منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    حفريات الأنساق الأبستمولوجية في شعر أبي الطيب المتنبي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    حفريات الأنساق الأبستمولوجية في شعر أبي الطيب المتنبي Empty حفريات الأنساق الأبستمولوجية في شعر أبي الطيب المتنبي

    مُساهمة   الإثنين يناير 18, 2010 4:45 am

    حفريات الأنساق الأبستمولوجية في شعر أبي الطيب المتنبي

    علاء هاشم مناف


    " المقدمـــة"
    تشكل هذه الدراسة خاصية "ابستيمية" لتراث المتنبي الشعري باعتبارها اعلان عن وقائع واشارات تؤكد مضامينها وفق نظم مكفولة بمنطق الأشياء وكالعلاقة السيميولوجية بين " الدال والمدلول" وهي التي تشكل منظومة معرفية لرابطة قائمة على فكر ومنطق يمثل طبقية ثنائية من الوعي لعصر تضمن التشابه في تكوين النسق الموحد والإختلافية الاستبدالية – بتركيبة النص الشعري . والمتنبي هو الاشارة الى هذه الثنائية من الكينونة ، ولذلك جاء بحلقة التطور والتجديد والاستقلالية بتفاصيل المدركات الحسية والمنعكسة بحلول داخل منعطفات " الفكرة والصورة" والتمثيل "للأثاره"باعتارها التنظيم الرئيس للفرض المتحول الى ممثل لهذه الاشياء . ان الفكرة القائمة والدالة وبنظرة جدلية تأريخية تعطينا القدرة الاختلافية بعملية التمثيل باعتبارها مضمون مشار اليه في هذه الاختلاقية الشعرية . والمتنبي اشار الى هذه المضامين وفق استشفاف دلالي يسكن النص الشعري وفق مغزى مثله منعطف البيت الشعري ورموزه . لقد ترك ابي الطيب تراثا شعريا كبيرا علينا ان نقف امامه لنعيد قراءته ودراسته دراسة علمية تصلنا الى هذه الخريطة وما مثله شعر المتنبي من خفاء استبطاني اتصل بخصوصية فكرية كنا قد أشرنا اليها في هذه الدراسة وما مثله المتنبي من طرح فكري يتضمن الترتيب الدقيق للإشارة الفكرية التي تحل محل التنظيم الثوري . فالمتنبي : كيفيات اختلاقية متركبة داخل النص رغم مرور " أكثر من الف عام على وفاته" هذا الامر هو نتاج من المعارف وامتداد من التصور داخل منظومة هذه الايديولوجية ومفاتيحها وامتداداتها داخل الفكرة المجردةالتي تعني المداخل والمخارج الفكرية المتجسدة بمنهجية الادراك الحسي .أليس هو القائل:
    عش عزيزاً أومت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنـود
    فرؤوس الرماح أذهب للغيــ ظ وأشفى لغل صدر حقـود
    لاكما قد حييت غير حميــد وإذا مت مت غير فقيــد
    فاطلب العز في لظى ودع الذ ل ولو كان في جنان الخلود
    لقد تظمنت هذه الحفريات " الأبستيمية" تشكيلاً معرفياً في عملية التوسع لهذه الدراسة لانها تقوم على منطق نظري للوعي الباطني للنص الشعري لذلك جاءت بحصيلة منطقية شفافة لتشكل شبكة واسعة من الانساق الدلالية وانشطة مثلت انطلاقة جديدة في دراسة النصوص القديمة بتخارجات استدلالية دقيقة .والحفريات الأبستيمية هذه قد بدأت بنبذة تأريخية عن العصر الذي عاش فيه المتنبي ثم النشأة وشروط الأمكانية الفكرية بدعوته الأسماعيلية القرمطية الى المنهجية الاختلافية في المنظومة الشعرية وطروحات التأويل على المستوى الادبي والفلسفي وظهور مدرسة المتنبي والتجديد في النص الشعري الى اصرة الخطاب المربوط بخطاب النص وما يتعلق بالمنحى الافقي والعمودي داخل منظومة السرد الشعرية واختراع المتنبي للمعاني والتبطين الخطابي وما يشكل من جوهرية في البنائية الجديدة عند المتنبي والمطارحات داخل هذه البنائية ورؤية جديدة ومنحى حسي جديد وما يتعلق – بتفاصيل العلامة السيميولوجية الصوتية والكتابية في التفكيك المتعالي وما واجهه المتنبي من "الصاحب بن عباد والحاتمي" من مضايقات ومامارسة في فكر الحاتمي من صيفة عزل للمتنبي . فكانت طعنة قاتله للمتنبي . لكن المتنبي بقي يحمل المصدرية في جوهرية الكينونة رغم ما لاقاه من مضايقات من "صاحب كتاب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني" الذي لم يذكره في هذه الموسوعة الادبية والتأريخية على الاطلاق في حين ان ابي الفرج الاصفهاني عاصر المتنبي وتوفى المتنبي قبله . ورغم ذلك بقي المتنبي تلك القدرة الفعلية والفضاء للكتابة . وقد اشترك المتنبي مع "شكسبير" في تشكيلة متشابهه من الفروضات الفكرية والسيكلوجية الى "انسكلوبيديا الصرخة- الايمانية" بعيداً عن المنطق الفيزيقي وما يتعلق بالتناص والبنية الصوتيةواحكامها عند المتنبي والبنية والتناسب في القصيدة وفق رأي الحاتمي ثم تأتي لغة التناص لتؤكد الزاوية الدلالية للبنية التركيبية الى الرد على الرسالة الموضحةاو الحاتمية الى ما يتعلق بمنطق اللغة الى حقيقة " الوحيد الازدي وابن وكيع – التنيسي " والاشكالية النقدية في شعر المتنبي وما يتعلق "بجراما تولوجيا ابي الطيب المتنبي " التي عرض فيها ثنائية العلاقة عند ابي الطيب ويطالعنا موضوع اعجاز المعنى واشكالية الدال عند ابي الطيب الى العلاقة الصوتية ومركزيتها والمنهج البنيوي وشفرة الدال الى المنظومة الصوتية – والتشكيل الصوتي والانساق الجمالية للغة الى المعنى واللفظ والنص والاسلوب والاشكالية في المعنى الدلالي الى التأريخية الفلسفية والصورة الشعرية واختلافية المعنى فيها "والمفهوم النظري – للوقت والثورة والمركزية الشعرية" وتنتهي بهذه الدراسة الى "الغموض او الابهام في شعر المتنبي" واسبابه والتقابل الثلاثي للابهام حسب التطابق البيرسي . لقد تمخضت هذه الدراسة عن سلسلة غير متناهية بالنتائج في شعر المتنبي وطبيعة نتائج تفكيره وحدود الأنبثاق داخل المنظومةالاختبارية التي تم توزيعها بشكل يظهر منظومة المتنبي الابستيمية وهي لا تنغلق – وهذه الدراسة جهد متواضع على طريق المعرفة والتقدم العلمي شكري الجزيل لكل من أعانني بالمراجع للمتنبي الذي علمنا الكثير وشكراً.







