إعداد الطالبة
مقدمة
هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد، أبو الطيب الجعفي الكوفي، ولد
سنة 303 هـ في الكوفة بالعراق (مع ذلك، فهناك دراسات حديثة تنسبه لأصول
يمنية[1])، وعاش افضل ايام حياته واكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني
في حلب وكان أحد أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم
بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء
العربية. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر
إلهام ووحي للشعراء والأدباء. وهو شاعرحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي.
وتدور معظم قصائده حول مدح الملوك. ويقولون عنه بانه شاعر اناني ويظهر ذلك
في اشعاره. ترك تراثاً عظيماً من الشعر، يضم 326 قصيدة، تمثل عنواناً لسيرة
حياته، صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير. قال الشعر
صبياً. فنظم أول اشعاره وعمره 9 سنوات. اشتهر بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت
موهبته الشعرية باكراً.
صاحب كبرياء وشجاع طموح محب للمغامرات. في شعره اعتزاز بالعروبة، وتشاؤم
وافتخار بنفسه، أفضل شعره في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك، إذ جاء
بصياغة قوية محكمة. إنه شاعر مبدع عملاق غزير الإنتاج يعد بحق مفخرة للأدب
العربي، فهو صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. وجد
الطريق أمامه أثناء تنقله مهيئاً لموهبته الشعرية الفائقة لدى الأمراء
والحكام، إذ تدور معظم قصائده حول مدحهم. لكن شعره لا يقوم على التكلف
والصنعة، لتفجر أحاسيسه وامتلاكه ناصية اللغة والبيان، مما أضفى عليه لوناً
من الجمال والعذوبة. ترك تراثاً عظيماً من الشعر القوي الواضح، يضم 326
قصيدة، تمثل عنواناً لسيرة حياته، صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري
أوضح تصوير، ويستدل منها كيف جرت الحكمة على لسانه، لاسيما في قصائده
الأخيرة التي بدأ فيها وكأنه يودعه الدنيا عندما قال: أبلى الهوى بدني.
شرح لأبيات قصيدة المتنبي في مدح سيف الدولة
ورد في شرح أبي البقاء العكبري لديوان المتنبي والمسمى بالتبيان في شرح
الديوان أن سيف الدولة سار نحو ثغر الحدث (الحدث: قلعة بناها سيف الدولة
وهي في بلاد الروم)، وكان أهلها قد سلموها
بالأمان إلى الدمستق (صاحب جيش الروم)، فنزل بها سيف الدولة في جمادى
الآخرة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة، فبدأ في يومه، فحط الأساس، وحفر أوله
بيده ابتغاء ما عند الله تعالى. فلمّا كان يوم الجمعة نازله ابن الفقاس
دمستق النصراني في خمسين ألف فارس وراجل من جموع الروم والأرمن والبلغر
والصقلب، ووقعت الوقعة يوم الاثنين، سلخ جمادى الآخرة، وأن سيف الدولة حمل
بنفسه في نحو خمسمائة من غلمانه، فقصد موكبه، فهزمه وأظفر الله به، وقتل
ثلاثة آلاف من مقاتلته، وأسر خلقاً كثيراً، فقتل بعضهم واستبقى بعضهم، وأسر
تودس الأعور بطريق سمندو (في أول بلاد الروم)، وهو صهر الدمستق على ابنته،
وأسر ابن الدمستق، وأقام على الحدث إلى أن بناها، ووضع بيده آخر شرافة
منها يوم الثلاثاء آخر ثالث عشر ليلة خلت من رجب.
وفي هذا اليوم أنشد أبو الطيب هذه القصيدة (على قدر أهل العزم...) لسيف الدولة بالحدث.
وهذه القصيدة تتكون من ستة وأربعين بيتاً. وتعد هذه القصيدة من أعظم قصائد
المتنبي التي قالها وهو بحضرة سيف الدولة، حيث تطرق فيها إلى ماهية الرجال
القادة، وكيف استطاع سيف الدولة بناء هذه القلعة رغم ما يحيط به من أعداء،
ووصف جيش الروم وما كان عليه من عدة وعتاد وهو مقبل نحو الحدث، ثم تطرق إلى
ما حدث في المعركة وكيف كان موقف سيف الدولة وهو في وسط المعركة..
والمعروف أن المتنبي كان بجانب سيف الدولة وهو يخوض هذه المعركة.. بدأ أبو
الطيب قصيدته هذه بالأبيات الآتية التي تعد من أعظم الأبيات الشعرية التي
وردت في أشعار العرب قاطبة، حيث قال:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
وهنا في هذين البيتين بيّن أبو الطيب أن عزيمة الرجل على مقداره، وكذلك
مكارمه، أي أن الرجال قوالب الأحوال، إذا صغروا صغرت، وإذا كبروا كبرت.
يقول نافع (1403هـ-1983م): إذا كان الإنسان المثل في نظره - في نظر المتنبي
- بطلاً شجاعاً، وفارساً عظيماً، فهو رجل مجد أيضاً، يصنع مجده بيده لا
يرثه عن آبائه وأجداده، بل هو وليد ساعته، وابن وقته.
والعزائم على قدر أهلها، تنبتها سواعد ذويها في أي لحظة، لا يحدها زمان ولا
يقيدها مكان. ومن ثم فالرجل العظيم في نظر أبي الطيب من فاقت عزيمته كل
المتحديات وصغرت في عينه الملمات. ومن هنا كان إعجابه وعشقه لسيف الدولة
وتغنيه بعظمته عندما باشر ثغر الحدث على الرغم من تهديد الروم المستمر له
وتوقع سقوطه بين لحظة وأخرى.
وعندما أحاط الرومان بهذا الثغر ونهض سيف الدولة للدفاع عنه، نهضت الكلمة
جنباً إلى جنب مع السيف، واختلط صوت الطعنات بإيقاع الكلمات. وبعد هذين
البيتين تطرق أبو الطيب إلى وصف سيف الدولة وما هو عليه من همة فقال:
يكلف سيف الدولة الجيش همه
وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
ويطلب عند الناس ما عند نفسه
وذلك ما لا تدعيه الضراغم
فسيف الدولة في نظر المتنبي صاحب همة وعزم يختص بهما وحده، حتى أن الجيوش
الكبيرة تعجز عن أن تدرك همته، ومع هذا فهو يود أن يكون أصحابه مثله في
الشجاعة والإقدام وعلو الهمة، وهذا شيء لا تصل إليه الأسود. وتطرق أبو
الطيب في قصيدته أيضاً إلى ما حدث وسيف الدولة منشغل في بناء قلعة الحدث
فقال:
هل الحدث الحمراء تعرف لونها
وتعلم أي الساقيين الغمائم
سقتها الغمام الغر قبل نزوله
فلما دنا منها سقتها الجماجم
بناها فأعلى والقنا تقرع القنا
وموج المنايا حولها متلاطم
وكان بها مثل الجنون فأصبحت
ومن جثث القتلى عليها تمائم
طريدة دهر ساقها فرددتها
على الدين بالخطيّ والدهر راغم
تساءل أبو الطيب: هل القلعة تعرف من الذي غير لونها إلى الحمرة؟ هل هو
الغمام؟ أم هو دماء جماجم الروم؟؛ لأن سيف الدولة وهو يرفع بنيانها كانت
القنا أي (الرماح) تقرع القنا وتلاطم موج الموت من حولها، وهي من هول ما
يجرى من حولها كأن بها مثل الجنون، ولما علقت جثث قتلى الروم على جدرانها
سكنت كأن الذي علق عليها عوذ لها عن جنونها.
