[center]فلسفة الأخلاق في شعر مفدي زكريا
الكاتب فطيمة داود
الملخص :
لقد دفعت الثورة الجزائرية الأدباء إلى إثبات ذواتهم في الحياة الفكرية والسياسية ، وهي التي أفرزت جيلا من الشعراء التزموا بقضية الثورة وذادوا عنها بالفك والشعر والنفس . وكان " مفدي زكريا " ( 1908- 1977 م ) ، شاعرا فاق غيره في هذا الميدان حين أحس بالثورة قبل أن ينتبهوا إليها وقبل أن تضرم نيرانها ، فأضحت هي الهدف والمبتغى ، وبرز ذلك جليّا في دواوينه ؛ " اللهب المقدس ، إلياذة الجزائر ...الخ " .
ولعلي أحاول – بهذا المقال – أن أكشف جانبا مهمامن جوانب عديدة في آثاره الشعرية ، وهي : " فلسفة الأخلاق " التي نلمسها في شعره ونضاله ، وهو دليل على أنّ الثورة قامت على قيم ومبادئ إسلامية ؛فكرا سلوكا وممارسة ، وقد التزم مفدي زكريا بهذه الأخلاق ، ورصد الإيقاع الإنساني لشعب ثائر ونبض حيّ يتطلع إلى الحرية والتحرر . وكانت الأخلاق هي معجزة البرايا كما يراها شاعرنا" مفدي زكريا ".
إن الحياة الخلقية تفرض على الكائن البشري المشاركة في ملء الحياة ، ورسالة الأخلاق تكمن في تحويل العالم من المرتبة الطبيعية إلى المرتبة الأكسيولوجية الحقيقية (1) ، فالأخلاق تساهم في إيقاظ الإحساس بالقيم الإنسانية العليا ، وتتقاطع بذلك مع مهمة الفنون في إيقاظ النفوس لترى الجمال في الطبيعة. فهي تحرك ما في الإنسان من مُثل سامية ليسمو فوق مستوى الطبيعة من خلال الوعي الأخلاقي ، فوجود هذا الإنسان تحدده علاقته بالقيم ، وذلك لأنه عاقل يملك الإرادة ويستطيع تجاوز الغريزة والترفع إلى مستوى السلوك الأخلاقي الحرّ ، ويكمن ذاك في الفضائل ؛ من خير وحق وجمال وعدالة وحرية ، فالخيرية لابدّ أن تكون وليدة الحرية (2) .
والأخلاق علم عملي يهدف إلى تحقيق غاية في حياتنا ، فهي تضيء الطريق السوي للإنسان . كما أنّ صاحب المثل العليا يتميز بالطموح والنزوع إلى التسامي والتطلع إلى مزاولة حياة إنسانية كريمة ، ورغبـة في الارتفاع فوق مستوى البهيمية لتحقيق إنسانيته . وهذا ما ألفيناه عند شاعرنا مفدي زكريا( 1908-1977م ) الذي تسامت نفسه فوق مستوى الطبيعة إلى مستوى العقل ، لتصل إلى مستوى الإبداع ، ثم إنّ الأخلاق لا تقف عند حدّ القيم التقليدية أو المعايير الجـماعيـة بل تمتد إلى خلق روح النقد والإبداع والابتكار في النفوس .
وقد خاطب مفدي زكريا بأخلاقه الإنسانية العقل ، كما خاطب الإحساس من خلال انفعالات حيّة متصلة بالصورة الحيوية تجلت في شعبه وأمته . وتوّضَّحَتْ هذه الأخلاق في أشعاره كنداءات وُجهت للضمير الإنساني ، وعبّر عنها بأفكار وفلسفة حملت مفاهيم أخلاقية ، انتقلت من التضامن الاجتماعي إلى الإخاء الإنساني ، فتوحّدت عنده الخيرية والإبداعية .
وقد كانت الفضائل التي اتصف بها شاعرنا من خلال تربيته ووعيه الأخلاقي والبيئة المحافظة مَيْسَمًا على سموه وسلوكه الخيّر الذي بصم أعماله وأشعاره وأفعاله، فكانت أخلاقه إبداعية وليدة الحرية النابعة من ضميره وإيمانه وعقله الإنساني موّجها طاقته الإبداعية لحياة أفضل ، حياة حرّة في ظلّ العدالة معاديا للظلم والعدوان وقوى الشر ّ . ورسم طريق إلى غاية قصوى ؛ هي الخيّر والتحلّي بالقيم العليا التي تناغمت في قصائده مع الإيقاع الجمالي . وهذا ما سنبيِّنه في دواوينه . وهنا تجدر الإشارة إلى الفرق بين مصطلحي ، فلسفـة الأخلاق وعلم الأخلاق ؛ فـفـلسفـة الأخـلاق ذاتيـة تقـوم على تأمل الجانب الإنساني في الحياة والاحتكاك بالضمير والوجدان والشعور الإنساني المرهف، وفكرة القيم من ( خير وحق وشر، وجمال ) ، هي أدخل في الجانب الفلسفي منه من الجانب العلمي للأخلاق ، لأنها تتعلق بنواحي كيفية تقوم على الذوق والشعور أكثر من الكمية التي تقوم على الاستقراء والرصد والإحصاء هو جانب تجريبي موضوعي يتصل بعلم الأخلاق (3).
ولعلّه من الإنصاف أن يعتبر مفدي زكريا ( الشاعر) فيلسوفا أخلاقيا حيث تلازمت معه ثلاثية القيم: الحق والخير والجمال. من خلال خشية الاعتقاد وحرية ملتزمة بالأخلاق وإبداع رائع خاشع ، كانت مهمته الأخذ بيد الشعب نحو الانعتاق والحرية ليسترد حاسته الخلقية ويرى القيم ويدرك المعاني ويحس الجمال .
1- عوامل فلسفة الأخلاق عند مفدي زكريا :
أ- التربية وأخلاق الإسلام :
كانت لمفدي زكريا خبرات خلقية، فقد خبر الشر والألم في عهد الثورة واكتوى بنارها في سجون الاستعمار؛ واشتعل حنينه مغتربا في تونس والمغرب، وخط بدمه عبارات الحرية والأمل، وصرخ بشعره منددا بالظلم والعدوان، مناشدا الاستقلال والكرامة حبّا لوطنه، وشعبه.
وبرزت أخلاقه جهادية في سبيل حرية الشعب وإرادته في تقرير المصير، وأخلاقه الفروسية من شجاعة وشهامة ومروءة وتحدّ للاستعمار وما خبرته من سجون" بربروس " وغيره إلا دليل على فروسيته وجهاده ، وهذا نتلمسه كثيرا في قصائده.
وتشبع شاعرنا بالمبادئ الأخلاقية والقيم العليا من بيئته الدينية المحافظة فتشرب العلم والدين والتربية الصحيحة، إضافة إلى تربيته الإبداعية المثلى. التي انطبعت في نفسه. فبزغ شاعرا مترفعا متساميا عن الدنايا والخطايا وكان للتعلّم دور في تنمية إحساسه الجمالي، وكانت " بني يزقن" المنهل الأول حيث حفظ القرآن وتعلّم مبادئ الدين الإسلامي، ثم انتقاله إلى تونس ودور البعثة الميزابية (4) في إذكاء عـلمه وفـكره ، فأخـلاقــه يمكن أن نعـزوها إلـى عوامـل مشتركة تمثلت في التربية الصالحة، والتعليم الهادف والدين الإسلامي، فنشأ ذكي العقل، موقد الحس، لامس الحياة الواقعية، وخبر شرورها وخيرها وقد آلمه وطنه وشعبه تحت وطأة الاستعمار. فأعلنها حربا للأخلاق ولسيادة الحق والحرية من أجل شعبه والجزائر.
إنّ قيم الخير والحق والجمال، والتي وجدت بوجود الإنسان بحث فيها الفلاسفة ونظروا، قد جاء الإسلام ليزكيها ويضيف إليها، بل قد أضيفت قيمة رابعة عند الفلاسفة وسموّها بالتقديس الديني واختلفوا حولها.
ولكن في ديننا نلمس هذه القيم وغيرها، فقد جاءت أخلاق الإسلام لتنظم سلوكيات الناس على أساس العدل ورفع الظـــلم والعبادة، وكانت الدعوة إلى المثل العليا. حيث يقول صلعم: « إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ».
ونجد في شعر مفدي زكريا دلائل كثيرة على تأثره بالقرآن ومبادئه من خلال الاقتباس للكلمات والمعاني الإسلامية. وفي مواضع شتّى؛ فالأخلاق في نظر الإسلام تتمحور في كرامة الإنسان وحريته ،« ولقد كرمنا بني آدم »من سورة الإسراء ، آية "70 " ، كما حرّره من الاستعباد وعتقه بالعدل من الاستغلال ، وهي أخلاق صـراحة وشجاعة أدبية وسعي وإقبال على الحياة بثقة وعمل.
إنّ المثل الأعلى للأخلاق في الإسلام هو الإرادة الجازمة التي تقتضي مجاهدة النفس؛ و للعنصر النفسي الداخلي أهمية في تحقيق المعاني السامية، كالصدق و العزم و الإخلاص، و العفو و الصبر يقول صلعم: « أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»
لم يقعد شاعرنا - طرفة عين- عن محاربة الاستعمار كشف الحق، كما لم يثبط عزمه بعد الاستقلال في محاربة الآفات و إصلاح مجتمعه وحمل راية البناء و التجديد؛ و كان دافعه حبه للشعب و الوطن.
كما تجلى مفدي بأخلاق الإسلام. و لمسنا قلبا مفعما مروءة و نخوة ، في الحرب و السلم، قلبا مؤمنا محبا، يؤثر وطنه على نفسه بأمانة و إخلاص، و ذلك ليحقق إنسانية الإنسان فكان هذا العامل الإسلامي الحاسـم و المؤثر في رسوخ هذه الأخلاق في وجداته.
فهو القائل:
هـي الأخلاق في الدنيـا دليـل إلـى درب العلا يحـدو الشبابـا
هـي الأخـلاق معجزة البرايـا عـلى هـاماتـها تـطأ السـحابا
و تبني صـرح عزّتها شعـوب فتحدث في الدنـا العجب العجابـا
ليـس بعامـر بنيـان قـــوم إذا أخـلاقـهـم كـانت خـرابـا(5)
كما أنّ شاعرنا قد مرّ بتجارب صوفية. فأثّر ذلك أيضا في مواقفه الفكرية و فلسفته الأخلاقية ، فيقول :
شربت العقيـدة حتى الثمـالـة فأسلمت وجهي لربً الجلالـة
هو الديـن يغـمـر أرواحـنـا بنور اليقيـن و يـرسي الـعدالـة
إذا الشـعب أخـلف عهد الإلـه و خـان العـقيدة فارقـب زوالـه(6)
كما نجده في مقالاته حاملا قلمه يحثّ على العلم و يستنهض النفوس الغافلة وخاصة الشباب فيقول : «إنّ جريدتنا علمية أدبية اقتصادية أخلاقية جامعة أسست لتعمل على هدم كل ما شيّدته أيدي الجهل و التفريط و الكسل و إزالة كل ما يحول بين مسلمي هذه البلاد و بين رقيها العلمي و الأدبي و الاقتصادي، و إنما هي ملك مشاع بين جميع المتنورين الذين يحملون فكرتنا ويسعون مثلنا فيها يحيي ما اندثر من مجد غابر مع إضافة ما يلزم أن يضاف إليه من محاسن العصر؛ شعارها الإخلاص في العمل و السّعي لصالح الوطن، رائدها الصدق ودعامتها التفكير الحــرّ والعـــلم الصحــيح ، حزبها الحــــق و مبدؤها الصراحة»(7)
نتأمل في قوله لنعرف أنّه ذو فكر مشعّ ، يحمل فلسفة أخلاقية ؛ فلسفة تنوير للبناء و الإصلاح ، و قد لخصها هذا القول بكل معنى من هذه المعاني السامية.
ب - الأخلاق و الإبداع :
لقد امتزجت فلسفة الجمال و فلسفة الأخلاق في شعر مفدي زكريا، كما مزج بينهما اليونانيون قديما، حيث اعتبرت الرواقية؛ الجميل هو الكامل في عرف الأخلاق(، و يعتقد" رسكن" أنّ الذوق الجمالي جزء من الأخلاق و يرى " شافنشوي" أنّ جوهر الأخلاقية قائم على الانسجام بين وجدنات الفرد ومطالب المجتمع،و النفس بطبيعتها تهفو إلى الجمال و تنفر من القبح(9)، وحسب مفدي زكريا، باحثا عن فغل الخير و جمال الفضيلة في ذاته، فقوام السلوك الطيب هو حب الفضيلة لذاتها.
و قد جعل الفنّ أداة لخدمة الأخلاق عند بعض الباحثين؛ و عند البعض الآخر اعتبروه غاية أي الفن للفن ، و هناك رأي ثالث يخضع الفن لمبادئ الأخلاق و مقاييسها و رفضوا الفصل بين الفن و الحياة أمثال تولوستوي(10). و العلاقة متينة بين الفن و المثل العليا، و من ثمّ يكتب لفن الخلود فيرتفع فوق حدود الزمان و المكان، فكلما كانت التربية الإبداعية أرقى كلما تسامى الإنسان و ترفّع عن الرذيلة.
و على هذا نجد شاعرنا قد اتسم بهذه الأخلاق الإبداعية و نَاشَدَ الفضيلة من خلال شعره و شعبه و ثورته ملتزما بالحرية الإنسانية ، نافرا من القبح و الألم و الشرّ التي هي أجزاء منحرفة عن الجمال و الخير .