    علاء هاشم مناف
    مدينة الحلة : في 13 من ذي الحجة 1426هـ
    الموافق 13/1/2006م


    نبذة تأريخية عن العصر الذي عاش فيه
    أبو الطيب المتنبي
    في النصف الاول من القرن الرابع الهجري ، عاش ابي الطيب المتنبي ، وكانت الدولة العباسية في القرنين الثاني والثالث الهجريين قد بلغت من الرقي الحضاري أقصاه ، بعد ان بلغت المنال في جميع فروع الآداب والعلوم والفنون . ولكن منذ القرن الرابع الهجري بدأ يصيبها التفكك لأجزاءها ، وذلك لاستقلال الولاة العباسيين ، وتدخل الموالي في شوؤن الدولة والقيام بتولية من يتوسمون فيهم الضعف ، حتى يبقى الأمر طوع يديهم . وكانت الدولة العباسية في هذه الفترة : دولة غريبة الاطوار ، فنرى الخليفة العباسي جالسا في قصره ليس لديه أي صلاحية ولا يستطيع أن يعمل شيئا ، وترى دولة بني حمدان على حدود بلاد الروم في حرب مستمرة ومع الإستقلال الذي حصل لأمرائها عن دولة الخلافة ، فانهم يدافعون عن دولة الاسلام بقوة وإستبسال وشجاعة وكان الخلفاء يعقدون لهم الأولوية ويلقبونهم بسيف الدولة وكذلك ناصر الدولة نظرا للمهام الوظيفية التي كانوا يقومون بها من خلال تواجدهم على الثغور ، ودفاعهم عن الدولة ، واستمرار حروبهم داخل أراضي البلاد الاجنبية ، ثم تشاهد دولة بني بويه تستقل بفارس واستطاع خلفاءها ان يتقلدوا الوزارة والإمارة إضافة الى أنهم لقبوا بعماد الدولة – وعضد الدولة – وركن الدولة وكأن الدولة موجودة بهم ، وقائمة عليهم مع خصوصية انهم كانوا شيعة متعصبون لمذهبهم وهم أول من احيى مأتم (الامام الحسين في يوم عاشوراء) وقد أحياه (معز الدولة في العام 352هـ) وامتد هذا التقليد الشيعي حتى في بغداد بعلم الخليفة العباسي ، ثم واصلوا الاخشيديين في مصر يتوارثون الحكم بأمر من الخليفة العباسي . في هذا العصر المضطرب عاش (ابي الطيب المتنبي) وكان اتصاله بامراء هذه الدول المختلفة في نزاعاتها ، واخذ يمدحهم في شعره لان علاقته بهم جيدة ويهجوهم اذا ساءت علاقته بهم وهو الاتصال الاول بسيف الدولة الحمداني – ثم بكافور الاخشيدي في مصر ، ثم بعضد الدولة بن بويه . ورغم هذا الوضع المزري والمضطرب ، كانت الحياة الأدبية بصحة وعافية حيث بلغ الشعر مبلغا عظيما على يد المتنبي ، وكان الكل ينشد الشعر حتى الخليفة العباسي (الراضي بالله كان شاعرا) ومحبا للعلم ولم يكن نظم الشعر محصورا ومقصورا على الامراء او المتعلمين بل كان منهم من كان أمّيا يجهل القراءة والكتابة مثل (نصر بن أحمد ابو القاسم البصري) والذي إشتهر بالخبز الأرزي لأنه كان خبازا يخبز الخبز الارزي ليعتاش منه وكان يقول الشعر في دكانه ، وكان الناس يزدحمون عليه لشراء الخبز وسماع الشعر ، ويتعجبون من جزالة شعره وقوله :
    رأيت الهلال ووجه الحبيب
    فلم أدر من حيرتي فيهما
    ولولا التورد في الوجنتين
    لكنت أظن الهلال الحبيب
    فكانا هلالين عند النظر
    هلال الدجى من هلال البشر
    وما راعني من سواد الشعر
    وكنت أظن الحبيب القمر


    (حياة أبي الطيب المتنبي)
    القسم الاول
    نسبه :
    هو أحمد بن الحسين بن عبد الجبار الجعفي ، وقيل بن عبد الصمد الجعفي بن سعد العشيرة من مذحج من كهلان من قحطان .
    ولادته :
    ولد أبو الطيب احمد بن الحسين المتنبي بالكوفة سنة ثلاث وثلاث مئة في محلّة يقال لها كنده وكان والده يعّرف بعبدان السّقّاء يسقي الماء لاهل المحلّة ، وقد ترفع احمد بن الحسين عن ذكر نسبه – وقبيلته – واستعاض منهما بخلال نفسه ويقول في هذا :
    لا بقوْمي شرُفتُ بلْ شرُفُوا بي
    وبنفسي فَخَرْتُ لا بجُدُودي( )

    ولقب المتنبي : لانه ادعى النبوة في بادية السماوة وهي ارض بحيال الكوفة .
    نشأته :
    نشأ المتنبي في الكوفة نشأة علّوية ، وبها اختلف الى الكتاتيب والوّراقين كما يختلف الى العلماء ومجالس العلم والأدب وفي سنة 925م استولى القرامطة على الكوفة ، ففّر المتنبي مع ذويه الى بادية السماوة وهي ارض بحيال الكوفة ، وقدم الشام في صباه وبها نشأ وتأدب ولقى كثيرا من أكابر علماء الادب : منهم (الزّجاج) وابن (السّراج) و(ابو الحسن الأخفش) و(ابو بكر محمد بن دريد) و(ابو عليّ الفارسي) وغيرهم وتخرج عليهم فخرج نادرة الزمان في صناعة الشعر( ) . ثم عاد الى الكوفة واتصل بأبي الفضل الكوفي احد اتباع المذهب (القرمطي) فتأثر به وبالمبادئ القرمطية وهكذا كان ابي الطيب المتنبي .

    (علّوي النشأة – اسماعيليّ المذهب – قرمطي النزعة)
    وفي الشام : كان المتنبي في الثامنة عشرة من عمره عندما غادر العراق الى الشام يطلب الشهرة والمجد – والرفعة وليحقق بعض الاهداف الاسماعيلية – والقرمطية في قلب نظام الحكم وفي ازالة الملك الفاسد وكانت بلاد الشام إذ ذاك موضوع منازعات جديدة استقر فيها – سلطان الاخشيد الى ان ظهر سيف الدولة الحمداني واستولى على حلب في العام 944م وبقي الاخشيديون في دمشق وهذا مما شجع أبا الطيب في مغامراته هو ضعف الدولة او السلطة المركزية في بغداد وتفكيك الدولة العباسية .

