شأة أدب الرحلة و تطوره
كتبهاArshadul Hassan ، في 28 يوليو 2006
الساعة: 06:08 ص
إن الرحلة
هي متصلة بتاريخ الإنسان منذ أقدم العصور . فأول رحلة قام بها الإنسان هي
رحلة من بساتين الجنة إلي سطح الأرض . و إليه أشار قوله تعالي [ قلنا اهبطوا منها جميعا ] . ربما يطلق المؤرخون علي هذه الرحلة المبكرة أسماء أخري مثلا الإنتقال أو الهبوط أو النزول و غير ذلك . لكنها علي الرغم من ذلك لا يبالغ إذا قيل إنها رحلة . لأن كلمة الرحلة تشارك
في معني الإنتقال و ما شاكله بصفة عامة . فبعد أن ألقي عصا الترحال علي
وجه الأرض , بدأ أنسال آدم و حوّاء عليهما السلام تقوم بتجولات من منطقة
إلي أخري رجاة أن تكسب المعاش تارة , و أن تتمتع ببيئة جديدة تارة أخري ,
أو لأن تجازف بمعرفة ما وراء العالم المعروف حينا , و أن تتشرد علي مضض
خيفة علي أنفسهم من غارات تُشنّ عليهم من قبل بني نوعها حينا آخر . أما
تدوين هذه الرحلات و التجولات أو تسجيلها فقد قام به الإنسان بعد قرون
طويلة . غير أنه سبقت بعض الأمم إلي التعبير عن رحلاتهم عن طريق الرسم علي
جدران مبانيهم . كما يتواجد علي جدران معبد الدير البحري بمصر العليا صور
رائعة لسفن الملكة حتشبسوط من ملوك الأسرة الثامنة عشرة . تعبر هذه
التصاوير عن عودتها إلي مصر بعد أن تقوم برحلتها إلي بلاد " بونت " في
الجنوب . أما الفينيقيون فلهم رحلات عديدة من خلال المحيط الأطلسي إلي
الجزائر البريطانية . إنهم إستطاعوا أن يقيموا مستعمرات لهم علي
طول بحر الروم و في أسبانيا. فخلفهم الإغريق و أقاموا مستعمرات لهم في بحر
الروم و البحر الأسود . لكنهم اختلفوا عن الفينيقيين في أنهم تركوا
لأجيالهم اللواحق العديد من المعلومات عن جغرافية العالم في زمانهم عن طريق
التدوين و التسجيل . ولما أصبحت روما عاصمة العالم القديم , طفق رحّالتها و
مؤرخوها يلتقطون أخبار العالم القديم جميعا لغاية أن قيل
إنهم لم يتركوا أي معلومات عن العالم القديم إلا و دونواها في كتبهم . ثم
قام العرب بدور الرحالة . أما نشأة أدب الرحلة في فنونهم الأدبية و تطورها
علي كرّ الدهور و أهم آثارهم حولها , فذلك كما في التالية علي وجه الإختصار
.
نشأة أدب الرحلة و تطورها في آداب لغة الضاد
علي مر العصور :
1 . الباب الأول :عصر النشأة و التطور [ من القرن الثالث للهجرة إلي آخر القرن الثامن للهجرة ]
مما لا مشاحّة فيه أن أقدم رحلة العرب إلي الآفاق كان عن طريق البحر . و السبب فيه يرجع إلي أن
موطنهم كان
محاطا بالبحار من ثلاث جهات . فكان من الطبيعي أنهم تخيروا لمجازفاتهم شطر
العالم القديم طريق البحر . لكن كل هذه الرحلات المبكرة من قبلهم كانت من
أجل التجارة أو لأجل تروية
عطش مغامراتهم
الكثيفة . فهذه الرحلات و إن لم يكن لها أي سجلات موثوق بها سُجّلت في
زمانها , إلا أن عليها دلائل في كتب الرحلة التي ألفت في القرن الثالث
الهجري . لأن كتبهم هذه تزخر بشتي
ألوان من المعلومات حول جغرافية العالم التي أُعجب بها أولو النُهي للغاية . فهذا هو من خير
شاهد أن العرب علي الرغم من أنهم كتبوا في الرحلة في القرن الثالث الهجري ,
إلا أنهم اقتحموا البحار من حولهم و جابوا مناكب الأرض و مناطقها الغامرة
قبل زمان التأليف ببعيد . طالما أن أول رحلتهم المدونة كانت من نتاج القرن
الثالث الهجري , فلا بد من أن تعتبر هذه الحقب من الزمان عصر نشأة أدب
الرحلة عند العرب .