و من خصائص مفدي زكريا المتميزة في شخصيته ؛ القدرة الإبداعية و الإدراك الجمالي حيث ساعــدت العوامل السابـقة على اكتساب هذه القيم الجمالية، فوضع المبادئ الخلقية في احتوائه للعاطفة و الوجدان و البصيرة(11). و قد اكتسب قيمه من خلال المواقف التي عاشها استنادا إلى وجدانه المبدع فيقول :
أرى الشعر بعد الوحي أكرم هابط
من الملأ الأعلى ليرشدنا الطرقا
هو الشعر الإحساس أهدى من القطا
وأبصر في بحر العواصف من زرقا(12)
و يقول : هو الشعر أسرار القلوب تقمصت
لديه ، فأولاها الصّراحة و النّطـقـا(13)
و ليست وظيفة الفنان تقليدا للطبيعة(14) كما يرى أفلاطون و غيره من الفلاسفة. و ليست غايته التعبير عن الجمال فقط بل وظيفته أسمى من ذلك، و هي الوظيفة الإنسانية. فقد عرض أفلاطون لقيم الخير و الحق عن طريق تربية الذوق الجمالي، فلا ندرك الجمال إلاّ بمقابلته مع القبح(15).
و هذا ما ألفيناه في شعره ، فشاعرنا عاش أوضاع بلاده من استعمار و ظلم و عاش فرحة الحرية و لاشكّ أنّ هذا يعكس المبادئ الأخلاقية في مجتمعه. كما أنّ وجود القيم مرتبط في فلسفة الأخلاق بالتجربة الإنسانية؛ والعقل هو الذي يطابق بين الخير و الحق و الجمال.و الفن الأخلاقي يعمل على تقييم الآراء الأخلاقية؛ و هو فن ذو نتائج هامة في تحسين الحقيقة الأخلاقية داخل الحدود التي تفرضها ظروف الحياة الاجتماعية (16) .
وقد صوّر الشاعر ظروف بلاده و حالته الاجتماعية في لهجة مشحونة بالوجدان حيث اربط عنده الإحساس بالقيم الجمالية و القيم الأخلاقية فيقول :
و ما المرء إلاّ عقله ولسانه وهمّته القعساء و جوهره الأنقى(17)
و يقول في موضع آخر عن شعره :
تَخِذْتُ عصاه للطّوارق عدّة فكانت(عصا موسى) يصون بها الحق
تظلّ قوافيه تلوذ بمهجتي نشاوى ، فأجلوها ، وأرسلهـا ودقـا
ألذّ من السّلوى، وأصفى من الحيا وألطف من ريّا النّسيم إذا رقـا (18)
فهو صاحب قدرة على التحليل و التقويم فتحوّل فنّه المكاني إلى فن زماني وذلك بالاستغراق الجمالي(19) فيها بفضل عنصر الحركة الذي تناغم في شعره مع الألوان و الموسيقى مما زادته جمالا و واقعية؛ فعبّر عن الحياة و الواقع ، ومثّل أفكار شعبه و همومه و طموحاته و آماله. و صوّر حياة الجزائري والعربي على السواء بكل اختلالاته و توازناته ، و سجّل مسيرة الإنسان المكافح في ترقيه و انحطاطه، فجاء شعره صادقا معبّرا عن حقائق الحياة، و كان إبداعه معاناة؛ فواقعية الشاعر، عبّرت عن وعيه الإنساني في تذوقه للإبداع الفني، فانساب شعره مؤثرا، متجدّدا ينبض بالإحساس و تجلّى ذلك في إلياذته، و اللّهب المقدّس و أناشيده....
حيث يقول(20) :
تعالوا نقتحم حلو الأماني تعالوا نقتسم هذي الجراحا
ونكتب بالدّم الغالي حروفا نعلم البنين بها الكفـاح
وننقذ باليراعة حق شعب غدا نهبا و أصبح مستباحا
و خلاصة ما يقال في هذا أنّ شعر مفدي زكريا زخر بالإبداع و الثورة والإحساس، فكان مهذّبا للنفوس و معلما للحب، حب الأوطان و النّاس، عبّر عن وظيفته المعرفية والأخلاقية المحفزة على النّضر وعلى البناء تحت شعار الإيمان بالفضيلة و الحرّية وهي أسمى مكارم الأخلاق.
2- أبعاد فلسفة الأخلاق في شعره :
أحاول في هذا العنصر أن أستقصي فلسفة الأخلاق و أبعادها في شعر مفدي زكريا من خلال دواوينه ؛ " الإلياذة ، اللّهب المقدس ، أمجادنا تتكلم..." بطريقة انتقائية حسب ما أجده من أبعاد و سمات فيها ، و يطربني أكثر ما ألفيته من فلسفة القضايا التي عالجها حيث يبدي الحيثيات و يبرز الأبعاد و هذا لا يتوافر لكلّ شاعر، فهو ملتزم بقضايا وطنه و ثورته المقدّسة التي جعلت منه فيلسوفا و شاعرا، ربط مصيره بمصير شعبه.
و ما دامت الأخلاق سرّ نجاح الأمم فقد فاضت في قصائده بشتّى الصور من بطولة، و إيمان، و إرادة؛ نابعة من شدّة اعتداده بنفسه و مواقفه الحازمة، و إحساسه العميق و انفعالاته الصادقة، و وحه الدينية التي ارتبطت بطبيعة تربيته، و فهمه الواعي لكيانه الفكري في وسط ازدحمت فيه بالحياة الثورية.
و على هذا النحو برزت فلسفة الأخلاق في آثاره كفكر لم يجد عنه، و هذه أهمّ القيم التي لمستها في شعره و معانيها :
1-الخير و الحق :
لقد وجد الحق و الخير بوجود الإنسان، و طبيعة البشر في فطرتها خيّرة، و من وظيفة الخير أن يضع المثل العليا للسلوك الإنساني(21) و يضع القواعد التي تحدد استقامة الأفعال الإنسانية، و يعرف الخير مع مقابلته بالشرّ، لأنّ الخير يطابق النظام الكوني، و الشرّ تمرّد على قانون الأشياء؛ و الخيّر هو رغبة في ترقي القيم و العمل على النهوض بها و عكسه الشرّ و هو الحركة المضادّة التي تهدف إلى الانتقاص من القيم و العمل على الهبوط بها ؛ و خبرة الشرّ تمثل حركة انحلال و سلب تحوّل دون نضج الحياة الخلقية و ازدهارها، فهو عرقلة لترقي القيم و عائق لتكامل النفس البشرية(22).
و بيّن لنا مفدي زكريا هذا الصراع في معظم قصائده، و القائم على التعارض بين الخير و الشـر ّ، و ممارسة الحرية مشروطة بهذا التعارض ، فالشر شرط بوجود الخير، و صراع شاعرنا صراع من أجل الحق و الخير صراع بين شعب خيّر يسعى للحق، و بين مستعمِّر يسعى إلى الشرّ و سلب الحق كما أنّ المحبة هي إرادة الخير و الكراهية هي إرادة الشرّ و سنتحدث عن المحبّة -لاحقا- و كان شاعرنا مسؤولا لأنّ هذا الصراع يؤكد القدرة على الاختيار، يقول مفدي :
هكذا الشرّ و الصلاح سجال
بين أهل الوجود منذ عهد عَاِد(23)
فوصف الخير و هو الفضيلة و الشر ّ هو رذيلة ، و كثيرا ما يتحد الخير و الحق بالحرية. فالشرّ هو الاستعمار، هو الحرب الظالمة على شعب أبيّ حرّ ، أما الخير فهو الاستقلال و رفع الظلم و السعي للثورة بعد اليأس و التفاوض والسلم فيقول :
كم لنا في نضرة الحق اليقين
من أياد تترك النار معين(24)
و أيضا قوله: (25) في سبيل الحق نحيا و نموت
لا تظن أنّ من الخوف سكوت
و أيضا قوله: (26) قمت و سيف الحق في الكف ساطع
لتهذيب أرواح و تقطيع أوصال
ثم إنّ الشاعر في ثورة دائمة على الاستعمار و أكاذيبه فهو الشرّ المحدّق بشعبنا و لابدّ من فك قيوده لا بالسلم بل بالحرب التي فيها خيره من أجل الكرامة. فيقول: (27)
نحن بنو السلام فإن لجأنا
إلى الحرب فقسرا و اضطرارا
و أيضا: (28)
يا فرنسا لا تجهلينا فإنا
أمة تبغض الشقا و القيودا
انصفينا حق الحياة فإنا
قد نهضنا، فلا نطيق الركودا
قد سئمنا حياة ظلم و جور
و سئمنا الخراب و التبديدا
الشر لا يفهم لغة السلم و الحق بل لغة الحرب و الثورة:
و حرب للكرامة في بلادي
مضت تفتك عزّتها غلابا
و أوفدت الرّصاص ينوب عنها
يناقش غاصب الحق الحسابا(29)
و هو يربط في فلسفته بين الحق و الحرب لمحاربة الشرّ، و هي فلسفة مبنية على الأخلاق الجهادية:
و الحق و الرشاش إن نطقا معا
عنت الوجوه و خرّت الأصنام(30)
فهذه الحرب دفاع عن الوجود و البقاء ، و دفاع عن الذّات و الحق :
و الشعب شقّ إلى الخلود طريقه
فوق الجماجم و الخميس الهمام
و أثارها حربا لأجـل بقائـه
قربانـها الأرواح و الأنـام (31)
ثم يندد بشرور العدو و آثامه و جرائمه في حق شعبه، و يحصي مؤامراته :
لا النار لا التقتيل يثني عزمه
لا السجن لا التنكيل لا الإعدام
يا للفظاعة من وحوش جوع
تسمو على أخلاقها الأنعام(32)
و يسترسل في ذكر رذائل المستعمِّر، في مقابل الثورة التي هي حق و خير قائلا
وضعت فرنسا في النذالة بدعة
لم تروها الأعصار، وهي ظلام
و العدل زور و السلام خرافة
و لغة تحلّل باسمها الآثام
و لتشهد الأكوان أقدس ثورة
للحق حارت دونها الأفهام (33)
فهذا الشرّ لم يزد الشعب إلاّ صلابة و قوة للثأر و ردّ الحقوق بالثورة و الدّم :
غضب الجزائر ذاك أم أحرارها
ذكر الجراح فأقسموا أن يثأروا(34)
و يقول: (35)
حقوقنا بدم الأحرار نكتبها
لا الحبر أصبح يعنينا و لا الورق
و يضيف:(36)
إنّي رأيت الكون يسجد خاشعا
للحق و الرشاش إن نطقا معا
و إنّ للحق زفير و شهيق
ما أرى الباطل إلاّ التهاما(37)
هذه نفس أبية لا ترضى بالخير بديلا، كارهة للزور الخداع متسامية نحو المعالي، داعية للحق و الثورة و هنا نلمح أبعاد فلسفته فالحق هو ذو أبعاد تتصل بالرحمة و الأخوة و البناء و الوحدة و التعارف؛ و هنا يصبح الحق واجبا :
طالب بحقك كاملا و احذر أن ترضى بأنصاف الحلول حذار (38)
ثورة الحق ؛ رحمة و إخاء و بناء و وحدة و تآزر (39)
و هو يدعو إلى حق لا نفاق فيه و لا كذب، حق بمعناه الحقيقي الذي لا تشوبه شائنة :
ألا ليت هل من عودة نحو أعصر بها الحق حق، لا نفاقا و لا كذبا(40)
كـرّهنـي في النـاس غـدر و خـدعـة و زُوْرٌ و تـمويـه و ظـلـم ذوي قـربـى(41)
إن معاني الحق و الخير تتوحد مع الجمال ، و تتداخل مع العدالة و الحرية وندرج هذا ضمن الفضيلة التي خصصناها للعنصر الأخير.على سبيل الإيضاح و التفصيل فقط و الحقيقة أنّ كل ذلك أخلاق تتضمنــها الفضيلـــــة في مقابل الرذيلة. و هذه القيم كرّس لها شاعرنا حياته و قلمه و روحه راسما أبعادها و حيثياتها انطلاقا من واقع الحياة، فكان في ذلك فيلسوفا أخلاقيا مهمته الأخذ بيد الشعب ليستردّ قيمه المفقودة. فجاءت نظراته متمعنة فلسفية تنبّئ عن خبرة فكرية عميقة تغوص في كنه الأشياء.
2- الحرية و العدالة :
و إذا وصلنا بين ما تقدّم فإن الحرية و العدل تشملها خبرة الخير، والألم و اليأس و الاستغلال يشملها الشرّ .و في سبيل هاتين القيمتين وهب الشاعر حياته فداء لها، فجاهد و ذاق مرارة السجن و الاعتقالات التي أذكت إحساسه بالحرية و حتمية الاستقلال، فأعلنها حربا للعدالة و الحرية، حربا ضدّ الظلم و العبودية و تفسر العدالة بأنها "الخط الوسطي في تعديل الصفات النفسانية و انتزاع صفة ثالثة من مجموع انضمام صفتين من بين إفراط و تفريط"(42) ، و العدل : "هو التقسيط اللازم للاستواء" (43).