    (تنصيب نفسه داعية من دعاة الاسماعيلية)
    وراح في دعواه هذه يجمع الكثير من الأعراب في منطقة السماوة فأراد ان يثبت ذلك ، فسار وراءه جماعات كثيرة (ووصفهم حنا القاخوري بانه جيش رهيب الجانب) قال الخطيب البغدادي (ان ابا الطيب لما خرج الى كلب وأقام فيهم إدعّى أنه علويّ حسنيّ ، ثم ادعى بعد ذلك (النبوة) ثم تارة اخرى ادعى انه علويّ إلى ان أشهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين ، وحبس دهرا طويلا واشرف على القتل ثم أستتيب وأشهد عليه بالتوبة واطلق) وجاء في الصُّبح المنبي أن أبا الطيب قدم اللاذقية بعد نيف وعشرين وثلاث مئة ، فأكرمه معاذ ثم قال له : والله انك لشاب خطير تصلح لمنادمة ملك كبير . فقال : ويحك! أتدري ما تقول ؟ أنا نبيُّ مُرْسل ، ثم تلا عليه جملة من قرآنه وهو مئة واربع عشرة عبرة فبايعه معاذ وانتشرت ببقية بلاد الشام ، وعندما أشيع ذكره ، وخرج بارض سلمّيه من عمل حمص قبض عليه ابن عليّ الهاشمي ، وأمر ان يجعل في عنقه ورجليه خشبتان من الصفصاف .
    (أن ابا الطيب عدّ نفسه داعيا اسماعيليا)
    أي انه اعترف بنزعته القرمطية وأنه مرّ بالسلمّيه مقر الاسماعيلية ثم احتك برجال المذهب الاسماعيلي احتكاكا مباشرا ووثيقا حتى نشب خلاف بين ابو الطيب وابن عليّ الهاشمي لسبب مجهول لنا وقد يكون الاختلاف في الرأي – او لتطرف في اراء ابي الطيب المتنبي كما يقول حنا الفاخوري اضافة الى أنه عندما فشا أمره خرج اليه لؤلؤ امير حمص وهو نائب الاخشيد فحبسه زمانا ثم اطلق سراحه ، واخذ المتنبي يتردد في اقطار الشام يمدح امراءها حتى التقائه بالأمير سيف الدولة عليّ بن حمدان العدوىّ صاحب حلب سنة سبع وثلاثين وثلاث مئة فحسن موقعه عنده واحبه وقربه وأجازه الجوائز السنيه وكان يجري عليه كل سنة ثلاثة آلاف دينار خلا الاقطاعات والخلع والهدايا . ثم اختلف مع سيف الدولة ففارقه سنة ست واربعين وثلاث مئة وقدم مصر ومدح كافور الاخشيدي واختلف معه لأنه لم يرضه في تولي عمل من اعمال مصر فهجاه ففارقه في اواخر سنة خمسين وثلاث مئة وسار الى بغداد متوجها الى بلاد فارس فمر بارجان وبها ابن العميد فمدحه وله معه مساجلات لطيفة ثم ودع بن العميد وسار قاصدا عضد الدولة بن بويه الديمي بشيراز فمدحه ثم استأذنه وانصرف عنه فعرض له فاتك بن أبي جهل الاسدي .
    مقتله :
    عندما عرض له فاتك الاسدي في الطريق بجماعة من اصحابه ومع المتنبي جماعة من اصحابه ايضا فقاتلوهم فقتل المتنبي وإبنه مُحسّد وغلامه مفلح بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد وكان مقتله في اواخر رمضان من السنة المذكورة .
    (حياة المتنبي في قسمها الثاني)
    1- غلام علوي النسب ، يولد بالكوفة سنة 303هـ ويقيم بها حتى يصبح فتى الى اواخر سنة 320هـ .
    2- خرج الى بادية الشام واظهر نسبه العلوي فقبض عليه وسجن واقام بالسجن في اواخر سنة 321هـ الى سنة 323هـ وهذا معناه (ابطال النبوة) التي زعموها في الاخبار الواردة .
    3- خروجه من السجن ورحلته بعد ذلك الى الشام منذ سنة 323هـ وعودته الى الكوفة سنة 325هـ ورجوعه الى الشام مرة اخرى في سنة 326هـ حتى سنة 336هـ .
    4- اول لقائه بأبي العثائر الحمداني ، ثم لقاء سيف الدولة من سنة 336 هـ الى 346هـ .
    5- حبه (خوله) اخت سيف الدولة ثم فراقه سيف الدولة الى مصر من سنة 346هـ الى سنة 354هـ وكانت فيها وفاته .
    6- مجيئه الى مصر ، وبقاؤه عند كافور الاخشيدي ثم فراره من مصر ورجعته الى الكوفة ثم الى فارس عند ابن العميد وعضد الدولة ثم مقتله من جمادي الآخرة سنة 354هـ وخروجه من مصر يوم عرفة (9 ذي الحجة سنة 350هـ) ثم دخوله الكوفة سنة 351هـ ثم سائر رحلته الى يوم مقتله بالعراق عائدا من فارس في 27 من شهر رمضان سنة 354هـ)( ) .
    7- هناك كتاب لابن العديم (558 – 660هـ ) بخط بن العديم نفسه – محفوظ بمكتبة أحمد الثالث (بالقسطنطينية) وهي من الجزء الاول وفيها ترجمة ابي الطيب المتنبي (من الورقة 25 الى الورقة 52) وهي اطول ما موجود من تراجم ابي الطيب .
    قال ابن العديم :
    (أخبرني صديقنا ابو الدُّر ياقوت بن عبد الله الرومي ، مولى (الحموي البغدادي) قال : رأيت ديوان ابي الطيب المتنبي بخط أبي الحسن عليّ بن عيسى الربعيّ ، قال في أوّله : (الذي اعرفه عن ابي الطيب أنه : أحمد بن الحسين بن مُرّة بن عبد الجبار الجعفي وكان يكتم نسبه وسألته عن (سبب طيه) فقال ... وهذا الذي صَّح عندي من نسبه قال : واحتجزتُ أنا وأبو الحسن محمد بن عبيد الله السّلامي الشاعر على الحبس ببغداد وعليه من جملة (السُّوَّال رجل مكفوف . فقال لي السّلامي : هذا المكفوف (أخو المتنبي فدنوت منه فسألته عن ذلك فصّدقه) وانتسب هذا النسب (ومن هنا انقطع نسبنا) وكان مولده بالكوفة سنة ثلاث وثلاثمئة ، وارضعْته إمراة علوية من آل عبيد الله)( ) .
    وقد تعلم المتنبي في كتاب فيه اولاد العلويين الأشراف الى ان اصبح فتىً في الخامسة عشرة يمدح علويا من آل عبيد الله – واول شعره في الخامسة عشرة من عمره منبئا عن حُبٍ ظاهر لمحمد بن عبيد الله العلوي فيقول :
    خيرُ قريش أباً وأمجدها
    تابعُ لؤيِّ بن غالبٍ وبه
    وقد أجمعتْ هذه الخليقةُ لي
    وأنْكَ بالأمسِ كنتَ محتلِماً!
    ذ أكثرها نائلاً وأجودُها
    سما له فرعه وحتدُها
    أنَّك ، يا ابن النبيِّ ، أوحدُها
    شَيخُ معدٍ وأنت أمردُها( )

    وبعد دخوله السجن في العام 321هـ على مجموعة من العلويين والذي لقيه من السجن وفي السجن كانت قسوته وشراسته كافية في تذكيره بجبروت هؤلاء العلويين . وبعد خروجه من السجن في العام 323هـ (علويا) كارها للعلويين وفي هذا يقول ابن العديم : (خرج مخالفا للشيعة) واضمر هذه الكراهية وانطوى عليها وترك بلاد الشام على أثر استدعاء جدته له الى الكوفة سنة 325هـ وبقي في الكوفة زمنا لكنه اكره على الخروج منها ثم عاد الى الشام في العام 326هـ ثائرا يائسا ثم نراه يمدح على بن سّيار بن مكرم التميمي بمديح نفسه اولا في قصيدته التي أولها :
    أقلُّ فعالي بلْة أكثُرهُ مجدُ
    سأطلبُ (حقي) بالقنا ومشايخٍ
    وذا الجُّد فيه ، نلتُ أو لم أنل جدُّ
    كانّهُمُ من طولِ ما التثموا مُرْدُ

