منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    مسارات تكون النص الروائي المغربي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    مسارات تكون النص الروائي المغربي Empty مسارات تكون النص الروائي المغربي

    مُساهمة   السبت ديسمبر 19, 2009 9:31 am

    خاليد الورديغي: مسارات تكون النص الروائي المغربي
    مسارات تكون النص الروائي المغربي

    بقلم الدكتور خاليد الورديغي
    باحث في نظريات النص الأدبي الحديثة.


    لقد صاحب ظهور الرواية كفعل أدبي وثقافي بالمغرب ، كما في الوطن العربي ،جدل بين موقفين : واحد يقول بأن جنس الرواية و القصة عامة جنس حديث و مستورد ، و ثان يقول بأنها امتداد و استمرار للقص العربي القديم . بينما فضل آخرون ، نتيجة انسياقهم مع نزعة التوفيق ، القول بأنها استعادة له عبر طريق الغرب الذي طور ذلك القص . (1)
    وهذا الاختلاف في نظر" محمد الدغمومي" ، ليس إلا تعبيرا عن وجهات نظر غير متكافئة ، بعضها ينطلق من مقدمات سوسيولوجية ، و آخر يدافع عن قناعات إيديولوجية ذات طابع قومي و ينسى أن حضور الرواية و بعض أشكال التعبير الفني و الأدبي يبقى مشروطا بعوامل سوسيولوجية مؤسسة على عوامل اقتصادية و ثقافية حادثة كفعل تغير . إذ أن ولادة الأجناس الأدبية و انتقالها لا يأتيان صدفة . (2)
    و في الحقل الثقافي بالمغرب يمكن تتبع تكون الجنس الروائي كفعل ثقافي منذ الثلث الأول من القرن العشرين ، حيث نرى عددا من المثقفين المغاربة الذين كتبوا نصوصا سردية قصصية و ما كان لهم أن يقوموا بهذا لولا اطلاعهم على نصوص مشابهة قادمة من المشرق العربي ، أو مترجمة إلى العربية نقلا عن الغرب . وما أنجزوه لم يكن سوى محاولات أولى تنتمي إلى القصة لا إلى الرواية : لقد كتبوا نصوصا هي في الأصل إرهاصات تغير ثقافي ، ينمو و يوازي تغيرات أخرى تحدث في مستويات أخرى ، لم تتضح معالمها إلا مع بداية الاستقلال كفعل يمكن الوعي به و تطويره أو مواجهته ، خصوصا بين سنة 1955 و 1965 ؛ أي الفترة التي ظهرت فيها نصوص تحمل اسم " رواية"، و ما هي إلا محاولات أولى تلامس قواعد الجنس و تقترب إليه ، استشعارا بما تريده فئة من المتعلمين كتابا و قراءا ، كثر عددهم نسبيا و أصبح لهم حضور واضح كشريحة اجتماعية جديدة ، تختلف عن شريحة الفقهاء و العلماء التي سادت في مراحل سابقة . (3)
    و حضور الرواية في السياق الثقافي المغربي ، لا يعني أن التغير قد حدث دفعة واحدة ، أو أنه قد أصبح قويا على صعيد جميع مكونات المجال الثقافي بل إن هذا التغير حدث بشكل بطيء و متدرج و مازال مستمرا ، إذ " الرواية" نفسها تعكس ذلك من جهات متعددة . و من ثم كان طبيعيا أن تعلن الرواية عن نفسها في البدء في صورة " سيرة" ذاتية قبل أن تغدو رواية تأريخ لمرحلة سابقة ( وقبل أن تصبح رواية وقائع اجتماعية راهنة ) .(4)
    إن عددا هاما من النصوص انطلقت من سيرة الكاتب ، حتى و هي تريد أن ترتبط بالواقع الاجتماعي كرغبة ، ذلك أنها تريد أن تثبت ما تشعر به بإرجاع الواقع إلى تجربة الذات و الذاكرة الفردية و في الوقت نفسه ، تتمسك بصوتها هي ، حتى يبقى حضورها ممثلا لحضور المثقف الحريص على الإعلان عن نفسه كدور و كوظيفة .(5)
    و هكذا يصبح في الإمكان القول بأن الرواية ولدت صعبة نتيجة تغير اجتماعي و لايمكن أن يكون الحديث عنها في المجال الثقافي بالمغرب ، بنفس الصورة التي يتخذها الحديث عن الشعر مثلا ...إذ وراء كل جنس أدبي عوامل يختص بها وحده و إن اشترك مع غيره في أكثر العوامل .
    وبانتقالنا إلى كتاب " دينامية النص الروائي" لصاحبه أحمد اليابوري ، نجده يؤكد نفس الطرح الذي خلص إليه محمد الدغمومي ( و إن كان الأول قد انطلق من مرجعية سوسيو –ثقافية و الثاني من التحليل النصي و السيميائيات و نظرية التلقي ) . يقول :" ويمكن ، بصفة عامة ، أن نستخلص أيضا أن تكون الرواية المغربية قد ارتبط بأنماط تفكير معينة و بجدلية الحركة السوسيو ثقافية و خاصة ببداية تشكل و عي إيديولوجي استيطيقي متأرجح بين قيم الماضي و المستلزمات الحاضر ، متردد في الشروع في حوار صريح مع الآخر" . (6)
