مفهوم العلم ماهو مفهوم العلم معلومات عن مفهوم العلم مفهوم العلم
بحث عن مفهوم العلم
مفهوم العلم وحقيقه التعلم مفهوم العلم مفهوم العلم
ليس المقصود بكلمة العلم هاهنا معناه المعاصر في العلوم الدقيقة فحسب,
وإنما الغرض مفهومه العام الذي يشمل كل معرفة منظمة, عقلية منطقية كانت أو
حسية تجريبية.
فالعلم في معناه اللغوي إنما سمي علما لأنه علامة يهتدي بها العالم إلى ما قد جهله الناس, وهو كالعلم المنصوب في الطريق .
أما تحديد العلم في صناعة الاصطلاح فمن العسير تحقيقه تحقيقا يتفق عليه
الباحثون في القديم, وفي عصرنا هذا أيضا, وإن ذهب أبو الحسن اللبان إلى عدم
الجدوى من تعريفه: لأنه أظهر الأشياء, فلا معنى لحده بما هو أخفى منه .
وأنت إذا تصفحت اليوم مؤلفات الابستيمولوجيا, وقرأت مصنفات المناهج, واطلعت
على المعجمات, فإنك بلا ريب تلقى صعوبة في الوصول إلى تعريف دقيق واضح
للعلم, لأسباب منها أن الظواهر التي هي موضوع للعلم مثابتها مثابة المرض
والموسيقى مثلا, فأنت تعرف مثل هذه الظواهر بيسر, ولكن يصعب عليك تحديدها
بدقة كافية, لأنه كي يتحدد العلم فإنه يتطلب وضع معايير, وهذه المعايير
تقتضي اقتراح نموذج تحدد فيه الفروق بين ما هو علمي وما ليس بعلمي, فهل
اللسانيات, وهل التحليل النفسي اليوم من العلوم? إنه من العسير وضع الحدود
بين العلم في هذا المجال والمناشط الثقافية الأخرى?
وليس من المؤكد وجود سمات مشتركة بين معارف مختلفة في موضوعاتها ومناهجها,
مثل الفيزياء النظرية, والتاريخ, والأنتروبولوجيا (علم الأجناس),
والبيولوجيا, وعلم النفس, فهل نحن أمام علم واحد أو علوم?
عني علماء الإسلام بتحديد العلم وصياغة مفهومه صياغة صناعية, كما عنوا
بتعريف النظر والمعرفة والعقل والفكر وما إلى ذلك عناية فائقة في القرنين
الرابع والخامس الهجريين خاصة, وذهبوا في ذلك مذاهب متباينة تباين
اتجاهاتهم الفكرية ومذاهبهم العقدية والفقهية من اعتزالية وأشعرية.
وأقتصر هاهنا على تعريف أورده الإمام المازري (ت536ه ) وهو:اعتقاد الشيء
على ما هو به, مع سكون النفس إليه, إذا وقع عن ضرورة أو دليل , وهذا
التعريف متقدم جدا ومعاصر, إذ أن بعض المعاصرين يعر فه بما لا يختلف عنه,
فهو قد جمع فيه بين أربعة عناصر واضحة: اعتقاد+مطابق+سكون النفس+دليل ضروري
أو نظري.
ونرى في زماننا أن الابستيمولوجيا الغربية تعالج النشاط العلمي الذي هو
أرقى ما وصل إليه الإنسان من معارف, من زاويتين مختلفتين, أو إن شئت في
اتجاهين متباينين:
اتجاه سمي بالاتجاه العقلي النقدي الذي يمثله تمثيلا قويا كارل بوبر(1902
1994م) الذي يتمسك بالنواة الصلبة للنشاط العلمي بعيدا عن أنواع الخطاب المجاور, مثل الأيديولوجيا, والفلسفة, أو شبه العلم.
أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه سوسيولوجي وتاريخ للعلوم, يقوم على قراءة
مختلفة تماما لقراءة الاتجاه الأول, لأنه يسمح بالأيديولوجيا والمسلمات
التي لا برهان عليها بأن تدخل في النظام المعرفي أو الجهاز العلمي.
إن الاتجاه الفلسفي أو العقلي في تعريف العلم أو تفسيره يعتمد أساسا على مبادئ أربعة :
1 الصرامة في المنهج, بحيث يجب على كل أنواع البحث أن تحترم المعايير
العلمية, ولو في حدودها الدنيا من الصرامة, مثل التماسك المنطقي الداخلي
بين الأفكار, والتطابق بين النظرية والظواهر التي تحكمها, باستثناء بول
فرايند الذي يرى أن كل شيء مسموح به, فيما يتعلق بالمنهج.
2 الموضوعية والتعميم, فالخطاب تفترض فيه الموضوعية, فالمعادلة: E = MC2
مثلا صحيحة في مكة وطوكيو وواشنطن, عند المسلم والنصراني والبوذي.
3 تراكم المعرفة وتقدمها, بحيث تضاف معرفة جديدة إلى معارف قبلها باستمرار, فيكون تاريخ العلوم في تطور مستمر.
4 التحقق والدحض, فكل علم جدير به أن يراقب خطابه بنقده ومناقشته ومواجهته
بالوقائع بالبرهنة على نتائجه, ووضع قاعدة لها موثوق بها مؤقتا على الأقل,
وإن كانت هذه النتائج ذات صبغة احتمالية, ومع ذلك فالخطأ يكمن في قلب
المنهج العلمي, وفي لب الروح العلمية من الصعب تفاديه دائما, ولهذا فإن
وظيفة المنهج العلمي هي الكشف عن الأخطاء التي تعاني منها الحقائق العلمية,
فالروح العلمية إن هي إلا مقاومة متواصلة للضلال, ولا يتقدم العلم إلا
بالنقد والمعارضة, إذ إنه لا يقوم على أرض مضمونة دائما.
أما الاتجاه التاريخي الاجتماعي في تفسير العلم, فيعتمد على التحليل
التاريخي للعلم, تحليلا قائما على علم الاجتماع أو علم النفس, ويرى أصحابه
أنه إن كان العلم ثقافة مثل سائر الثقافات, وإذا كانت إرادة الصرامة في
العلم والاهتمام بالموضوعية الذي يبديه العلماء أمرا مسل ما به, فإنه مع
ذلك تختفي وراءه بشعور أو بدونه مسلمات
لا برهان عليها, وأيديولوجيات, وأهواء مضمرة, وممنوعات أيضا.
وإذا كانت جماعة العلماء جماعة إنسانية مثل غيرها من الجماعات بما لها من
أهواء, واعتقادات, وسلطة, فإن تاريخ الوقائع العلمية, وما يكتنفها من عوامل
سوسيولوجية إنما تصف لنا عملا إنسانيا ذا صلة بتاريخه وضغوطه الاجتماعية,
ومرتبطا بالعقليات السائدة في المجتمع أو النخبة.
ونحسب أن تطور المفاهيم العلمية حقل خصب في تاريخ العلوم, لذا نجد في عصرنا
هذا عدة علماء وفلاسفة يعنون بهذا المجال, أمثال: توماس كون, وإيمر
ليكاتوس, وجرار هولتن, واسكندر كوريه, وجاستن باشلار, وتلاميذهم.
يرى توماس كون أنه يسود في كل عصر نموذج علمي نظري, يتخذه العلماء مرجعا
لهم وسندا, وهو الذي يكو ن بناء العلم, ويقود البحوث, يسم يه توماس
Paradigme, وفوكو Epistim, ولوكاتوس برنامج البحث, ويسميه هولتن Themata.
وقد يستعمل مفهوم في علم م ا, ثم يهاجر إلى علم آخر أو علوم, مثل مفهوم
الانتخاب والمنافسة اللذين انتقلا من البيولوجيا إلى الاقتصاد, وهكذا يتم
التقدم العلمي بطريق آخر غير التراكم المعرفي المتصل, وإنما يتقدم بقطيعة
وثورة يظهر إثرها نموذج جديد للعلم مباين لما قبله, فالعلم بهذا المنظار
يصبح ذا صلة وثيقة بمنطق التاريخ, وبصيرورة الاجتماع البشري, وهذا لا يحط
من قيمة العلم, بل يتيح له ذلك أن يتجاوز نفسه باستمرار, وهو سر ديناميكية
العلم وحيويته, فالعلم بهذا يكمن تقدمه في مناقشة أخطائه وتفاديها دون
توقف, وفي عدم الرضا الكلي عما نزعم أنه علمي يقيني قطعي, فالمناقشة الحرة
والنظر النقدي من الوسائل الفعالة في تقدمه, وفي القرب من الحقيقة,
فأخطاؤنا هي التي تعلمنا.
ونحن رأينا في التاريخ كيف أن الحروب الدينية في أوروبا ساعدتهم على
المرانة على هذا النموذج من التفكير النقدي المنافي للتسلط, فذلك الذي
جعلهم يتعلمون التسامح مع المعتقدات الأخرى المخالفة لمعتقداتهم, بل عل
متهم احترامها, واحترام من آمن بها عن إخلاص كما يقولون هم أنفسهم.
فالمناقشة الحرة تبين أنه عندما يستمع بعض العلماء إلى بعض, وينتقد يعضهم
بعضا آخر, فإن الحظ يسعدهم أن يقتربوا من الحقيقة أكثر, ذلك أن العلم ينبت
في أرض ثقافية, والمعارف مرتبط بعضها ببعض, كما يرى أبو حامد الغزالي,
والأفكار ترحل وتسير, والعقول تتلاقح, والنظم النظرية مفتوحة, وهذا ما يكفل
لها هذا اللون من الغنى الذي ينشأ عن لقائها وتفاعلها وتقاطعها, وعن
انتقالها من حدودها إلى حدود معارف أخرى من علوم الطبيعة إلى علوم الإنسان
في نسيج الثقافة العلمية الإنسانية.
فالعلم البشري ليس علما مطلقا, إن الذي يشتغل بالعلم كما أشار بعض العلماء
إلى ذلك لا يشعر بوجود عالم من النظريات المؤكدات تمام التأكيد, ولا
بحقائق مؤسسة تأسيسا نهائيا, ولا يرى العلماء أنها تتمتع ببراهين قاطعة
مطلقة حتى تبلغ بذلك مبلغ اليقين, فهم يتصورون العلم باعتباره مجموعة من
افتراضات لها شيء من الدعائم,
قلت أو كثرت في شكل نظريات موضعية لا تتخذ صيغة وحدة كاملة.
لهذا نرى رشارد فريدمن الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1966 يقف
موقفا صريحا من غموض مفهوم العلم ومعناه فيقول: اشتغلت بالعلم طوال حياتي
عارفا تماما ما هو, ولكن الإجابة عن السؤال: ما هو العلم? هو الأمر الذي
أشعر أني عاجز عنه! .