كما يتلازم الحق و الخير، كذلك يتلازم الحق مع العدل و العدالة تلازما تاما، والعدالة تتجه للفرد و المجتمع، بالنسبة للفرد ترتبط بالتقييم الخلقي، كالصدق والمروءة.... ، أما بالقياس إلى المجتمع فيعبر عنها بالعدالة الاجتماعـيـة؛ و هنا نستشف الحقوق؛ كالحق في الحياة ، و الحق في الحرية. أماّ العدالة المطلقة هي العدالة الإلهية دون التي أقرّها القانون الوضعي(44) ، يقول مفدي زكريا : (45)
و نحن العادلون إذا حكمنا
سلوا التاريخ عنّا و الكتابا
و نحن الصادقون إذا نطقنا
ألفنا الصدق طبعا لا اكتسابا
و عن أجدادنا الأشراف إنّا
ورثنا النبل و الشرف اللبابا
إنّ العدل يرتبط عند العربي و المسلم بصفات أقرّها التاريخ للعرب المسلمين. جاء القرآن ليرسخ العدالــة لأنـــه من صفات الله عز و جل العدل ، و تستلزم صفة العدل الصدق المطبوع لا المكتسب و هذا كان دأب أجدادنا الأشراف، فالنبل و الشرف يجري في دم المسلم، و هذا ما اتصف به الشاعر و شعبه وتشرّب معاني العدل . ومن أقسام العدل كما يرى "قدامة بن جعفر" ، السماحة ويراد فيها التغابن، و التبرع بالمال و إجابة السائل و قرى الضيف(46)
و يركز شاعرنا على فكرة الحرية و العدل و يربطها بالمساواة والاشتراكية(47) في مرحلة ما بعد الاستقـــــلال و التي كانت تنشد العدالة الاجتماعية. حيث يقول :
الاشتراكية البيضاء مذْهًبُهًا
و الشعب في فلكها ما انفك ربانا (48)
و يقول في حرية و استقلال الجزائر:
نرى استقلالنا عدلا و حقا فرنسا لم تزل فيه تمارى
به فوق الجماجم قد صعدنا وفي تحقيقه خضنا الغمارا
فلا نرضى به أبدا، بديلا نعيم الخلد.. لو نعطي الخيارا(49)
ثم إنّ الاستقلال، قيمة أخرى تساوي الحرية بل هو الحرية، فهما وجهان للكفاح الجزائري ، و هو رمز العـــــزّة و السيادة، رمز لفلسفة الثورة الأخلاقية. و يعبر عن ذلك بلسان شعبه المناضل فترفض كل شيء دون الاستقلال والحرية و العدل :
أمن العدل صاحب الدار يشقى
و دخيل بها يعيش سعيــدا
أمن العدل صاحب الدار يعرى
و غريب يحتل قصرا مشيدا (50)
و يقول : و حرية الشعـب صـاح
و هل مهرها غير هام البشر(51)
فهو يثير حماس الشعب ليمضي نحو العُلا في سماء الحرية معبرا عن هذا الغاشم الذي هزّ قيم العدل و الحرية ، فقيمه الحرية تمثلت في الممارسة الفعلية على أرض الواقع المؤلم، و عليه جسّد شعره هذه القيمة، و الملاحم البطولية التي أَسْمَعَ بها الدهر إلاّ دليل على نشدان الحرية و الدفاع عن القيم الإنسانية باندلاع ثورتنا بالنضال و الكفاح. ولا يخفى أنّ الحرية اتسمت أيضا بمفهومها السياسي المتمثل في رفض حكومة فرنسا للاستجابة :
يا فرنسا... كفى جهلا فإن لنا
شعبا يرى الموت في استقلاله دينا
لا سلم في الأرض ما دامت قضيتنا
لم تلق في الأرض بالقسط موازينا
ثُرنا على الظلم لا نلوي على أحد
لا شيء في الكون دون العزِّ يُرضينا (52)
كما ارتبط الدم و الموت بالحرية ، و ارتبط السلم و السلام بها أيضا ، و لتحقيق السلم لابدّ من الحرب العادلة التي هي القصاص الأوفى :
مصيرنا بالدم الغالـي نقـرره في محفل الموت لا في عقد المؤتمر(53)
ونطق الرصاص فما يباح لكلام و جرى القصـاص فمـا يتـاح ملام (54)
و من الواضح، أنه لا قيام الحرية و الأخلاق عامة دون إرادة، و الحرية تقوم بفضل الإرادة و الالتزام بها من خلال الاعتقاد و الاختيار، كما تقترن بالحرية كرامة الإنسان، و هما ملتمسان لتحقيق الشخصية الإنسانية، و كل القيم الأخلاقية ترتكــــــز على الاعتقاد بحرية الإرادة الإنسانية، والحرية الفردية بشرط عدم الإضرار بالغير و هذه هي الحرية الرشيدة المحكومة بحدود العقل (55)
و تظهر من قصائد شاعرنا ثلاثية الحرية في ؛ الإرادة الخيّرة و الواجب والكرامة فمن واجب الإنسان أن يعيش حرّا كريما ؛ و للإنسان قوة فاعلة يشعر بها و إرادة حرّة؛ و إن اختفت دعامة الحرية من الأخلاق فلن يكون هنا أساس لقيام الخير و الشر و بالتالي لن تكون هناك قيم أخلاقية . و كذا كان شاعرنا و شعبه حرّا لأنه اختارها و جعلها واجبا نحو حياة كريمة :
نحن نبغي استقلالنا ، حرِّفُوهُ
ما استطعت ، إنْ صدّ عنه الحياء(56)
أنا إن متّ فالجزائر تحيا حرّة مستقلّة لن تبيدا(57)
هكذا كانت فلسفة مفدي في الحرية و العدل ، و لا يتسع هذا المقام لكثير من أشعاره المليئة بهذه المعاني ، و الذي قد يستغرق صفحات بعدد دواوينه .
3- الحب و الأمل
إنّ المحبة أو الحُبُّ الأخلاقي ؛ أسلوب من العمل أو السلوك و تختلط المحبة بالإحسان أي حب الخير و صنعه، و هي من الخبرات الإيجابية في حياة البشر تتشارك مع الأمل و السعادة. و قد حثّ الإسلام على هذه القيمة، لأنّ الحب مصدر سعادة الإنسان في علاقته مع الله عز و جل ، و في علاقته مع بني لبشر؛ هذه العلاقة تخلف حبا به يسعى الإنسان لنفع أخيه و الإحسان إليه ، و هناك أنواع من الحب لا نريد أن نفصل فيها. كما أن الحب أساسه الإيمان، و يتلازم مع الإخلاص و الوفاء ونعثر على الحب الإنساني في النفوس المرهفة الإحساس و الشعور، الطيبة الخيرة كنفس شاعرنا مفدى زكريا الذي أحب وطنه و شعبه وضحى من أجل هذا الحب الأسمى؛ و هو حب للحرية و الاستقلال و الخير؛ حب للفضيلة و الجمال أنواع من البحب و الطبيعة وحب لله عز وجل يقول : (58)
رفقا بلادي فأنت الكَونُ أَجْمَعُهُ لولا ك كُنْتُ –بلادي- هالكا فإني
لك الفؤاد وما في الجسم من رمق و من دماء ومن روح و جثمان
إذن حبه الأول و الأخير كان للجزائر التي يراها محبوبا لا يستغني عنه ، فهي الأنثى وهي الجمال و هي الطبيعة و هي الثورة بشعبها في عنفوانها ، وهي الحرية و الأمل نحو مستقبل مشرق ويعب بقوله : (59)
بلادي ، بلادي ما ألذَّ الهوى و ما
أمرَّ كؤوس الحُبِّ مُمْتًِزجًا سُّمَا
و مُذْ فتحَتْ عيني المدامعُ أبصرت
هواكِ فلا عارا عليها و لا لوما
جزائر لشاعر؛ هي هواه فهو- أَبَدًا- متغرل بها عاشق لها ، و لا لوم عليه و لا عار لأنه حب أسمى متسامي لا يصل إليه غير شاعر آمَنَ بقضيته ، فهي حياته و وجوده حيث يقول :
وطني في هواك أخلصت شعري
و ضميري و مهجتي و الوجودا .(60)
إنّ الحب من أهم الخبرات الخلقية و لها دلالات وجدانية كثيرة؛ فهي ترادف الإيثار و الإخلاص، و الصدق، و مضمونها الإيجابي يجعل منها ضربا من التلقائية و الإبداعية، فالمحبة تتجه نحو القيم، و المخلوق الذي يستشعر بالحب لا يلبث أن يجد نفسه مستغرقا في حياة جديدة محققا ضربا من التواصل الخلقي بين الأنا و الآخر(61)، و كأنها خرجت من ذاتها و تسلسلت إلى الآخر فهو حب في مشاركة الآخر عواطفه و انفعالاته و سعادته و آماله ؛ و الحب يفهم الآخر بالاستبصار، و يفقه إنصاف الكلمات، و يدرك الإشارات، فخبرة الحب أعلى الفضائل، إرادتها خيّرة و نيتها طيبة، و هي طاقة و إنتاج من خلال الإيثار والإخلاص و الإحسان.
و لاشك أنّ مفدي عاش من خبرة الحب و قد شعر أن حضرة المُحِّب هي أشبه ما تكون بقوة أخلاقية هائلة تتسامى بالفرد إلى مستوى الإنسان المثالي ؛ فالمحب يخلع على الوجود البشري عمقا و معنى و قيمة فيكسبه ذلك قصدا و هدفا و غاية، و هذا الحب هو حب أخلاقي، يرتفع و يرتفع، و يرتقي للحب الإنساني و الحب الإلهي ؛ فهو حب المثل العليا. كما أنّ الحُبّ يجمع بين اللذّة و الألم ، و النشوة و العذاب بين الأمل و اليأس ، و بين السعادة و الشقاء ، يقول مفدي :
الحب أرَّقَنِي و اليأس أَضْنَانِي
و البيــن ضاعــف آلامـي
و الروح في حب لَيْلاَيَ استحال إلى
دَمْع، فأمْطَرَهُ شعري و وجداني ( 62)
لا جرم أنّ كل شاعر بكى على" ليلاه" و شاعرنا " ليلاه" هي الجزائر يناجيها في السرّ و العلن ؛ يبث حنينه و اشتياقه ؛ و هي معاني نابعة من حب مخلص ، ويمزج شاعرنا حبه نبرة الحماسة و الثورة، نبرة الأمل و العمل ، فشخصيته الفذّة و مبادؤه و فلسفته و تثنيه عن أي شعور سلبي ، فلم يعرف القنوط و لا اليأس و لا الاستسلام ؛ و نفس كهذه تَحَدَّتْ الخطوب في ليل الاستعمار لا تعرف إلا الأمل و الخير، تعمل لتحقيقه ، فأحَبَ الثورة ورجالها وشهداءها و شعبها ،و أحَبَ الجزائر و المغرب و إفريقيا عامة و العرب أجمع . فطاقته في الحب و الإبداع أكبر من أن يفهم كنهها إنسان. يقول عن الاستقلال : (63)
أُحُُِّكَ فوق الحب ، فلْتُخَّلدْ العُقبي
أراضية ، هذي الخلائق أم غضبى
أحبُّكَ حبا يجهل الناس كنهه
و يعذر بين الناس من يجهل الحبا
لِحُبِّكَ أحْبَبْتُ البلاد و شعبها
و لولاك لم أعشق بلادا و لا شعبا
و في الحب مثل العِلْْم ما هو قاتل
و كم مُخلِّص قد عُدَّّ إخلاصه ذنبا
وحب مفدي امتد إلى كل روح تجاهد في سبيل الحرية ،وقد مدح كثيرا من القادة ، و يعلل ذلك :
وقَّفْتُ على بُناة المجد شعري
و هِمْتُ بصانعيه فما احتيالي
و عَوَّدَنِي نضالي في بلادي
على مدح البطولة في الرجال(64)
وقد اغترب الشاعر عن وطنه بعد الاستقلال في تونس، و المغرب ليزيد حبا إلى حبه فيقول :
قالوا: هجرت ربوع البلاد وهمت مع الشعر في كل واد
أجَْل فقد بَعُدْتُ لأزداد قُربًا و يَلْهَبَ حب بلادي فؤادي(65)
أيضا قوله : و إن يجحدوني، فحسبي أنّي وَهَبْتُ الجزائر فكري و عمري(66)
لقد بلغ حبه لبلاده درجة إلهية ، فقد وهبها الفكر و العمر لتحيا و هذا أسمى الحب ، كما نلفي حبه الصوفي المثالي الذي أشبه العشق الإلهي و هو حب لوجه الله حيث قال :
وإذا عشقت فشاعر متصوف
مـا صاغ ربك قلبه جلمودا(67)
وهو حب زادة بركة في الحياة وبسطة في العمر ، لأنه حب صادق جميل :
ولي في الحب عمر ليس يفني كأن الحب بادلني الشبابا(68)
ولعل فلسفة الحب عند ه، تمزج بين الجمال و معرفة الله ؛ فهو يرى الجمال دليلا على وجوده:
فتح الجمال إلى الإله طريقة فتعمّق الإيمان و التوحيد
وحبي فيك صوفـي سليـم لـوجه الله لا أرجو ثوابا
و في الحب موهبة و علم و تجربة بلوت بها الصحابا (69)
ويضيف :
و لولا الحب ما أدركت ربِّي و لا حاولت منه اقترابا
و لولا الحب ما خلَّدْتُ شعري بلغت به الذُّرَي أَحَدَ الرِّكَابا(70)
لقد كان حبا ألهمه الشعر و الجمال فهو مصدر وحيه ؛ و تجربة سامية وموهبة و علم و هو لا يقصد غير وجه الله و لا يريد أجرا، فهو حب امتلأ إيمانا وتوحيدا. و التصوف يقوم على أدب الأخلاق و حب الله . و هذه النظرة استقاها من تجاربه الإنسانية الصادقة ، فجاءت إلهاما و إبداعا منحته قوة تسامى بها إلى عالم الحق و الكمال ؛ فهو حب ملهِم للشعر و الجمال :
و لولا الجمال لعشت بليدا ما همت يوما بغزو القلوب(71)
أيها الحب أنت مصدر وحيي أنا لولاك لم أكن بالمجيد(72)
و فؤاد يشـد كـل فـؤاد بعرى الحب و الوفاء و المشاعر(73)
أما إذا أردنا الحديث عن الأمل في فلسفة شاعرنا فنلمسها في كل دواوينه، و ما نجاح الثورة و الاستقلال إلا أمل قد تحقق ، فهو من جعل الحماسة و البطولة شعاره، يحمل آمال الشعب المظلوم، و زادت نفسه أملا في البناء و التشييد بعد الاستقلال و كان أمله الشباب ، و إذا أردنا تعريف الأمل فهو الإيمان الضمني بأن لكل مشكلة حلاّ، فهو الجو الروحي الأوحد الذي تحيا في كنفه النفس البشرية(74). و يتجاور الأمل مع الإرادة و الثقة بالنفس، إنه دفع للإرادة إلى طريق الوصـــول إلى الهدف و تحقيق المثل العليا.