وقد كانت هذه القلعة وهي في أيدي الروم طريدة الدهر بأن سلط عليها الروم،
فردها سيف الدولة بالقوة إلى الإسلام.. ووصف أبو الطيب حال سيف الدولة وهو
يقاتل وهو في وسط المعركة فقال:
وقفت وما في الموت شك لواقف
كأنك في جفن الرَّدى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضاح وثغرك باسم
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى
إلى قول قوم أنت بالغيب عالم
وجَّه أبو الطيب خطابه لسيف الدولة وقال: وقفت يا سيف الدولة في حومة الوغى
غير متهيب، وأقدمت غير خائف من الموت، كأنك منه في أنكر مواقفه - الردى -
وهو معرض عنك، وكان الفرسان تمر بك جرحى منهزمة، وكلمى مستسلمين، ووجهك
مشرق، وفمك باسم من الثقة بالنصر، وفي موقعك هذا ما حير العقول. يقول نافع
(1403هـ- 1983م):... وما يكاد المتنبي يتصل بسيف الدولة حتى يعلق كل منهما
بصاحبه. عشق المتنبي سيف الدولة بصفته بطلاً ومحرراً، وأعجب سيف الدولة
بالمتنبي لفروسيته، ولأنه رأى فيه جريدته الحربية التي ستخلد ذكره إلى
الأبد، وتنشر مآثره في الخافقين، وكان سيف الدولة مصاباً بهوى الحرب، فعبر
أبو الطيب عن حقيقة هواه وظل يهدهد آماله الحربية الجسام في العزة والنصر
ومفاخر الفتوح طوال عهده معه، ثم هو بعيد عنه مفارقه. وقصيدة المتنبي هذه
تزخر بأوصاف غزيرة للجيش وزحفه وكره وفره.. يقول نافع: فإذا ما تحدث
المتنبي عن زحف جيش الأعداء ومسار المعركة جعلنا عن طريق النغم نسمع ونرى
معركة حقيقية نشهد فيها المطاردة والكر والفر، ونسمع قعقعة السلاح وجرجرة
الحديد وصوت الطعنات وهي تحرق الدروع.. قال أبو الطيب في وصف جيش الروم:
أتوك يجرون الحديد كأنهم
سروا بجياد ما لهن قوائم
إذا برقوا لم تعرف البيض منهم
ثيابهم من مثلها والعمائم
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه
وفي أذن الجوزاء منه زمازم
تجمع فيه كل لسن وأمة
فما تُفهِم الحداث إلاّ التراجم
ويقول التونجي (1413هـ-1992م): .... وهو - المتنبي - عندما يصف البطل
المقدام لا ينسى الجيش الذي يعده ويقوده، وكأنه صورة عن آمره. فمن قدرته
الحربية أنه يتسلق الجبال، وإن تعذر عليه الصعود زحف كالثعابين. وتلوح هنا
صورة جميلة هي تنكر فراخ الطير التي تعشعش في الأعالي وصوله إليها؛ لأن ذلك
مقتصر على ذوات الأجنحة. قال المتنبي في وصف جيش سيف الدولة:
تدوس بك الخيل الوكور على الذرا
وقد كثرت حول الوكور المطاعم
تظن فراخ الفتك أنك زرتها
بأماتها وهي العتاق الصلادم
إذا زلقت مشيتها ببطونها
كما تتمشى في الصعيد الأراقم
يقول أبو الطيب في أبياته هذه: ظنت فراخ الفتك - إناث العقبان - لما صعدت
خيل سيف الدولة إليها أنها أماتها - أمهاتها -؛ لأن خيل سيف الدولة
كالعقبان شدة وسرعة وضمراً؛ وإذا زلقت هذه الخيل في صعودها، جعلها سيف
الدولة وفرسانه تمشي على بطونها كما تفعل الحيات في الصعيد - وجه الأرض.
****
قصيدة ولد الهدى
مقدمة
أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك ملقب بأمير الشعراء (1868[1] - 23 أكتوبر
1932)، شاعر مصري من مواليد القاهرة. يعتبره منير البعلبكي أحد أعظم شعراء
العربية في جميع العصور حسبما ذكر ذلك في قاموسه الشهير (قاموس المورد).
لدى عائلته أصول كردية[2] ولكن أبواه ولدوا وكبروا في مصر.
دخل مدرسة "المبتديان" وأنهى الابتدائية والثانوية بإتمامه الخامسة عشرة من
عمره، فالتحق بمدرسة الحقوق، ثم بمدرسة الترجمة. ثم سافر ليدرس الحقوق في
فرنسا على نفقة الخديوي توفيق ابن الخديوي إسماعيل. أقام في فرنسا ثلاثة
أعوام حصل بعدها على الشهادة النهائية في 18 يوليو 1893م. نفاه الإنجليز
إلى إسبانيا واختار المعيشة في الأندلس سنة 1927م(الأندلس هي إسبانيا
حالياً) وبقي في المنفى حتى عام1920. لقب بأمير الشعراء في سنة 1927م.
وتوفي في 23 أكتوبر 1932م وخلد في إيطاليا بنصب تمثال له في إحدى حدائق
روما.
اشتهر شعر أحمد شوقي كشاعـرٍ يكتب من الوجدان في كثير من المواضيع، فهو نظم
في مديح الرسول صلى الله عليه وسلم، ونظم في السياسة ما كان سبباً لنفيه
إلى الأندلس وهي إسبانية و البرتغال حالياً، ونظم في الشوق إلى مصر وحب
الوطن، كما نظم في مشاكل عصره مثل مشاكل الطلاب، والجامعات، كما نظم شوقيات
للأطفال وقصصا شعرية، ونظم في المديح وفى التاريخ. بمعنى أنه كان ينظم مما
يجول في خاطره، تارة والرثاء والغزل وأجاد في كلها وابتكر الشعر التمثيلي
أو المسرحي في الادب العربي.تأثر أمير الشعراء بكتاب الأدب الفرنسي ولا
سيما موليير و راسين.
الرسالة التي ينتهي إليهاهذا التشاكل هي الإعجاب بسمو خلال المصطفى (ص) المتعددة.
وهناك تشاكلاً آخرا تمثل في التشبيه باعتباره أداة لغوية مؤدية إلى تعدد
التشاكل ففي قوله: ولد الهدى - الكائنات ضياء - أنت شمس فهذه التشبيهات
التي تدور في فلك النور والهداية قد ولدت تشاكلاً في الصورة والمخيال.
كذلك : فم الزمان - حديقة الفرقان ضاحكة فالخيال يحوم حول نقطة
مركزية هي الفم باعتباره وسيلة تعبير وظفها الزمان أولاً ثم وظفها المكان
(حديقة الفرقان ضاحكة) وإن كان هذا التشاكل مشتتاًفقد نحينا نحو راستي1
الذي عرّف التشاكل بأنه ” قد يكون تراكبياً وليس تركيبياً يجري في نمو
خطي.”