وهذا ما جعل المفهوم النسبي للعلم يسود اليوم لدى فلاسفة العلم, وعند
العلماء أنفسهم إلى حد أن ادعى أحدهم, وهو بول فرايرابند أن كل شيء في
العلم جائز, وصنع لنفسه نظرية الفوضى في نظرية المعرفة , وأعلن إنكاره لما
يسمى بالمنهج في العلم, وكتب كتابا عنوانه "ضد المنهج", واعتقد بأنه لا
يمكن القول بأن العقل يصل في العلم إلى ما هو كلي, كما لا يمكن أن يستبعد
اللامعقول من العلم, وهذا ما جعله معجبا بالصين عندما رفضت جماعة ماوتسي
تونغ العلم الغربي المهيمن في ثورته الثقافية.
وأغرب من ذلك فإن بول فرايراب ند دعا إلى إعادة الاعتبار للسحر والتنجيم
والكهانة والأساطير التي عزم العقليون على محوها من الأرض, وربما كان هذا
إشارة إلى عرض من أعراض أزمة العقل الغربي, وما عزمت عليه جماعة ما بعد
الحداثة من فك الثوابت, وهدم ما تعارف عليه أهل الغرب من العقلانية وصرامة
المنهج والثقنية.
ولا ينفي هذا أن للعلم عموما وللمعرفة منطقا تنظيميا فيما يذهب إليه فيلسوف
العلوم ومؤرخ اللسانيات سلفان أورو, فالعلم يملك نظاما ما يتكون من ثلاثة
عناصر على الأقل ضرورية:
1 عناصر نظرية (مفاهيم...).
2 عناصر اجتماعية (مؤسسات سياسية, علمية,...).
3 عناصر نفعية عملية (تقدم اقتصادي وتقني...).
ومن وسائل فهم العلم وتاريخه الاعتماد على دراسة العلاقات بين هذه المكونات
الثلاثة, فالعلم لا يلخص في مجرد النظريات والمعطيات والتجارب, لأن
الأفكار ينتجها بشر ومؤسسات, ويأخذ بها علماء من البشر.
ومن أجل هذه النسبية وهذا القصور في العلم لجأ العلماء والباحثون إلى طريقة
جديدة (موضة العصر) وهي ما نسميه ما بين التخصصات , وهي وسيلة تكمل النقص
الذي يعاني منه التخصص الواحد, وذلك لضرورة وجود تفكير كلي جامع, أو نظرة
شاملة, وهذا ما أثمر سببا من أسباب التجديد في العلوم الاجتماعية, حيث
أثبتت بعض الدراسات أن معظم التجديد النظري انبثق من الحدود والهوامش التي
تلتقي فيها هذه العلوم, مثل اللقاء الأخير بين البيولوجيا وعلم الأجناس
(الأنتروبولوجيا), ففتح بذلك حقل خصب لاكتشافات عن أصول السكان, فتيسرت
معرفة الأنساب بواسطة خصائص الدم.
هذا, وقد أعجبني بهذا الصدد ما أشار إليه أبو بكر بن العربي من ضرر التخصص
الضيق, قال: "ولا يفرد [الإنسان] نفسه ببعض العلوم, فيكون إنسانا في الذي
يعلم, بهيمة فيما لا يعلم, ولا سيما من أقام عمره حس ابا أو نحويا فقد هلك,
فإنه بمنزلة من أراد صنعة شيء فحشد الآلة عمره, ثم مات قبل عمل صنعته .
وينبغي هاهنا أن نشير إلى ظاهرة أزمة الأسس, وأزمة الثقة بالعقل والعلم عند
الغربيين, حتى ظن بعضهم أنهم سيعلنون عن موت العلم, وفعلا فإنه أعلن بعضهم
عن أزمة العلوم الأوروبية, ووضعت العقلانية الأوروبية عامة, ووجهها البارز
الميتافيزيقا موضع تساؤل, وأصبح الشعار: كل حقيقة هي خطأ لم يبت فيه بعد ,
معلنا وأنه لا يتصور مستقبل للعلم إلا في حدود قطيعة ابستمولوجية, وإعادة
تنظيمه تنظيما جذريا ففي كل مرحلة من مراحل التاريخ يشكل العلم فيه بناء
مستقلا, باعتباره نموذجا جديدا منقطع الصلة بما قبله من النماذج فيما يرى
توماس كون كما أشرنا إلى ذلك.
وبعد ما انقطعت صلة العلم بالأخلاق في الغرب نرى لدى بعض الفلاسفة اليوم
مبدأ الالتزام الخلقي, كما نجد ذلك عند الفيلسوف "رورتي" حيث بين أنه مع
جماعة من البراجماتيين الجدد لا يملكون نظرية في الحقيقة, لأنهم من أنصار
التضامن, ويقوم تفسيرهم لقيمة العلم والبحث الإنساني على قاعدة أخلاقية, لا
على نظرية المعرفة, ولا على الميتافيزيقا, وهذا العنصر الأخلاقي هو الذي
فقده العلم الغربي اليوم, ولذلك نشأت أزمة العقل وأسس المعرفة, فكاد الناس
في الغرب ييأسون من العقل, والعلم, والتقدم, لفقدان عنصر آخر يدعم هذا
العلم الإنساني ويغذيه, ويربطه بوجود آخر غير الوجود المشاهد المحسوس, وهو
الأمر الذي يضمنه الإسلام في احترامه لعقل الإنسان وكرامته.
2 هل العقل من شأنه الوصول إلى العلم?
وصف بعض أئمة المسلمين العقل بأنه أم العلوم , وعرفه المحاسبي (ت243ه )
بأنه غريزة, وشبهه بالبصر, كما شبه العلم بالسراج, فهو عنده: غريزة يولد
العبد بها, ثم يزيد فيه معنى بعد معنى, بالمعرفة بالأسباب الدالة على
المعقول .
ومن وظائفه الفهم والبيان, ويسمى ذلك عقلا أيضا, لأنه من العقل كان, وأدخل
المعنى الأخلاقي في وظيفة العقل, فهو الذي لا يميز بين الحق والباطل فحسب,
ولكنه يميز بين الخير والشر, والعاقل هو الذي يلتزم الخير ويبتعد عن الشر.
وأشار أبو حامد الغزالي إلى معنى اتفق فيه مع رأي المحاسبي, فالعقل عنده
أيضا: غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية (...) فنسبة هذه الغريزة إلى
العلوم المكتسبة كنسبة العين إلى الرؤية, ونسبة القرآن والشرع إلى هذه
الغريزة في سياقها إلى انكشاف العلوم لها كنسبة الشمس إلى البصر .
وسوى الأشعري بين العقل والعلم, ولا فرق عند العرب بين عقلت وعلمت وعرفت
عند أبي بكر بن العربي, أما الراغب الأصفهاني (ت503ه ) فعر فه تعريفا لطيفا
وقال إنما: سمي العقل عقلا من حيث إنه مانع لصاحبه أن تقع أفعاله على غير
نظام, وسمي علما من حيث إنه علامة على الشيء .
ويذهب بعض علماء المسلمين إلى أن العقل ليس جوهرا كما يعتقد فلاسفة
اليونان, وإنما هو فعل وفاعلية, وإن أنكر الصيرفي هذا, وبين أن: العقل معنى
ركبه الله في الإنسان, لا أنه فعل كما زعم بعض الناس . وأكد بعض المعاصرين
لنا أن العقل في مفهومه القرآني فعالية, وليس جوهرا, وصيغ العقل في القرآن
فيما نعتقد تدل على هذا, لأنها في أغلبها صيغ فعلية, وفي صيغة المضارع
الدالة على التجدد والاستمرار.
جعل أبو حامد الغزالي للعقل مكانة متميزة على غير ما يعتقد بعض الباحثين,
فهو عنده: منبع العلم, ومطلعه, وأساسه, والعلم يجري منه مجرى الثمرة من
الشجرة, والنور من الشمس, والرؤية من العين , إلا أن طائفة من المحدثين
فيما يذكر أبو إسحاق الإسفراييني أنكرت أن يكون العقل طريقا للعلم.
أما العلاقة بين العقل والعلم الديني فقد صورها أبو حامد الغزالي على هذا
النحو: وليس يخفى أن العلوم الدينية, وهي فقه الآخرة, إنما تدرك بكمال
العقل, وصفاء الذكاء, والعقل أشرف صفات الإنسان . ورأى الإمام المازري أن
صحة الشرع إنما تعرف بالعقل, ورد على طائفة من المحدثين تنكر العلم العقلي,
فقال: وأما من قصر العلم على الشرع فظاهر البطلان, لأن صحة الشرع إنما
تعرف بالعقل .
ومن الألفاظ القرآنية العربية التي لها علاقة بالعقل والعلم لفظ الفكر,
دلالتها اللغوية إعمال العقل في حل مشكلة, ويرى بعض الأدباء أنها مقلوب
كلمة "فرك", إلا أن الفرك يستعمل في فحص المحسوسات, والفكر في المعاني.
ويرى الغزالي أن معنى الفكر: إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة
ثالثة. والتفكير والتأمل والتدبر عنده كلمات مترادفة, أما التذكر والنظر
والاعتبار فهي مختلفة, وثمرة الفكر إنما هي تكثير العلم واستجلاب معارف
جديدة, ويتمادى الفكر في نظر الغزالي إلى غير نهاية, فالعلوم لا نهاية لها,
ومجاري الفكر غير محصورة, وثمراته غير متناهية , وهو في الآن نفسه شبكة
العلوم ومصيدة المعارف والفهوم , ويجري الفكر فيما يتعلق بالدين وفيما
يتعلق بغير الدين.
وأما النظر فهو طلب الصواب, ويقتصر الجدل على مجرد نصرة له, وللحق إن كان ما يجادل عنه حقا في واقع الأمر.
بيد أن ثقة الصوفية في العقل وعلومه غير وثيقة, وإن تمتع بعضهم بتحليلات
عقلية بديعة, وأحسب أن العقل الذي ينفرون منه هو العقل الجدلي والمماحكات
التي لا تؤدي إلى اليقين, أما العقل بمعناه الحقيقي فلا يمكن لإنسان أن
يفرط فيه, إلا إذا فقد إنسانيته, ولا ت ن افي في نظرنا بين الذوق العقلاني
والذوق الوجداني تنافي تناقض أو تضاد.
ويلاحظ الراغب الأصفهاني ما للعلم في الإسلام من صلة وثيقة بالعمل, فيشير
إلى تلك العلاقة اللغوية بين "علم " و"عمل ", فالعلم مقلوب العمل, وهذا
يومئ إلى هذه العلاقة المتينة في العقلية العربية ذات الوجهة العملية في
الحياة, ولذلك فسر المفسرون الحكمة في العربية بأنها إحكام للعلم, وإحكام
للعمل معا, فهي تحقيق العلم, وإتقان العمل.