و كان أمل شاعرنا يغذيه الإيمان و الثقة و الإرادة، و هو كسب حققته له الحرية الإبداعية التي تزود بها من الطاقة الروحية التي جعلت نظراته للكون و الوجود إيجابية جمالية. و قد تحدث شاعرنا عن الأخلاق و فيها ما يدعو إلى الأمل ، فحديثه عن الثورة و الحب و العدالة و في كل هذا أمل و ثقة و طاقة روحية وجدها في نفسه ، فأوجدهــــا في شعبه و أوصلها لغيره نابذا اليأس و الخمول حيث يقول :
تعالوا نقتحم حلو الأماني تعالوا نقتسم هذي الجراحا
و نكتب بالدم الغالي حروفا نعلم البنين بها الكفاح(75)
و هو من غذى في الأمل النفوس :
أنا من ألهم المجاهد روحا فانبرى للوعي يُبيد و يُفني(76)
أنا من خلّد( الجزائر) في الدّن يا و من لقن ابنها كيف يبني
و إذا بالمصير هنّأ قوم فَبِشَّق لصفوف لسْتُ أهني(77)
إنّ السعادة و الأمل لا تتحقق إلاّ بالبناء الذي يتطلب أخلاقا عالية دون شقاق ؛ و لأن مفدي عاش الخلاف بين الشعوب العربية فهو يدعو إلى الوحدة دون يأس متأملا في شعبه المكافح؛ كما دعا إلى تقرير الشعب لمصيـــره. و هو أمل فيه تحدّ و ثقة و إيمان :
وكذا تصنع البطولات لما تتحدى القضا و تغزو المقادر
وكذا تصنع العقيدة لمّا يتسامى النهي و تصفو الضمائر (78)
وتشرق في الدنيا رسالات بعثنا فتبيضّ بالإشعاع إفريقيا السوداء(79)
فهي رسالة أمل تُشرق لها الدنيا من السعادة إذا تسامت إلى الفضائل ، و رسخت الثقة على العمل و اعتقدت في المستقبل.
4-الفضيلة:
إنّ الفضيلة هي أخلاق أو هي ملكة خلقية مرتبطة بالاختيار(80) و هي قيمة من القيم. و من بين الفضائل التي أحصاها مفدي زكريا و تبناها ما يأتي : " الشجاعة، الحزم، العزم، الصمود، الصبر، الصدق، النخوة، النكاية في العدو و قمع الأعداء..." ، هذه الفلسفة رافقت الثورة و كانت سببا في الاستقلال ، ويقابل الفضائل رذائل المستعمر؛ " الظلم و الجبن و الخداع و المكر و السفه و الغدر،..." ، و من رذائل مجتمعه ؛ " الجهل و الكسل و العجز و الخيانة و اليأس..." .
قامت فلسفة الأخلاق عنده على أبعاد إصلاحية و تربوية فاستنهض الهمم و دعا إلى الاستقامة و الصلاح حيث يقول :
أصلحوا ذات بينكم و استقيموا
إن فعلتم سيجعل الله أمرا(81)
و يقول أيضا :
نحن قوم أباة ليس فينا جبانا(82)
و يعود للشباب حاثا إياه على العمل و نبذ العجز، داعيا إلى الصبر و الصدق و الإيمان :
طبائعنا صالحات جليلة تعاف انحلال النفوس الذليله(83)
و تفَسَّخ هذا الشباب و مَاعَا و خرّب أخلاقه و تداعا(84)
ثم يستفز هؤلاء بلهجة الاستنكار و يسوق إليهم العبر منددا بإلحاح :
فأرض الجزائر أرض الفحول
فأين الشهامة ، و أين الرجولة ؟
بني وطني يكفي الجمودا فشمِّروا
على ساعد الإقدام و اقتحموا الخطبا(85)
و من أخلاقنا الرفق و الحزم و العزم و الصبر:
و لن يبلغ العزَّة إلا الذّي
على رشف كأس العذاب صَبَر(86)
و رأينا الرفق بالخلق عدالة
و شريف الأصل من يرعى الأصالة(87)
و صبر و حزم و عزم إلى ال
حلال ِرضًى بالقضا و القدر(88)
هكذا كانت رسالة الأخلاق عند مفدي زكريا ، كلّها فضائل و قيم لبناء الأمة بعد تحقيق الحرية :
نشرت آية الأخوة و الصَّدْ
قَ و رُوح الهدى و حب التفادي(89)
و أخيرا في الختام نتبيّن أنّ مفدي زكريا لم يكن شاعرا ، مجَّد الثورة و كافح من أجل الاستقلال، بل كان شعره يحمل في طياته أبعادا تنبئ بفلسفة أخلاقية، ظهرت جلية في كل دواوينه، فقد جمع إلى الإبداع و لغة الجمال، والأسلوب الرائق، مضامين خدمت بلاده و مجتمعه بل الأمة العربية و الإسلامية لما حوته من أفكار أخلاقية شملت الحماس الثوري؛ و المطالبة بالحرية و العدل، و إصلاح للمجتمع في كل المجالات قبل و بعد الاستقلال في الميادين؛ الاجتماعية و السياسية و الثقافية و الاقتصادية و لاشك أنّ شعره حمل كل هذا الكم المشحون بالعواطف الإنسانية و الأحاسيس المرهفة التي انثالت من شعره صدقا و حقا و إيمانا برسالته في الحياة. و لا ننسى دوره في الصحافة هذه المهنة التي تتطلب الصدق و الكفاح لتوصيل الرأي الصائب و الفكرة البناءة.
فلم يترك فضيلة و لا قيمة من القيم إلاّ و التزم بها منددا و داعيا، و مصلحا و ناصحا. إنّ هذه الفلسفة الخلقية التي تأصلت في شخصيته و تربيته قد انعكست على شعره الذي كان و ما يزال يطرب آذان الإنسانية ، و يمكن أن نعتبر بحق شعر و أدب عالمي يستحق وسام الاستحقاق و الجدارة لخدمة الإنسانية .
-------------------
الهوامش :
(1 )- ينظر: مصطفى عبده ، مقدمة في فلسفة الأخلاق ، مكتبة مدبولي ، القاهرة 1999 ، ط 2 ،ص 22 .
(2 )- ينظر: المرجع نفسه ، ص 23 . و ينظر: . فايزة أنور أحمد شكري ، القيم الأخلاقية بين
الفلسفة و العلم ، دار المعرفة الجامعية ، مصر 2002، ص ص82 ، 89.
(3)- ينظر: د. فايزة أنور أحمد شكري ، القيم الأخلاقية بين الفلسفة و العلم ، ص 88، 89.
(4) - ينظر: حواس برّي ، شعر مفدي زكريا - دراسة و تقويم- ، ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر. 1994 ، ص ص35- 39، وص ص50-51.
(5) - مفدي زكريا ، مصطفى بن الحاج بكير حمودة ، تصدير، عبد العزيز بوتفليقة ؛ أمجادنا تتكلم قصائد أخرى ، مؤسسة مفدي زكريا ، الجزائر 2003، ص285
(6) - مفدي زكريا ، تح مولود قاسم نايت بلقاسم ، إلياذة الجزائر ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر، 1992، ط2/1 ،ص 73 .
(7) شعر مفدي زكريا، حواس برّي، ص40.
( 8 )- ينظر: مصطفى عبده ، فلسفة الأخلاق ، مكتبة مدبولي ، القاهرة 1999 ، ص 18. و ينظر: مصطفى عبده، المدخل إلى فلسفة الجمال ، مكتبة مدبولي ، القاهرة.
(9) - المرجع نفسه ، ص19.
(10) - ينظر: المرجع نفسه، ص 19، و ينظر: المدخل إلى فلسفة الجمال، ص175-177.
(11)- المرجع نفسه، ص69.
(12) - مفدي زكريا ، أمجادنا تتكلم ، ص59.
(13) – أمجادنا تتكلم ، ص58.
(14) - ينظر: القيم الأخلاقية بين الفلسفة و العلم ، ص72.
(15) - ينظر: المرجع نفسه ، ص250.
(16)- ينظر: المرجع نفسه، ص255.
(17) - أمجادنا تتكلم ، ص60
(18) - أمجادنا تتكلم ، ص59.
(19) - مصطفى عبده ، فلسفة الجمال، و دور العقل في الإبداع الفني، مكتبة مدبولي، القاهرة ، ص82-86.
(20)- أمجادنا تتكلم ، ص153.
(21)- ينظر: فلسفة الأخلاق ، ص33 .
(22)- ينظر: فلسفة الأخلاق ، ص73-74 .
(23)- أمجادنا تتكلم ، ص95 .
(24) - أمجادنا تتكلم ، ص20 .
(25)- الديوان نفسه ، ص 21 .
(26)- الديوان نفسه ، ص53 .
(27) – مفدي زكريا ، اللهب المقدس ، الشركة الوطنية الجزائرية ، 1983 ، الجزائر، ص153 .
(28 )- أمجادنا تتكلم ، ص150-151 .
(29) - اللهب المقدس ، ص32-33 .
(30) - اللهب المقدس ، ص 44 .
(31) - اللهب المقدس ، ص45 .
(32) – الديوان نفسه ، ص45-46 .
(33) - الديوان نفسه ، ص46 .
(34) - اللهب ، ص134 .
(35) – اللهب المقدس ، ص134 .
(36) - اللهب المقدس ، ص267 .
(37) - اللهب المقدس ، ص67 .
(38) - أمجادنا تتكلم ، ص21 .
(39) - اللهب المقدس ، ص118 .
(40) - أمجادنا تتكلم ، ص224 .
(41) - الديوان نفسه ، ص62 .
(42) - مصطفى عبده ، فلسفة الأخلاق ، ص85 .
(43) - محمد عابد الجابري ، نقد العقل العربي - العقل الأخلاقي العربي- ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ، 2001 ، ط1، ص330.
(44)- ينظر : فلسفة الأخلاق ص86 . و أحمد أمين ، الأخلاق ، ص159
(45) - اللهب المقدس ، ص39
(46) - ينظر: قدامة بن جعفر، نقد الشعر، ص229 ، و ينظر: غسان عبد الخالق ، الأخلاق في النقد العربي، ، المؤسسة العربية للدراسات، دار فارس، الأردن ،بيروت 1999- ط1 ،ص ص21 و47 . (47) - عبد الله ركيبي ، الشعر في زمن الحرية ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، 1994 ، ص97.
(48)-اللهب المقدس ، ص298 .
(49)-اللهب المقدس ، ص155 .
(50)-اللهب المقدس ، ص16 .
(51)-أمجادنا تتكلم ، ص24 .
(52)-اللهب المقدس ، ص134 و ص151 .
(53)-اللهب المقدس ، ص142 .
(54)-اللهب المقدس ، ص42 .
(55)-فلسفة الأخلاق، ص102 .
(56')-اللهب المقدس ، ص540 .
(57)-أمجادنا تتكلم ، ص 151 .
(58 )- مفدي زكريا ، من وحي الأطلس ، مطبعة الأنباء ، المغرب ، 1977، ص 03 .
(59)- أمجادنا تتكلم ، ص91 .
(60)- أمجادنا تتكلم ، ص149 .
(61)- ينظر: فلسفة الأخلاق ، ص80-81 .
(62)- أمجادنا تتكلم ، ص51 .
(63)- أمجادنا تتكلم ، ص295 .
(64)- مفدي زكريا ، من وحي الأطلس ، ص125 .
(65)- مفدي زكريا ، الإلياذة ، ص117 .
(66)- مفدي زكريا ، الإلياذة ، ص116 .
(67) - مفدي زكريا ، من وحي الأطلس،ص239 .
(68) - مفدي زكريا ، من وحي الأطلس، ص64
(69) - مفدي زكريا ، من وحي الأطلس، ص123 .
(70) - مفدي زكريا ، من وحي الأطلس، ص64 .
(71)- مفدي زكريا ، من وحي الأطلس، ص64 .
(72)- مفدي زكريا ، أمجادنا تتكلم ، ص219 .
(73)- مفدي زكريا ، أمجادنا تتكلم ، ص223 .
(74) -ينظر: فلسفة الأخلاق ، ص78-79 .
(75)- مفدي زكريا ، أمجادنا تتكلم ، ص153 .
(76) - مفدي زكريا ، أمجادنا تتكلم ، ص175 .
(77)- أمجادنا تتكلم ، ص176 .
(78) - مفدي زكريا أمجادنا، ص189 .
(79) - مفدي زكريا ، اللهب المقدس ، ص311 .
(80 - فلسفة الأخلاق، ص87 .
(81) - اللهب المقدس ، ص283 .
(82) - اللهب المقدس ، 84 .
(83) - الإلياذة ، ص74 .
(84) - الإلياذة ، ص81 .
(85) - أمجادنا تتكلم ، ص64 .
(86) – أمجادنا تتكلم ، ص24 .
(87) - أمجادنا تتكلم ، ص229 .
(88) – أمجادنا تتكلم ، ص27 .
(89) - أمجادنا تتكلم ، ص74 .
----------------------------
Obstract : Ethical philosophy in MOUFDY Zakaria poems .
The Algerian Revolution had been the leitmotiv of authors to prove themselves in the intellectual and political lives. This why it had been at the essence of the emergence of a new generation of engaged poets. One of them is MOUFDY Zakaria (1889-1976). He had felt the Revolution before its start ; then it had been his aim
and source of Inspiration. This can be clearly seen in his poems; «The Algerian Iliad, The sacred flame.... ».
In this article, we try to show one side of his poems: the ethics that one may feel in MOUFDY’s poems. Islamic principles and values ofthe Algerian revolution had been the base ofMOUFDY’s poems.
In addition, the poet engagement could be obviously observed
throughout his believes and behaviours. For MOUFDY, ethics is a miracle
---------------------------------
المصادر و المراجع:
1- حوّاس برّي ، شعر مفدي زكريا، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر 1994
2- رمضان الصباغ، التفسير الأخلاقي و الاجتماعي للفن، دهر الوفاء للطباعة ، اسكندرية ، 1998 ، ط1 .
3- عبد الله الركيبي، الشعر في زمن الحرية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1994 .
4- عمر دقاق، الاتحاه القومي في الشعر العربي الحديث، مديرية الكتب و المطبوعات الجامعية، جامعة حلب، 1977، ط3 .
5- غسان اسماعيل عبد الخالق ، الأخلاق في النقد العربي من القرن الثالث حتى القرن السادس ، المؤسسة العربية للدراسات، دار فارس للنشر، الأردن، بيروت ، 1999، ط1 .
