رولان بارت
لذّة النّص وموت المؤلف
١٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٩بقلم السعيد موفقي
(لذة النّص: إنّها القيمة المنتقلة إلى الدال الفاخرة)
(...إنّ النّص ليُصنع من الآن فصاعدا و يُقرأ
بطريقة تجعل المؤلف عنه غائبا على كلّ المستويات)
في ظل موجة التفاعل النقدي والتواصل الأدبي بين التراث والحديث من جهة
وبين هذين الأخيرين والرافد الأجنبي من جهة ثانية، تجتمع جملة من المفاهيم
وتقديرات ملتبسة في التعامل مع الخطاب النقد ي المجايل للحركة الإبداعية في
مختلف أجناسها الأدبية، تكّرست في أطوارها محاولات تقترب من التنظير
المتبادل بين فلسفة التخاطب ودلالاته التقديرية واهتمام رجالاته في وضع
حدوده النسقية ودور الحركة التفعالية العربية في دفع واعز سلطة التقييم
والتقوييمية من وجهة أسلوبية محضة، والاختلاف الحادث المفارق اختلاف أسبقية
المبادرة في تجديد هذه المحددات و طرق التعامل معها، بين أن تشترك الذائقة
الأدبية العامة والذائقة الأدبية الخاصة، وهنا بدا بين الظاهرتين بون
شاسع، إذ تحتل قدسية النّص مكانة مختلفة في بلورة ميزان المواصفات الفنية
والجمالية، ابتعد كثير من التصور السيميائي في ربط دلالات المعايير
التكوينية التي سحبها نقاد فلاسفة على الأثر الأدبي و خصّوا لذلك مؤتلفا و
مختلفا من مركبات جديدة قديمة، تطورت معانيها لعوامل اعتقد رولان بارت
كناقد أنّه قد حسم الإشكال فيها عندما أراد تحرير النّص أو بالأحرى حماية
قدسيته بعزل العلاقات الخارجية المؤثرة على بنيته التكوينية، ووظّف لذلك
مصطلحات متنوعة على مستوى التحليل و تفكيك العقدة التي شغلته عن النّص على
الرغم من محورية الفكرة أساسا حول النّص، إذ انصبّ اهتمامه على العلاقة
الفعلية التي يشكلها المؤلف، وما يحدثه انشغاله به من تشويش بنائي في تقدير
النّص والوصول إلى معالمه، ولذا يعتبر المؤلّف (امبراطورا) كما يفضل أن
يسميه قائلا:
(إنّه
على الرّغم من أنّ امبراطورية المؤلف لا تزال عظيمة السطوة لم يكن عمل
النّقد الجديد في الغالب سوى تعضيد لها ) فمحورية التشاكل في عملية
الملامسة الموضوعية للنّص تبتعد بوحداته أي على عزل حضور المؤلف واستبداله
بفعالية الشخصية الافتراضية الممثلة في علاقة اللغة من حيث حضور الفارقة
الأدبية المتخيلة و مكتسباتها الجدية التي تعمل على استنطاق التراكيب و
تحليل الاختيارات الواسطية وهي التي عبّر عنها رولان بارت بـ (القيمة
المنتقلة إلى الدال الفاخرة)، فمن البدهي أن تتحول هذه الصورة إلى مستوى
التشاكل الذي عبّر عنه رولان بتقديرات مستحدثة، ترقى إلى مصاف اليقظة
القرائية لدى القارئ من جهة واستحضار قرائن تعالقية تسمح بتغيير لذّة النّص
من مجرد بناء من جهة أخرى، فمن البدهي أنّ بعض الكتّاب ( قد حاول، منذ أمد
بعيد، أن يزلزلها. ولقد كان مالارميه هو أول من رأى في فرنسا، و تنبأ
بضرورة وضع اللغة نفسها مكان ذاك الذي اعتبر، إلى هذا الوقت،مالكا لها.