ولاحظ الراغب ملاحظته يبدو أنه انفرد بها في تفسير قوله تعالى:"ويعلمهم
الكتاب والحكمة , وهي أنه: " قد أفرد ذكر الحكمة في عامة القرآن عن الكتاب,
فجعل الكتاب رسما ل ما لا يدرك إلا من جهة النبوات, والحكمة لما يدرك من
جهة العقل, وجعلا منز لين (...) وجمع بينهما في الذكر لحاجة كل واحد منهما
إلى الآخر . وفسر الميزان بالحكمة في قوله تعالى: "الله الذي أنزل الكتاب
بالحق والميزان " .
فالعلم, والحكمة, والعقل, والعمل معان متشابكة يؤدي بعضها إلى بعض, وقد
أشار أبو بكر بن العربي إلى هذا التداخل بين هذه المعاني في صورة واضحة
رائعة في مبناها ومعناها, فقال: وليس للحكمة معنى إلا العلم, ولا للعلم
معنى إلا العقل, إلا أن في الحكمة إشارة إلى ثمرة العلم وفائدته, ولفظ
العلم مجرد من دلالة على غير ذاته, وثمرة العلم العمل بموجبه, والتصرف
بحكمه, والجري على مقتضاه في جميع الأقوال والأفعال, وبناء "عقل" يقتضي أن
تجري الأفعال والأقوال على قانون فلا يسترسل في الممكنات, وكذلك بناء "حكم"
مثله في اقتضاء ذلك .
وهذا التفسير للعقل بالقانون الضابط للأقوال والأفعال في غاية الأهمية, وكذلك اقتضاء الحكمة لهذا القانون .
وفسر الغزالي الحكمة بأنها في بعض مواضعها من القرآن الفهم في كتاب الله ,
ومن زعم أنه استوفى معاني القرآن, فإنما يعبر عن نفسه, وعن حده في الفهم,
فالقرآن أعطى للإنسان ثقة في عقله إذا وفق في استعماله, ولم يستهن به, ولم
يستبعده مما جعل له, ولم يقلل من شأنه, بل دعا إلى البرهان الذي يقيمه
العقل وجعله حجة داخلية في الإنسان بالإضافة إلى الحجة الخارجية وهي الوحي.
ونحن نقرأ اليوم في فلسفة العلوم الغربية ما يجعل القرن العشرين يوسم بأنه
قرن أزمة العقل في نظر بعض كتاب الغرب وفلاسفته, وذلك بعد أن ظهرت
نظريةKurt Godel في عدم التكامل بين الرياضيات التي كان يظن فيها أنها
معيار اليقين والدقة, مما أدى إلى هدم فكرة بناء لغة منطقية مغلقة كاملة.
وأكد هذا كارل بوبر حين انتهى إلى أن النظرية العلمية ليست هي التي تعبر عن
حقيقة محددة تحديدا نهائيا, ولكنها على العكس هي التي يمكن أن توضع موضع
النقد والنقض على ضوء مبدأ النقض.
فنقاد العلم اليوم يريدون أن يهدموا ما كان يحلم به العلماء من إمكان
الوصول إلى لغة علمية عالمية موحدة, فقد حارب فيراباند بول في كتابه "وداعا
للعقل" محاربة لا هوادة فيها فكرتين رئيستين, وهما العقل والموضوعية
اللتان يزعم العلم أنه يتوفر عليهما, ويقيس العلم على الفن, فالعلم عنده
ليس أدق ولا أنفذ من الأسطورة! وهذا لم يذهب إليه حتى غلاة المتصوفة عندنا.
فهل من منقذ للعقل والعلم بعد هذا?
3 العلم وحرية العالم في القرآن
لم يقيد القرآن العقل البشري إلا بقيد التحرر من الأوهام والتقليد, بل دعا
إلى تحرره من تقاليد الآباء والأجداد, وخضوعه للأساطير والكهان والأحبار,
وسدنة الأديان وظلمهم لعقل الإنسان وتضليله. وجه القرآن العقل البشري إلى
النظر في مختلف مظاهر الكون, وفي تاريخ الأمم, وظواهر النفس الإنسانية,
لمعرفة سننها أو قوانينها التي وضعها الله فيها ونظمها على أساسها, سواء في
ذلك آفاق الأنفس والمجتمعات البشرية أو آفاق الطبيعة, ولا نقول هذا عن زعم
أو هوى, فإن آيات القرآن الكريم بهذا ناطقة, وشاهدة شهادة ونطقا لا يخفى
على ذي عقل وضيء.
كما أن العلم في القرآن ليس قاصرا على العلم الديني أو الأخروي أو عالم الغيب كما يزعم بعض من لم يفهم القرآن ولا تذوق طعمه.
فقد استعمل القرآن العلم كما ذكر أبو بكر بن العربي بمعناه المطلق الذي
يشمل كل علم: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا في بداية خروج
الإنسان إلى الوجود, وكذلك في أواخر حياته إذا بلغ عتيا أو أرذل العمر:
ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا , وكلمة "شيء"
وكلمة "علم" هاهنا نكرتان تفيدان العموم المستغرق لعلم كل شيء.
واستعمل أيضا في العلم بظاهر الحياة الدنيا بكل جوانبها الطبيعية
والإنسانية, أي العالم كله: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا, وهم عن الآخرة
هم غافلون , فهذا العلم الدنيوي مقابل للعلم الأخروي.
واستعمل العلم في علم الحساب والفلك هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا
وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب, ما خلق الله ذلك إلا بالحق, يفصل
الآيات لقوم يعلمون , وكذلك قوله تعالى: "وجعلنا الليل والنهار آيتين
فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم, ولتعلموا
عدد السنين والحساب, وكل شيء فصلناه تفصيلا .
واستعمله في معرفة مختلف مظاهر الطبيعة من الماء والسماء والثمرات والجبال
والناس والدواب والأنعام واختلاف ألوانها: "ألم تر أن الله أنزل من السماء
ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها, ومن الجبال جدد بيض, وحمر مختلف
ألوانها, وغرابيب سود, ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك, إنما
يخشى الله من عباده العلماء .
ويشير السياق هنا إلى علماء هذه الأشياء المذكورة ونظامها, فازداد هؤلاء
العلماء بهذا العلم يقينا, وأثمر ذلك رهبة وخشية من عظمته, وعجيب إتقانه,
واختلاف ألوان موجوداته, فهو علم وذوق لهذا الجمال في الألوان أيضا.
واستعمل في تعليم الشعر: وما علمناه الشعر وما ينبغي له .
وفي تعليم الكتابة: "ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب .
وفي تأويل الرؤيا: "ولنعلمه من تأويل الأحاديث .
وفي تعليم السحر: "يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت
وماروت, وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر, فيتعلمون
منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه, وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن
الله, ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم , و,إنه لكبيركم الذي علمكم السحر .
وفي الصناعة وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم .
وفي تعليم البيان أو القدرة اللغوية: "خلق الإنسان علمه البيان .
واستعمله في فضيلة العلم الذي ينبغي أن يتصف به القائد السياسي والحربي: "قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم .
واستعمله في علم الاقتصاد الذي يؤدي إلى الغنى وكسب الأموال والكنوز, كما
قال تعالى على لسان قارون: إنما أوتيته على علم عندي ., وفي علم يوسف
بالاقتصاد: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم .
وفي تعليم آدم أسماء الأشياء, أي القدرة العقلية على وضع الأسماء للأشياء ومعرفة حقائقها: "وعلم آدم الأسماء كلها .
وفي معرفة المنافقين من خلال لغتهم: "ولتعرفنهم في لحن القول, والله يعلم أعمالكم.
واستعمل فيتعليم كلاب الصيد والجوارح: " تعلمونهن مما علمكم الله .
وفي علم منطق الطير: "وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير .
واستعمل القرآن كذلك كلمة أخرى هي جارة للعلم وأداته, وهي النظر العقلي
الذي استعمل في النظر في الطبيعة: "أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ,
قل انظروا ماذا في السموات والأرض "(يونس/101), وفي بدء الخلق: قل سيروا في
الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق , وفي الثمار وينعها: "انظروا إلى ثمره إذا
أثمر وينعه , وفي بناء السماء وزينتها:أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف
بنيناها وزيناها .
ونلاحظ هنا نوعين من الخطاب: خطابا استفهاميا إنكاريا, وخطابا بصيغة الأمر والتوجيه المؤكد.
واستعمل النظر أيضا بمعنى التفكير في التاريخ ومصائر الأمم والحضارات
والآثار: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم , و
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم, كانوا أشد
منهم قوة, وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها .
واستعمل النظر في توجيه الإنسان إلى النظر في طعامه أو غذائه: فلينظر
الإنسان إلى طعامه, إنا صببنا الماء صبا, ثم شققنا الأرض شقا, فأنبتنا فيها
حبا, وعنبا وقضبا, وزيتونا ونخلا, وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم
ولأنعامكم .
وفي النظر إلى المادة التي خلق منها الإنسان بيولوجيا: "فلينظر الإنسان مم خلق, خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والت رائب .
ومن الألفاظ القرآنية لفظ "يعقلون" التي وردت بلفظ المضارع في القرآن
الكريم كله إلا مرة واحدة فيها بصيغة الماضي, وذلك لدلالتها على أمر مهم هو
التجدد والاستمرار في عملية التعقل, وإدراك الأمور إدراكا عقليا متجددا
على الدوام.
فمن ذلك:" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي
تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به
الأرض بعد موتها, وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين
السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون .
وفي النجوم: "والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون .
وفي تعقل القلوب:"أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها(الحج/ 46).
وفي البرق والماء وحياة الأرض:"ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من
السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها, إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون .
واستعملت هذه الصيغة في تطور الإنسان:"ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون
وبصيغة "نعقل" في قوله تعالى: "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ".
وبصيغة "يعقل" في قوله تعالى:"وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .
أما صيغة "عقل" فقد وردت مرة واحدة في القرآن الكريم, وهي في قوله تعالى:
يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه , وكان المحرف هاهنا لا يستحق
أن يجدد فيه التعقل والتفكير.
وهذا كله له دلالته للفطن الذي يتذوق لغة القرآن وأساليبه الجميلة في خطابه
لعقل الإنسان ووجدانه, ليتجدد تأمله في كل حين يمكنه ذلك.
أفيمكن بعد هذا كله أن يزعم زاعم أو يدعي مدع أن العلم في القرآن لم يستعمل
إلا في العلم الديني أو الشرعي أو الوحي أو عالم الغيب, أو أنه لا حرية
للمسلم في أن يجيل فكره في كل شيء, ويبحث في كل أمر من أمور الدنيا?.
أو لم يكن هذا الخطاب القرآني هو الذي دفع المسلمين إلى الإبداع في العلوم
الدنيوية الطبيعية والرياضية, كما أبدعوا في العلوم الدينية واللغوية,
وأقبلوا على أخذ علوم الأوائل حتى الوثنيين, فضلا عن أهل الكتاب, فهضموها
وأبدعوا فيها? ثم نقلها العالم الآخر عنهم, وترجمها من لغتهم إلى لغته
اللاتينية وغيرها.