    ثم نفاجأ مرة اخرى بذكر (العلويين في العام 336هـ) بعد مضي ثلاث عشرة سنة منذ خورجه من السجن في العام 323هـ وكان العلويين قد تآمروا عليه وقد أعدوا له السُّودان بكفر عاقب ليقتلوه وهو في طريقه الى ابن طعج وهذا يتضح من القصيدة التي قالها في رثاء جدته فهي التي تكشف عن أثر هذه الحادثة ، والقصة التي تقول بأن جدته ارسلت اليه قبل ذلك بسنة تقريبا أي في العام 335هـ تشكو شوقها اليه لطول غيبته عنها لمدة عشر سنوات أي في العام 325هـ فتوجه المتنبي الى العراق فقام العلويين بمنعه من دخول الكوفة ، فأرسل كتابا يشرح فيه المسير الى الكوفة وما تعرض له من منع وحبس عند دخول الكوفة فقبّلت الكتاب وفرحت فما أرادت ان تفعل ، ابلغها العلويين أن المتنبي قد مات ، فأصابتها الحمة وماتت قهرا ، وهكذا كانت مرثية أبي الطيب الى جدته . وبعد سنوات الغربة فهو يتذكر ما حصل لجدته حيث بقي هذا الهاجس يحرك وجدان أبي الطيب حتى جاءت سنة 351هـ أي بعد ست عشرة سنة حين خروجه من مصر / حتى بلغ الكوفة فدخلها منتصرا مراغما للعلويين حين يقول :
    فلما أنخْنا ركزنا الرِّما
    لتْعلم مصرُ ، ومَنْ بالعراق
    واني وفيتُ ، واني أبيتُ
    وما كُلُّ من قال قولا وفَى
    ح بين مكارمنا والعُلى
    ونمسحُها من دماءِ العِدى
    وأني عتوتُ على من عتا
    ولا كُلُّ من ِسيمَ خسْفاً أبى( )

    ويحدثنا ابن جني قال : اخبرني بعض اصحابنا قال : جيء بالمتنبي الى أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد ، فقيل : إنه شاعرٌ . فقال : انشدنا يا فتى ، شيئا من شعرك ، فانشده المتنبي :
    متُ إن لم تأخذوا بدمي
    بالقَحْطاني ويعربَيْه

    قال : فمسح ابن دريد يده على رأسه وقال : لا ، بل نأخذ بدمك( ) . ويذكر ان ابن دريد كان ببغداد في العام 321هـ وكان دخول المتنبي بغداد وهو شاعر طموح يريد أن يتألق ، فإن عظمتها وفتنتها وزحمة الشعراء فيها لم يفكر المقام فيها حيث فارقها الى الشام فتىً عربياً متجاوزاً ما شاهده ببغداد من سيطرة للاعاجم على مرافق الدولة وسلطان الخليفة ، وهذا ادى به الى اظهار (علويته) وهي وسيلة لجمع الناس والمناصرين في هذا الصراع على السلطان لعله يصيب في ذلك بحالتين (حالة العروبة – وحالة النسب العلوي) وهذا اول طموح له في السلطة حيث يقول :
    عش عزيزاً أو مُتْ وانت كريمُ
    فاطلبِ العِزّ في لَظى ودَعِ الذلَّ
    بين طعْنِ القنا وخفْقِ البُنودِ
    ولو كانَ في جنان الخُلُودِ

    والى قوله :
    إنْ أكنْ مُعْجَباً ، فَعُجْبُ عجيبٍ
    لم يَجِدْ فوقَ نَفسهِ من مزيدِ

    كان العروبة والنسب العلوي هما القضيتان الجوهريتان اللتان شغلتا ابي الطيب حيث بلغ اقصى هذا التوهج والجوهرية في سنة 326هـ حيث يجده في العربي (بدر ابن عمار بن اسمعيل الأسدي) والي طبّرية فيحمل شعره في بدر نفس ثورة الوجدان التي تلقاها عند لقائه سيف الدولة العدوىّ العربيّ في العام 336هـ بعد تجارب طويلة ، وكانت حالة المتنبي في العهدين : هي حالة رجل سياسي يرقب ما يحيط به من احداث وكان شعره في سيف الدولة قد تجاوز الإحساس الكامن الى صيغة الملحمة التأريخية في عهد الرسول محمد (ص) بين النصرانية والاسلام والتي ظلت تتصاعد على ثغور الشام حتى ظهور زمن سيف الدولة فظهر الابداع عند المتنبي ، أي ان هموم المتنبي في عروبته ونسبه كانت تنازعه قبل التقائه سيف الدولة في العام (336 الى 346هـ) عند سيف الدولة .
    وهو يدافع عن القضية العربية ضد سلطان الاعاجم ولكن عند التقائه سيف الدولة أصبح المتنبي شخصية سياسية اضافة الى شعريته المبرزة . كان حبه لخولة اخت سيف الدولة منذ كان ابي الطيب ملازما لسيف الدولة وبقي هذا الحب شاخصا في شعر المتنبي حتى بعد فراق سيف الدولة في العام 346هـ وإقامته عند كافور ، ثم فراقه كافورا ورحلته الى العراق ثم الى فارس الى مقتله ، فكان شعر ابي الطيب تكنه العواطف الفكرية والانسانية منذ مطلع شبابه ، فكانت عاطفته تجاه جدته التي كفلته يتيما وقومته وكشفت عن سر مولده ونسبه فكان هذا العمق من الحب ترك آثارا كبيرة في ثنايا شعره من اللفظ المكظوم وكذلك مقدار الصدق في ذلك . وبعد فراق سيف الدولة كان المتنبي في الثالثة والاربعين من عمره ، ففراقه ما كان مختارا ، فسيف الدولة كان مثالا حيا له ، والسنوات العشر التي لازمه فيها كانت سنوات مليئة بالحب والاحترام ، وعرف سيف الدولة المتنبي معرفة جيدة وكذلك المتنبي وكانت الغايات السياسية بينهما واحدة ، وكانت غايات المتنبي ليس المركز ولا المال كما توهم بعض الكتاب ولكن الوشاة اكثروا السعاية في ذلك حتى بلغ اليقين من ان سيف الدولة قد تغير عليه وكان هذا يحدث لفرط حساسية ابي الطيب وتوجسه ، ولكن القضية الأهم هو (حبُّ خولة) الذي بلغ به شفا الهاوية وذروة متصاعدة ومحلّقة حتى ضاق بها صدر ابي الطيب ، فكان الليل سميره ورحل الى دمشق وما قاله بعد سنوات :
    ضرْبتُ بها التيه ضرْبَ القِمارِ
    إمّا لذا ، وإمّا لِذا

    فكان أمامه حالتان فامّا راحة النسيان ، وإمّا راحة الهلاك! وهنا قد تلابسا هوى القلب والأمل السياسي عند المتنبي حيث اشتبكا الهّمان وداهمه اليأس وتمنى النهاية بعد ان رمته البوادي والقفار الى مصر الكافورية فاستقبله كافور وكان قوله :
    كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
    تمنيتها لمّا تمنيت أن ترى
    وحسْبُ المنايا أن تكُنَّ أمانيا
    صديقا فأعيى ، أو عدّوا مداجيا

    وبقي ابي الطيب مع كافور من سنة 346هـ الى العام 350هـ يعيش الغربة والتوحد ويتفجر شعريا . وهو واثقا من نفسه متحديا المصاعب التي تواجهه مع كافور يقول المتنبي :
    أنا في أمّةٍ تداركها الله
    غريبٌ كصالحٍ في ثَمودِ