تشاكل الكلمة :
الملا الملائك
جناس ناقص
الدين الدنيا
جناس ناقص
حنائف حنفاء
جناس ناقص
العظائم العظماء
جناس ناقص
قادراً مقدراً
جناس ناقص
فهذا التشاكل على مستوى الكلمات والذي عرفه ابن جني بـ : ” أن يتفق اللفظان ويختلف أو يتقارب المعنيان”
ولكن أجمع المتأخرين من علماء البلاغة على أن الجناس هو ما اتفق في اللفظ واختلف في المعنى.
القـافـيـة :
مما تكونت القافية في قصيدة ولد الهدى ؟
تكونت من روي تمثل في حرف الهمزة وهي حرف حلقي
وقد تكرر الحدو بهذه القافية متمثلاً في الفتحة التي علت الحرف الذي سبق الردف وانتهت القافية مطلقة بضم الروي .
فقد اشترك في المد ثلاثة عناصر حرف الغنة النون مرفقاً بالحذو والمتمثل في
الفتحة وثالث هذه العناصر هو ألف الردف أما الإطلاق فيجسده الروى الهمزة
المضمومة والتي يعتبرها أهل العروض قافية مطلقة.
من خلال هذه المباحث السابقة نلمس بعداً جمالياً في تناسب الأصوات الذي تجسد في تكرار الروي.
أما المقياس المعنوي أي كون معنى محدد لكل قافية فأحسن تجلياته هي سعة
القاموس اللغوي للشاعر وقدرته الفائقة في تقديم رتابة صوتية مكررة مع تنوع
في المعاني دون السقوط في عيب الإبطاء.
البنى الإيقاعية :
1. المقطع : استخدم شوقي في بعض المقاطع والملاحظ أنه لم يكثر من استخدامها
مفردة والقليل الوارد منها كان يوظف كروابط منها : الواو في قوله : البيت
03 : والعرش- والحظيرة - فالواو هنا مقطع إيقاعي مكون من صوت ساكن + صوت
لين قصير وهذا المقطع المنفتح مكرر بكثرة هو ومثيلاته في ثنايا القصيدة
وهناك مقاطع أخرى منغلقة مثل: من مرسلين البيت 08 فالمقطع : من مكون من صوت
ساكن + صوت لين قصير + صوت ساكن، وقد وظف شوقي حشداً لا يستهان بعدده من
المقاطع منها القصير كحروف الجر : للدين ، بك اللام والباء والمقاطع
المتوسطة: من الخليل - وما يتعشق الكبراء 25 أما المقاطع الطويلة فمنها بعض
الأفعال : ولد نعم وبعض الأسماء : بيت -العرش وبعض الظروف : دون - فوق.
تراوحت نسب توظيف المقاطع القصيرة والمتوسطة ولم يتجاوز الثلث من كلية
المقاطع أي ما يعادل 30% وهذا يكشف أن المقطع القصير والمتوسط في العربية
لا يعتبر أساساً في الكلام بل وسيلة ربط ووشيحة تسبك بها المقاطع الطويلة
التي كانت لها الغلبة فهي منتشرة في القصيدة بنسبة عالية ولا عزو من ذلك
فالأفعال الدالة على الحدث والصفات والحركة عبر الزمن كلها يعبر عنها
بمقاطع طويلة وهذا لون غالب في العربية وخاصة في الخطاب الشعري العربي.
2. النبر : تنوع وقع الـنبرونبدأ بنبر الكلمات ففيه تراوح أكسب القصيدة نفس
شعري زاوج بين مسار المعنى وانسياب الموسيقى الشعرية المتمثلة في الوزن.
ففي قول شوقي :
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء
ول / دل / هد / فل / كا / ئنا / ت / ضياء
ن خ ن ق ن خ ن خ ن خ ن خ ن ق ن خ
وف / مز / زما / ن / ت / بسـ / سم / وثـ / ناء
ن خ ن ق ن ق ن ق ن ق ن خ ن ق ن خ ن خ
ول / دل / هـ / دى / فل / كا / ئنا / تا / ضـ / يا / ء
ن خ ن ق ن خ ن خ ن خ ن ق ن ق ن ق ن خ ن خ ن خ
1 1 2 3 4 2 3 4 5 5 6
وف / مز / زما / ن / ت / بسـ / سم / وثـ / نا / ء
ن خ ن ق ن ق ن ق ن ق ن خ ن خ ن خ ن ج ن خ
1 1 2 3 4 5 2 3 4 5
نلاحظ توازن النبر بين الخفة والقوة على مستويين المستوى العددي والمستوى
الترتيبي فعلى ا لمستوى العددي نجد تقارب بين النسب وعدم غلبة نسبة على
الأخرى.
أما المستوى الترتيبي فتنوع بين : نبر خفيف + نبر قوي وعلى مستوى : نبر
خفيف + نبر خفيف + نبر خفيف يقابل عدد مماثل من النبر القوي مما من شأنه
أن يخلق توازن صوتي على مستوى النبر وبالتالي الإيقاعي.
إن هذا التشاكل في الكلمات يعني في شكل من أشكاله تقارب المعاني لتقارب
الحروف و يظهر ذلك جلياً في قوله بيت النبيين الذي لايلتقي الاالحنائف
فيه والحنفاء
فالكلمتين لهما معنى أصلي واحد وهو صحيح الميل إلى الإسلام وكل من كان على
دين سيدنا إبراهيم عليه السلام والجمع حنفاء والمؤنث حنيفة وجمعها حنائف ؛
فتعارض الحروف هذا يقابله تضارع في المعنى.
فكلما تشابهت البنية اللغوية فهي تعكس بنية نفسية متشابهة منسجمة تهدف إلى
تبليغ رسالة وسيميائية القرب هذه تكشف التكرار الصوتي على مستوى البنى
وإيحاءاته المعنوية .
وفي الاخير : ليس هذا التشاكل بأنواعه قاعدة يجب أن يبنى عليها المعنى
وبدونه تختل الوظيفة ولكنه شرط كمال، فوجوده بالأثر الأدبي يجعله يكتسي
بحلة قشيبة يتلألأ النص بها نضارة وقد ورد في قصيدة ولد الهدى غير مكثف
متناثر بين ثنايا القصيدة غير مصطنع إنما صدر فيه شوقي عن الطبع والعفوية
ولم يداعبه الاصطناع إنما داعبته روح الإبداع والعبقرية الشعرية وفي هذا
السياق يقول ميكائيل ريفاتير : ” إن الخطاب الأدبي هو قبل كل شيء لعب
بالكلمات.”
وقد قدم د. محمد مفتاح تعريفاً إجرائياً لنمط التشاكل هذا قائلاَ : ان
اللعب بالكلام محكوم بقواعد تكوينية وتنظيمية وهو اضطراري من قبل المتكلم
تأليفاً والمخاطب تأويلاً.”