    ومجرد النظر إلى الشكل الذي يطبع الرواية بالمغرب تنطرح أمامنا جملة من الاستخلاصات التي تؤكد أن هذا الشكل غير مستقر . وعدم الاستقرار هذا ليس راجعا إلى طول المسار الذي سلكته الرواية ، بل إنه وليد البحث الذي نتج عن عملية المثاقفة . ووليد تغير العلاقة الثقافية بهذا الجنس داخل الحقل الثقافي ، و ناتج عن تغير في تمثل" الكاتب" لهذا الجنس و موقعه . (7)
    ترتبط لحظة ولادة الرواية المغربية بمرحلة الاستقلال –وهي فترة قصيرة جدا بالنسبة للفترات التي تقطعها الأجناس الأدبية في نشوئها و تحولها -، لكن علاوة على ذلك تظهر متغيرة ، رغم قلتها وقلة من يكتبها ، و هذا التغيير الذي يبدو على صعيد الشكل لا يمكن اعتباره تطورا نابعا من داخل حياة الجنس الروائي و نتيجة تراكماته المختلفة . و لكنه تطور يرجع إلى عنصر ثقافي إرادي ، أي أنه يرجع أساسا إلى مهارة الروائي و مدى اطلاعه و تمثله ، ومدى ميله ، أي أنه مرتبط برغبة ثقافية يعبر عنها النقاد بالحداثة و بصفة عامة بالتجديد . (8 )
    وفي هذا السياق ، يخلص الدغمومي إلى أن الكتابة الروائية بالمغرب مرت بمحطتين أو بمرحلتين هما :
    1- مرحلة التقليد : تقليد النماذج الروائية العربية الصادرة قبل الستينات أي النموذج الذي اطلع عليه الروائيون قبل 1965 ، و هو نموذج كان بصفة عامة واقعيا في أغلبه و عاطفيا في جانب كبير منه ...ومن تلك النماذج نذكر : وزير غرناطة ، في الطفولة ، أمطار الرحمة ، جيل الظمأ .
    2- مرحلة التجريب : هذه المرحلة تبدأ مع منتصف السبعينيات على يد بعض الكتاب الطلائعيين الذين تبنوا الثورة على الموروث و الأشكال العتيقة في الفهم و الممارسة و الكتابة ...و رغبوا في ذات الوقت لأن يكون لهم حضور ليس عبر تقليد نموذج ، و لكن عبر خلق و كتابة رواية مختلفة. ومن هذه النماذج نذكر: زمن بين الولادة و الحلم، الأفعى و البحر، الضلع و الجزيرة.(9)
    ويمكننا هنا أن نحدد أهم خاصيات هذه التجربة على ضوء ما قدمه " سعيد يقطين" في كتابه "القراءة و التجربة" من خلال النقط التالية :
    - تكسير عمودية السرد : وتتجلى هذه الخاصية في كون الخطاب لا يشتغل على قصة محكومة بمنطق خارجي كالذي نجده في الخطاب الروائي التقليدي .
    - تداخل الخطابات : من خاصيات تجربة الخطاب الروائي الجديدة ، نجد تداخل الخطابات ، حيث نجد الخطاب الروائي يستوعب بنيات خطابية متعددة : المسرحي – الشعري –الديني – الحكائي – الشفوي – الصحافي – السياسي – التاريخي ....و يأتي تداخل الخطابات هنا و تعددها في إطار انفتاح الخطاب عليها ، لتقوم بوظائفها في مجرى الخطاب ، و بتضافر مع الطرائق الموظفة في بنائه ، و هذا ما يجعلها تتسم جميعا ، و كلا بحسب خصوصيتها في إثراء عالم الخطاب الروائي و تشكيل مكوناته ، و أخيرا تحقيق نوع من الانسجام في بنية الخطاب .
    - البعد العجائبي : إلى جانب تداخل الخطابات ، نجد للبعد العجائبي حضورا في هذه الخطابات ، وإذ نركز عليه هنا كخاصية من خاصيات الخطاب الروائي الجديد ، فإننا نرى فيه عنصرا من العناصر التي تشكل خصوصية الخطاب الروائي الجديد . لم يوظف البعد العجائبي بشكل كبير في هذه الخطابات ، لكن طريقة توظيفه تجعلنا نشير غليه في هذا السياق ، وكذلك بسبب مساهمته في مادة الخطاب . (10)
    و بعودتنا إلى جملة الأبحاث و الدراسات النقدية التي اهتمت بالإنتاج الروائي المغربي من منظور ببيوغرافي و إحصائي ، سنلاحظ أن الرواية المغربية المكتوبة بالعربية قد مرت بعدة أطوار و أدوار في تكونها ، وهذا ما ينطق به التراكم الذي حققته هذه الرواية منذ ظهورها إلى الآن . (11)
    و في هذا الإطار نقدم جملة من الملاحظات التي همت الرواية المغربية في الفترة الأخيرة من القرن العشرين :
    أ‌- لقد شهدت الرواية المغربية في العقد الأخير من القرن المنصرم تقدما ملحوظا على مستوى المحصول الروائي لكل سنة من سنوات هذه الفترة . و يمكن التحقق من هذا المعطى عبر وضع مقارنة بين محصول هذه الفترة و محصول فترة السبعينيات و الثمانينات .