    بعدها يأتي الوجع والهم السياسي في الغربة مع كافور وما تمليه الظروف الصعبة عليه حين يقول :
    بم التعّللُ لا أهّلٌ ولا وَطنُ
    أريدُ من زمني ذا أنْ يُبلّغني
    ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكنُ
    ما ليس يبلغهُ في نفسه الزمنُ

    ولكن قبل هذا هناك مخاضات كثيرة واجهها ابي الطيب ابتداء من موت أمه وهو وليد فكفلته جدته واختارته ليكون حظها من هذه الدنيا وتعدته بالرعاية والتربية والنشأة والنصيحة ومنحته حنان الام والاب ، وكانت جدته من (مصلحات النساء الكوفيات) كما وصفها ابي الطيب (حازمة ، طيبة الروح ، زكية النفس) غير أنثى العقل ويقال : كانت إمراة موتورة ، لكنها طيبة . فكان المتنبي شخصية غريبة وكما يقول ابن رشيق (ملأ الدنيا وشغل الناس) ونشأ المتنبي وهو محب للعلم والادب ولا شك ان وراء ذلك كانت جدته بحزمها تدفعه وتشجعه ، فتأدب الفتى على العلم الذي كان ينهله من كتاب اولاد أشراف الكوفة كما قلنا في البداية ، فإجتهد وبرع وتقدم على اترابه بفضل جدته وتأثيرها عليه حتى استطاعت ان تحقق ما تريد في مجال المعرفة العلمية والأدبية وهذا ماثلا في شعره . وكان الفتى وهو الكتاتيب له وفره من الشعر يفوق بها أقرانه فقال له بعض اصحابه من الفتيان العلويين (يا أحمد ما أحسن هذه الوفرة) فكان جوابه اعجب من فتى في الكتاتيب :
    لا تحسن الوفرة حتى ترى
    على فتىً معتقلٍ صعدةً
    منشورة الضّفرين يوم القتالْ
    يعُلُّها منْ كلِّ وافي السِّبال

    وهنا يتحدد في هذه الأبيات العمق والتجربة البسيطة ولكن طريقة التناول للمواضيع والمعاني والصورة الشعرية وتفاصيل الحدث الشعري وحضوره والتي يراها وهي متداخلة ، والصورة الشعرية المركبة يوم ينشر مضفورها في القتال وتصاعد الغبار والدم المهراق وهذا تحقيق لمنعطف الخيال الشعري في بداية صباه وتعطينا هذه الإلتفاتة الشعرية المعنى في طلب الرجولة والانصراف الجدي للحياة والإبتعاد عن الهوامش الى المركز والنظرة الابعد الى هذه المجاهيل ومنذ لحظة بناء البيت الأول ونحن نلاحظ البناء اللّغوي المتين والمعنى المتدفق في البيتين التاليين :
    سبحانَ خالقَ نفسي كيف لذّتُها
    الدّهرُ يعْجبُ من حملي نوائبهُ
    فيما النفوسُ تراه غاية الألم
    وصبرِ نفسي على أحداثه الحطمُ

    وهذا هو الأصل في تشكيل المعنى السيكولوجي الذي ظهر في انساقه ليصبح اعلانا عن القدرة السيكولوجية في طاقة التحمل . والمتنبي صاحب الثورة الدائمة في بواعث الشعر العربي وما يضمره من معنى داخل تشكيلة المعنى نفسه ، فهو ينشأ المعنى ويقوم بنقل الحدث من تشكيل الى تشكيل في الصورة ، ويرافق ذلك تدبر في البناء القوي والمتين ومن إثراء في تفاصيل المعاني المتداخلة ، وما خفي من مقاصد من محاربة عدوه وقد قال (كُلّ وافي السًَالِ) فالذي يعنينا من هذه الأبيات هو قدرة أبي الطيب على تحقيق الوعي المركزي في البنية الشعرية وهي تتجه الى تحقيق استمرارية تنظرية في خلاصة الثورة المستمرة بدون توقف فثورة المتنبي تشمل كل معالم الوعي وتجسيدها في حركية الواقع الاجتماعي الذي تهمش على يد ثلة من المرابين والتافهين وكل الذي حصل كان مخزّن في عقل المتنبي منذ يفاعته حتى اخرجته من طفولته الى رجولته فكانت الطفولة هي الطفرة النوعية في الحلقة الأكبر للرجولة وما تعنيه الثورة الدائمة عند المتنبي ، هي حالة التغيير في حركة الواقع والتاريخ فالثورة كبرت في صباه في الكتاتيب وعبر عنها بهذه الأبيات وغيرها ولكن الثورة بقيت حتى اصبح شهيدها . فالثورة عند المتنبي هي حقيقة واقعة وحدث كان قد تركب في شخصيته منذ كان فتى وحتى مماته بقيت هذه الثورة مبثوثة في ثنايا وفضاءات قصائده المحرضة على التمرد .
    (الاختلاف في شعره)
    من علماء الادب ، منهم من يفضله على ابي تمام ، والبحتري ومنهم من يفضلهما عليه ، وقد شرح ديوانه علماء في الكلام نحو الخمسين من أفاضل اهل العلم وهذا دليل على علوّ طبقته ومتانة حسه البلاغي وسعة معرفة في التصرف بالمعاني وان اول شعر نظمه وهو صبيّ :
    أبي مَنْ وَددتُهُ فافترقْنا
    فافترقنا حولاً فلمَّا التقينا
    وقظى الله بعدَ ذاكَ اجتماعا
    كانَ تسليمهُ علىَّ وداعا

    وقال وهو صبي :
    أبلى الهوى أسفاً يوم النوى بدمي
    روحٌ تردَّدَ في مثل الخلالِ إذا
    كفى بجسمي نحولاً أنَّني رجلٌ
    وفَرَّقَ الهجرُ بين الجفن والوسنِ
    أطارت الريحُ عنهُ الثوب لم يبن
    لولا مخاطبتي إيّاك لم ترني

    وقال ايضا في صباه يمدح محمد بن عبيد الله العلوي المشطب :
    اهلاً بدارٍ سباك أعندها
    ظلْتَ بها تنطوي على كبدٍ
    يا حاديي عيرها واحسبني
    أبعدُ ما بانَ عنكَ خُرَّدُها
    نضيجةٍ فوق خلبها يدُها
    أوجدُ ميتاً قُبيل أفقدُها( )

    وقال ايضا في صباه :
    يترشَّفن منْ فمي رشفاتٍ
    كُلُّ شيءٍ منَ الدماءٍ هرامٌ
    ما مُقامي بأرضٍ نخْلة إلاّ
    هُنَّ فيه حلاوةُ التوحيد ...
    شربهُ إلاّ دمَ العُنقودٍ ...
    كَمُقامٍ المسيحٍ بينَ اليهودٍ( )