لأحمد شوقي معجم متباعد الأطراف، وليس أدل على ذلك من تلون مراحله الشعرية
تلونات متباينة شكلاًو مضموناً فإذا قمنا بقراءة مسحية لمساره الشعري نجد
أن قاموسه اللغوي وهو شاعر القصر يختلف عن قاموسه اللغوي وهو شاعر يصدح
بهواجس الشعب وقضاياه هذا في الإطار العام وقد تباين كذلك قاموسه اللغوي
بين قصيدته الواصفةوقصيدته المادحة. وقد حاولت أن أقوم بمحاولة لرصد
تلونات قاموسه اللغوي من خلال قصيدته ولد الهدى، فوجدت أن الغلبة كانت
للأسماء فطغيان الجمل الاسمية على القصيدة كان ظاهراً بارزاً، فقد أحصيت في
المجموعات الدلالية الثلاث الأولى حوالي 188 إسماً وكانت الأسماء المعرفة
هي الغالبة إذ كان عددها من ضمن العدد السالف ذكره 135 إسماً معرفاً، بينما
لم يتجاوز عدد الأسماء النكرة الـ 53 إسماً.
وأما الأفعال فلم تتربع إلا على حيز ضيق فهي لم تتجاوز 72 فعلاً منها 47 فعلاً ماضياً و25 فعلاً مضارعاً وقد خلت الأبيات من الأمر.
فنلاحظ طغيان الجملة الاسمية ومن ثمة سيطرة البنى الاسمية على نسج
القصيدة، ونلاحظ كذلك أن الأفعال في مجموعها لم تقارب نصف عدد الأسماء وأن
الغلبة كانت لصيغة الماضي.
أفعال ماضية
أسماء معرفة
إذا كان التركيب المعجمي ضامناً لاشتغال اللغة وقد اشتغل شوقي في
تركيبه المعجمي على صيغ اسمية كانت هي الغالبة على النسج النصي فلذلك
دلالات مختلفة فالتركيز على وضع أسماء متنوعة كـ : الهدى - ضياء - ثناء
بمثابة غرز أعمدة ثابتة بساحة القصيدة يقوم عليها البناء تمثل الثبات
والارتكاز ؛ وهي كذلك حدوداً تحد أطراف القصيدة وتجسد معانيها في ثبات
وخاصة ورود غالبية هذه الأسماء معرفة فقد احتلت مساحة هامة من القصيدة تزيد
على النصف ويظهر ذلك فيما تشغله هذه الأسماء ضمن الدائرة المقدمة كشكل
تجسيدي لسيطرة الأسماء على معجم القصيدة أما ضمور حيز الأفعال فشوقي لم يكن
بحاجة إلى انتشار الحدث والحركة ودلالة الزمن بقصيدته بقدر ما كان يستجمع
شمائل المصطفى ويصف في ثبات خلال خاتم الأنبياء والمرسلين.
المعجم قائمة :
أن سيطرة بنى معينة على معجم القصيدة تحيلنا على حقل دلالي معين ؛
وهذا ما تجسد من خلال ولد الهدى فالمعجم المدحي حاضر يخيم على القصيدة منذ
البداية فقد تشكل الحقل الدلالي المادح وصار وسيلة تميز الخطاب الشعري ومن
لبناته : - الكائنات ضياء - اسم محمد طغراء - يا خبر من جاء الوجود - غرته
هدى وحياء.
فالمتأمل لهذه التعابير يجدها تصب في حقل دلالي واحد ألا وهو المدح وإن تنوعت الروافد والمشارب.
آليات توليف المعجم :
أن العملية الإحصائية تصل بنا إلى ترددات هي المحور الأساسي والنواة التي ينبثق ويشع منها العمل الأدبي.
ومن بين الأسماء المركزية والأساسية في القصيدة : الهدى، فلفظ :
الهدى عام جامع ينضوي تحته معاني جزئية تدور في فلكه - فالملائك - الدين -
السدرة - الفرقان - رسل كل هذه الكلمات تجري في فلك الهدى وهي كلمة عامة
تحوم هذه المصطلحات حول حماها.
وهناك الترابط المقيد فاسم آدم يحيلنا على حواء فهذا النمط من الترابط إبدالياً.
تطور المعجم :
تميز المعجم الشعري لدى شوقي بالتطور والتنوع والمتفحص في ثنايا
القصيدة يمكن أن يستخلص أهم الخصائص المعجمية والمتمثلة في خلو القصيدة من
وحشي الكلام وغريب اللفظ بل مالت إلى لغة مألوفة يسيرة متداولة والتيسير
هذا يعود إلى طبيعة الموضوع فالقصيدة المدحية ينبغي أن تكون ألفاظهاً ذات
استعمال واسع متداولة ولهذا كانت لغتها سلسة بعيدة عن التراكيب الرصينة
التي الفناها في شعر القدامى ؛ والمطلع على القصيدة بإمكانه أن يدرك
للوهلة الأولى بيئتها الزمانية فهي وليدة الأدب الحديث بالأحرى الشعر
الحديث لما احتوته من جدة في التراكيب وسلاسة في التعبير وقرب للمعاني.
وإذا ما هممنا بأخذ نماذج والتمثيل إلى ما نذهب إليه فقد يعجزنا
الاختيار فكل عبارة عينة للسلاسة وحداثة التركيب وجدته مثلاً : نظمت أسامى
الرسل فهي صحيفة - بك بشر الله السماء فزينت.
فالكلمات الواردة بهذين المثالين لا يحتاج أي منها لقاموس لشرجها
فهي مفهومة لدى كل من داعب حرف الضاد ولو لدهر قصير ونزرا قليلا ًما وظف
شوقي اللفظ العتيق كذكره: طغراء وهي ما يكتب بالقلم الغليظ صدر الأوامر أو
كقوله : قعساء وهي المنيعة الثابتة.
وكما أشرنا سالفاً فقد هيمنت الألفاظ الواسعة التداول كما نشير إلى
الألفاظ المستوحاة من القاموس الديني : - الملائك - الدين - الفرقان -
الرسل
ولا غرو من ذلك فالمجال مناسب فمدح الرسول وهو عنوان رسالة دينية لا
بد وأن يرتبط بمفاهيم دينية والتي لا يمكن أن يعبر عنها دون أن تستعمل
ألفاظ التخصص فتستخدم من القاموس الديني حشداً من الألفاظ.
أما عن أسماء الأعلام فقد ذكر : آدم والمسيح وجبريل وهي أسماء أنبياء
واسم ملك كريم عليهم كلهم السلام وهو ما يوحي بأن رحى القصيدة كانت تدور
في فلك محمد يجوب مدارات دينية بينة المعالم.
المعجم بين المقصدية والاعتباطية :
إذا كانت جهود كثير من العلماء الباحثين في حقل القصدية تشير إلى أن
توظيف الأسماء لا يرد اعتباطا ويرفضون أطروحة اعتباطية اللغة فإن لهم ما
يؤسس لنظريتهم من خلال ولد الهدى فأحمد شوقي لم يوظف بعض الأسماء اعتباطاًَ
وإنما توظيفه مقصدياً له منطلقاته كما له أهدافه الخاصة. وقد نجح
الرواقيون وشراح التوراة حينما برهنوا بتقارب المعنى بتقارب الصور.