القرن الثالث للهجرة : لعل أقدم رحلة في هذا العصر قام بها سلام الترجمان الذي يقال إن الخليفة
الواثق (842 ـ 846 م) قد أرسله في بعثة إلي بلاد الصين ليشاهد السد الذي شيده الإسكندر في ديار
يأجوج مأجوج . و من هؤلاء الرحالة ابن وهب القرشي الذي يقال إنه لقي بسلطان الصين و عرض
عليه صورا لأنبياء هدية إليه. و كانت من هذه الصور صورة للرسول ـ صلي الله عليه و سلم ـ هناك
رحالة آخر في هذه الحقب من الزمان , معروف بالتاجر سليمان من تجار العراق . قام برحلات عبر
المحيط الهندي و المحيط الهادي إلي بلاد الصين رجاة أن ينقل عروض الهند و الصين إلي البلاد
العربية . وقد
ألف هذا التاجر رحلته سنة 237ه/851 م في حجم كتاب يصف فيه طريقه إلي الصين
عبر البحار الذي يعد أقدم نتاج عربي في مجال الرحلة البحرية . علاوة علي
ذلك هناك رحالة آخرون . منهم محمد بن موسي المنجم و اليعقوبي و ابن
خرداذابة و ابن رسته و ابن الفقيه .
القرن الرابع للهجرة : بينما أفشي قادة جيوش المسلمين العرب معاني الإسلامية السامية و نماذجها الرفيعة في أنحاء العالم من خلال الفتوحات المستمرة , نشر تجار العرب نداء الإسلام في
أقاليم لم يصلها
الجيش الإسلامي . فتزايد مبلغ المسلمين بمعدل رياضي في كل أدراج العالم . و
بالتالي طلبت هذه المناطق الإسلامية الجديدة من بغداد بعثات دينية تعلم
الناس فرائض الإسلام و ما يتعلق به و من هذه الوجهة حدثت رحلات عديدة .
منها مثلا أن ملك البلغار طلب من الخليفة المقتدربعثة . فترتب عليه أن أرسل
الخليفة سنة 309ه/921 م بعثة جعل رياستها لابن فضلان . فقام بمهمته بشكل
جيّد و ألف رحلته في حجم كتاب نشره بعض المستشرقين في القرن التاسع عشر
للميلاد. فوق ذلك هناك عديد من مشاهير الرحالة في هذا العصر. منهم أبو زيد
البلخيوالإصطخري و قدامة بن جعفر و المسعودي و ابن حوقل و أبو دلف مسعر بن
مهلهل و المقدسي والمهلبي و بزرك بن شهريار الناخداه و لكلهم نتاج مستقل في مجال الرحلة .
القرن الخامس للهجرة : لعل أشهر رحالة عند العرب في هذه الفترة من الزمان البيروني , يعد من كبار الفلاسفة العرب . فانه رافق السلطان محمودا الغزنوي في فتوحاته بالهند و استقر فيها نحو
أربعين سنة يبحث و يفحص فألف
ما تقع عليه عينه بالهند بكل دقة من التحقيق. فنتاجه في هذا المجال هو "
تحقيق ما للهند من مقولة , مقبولة في العقل أو مرذولة ." وراء هذا الرحالة
الفيلسوف الشهير هناك عديد من الرحالة العرب الذين يطوفون الأرض في هذه الفترة من الزمان . منهم ابن بطلان و أبو عبيد البكري و غيرهم . و كان لكل أحد منهم كتاب في مجال الرحلة .