    يتحرك النسق المعرفي عند المتنبي باضطلاع الصيرورة وتطورها في تناول الذات العارفة والمعرفة في تأسيس مفهوم (أبستمولوجي) من موقع يتجانس في وجهة الصيرورة والتحول ضمن باقي الأجناس على ضوء الطروحات النظرية وتحولاتها من انطلاقة تشاكل الحقيقة ومميزاتها والإحاطة بكل المداخلات والملامح المتعلقة بالسرد الشعري وسيرورة التجربة الشعرية عند ابي الطيب فتحت ممارسة فلسفية ادت الى عقلانية صارمة في الخروج بالانسان الى المسوؤلية في الوجود وترك حالة العجز واستخدام الفكر والعظمة عند الانسان وتعالقه بالآخرين ذلك في اتخاذ القرارات والممارسات الفعلية في قيادة الآخرين ثم الانطلاق والاجتياز واخذ الناصية المتقدمة لتكون الشجاعة هي المطلب الفكري المتقدم . والمتنبي في حياته طلب العظمة وكانت تتمثل بالقوة والسلطان – والمال والثورة اضافة الى حجر الزاوية في العبقرية الشعرية . والمتنبي كان قد زاوج بين حرية الفكر والجاه – والعظمة والمدح للولاة والحكام ، وهنا ليس بالضرورة ان يكون الحاكم او الوالي شخصا بعينه ربما يكون القانون او المؤسسة الفكرية باعتبارها المنظومة التي توجه الأفراد والجماعات – واطروحة المتنبي المكسوة – بالغموض ليس على مستوى الشخصية بل الغموض على مستوى الشعر حيث ضاعفته الظروف حتى أحكمت الأطروحة الذاتية التي جاء بها المتنبي في صياغتها للعظمة الذاتية . وان تحديد منهج للحرية لا يتناقض مع خلاصات التنوير في حسن الاستعمال والحفظ للعقل – والاخلاق من الناحية العملية – فكان الاستخدام الكامل لمجسات العقل وحّد الخاص العقلي مع العام في لغة استخدام محسوسة في عملية التأويل لصياغات النص الشعري سرديا .
    (اطروحة التأويل المتنبّية)
    ان معنى الجدل الدائر حول حقيقة التطورات الفلسفية والفكرية عند المتنبي التي اعقبت اشكاليات التسلح بسلاح الداعية الاسماعيلي – وسلاح الشعر + سلاح العبقرية . كل هذه الأشكاليات الثلاثة أدت الى القيام بترتيب جديد في فلسفة المتنبي بثنائية العقل والأختلاف في الطرف التنظيري فاصبحت المنظومة العقلية وفق الترسيم التالي :
    ثنائية العقل + الاخلاق + التنظير الاسماعيلي + المنظومة الشعرية + العبقرية = جملة طروحات المتنبي والمرتسم رقم واحد يوضح ذلك.
    مرتسم رقم (1)
    ثنائية العقل / الاخلاق التنظير الاسماعيلي المنظومة الشعرية العبقرية
    + + +

    ثنائية العقل + الاخلاق





    المنظومـة الشعرية

    وهي وقائع بعد ان أصبحت طروحات المتنبي انقلابات ذاتية وموضوعية الغرض منها نزوعه الى اجتهادات في النظرية وسردا في التاريخ . ومدحا للوصول الى هدفه العقلي من خلال فلسفته التكوينية وقد هيمنت شخصيته على المواقف التاريخية ، فقد نقل الإهتمام الفلسفي من منهجه النظري الى الانطولوجي التقليدي الى البحث عن تجريبية (أبستمولوجية) ومعايير في نطاق التجارب الانسانية فانزل المنهجية الفكرية من الحدود المنطقية المجردة الى حدود منطق الحدث الشعري وصلته الفردية والجماعية . فالمتنبي ما يمكنه ان يعتقد يمكنه ان يعمل حتى يقلّب الأسس التقليدية للطروحات النظرية ، وان منطق التفلسف يمكن قلبه من الكشف عن مكامن الحقائق الى مهمة معيارية تؤكد كل الحقائق التجريبية حصرا والحقيقة المطلقة بمعيار الحقيقة المطلقة ذاتها والكشف عن معيار الأخلاق السياسية والأدبية حصرا التي ترتكز على الحدود المعرفية ولكن المتنبي عمل جاهدا منذ البداية على تحرير المعنى والبحث عن المنظومة الشعرية من خلال هذه الطروحات وبملء نفسه وكامل قواه العقلية حيث كون كيانا متطورا وامتزج بهذا المفهوم إمتزاجا وكان متنبئا لما سوف يحدث وما يتصوره وما يطمح اليه وراح يفجر هذه الطروحات ليخلق منها وجودا يستقل فيه عن تلك الاشكال المبتسره ليخلق العرف الابستمولوجي ليبلغ حقيقة فعله الزمكاني مستقبلا النظرية الابستمية . لقد حاول المتنبي ان يقيم السلطة المعيارية مقابل السلطة المطلقة وبذلك فتح الطريق واسعا امام الابستمية لتحقيق مضامين تتعلق بالجزء أو الكل أو بنسبية الإثنين وامام ارادة فلسفية وطروحات نظرية تتناول البعد السيكولوجي وفق حكمة عامة عن اصول هذه الاشكاليات حتى يمكن ، معالجتها (ابستمولوجيا) والتحقق من مضامينها الجديدة وفق جهد ينصب في عملية تحرير الدفعات النظرية من طغيان المطلقات في رحلة يطوق فيها الموقف النقدي ليحرر رحلة اطلاقية لهذه الطروحات نحو تجريبية محكمة .
    لم يكن المتنبي خارج رؤيا طروحاته (الإسماعيلية – القرمطية) لذلك جاء نقد المنهجية الفلسفية المجردة الى قضية صياغة تاويل المعنى لكي يرمز الى الأبستمية وتشبيهها أي تشبيه نفسه بالمسيح ليثور ثورته القرمطية وهي ثورة ابستمية والمتنبي لا تفهم محاور تفكيره الا وفق هذه النزعة الفلسفية (الاسماعيلية القرمطية) وهي التي تسيطر على كل مجساته وتصرفاته وتفكيره ، الذي يتوجب حسب المنطق الزمكاني .
    يقول المتنبي :
    اين فضْلي ، اذا قنعتُ مِن الدَّهْـ
    أبداً أقطعُ البلادَ ، ونحْمي
    ـرِ بعيشٍ مُعَجَّلِ الّتنْكيدِ
    في نحوس ، وهمَّتي في سُعُودِ

    ثم يقول :
    وترْكُكَ في الدُّنيا دًوٍيّا كأنّما
    تداولُ سَمْعَ المرءِ أنملُهُ العَشْرُ( )

    في طروحات المتنبي معادلة تحقيق حلم اخلاقي يتعلق بالذات بافتراض ما يعنيه المعنى الفلسفي لمحتوى أو فحوى هذا السلوك القائم على فعل الواجب كمبدأ في حد ذاته والاطاعة لمنطق مفصل من هذه الطروحات وهو يتقدم بنظرة فردية تجعل من الأخلاق من غير ان تتوازن ، هذه النظرة مع ضرورة تتعلق بالوجوب من قبل الحاكم ورؤيته الى الآخر ، وكادت تحدث هذه المداخلة لكنها تكللت بالفشل ، وهذا الذي حدث مع كافور الأخشيدي وعوتب فقال : (يا قوم من ادعى النبوة بعد محمد (ص) أما يدعي المملكة مع كافور ؟) وبعد ان اخلف كافور عهده المعروف مع المتنبي عندها اصابت المتنبي الحمّى فلزم الفراش ونظم قصيدته المشهورة :
    مَلُومكما يجلُّ عن الملامِ
    وَوَقعُ فِعالِهِ فَوْقَ الكلامِ

    وهو في هذا معرضا ببخل كافور ، يائسا من اخلاص البشر ، متشائما في ثورة نفسه الجامحة :
    وَلمّا صارَ ودُّ النَّاس خباً
    وصيرتُ أشُكُّ فيمنْ أصطفيه
    جزيتُ على ابتسامِ بابتسامِ
    لعلمي أنَّهُ بعضُ الأنامِ