6- فايزة أنور أحمد شكري، القيم الأخلاقية بين
الكاتب فطيمة داود
الملخص :
لقد دفعت الثورة الجزائرية الأدباء إلى إثبات ذواتهم في الحياة الفكرية والسياسية ، وهي التي أفرزت جيلا من الشعراء التزموا بقضية الثورة وذادوا عنها بالفك والشعر والنفس . وكان " مفدي زكريا " ( 1908- 1977 م ) ، شاعرا فاق غيره في هذا الميدان حين أحس بالثورة قبل أن ينتبهوا إليها وقبل أن تضرم نيرانها ، فأضحت هي الهدف والمبتغى ، وبرز ذلك جليّا في دواوينه ؛ " اللهب المقدس ، إلياذة الجزائر ...الخ " .
ولعلي أحاول – بهذا المقال – أن أكشف جانبا مهمامن جوانب عديدة في آثاره الشعرية ، وهي : " فلسفة الأخلاق " التي نلمسها في شعره ونضاله ، وهو دليل على أنّ الثورة قامت على قيم ومبادئ إسلامية ؛فكرا سلوكا وممارسة ، وقد التزم مفدي زكريا بهذه الأخلاق ، ورصد الإيقاع الإنساني لشعب ثائر ونبض حيّ يتطلع إلى الحرية والتحرر . وكانت الأخلاق هي معجزة البرايا كما يراها شاعرنا" مفدي زكريا ".
إن الحياة الخلقية تفرض على الكائن البشري المشاركة في ملء الحياة ، ورسالة الأخلاق تكمن في تحويل العالم من المرتبة الطبيعية إلى المرتبة الأكسيولوجية الحقيقية (1) ، فالأخلاق تساهم في إيقاظ الإحساس بالقيم الإنسانية العليا ، وتتقاطع بذلك مع مهمة الفنون في إيقاظ النفوس لترى الجمال في الطبيعة. فهي تحرك ما في الإنسان من مُثل سامية ليسمو فوق مستوى الطبيعة من خلال الوعي الأخلاقي ، فوجود هذا الإنسان تحدده علاقته بالقيم ، وذلك لأنه عاقل يملك الإرادة ويستطيع تجاوز الغريزة والترفع إلى مستوى السلوك الأخلاقي الحرّ ، ويكمن ذاك في الفضائل ؛ من خير وحق وجمال وعدالة وحرية ، فالخيرية لابدّ أن تكون وليدة الحرية (2) .
والأخلاق علم عملي يهدف إلى تحقيق غاية في حياتنا ، فهي تضيء الطريق السوي للإنسان . كما أنّ صاحب المثل العليا يتميز بالطموح والنزوع إلى التسامي والتطلع إلى مزاولة حياة إنسانية كريمة ، ورغبـة في الارتفاع فوق مستوى البهيمية لتحقيق إنسانيته . وهذا ما ألفيناه عند شاعرنا مفدي زكريا( 1908-1977م ) الذي تسامت نفسه فوق مستوى الطبيعة إلى مستوى العقل ، لتصل إلى مستوى الإبداع ، ثم إنّ الأخلاق لا تقف عند حدّ القيم التقليدية أو المعايير الجـماعيـة بل تمتد إلى خلق روح النقد والإبداع والابتكار في النفوس .
وقد خاطب مفدي زكريا بأخلاقه الإنسانية العقل ، كما خاطب الإحساس من خلال انفعالات حيّة متصلة بالصورة الحيوية تجلت في شعبه وأمته . وتوّضَّحَتْ هذه الأخلاق في أشعاره كنداءات وُجهت للضمير الإنساني ، وعبّر عنها بأفكار وفلسفة حملت مفاهيم أخلاقية ، انتقلت من التضامن الاجتماعي إلى الإخاء الإنساني ، فتوحّدت عنده الخيرية والإبداعية .
وقد كانت الفضائل التي اتصف بها شاعرنا من خلال تربيته ووعيه الأخلاقي والبيئة المحافظة مَيْسَمًا على سموه وسلوكه الخيّر الذي بصم أعماله وأشعاره وأفعاله، فكانت أخلاقه إبداعية وليدة الحرية النابعة من ضميره وإيمانه وعقله الإنساني موّجها طاقته الإبداعية لحياة أفضل ، حياة حرّة في ظلّ العدالة معاديا للظلم والعدوان وقوى الشر ّ . ورسم طريق إلى غاية قصوى ؛ هي الخيّر والتحلّي بالقيم العليا التي تناغمت في قصائده مع الإيقاع الجمالي . وهذا ما سنبيِّنه في دواوينه . وهنا تجدر الإشارة إلى الفرق بين مصطلحي ، فلسفـة الأخلاق وعلم الأخلاق ؛ فـفـلسفـة الأخـلاق ذاتيـة تقـوم على تأمل الجانب الإنساني في الحياة والاحتكاك بالضمير والوجدان والشعور الإنساني المرهف، وفكرة القيم من ( خير وحق وشر، وجمال ) ، هي أدخل في الجانب الفلسفي منه من الجانب العلمي للأخلاق ، لأنها تتعلق بنواحي كيفية تقوم على الذوق والشعور أكثر من الكمية التي تقوم على الاستقراء والرصد والإحصاء هو جانب تجريبي موضوعي يتصل بعلم الأخلاق (3).
ولعلّه من الإنصاف أن يعتبر مفدي زكريا ( الشاعر) فيلسوفا أخلاقيا حيث تلازمت معه ثلاثية القيم: الحق والخير والجمال. من خلال خشية الاعتقاد وحرية ملتزمة بالأخلاق وإبداع رائع خاشع ، كانت مهمته الأخذ بيد الشعب نحو الانعتاق والحرية ليسترد حاسته الخلقية ويرى القيم ويدرك المعاني ويحس الجمال .
1- عوامل فلسفة الأخلاق عند مفدي زكريا :
أ- التربية وأخلاق الإسلام :
كانت لمفدي زكريا خبرات خلقية، فقد خبر الشر والألم في عهد الثورة واكتوى بنارها في سجون الاستعمار؛ واشتعل حنينه مغتربا في تونس والمغرب، وخط بدمه عبارات الحرية والأمل، وصرخ بشعره منددا بالظلم والعدوان، مناشدا الاستقلال والكرامة حبّا لوطنه، وشعبه.
وبرزت أخلاقه جهادية في سبيل حرية الشعب وإرادته في تقرير المصير، وأخلاقه الفروسية من شجاعة وشهامة ومروءة وتحدّ للاستعمار وما خبرته من سجون" بربروس " وغيره إلا دليل على فروسيته وجهاده ، وهذا نتلمسه كثيرا في قصائده.
وتشبع شاعرنا بالمبادئ الأخلاقية والقيم العليا من بيئته الدينية المحافظة فتشرب العلم والدين والتربية الصحيحة، إضافة إلى تربيته الإبداعية المثلى. التي انطبعت في نفسه. فبزغ شاعرا مترفعا متساميا عن الدنايا والخطايا وكان للتعلّم دور في تنمية إحساسه الجمالي، وكانت " بني يزقن" المنهل الأول حيث حفظ القرآن وتعلّم مبادئ الدين الإسلامي، ثم انتقاله إلى تونس ودور البعثة الميزابية (4) في إذكاء عـلمه وفـكره ، فأخـلاقــه يمكن أن نعـزوها إلـى عوامـل مشتركة تمثلت في التربية الصالحة، والتعليم الهادف والدين الإسلامي، فنشأ ذكي العقل، موقد الحس، لامس الحياة الواقعية، وخبر شرورها وخيرها وقد آلمه وطنه وشعبه تحت وطأة الاستعمار. فأعلنها حربا للأخلاق ولسيادة الحق والحرية من أجل شعبه والجزائر.
إنّ قيم الخير والحق والجمال، والتي وجدت بوجود الإنسان بحث فيها الفلاسفة ونظروا، قد جاء الإسلام ليزكيها ويضيف إليها، بل قد أضيفت قيمة رابعة عند الفلاسفة وسموّها بالتقديس الديني واختلفوا حولها.
ولكن في ديننا نلمس هذه القيم وغيرها، فقد جاءت أخلاق الإسلام لتنظم سلوكيات الناس على أساس العدل ورفع الظـــلم والعبادة، وكانت الدعوة إلى المثل العليا. حيث يقول صلعم: « إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ».
ونجد في شعر مفدي زكريا دلائل كثيرة على تأثره بالقرآن ومبادئه من خلال الاقتباس للكلمات والمعاني الإسلامية. وفي مواضع شتّى؛ فالأخلاق في نظر الإسلام تتمحور في كرامة الإنسان وحريته ،« ولقد كرمنا بني آدم »من سورة الإسراء ، آية "70 " ، كما حرّره من الاستعباد وعتقه بالعدل من الاستغلال ، وهي أخلاق صـراحة وشجاعة أدبية وسعي وإقبال على الحياة بثقة وعمل.
إنّ المثل الأعلى للأخلاق في الإسلام هو الإرادة الجازمة التي تقتضي مجاهدة النفس؛ و للعنصر النفسي الداخلي أهمية في تحقيق المعاني السامية، كالصدق و العزم و الإخلاص، و العفو و الصبر يقول صلعم: « أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»
لم يقعد شاعرنا - طرفة عين- عن محاربة الاستعمار كشف الحق، كما لم يثبط عزمه بعد الاستقلال في محاربة الآفات و إصلاح مجتمعه وحمل راية البناء و التجديد؛ و كان دافعه حبه للشعب و الوطن.
كما تجلى مفدي بأخلاق الإسلام. و لمسنا قلبا مفعما مروءة و نخوة ، في الحرب و السلم، قلبا مؤمنا محبا، يؤثر وطنه على نفسه بأمانة و إخلاص، و ذلك ليحقق إنسانية الإنسان فكان هذا العامل الإسلامي الحاسـم و المؤثر في رسوخ هذه الأخلاق في وجداته.
فهو القائل:
هـي الأخلاق في الدنيـا دليـل إلـى درب العلا يحـدو الشبابـا
هـي الأخـلاق معجزة البرايـا عـلى هـاماتـها تـطأ السـحابا
و تبني صـرح عزّتها شعـوب فتحدث في الدنـا العجب العجابـا
ليـس بعامـر بنيـان قـــوم إذا أخـلاقـهـم كـانت خـرابـا(5)
كما أنّ شاعرنا قد مرّ بتجارب صوفية. فأثّر ذلك أيضا في مواقفه الفكرية و فلسفته الأخلاقية ، فيقول :
شربت العقيـدة حتى الثمـالـة فأسلمت وجهي لربً الجلالـة
هو الديـن يغـمـر أرواحـنـا بنور اليقيـن و يـرسي الـعدالـة
إذا الشـعب أخـلف عهد الإلـه و خـان العـقيدة فارقـب زوالـه(6)
كما نجده في مقالاته حاملا قلمه يحثّ على العلم و يستنهض النفوس الغافلة وخاصة الشباب فيقول : «إنّ جريدتنا علمية أدبية اقتصادية أخلاقية جامعة أسست لتعمل على هدم كل ما شيّدته أيدي الجهل و التفريط و الكسل و إزالة كل ما يحول بين مسلمي هذه البلاد و بين رقيها العلمي و الأدبي و الاقتصادي، و إنما هي ملك مشاع بين جميع المتنورين الذين يحملون فكرتنا ويسعون مثلنا فيها يحيي ما اندثر من مجد غابر مع إضافة ما يلزم أن يضاف إليه من محاسن العصر؛ شعارها الإخلاص في العمل و السّعي لصالح الوطن، رائدها الصدق ودعامتها التفكير الحــرّ والعـــلم الصحــيح ، حزبها الحــــق و مبدؤها الصراحة»(7)
نتأمل في قوله لنعرف أنّه ذو فكر مشعّ ، يحمل فلسفة أخلاقية ؛ فلسفة تنوير للبناء و الإصلاح ، و قد لخصها هذا القول بكل معنى من هذه المعاني السامية.
ب - الأخلاق و الإبداع :
لقد امتزجت فلسفة الجمال و فلسفة الأخلاق في شعر مفدي زكريا، كما مزج بينهما اليونانيون قديما، حيث اعتبرت الرواقية؛ الجميل هو الكامل في عرف الأخلاق(، و يعتقد" رسكن" أنّ الذوق الجمالي جزء من الأخلاق و يرى " شافنشوي" أنّ جوهر الأخلاقية قائم على الانسجام بين وجدنات الفرد ومطالب المجتمع،و النفس بطبيعتها تهفو إلى الجمال و تنفر من القبح(9)، وحسب مفدي زكريا، باحثا عن فغل الخير و جمال الفضيلة في ذاته، فقوام السلوك الطيب هو حب الفضيلة لذاتها.
و قد جعل الفنّ أداة لخدمة الأخلاق عند بعض الباحثين؛ و عند البعض الآخر اعتبروه غاية أي الفن للفن ، و هناك رأي ثالث يخضع الفن لمبادئ الأخلاق و مقاييسها و رفضوا الفصل بين الفن و الحياة أمثال تولوستوي(10). و العلاقة متينة بين الفن و المثل العليا، و من ثمّ يكتب لفن الخلود فيرتفع فوق حدود الزمان و المكان، فكلما كانت التربية الإبداعية أرقى كلما تسامى الإنسان و ترفّع عن الرذيلة.
و على هذا نجد شاعرنا قد اتسم بهذه الأخلاق الإبداعية و نَاشَدَ الفضيلة من خلال شعره و شعبه و ثورته ملتزما بالحرية الإنسانية ، نافرا من القبح و الألم و الشرّ التي هي أجزاء منحرفة عن الجمال و الخير .