فاللغة، بالنسبة إليه كما هي الحال بالنسبة إلينا، هي التي تتكلم و ليس
المؤلف، وبهذا يصبح معنى الكتابة، هو بلوغ نقطة تتحرك اللغة فيها وحدها، و
ليس (الأنا)،و فيها (تنجز الكلام). و سيكون ذلك عبر موضوعية أولية ).(01)
إذن لا يمكن أن تحصل لذّة النّص في ظل هيمنة المؤلف وحضور صورته السلوكية
بالمفهوم الاجتماعي أو النفسي كما يرى ألان تين في تحليله للبيئة وما
تلعبه عناصرها السيسيولوجية المكيفة، وبات أمر العملية التركيبية في سياق
القراءة المتطورة لا يكفي لبلورة التوالد الذي يصرف السلطة الأدبية
الخارجية وتفعيل الحركة في تتابعها، و من هنا فإنّه (يجب على النّص الذي
تكتبونه لي، أن يعطيني الدليل بأنّه يرغبني. و هذا الدليل موجود: إنّه
الكتابة. لتكمن في هذا: علم متعة الكلام، و لم يبق من هذا العلم سوى مصنف
واحد:إنّه الكتابة نفسها )، فالصورة الحقيقية لتمثلات اللياقة الأدبية في
فرز فنيّات النّص الجمالية تنطلق بدءا بالحقيقة المتوارية في مستويات النّص
التركيبية أي تداولات لغوية عاكسة في منتهى السهولة لتوالد المعاني، ولا
يمكن أن تدرك هذه الحقيقة التي يعتقد رولان بارت تواجد الخفي الذي لا
يميّزه إلا وظائف ذهنية شاعرة، تنبع من سطحية اللفظ وسيميائية التشاكل
البديل الذي أشرنا له في بداية الموضوع وبناء على هذه النظرة (فالزمن،
بادئ ذي بدء، لم يعد هو نفسه. والمؤلف، عندنا نعتقد بوجوده، إنّما يكون
مصمما كما لو أنّه دائما ماضي كتابه بالذات. فالكتاب والمؤلف (يقفان
تلقائيا على خط واحد موزع على (قبل) و (بعد): فالمؤلف مكلف بتغذية الكتاب،
وهذا يعني أنّه يوجد قبله، فيفكر، ويتألم، ويعيش من أجله. وإنّه أيضا ليقف
في علاقته مع كتابه موقف الأب من طفله )2، الكيفية الت
انتهى بها رولان بارت لم تكن العزل المؤقت فحسب، إنّما استشفاف ملامح
الضوابط الباطنية لتناسق الأفكار في ظل تغييب صورة المؤلف الذي لم يحرمه
صفة الأبوة مما أنجب على قدر توسع لطائف العلاقة النفسية التي خلقها بين
الأب (المؤلف) والابن(الكتاب)، والنتيجة التي خلص لها عملية التواصل
العضوية واللغوية، ومن هنا فالخطاب الحقيقي الذي يتلقاه القارئ من الابن
(الكتاب) أو النّص في مستواه المتحرر من روابط الأبوة الغالبة عليه، و
تغييب الأب (المؤلف)، تلك حجة قوية في استرسال مفاصل العلاقة العضوية بين
الطرفين، فلذّة النّص تحصيل ثابت بموت المؤلف كحاصل مؤكد..
الهوامش
<blockquote class="spip_poesie">(01)- نقد و حقيقة / رولان بارت.
(02- لذّة النّص / رولان بارت.
</blockquote>
لذّة النّص وموت المؤلف
١٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٩بقلم السعيد موفقي
(لذة النّص: إنّها القيمة المنتقلة إلى الدال الفاخرة)
(...إنّ النّص ليُصنع من الآن فصاعدا و يُقرأ
بطريقة تجعل المؤلف عنه غائبا على كلّ المستويات)
في ظل موجة التفاعل النقدي والتواصل الأدبي بين التراث والحديث من جهة
وبين هذين الأخيرين والرافد الأجنبي من جهة ثانية، تجتمع جملة من المفاهيم
وتقديرات ملتبسة في التعامل مع الخطاب النقد ي المجايل للحركة الإبداعية في
مختلف أجناسها الأدبية، تكّرست في أطوارها محاولات تقترب من التنظير
المتبادل بين فلسفة التخاطب ودلالاته التقديرية واهتمام رجالاته في وضع
حدوده النسقية ودور الحركة التفعالية العربية في دفع واعز سلطة التقييم
والتقوييمية من وجهة أسلوبية محضة، والاختلاف الحادث المفارق اختلاف أسبقية
المبادرة في تجديد هذه المحددات و طرق التعامل معها، بين أن تشترك الذائقة
الأدبية العامة والذائقة الأدبية الخاصة، وهنا بدا بين الظاهرتين بون
شاسع، إذ تحتل قدسية النّص مكانة مختلفة في بلورة ميزان المواصفات الفنية
والجمالية، ابتعد كثير من التصور السيميائي في ربط دلالات المعايير
التكوينية التي سحبها نقاد فلاسفة على الأثر الأدبي و خصّوا لذلك مؤتلفا و
مختلفا من مركبات جديدة قديمة، تطورت معانيها لعوامل اعتقد رولان بارت
كناقد أنّه قد حسم الإشكال فيها عندما أراد تحرير النّص أو بالأحرى حماية
قدسيته بعزل العلاقات الخارجية المؤثرة على بنيته التكوينية، ووظّف لذلك
مصطلحات متنوعة على مستوى التحليل و تفكيك العقدة التي شغلته عن النّص على
الرغم من محورية الفكرة أساسا حول النّص، إذ انصبّ اهتمامه على العلاقة
الفعلية التي يشكلها المؤلف، وما يحدثه انشغاله به من تشويش بنائي في تقدير
النّص والوصول إلى معالمه، ولذا يعتبر المؤلّف (امبراطورا) كما يفضل أن
يسميه قائلا:
(إنّه
على الرّغم من أنّ امبراطورية المؤلف لا تزال عظيمة السطوة لم يكن عمل
النّقد الجديد في الغالب سوى تعضيد لها ) فمحورية التشاكل في عملية
الملامسة الموضوعية للنّص تبتعد بوحداته أي على عزل حضور المؤلف واستبداله
بفعالية الشخصية الافتراضية الممثلة في علاقة اللغة من حيث حضور الفارقة
الأدبية المتخيلة و مكتسباتها الجدية التي تعمل على استنطاق التراكيب و
تحليل الاختيارات الواسطية وهي التي عبّر عنها رولان بارت بـ (القيمة
المنتقلة إلى الدال الفاخرة)، فمن البدهي أن تتحول هذه الصورة إلى مستوى
التشاكل الذي عبّر عنه رولان بتقديرات مستحدثة، ترقى إلى مصاف اليقظة
القرائية لدى القارئ من جهة واستحضار قرائن تعالقية تسمح بتغيير لذّة النّص
من مجرد بناء من جهة أخرى، فمن البدهي أنّ بعض الكتّاب ( قد حاول، منذ أمد
بعيد، أن يزلزلها. ولقد كان مالارميه هو أول من رأى في فرنسا، و تنبأ
بضرورة وضع اللغة نفسها مكان ذاك الذي اعتبر، إلى هذا الوقت،مالكا لها.