فحينما يشير إلى سيدنا آدم عليه السلام إنما يرمز إلى الأبوة والنبوة ففي
قوله : خير الأبوة حازهم لك آدم دون الأنام. فهو يشير إلى أبوة الرسول صلى
الله عليه وسلم من سيدنا آدم ؛ وقد ذهب تودوروف إلى أن قصدية علامات اللغة
هي وسيلة لإثبات وتركيزالمعنى فقوله ((ان اشتقاق اسماء الاعلام وسيلة لنقل
العلامات اللغوية من الاعتباطية إلى القصدية أي أنها تصبح ذات قيمة
رمزية.))1
ففي قول شوقي :
إذا حميت الماء لم يورد ولو أن القياصر والملوك ظماء
فاسم القياصر وهو جمع مفرده قيصر اسخدمه شوقي كرمز لحكام وقادة أقوياء
يمثلون رمز الملوك وقادة جيش الأعداء فقد قابل بذكر هذا الرمز قوة الرسول
صلى الله عليه وسلم.
واسم العلم قيصر يحمل تداعيات معقدة تربط بسياق تاريخي وكذلك جغرافي فقد
توسعت الفتوحات الإسلامية على حساب مملكة قيصر المتاخمة لحدودها ؛ بل
وتزامنت تاريخياً مع ظهور الفتوحات الإسلامية.
التركيز :
التشاكل و التباين على مستوى التركيب :
التركيب النحوي :
اعتمدت الدراسات النحوية العربية على أن أصل الابتداء في العربية بالفعل
وإذا صيغت الجملة بغير هذا التركيب، فيغدو تركيبها غير محايد وهو يتضمن
إيحاءًا تداولياً ، وبعد تفحصنا لقصيدة ولد الهدى ألفينا توازناً وتقارباً
عددياً بين الجمل الفعلية والجمل الاسمية فعدد الجمل الفعلية 25 جملة وعدد
الجمل الاسمية 22 جملة.
ملفوظ الجملة الاسمية : العرش يزهو
العرش بؤره (Topic) - ويزهو تعليق (comment)
هذا الإجراء يحيلنا على التبئير المتكرر بهذه الصيغة فالفعل إذا سبق باسم
يعد تعليقاً والاسم الذي شوشت رتبته فكان أصله التأخير تقدم وورد في بداية
الكلام
وقد منطق عبد القاهر الجرجاني هذا الإخلال بنظام الجملة وعرفه على أنه
تخصيص ولكن الدراسات الحديثة لم تقنع بهذا التخريج الانطباعي وراحت تؤسس
لمفاهيم إجرائية حداثية فعدت الابتداء بالاسم بؤرة والفعل التالي تعليقاً.
التباين :
إن التباين في ملفوظ ولد الهدى يتمظهر على مستوى الخبر والإنشاء، فقد أصدر الشاعر نداءً وقابله بأسلوب خبري :
يا أيها الأمي، سحبك رتبة في العلم إن دانت بك العلماء
وهناك تباين أوضح على مستوى الجمل الاسمية والفعلية نحو :
خلقت لبيتك وهو مخلوق لها إن العظائم كفؤها العظماء
فهناك تباين واضح بين الصدر والعجز في هذا البيت
فالصدر وردت بملفوظه جملة فعلية بينما قابله في العجز بنقيضه جملة اسمية.
وكذلك يبرز التباين في حالي الإثبات والنفي ففي قوله :
فإذا غضبت فإنما هي غضبة في الحق لا ضغن ولابغضاء
التشاكل :
هذا الطراز من التشاكل تتسع مضانه إلى مستويات متلونة من الخطاب
ونقصد هنا خطاب الملفوظ الشعري والذي تتميز تراكيبه عن باقي الأنماط
الخطابية الأخرى، وقد تجلى هذا التلون في :
2. على مستوى البيت :
أمسى كأنك من جلالك أمة وكأنه من أنسه بيداءُ
المقولات
الشطر الأول
الشطر الثاني
مقولة الزمن
و
أمسى
مقولة التشبيه + المشبه
كأنه
كأنك
في الوظيفة النحوية (الحالية)
من أنسه
من جلالك
مقولة المشبه به
بيداء
أمة
وهذا التساوي بين الصدر والعجز يكشف تشاكلاً تركيبياً بين الشطرين يتجه
اتجاهاً أفقياً ؛ وهو يقدم صورتين متباينتين، هذا التقارب الموضعي والتباين
المعنوي هو نتيجة التشاكل الذي قدم معنى شريفاً اكتنفته الرفعة من خلال
تباين الجلال والأنس ؛ وأـما مقولة المشبه وإن وردت في الأخير (فهي تبرز)
فالمرتبة لا تقلل من أهميتها لأنها جزءً من تشاكل أفقي كلا الطرفين فيه على
حظ متساوي ومن المنزلة.
فكلمة الأمة استخدمت لتعني الملاء والعمار والحياة وقابلته البيداء لتعني النقيض الخلاء والموات.
الزيادة في المبنى زيادة في المعنى :
الملفوظ كيفما كان فهو حاو لمعنى وكل زيادة في الملفوظ قلت أو كثرت
فهي زيادة في المعنى لهذا فقد قال جورج لاكوف ” أن الزيادة في المبنى هي
زيادة في المعنى” « More of for m is more of content ».
وقد اعتمد القدماء من باحثي العربية هذا المبدأ فكلما ضمر المبنى ضمر المعنى وبالمقابل وكلما اتسع إناء اللغة وجرابها اتسعت المعاني.
ويتجلى ذلك في صيغة المبالغة : رواح غداء وضاء
فالشاعر هنا لم ينتقل من الصيغة العادية إلى صيغة المبالغة اعتباطاً وإنما لحاجة في
نفسه فروّاح وهي صيغة مبالغة تعني المبالغة في الأمر والتجاوز والتكثير
وتكرار الفعل ولهذا فكثافة المعنى هنا هي زيادة نتجت عن زيادة في الصيغة
هذا النموذج كشفنا به عينة من عينات الزيادة في المعنى.
وإذا ما قابلنا بين صيغة : العرش يزهو فهنا وإن كانت الصورة عميقة الدلالة
سامية المعنى استمد المعنى شرفه من سمو التخييل تبقى صيغة موجزة مختصرة إذا
ما قارناها بالصيغة الموالية لها : وحديقة الفرقان ضاحكة الربا.
فنلاحظ هذا المحور الدلالي موحد ولكن الصورة الثانية متسعة في المبنى مما
نتج عنه اتساع في المعنى. فإن عرف الاسم في الصيغة الأولى بالألف واللام
فقد عرف في الصيغة الثانية بالإضافة فزيادة المبنى زيادة في المعنى
والتوضيح وكذلك صيغة ضاحكة. فصيغة اسم الفاعل ولدت مفعولاً به وهذه الزيادة
في المبنى تقابلها زيادة في المعنى فربا الضاحكة توسع استقصى أطراف
المعنى.
التقديم :
إن ما يخرق عرف الجملة العربية ويشوش ترتيبها لجدير بأن يثير انتباه
المحلل فالتقدير الذي ينجر عنه منطقياً تأخير لحري بأن نراعيه ونترجم
دواعيه.
ففي ذر الشاعر :
خير الأبوة حازهم لك آدم دون الأنام واحرزت حواء
فللتقديم والتأخير هنا دواعي مختلفة أهمها تقديم الاسم عن الفعل فعوض أن يقول الشاعر : حاز آدم خير الأبوة لك
فقد آثر أن يبدأ بالاسم لأن المعنى المحوري الذي يصوب الشاعر سهمه نحوه هو الأبوة لذا قدمها.