إن البرهان التاريخي على هذا لأقوى البراهين يضاف إلى برهان نصوص القرآن
الواضحة التي أشرنا إلى مجموعة منها, وأوردناها في هذه الورقة مع طولها,
قصدا لتأكيد هذا المعنى وتوضيحه وإبرازه لشبابنا خاصة, ليذهب كل شك في ذلك
أو تردد, وليظهر زيف من يدعي العلم بما لا برهان له عليه من منطق أو نص أو
تاريخ أو فهم لذلك كله.
ونود وإن أطنبنا أن نضيف إلى هذه الألفاظ القرآنية تلاثة ألفاظ تقرب من
العلم وتؤدي إليه, وهي التفكير, والتدبر, والفقه, وقد وردت أيضا في القرآن
بصيغة المضارعة لما لها من دلالة على التجدد والاستمرار والصيرورة, فمن
ذلك:
الحث على التفكير فرادى وجماعات, الفكر في انفراد, والجماعة في حوار أو
نقاش أو تعاون على التفكير أو تعلم طرقه, قال تعالى: قل إنما أعظكم بواحدة
أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا , و قل هل يستوي الأعمى والبصير,
أفلا تتفكرون , و" أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين ".
واستعمل التفكير في القرآن في موضوع النفس وما حولها: "أو لم يتفكروا في
أنفسهم, ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ,
ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا .
وأما الفقه فقد استعمل في فقه الدين وتعلمه بصيغة المضارعة أيضا: فلولا نفر
من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم
لعلهم يحذرون .
وفي فهم القول والحديث:وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا , و فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا .
واستعمل لفظ "تدبر" في القرآن بصيغة المضارعة فقط, وذلك في تدبر القرآن:
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها , و أفلا يتدبرون القرآن ولو كان
من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ,وكتاب أنزلناه إليك مبارك
ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب .
وفي تدبر القول: " أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ".
وبهذا فإنك ترى أن القرآن وضح ثقته في الإنسان وعقله وعلمه فيما هو متاح له
أن يعلمه, ويمكن له أن يصل فيه إلى علم مما وجه إليه نظره وفكره, من ظواهر
الطبيعة والتاريخ, وظواهر النفس الإنسانية, ولا نجد نصا في القرآن يمنع
العلم أو يقيد حرية الإنسان في إجالة نظره وعقله في مسرح الكون, سوى أنه
أشار إلى أن تعلم السحر مما يضر في ممارسته, ولكنه لم يمنع مجرد العلم به,
وفي قوله:"ولا يفلح الساحر حيث أتى إشارة إلى الاستعمال والممارسة, ولم
ينوه به باعتباره علما نافعا, ولذلك نجد أبا حامد الغزالي يرى أن العلم:
"فضيلة في ذاته من غير إضافة , و وإذا نظرت إلى العلم رأيته لذيذا في نفسه,
فيكون مطلوبا لذاته .
والاتجاه العام في الإسلام هو أخذه لمنافع العلم وثمراته بعين الاعتبار, ولذلك ورد الحديث: نعوذ بالله من علم لا ينفع .
4 العلم في السنة النبوية الشريفة
يبدو أن المقصود بالعلم في ألفاظ الحديث النبوي غالبا هو العلم الديني الذي
مصدره الوحي, ولذلك فإن المحدثين يؤكدون هذا, فقد ورد أن:"العلم ثلاثة وما
سوى ذلك فضل, آية محكمة, أو سنة قائمة, أو فريضة عادلة وورد أيضا:"العلم
ثلاث: كتاب ناطق, وسنة ماضية, ولا أدري , وهذا لا ينفي العلم الدنيوي,
وإنما جاء هذا الحصر للمبالغة ولبيان مصدر هذا العلم ومرجعه كما ورد ما
يقصد إلى العلم الديني أيضا, وهو: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله, ينفون
عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين , وما أخرجه البخاري
ومسلم من قوله : "مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى والعلم, كمثل غيث
كثير... الحديث.
بيد أنه ورد في السنة أحاديث كثيرة تحث على علوم الدنيا, منها:"يا زيد تعلم
لي كتاب اليهود, فأنى والله ما آمن من يهود على كتاب , وفي نص آخر: "إني
أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا أو ينقصوا, فتعلم السريانية , وفي الأثر: من
تطبب, ولا يعلم منه الطب فهو ضامن , يضمن لأنه لم يبن ممارسة للطب على علم,
فعلم الطب إذن مشروع, وتمنع مزاولة الطب دون علم أو تجربة.
وعلم الأنساب والنجوم من عادة العرب, فقد ورد في الأثر:"تعلموا من أنسابكم
ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا, وتعلموا من العربية ما تعرفون به كتاب الله
ثم انتهوا, وتعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم
انتهوا , فعلم الأنساب والعربية, وعلم النجوم مطلوبة للحاجة إليها, وإن كان
ورد النهي عن التنجيم, ففي الأثر: من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من
السحر, زاد على ما زاد , ويبدو أن المقصود هنا التنجيم الذي يستعمله أصحابه
لأغراض الكهانة والعرافة والسحر, وقراءة مستقبل ما يحدث للإنسان لا العلم
الحقيقي على نحو ما نعرفه اليوم في علم الفلك.
وورد تعليم الحرف في قوله:"علم الله آدم ألف حرفة من الحرف, وقال له: قل
لولدك وذريتك إن لم تصبروا فاطلبوا الدنيا بهذه الحرف, ولا تطلبوها بالدين,
فإن الدين لي وحدي خالصا, ويل لمن طلب الدنيا بالدين, ويل له " وورد تعليم
السباحة والرماية, ففي الأثر:"علموا أولادكم السباحة والرماية ".
وهكذا تحث السنة على العلم, وتدل على أنه فريضة على كل مسلم, ولا تمنع علما
من العلوم إلا ما ثبت أنه خرافة أو أنه مضر لا جدوى منه كالسحر والتنجيم,
فكل علم في الأصل مباح, ثم يعرض له أن يكون فرض عين, أو فرض كفاية تبعا
لضرورته الخاصة أو العامة للأمة.
5 معنى الحرية في البحث العلمي
رأينا أنه لم يرد نص صريح في منع الإنسان من تعلم أي علم من العلوم
الحقيقية لا في القرآن ولا في السنة, بل على العكس من ذلك نقرأ حثا عليه
وترغيبا فيه, فالعلم فريضة عقلية أيا ما كان هذا العلم دينيا أو دنيويا ما
دام الإنسان يستعمل الأدوات المناسبة للوصول إلى العلم, فالإنسان حر في
استعمال عقله وتفكيره في مختلف مجالات العلم والفكر, ولا قيد عليه.
ولكن ما هو مستندنا في ذلك?
من مقاصد الشريعة: حفظ نظام الأمة, واستدامة صلاح الإنسان في عقله وعمله,
وصلاح موجودات العالم , وهذا ما قرره محمد الطاهر بن عاشور (ت1973ه ) في
كتابه "مقاصد الشريعة" بحيث تكون الأمة قوية الجانب قادرة على الدفاع عن
ذاتها ومقوماتها, ولا يتحقق ذلك دون علم. وتفطن الشيخ الغزالي إلى أن ابن
عاشور أضاف إلى مقاصد الشريعة التي نص عليها الشاطبي إضافة متميزة وهي مقصد
الحرية في الاعتقاد والرأي, في حرية العلم والتعلم والعمل, فإن الاعتداء
على الحرية من الظلم الفادح والاستبداد القاتل لروح الأمة.
وإذا كانت الشريعة تعنى بمصالح الناس وصلاح العالم ونظامه, فإن المساواة
بين الخليقة والبشرية وقيادة الأمة إلى مركز الصدارة في التاريخ والحضارة
يقضي بأن تأخذ الأمة بالرأي الذي يسد حاجتها ويحقق مصالحها, ويرقى بها, ولا
نضمن ذلك كله إلا بالعلم وحرية البحث والقول, وما إلى ذلك من شروط قوة
الأمة وصدارتها, وهذا المقصد مستقرأ من نصوص الشريعة ومواردها.
ويرى ابن رشد الحفيد أن مقصد الشريعة هو تعليم الحق والعمل الحق , وأنه:
ينبغي أن تعلم أن مقصود الشرع إنما هو تعلم الحق والعمل بالحق, والعلم الحق
هو معرفة الله وسائر الموجودات على ما هي عليه, ومعرفة السعادة الأخروية
والشقاء الأخروي, وتجنب الأفعال التي تفيد الشقاء, والمعرفة بهذه الأفعال
هي التي تسمى بالعلم العملي . وينص أيضا في كتابه "بداية المجتهد":أن
الحرية حق شرعي لا يجوز تبعيضه .
فالدعوة إلى العلم والحث عليه ورد في نصوص بصيغ عامة ومطلقة, فانتظمت بذلك
تلك العمومات كل علم يتعلق بعمل وما لا يتعلق به, وما يتعلق بالطبيعة
والتاريخ والأنفس, والعموم يحمل على الاستغراق لدى الأصوليين إلا ما ورد
تخصيصه.
ونقل الشاطبي عن العلماء:أن تعلم كل علم فرض كفاية كالسحر والطلسمات
وغيرهما من العلوم البعيدة الغرض عن العمل, فما ظنك بما قرب منه كالحساب
والهندسة وشبه ذلك (...), وأيضا فإن قوله تعالى:" أولم لم ينظروا في ملكوت
السموات والأرض وما خلق الله من شيء يشمل كل علم ظهر في الوجود, من معقول
ومنقول, مكتسب أو موهوب, وأشباهها من الآيات .
ولكن الشاطبي مع جلالة قدره لا يتفق مع هذا الرأي, ويرى أن هذا الإطلاق
والعموم مقيد أو مخصص, لأن الصحابة والسلف الصالح لم يخوضوا في العلم الذي
ليس وراءه عمل, ولأن الشريعة في نظره أمية لأمة أمية, وقد قال?: "نحن أمة
أمية لا نحسب ولا نكتب وذهب إلى رأي غريب وهو أن ما تشير إليه الآيات من
علوم الطبيعة والهيئة (الفلك) مما لا تعرف العرب ولا تعهده, والقرآن نزل
بلسانها فلا يحمل عليها!. ولا تفسير لهذا إلا الوضع الاجتماعي والثقافي
الذي أصبح عليه المسلمون في القرن الثامن الهجري الذي هجرت فيه العلوم,
واكتفى الناس فيه بالفقه وما إليه, ولهذا نجد ابن عاشور, وعبد الله دراز
يخالفانه في هذا الرأي, ولا يعذرانه على هذه الهفوة, وهو العالم بمقاصد
الشريعة ومراميها, فالرسالة جاءت لتعليم الناس, وترفع عنهم الأمية التي
سادت العرب في عهد نزول الرسالة, وتعلمهم الكتاب والحكمة والقراءة, ولم تأت
لترسيخ الأمية أو الجهل بالعلوم, ووصف الشاطبي أهل هذه العلوم بأنهم
يتكلفون: لاحتجاج على صحة الأخذ في علومهم بآيات القرآن وأحاديث عن النبي).