و من خصائص مفدي زكريا المتميزة في شخصيته ؛ القدرة الإبداعية و الإدراك الجمالي حيث ساعــدت العوامل السابـقة على اكتساب هذه القيم الجمالية، فوضع المبادئ الخلقية في احتوائه للعاطفة و الوجدان و البصيرة(11). و قد اكتسب قيمه من خلال المواقف التي عاشها استنادا إلى وجدانه المبدع فيقول :
أرى الشعر بعد الوحي أكرم هابط
من الملأ الأعلى ليرشدنا الطرقا
هو الشعر الإحساس أهدى من القطا
وأبصر في بحر العواصف من زرقا(12)
و يقول : هو الشعر أسرار القلوب تقمصت
لديه ، فأولاها الصّراحة و النّطـقـا(13)
و ليست وظيفة الفنان تقليدا للطبيعة(14) كما يرى أفلاطون و غيره من الفلاسفة. و ليست غايته التعبير عن الجمال فقط بل وظيفته أسمى من ذلك، و هي الوظيفة الإنسانية. فقد عرض أفلاطون لقيم الخير و الحق عن طريق تربية الذوق الجمالي، فلا ندرك الجمال إلاّ بمقابلته مع القبح(15).
و هذا ما ألفيناه في شعره ، فشاعرنا عاش أوضاع بلاده من استعمار و ظلم و عاش فرحة الحرية و لاشكّ أنّ هذا يعكس المبادئ الأخلاقية في مجتمعه. كما أنّ وجود القيم مرتبط في فلسفة الأخلاق بالتجربة الإنسانية؛ والعقل هو الذي يطابق بين الخير و الحق و الجمال.و الفن الأخلاقي يعمل على تقييم الآراء الأخلاقية؛ و هو فن ذو نتائج هامة في تحسين الحقيقة الأخلاقية داخل الحدود التي تفرضها ظروف الحياة الاجتماعية (16) .
وقد صوّر الشاعر ظروف بلاده و حالته الاجتماعية في لهجة مشحونة بالوجدان حيث اربط عنده الإحساس بالقيم الجمالية و القيم الأخلاقية فيقول :
و ما المرء إلاّ عقله ولسانه وهمّته القعساء و جوهره الأنقى(17)
و يقول في موضع آخر عن شعره :
تَخِذْتُ عصاه للطّوارق عدّة فكانت(عصا موسى) يصون بها الحق
تظلّ قوافيه تلوذ بمهجتي نشاوى ، فأجلوها ، وأرسلهـا ودقـا
ألذّ من السّلوى، وأصفى من الحيا وألطف من ريّا النّسيم إذا رقـا (18)
فهو صاحب قدرة على التحليل و التقويم فتحوّل فنّه المكاني إلى فن زماني وذلك بالاستغراق الجمالي(19) فيها بفضل عنصر الحركة الذي تناغم في شعره مع الألوان و الموسيقى مما زادته جمالا و واقعية؛ فعبّر عن الحياة و الواقع ، ومثّل أفكار شعبه و همومه و طموحاته و آماله. و صوّر حياة الجزائري والعربي على السواء بكل اختلالاته و توازناته ، و سجّل مسيرة الإنسان المكافح في ترقيه و انحطاطه، فجاء شعره صادقا معبّرا عن حقائق الحياة، و كان إبداعه معاناة؛ فواقعية الشاعر، عبّرت عن وعيه الإنساني في تذوقه للإبداع الفني، فانساب شعره مؤثرا، متجدّدا ينبض بالإحساس و تجلّى ذلك في إلياذته، و اللّهب المقدّس و أناشيده....
حيث يقول(20) :
تعالوا نقتحم حلو الأماني تعالوا نقتسم هذي الجراحا
ونكتب بالدّم الغالي حروفا نعلم البنين بها الكفـاح
وننقذ باليراعة حق شعب غدا نهبا و أصبح مستباحا
و خلاصة ما يقال في هذا أنّ شعر مفدي زكريا زخر بالإبداع و الثورة والإحساس، فكان مهذّبا للنفوس و معلما للحب، حب الأوطان و النّاس، عبّر عن وظيفته المعرفية والأخلاقية المحفزة على النّضر وعلى البناء تحت شعار الإيمان بالفضيلة و الحرّية وهي أسمى مكارم الأخلاق.
2- أبعاد فلسفة الأخلاق في شعره :
أحاول في هذا العنصر أن أستقصي فلسفة الأخلاق و أبعادها في شعر مفدي زكريا من خلال دواوينه ؛ " الإلياذة ، اللّهب المقدس ، أمجادنا تتكلم..." بطريقة انتقائية حسب ما أجده من أبعاد و سمات فيها ، و يطربني أكثر ما ألفيته من فلسفة القضايا التي عالجها حيث يبدي الحيثيات و يبرز الأبعاد و هذا لا يتوافر لكلّ شاعر، فهو ملتزم بقضايا وطنه و ثورته المقدّسة التي جعلت منه فيلسوفا و شاعرا، ربط مصيره بمصير شعبه.
و ما دامت الأخلاق سرّ نجاح الأمم فقد فاضت في قصائده بشتّى الصور من بطولة، و إيمان، و إرادة؛ نابعة من شدّة اعتداده بنفسه و مواقفه الحازمة، و إحساسه العميق و انفعالاته الصادقة، و وحه الدينية التي ارتبطت بطبيعة تربيته، و فهمه الواعي لكيانه الفكري في وسط ازدحمت فيه بالحياة الثورية.
و على هذا النحو برزت فلسفة الأخلاق في آثاره كفكر لم يجد عنه، و هذه أهمّ القيم التي لمستها في شعره و معانيها :
1-الخير و الحق :
لقد وجد الحق و الخير بوجود الإنسان، و طبيعة البشر في فطرتها خيّرة، و من وظيفة الخير أن يضع المثل العليا للسلوك الإنساني(21) و يضع القواعد التي تحدد استقامة الأفعال الإنسانية، و يعرف الخير مع مقابلته بالشرّ، لأنّ الخير يطابق النظام الكوني، و الشرّ تمرّد على قانون الأشياء؛ و الخيّر هو رغبة في ترقي القيم و العمل على النهوض بها و عكسه الشرّ و هو الحركة المضادّة التي تهدف إلى الانتقاص من القيم و العمل على الهبوط بها ؛ و خبرة الشرّ تمثل حركة انحلال و سلب تحوّل دون نضج الحياة الخلقية و ازدهارها، فهو عرقلة لترقي القيم و عائق لتكامل النفس البشرية(22).
و بيّن لنا مفدي زكريا هذا الصراع في معظم قصائده، و القائم على التعارض بين الخير و الشـر ّ، و ممارسة الحرية مشروطة بهذا التعارض ، فالشر شرط بوجود الخير، و صراع شاعرنا صراع من أجل الحق و الخير صراع بين شعب خيّر يسعى للحق، و بين مستعمِّر يسعى إلى الشرّ و سلب الحق كما أنّ المحبة هي إرادة الخير و الكراهية هي إرادة الشرّ و سنتحدث عن المحبّة -لاحقا- و كان شاعرنا مسؤولا لأنّ هذا الصراع يؤكد القدرة على الاختيار، يقول مفدي :
هكذا الشرّ و الصلاح سجال
بين أهل الوجود منذ عهد عَاِد(23)
فوصف الخير و هو الفضيلة و الشر ّ هو رذيلة ، و كثيرا ما يتحد الخير و الحق بالحرية. فالشرّ هو الاستعمار، هو الحرب الظالمة على شعب أبيّ حرّ ، أما الخير فهو الاستقلال و رفع الظلم و السعي للثورة بعد اليأس و التفاوض والسلم فيقول :
كم لنا في نضرة الحق اليقين
من أياد تترك النار معين(24)
و أيضا قوله: (25) في سبيل الحق نحيا و نموت
لا تظن أنّ من الخوف سكوت
و أيضا قوله: (26) قمت و سيف الحق في الكف ساطع
لتهذيب أرواح و تقطيع أوصال
ثم إنّ الشاعر في ثورة دائمة على الاستعمار و أكاذيبه فهو الشرّ المحدّق بشعبنا و لابدّ من فك قيوده لا بالسلم بل بالحرب التي فيها خيره من أجل الكرامة. فيقول: (27)
نحن بنو السلام فإن لجأنا
إلى الحرب فقسرا و اضطرارا
و أيضا: (28)
يا فرنسا لا تجهلينا فإنا
أمة تبغض الشقا و القيودا
انصفينا حق الحياة فإنا
قد نهضنا، فلا نطيق الركودا
قد سئمنا حياة ظلم و جور
و سئمنا الخراب و التبديدا
الشر لا يفهم لغة السلم و الحق بل لغة الحرب و الثورة:
و حرب للكرامة في بلادي
مضت تفتك عزّتها غلابا
و أوفدت الرّصاص ينوب عنها
يناقش غاصب الحق الحسابا(29)
و هو يربط في فلسفته بين الحق و الحرب لمحاربة الشرّ، و هي فلسفة مبنية على الأخلاق الجهادية:
و الحق و الرشاش إن نطقا معا
عنت الوجوه و خرّت الأصنام(30)
فهذه الحرب دفاع عن الوجود و البقاء ، و دفاع عن الذّات و الحق :
و الشعب شقّ إلى الخلود طريقه
فوق الجماجم و الخميس الهمام
و أثارها حربا لأجـل بقائـه
قربانـها الأرواح و الأنـام (31)
ثم يندد بشرور العدو و آثامه و جرائمه في حق شعبه، و يحصي مؤامراته :
لا النار لا التقتيل يثني عزمه
لا السجن لا التنكيل لا الإعدام
يا للفظاعة من وحوش جوع
تسمو على أخلاقها الأنعام(32)
و يسترسل في ذكر رذائل المستعمِّر، في مقابل الثورة التي هي حق و خير قائلا
وضعت فرنسا في النذالة بدعة
لم تروها الأعصار، وهي ظلام
و العدل زور و السلام خرافة
و لغة تحلّل باسمها الآثام
و لتشهد الأكوان أقدس ثورة
للحق حارت دونها الأفهام (33)
فهذا الشرّ لم يزد الشعب إلاّ صلابة و قوة للثأر و ردّ الحقوق بالثورة و الدّم :
غضب الجزائر ذاك أم أحرارها
ذكر الجراح فأقسموا أن يثأروا(34)
و يقول: (35)
حقوقنا بدم الأحرار نكتبها
لا الحبر أصبح يعنينا و لا الورق
و يضيف:(36)
إنّي رأيت الكون يسجد خاشعا
للحق و الرشاش إن نطقا معا
و إنّ للحق زفير و شهيق
ما أرى الباطل إلاّ التهاما(37)
هذه نفس أبية لا ترضى بالخير بديلا، كارهة للزور الخداع متسامية نحو المعالي، داعية للحق و الثورة و هنا نلمح أبعاد فلسفته فالحق هو ذو أبعاد تتصل بالرحمة و الأخوة و البناء و الوحدة و التعارف؛ و هنا يصبح الحق واجبا :
طالب بحقك كاملا و احذر أن ترضى بأنصاف الحلول حذار (38)
ثورة الحق ؛ رحمة و إخاء و بناء و وحدة و تآزر (39)
و هو يدعو إلى حق لا نفاق فيه و لا كذب، حق بمعناه الحقيقي الذي لا تشوبه شائنة :
ألا ليت هل من عودة نحو أعصر بها الحق حق، لا نفاقا و لا كذبا(40)
كـرّهنـي في النـاس غـدر و خـدعـة و زُوْرٌ و تـمويـه و ظـلـم ذوي قـربـى(41)
إن معاني الحق و الخير تتوحد مع الجمال ، و تتداخل مع العدالة و الحرية وندرج هذا ضمن الفضيلة التي خصصناها للعنصر الأخير.على سبيل الإيضاح و التفصيل فقط و الحقيقة أنّ كل ذلك أخلاق تتضمنــها الفضيلـــــة في مقابل الرذيلة. و هذه القيم كرّس لها شاعرنا حياته و قلمه و روحه راسما أبعادها و حيثياتها انطلاقا من واقع الحياة، فكان في ذلك فيلسوفا أخلاقيا مهمته الأخذ بيد الشعب ليستردّ قيمه المفقودة. فجاءت نظراته متمعنة فلسفية تنبّئ عن خبرة فكرية عميقة تغوص في كنه الأشياء.
2- الحرية و العدالة :
و إذا وصلنا بين ما تقدّم فإن الحرية و العدل تشملها خبرة الخير، والألم و اليأس و الاستغلال يشملها الشرّ .و في سبيل هاتين القيمتين وهب الشاعر حياته فداء لها، فجاهد و ذاق مرارة السجن و الاعتقالات التي أذكت إحساسه بالحرية و حتمية الاستقلال، فأعلنها حربا للعدالة و الحرية، حربا ضدّ الظلم و العبودية و تفسر العدالة بأنها "الخط الوسطي في تعديل الصفات النفسانية و انتزاع صفة ثالثة من مجموع انضمام صفتين من بين إفراط و تفريط"(42) ، و العدل : "هو التقسيط اللازم للاستواء" (43).
