفته سبباً في مقتله، وهو ما لا نجده عند شاعر آخر.

    ومن ثم احتذى أبو الفضل الهمذاني حذوه حيث قالSad[35">)

    إن شئت تعرف في الآداب منزلتي وأنني قد عداني الفضل والنعم

    فالطِّرْف والقوس والأَوْهَاق تشهد لي والسيف والنَّرْد والشَّطْرَنج والقلم

    وصور تجليات فلسفة القوة عديدة في صورة الدهر والحاكم الأمير والقائد والحرب والمرأة والإبداع ذاته تخييلاً وأسلوباً...

    1 ـ صورة الدهر أو الزمان:

    سبق أن بيّنا تصور الذهن الإبداعي لكل من الحقائق والأفكار والأشياء والفنون و ... وكل صورة تكون محدودة بتصور ما في ذاكرة صاحبها وفي الذاكرة الجمعية للناس، ما يؤدي إلى تشكل جملة من الرموز الدلالية المشتركة للناس أو أغلبهم، ما يجعلنا نرى أن قيمة التعبير تكمن في دقة الملابسة أو المشاكلة بين التركيب والمعنى.

    وعلى الرغم من هذا فإننا نذهب إلى أن التصورات العديدة لا تستند إلى مبدأ التماهي في التراكم الثقافي العام وإنما تستمد فرادتها عند بعض المبدعين المتميزين من فعّالية النشاط الذاتي لديهم، فضلاً عن رهافة حساسيتهم ودقة وعيهم لإعادة صياغة واقعهم وثقافتهم انطلاقاً من استجابة حسية لموضوع ما. فالشاعر المبدع يستطيع الإفصاح عن مشاعره من خلال الأدوات اللغوية في صياغة الصورة المنشودة لديه، ويعتمد في ذلك على الموهبة والذاكرة الثقافية والفنية.

    ومن يقرأ شعر المتنبي فإنه سيقع على صورة شعرية حملت جملة من الأنساق الثقافية التي غايرت الأنساق القديمة ومفاهيمها الموروثة. فقد سادت في التراث العربي صورة نمطية للدهر أو الزمان الذي ينزل نوائبه وصروفه بالكون والحياة والإنسان؛ إنها صورة للخُصومة والنزاع المستمر، كما نجده عند تميم بن مقبل؛ حيث يقولSad[36">)

    إن يَنْقُضِ الدَّهْرُ مني مِرَّة لبلىً فالدهر أَرْوَدُ بالأقوام ذو غِيَر
    وقالSad[37">)

    إن يُنْقضِ الدهرُ مني فالفتى غَرَضٌ للدَّهْرِ من عُودِه وافٍ ومَثْلومُ

    وإن يكن ذاك مقداراً أُصِبتُ به فسِيرة الدهر تعويجٌ وتقويم

    فهذه الصورة التقابلية بين الشاعر والدهر تبرز من خلال اللغة المتضادة كما يتضح في (وافٍ ـ مثلوم) و (تعويج ـ تقويم). ولعل هذا يضفي على النص أبعاداً درامية مستمدة من الموروث الشعري.

    وحين ننظر إلى فلسفة المتنبي ورؤيته للصورة المتوارثة للدهر في أدبيات العرب وفلسفتهم يتضح لنا أنها مغايرة لديه عما وجدناه فيها. وإن أقرَّ بصروف الدهر([38">) ـ حيناً ـ فإنه لا يستكين لها؛([39">) وإنما يدفعها بكل ما يملك [code]

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 2:56 am