وكذلك تقديم الجار والمجرور فالاهتمام بالاسم المجرور المتمثل في الكاف
والتي تعود على الرسول صلى الله عليه وسلم هي طرف أساسي في المعادلة لذا
قدمت عن الفاعل سيدنا آدم عليه السلام.
وهناك أسباب أخرى شوشت ترتيب الجملة ومنها الوزن فلكي يستقيم الوزن والنسج
الموسيقي يضطر الشاعر أن يقدم ويؤخر دون الإخلال بالوظيفة الأساسية والهدف
المتوخى ألا وهو المعنى.
بنية التعدي :
الأفعال المتعدية :
1 . يقطر سلسلاً
2. جاء الوجود
3. أدركوا عزّ النبوة
4. بشر الله السماء
5. لو لم تقم دينا
6. زانتك شمائل
7. حميت الماء
8. ملكت النفس
9. أخذت العهد
10. تمد حلمك
أن بنية التعدي في القصيدة أنتجت تمدد مركب فيتجلى تمدد الشكل وتمدد المعنى وتمدد أثر الزمن في المكان وأثر الفعل في الاسم.
وأما تمدد الشكل فتركيب الجملة لم يعد مكتفياً بالفعل والفاعل بل تجاوزه إلى مفعول به.
وأما تمدد المعنى فهو تحصيل حاصل فيبقى الفعل غير مكتمل فيفتح المجال لربط
الحدث بما يليه من مكملات تلون وتشكل المعنى وتحدده فقولنا أدركوا يبقى فعل
الإدراك مبهماً مبتوراً تلونه التتمة المتمثلة في قوله عزّ النبوة
فالإدراك هو فعل يمد حلقة تبحث عن وصل لا يتم المعنى إلا به ومعه فيتلون
المعنى بل يتخذ له شكلاً محايداً مميزاً له عن بقية التراكيب.
فبنية التعدي هي نماء أفقي و انسياب معنوي وتركيب صلبت لحمته فأعطت البنية لون مميز وشكل مختلف عن غيره وحد ظاهر.
فصل التركيب البلاغي :
الاستعارة :
تعتمد الدراسات البلاغية أساساً على دراسة مستويات الخطاب وقد ترتكز
على مستويين أساسيين بإمكانها تجزئتهما فيما بعد إلى فصول أدق وأكثر توغلاً
في التحليلات البلاغية أما المستويان الأساسيان فهما مستوى الحقيقة ومستوى
المجاز.
وقد يعتمد مستوى الحقيقة كقاعدة ينبني عليها الخطاب ثم ما يلبث أن يتطور في سياق تركيبي إلى مستوى المجاز.
مستوى المجاز :
اجتهد علماء البلاغة في تحديد أنماط المجاز واصطلحوا لكل نمط
اصطلاحاً ضابطاً يحدد معالم كل نمط ويميزه عن غيره فكان التشبيه بأنواعه
والاستعارة والكناية والمجاز المرسل ولعل الاستعارة تعد من أخصب وأثرى
الحقول البيانية والدليل على ذلك أن لا أحد سجل نقطة نهاية البحث في هذا
المجال فقد استوعب الأوائل تجلياتها فقنن لها علماء العربية وقسموها إلى
تصريحه ومكنية وحددوا علاقتها في المشابهة ؛ ولم يقنع المتأخرون بهذا الجهد
فراحوا يعتمدون أطروحات اللسانيين البنيويين كياكبسون ومولينو وميتز
والتوليديين كتشومسكي وفان ديك وكذلك المساهمات الجدية لفلاسفة اللغة كسورل
ولاكوف وبالمر ولنطبق بعض هذه المفاهيم على تجليات الاستعارة في قصيدة ولد
الهدى :
1. النظرية الإبدالية :
من بين الاستعارات المتعددة التي وظفها شوقي نأخذ عينة على سبيل الدراسة النموذجية لا على سبيل الحصر.
حديقة الفرقان ضاحكة
فمن مرتكزات النظرية الإبدالية
أولاً : إن الاستعارة لا تتعلق إلا بكلمة معجمية واحدة بقطع النظر عن
السياق ؛ فكلمة ضاحكة هي الاستعارة وما يحيط بها هو سياق المجاز.
ثانياً : فأي كلمة لها معنيان : معنى حقيقية ومعنى مجازي وهنا المعنى
الحقيقي متعارف عليه ألا وهو الضحك وهو صفة تميز الإنسان دون سائر
المخلوقات حتى أن بعض الفلاسفة عرف الإنسان بأنه الكائن المبتسم.
وأما المعنى المجازي فهو حال الغبطة والازدهاء التي تعلو حديقة الفرقان ؛
فهنا الشاعر هم بتصوير المعنوي وتجسيده في الشكل المحسوس وهذا ديدن تقنية
الاستعارة.
ثالثاً : فالاستعارة تحصل باستبدال لفظ حقيقي بلفظ مجازي فالانتشاء مجازياً يعبر عنه في الحقيقة الضحك
رابعاً : بهذا الاستبدال بني على العلاقة بين الانتشاء والضحك علاقة مشابهة حقيقة كانت أو وهمية.
هذه النظرية التي صاغها مولينو تساير ولا تناقض ما ذهب إليه البلاغيون العرب.
2- النظريات التفاعلية
النظرية التفاعلية هي حصيلة جهد البلاغيين المحدثين الذين اقترحوا نظرية جديدة اشتهرت بالتفاعلية و مسلماتها هي :
1.عدم اقتصار الاستعارة على كلمة واحدة بل تتجاوز ذلك وحقيقة لا
نستطيع حصر الاستعارة في مصطلح واحد بل هي تركيب ممتد في سياق الكلام وله
علاقة بالألفاظ المحيطة ويتجلى ذلك بوضوح في قول شوقي ولد الهدىفإن
اعتبارنا الاستعارة التصريحية الهدى، صرحنا بالمشبه به وحذفنا المشبه وهو
الرسول (ص) فتبقى الكلمة الهدي لا تفي بوضوح بكل أبعاد الاستعارة إن لم
تمتد إلى السياق المحيط بها.
2.ثم إن كلمة هدي ليس لها معنى حقيقي محدد بكيفية نهائية وإنما السياق هو الذي ينتج المعنى المتوخى.
3.ليست الاستعارة عملية استبدالية بقدر ماهي تفاعل بين بؤرة المجاز
والإطار المحيط بها فكلمة الهدي في سياق آخر قد تعني معنى آخر لكن في هذا
السياق فالهدي الديني يحدده السياق الضمني للقصيدة و هذا ما ينتج عن تفاعل
الكلمة بالنسيج المحيط بها فهي خلية تستمد حياتها وقيمتها من الكل أو
النسيج المحيط بها.
ولا تقتصر الاستعارة على البلاغة الجمالية ولكنها قد توجد لها أبعاد أخرى
كالبعد العاطفي أو الوصفي أو المعرفي فكلمة الهدى وإن كشف تركيبها على
جمالية ما بلاغياًَ.
فإن الإيحاء العاطفي للفظة الهدى وما تعنيه من لطف وإحسان وإسداء معروف
تجعل القيمة الوصفية والمعرفية للكلمة إن لم تكن الغالبة فهي تخلق تكافؤاً
وتوزناً بين البعد الجمالي والوصفي المعرفي.