كما يتلازم الحق و الخير، كذلك يتلازم الحق مع العدل و العدالة تلازما تاما، والعدالة تتجه للفرد و المجتمع، بالنسبة للفرد ترتبط بالتقييم الخلقي، كالصدق والمروءة.... ، أما بالقياس إلى المجتمع فيعبر عنها بالعدالة الاجتماعـيـة؛ و هنا نستشف الحقوق؛ كالحق في الحياة ، و الحق في الحرية. أماّ العدالة المطلقة هي العدالة الإلهية دون التي أقرّها القانون الوضعي(44) ، يقول مفدي زكريا : (45)
و نحن العادلون إذا حكمنا
سلوا التاريخ عنّا و الكتابا
و نحن الصادقون إذا نطقنا
ألفنا الصدق طبعا لا اكتسابا
و عن أجدادنا الأشراف إنّا
ورثنا النبل و الشرف اللبابا
إنّ العدل يرتبط عند العربي و المسلم بصفات أقرّها التاريخ للعرب المسلمين. جاء القرآن ليرسخ العدالــة لأنـــه من صفات الله عز و جل العدل ، و تستلزم صفة العدل الصدق المطبوع لا المكتسب و هذا كان دأب أجدادنا الأشراف، فالنبل و الشرف يجري في دم المسلم، و هذا ما اتصف به الشاعر و شعبه وتشرّب معاني العدل . ومن أقسام العدل كما يرى "قدامة بن جعفر" ، السماحة ويراد فيها التغابن، و التبرع بالمال و إجابة السائل و قرى الضيف(46)
و يركز شاعرنا على فكرة الحرية و العدل و يربطها بالمساواة والاشتراكية(47) في مرحلة ما بعد الاستقـــــلال و التي كانت تنشد العدالة الاجتماعية. حيث يقول :
الاشتراكية البيضاء مذْهًبُهًا
و الشعب في فلكها ما انفك ربانا (48)
و يقول في حرية و استقلال الجزائر:
نرى استقلالنا عدلا و حقا فرنسا لم تزل فيه تمارى
به فوق الجماجم قد صعدنا وفي تحقيقه خضنا الغمارا
فلا نرضى به أبدا، بديلا نعيم الخلد.. لو نعطي الخيارا(49)
ثم إنّ الاستقلال، قيمة أخرى تساوي الحرية بل هو الحرية، فهما وجهان للكفاح الجزائري ، و هو رمز العـــــزّة و السيادة، رمز لفلسفة الثورة الأخلاقية. و يعبر عن ذلك بلسان شعبه المناضل فترفض كل شيء دون الاستقلال والحرية و العدل :
أمن العدل صاحب الدار يشقى
و دخيل بها يعيش سعيــدا
أمن العدل صاحب الدار يعرى
و غريب يحتل قصرا مشيدا (50)
و يقول : و حرية الشعـب صـاح
و هل مهرها غير هام البشر(51)
فهو يثير حماس الشعب ليمضي نحو العُلا في سماء الحرية معبرا عن هذا الغاشم الذي هزّ قيم العدل و الحرية ، فقيمه الحرية تمثلت في الممارسة الفعلية على أرض الواقع المؤلم، و عليه جسّد شعره هذه القيمة، و الملاحم البطولية التي أَسْمَعَ بها الدهر إلاّ دليل على نشدان الحرية و الدفاع عن القيم الإنسانية باندلاع ثورتنا بالنضال و الكفاح. ولا يخفى أنّ الحرية اتسمت أيضا بمفهومها السياسي المتمثل في رفض حكومة فرنسا للاستجابة :
يا فرنسا... كفى جهلا فإن لنا
شعبا يرى الموت في استقلاله دينا
لا سلم في الأرض ما دامت قضيتنا
لم تلق في الأرض بالقسط موازينا
ثُرنا على الظلم لا نلوي على أحد
لا شيء في الكون دون العزِّ يُرضينا (52)
كما ارتبط الدم و الموت بالحرية ، و ارتبط السلم و السلام بها أيضا ، و لتحقيق السلم لابدّ من الحرب العادلة التي هي القصاص الأوفى :
مصيرنا بالدم الغالـي نقـرره في محفل الموت لا في عقد المؤتمر(53)
ونطق الرصاص فما يباح لكلام و جرى القصـاص فمـا يتـاح ملام (54)
و من الواضح، أنه لا قيام الحرية و الأخلاق عامة دون إرادة، و الحرية تقوم بفضل الإرادة و الالتزام بها من خلال الاعتقاد و الاختيار، كما تقترن بالحرية كرامة الإنسان، و هما ملتمسان لتحقيق الشخصية الإنسانية، و كل القيم الأخلاقية ترتكــــــز على الاعتقاد بحرية الإرادة الإنسانية، والحرية الفردية بشرط عدم الإضرار بالغير و هذه هي الحرية الرشيدة المحكومة بحدود العقل (55)
و تظهر من قصائد شاعرنا ثلاثية الحرية في ؛ الإرادة الخيّرة و الواجب والكرامة فمن واجب الإنسان أن يعيش حرّا كريما ؛ و للإنسان قوة فاعلة يشعر بها و إرادة حرّة؛ و إن اختفت دعامة الحرية من الأخلاق فلن يكون هنا أساس لقيام الخير و الشر و بالتالي لن تكون هناك قيم أخلاقية . و كذا كان شاعرنا و شعبه حرّا لأنه اختارها و جعلها واجبا نحو حياة كريمة :
نحن نبغي استقلالنا ، حرِّفُوهُ
ما استطعت ، إنْ صدّ عنه الحياء(56)
أنا إن متّ فالجزائر تحيا حرّة مستقلّة لن تبيدا(57)
هكذا كانت فلسفة مفدي في الحرية و العدل ، و لا يتسع هذا المقام لكثير من أشعاره المليئة بهذه المعاني ، و الذي قد يستغرق صفحات بعدد دواوينه .
3- الحب و الأمل
إنّ المحبة أو الحُبُّ الأخلاقي ؛ أسلوب من العمل أو السلوك و تختلط المحبة بالإحسان أي حب الخير و صنعه، و هي من الخبرات الإيجابية في حياة البشر تتشارك مع الأمل و السعادة. و قد حثّ الإسلام على هذه القيمة، لأنّ الحب مصدر سعادة الإنسان في علاقته مع الله عز و جل ، و في علاقته مع بني لبشر؛ هذه العلاقة تخلف حبا به يسعى الإنسان لنفع أخيه و الإحسان إليه ، و هناك أنواع من الحب لا نريد أن نفصل فيها. كما أن الحب أساسه الإيمان، و يتلازم مع الإخلاص و الوفاء ونعثر على الحب الإنساني في النفوس المرهفة الإحساس و الشعور، الطيبة الخيرة كنفس شاعرنا مفدى زكريا الذي أحب وطنه و شعبه وضحى من أجل هذا الحب الأسمى؛ و هو حب للحرية و الاستقلال و الخير؛ حب للفضيلة و الجمال أنواع من البحب و الطبيعة وحب لله عز وجل يقول : (58)
رفقا بلادي فأنت الكَونُ أَجْمَعُهُ لولا ك كُنْتُ –بلادي- هالكا فإني
لك الفؤاد وما في الجسم من رمق و من دماء ومن روح و جثمان
إذن حبه الأول و الأخير كان للجزائر التي يراها محبوبا لا يستغني عنه ، فهي الأنثى وهي الجمال و هي الطبيعة و هي الثورة بشعبها في عنفوانها ، وهي الحرية و الأمل نحو مستقبل مشرق ويعب بقوله : (59)
بلادي ، بلادي ما ألذَّ الهوى و ما
أمرَّ كؤوس الحُبِّ مُمْتًِزجًا سُّمَا
و مُذْ فتحَتْ عيني المدامعُ أبصرت
هواكِ فلا عارا عليها و لا لوما
جزائر لشاعر؛ هي هواه فهو- أَبَدًا- متغرل بها عاشق لها ، و لا لوم عليه و لا عار لأنه حب أسمى متسامي لا يصل إليه غير شاعر آمَنَ بقضيته ، فهي حياته و وجوده حيث يقول :
وطني في هواك أخلصت شعري
و ضميري و مهجتي و الوجودا .(60)
إنّ الحب من أهم الخبرات الخلقية و لها دلالات وجدانية كثيرة؛ فهي ترادف الإيثار و الإخلاص، و الصدق، و مضمونها الإيجابي يجعل منها ضربا من التلقائية و الإبداعية، فالمحبة تتجه نحو القيم، و المخلوق الذي يستشعر بالحب لا يلبث أن يجد نفسه مستغرقا في حياة جديدة محققا ضربا من التواصل الخلقي بين الأنا و الآخر(61)، و كأنها خرجت من ذاتها و تسلسلت إلى الآخر فهو حب في مشاركة الآخر عواطفه و انفعالاته و سعادته و آماله ؛ و الحب يفهم الآخر بالاستبصار، و يفقه إنصاف الكلمات، و يدرك الإشارات، فخبرة الحب أعلى الفضائل، إرادتها خيّرة و نيتها طيبة، و هي طاقة و إنتاج من خلال الإيثار والإخلاص و الإحسان.
و لاشك أنّ مفدي عاش من خبرة الحب و قد شعر أن حضرة المُحِّب هي أشبه ما تكون بقوة أخلاقية هائلة تتسامى بالفرد إلى مستوى الإنسان المثالي ؛ فالمحب يخلع على الوجود البشري عمقا و معنى و قيمة فيكسبه ذلك قصدا و هدفا و غاية، و هذا الحب هو حب أخلاقي، يرتفع و يرتفع، و يرتقي للحب الإنساني و الحب الإلهي ؛ فهو حب المثل العليا. كما أنّ الحُبّ يجمع بين اللذّة و الألم ، و النشوة و العذاب بين الأمل و اليأس ، و بين السعادة و الشقاء ، يقول مفدي :
الحب أرَّقَنِي و اليأس أَضْنَانِي
و البيــن ضاعــف آلامـي
و الروح في حب لَيْلاَيَ استحال إلى
دَمْع، فأمْطَرَهُ شعري و وجداني ( 62)
لا جرم أنّ كل شاعر بكى على" ليلاه" و شاعرنا " ليلاه" هي الجزائر يناجيها في السرّ و العلن ؛ يبث حنينه و اشتياقه ؛ و هي معاني نابعة من حب مخلص ، ويمزج شاعرنا حبه نبرة الحماسة و الثورة، نبرة الأمل و العمل ، فشخصيته الفذّة و مبادؤه و فلسفته و تثنيه عن أي شعور سلبي ، فلم يعرف القنوط و لا اليأس و لا الاستسلام ؛ و نفس كهذه تَحَدَّتْ الخطوب في ليل الاستعمار لا تعرف إلا الأمل و الخير، تعمل لتحقيقه ، فأحَبَ الثورة ورجالها وشهداءها و شعبها ،و أحَبَ الجزائر و المغرب و إفريقيا عامة و العرب أجمع . فطاقته في الحب و الإبداع أكبر من أن يفهم كنهها إنسان. يقول عن الاستقلال : (63)
أُحُُِّكَ فوق الحب ، فلْتُخَّلدْ العُقبي
أراضية ، هذي الخلائق أم غضبى
أحبُّكَ حبا يجهل الناس كنهه
و يعذر بين الناس من يجهل الحبا
لِحُبِّكَ أحْبَبْتُ البلاد و شعبها
و لولاك لم أعشق بلادا و لا شعبا
و في الحب مثل العِلْْم ما هو قاتل
و كم مُخلِّص قد عُدَّّ إخلاصه ذنبا
وحب مفدي امتد إلى كل روح تجاهد في سبيل الحرية ،وقد مدح كثيرا من القادة ، و يعلل ذلك :
وقَّفْتُ على بُناة المجد شعري
و هِمْتُ بصانعيه فما احتيالي
و عَوَّدَنِي نضالي في بلادي
على مدح البطولة في الرجال(64)
وقد اغترب الشاعر عن وطنه بعد الاستقلال في تونس، و المغرب ليزيد حبا إلى حبه فيقول :
قالوا: هجرت ربوع البلاد وهمت مع الشعر في كل واد
أجَْل فقد بَعُدْتُ لأزداد قُربًا و يَلْهَبَ حب بلادي فؤادي(65)
أيضا قوله : و إن يجحدوني، فحسبي أنّي وَهَبْتُ الجزائر فكري و عمري(66)
لقد بلغ حبه لبلاده درجة إلهية ، فقد وهبها الفكر و العمر لتحيا و هذا أسمى الحب ، كما نلفي حبه الصوفي المثالي الذي أشبه العشق الإلهي و هو حب لوجه الله حيث قال :
وإذا عشقت فشاعر متصوف
مـا صاغ ربك قلبه جلمودا(67)
وهو حب زادة بركة في الحياة وبسطة في العمر ، لأنه حب صادق جميل :
ولي في الحب عمر ليس يفني كأن الحب بادلني الشبابا(68)
ولعل فلسفة الحب عند ه، تمزج بين الجمال و معرفة الله ؛ فهو يرى الجمال دليلا على وجوده:
فتح الجمال إلى الإله طريقة فتعمّق الإيمان و التوحيد
وحبي فيك صوفـي سليـم لـوجه الله لا أرجو ثوابا
و في الحب موهبة و علم و تجربة بلوت بها الصحابا (69)
ويضيف :
و لولا الحب ما أدركت ربِّي و لا حاولت منه اقترابا
و لولا الحب ما خلَّدْتُ شعري بلغت به الذُّرَي أَحَدَ الرِّكَابا(70)
لقد كان حبا ألهمه الشعر و الجمال فهو مصدر وحيه ؛ و تجربة سامية وموهبة و علم و هو لا يقصد غير وجه الله و لا يريد أجرا، فهو حب امتلأ إيمانا وتوحيدا. و التصوف يقوم على أدب الأخلاق و حب الله . و هذه النظرة استقاها من تجاربه الإنسانية الصادقة ، فجاءت إلهاما و إبداعا منحته قوة تسامى بها إلى عالم الحق و الكمال ؛ فهو حب ملهِم للشعر و الجمال :
و لولا الجمال لعشت بليدا ما همت يوما بغزو القلوب(71)
أيها الحب أنت مصدر وحيي أنا لولاك لم أكن بالمجيد(72)
و فؤاد يشـد كـل فـؤاد بعرى الحب و الوفاء و المشاعر(73)
أما إذا أردنا الحديث عن الأمل في فلسفة شاعرنا فنلمسها في كل دواوينه، و ما نجاح الثورة و الاستقلال إلا أمل قد تحقق ، فهو من جعل الحماسة و البطولة شعاره، يحمل آمال الشعب المظلوم، و زادت نفسه أملا في البناء و التشييد بعد الاستقلال و كان أمله الشباب ، و إذا أردنا تعريف الأمل فهو الإيمان الضمني بأن لكل مشكلة حلاّ، فهو الجو الروحي الأوحد الذي تحيا في كنفه النفس البشرية(74). و يتجاور الأمل مع الإرادة و الثقة بالنفس، إنه دفع للإرادة إلى طريق الوصـــول إلى الهدف و تحقيق المثل العليا.