    الفتـــــــرة عـدد النصوص الروائية الصادرة
    1970 1979: ثلاثة و عشرون نصا روائيا .
    1980 1989: تسعة و ستون نصا روائيا .
    1990 1999: مائة و خمسة و أربعون نصا روائيا . (12)

    ب‌- اتساع دائرة أسماء كتاب الرواية بالمغرب ، بحيث لم تعد الكتابة الروائية محصورة بين قلة من الكتاب .
    ج- انتعاش الكتابة الروائية النسائية ، و يظهر ذلك من خلال استمرار صدور نصوص لروائيات مغربيات. وفي هذا الإطار نستحضر الأسماء التالية : مليكة مستظرف ، ربيعة السباعي ، زهور كرام ، خديجة مروازي ...ألخ.
    د- بداية تخلص الروائيين المغاربة من عقدة النص الواحد ، وذلك بفضل جهود و مثابرة بعض الكتاب على مواصلة مسيرة الكتابة الروائية . و من هؤلاء نذكر : محمد عز الدين التازي ، الميلودي شغموم ، محمد صوف ، عبد الكريم غلاب ، محمد زفزاف ، مبارك ربيع ، عبد الله العروي ، سالم حميش ، أحمد التوفيق ...إلخ .
    ومن وجهة نظرنا ، فقد كان لهذه المعطيات دور بارز في تحرك الباحثين و المهتمين بالرواية المغربية في اتجاه تأكيد حاجتها إلى تحقيب تاريخي من جهة (13)، وحاجتها إلى دراسة تضع في مقدمة انشغالاتها صياغة نمذجة للرواية المغربية (14). و ذلك على ضوء ماتتيحه نظريات الأجناس الأدبية من إمكانات معرفية –تاريخية و نظرية – كفيلة بتدليل جملة من الصعاب التي يطرحها المتن الروائي المغربي أمام الدارسين ، و ماتتيحه نظريات النص ، بمختلف اتجاهاتها البنيوية و السيميائية و السو سيو نصية ، من مفاهيم إجرائية لاستيعاب الخصائص الدلالية و الخطابية و التناصية للنص الروائي المغربي .
    تعد مسألة التصنيف الأجناسي أحد المصاعب و المحن التي لازمت النص الروائي المغربي منذ لحظة و لادته، ويمكن الإشارة هنا للنقاش النظري الذي طرحه نص" الزاوية " للتهامي الوزاني(15) . و للاقتراب أكثر من هذه المسالة نطرح السؤالين التاليين : هل كل ما كتب و يكتب من نصوص روائية بالمغرب له علاقة بذات الجنس ؟ و هل يكفي تصنيف و تصريح الكاتب بانتماء عمله الأدبي لهذا الجنس ، حتى نسلم بهويته الأجناسية ؟
    و بعودتنا إلى الإشكالات التي كانت محط اهتمام نظريات الأجناسية الأدبية ، سنجد من بينها إشكالية علاقة النص و الجنس : هل هي علاقة اعتباطية أم علاقة تلازم ، تلازم أجناس معينة مع نصوص معينة ثم هل يعتبر مفهوم الجنس مفهوما عبر –تاريخي و توسيما مطلقا كما توهمنا بذلك النظريات الجوهرية théorie essentialistes ؟ أو مفهوما تاريخيا يتحدد بالتاريخ و ضمنه؟ (16 ). وقد نذهب بعيدا لنتساءل فيما إذا كان مفهوم الجنس ما زال يحتفظ بوجاهته لوصف الإنتاجية النصية لعصرنا الحالي التي تتميز بتعددها و بتكسيرها لأحادية النموذج الأجناسي من خلال تداخل أجناس عديدة ، أدبية أو خارج –أدبية داخل النص الواحد كما يلاحظ ذلك ميخائيل باختين من خلال حديثه عن الرواية المتعددة الأصوات ، حيث حضور ما نسميه بالأجناس المتخللة ضمن النص الروائي( 17 ).
    تندرج هذه الأسئلة و مثيلاتها في إطار إشكالية العلاقة بين النص و الجنس ، و هي علاقة تستدعي علاقات عددية ، كالعلاقة بين التاريخي و النظري في إطار النظرية الأجناسية ، وكعلاقة العمل بالجنس و علاقة الجنس بالنص و بمفهوم الأدبية ، وغيرها من العلائق الأخرى التي تجعل من النظرية الأجناسية تحتل موقعا مركزيا داخل التظرية الأدبية بشكل خاص و الإستيطيقا بشكل عام (1 .
    تمثل طروحات" جون ماري شيفر" في هذا الإطار ، إحدى المقاربات المعاصرة التي حاولت مساءلة و محاورة النظريات الأجناسية الغربية و الوقوف عند مآزقها النظرية (19 ).