فاللغة، بالنسبة إليه كما هي الحال بالنسبة إلينا، هي التي تتكلم و ليس
المؤلف، وبهذا يصبح معنى الكتابة، هو بلوغ نقطة تتحرك اللغة فيها وحدها، و
ليس (الأنا)،و فيها (تنجز الكلام). و سيكون ذلك عبر موضوعية أولية ).(01)
إذن لا يمكن أن تحصل لذّة النّص في ظل هيمنة المؤلف وحضور صورته السلوكية
بالمفهوم الاجتماعي أو النفسي كما يرى ألان تين في تحليله للبيئة وما
تلعبه عناصرها السيسيولوجية المكيفة، وبات أمر العملية التركيبية في سياق
القراءة المتطورة لا يكفي لبلورة التوالد الذي يصرف السلطة الأدبية
الخارجية وتفعيل الحركة في تتابعها، و من هنا فإنّه (يجب على النّص الذي
تكتبونه لي، أن يعطيني الدليل بأنّه يرغبني. و هذا الدليل موجود: إنّه
الكتابة. لتكمن في هذا: علم متعة الكلام، و لم يبق من هذا العلم سوى مصنف
واحد:إنّه الكتابة نفسها )، فالصورة الحقيقية لتمثلات اللياقة الأدبية في
فرز فنيّات النّص الجمالية تنطلق بدءا بالحقيقة المتوارية في مستويات النّص
التركيبية أي تداولات لغوية عاكسة في منتهى السهولة لتوالد المعاني، ولا
يمكن أن تدرك هذه الحقيقة التي يعتقد رولان بارت تواجد الخفي الذي لا
يميّزه إلا وظائف ذهنية شاعرة، تنبع من سطحية اللفظ وسيميائية التشاكل
البديل الذي أشرنا له في بداية الموضوع وبناء على هذه النظرة (فالزمن،
بادئ ذي بدء، لم يعد هو نفسه. والمؤلف، عندنا نعتقد بوجوده، إنّما يكون
مصمما كما لو أنّه دائما ماضي كتابه بالذات. فالكتاب والمؤلف (يقفان
تلقائيا على خط واحد موزع على (قبل) و (بعد): فالمؤلف مكلف بتغذية الكتاب،
وهذا يعني أنّه يوجد قبله، فيفكر، ويتألم، ويعيش من أجله. وإنّه أيضا ليقف
في علاقته مع كتابه موقف الأب من طفله )2، الكيفية الت
انتهى بها رولان بارت لم تكن العزل المؤقت فحسب، إنّما استشفاف ملامح
الضوابط الباطنية لتناسق الأفكار في ظل تغييب صورة المؤلف الذي لم يحرمه
صفة الأبوة مما أنجب على قدر توسع لطائف العلاقة النفسية التي خلقها بين
الأب (المؤلف) والابن(الكتاب)، والنتيجة التي خلص لها عملية التواصل
العضوية واللغوية، ومن هنا فالخطاب الحقيقي الذي يتلقاه القارئ من الابن
(الكتاب) أو النّص في مستواه المتحرر من روابط الأبوة الغالبة عليه، و
تغييب الأب (المؤلف)، تلك حجة قوية في استرسال مفاصل العلاقة العضوية بين
الطرفين، فلذّة النّص تحصيل ثابت بموت المؤلف كحاصل مؤكد..
الهوامش
<blockquote class="spip_poesie">(01)- نقد و حقيقة / رولان بارت.
(02- لذّة النّص / رولان بارت.
</blockquote>