الاستعارة والتحليل بالمقومات :
تعتمد البنيوية الأوربية ممثلة بـ : “يامسيلف” و ” ياكبسون” و ” كريماص” و
“بوتي” تقنية تحليل الاستعارة وهي في اتجاهها هذا متأثرة بالنحو التوليدي
بواسطة توظيف المقومات وقد ميزت بين المقوم الجوهري والمقوم العرضي وقابلت
بين مختلف المقومات واستنتجت أنه كلما تقاربت المقومات وتوافقت صارت
الاستعارة أقرب إلى الحقيقة وكلما كثر الاختلاف تولدت مسافة توتر وتباين
بين طرفي الاستعارة وما يحدد نوعية تلك المقومات ما بين المتكلم والمتلقي
هي المقصدية بمعناها التداولي.
لذا فإن المقومات الجوهرية المشتركة بين طرفي الاستعارة تقتلها ؛ وهي أي
الاستعارة تجود كلما كان التوافق في المقومات العرضية، وقد يعزز هذا الرأي
عبد القاهر الجرجاني في كتابه أسرار البلاغة حين يقول ” وهكذا إذا استقريت
التشبيهات وجدت التباعد بين الشيئين كلما كان أشد كانت إلى النفوس أعجب،و
كانت النفوس لها أطرب، وذلك أن موضع الاستحسان أنك ترى بها الشيئين مثلين
متباينين ومؤتلفين مختلفين على أن الشيء إذا ظهر مكان لم يعهد ظهوره منه
وخرج من موضوع ليس بمعدن له كانت صبابة النفوس به أكثر وكان الشغف منها
أجدر، فسواء في إثارة التعجب وإخراجك إلى روعة المستغرب وجودك الشيء في
مكان ليس من أمكنته ووجود شيء لم يوجد…
وإذا حاولنا تطبيق التحليل بالمقومات على استعارة نموذجية من بين الاستعارات الكثيرة والتي أحصيناها في الجدول التالي :
العبارة
نوع الصورةالبيانية
ولد الهدى
استعارة تصريحية
فم الزمان
استعارة مكنية
حديقة الفرقان ضاحكة
استعارة مكنية
الوحي يقطر سلسلاًَ
استعارة مكنية
بشر الله السماء
استعارة مكنية
ينبه صباحه
استعارة مكنية
الحق عالي الركن
استعارة مكنية
جاء الخصوم من السماء قضاء
استعارة تصريحية
فنختار أخر استعارة كنموذج
اللــــه
الــســمــاء
اسم ذا ت
وصف ذات : من السمو
مفرد
مفرد
معرّف لا يـأتي إلا معرفة
معرفة وينكر
مذكر
مذكر ومؤنث
مجرد
مركّب
جوهر
عرض
واجب الوجود
غير واجب الوجود
موجود نبفسه
موجود بغيره
غير متحيّز
متحيز
لا نهائي
نهائي
غير مرئي
مرئي
غيبي
ظاهر
موجد العالمين
حاجز بين عالمين
غني بنفسه
مفتقر إلى غيره
نجد بين طرفي الاستعارة والتي يصعب التركيب فيها إذ المشبه به هو المولى
تبارك وتعالى المنزه عن أي تشبيه فهو منزه عن المثيل وإذا استعير له لفظ
السماء فإنه مرادف للعلو والرفعة وقد يرفع الرجل يديه وهو يدعو إلى السماء
فكأنها مكان تواجد الله عز وجل أورد الشاعر وأحال على السماء لأنها مكان
العرش لقوله تعالى ((تنزل الملائكة والروح فيها )) ولابد أنها تنزل من
السماء والأحاديث صريحة في ذلك (ص)ينزل ربنا إلى السماء الدنيا رواه
البخاري ومسلم وقوله (ص) أللـه فوق العرش رواه احمد وابوداود وابن ماجة
وحين سأل (ص) الجارية البكماء عن الله أشارت إلى السماء فأقر ذبيحتها
والسلف يعتقدون بوجود الله في السماء و كل الأديان السماوية تعتقد بذلك
حتى الوثنية منها تعتقد بوجود قوة مسيطرة في السماء فهنود أمريكا يعتقدون
أن كائنا نزل من السماء وتزوج بأمهم فجاؤوا من ذالك الكائن والياباينون
يرون أباطرتهم أبناء السماء وبعض الرسوم القديمة تصور الفراعنة على أنهم
جنس خاص نزل من السماء وبعض الشعوب تواضعت وقدست بعض مكونات السماء
كالصابئة في تقديسهم للنجوم والكنعانيين للشمس والقمر وكوكب الزهرة الذي
قدسه الإغريق أيضا تحت افروديت آلهة الحب واحتفظت السماء بالمرتبة الأولى
في أغداق الأديان على الشعوب والأفكار على الفلاسفة والإلهام على الشعراء
وكانت لدى المسلمين الواسطة التي يتلقون منها الوحي وكان المسلم لا يعني
بها حين ينطقها إلا الله ولذلك حين بكت تلك المرأة بعد موت النبي (ص) سئلت
عن بكائها فقالت إنما ابكي لان خبر السماء كان يأتينا ثم انقطع عنا وحفل
القرآن الكريم بذكر السماء تعظيما لشانها واقسم الله بها(( فورب السماء
والأرض )) ويقول قس بن ساعدة ((أن في السماء لخبرا وان في الأرض لعبرا ))
وقد تجمع السماء أسماء وتصغيرها سمية، وقد اشتركا في بعض المقومات فكلاهما
اسم وكلاهما مجرد، ومما جعل هذه الاستعارة تكون بليغة على حظ من الجمال
التركيبي هو عدم توافق الطرفين بل تناقضهما في بعض المقومات فالسماء مخلوق
والله خالق والسماء غير حي والله حي، وهناك مقوم ناشئ من العرف وهو وجود
الله في السماء فالعلاقة بين الله والسماء ترسبت في الذهن وقد نقشت في
المخيلة لدى الناص والمتلقي على حد سواء مما يسهل التجربة الشعورية
وتجاذبها بين الناص كباعث والقارئ كمتلقي وهذا هو لب النظرية المقصدية؛ إذ
يشترك الطرفان في خلفية قاعدية تتمثل في التجربة الشعورية المشتركة.
الكناية والمجاز المرسل :
على الرغم من أن موقف المدح غالباً ما يدفع الشاعر لتوظيف الخيال
ولكن أحمد شوقي لم يسرف في استخدام الصور البيانية وقد وظف قسطاً منها في
اعتدال ومن بين ما وظف بعض الكنايات وخاصة الكناية عن نسبة، ففي قوله :
إذا أصبحت رأى الوفاء مجسماً في بردك الأصحاب والخلطاء
كناية عن نسبة في قوله : رأى الأصحاب الوفاء في بردك
فالحق الوفاء وهو صفة معنوية ببرد الرسول فقد نسب صفة معنوية ألا وهي
الوفاء إلى أمر مادي ألا وهو البرد وهي كناية عن نسبة الوفاء للرسول (ص).
إن من المقومات الأساسية للرسول (ص) أنه إنسان [+ حي] [+ ذكر] [+ رجل] وله
مقومات أخرى عرضية [+ وفي] والتي تنتج عنها مقومات أخرى تفاعلية
فتصاعدياً[+ محسن] [+ صاحب عهد] [+ لين الجانب]أما تنازلياً [+ غادر] [+
مخادع].