    إن" شيفر" ، وهو يحاور النظريات الأجناسية الكلاسيكية و الحديثة عند كل من أرسطو ، هيجل، برونتير ، تودوروف و جيرار جنيت ، كان يسعى إلى إزاحة مشكل الإظهارية الأجناسية extériorité générique المحددة كوصف نظري أو كخطاب معياري ، و دراسة التجنيس باعتباره عاملا ديناميا في إنتاج و استقبال النصوص . وهذا ما جعله يميز بين الجنس و التجنيس . يقول :" الجنس genre ينتمي إلى حقل مقولات القراءة ، و يبنين بعض أنواع القراءة ، بينما التجنيس généricité هو عامل منتج لتكون النصية ". (20 )
    وفي نفس الإطار ، عمل" شيفر" على التمييز بين النص و الجنس و اعتبار أن هوية كل منهما هوية نسبية و لايمكن أن تختزل إلى أحدهما ، و تحديد نوعية العلاقة التي تجمع بينهما و تحديد مستويات النص ، و التي يلاحظ ، اعتمادا على المنطلقات السيميائية و التداولية و التواصلية ، بأنها متعددة : منها ما يرتبط بالفعل التواصلي ( مستوى التلفظ ، مستوى الاتجاه ، و مستوى الوظيفة )و منها ما يرتبط بالفعل الخطابي المنجز ، أي النص (المستوى الدلالي و المستوى التركيبي ) ، بالإضافة على المقصدية ، خاصة أن كل فعل خطابي هو فعل ذو مقصدية معينة (21 ).
    و من خلال التساؤل التالي : هل تتحكم مقصدية المؤلف و حدها في تحديد أجناسية النصوص ؟ يخلص " شيفر" على أن الفاعل الأساسي في تحديد أجناسية النصوص ليس عنصرا واحدا ، وإنما هناك محددات متعددة يمكن أن نجمعها في مستويين : مستوى التأليف و مستوى القراءة ، على اعتبار أن كلا منهما يعتبر عنصرا مهما في إضفاء الصفة الأجناسية على النصوص ، و بالتالي إكساب التجنيس صفة التعدد. (22)
    و خلاصة القول ، فإن ما يقترحه" شيفر" هو تبني مقاربة نصية للإشكالية الأجناسية ، و التي يتحدد من خلالها التجنيس كوظيفة نصية بالأساس ، ذلك أن فكرة الجنس ككيان خارج –نصي extratextuelle مؤسس للنصوص ، يمكن قبولها نسبيا منذ أن نعتبر النص كنظير لموضوع مادي ، و هو ما أطلق عليه " شيفر" النص –الجهاز العضوي texte-organisme ( وهي الفكرة التي تعود إلى العصور القديمة ، و التي لم تصبح وجيهة بالفعل إلا في إطار النظريات الإستيطيقية- الرومانسية ). إن تصورا مثل هذا يؤدي إلى تكريس التماثل بين النص و الموضوع المادي ، و هو التماثل الذي لا يتطابق نهائيا مع الظاهرة النصية باعتبارها بعدا لسانيا و سلسلة مفتوحة لا نسقا مغلقا (23 ).
    يتخـذ التجـنيس عـند" شيفـر"مظهريـن أساسـيين هـمـا، التجـنيسات الميتـانصية généricités métatextuelles و التجنيس النصي généricité textuelle ، يتحدد الأول من خلال الخطابات الأجناسية التي شيأت النص و تناولته كنظرية لموضوع مادي ، و اعتبرت الجنس مصطلحا متعاليا عن النص ، بحيث سيكون إما معيارا أو جوهرا مثاليا أو قالبا للقدرة او مصطلحا بسيطا للتصنيف لا تماثله أي إنتاجية نصية خاصة ....إلخ. و هذا النوع من التجنيس يفترض علاقة بين تصور نظري و تحققه ، فبمجرد وجود المفهوم يفترض كيانا نصيا مطابقا له .في حين أن التجنيس النصي ينظر إليه باعتباره وظيفة نصية ، تتحدد بالنصوص و من خلالها عبر الإنتاجية النصية التي تستدعي إما تحويلا للسمات الأجناسية التي شكلت نماذج سابقة ، أو تضمينها ضمن علاقات التعلق النصي التي تجمع نصا بآخر ، و التي تناولها " جنيت" من خلال مصطلحات التناص ، التعلق التصي ، المعمار النصي (24 ).
    استنادا على هذا البعد النصي لظاهرة التجنيس الذي دافع عنه " شيفر" ، سنحاول وضع خطاطة نمذجية للنصوص الروائية المغربية . وهي خطاطة تستلهم أيضا ، التقسيم المرحلي الذي أشار إليه سعيد يقطين في" القراءة و التجربة" ، و حميد لحمداني في" الرواية المغربية و رؤية الواقع الاجتماعي" ، و محمد الدغمومي في" الرواية المغربية و التغير الاجتماعي ".