بحث عن مفهوم العلم
مفهوم العلم وحقيقه التعلم مفهوم العلم مفهوم العلم
ليس المقصود بكلمة العلم هاهنا معناه المعاصر في العلوم الدقيقة فحسب,
وإنما الغرض مفهومه العام الذي يشمل كل معرفة منظمة, عقلية منطقية كانت أو
حسية تجريبية.
فالعلم في معناه اللغوي إنما سمي علما لأنه علامة يهتدي بها العالم إلى ما قد جهله الناس, وهو كالعلم المنصوب في الطريق .
أما تحديد العلم في صناعة الاصطلاح فمن العسير تحقيقه تحقيقا يتفق عليه
الباحثون في القديم, وفي عصرنا هذا أيضا, وإن ذهب أبو الحسن اللبان إلى عدم
الجدوى من تعريفه: لأنه أظهر الأشياء, فلا معنى لحده بما هو أخفى منه .
وأنت إذا تصفحت اليوم مؤلفات الابستيمولوجيا, وقرأت مصنفات المناهج, واطلعت
على المعجمات, فإنك بلا ريب تلقى صعوبة في الوصول إلى تعريف دقيق واضح
للعلم, لأسباب منها أن الظواهر التي هي موضوع للعلم مثابتها مثابة المرض
والموسيقى مثلا, فأنت تعرف مثل هذه الظواهر بيسر, ولكن يصعب عليك تحديدها
بدقة كافية, لأنه كي يتحدد العلم فإنه يتطلب وضع معايير, وهذه المعايير
تقتضي اقتراح نموذج تحدد فيه الفروق بين ما هو علمي وما ليس بعلمي, فهل
اللسانيات, وهل التحليل النفسي اليوم من العلوم? إنه من العسير وضع الحدود
بين العلم في هذا المجال والمناشط الثقافية الأخرى?
وليس من المؤكد وجود سمات مشتركة بين معارف مختلفة في موضوعاتها ومناهجها,
مثل الفيزياء النظرية, والتاريخ, والأنتروبولوجيا (علم الأجناس),
والبيولوجيا, وعلم النفس, فهل نحن أمام علم واحد أو علوم?
عني علماء الإسلام بتحديد العلم وصياغة مفهومه صياغة صناعية, كما عنوا
بتعريف النظر والمعرفة والعقل والفكر وما إلى ذلك عناية فائقة في القرنين
الرابع والخامس الهجريين خاصة, وذهبوا في ذلك مذاهب متباينة تباين
اتجاهاتهم الفكرية ومذاهبهم العقدية والفقهية من اعتزالية وأشعرية.
وأقتصر هاهنا على تعريف أورده الإمام المازري (ت536ه ) وهو:اعتقاد الشيء
على ما هو به, مع سكون النفس إليه, إذا وقع عن ضرورة أو دليل , وهذا
التعريف متقدم جدا ومعاصر, إذ أن بعض المعاصرين يعر فه بما لا يختلف عنه,
فهو قد جمع فيه بين أربعة عناصر واضحة: اعتقاد+مطابق+سكون النفس+دليل ضروري
أو نظري.
ونرى في زماننا أن الابستيمولوجيا الغربية تعالج النشاط العلمي الذي هو
أرقى ما وصل إليه الإنسان من معارف, من زاويتين مختلفتين, أو إن شئت في
اتجاهين متباينين:
اتجاه سمي بالاتجاه العقلي النقدي الذي يمثله تمثيلا قويا كارل بوبر(1902
1994م) الذي يتمسك بالنواة الصلبة للنشاط العلمي بعيدا عن أنواع الخطاب المجاور, مثل الأيديولوجيا, والفلسفة, أو شبه العلم.
أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه سوسيولوجي وتاريخ للعلوم, يقوم على قراءة
مختلفة تماما لقراءة الاتجاه الأول, لأنه يسمح بالأيديولوجيا والمسلمات
التي لا برهان عليها بأن تدخل في النظام المعرفي أو الجهاز العلمي.
إن الاتجاه الفلسفي أو العقلي في تعريف العلم أو تفسيره يعتمد أساسا على مبادئ أربعة :
1 الصرامة في المنهج, بحيث يجب على كل أنواع البحث أن تحترم المعايير
العلمية, ولو في حدودها الدنيا من الصرامة, مثل التماسك المنطقي الداخلي
بين الأفكار, والتطابق بين النظرية والظواهر التي تحكمها, باستثناء بول
فرايند الذي يرى أن كل شيء مسموح به, فيما يتعلق بالمنهج.
2 الموضوعية والتعميم, فالخطاب تفترض فيه الموضوعية, فالمعادلة: E = MC2
مثلا صحيحة في مكة وطوكيو وواشنطن, عند المسلم والنصراني والبوذي.
3 تراكم المعرفة وتقدمها, بحيث تضاف معرفة جديدة إلى معارف قبلها باستمرار, فيكون تاريخ العلوم في تطور مستمر.
4 التحقق والدحض, فكل علم جدير به أن يراقب خطابه بنقده ومناقشته ومواجهته
بالوقائع بالبرهنة على نتائجه, ووضع قاعدة لها موثوق بها مؤقتا على الأقل,
وإن كانت هذه النتائج ذات صبغة احتمالية, ومع ذلك فالخطأ يكمن في قلب
المنهج العلمي, وفي لب الروح العلمية من الصعب تفاديه دائما, ولهذا فإن
وظيفة المنهج العلمي هي الكشف عن الأخطاء التي تعاني منها الحقائق العلمية,
فالروح العلمية إن هي إلا مقاومة متواصلة للضلال, ولا يتقدم العلم إلا
بالنقد والمعارضة, إذ إنه لا يقوم على أرض مضمونة دائما.
أما الاتجاه التاريخي الاجتماعي في تفسير العلم, فيعتمد على التحليل
التاريخي للعلم, تحليلا قائما على علم الاجتماع أو علم النفس, ويرى أصحابه
أنه إن كان العلم ثقافة مثل سائر الثقافات, وإذا كانت إرادة الصرامة في
العلم والاهتمام بالموضوعية الذي يبديه العلماء أمرا مسل ما به, فإنه مع
ذلك تختفي وراءه بشعور أو بدونه مسلمات
لا برهان عليها, وأيديولوجيات, وأهواء مضمرة, وممنوعات أيضا.
وإذا كانت جماعة العلماء جماعة إنسانية مثل غيرها من الجماعات بما لها من
أهواء, واعتقادات, وسلطة, فإن تاريخ الوقائع العلمية, وما يكتنفها من عوامل
سوسيولوجية إنما تصف لنا عملا إنسانيا ذا صلة بتاريخه وضغوطه الاجتماعية,
ومرتبطا بالعقليات السائدة في المجتمع أو النخبة.
ونحسب أن تطور المفاهيم العلمية حقل خصب في تاريخ العلوم, لذا نجد في عصرنا
هذا عدة علماء وفلاسفة يعنون بهذا المجال, أمثال: توماس كون, وإيمر
ليكاتوس, وجرار هولتن, واسكندر كوريه, وجاستن باشلار, وتلاميذهم.
يرى توماس كون أنه يسود في كل عصر نموذج علمي نظري, يتخذه العلماء مرجعا
لهم وسندا, وهو الذي يكو ن بناء العلم, ويقود البحوث, يسم يه توماس
Paradigme, وفوكو Epistim, ولوكاتوس برنامج البحث, ويسميه هولتن Themata.
وقد يستعمل مفهوم في علم م ا, ثم يهاجر إلى علم آخر أو علوم, مثل مفهوم
الانتخاب والمنافسة اللذين انتقلا من البيولوجيا إلى الاقتصاد, وهكذا يتم
التقدم العلمي بطريق آخر غير التراكم المعرفي المتصل, وإنما يتقدم بقطيعة
وثورة يظهر إثرها نموذج جديد للعلم مباين لما قبله, فالعلم بهذا المنظار
يصبح ذا صلة وثيقة بمنطق التاريخ, وبصيرورة الاجتماع البشري, وهذا لا يحط
من قيمة العلم, بل يتيح له ذلك أن يتجاوز نفسه باستمرار, وهو سر ديناميكية
العلم وحيويته, فالعلم بهذا يكمن تقدمه في مناقشة أخطائه وتفاديها دون
توقف, وفي عدم الرضا الكلي عما نزعم أنه علمي يقيني قطعي, فالمناقشة الحرة
والنظر النقدي من الوسائل الفعالة في تقدمه, وفي القرب من الحقيقة,
فأخطاؤنا هي التي تعلمنا.
ونحن رأينا في التاريخ كيف أن الحروب الدينية في أوروبا ساعدتهم على
المرانة على هذا النموذج من التفكير النقدي المنافي للتسلط, فذلك الذي
جعلهم يتعلمون التسامح مع المعتقدات الأخرى المخالفة لمعتقداتهم, بل عل
متهم احترامها, واحترام من آمن بها عن إخلاص كما يقولون هم أنفسهم.
فالمناقشة الحرة تبين أنه عندما يستمع بعض العلماء إلى بعض, وينتقد يعضهم
بعضا آخر, فإن الحظ يسعدهم أن يقتربوا من الحقيقة أكثر, ذلك أن العلم ينبت
في أرض ثقافية, والمعارف مرتبط بعضها ببعض, كما يرى أبو حامد الغزالي,
والأفكار ترحل وتسير, والعقول تتلاقح, والنظم النظرية مفتوحة, وهذا ما يكفل
لها هذا اللون من الغنى الذي ينشأ عن لقائها وتفاعلها وتقاطعها, وعن
انتقالها من حدودها إلى حدود معارف أخرى من علوم الطبيعة إلى علوم الإنسان
في نسيج الثقافة العلمية الإنسانية.
فالعلم البشري ليس علما مطلقا, إن الذي يشتغل بالعلم كما أشار بعض العلماء
إلى ذلك لا يشعر بوجود عالم من النظريات المؤكدات تمام التأكيد, ولا
بحقائق مؤسسة تأسيسا نهائيا, ولا يرى العلماء أنها تتمتع ببراهين قاطعة
مطلقة حتى تبلغ بذلك مبلغ اليقين, فهم يتصورون العلم باعتباره مجموعة من
افتراضات لها شيء من الدعائم,
قلت أو كثرت في شكل نظريات موضعية لا تتخذ صيغة وحدة كاملة.
لهذا نرى رشارد فريدمن الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1966 يقف
موقفا صريحا من غموض مفهوم العلم ومعناه فيقول: اشتغلت بالعلم طوال حياتي
عارفا تماما ما هو, ولكن الإجابة عن السؤال: ما هو العلم? هو الأمر الذي
أشعر أني عاجز عنه! .