    (الطروحات وفق المنظومة الشعرية)
    ابتداءً من القاعدة الخصبة التي أسسها ابي تمام وهي تتعلق بظهور ، مدرسة المتنبي اضافة الى وجود القاعدة الاختلافية التي اصبحت أشد ميلا الى الجديد والمحدث في انساق المنظومة الشعرية ، ويمضي الواجب في الذوق العام ومداهمة حالة الاقصى منطقيا . هكذا اصبح المنطق الاختلافي في قبول ابي تمام أو البحتري ، اما المنعطف الجديد في المنهجية الشعرية هو : في طروحات المتنبي وظاهرته الجديدة والمعاصرة . لقد جمع المتنبي فضاءات عديدة من هذه الشعرية الحديثة جمع القديم + الحديث والمنهجية التحديثية والرؤية والجزالة ومرتبة القوة البيانية في الغوص الى عمق النص لاكتشاف المعنى ، فكانت منهجيته منهجية فلسفية : تقوم برصد التطورات التي تتعلق بماهية الحياة بشكل عام والشعر بشكل خاص ، وبناء النص الشعري عبر جوهرية تنتمي في تفاصيلها التاريخية في الادب الى النصف الاول من القرن الرابع الهجري وهذا ما شغل التصور النقدي وما احدثه الصراع بين القديم والحديث وما نهجه ابي تمام من نزعة بحترية . كل هذه التأويلات – والتفسيرات بالنسبة للنقاد وضعت فوق الرف ، فالمتنبي ليس مرحلة تقليدية بين التجريد في النص الشعري وبين طروحاته الاخرى ، فالشعر بالنسبة له اصبح جزء لا يتجزأ من حركية هذه الطروحات بشخصية متعالية متعاظمة وجريئة في بناء النصوص الشعرية من ناحية التركيب للمفردات المبهمة احيانا والمبالغ فيها في عملية التصعيد النظري وفق المنظومة العقائدية والتي تتجذر وفق آراء تفكيرية تتعلق بالطروحات الفلسفية – الاختلافية وفق تساوق في المنظومة اللّغوية باعتبارها تشكيل جدلي تاريخي يتعلق بتفاصيل البنية . ويظهر ان المتنبي في هذه الخصوصية هو الوضوح للعلاقة الجدلية بين كل هذه الطروحات من خلال نواظم سيكولوجية مسيطرة . وبدات هذه الطروحات تأخذ مجالها الواسع حتى نشب الخلاف بين مؤيد لهذه الطروحات – ومخالف لها ولكن في النهاية اراد الخصوم تحطيم المنظومة الشعرية التجذيرية للمتنبي وكسر شوكة ذاتيته المتعاظمة والتشكيك في معاني شعرية المتنبي . ورغم كل هذا الايضاح في الخصائص التركيبية في المنظومة الشعرية ، كان الخصوم يناقش قضايا تتعلق بالشكل ، ولكن على العموم كانت الجبهة المضادة متفقة هو ان شيئا جديدا قد حل ، وان هذا الشيء الجديد هو التجديد الشعري عند المتنبي والانطلاقة السيكولوجية في اظهار المدارك الجوهرية لهذه الطروحات واعتمادها كمضامين للصيرورة النظرية الجديدة حتى على مستوى النقد في تلك المرحلة وما حدث مع الحاتمي في الرسالة الموضحة في نقد شعر المتنبي بتحريض من الوزير المهلبي لمهاجمة المتنبي . فالرسالة ، فيها حقد وتجني وارضاء للمهلبي . ولنا عودة الى هذا الموضوع في الصفحات القادمة . وقد تجلّت طروحات المتنبي في اطلاعه على الحكمة والفلسفة اليونانية وقد سبر المتنبي غور التفكير والوجود وحمّل الذات مسؤولية التغيير بالافكار والمفاهيم وما معنى التغيير في المشهد الفكري وتأثيره على المشهد الشعري والممارسة في القراءات المتعددة لمنطق الوجود واختلافية المعاني ما هو الا قراءة للنص قراءة علمية وللمعنى ومداخلاته الجوهرية ومكوناته عبر اللّفظ والملفوظات واثراها الكبير في انتاج المعاني وتوليد الدلالات . والنص في طروحات المتنبي هو حقيقة مقابل خواص المعنى في التغيير الدلالي واستخدام الكنايات باعتبارها خلاصات من الملفوظات موظفة مجازيا بدلالات يتعلق امرها بالمعنى عندما يصبح المعنى هو التعبير عن معنى المعنى . وهكذا تستمر الدورة الجدلية عند المتنبي في اختلافية المعاني والتعريف بها ومن ثم تأويل الخطاب بتأويل آخر يتحرك وفق مفردة المعنى وتعالقه مع النصوص المفتوحة التي تحدد مصادرها واستقبال معانيها لا يتوقف على مجمل التفسيرات الموضوعية الكامنة فيه وفق حالته الانغلاقية باعتباره قائم الدلالة لا يتحمل التفسيرات من الناحية القانونية والعلمية فالانفتاح والانغلاق للنص في فلسفة المتنبي يغاير الاساليب القديمة في تحديداتها (الابستمولوجية) لهذه الدلالات وعلاقتها بالنصوص الشعرية . والنص المفتوح في منظومة المتنبي الشعرية يطلق عليها (النصوص السردية الحوارية) والتي لا تتعلق بالنهايات وحدودها . فالنص عند المتنبي يظل مفتوح – ومنفتح لاستقبال الفواصل النهائية عند المتلقي ، اما فيما يتعلق بالنهايات المحدودة للنصوص فيظل فيها النص مغلقا اغلاقا كاملا على نهايات مرسومة وهذه النهايات هي تعبير فني عن تكوين بداية جديدة تحكي السرد الشعري بشكل مباشر على ضوء خاصية الشاعر والتي تتعلق بالانتاج الفني وهو يهدف الى اشاعة حركة الظروف التفصيلية للحدث والازمات وما يتعلق بالاخبار التي تشكلت في الواقع باسلوب العرض وكتابة السيرة والمسرحيات وهذا يعود الى فحص المدلول وضبطه . في مثل هذه المنهجية الاكاديمية والأمر يعود الى ترجمة مصطلح (Recit)( ) الى شتى اللّغات ولكن بقي السرد والحكي قائما رغم كل محاور التغير التي انتجت هذه الفعاليات .
    وفيما يتعلق بالمصطلحات القديمة من اشكالية اللفظ للسرد في اللّغة الفرنسية (Narratologie, Narration ثم Narrative’) وما يقابلها باللغة العربية من مصطلحات ، هو السرد – والقص – والحكي – والاخبار – والرواية فضلا عن شيوع الاصطلاح (R’ecit) في المعرفة الاصطلاحية وهو : الحكي – والمحكي لدى جمهرة من النقاد وهو السرد – والمسرود لدى طائفة من الناس ، وان استحسان السرد جاء نظرا لشيوعه في اصطلاح الثقافة العربية( ) .