    ومن أجل إضاءة المظهر التجنيسي لهذه النمذجة التصنيفية ، سنقدم جدولا لأهم الخصائص النصية التركيبية و الدلالية لمرحلتي التقليد و التجريب . و سنعتمد في ذلك على ما قدمه محمد عز الدين التازي في مقال له بعنوان" الكتابة السردية بالمغرب " (25 ):

    النص الروائي المغربي
    خصائص النص التقليدي
    - البعد السير ذاتي .
    - امتزاج السرد التاريخي بالسرد الأدبي .
    - بحث الحكاية عن سند ذاتي و جماعي
    - سيادة الحكاية على طرائق الحكي
    - أثر الثقافة على اللغة و التعبير الأدبي .
    - مركزية البطل و تماهيه مع الكاتب أو مع أشخاص معروفين .
    - بروز القيم الدينية و الوطنية و التاريخية على خطابات الذات و تشظياتها .
    - إلخ...

    خصائص النص التجريبي
    - تشاكل الذات مع الواقع .
    - تداخل اليومي مع الحلمي و الأسطوري .
    - الشذرية و تكثيف المحكي و المشهدية .
    - تنويع مستويات لغة الكتابة من توصيلية طبيعية و شعرية مشحونة بالموروث إلى يومية و سوقية تروم نوعا من الأسلبة .
    - محاولة تملك فضاءات المدن و الجهات قصد تشي محكي خاص مغرق في المحلية .
    - ترميز العوالم و الشخصيات .
    - المزج بين الواقع و تفاصيله و بين التخييلي و
    انزياحاته .
    - إلخ ...