وهذا ما جعل المفهوم النسبي للعلم يسود اليوم لدى فلاسفة العلم, وعند
العلماء أنفسهم إلى حد أن ادعى أحدهم, وهو بول فرايرابند أن كل شيء في
العلم جائز, وصنع لنفسه نظرية الفوضى في نظرية المعرفة , وأعلن إنكاره لما
يسمى بالمنهج في العلم, وكتب كتابا عنوانه "ضد المنهج", واعتقد بأنه لا
يمكن القول بأن العقل يصل في العلم إلى ما هو كلي, كما لا يمكن أن يستبعد
اللامعقول من العلم, وهذا ما جعله معجبا بالصين عندما رفضت جماعة ماوتسي
تونغ العلم الغربي المهيمن في ثورته الثقافية.
وأغرب من ذلك فإن بول فرايراب ند دعا إلى إعادة الاعتبار للسحر والتنجيم
والكهانة والأساطير التي عزم العقليون على محوها من الأرض, وربما كان هذا
إشارة إلى عرض من أعراض أزمة العقل الغربي, وما عزمت عليه جماعة ما بعد
الحداثة من فك الثوابت, وهدم ما تعارف عليه أهل الغرب من العقلانية وصرامة
المنهج والثقنية.
ولا ينفي هذا أن للعلم عموما وللمعرفة منطقا تنظيميا فيما يذهب إليه فيلسوف
العلوم ومؤرخ اللسانيات سلفان أورو, فالعلم يملك نظاما ما يتكون من ثلاثة
عناصر على الأقل ضرورية:
1 عناصر نظرية (مفاهيم...).
2 عناصر اجتماعية (مؤسسات سياسية, علمية,...).
3 عناصر نفعية عملية (تقدم اقتصادي وتقني...).
ومن وسائل فهم العلم وتاريخه الاعتماد على دراسة العلاقات بين هذه المكونات
الثلاثة, فالعلم لا يلخص في مجرد النظريات والمعطيات والتجارب, لأن
الأفكار ينتجها بشر ومؤسسات, ويأخذ بها علماء من البشر.
ومن أجل هذه النسبية وهذا القصور في العلم لجأ العلماء والباحثون إلى طريقة
جديدة (موضة العصر) وهي ما نسميه ما بين التخصصات , وهي وسيلة تكمل النقص
الذي يعاني منه التخصص الواحد, وذلك لضرورة وجود تفكير كلي جامع, أو نظرة
شاملة, وهذا ما أثمر سببا من أسباب التجديد في العلوم الاجتماعية, حيث
أثبتت بعض الدراسات أن معظم التجديد النظري انبثق من الحدود والهوامش التي
تلتقي فيها هذه العلوم, مثل اللقاء الأخير بين البيولوجيا وعلم الأجناس
(الأنتروبولوجيا), ففتح بذلك حقل خصب لاكتشافات عن أصول السكان, فتيسرت
معرفة الأنساب بواسطة خصائص الدم.
هذا, وقد أعجبني بهذا الصدد ما أشار إليه أبو بكر بن العربي من ضرر التخصص
الضيق, قال: "ولا يفرد [الإنسان] نفسه ببعض العلوم, فيكون إنسانا في الذي
يعلم, بهيمة فيما لا يعلم, ولا سيما من أقام عمره حس ابا أو نحويا فقد هلك,
فإنه بمنزلة من أراد صنعة شيء فحشد الآلة عمره, ثم مات قبل عمل صنعته .
وينبغي هاهنا أن نشير إلى ظاهرة أزمة الأسس, وأزمة الثقة بالعقل والعلم عند
الغربيين, حتى ظن بعضهم أنهم سيعلنون عن موت العلم, وفعلا فإنه أعلن بعضهم
عن أزمة العلوم الأوروبية, ووضعت العقلانية الأوروبية عامة, ووجهها البارز
الميتافيزيقا موضع تساؤل, وأصبح الشعار: كل حقيقة هي خطأ لم يبت فيه بعد ,
معلنا وأنه لا يتصور مستقبل للعلم إلا في حدود قطيعة ابستمولوجية, وإعادة
تنظيمه تنظيما جذريا ففي كل مرحلة من مراحل التاريخ يشكل العلم فيه بناء
مستقلا, باعتباره نموذجا جديدا منقطع الصلة بما قبله من النماذج فيما يرى
توماس كون كما أشرنا إلى ذلك.
وبعد ما انقطعت صلة العلم بالأخلاق في الغرب نرى لدى بعض الفلاسفة اليوم
مبدأ الالتزام الخلقي, كما نجد ذلك عند الفيلسوف "رورتي" حيث بين أنه مع
جماعة من البراجماتيين الجدد لا يملكون نظرية في الحقيقة, لأنهم من أنصار
التضامن, ويقوم تفسيرهم لقيمة العلم والبحث الإنساني على قاعدة أخلاقية, لا
على نظرية المعرفة, ولا على الميتافيزيقا, وهذا العنصر الأخلاقي هو الذي
فقده العلم الغربي اليوم, ولذلك نشأت أزمة العقل وأسس المعرفة, فكاد الناس
في الغرب ييأسون من العقل, والعلم, والتقدم, لفقدان عنصر آخر يدعم هذا
العلم الإنساني ويغذيه, ويربطه بوجود آخر غير الوجود المشاهد المحسوس, وهو
الأمر الذي يضمنه الإسلام في احترامه لعقل الإنسان وكرامته.
2 هل العقل من شأنه الوصول إلى العلم?
وصف بعض أئمة المسلمين العقل بأنه أم العلوم , وعرفه المحاسبي (ت243ه )
بأنه غريزة, وشبهه بالبصر, كما شبه العلم بالسراج, فهو عنده: غريزة يولد
العبد بها, ثم يزيد فيه معنى بعد معنى, بالمعرفة بالأسباب الدالة على
المعقول .
ومن وظائفه الفهم والبيان, ويسمى ذلك عقلا أيضا, لأنه من العقل كان, وأدخل
المعنى الأخلاقي في وظيفة العقل, فهو الذي لا يميز بين الحق والباطل فحسب,
ولكنه يميز بين الخير والشر, والعاقل هو الذي يلتزم الخير ويبتعد عن الشر.
وأشار أبو حامد الغزالي إلى معنى اتفق فيه مع رأي المحاسبي, فالعقل عنده
أيضا: غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية (...) فنسبة هذه الغريزة إلى
العلوم المكتسبة كنسبة العين إلى الرؤية, ونسبة القرآن والشرع إلى هذه
الغريزة في سياقها إلى انكشاف العلوم لها كنسبة الشمس إلى البصر .
وسوى الأشعري بين العقل والعلم, ولا فرق عند العرب بين عقلت وعلمت وعرفت
عند أبي بكر بن العربي, أما الراغب الأصفهاني (ت503ه ) فعر فه تعريفا لطيفا
وقال إنما: سمي العقل عقلا من حيث إنه مانع لصاحبه أن تقع أفعاله على غير
نظام, وسمي علما من حيث إنه علامة على الشيء .
ويذهب بعض علماء المسلمين إلى أن العقل ليس جوهرا كما يعتقد فلاسفة
اليونان, وإنما هو فعل وفاعلية, وإن أنكر الصيرفي هذا, وبين أن: العقل معنى
ركبه الله في الإنسان, لا أنه فعل كما زعم بعض الناس . وأكد بعض المعاصرين
لنا أن العقل في مفهومه القرآني فعالية, وليس جوهرا, وصيغ العقل في القرآن
فيما نعتقد تدل على هذا, لأنها في أغلبها صيغ فعلية, وفي صيغة المضارع
الدالة على التجدد والاستمرار.
جعل أبو حامد الغزالي للعقل مكانة متميزة على غير ما يعتقد بعض الباحثين,
فهو عنده: منبع العلم, ومطلعه, وأساسه, والعلم يجري منه مجرى الثمرة من
الشجرة, والنور من الشمس, والرؤية من العين , إلا أن طائفة من المحدثين
فيما يذكر أبو إسحاق الإسفراييني أنكرت أن يكون العقل طريقا للعلم.
أما العلاقة بين العقل والعلم الديني فقد صورها أبو حامد الغزالي على هذا
النحو: وليس يخفى أن العلوم الدينية, وهي فقه الآخرة, إنما تدرك بكمال
العقل, وصفاء الذكاء, والعقل أشرف صفات الإنسان . ورأى الإمام المازري أن
صحة الشرع إنما تعرف بالعقل, ورد على طائفة من المحدثين تنكر العلم العقلي,
فقال: وأما من قصر العلم على الشرع فظاهر البطلان, لأن صحة الشرع إنما
تعرف بالعقل .
ومن الألفاظ القرآنية العربية التي لها علاقة بالعقل والعلم لفظ الفكر,
دلالتها اللغوية إعمال العقل في حل مشكلة, ويرى بعض الأدباء أنها مقلوب
كلمة "فرك", إلا أن الفرك يستعمل في فحص المحسوسات, والفكر في المعاني.
ويرى الغزالي أن معنى الفكر: إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة
ثالثة. والتفكير والتأمل والتدبر عنده كلمات مترادفة, أما التذكر والنظر
والاعتبار فهي مختلفة, وثمرة الفكر إنما هي تكثير العلم واستجلاب معارف
جديدة, ويتمادى الفكر في نظر الغزالي إلى غير نهاية, فالعلوم لا نهاية لها,
ومجاري الفكر غير محصورة, وثمراته غير متناهية , وهو في الآن نفسه شبكة
العلوم ومصيدة المعارف والفهوم , ويجري الفكر فيما يتعلق بالدين وفيما
يتعلق بغير الدين.
وأما النظر فهو طلب الصواب, ويقتصر الجدل على مجرد نصرة له, وللحق إن كان ما يجادل عنه حقا في واقع الأمر.
بيد أن ثقة الصوفية في العقل وعلومه غير وثيقة, وإن تمتع بعضهم بتحليلات
عقلية بديعة, وأحسب أن العقل الذي ينفرون منه هو العقل الجدلي والمماحكات
التي لا تؤدي إلى اليقين, أما العقل بمعناه الحقيقي فلا يمكن لإنسان أن
يفرط فيه, إلا إذا فقد إنسانيته, ولا ت ن افي في نظرنا بين الذوق العقلاني
والذوق الوجداني تنافي تناقض أو تضاد.
ويلاحظ الراغب الأصفهاني ما للعلم في الإسلام من صلة وثيقة بالعمل, فيشير
إلى تلك العلاقة اللغوية بين "علم " و"عمل ", فالعلم مقلوب العمل, وهذا
يومئ إلى هذه العلاقة المتينة في العقلية العربية ذات الوجهة العملية في
الحياة, ولذلك فسر المفسرون الحكمة في العربية بأنها إحكام للعلم, وإحكام
للعمل معا, فهي تحقيق العلم, وإتقان العمل.
ولاحظ الراغب ملاحظته يبدو أنه انفرد بها في تفسير قوله تعالى:"ويعلمهم
الكتاب والحكمة , وهي أنه: " قد أفرد ذكر الحكمة في عامة القرآن عن الكتاب,
فجعل الكتاب رسما ل ما لا يدرك إلا من جهة النبوات, والحكمة لما يدرك من
جهة العقل, وجعلا منز لين (...) وجمع بينهما في الذكر لحاجة كل واحد منهما
إلى الآخر . وفسر الميزان بالحكمة في قوله تعالى: "الله الذي أنزل الكتاب
بالحق والميزان " .