    المتنبي
    (الخطاب المربوط بخطاب النص)
    وهو ما يتعلق بالشكل الافقي للسرد الشعري لانه الشكل الغالب على النصوص الشعرية باعتباره ينتمي الى المتشاكل المفتوح حيث اصبح السرد الشعري افقيا لانه يتمثل الشخص بتتابع الحدث . في رحيل ابي الطيب عن مصر وهذا ما جاء في شرح ابي العلاي المعري وقد اعد كل ما يحتاج اليه في رحلته وكان يظهر الرغبة في المقام حتى ليلة عيد الاضحى .
    قال المتنبي قصيدته :
    عيد باية حالٍ عُدْت يا عيدُ
    بما مضى أَمْ الأَمرِ فيك تجدْيدُ

    لقد شكل المنعطف الافقي في هذه القصيدة قدرة في الاشتراطات الابستمية وتحليل لتاريخية الحدث ، والحكائية السردية ومناهجها الشعرية وتعدد (السيميوطيقية السيكولوجية) من خلال تداخل آليات القصيدة الافقية ومداراتها الحقيقية المباشرة حيث تندرج ضمن معرفية (فتغنشتين) الذي يعتمد عليه (دو سارتو في تحديده للعرفان) المسكوت عنه ما لا يمكن النطق به (I’indicible) لان الفضاءات في القصيدة فضاءات عائمة المنظور ومتموجة فلا تجد وقائعها في حركية الواقع المحسوس فهي تقع في تشكيل اللامنطقي( ) ويشكل المغلق من هذه الواقعة باعتباره يعتمد الخواص الدائرية حتى ولو كان مختلفا منهجيا في بعض التعارضات حيث تكون (البداية – هي نهاية الموقف) ويبدأ المتنبي بنص يتنبأ به او ما يتشكل في النهاية رغم الجهود المبذولة في نسق الحركة والبناء وما يعنيه معنى الانغلاق – والانفتاح الافقي في القصيدة لانه يتعلق بالنوعية وحيث الالتحاق بالنصية بوصفه استدعاء للقراءة ومزاولة التأويل والمناقشة والتفسير والاحتمال بتعدد الناتج الدلالي والقراءة تعني ربط كل هذه الخطابات والمعاني ربطا جديدا وتأريخيا بالنصوص وقدرة اصيلة على استئناف الانتاج وهو المعيار الذي مثل النص الافقي المفتوح وتاويلاته بوصفه آلية ملموسة .
    وتودروف يضع مفاهيمه في تفاصيل المخالفة بان يجعل المغلق من لوازم النصوص الابداعية ويجعل الانفتاح للنقد في نصوصه لانها تعبر عن نهاية اكيدة وهذا واضح في رثاء اخت سيف الدولة .
    يقول المتنبي :
    يا أخت خير أخٍ يا بنت خير أب
    كنايةً بهما عن أشرف النسب

    ولرولان بارت في تحديد مفهوم الانفتاح – والانغلاق افقيا ، يرى ان النص المغلق يساوي علاقة جنسية غير مبرمجة باعتبارها علاقة محصورة في الذات . اما يتعلق بالنص المفتوح فهو علاقة جنسية ، وهنا يشكل الفعل الجنسي حجر الزاوية في التجديد ، وهذا يقع بدوره على المتلقي في كيفية تأهيلة وفق قدرات تساعده على هضم معنى النص على نحو تصاعدي او تنازلي وفق اجراء سسيولوجي يحكم طبيعة المجتمع من الناحية السيكولوجية . فالموازنة تحدث في قرارة المتلقي ، والقدرة والموازنة في تقنيات النص حتى يستطيع استخلاص النتائج على مستوى التصريح والتأويل والى ما قصده (أمبرتو ايكو) في عملية التاهيل للمتلقي وامتداده السياقي والهامشي حتى يتمكن من استقبال تشاكيل النص بمنظومة صحيحة يعبر عن خواص الانفتاح بالتاويل لخواص المعنى . وهنا يأتي : دور المنهج التكويني لما يمكن تقديره بالثورة الكبرى في الاساليب وهي جزء من المطارحات التي عرفها التكوين الابستمي للمتنبي من خلال باطنية شيعية وبعبقرية شعرية مطارحة كانت قد رفعته الى مستوى عالم الوحي لكفاءة تؤدي الى عملية الانغلاق على الأشياء او استغلال المعنى الدفين للنصوص (المغلقة والمفتوحة) وتبقى المشاكلة في انتاجية الوعي الموضوعي بمراقبة ذاتية عقلية تنشد الطبيعة العاملة والناطقة ولهذا اصبح الاستنباط هو القدرة والانموذج في رفد حركة الاستحضار لحركية المرجعيات في الآمال العظام والآلام الجسام ، وكان الخروج عن الذاتية يعني الخروج عن اركان النص الشعري ومظهره الفكري وادواته المألوفة وروحه الوثابة وحديثه الذي يتحرك وفق خدمة العظمة الذاتية وكشف الاقنعة الزائفة والرموز الخاوية حتى وصل الى نتائج ليستريح فيها الى اليقين والى معنى يتعلق بتركيب النص الشعري . والمتنبي فرض ذات فلسفية فيثاغورية – رواقية مصهورة في بوتقة شيعية – اسماعيلية – قرمطية ، وتصرف بذات المعنى الزاهد ، ولكن بدون زهد ولا تدين ، وركب المعنى الحرفي للنص في ضرب للفلوات وحياة اللهو ، والغزل ، والحياة الجهادية رافضا الحياة النمطية ، فكان سلاحه في ذلك (الشعر – والعبقرية) وهما فرعان كبيران من طروحاته النظرية . فكانت نصوصه الشعرية محملة باللغة الصافية الصعبة والكفاءة في استخلاص المعاني والملازمة للتأويل حتى يتصل بتأويلات ليمهد لما يليه من خصائص مؤوّلة وتنظير شفاف في النص المفتوح والنص المغلق ، وان مهمة المعنى هي الاشارة الى ما يليه من معنىً ثان كما يقول (عبد القاهر الجرجاني) .
    يقول المتنبي :
    وهبت على مقدار كفَّي زماننا
    إذا لم تنط بي ضيعةً أو ولاية
    ونفسي على مقدار كفَّيك تطلُبُ
    فجودك يكسوني وشُغْلُك يسلبُ

    وقوله فيه :
    ولي عند هذا الدهر حق يلُطّه
    وقد كلَّ إعتاب وطال عتابُ

    ثم قال بعد ابيات :
    ارى لي بقربي منك عيناً قريرةً
    وهل نافعي أن تُرْفعَ الحجُب بيتنا
    أقلُّ سلامي حبَّ ما خفَّ عنكم
    وفي النفس حاجاتُ وفيك فطانةٌ
    وما أنا بالباغي على الحبِّ رشوة
    وما شئت إلا أن أدُلَّ عواذلي
    وإن كان قرباً بالعباد يشابُ
    ودون الذي أمّلْتُ منك حجابُ
    واسكت كيما لا يكون جوابُ
    سكوتي بيانُ عندها وخطابُ
    ضعيف هوىً يُبغي عليه ثوابُ
    على ان رأيّ في هواك صوابُ( )

    والذي يتعلق بالمعنى في النص يمكن محاورته بانفتاح ويمكن تحويله الى مغلق عندما يغيب الحوار مع المتلقي الذي تؤهله الثقافة لكي يصبح بمستوى النص . والمتنبي في هذه الطاقة الأبستمية وضعه في موضع اشكالية الابهام في بعض النصوص الشعرية ولعل هذا الموضوع هو الذي أشكل شعريتة على أحد الاشخاص لأن يقوم بطرح سؤال موجه الى أبي تمام (لم لا تقول ما يفهم) وكان رد ابو تمام عليه هو مطالبته : (بان يرتفع بوعيه الى مستوى النص ، أو يدعوه الى تأهيل نفسه لكي يستقبل النص وان يبذل جهدا ابستميا يوازي الجهد المبذول من قبل المبدع في انتاجية النص . فقال في رده

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 2:49 am