    إن هذه النمذجة التصنيفية لا يمكن اعتمادها إلا في حدود جد ضيقة ، و يعود ذلك إلى استمرارية تعايش و حضور مظاهر التقليد و التجريب ليس فقط بين نصوص روائية تنتمي إلى كتاب ينحدرون من أجيال مختلفة ، أو بين كتاب من نفس الجيل ، أو بين نصوص الكتاب الواحد ، و إنما يمتد ذلك التفاعل و التداخل حتى داخل النص الروائي الواحد .
    إن اجتياز الرواية المغربية لمرحلة التقليد نحو التجريب ، لا يعني بأي حال من الأحوال أن سمات التقليد و تحققاته قد اختفت بشكل نهائي من نصوص مابعد مرحلة التقليد ، بل في اعتقادنا أن بعض مظاهر التقليد لازالت تجد لها بعض الامتدادات في النصوص الروائية التي تحسب أو يتم إدراجها في موجة التجريب .
    وبصفة عامة ، فالرواية المغربية رغم نزوعها نحو التحديث و التجريب ، فهي لازالت لم تجتز بعد مرحلة التكون و التشكل كظاهرة نصية أدبية ، لها من الكفاية و التراكم و التنوع ما يمنحها قدرة أوسع على تجلية خصوصياتها اللغوية و الخطابية و الحكائية و الدلالية .

    - الهوامش :
    1- محمد الدغمومي : الرواية المغربية و التغير الاجتماعي – دراسة سوسيوثقافية .أفريقيا الشرق .1991.ص :44.43.
    2- نفس المرجع .ص:44 .
    3- نفس المرجع .ص:44.
    4- نفس المرجع .ص:48.47 .
    5- نفس المرجع .ص: 48 .
    6- أحمد اليابوري : دينامية النص الروائي .منشورات اتحاد كتاب المغرب .الرباط .ط 1. 1993 .ص:33.
    7- الرواية المغربية و التغير الاجتماعي . مرجع مذكور . ص : 49.48.
    8- نفس المرجع .ص:49.
    9- نفس المرجع.ص:51.50.
    10- سعيد يقطين : القراءة و التجربة –حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب-.دار الثقافة .الدار البيضاء .ط 1 .1985.ص:297.293.
    11- للتوسع أكثر يمكن الرجوع إلى المراجع التالية :
    - عبد الكبير الخطيبي : الرواية المغربية .ت: محمد برادة . منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي . الرباط . 1971.
    - حميد الحميداني : الرواية المغربية و رؤية الواقع الاجتماعي –دراسة بنيوية تكوينية - دار الثقافة . الدار البيضاء . ط 1 .1985.
    - مصطفى يعلى : بيبلوغرافيا الفن الروائي بالمغرب 1930-1984.مجلة آفاق .عدد 3-4 .1984.
    12- اعتمدنا في تجميع المعطيات الإحصائية المتضمنة في هذا الجدول على بيبلوغرافيا عبد الرحيم العلام . منشورات اتحاد كتاب المغرب .2000.
    13 - لقد عبر ابراهيم الخطيب عن هذا الموقف بشكل واضح وجلي ضمن مؤلف جماعي : الرواية المغربية و أسئلة الحداثة . منشورات مختبر السرديات .كلية الآداب و العلوم الإنسانية. بنمسيك – الدار البيضاء .ط 1 .1986. ص :178.حيث قال :" إن غياب تاريخ للرواية المغربية أمر يدعو للدهشة ، وربما هو السبب الحقيقي الكامن و راء الاهتمام بحداثة ما ، لقد نهضت الرواية المغربية على بنية سردية سياسية و ثقافية ذات شكل و اقعي في الغالب ، و إذا كان المدى الزمني لهذه الرواية يؤكد على هذا التعميم ، فإنه ليس بإمكاننا أن نقول نفس الشيء عن روايات أخرى تنأى عن الواقعية و تنهج تحديث الشكل ."
    14- نشير في هذا الإطار إلى مقال لبشير القمري يحمل عنوان " نمذجة الرواية المغربية : مدخل تنظيري تصنيفي " .مجلة آفاق . عدد 2 . 1989. ص:102.76.يعتبر هذا المقال من بين الدراسات الأولى التي حاولت وضع نمذجة تصنيفية للرواية المغربية .
    15- لقد أثار نص "الزاوية " للتهامي الوزاني جدلا واسعا بين دارسي و نقاد الرواية المغربية فهناك من اعتبر هذا النص سيرة ذاتية (عبد الحميد عقار، عبد القادر الشاوي ) ، و هناك من اعتبره نصا شبه روائي في شكله السير –ذاتي (أحمد اليبوري ، عبد الرحيم العلام ) ، و هناك من اعتبره نصا روائيا (محمد عز الدين التازي ). و للتحقق من هذا يمكن الرجوع للمراجع التالية :
    - عبد الحميد عقار : الرواية المغاربية –تحولات اللغة و الخطاب .المدارس.الدارالبيضاء .ط1. 2000.ص:170.
    - عبد القادر الشاوي : السيرة الذاتية : الهوية و التلفظ .ضمن مؤلف جماعي:الأدب المغربي –مداخل للتفكير و السؤال. منشورات رابطة أدباء المغرب .الرباط.ط1. 2000.ص:87.
    - دينامية النص الروائي .مرجع مذكور .ص:27/31.
    - عبد الرحيم العلام : لماذا اختار الأديب المغربي كتابة الرواية ؟ .مجلة علامات . العدد 15 . 2001.ص:122.
    - محمد عز الدين التازي : الكتابة السردية بالمغرب –تحديث الأشكال و إنتاج الوعي بالواقع . ضمن مؤلف جماعي : الأدب المغربي –مداخل للتفكير و السؤال.منشورات رابطة أدباء المغرب .الرباط.ط1. 2000.ص:75.
    16- نحيل في هذا السياق إلى الفصل الأول من كتاب جون ماري شيفر:
    - Jean-Marie Schaeffer : qu’est – ce qu’un genre littéraire ?. coll : poétique .éd : seuil .paris .1989 .P :7-63.
    17- Mikhail Baktine : la poétique de Dostoievski . traduit du russe par Isabelle Kolitcheff . éd : seuil . paris . 1970 pour la traduction française .P : 145-237.
    - Mikhail Baktine : esthétique et théorie du roman . traduit du russe par Daria Olivier .éd : gallimard . paris .1978.