فالعلم, والحكمة, والعقل, والعمل معان متشابكة يؤدي بعضها إلى بعض, وقد
أشار أبو بكر بن العربي إلى هذا التداخل بين هذه المعاني في صورة واضحة
رائعة في مبناها ومعناها, فقال: وليس للحكمة معنى إلا العلم, ولا للعلم
معنى إلا العقل, إلا أن في الحكمة إشارة إلى ثمرة العلم وفائدته, ولفظ
العلم مجرد من دلالة على غير ذاته, وثمرة العلم العمل بموجبه, والتصرف
بحكمه, والجري على مقتضاه في جميع الأقوال والأفعال, وبناء "عقل" يقتضي أن
تجري الأفعال والأقوال على قانون فلا يسترسل في الممكنات, وكذلك بناء "حكم"
مثله في اقتضاء ذلك .
وهذا التفسير للعقل بالقانون الضابط للأقوال والأفعال في غاية الأهمية, وكذلك اقتضاء الحكمة لهذا القانون .
وفسر الغزالي الحكمة بأنها في بعض مواضعها من القرآن الفهم في كتاب الله ,
ومن زعم أنه استوفى معاني القرآن, فإنما يعبر عن نفسه, وعن حده في الفهم,
فالقرآن أعطى للإنسان ثقة في عقله إذا وفق في استعماله, ولم يستهن به, ولم
يستبعده مما جعل له, ولم يقلل من شأنه, بل دعا إلى البرهان الذي يقيمه
العقل وجعله حجة داخلية في الإنسان بالإضافة إلى الحجة الخارجية وهي الوحي.
ونحن نقرأ اليوم في فلسفة العلوم الغربية ما يجعل القرن العشرين يوسم بأنه
قرن أزمة العقل في نظر بعض كتاب الغرب وفلاسفته, وذلك بعد أن ظهرت
نظريةKurt Godel في عدم التكامل بين الرياضيات التي كان يظن فيها أنها
معيار اليقين والدقة, مما أدى إلى هدم فكرة بناء لغة منطقية مغلقة كاملة.
وأكد هذا كارل بوبر حين انتهى إلى أن النظرية العلمية ليست هي التي تعبر عن
حقيقة محددة تحديدا نهائيا, ولكنها على العكس هي التي يمكن أن توضع موضع
النقد والنقض على ضوء مبدأ النقض.
فنقاد العلم اليوم يريدون أن يهدموا ما كان يحلم به العلماء من إمكان
الوصول إلى لغة علمية عالمية موحدة, فقد حارب فيراباند بول في كتابه "وداعا
للعقل" محاربة لا هوادة فيها فكرتين رئيستين, وهما العقل والموضوعية
اللتان يزعم العلم أنه يتوفر عليهما, ويقيس العلم على الفن, فالعلم عنده
ليس أدق ولا أنفذ من الأسطورة! وهذا لم يذهب إليه حتى غلاة المتصوفة عندنا.
فهل من منقذ للعقل والعلم بعد هذا?
3 العلم وحرية العالم في القرآن
لم يقيد القرآن العقل البشري إلا بقيد التحرر من الأوهام والتقليد, بل دعا
إلى تحرره من تقاليد الآباء والأجداد, وخضوعه للأساطير والكهان والأحبار,
وسدنة الأديان وظلمهم لعقل الإنسان وتضليله. وجه القرآن العقل البشري إلى
النظر في مختلف مظاهر الكون, وفي تاريخ الأمم, وظواهر النفس الإنسانية,
لمعرفة سننها أو قوانينها التي وضعها الله فيها ونظمها على أساسها, سواء في
ذلك آفاق الأنفس والمجتمعات البشرية أو آفاق الطبيعة, ولا نقول هذا عن زعم
أو هوى, فإن آيات القرآن الكريم بهذا ناطقة, وشاهدة شهادة ونطقا لا يخفى
على ذي عقل وضيء.
كما أن العلم في القرآن ليس قاصرا على العلم الديني أو الأخروي أو عالم الغيب كما يزعم بعض من لم يفهم القرآن ولا تذوق طعمه.
فقد استعمل القرآن العلم كما ذكر أبو بكر بن العربي بمعناه المطلق الذي
يشمل كل علم: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا في بداية خروج
الإنسان إلى الوجود, وكذلك في أواخر حياته إذا بلغ عتيا أو أرذل العمر:
ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا , وكلمة "شيء"
وكلمة "علم" هاهنا نكرتان تفيدان العموم المستغرق لعلم كل شيء.
واستعمل أيضا في العلم بظاهر الحياة الدنيا بكل جوانبها الطبيعية
والإنسانية, أي العالم كله: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا, وهم عن الآخرة
هم غافلون , فهذا العلم الدنيوي مقابل للعلم الأخروي.
واستعمل العلم في علم الحساب والفلك هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا
وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب, ما خلق الله ذلك إلا بالحق, يفصل
الآيات لقوم يعلمون , وكذلك قوله تعالى: "وجعلنا الليل والنهار آيتين
فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم, ولتعلموا
عدد السنين والحساب, وكل شيء فصلناه تفصيلا .
واستعمله في معرفة مختلف مظاهر الطبيعة من الماء والسماء والثمرات والجبال
والناس والدواب والأنعام واختلاف ألوانها: "ألم تر أن الله أنزل من السماء
ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها, ومن الجبال جدد بيض, وحمر مختلف
ألوانها, وغرابيب سود, ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك, إنما
يخشى الله من عباده العلماء .
ويشير السياق هنا إلى علماء هذه الأشياء المذكورة ونظامها, فازداد هؤلاء
العلماء بهذا العلم يقينا, وأثمر ذلك رهبة وخشية من عظمته, وعجيب إتقانه,
واختلاف ألوان موجوداته, فهو علم وذوق لهذا الجمال في الألوان أيضا.
واستعمل في تعليم الشعر: وما علمناه الشعر وما ينبغي له .
وفي تعليم الكتابة: "ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب .
وفي تأويل الرؤيا: "ولنعلمه من تأويل الأحاديث .
وفي تعليم السحر: "يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت
وماروت, وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر, فيتعلمون
منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه, وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن
الله, ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم , و,إنه لكبيركم الذي علمكم السحر .
وفي الصناعة وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم .
وفي تعليم البيان أو القدرة اللغوية: "خلق الإنسان علمه البيان .
واستعمله في فضيلة العلم الذي ينبغي أن يتصف به القائد السياسي والحربي: "قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم .
واستعمله في علم الاقتصاد الذي يؤدي إلى الغنى وكسب الأموال والكنوز, كما
قال تعالى على لسان قارون: إنما أوتيته على علم عندي ., وفي علم يوسف
بالاقتصاد: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم .
وفي تعليم آدم أسماء الأشياء, أي القدرة العقلية على وضع الأسماء للأشياء ومعرفة حقائقها: "وعلم آدم الأسماء كلها .
وفي معرفة المنافقين من خلال لغتهم: "ولتعرفنهم في لحن القول, والله يعلم أعمالكم.
واستعمل فيتعليم كلاب الصيد والجوارح: " تعلمونهن مما علمكم الله .
وفي علم منطق الطير: "وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير .
واستعمل القرآن كذلك كلمة أخرى هي جارة للعلم وأداته, وهي النظر العقلي
الذي استعمل في النظر في الطبيعة: "أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ,
قل انظروا ماذا في السموات والأرض "(يونس/101), وفي بدء الخلق: قل سيروا في
الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق , وفي الثمار وينعها: "انظروا إلى ثمره إذا
أثمر وينعه , وفي بناء السماء وزينتها:أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف
بنيناها وزيناها .
ونلاحظ هنا نوعين من الخطاب: خطابا استفهاميا إنكاريا, وخطابا بصيغة الأمر والتوجيه المؤكد.
واستعمل النظر أيضا بمعنى التفكير في التاريخ ومصائر الأمم والحضارات
والآثار: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم , و
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم, كانوا أشد
منهم قوة, وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها .
واستعمل النظر في توجيه الإنسان إلى النظر في طعامه أو غذائه: فلينظر
الإنسان إلى طعامه, إنا صببنا الماء صبا, ثم شققنا الأرض شقا, فأنبتنا فيها
حبا, وعنبا وقضبا, وزيتونا ونخلا, وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم
ولأنعامكم .
وفي النظر إلى المادة التي خلق منها الإنسان بيولوجيا: "فلينظر الإنسان مم خلق, خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والت رائب .
ومن الألفاظ القرآنية لفظ "يعقلون" التي وردت بلفظ المضارع في القرآن
الكريم كله إلا مرة واحدة فيها بصيغة الماضي, وذلك لدلالتها على أمر مهم هو
التجدد والاستمرار في عملية التعقل, وإدراك الأمور إدراكا عقليا متجددا
على الدوام.
فمن ذلك:" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي
تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به
الأرض بعد موتها, وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين
السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون .
وفي النجوم: "والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون .
وفي تعقل القلوب:"أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها(الحج/ 46).
وفي البرق والماء وحياة الأرض:"ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من
السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها, إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون .
واستعملت هذه الصيغة في تطور الإنسان:"ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون
وبصيغة "نعقل" في قوله تعالى: "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ".
وبصيغة "يعقل" في قوله تعالى:"وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .
أما صيغة "عقل" فقد وردت مرة واحدة في القرآن الكريم, وهي في قوله تعالى:
يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه , وكان المحرف هاهنا لا يستحق
أن يجدد فيه التعقل والتفكير.
وهذا كله له دلالته للفطن الذي يتذوق لغة القرآن وأساليبه الجميلة في خطابه
لعقل الإنسان ووجدانه, ليتجدد تأمله في كل حين يمكنه ذلك.
أفيمكن بعد هذا كله أن يزعم زاعم أو يدعي مدع أن العلم في القرآن لم يستعمل
إلا في العلم الديني أو الشرعي أو الوحي أو عالم الغيب, أو أنه لا حرية
للمسلم في أن يجيل فكره في كل شيء, ويبحث في كل أمر من أمور الدنيا?.
أو لم يكن هذا الخطاب القرآني هو الذي دفع المسلمين إلى الإبداع في العلوم
الدنيوية الطبيعية والرياضية, كما أبدعوا في العلوم الدينية واللغوية,
وأقبلوا على أخذ علوم الأوائل حتى الوثنيين, فضلا عن أهل الكتاب, فهضموها
وأبدعوا فيها? ثم نقلها العالم الآخر عنهم, وترجمها من لغتهم إلى لغته
اللاتينية وغيرها.