التنـاص :
عرف أحد الباحثين التناص بأنه ” فسيفساء من نصوص أخرى أدمجت فيه بتقنيات مختلفة”1.
” وإن النص ممتص لها يجعلها من عند ياته وبتصييرها منسجمة مع فضاء بنائه ومع مقاصده.”
“إن النص محول لتلك النصوص بتمطيطها أو تكثيفها بقصد مناقضة خصائصها
ودلائلها أو بهدف تعضيدها على الإجمال، فإن التناص هو تعالق نصوص مختلفة مع
نص حدث بكيفيات متنوعة.”
ومن هذه الكيفيات :
1.المعارضة : هي محاكاة عمل فني لعمل فني آخر وقد عرف شوقي وأمثاله من شعراء البعث بمعارضة بعض الشعراء القدامى.
2.المعارضة الساخرة : أي التقليد الهزلي أو قلب الوظيفة بحيث يصير الخطاب الجدي هزلياً.
3.السرقة : وتعني النقل والمحاكاة مع إخفاء المسروق.
تكاد تجمع كثير من الدراسات على أن المبدع ليس إلا معيداً لإنتاج سابق في حدود من الحرية.
آليات التناص :
من أهم آليات التناص التداعي التراكمي والتقابلي ومن آلياته :
1.التمطيط : للتمطيط أشكال منها :
أ. يظهر الاناكرام أي الجناس بالقلب في قوله :
الروح الملأ لملائك حوله للدين والدنيا به بشراء
فقد تمثل الاناكرام في التجانس بالقلب بين كلمتي (الدين والدنيا) فالكلمتين
مشكلتين من الحروف نفسها لا يفرق بينها إلا الترتيب، مع تباين في المعنى
واختلاف واضح في الدلالة.
ب. النوع الآخر من الاناكرام وهو الجناس بالتصحيف فيتجلى في :
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء
فالتصحيف الوارد بين كلمتي ضياء وثناء من شأنه أن ينتج تقارباً في المعنى على أثر التقارب في بناء الكلمة وتشاكل حروفها.
2.الشرح :
من آليات التناص الشرح وهي أن يقدم الشاعر أطروحة مركزية يكون ما يليها تفسيراً وتحليلاً وتجزيئاً لها.
فالأطروحة المركزية في المجموعة الدلالية تظهر من البيت الأول في أول عبارة
: ولد الهدى - فأطروحة بشرى ولد الهدى المركز وما تلاها أبيات المجموعة
الدلالية الأولى لا يعد وأن يكون شرحاً وتفسيراًً لهذا الأساس دون أدنى
إضافات جوهرية تخرج عن نطاق المجموعة الدلالية المركزية.
3.الاستعارة :
أبى شوقي إلا أن يحتل التعبير الاستعاري حيزاً هاماً من الفضاء البلاغي
لقصيدته ؛ فقد أشرت في غير هذا الموقف الاستعارة الواردة بالبيت الأول :
ولد الهدى وكإضافة وإفاضة تناول استعارات أخرى كقوله :
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا بالترجمان شدية غناء
فشوقي يوظف الاستعارات المكثفة بالتجربة الشعورية وإن حذا في مسلكه هذا حذو
المتقدمين إلا أن الصورة الشعرية عنده لا تخلو من جدة وغضارة ونضارة وقد
اكتسب كل هذا من مسرى الحداثة في التركيب والجدة في طرق المعاني.
ومن استعاراته قوله :
بك بشر الله السماء فزينت وتضوعت مسكاً بك الغبراء
4.التكرار :
عن التكرار الواضح في قصيدة أحمد شوقي ولد الهدى يتجلى في التكرار على
المستوى الصوتي، فالنبرة الصوتية التي تعتري الكلمات تكاد تكون نبرة واحدة
تلوك المعنى بلون متفرد يستجمع أطراف المعنى ويساعد على تجليته.
أم التكرار على مستوى الكلمات فقد آثر شوقي أن يستقي قاموسه الشعري في هذه
القصيدة من القاموس الديني فنجد لفظة الله متكررة بين طيات القصيدة كذلك
لفظة النبي الرسول (ص).
إن هذا التكرار لمصطلحات دون غيرها إنما يحدد الوظيفة الدلالية فتتجه
نحو غرض واحد كذلك المنطلق ينفرد بأحادية المعطى الديني وان تباينت
المصطلحات ذات الدلالة الدينية إلا أن الغرض المنشود واحد.
5.الشكل الدرامي :
إن عناصر بنية القصيدة تظهر في شكل من أشكالها بمظهر درامي صراعي بين طرفين
تقابليين وقد تنوع هذا التمظهر فهو حيناً يتجلى في التقابل بين (آدم-حواء)
وحيناً بين السماء والأرض في قوله :
بك بشر الله السماء فزينت وتضوعت مسكا بك الغبراء
وحيناً بين الصباح والمساء وحيناً آخر بين الماء والنار
والنار خاوية الجوانب حولهم خمدت ذوائبها وغاض الماء
6.أيقونية الكتابة :
انطلاقاً من مفهوم أيقونية القصيدة، فقد تشكلت الحدود الأيقونية لقصيدة
أحمد شوقي انطلاقاً من نواة أساسية ألا وهي مدح المصطفى (ص) فاتخذت من فضاء
القيم الأخلاقية للرسول (ص) حيزاً واعتمد الخطاب الشعري على هذه النواة
وراح يمطط أبعاداً أحياناً متجاورة وأحياناً تضرب في غياهب الشعرية باحثة
عن كنة المدحية متجلية في بنىالدلالآت كبشرى بمولد الرسول (ص) ثم تتابع
بذكر معجزاته فخلاله منتقلة الى معجزة القرآن ومن ثم العقيدة الإسلامية
فجهاده وقد انتهت إلى التوسل والاستنجاد بالرسول (ص) أثناء هذه الأبيات
للقصيدة والتي شكلت أيقونية متميزة حددتها البنى الدلالية بحذوها طيف يتجلى
في كل ثناياها ألا وهو مدح الرسول (ص) تلك هي مقصدية شوقي والتي انبنت
عليها هندسة النص الشعري.
ب. الإيجاز :
إذا كان التمطيط يعتبر آلية مهمة من آليات التناص فقد يقابله الإيجاز
كآلية تتمظهر بالإحالة على التذكرة أو بالإحالة التاريخية ويستخدم شوقي
هذه الإحالة في قوله :
خير الأبوة حازهم لك آدم دون الأنام وأحرزت حواء
فيحيلنا شوقي على مفهوم انتروبولوجي مستنبط من الثقافة الدينية
الإسلامية فجدنا آدم وأمنا حواء هي فكرة مستوحاة من الثقافة الدينية وظفها
بإيجاز وأحالنا على هذا المفهوم دون التفصيل الذي يميت للمعنى روحاً بل
بالإحالة التاريخية والمتمثلة في الإيجاز الذي أحيا للمعنى روحه واقتضب
الفكرة في إيجاز بلاغي كان دوماً ديدن صدح به الشعر.
ولم تكن هذه الإحالة الدينية التاريخية الوحيدة بل تكررت وكثرت الإحا
[img:8a2a]http://www.dr-aysha.com/inf//styles/dr-ay