    18- فيما يتعلق بقضايا نظريات الأجناس الأدبية نحيل إلى المراجع التالية :
    -Tzvetan todorov : introduction à la littérature fantastique. coll : poétique .éd : seuil .paris .1970.P :7.2
    - Oswald ducrot et Tzvetan Todorov : dicionnaire encyclopédique des sciences du langage .coll : points . éd : seuil . paris .1972. P.188.201.
    - Tzvetan Todorov : les genres du discours .coll : points .éd : seuil .paris .1978.P :44.60.
    - Gérarad Genette : introduction à l’architexte .coll : poétique .éd : seuil .paris.1979.
    - Jean-Marie schaeffer : la naissance de la littérature .presses de l école normal supérieure .paris .1983.P :81.93.
    -Ouvrage collectif : théorie des genres .coll.points.éd :seuil .paris .1986.
    19- qu’ est qu’un genre littéraire .1989.P :10.
    20- Jean –Marie Scheffer : du texte au genre littéraire .in théorie du genre .coll oints .éd : seuil .paris .1986.P :199.
    21- Qu’est ce qu’un genre littéraire ?1989.P :64.128.
    22-Ibid.P :147.155.
    23-du texte au genre .1986.P :190.191.
    24-
    Ibid.P :201.202.
    -إذا كان شيفر قد وظف مصطلح التعلق النصي الذي وضعه جنيت ، فقد منحه دلالة واسعة ، بحيث أصبح يتضمن مختلف العلاقات المحتملة التي يمكن أن تجمع نصا ما بنصوص سابقة عليه أو متزامنة معه . كما أعلن تحفظه من إدراج جنيت لمقولة الأجناس الأدبية بجانب أنواع الخطاب و نماذج التلفظ التي وضعها جنيت ضمن نوع المعمار النصي .
    25- الكتابة السردية بالمغرب .مرجع مذكور.ص:76.
    د. خالد الورديغيelouerdighi_ma@yahoo.fr

    منقول rendeer

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 6:11 pm