إن البرهان التاريخي على هذا لأقوى البراهين يضاف إلى برهان نصوص القرآن
الواضحة التي أشرنا إلى مجموعة منها, وأوردناها في هذه الورقة مع طولها,
قصدا لتأكيد هذا المعنى وتوضيحه وإبرازه لشبابنا خاصة, ليذهب كل شك في ذلك
أو تردد, وليظهر زيف من يدعي العلم بما لا برهان له عليه من منطق أو نص أو
تاريخ أو فهم لذلك كله.
ونود وإن أطنبنا أن نضيف إلى هذه الألفاظ القرآنية تلاثة ألفاظ تقرب من
العلم وتؤدي إليه, وهي التفكير, والتدبر, والفقه, وقد وردت أيضا في القرآن
بصيغة المضارعة لما لها من دلالة على التجدد والاستمرار والصيرورة, فمن
ذلك:
الحث على التفكير فرادى وجماعات, الفكر في انفراد, والجماعة في حوار أو
نقاش أو تعاون على التفكير أو تعلم طرقه, قال تعالى: قل إنما أعظكم بواحدة
أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا , و قل هل يستوي الأعمى والبصير,
أفلا تتفكرون , و" أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين ".
واستعمل التفكير في القرآن في موضوع النفس وما حولها: "أو لم يتفكروا في
أنفسهم, ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ,
ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا .
وأما الفقه فقد استعمل في فقه الدين وتعلمه بصيغة المضارعة أيضا: فلولا نفر
من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم
لعلهم يحذرون .
وفي فهم القول والحديث:وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا , و فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا .
واستعمل لفظ "تدبر" في القرآن بصيغة المضارعة فقط, وذلك في تدبر القرآن:
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها , و أفلا يتدبرون القرآن ولو كان
من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ,وكتاب أنزلناه إليك مبارك
ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب .
وفي تدبر القول: " أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ".
وبهذا فإنك ترى أن القرآن وضح ثقته في الإنسان وعقله وعلمه فيما هو متاح له
أن يعلمه, ويمكن له أن يصل فيه إلى علم مما وجه إليه نظره وفكره, من ظواهر
الطبيعة والتاريخ, وظواهر النفس الإنسانية, ولا نجد نصا في القرآن يمنع
العلم أو يقيد حرية الإنسان في إجالة نظره وعقله في مسرح الكون, سوى أنه
أشار إلى أن تعلم السحر مما يضر في ممارسته, ولكنه لم يمنع مجرد العلم به,
وفي قوله:"ولا يفلح الساحر حيث أتى إشارة إلى الاستعمال والممارسة, ولم
ينوه به باعتباره علما نافعا, ولذلك نجد أبا حامد الغزالي يرى أن العلم:
"فضيلة في ذاته من غير إضافة , و وإذا نظرت إلى العلم رأيته لذيذا في نفسه,
فيكون مطلوبا لذاته .
والاتجاه العام في الإسلام هو أخذه لمنافع العلم وثمراته بعين الاعتبار, ولذلك ورد الحديث: نعوذ بالله من علم لا ينفع .
4 العلم في السنة النبوية الشريفة
يبدو أن المقصود بالعلم في ألفاظ الحديث النبوي غالبا هو العلم الديني الذي
مصدره الوحي, ولذلك فإن المحدثين يؤكدون هذا, فقد ورد أن:"العلم ثلاثة وما
سوى ذلك فضل, آية محكمة, أو سنة قائمة, أو فريضة عادلة وورد أيضا:"العلم
ثلاث: كتاب ناطق, وسنة ماضية, ولا أدري , وهذا لا ينفي العلم الدنيوي,
وإنما جاء هذا الحصر للمبالغة ولبيان مصدر هذا العلم ومرجعه كما ورد ما
يقصد إلى العلم الديني أيضا, وهو: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله, ينفون
عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين , وما أخرجه البخاري
ومسلم من قوله : "مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى والعلم, كمثل غيث
كثير... الحديث.
بيد أنه ورد في السنة أحاديث كثيرة تحث على علوم الدنيا, منها:"يا زيد تعلم
لي كتاب اليهود, فأنى والله ما آمن من يهود على كتاب , وفي نص آخر: "إني
أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا أو ينقصوا, فتعلم السريانية , وفي الأثر: من
تطبب, ولا يعلم منه الطب فهو ضامن , يضمن لأنه لم يبن ممارسة للطب على علم,
فعلم الطب إذن مشروع, وتمنع مزاولة الطب دون علم أو تجربة.
وعلم الأنساب والنجوم من عادة العرب, فقد ورد في الأثر:"تعلموا من أنسابكم
ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا, وتعلموا من العربية ما تعرفون به كتاب الله
ثم انتهوا, وتعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم
انتهوا , فعلم الأنساب والعربية, وعلم النجوم مطلوبة للحاجة إليها, وإن كان
ورد النهي عن التنجيم, ففي الأثر: من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من
السحر, زاد على ما زاد , ويبدو أن المقصود هنا التنجيم الذي يستعمله أصحابه
لأغراض الكهانة والعرافة والسحر, وقراءة مستقبل ما يحدث للإنسان لا العلم
الحقيقي على نحو ما نعرفه اليوم في علم الفلك.
وورد تعليم الحرف في قوله:"علم الله آدم ألف حرفة من الحرف, وقال له: قل
لولدك وذريتك إن لم تصبروا فاطلبوا الدنيا بهذه الحرف, ولا تطلبوها بالدين,
فإن الدين لي وحدي خالصا, ويل لمن طلب الدنيا بالدين, ويل له " وورد تعليم
السباحة والرماية, ففي الأثر:"علموا أولادكم السباحة والرماية ".
وهكذا تحث السنة على العلم, وتدل على أنه فريضة على كل مسلم, ولا تمنع علما
من العلوم إلا ما ثبت أنه خرافة أو أنه مضر لا جدوى منه كالسحر والتنجيم,
فكل علم في الأصل مباح, ثم يعرض له أن يكون فرض عين, أو فرض كفاية تبعا
لضرورته الخاصة أو العامة للأمة.
5 معنى الحرية في البحث العلمي
رأينا أنه لم يرد نص صريح في منع الإنسان من تعلم أي علم من العلوم
الحقيقية لا في القرآن ولا في السنة, بل على العكس من ذلك نقرأ حثا عليه
وترغيبا فيه, فالعلم فريضة عقلية أيا ما كان هذا العلم دينيا أو دنيويا ما
دام الإنسان يستعمل الأدوات المناسبة للوصول إلى العلم, فالإنسان حر في
استعمال عقله وتفكيره في مختلف مجالات العلم والفكر, ولا قيد عليه.
ولكن ما هو مستندنا في ذلك?
من مقاصد الشريعة: حفظ نظام الأمة, واستدامة صلاح الإنسان في عقله وعمله,
وصلاح موجودات العالم , وهذا ما قرره محمد الطاهر بن عاشور (ت1973ه ) في
كتابه "مقاصد الشريعة" بحيث تكون الأمة قوية الجانب قادرة على الدفاع عن
ذاتها ومقوماتها, ولا يتحقق ذلك دون علم. وتفطن الشيخ الغزالي إلى أن ابن
عاشور أضاف إلى مقاصد الشريعة التي نص عليها الشاطبي إضافة متميزة وهي مقصد
الحرية في الاعتقاد والرأي, في حرية العلم والتعلم والعمل, فإن الاعتداء
على الحرية من الظلم الفادح والاستبداد القاتل لروح الأمة.
وإذا كانت الشريعة تعنى بمصالح الناس وصلاح العالم ونظامه, فإن المساواة
بين الخليقة والبشرية وقيادة الأمة إلى مركز الصدارة في التاريخ والحضارة
يقضي بأن تأخذ الأمة بالرأي الذي يسد حاجتها ويحقق مصالحها, ويرقى بها, ولا
نضمن ذلك كله إلا بالعلم وحرية البحث والقول, وما إلى ذلك من شروط قوة
الأمة وصدارتها, وهذا المقصد مستقرأ من نصوص الشريعة ومواردها.
ويرى ابن رشد الحفيد أن مقصد الشريعة هو تعليم الحق والعمل الحق , وأنه:
ينبغي أن تعلم أن مقصود الشرع إنما هو تعلم الحق والعمل بالحق, والعلم الحق
هو معرفة الله وسائر الموجودات على ما هي عليه, ومعرفة السعادة الأخروية
والشقاء الأخروي, وتجنب الأفعال التي تفيد الشقاء, والمعرفة بهذه الأفعال
هي التي تسمى بالعلم العملي . وينص أيضا في كتابه "بداية المجتهد":أن
الحرية حق شرعي لا يجوز تبعيضه .
فالدعوة إلى العلم والحث عليه ورد في نصوص بصيغ عامة ومطلقة, فانتظمت بذلك
تلك العمومات كل علم يتعلق بعمل وما لا يتعلق به, وما يتعلق بالطبيعة
والتاريخ والأنفس, والعموم يحمل على الاستغراق لدى الأصوليين إلا ما ورد
تخصيصه.
ونقل الشاطبي عن العلماء:أن تعلم كل علم فرض كفاية كالسحر والطلسمات
وغيرهما من العلوم البعيدة الغرض عن العمل, فما ظنك بما قرب منه كالحساب
والهندسة وشبه ذلك (...), وأيضا فإن قوله تعالى:" أولم لم ينظروا في ملكوت
السموات والأرض وما خلق الله من شيء يشمل كل علم ظهر في الوجود, من معقول
ومنقول, مكتسب أو موهوب, وأشباهها من الآيات .
ولكن الشاطبي مع جلالة قدره لا يتفق مع هذا الرأي, ويرى أن هذا الإطلاق
والعموم مقيد أو مخصص, لأن الصحابة والسلف الصالح لم يخوضوا في العلم الذي
ليس وراءه عمل, ولأن الشريعة في نظره أمية لأمة أمية, وقد قال?: "نحن أمة
أمية لا نحسب ولا نكتب وذهب إلى رأي غريب وهو أن ما تشير إليه الآيات من
علوم الطبيعة والهيئة (الفلك) مما لا تعرف العرب ولا تعهده, والقرآن نزل
بلسانها فلا يحمل عليها!. ولا تفسير لهذا إلا الوضع الاجتماعي والثقافي
الذي أصبح عليه المسلمون في القرن الثامن الهجري الذي هجرت فيه العلوم,
واكتفى الناس فيه بالفقه وما إليه, ولهذا نجد ابن عاشور, وعبد الله دراز
يخالفانه في هذا الرأي, ولا يعذرانه على هذه الهفوة, وهو العالم بمقاصد
الشريعة ومراميها, فالرسالة جاءت لتعليم الناس, وترفع عنهم الأمية التي
سادت العرب في عهد نزول الرسالة, وتعلمهم الكتاب والحكمة والقراءة, ولم تأت
لترسيخ الأمية أو الجهل بالعلوم, ووصف الشاطبي أهل هذه العلوم بأنهم
يتكلفون: لاحتجاج على صحة الأخذ في علومهم بآيات القرآن وأحاديث عن النبي).