و كان أمل شاعرنا يغذيه الإيمان و الثقة و الإرادة، و هو كسب حققته له الحرية الإبداعية التي تزود بها من الطاقة الروحية التي جعلت نظراته للكون و الوجود إيجابية جمالية. و قد تحدث شاعرنا عن الأخلاق و فيها ما يدعو إلى الأمل ، فحديثه عن الثورة و الحب و العدالة و في كل هذا أمل و ثقة و طاقة روحية وجدها في نفسه ، فأوجدهــــا في شعبه و أوصلها لغيره نابذا اليأس و الخمول حيث يقول :
تعالوا نقتحم حلو الأماني تعالوا نقتسم هذي الجراحا
و نكتب بالدم الغالي حروفا نعلم البنين بها الكفاح(75)
و هو من غذى في الأمل النفوس :
أنا من ألهم المجاهد روحا فانبرى للوعي يُبيد و يُفني(76)
أنا من خلّد( الجزائر) في الدّن يا و من لقن ابنها كيف يبني
و إذا بالمصير هنّأ قوم فَبِشَّق لصفوف لسْتُ أهني(77)
إنّ السعادة و الأمل لا تتحقق إلاّ بالبناء الذي يتطلب أخلاقا عالية دون شقاق ؛ و لأن مفدي عاش الخلاف بين الشعوب العربية فهو يدعو إلى الوحدة دون يأس متأملا في شعبه المكافح؛ كما دعا إلى تقرير الشعب لمصيـــره. و هو أمل فيه تحدّ و ثقة و إيمان :
وكذا تصنع البطولات لما تتحدى القضا و تغزو المقادر
وكذا تصنع العقيدة لمّا يتسامى النهي و تصفو الضمائر (78)
وتشرق في الدنيا رسالات بعثنا فتبيضّ بالإشعاع إفريقيا السوداء(79)
فهي رسالة أمل تُشرق لها الدنيا من السعادة إذا تسامت إلى الفضائل ، و رسخت الثقة على العمل و اعتقدت في المستقبل.
4-الفضيلة:
إنّ الفضيلة هي أخلاق أو هي ملكة خلقية مرتبطة بالاختيار(80) و هي قيمة من القيم. و من بين الفضائل التي أحصاها مفدي زكريا و تبناها ما يأتي : " الشجاعة، الحزم، العزم، الصمود، الصبر، الصدق، النخوة، النكاية في العدو و قمع الأعداء..." ، هذه الفلسفة رافقت الثورة و كانت سببا في الاستقلال ، ويقابل الفضائل رذائل المستعمر؛ " الظلم و الجبن و الخداع و المكر و السفه و الغدر،..." ، و من رذائل مجتمعه ؛ " الجهل و الكسل و العجز و الخيانة و اليأس..." .
قامت فلسفة الأخلاق عنده على أبعاد إصلاحية و تربوية فاستنهض الهمم و دعا إلى الاستقامة و الصلاح حيث يقول :
أصلحوا ذات بينكم و استقيموا
إن فعلتم سيجعل الله أمرا(81)
و يقول أيضا :
نحن قوم أباة ليس فينا جبانا(82)
و يعود للشباب حاثا إياه على العمل و نبذ العجز، داعيا إلى الصبر و الصدق و الإيمان :
طبائعنا صالحات جليلة تعاف انحلال النفوس الذليله(83)
و تفَسَّخ هذا الشباب و مَاعَا و خرّب أخلاقه و تداعا(84)
ثم يستفز هؤلاء بلهجة الاستنكار و يسوق إليهم العبر منددا بإلحاح :
فأرض الجزائر أرض الفحول
فأين الشهامة ، و أين الرجولة ؟
بني وطني يكفي الجمودا فشمِّروا
على ساعد الإقدام و اقتحموا الخطبا(85)
و من أخلاقنا الرفق و الحزم و العزم و الصبر:
و لن يبلغ العزَّة إلا الذّي
على رشف كأس العذاب صَبَر(86)
و رأينا الرفق بالخلق عدالة
و شريف الأصل من يرعى الأصالة(87)
و صبر و حزم و عزم إلى ال
حلال ِرضًى بالقضا و القدر(88)
هكذا كانت رسالة الأخلاق عند مفدي زكريا ، كلّها فضائل و قيم لبناء الأمة بعد تحقيق الحرية :
نشرت آية الأخوة و الصَّدْ
قَ و رُوح الهدى و حب التفادي(89)
و أخيرا في الختام نتبيّن أنّ مفدي زكريا لم يكن شاعرا ، مجَّد الثورة و كافح من أجل الاستقلال، بل كان شعره يحمل في طياته أبعادا تنبئ بفلسفة أخلاقية، ظهرت جلية في كل دواوينه، فقد جمع إلى الإبداع و لغة الجمال، والأسلوب الرائق، مضامين خدمت بلاده و مجتمعه بل الأمة العربية و الإسلامية لما حوته من أفكار أخلاقية شملت الحماس الثوري؛ و المطالبة بالحرية و العدل، و إصلاح للمجتمع في كل المجالات قبل و بعد الاستقلال في الميادين؛ الاجتماعية و السياسية و الثقافية و الاقتصادية و لاشك أنّ شعره حمل كل هذا الكم المشحون بالعواطف الإنسانية و الأحاسيس المرهفة التي انثالت من شعره صدقا و حقا و إيمانا برسالته في الحياة. و لا ننسى دوره في الصحافة هذه المهنة التي تتطلب الصدق و الكفاح لتوصيل الرأي الصائب و الفكرة البناءة.
فلم يترك فضيلة و لا قيمة من القيم إلاّ و التزم بها منددا و داعيا، و مصلحا و ناصحا. إنّ هذه الفلسفة الخلقية التي تأصلت في شخصيته و تربيته قد انعكست على شعره الذي كان و ما يزال يطرب آذان الإنسانية ، و يمكن أن نعتبر بحق شعر و أدب عالمي يستحق وسام الاستحقاق و الجدارة لخدمة الإنسانية .
-------------------
الهوامش :
(1 )- ينظر: مصطفى عبده ، مقدمة في فلسفة الأخلاق ، مكتبة مدبولي ، القاهرة 1999 ، ط 2 ،ص 22 .
(2 )- ينظر: المرجع نفسه ، ص 23 . و ينظر: . فايزة أنور أحمد شكري ، القيم الأخلاقية بين
الفلسفة و العلم ، دار المعرفة الجامعية ، مصر 2002، ص ص82 ، 89.
(3)- ينظر: د. فايزة أنور أحمد شكري ، القيم الأخلاقية بين الفلسفة و العلم ، ص 88، 89.
(4) - ينظر: حواس برّي ، شعر مفدي زكريا - دراسة و تقويم- ، ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر. 1994 ، ص ص35- 39، وص ص50-51.
(5) - مفدي زكريا ، مصطفى بن الحاج بكير حمودة ، تصدير، عبد العزيز بوتفليقة ؛ أمجادنا تتكلم قصائد أخرى ، مؤسسة مفدي زكريا ، الجزائر 2003، ص285
(6) - مفدي زكريا ، تح مولود قاسم نايت بلقاسم ، إلياذة الجزائر ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر، 1992، ط2/1 ،ص 73 .
(7) شعر مفدي زكريا، حواس برّي، ص40.
( 8 )- ينظر: مصطفى عبده ، فلسفة الأخلاق ، مكتبة مدبولي ، القاهرة 1999 ، ص 18. و ينظر: مصطفى عبده، المدخل إلى فلسفة الجمال ، مكتبة مدبولي ، القاهرة.
(9) - المرجع نفسه ، ص19.
(10) - ينظر: المرجع نفسه، ص 19، و ينظر: المدخل إلى فلسفة الجمال، ص175-177.
(11)- المرجع نفسه، ص69.
(12) - مفدي زكريا ، أمجادنا تتكلم ، ص59.
(13) – أمجادنا تتكلم ، ص58.
(14) - ينظر: القيم الأخلاقية بين الفلسفة و العلم ، ص72.
(15) - ينظر: المرجع نفسه ، ص250.
(16)- ينظر: المرجع نفسه، ص255.
(17) - أمجادنا تتكلم ، ص60
(18) - أمجادنا تتكلم ، ص59.
(19) - مصطفى عبده ، فلسفة الجمال، و دور العقل في الإبداع الفني، مكتبة مدبولي، القاهرة ، ص82-86.
(20)- أمجادنا تتكلم ، ص153.
(21)- ينظر: فلسفة الأخلاق ، ص33 .
(22)- ينظر: فلسفة الأخلاق ، ص73-74 .
(23)- أمجادنا تتكلم ، ص95 .
(24) - أمجادنا تتكلم ، ص20 .
(25)- الديوان نفسه ، ص 21 .
(26)- الديوان نفسه ، ص53 .
(27) – مفدي زكريا ، اللهب المقدس ، الشركة الوطنية الجزائرية ، 1983 ، الجزائر، ص153 .
(28 )- أمجادنا تتكلم ، ص150-151 .
(29) - اللهب المقدس ، ص32-33 .
(30) - اللهب المقدس ، ص 44 .
(31) - اللهب المقدس ، ص45 .
(32) – الديوان نفسه ، ص45-46 .
(33) - الديوان نفسه ، ص46 .
(34) - اللهب ، ص134 .
(35) – اللهب المقدس ، ص134 .
(36) - اللهب المقدس ، ص267 .
(37) - اللهب المقدس ، ص67 .
(38) - أمجادنا تتكلم ، ص21 .
(39) - اللهب المقدس ، ص118 .
(40) - أمجادنا تتكلم ، ص224 .
(41) - الديوان نفسه ، ص62 .
(42) - مصطفى عبده ، فلسفة الأخلاق ، ص85 .
(43) - محمد عابد الجابري ، نقد العقل العربي - العقل الأخلاقي العربي- ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ، 2001 ، ط1، ص330.
(44)- ينظر : فلسفة الأخلاق ص86 . و أحمد أمين ، الأخلاق ، ص159
(45) - اللهب المقدس ، ص39
(46) - ينظر: قدامة بن جعفر، نقد الشعر، ص229 ، و ينظر: غسان عبد الخالق ، الأخلاق في النقد العربي، ، المؤسسة العربية للدراسات، دار فارس، الأردن ،بيروت 1999- ط1 ،ص ص21 و47 . (47) - عبد الله ركيبي ، الشعر في زمن الحرية ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، 1994 ، ص97.
(48)-اللهب المقدس ، ص298 .
(49)-اللهب المقدس ، ص155 .
(50)-اللهب المقدس ، ص16 .
(51)-أمجادنا تتكلم ، ص24 .
(52)-اللهب المقدس ، ص134 و ص151 .
(53)-اللهب المقدس ، ص142 .
(54)-اللهب المقدس ، ص42 .
(55)-فلسفة الأخلاق، ص102 .
(56')-اللهب المقدس ، ص540 .
(57)-أمجادنا تتكلم ، ص 151 .
(58 )- مفدي زكريا ، من وحي الأطلس ، مطبعة الأنباء ، المغرب ، 1977، ص 03 .
(59)- أمجادنا تتكلم ، ص91 .
(60)- أمجادنا تتكلم ، ص149 .
(61)- ينظر: فلسفة الأخلاق ، ص80-81 .
(62)- أمجادنا تتكلم ، ص51 .
(63)- أمجادنا تتكلم ، ص295 .
(64)- مفدي زكريا ، من وحي الأطلس ، ص125 .
(65)- مفدي زكريا ، الإلياذة ، ص117 .
(66)- مفدي زكريا ، الإلياذة ، ص116 .
(67) - مفدي زكريا ، من وحي الأطلس،ص239 .
(68) - مفدي زكريا ، من وحي الأطلس، ص64
(69) - مفدي زكريا ، من وحي الأطلس، ص123 .
(70) - مفدي زكريا ، من وحي الأطلس، ص64 .
(71)- مفدي زكريا ، من وحي الأطلس، ص64 .
(72)- مفدي زكريا ، أمجادنا تتكلم ، ص219 .
(73)- مفدي زكريا ، أمجادنا تتكلم ، ص223 .
(74) -ينظر: فلسفة الأخلاق ، ص78-79 .
(75)- مفدي زكريا ، أمجادنا تتكلم ، ص153 .
(76) - مفدي زكريا ، أمجادنا تتكلم ، ص175 .
(77)- أمجادنا تتكلم ، ص176 .
(78) - مفدي زكريا أمجادنا، ص189 .
(79) - مفدي زكريا ، اللهب المقدس ، ص311 .
(80 - فلسفة الأخلاق، ص87 .
(81) - اللهب المقدس ، ص283 .
(82) - اللهب المقدس ، 84 .
(83) - الإلياذة ، ص74 .
(84) - الإلياذة ، ص81 .
(85) - أمجادنا تتكلم ، ص64 .
(86) – أمجادنا تتكلم ، ص24 .
(87) - أمجادنا تتكلم ، ص229 .
(88) – أمجادنا تتكلم ، ص27 .
(89) - أمجادنا تتكلم ، ص74 .
----------------------------
Obstract : Ethical philosophy in MOUFDY Zakaria poems .
The Algerian Revolution had been the leitmotiv of authors to prove themselves in the intellectual and political lives. This why it had been at the essence of the emergence of a new generation of engaged poets. One of them is MOUFDY Zakaria (1889-1976). He had felt the Revolution before its start ; then it had been his aim
and source of Inspiration. This can be clearly seen in his poems; «The Algerian Iliad, The sacred flame.... ».
In this article, we try to show one side of his poems: the ethics that one may feel in MOUFDY’s poems. Islamic principles and values ofthe Algerian revolution had been the base ofMOUFDY’s poems.
In addition, the poet engagement could be obviously observed
throughout his believes and behaviours. For MOUFDY, ethics is a miracle
---------------------------------
المصادر و المراجع:
1- حوّاس برّي ، شعر مفدي زكريا، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر 1994
2- رمضان الصباغ، التفسير الأخلاقي و الاجتماعي للفن، دهر الوفاء للطباعة ، اسكندرية ، 1998 ، ط1 .
3- عبد الله الركيبي، الشعر في زمن الحرية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1994 .
4- عمر دقاق، الاتحاه القومي في الشعر العربي الحديث، مديرية الكتب و المطبوعات الجامعية، جامعة حلب، 1977، ط3 .
5- غسان اسماعيل عبد الخالق ، الأخلاق في النقد العربي من القرن الثالث حتى القرن السادس ، المؤسسة العربية للدراسات، دار فارس للنشر، الأردن، بيروت ، 1999، ط1 .
6- فايزة أنور أحمد شكري، القيم الأخلاقية بين