القرن السادس للهجرة : من
أشهر الرحالة العرب في هذه الحقب من الزمان الإدريسي أبو عبد الله محمد .
كان من سلاسة الرسول ـ عليه الصلوات و التسليمات ـ و من بيت بني حمود الذين
تسلطوا علي بعض بلدان الأندلس في القرن الخامس الهجري . رحل الإدريسي في
الأندلس و المغرب و مصر و الشام و آسيا الصغري حتي حط رحاله في صقلية . أما
كتابه المشهور في هذا المجال فهو " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ." و
ممن اشتهروا في إنتاج أدب الرحلة في هذا العصر أبو بكر بن العربي و أبو
حامد الأندلوسي و أسامة بن منقذ و ابن جبيرـ الذي نتاجه لا يزال
مشهورا في الشرق و الغرب علي السواء ـ و الهروي .
القرن السابع للهجرة : من أشهر الرحالة العرب في هذا القرن عبد اللطيف البغدادي . كان له</
كتبهاArshadul Hassan ، في 28 يوليو 2006
الساعة: 06:08 ص
إن الرحلة
هي متصلة بتاريخ الإنسان منذ أقدم العصور . فأول رحلة قام بها الإنسان هي
رحلة من بساتين الجنة إلي سطح الأرض . و إليه أشار قوله تعالي [ قلنا اهبطوا منها جميعا ] . ربما يطلق المؤرخون علي هذه الرحلة المبكرة أسماء أخري مثلا الإنتقال أو الهبوط أو النزول و غير ذلك . لكنها علي الرغم من ذلك لا يبالغ إذا قيل إنها رحلة . لأن كلمة الرحلة تشارك
في معني الإنتقال و ما شاكله بصفة عامة . فبعد أن ألقي عصا الترحال علي
وجه الأرض , بدأ أنسال آدم و حوّاء عليهما السلام تقوم بتجولات من منطقة
إلي أخري رجاة أن تكسب المعاش تارة , و أن تتمتع ببيئة جديدة تارة أخري ,
أو لأن تجازف بمعرفة ما وراء العالم المعروف حينا , و أن تتشرد علي مضض
خيفة علي أنفسهم من غارات تُشنّ عليهم من قبل بني نوعها حينا آخر . أما
تدوين هذه الرحلات و التجولات أو تسجيلها فقد قام به الإنسان بعد قرون
طويلة . غير أنه سبقت بعض الأمم إلي التعبير عن رحلاتهم عن طريق الرسم علي
جدران مبانيهم . كما يتواجد علي جدران معبد الدير البحري بمصر العليا صور
رائعة لسفن الملكة حتشبسوط من ملوك الأسرة الثامنة عشرة . تعبر هذه
التصاوير عن عودتها إلي مصر بعد أن تقوم برحلتها إلي بلاد " بونت " في
الجنوب . أما الفينيقيون فلهم رحلات عديدة من خلال المحيط الأطلسي إلي
الجزائر البريطانية . إنهم إستطاعوا أن يقيموا مستعمرات لهم علي
طول بحر الروم و في أسبانيا. فخلفهم الإغريق و أقاموا مستعمرات لهم في بحر
الروم و البحر الأسود . لكنهم اختلفوا عن الفينيقيين في أنهم تركوا
لأجيالهم اللواحق العديد من المعلومات عن جغرافية العالم في زمانهم عن طريق
التدوين و التسجيل . ولما أصبحت روما عاصمة العالم القديم , طفق رحّالتها و
مؤرخوها يلتقطون أخبار العالم القديم جميعا لغاية أن قيل
إنهم لم يتركوا أي معلومات عن العالم القديم إلا و دونواها في كتبهم . ثم
قام العرب بدور الرحالة . أما نشأة أدب الرحلة في فنونهم الأدبية و تطورها
علي كرّ الدهور و أهم آثارهم حولها , فذلك كما في التالية علي وجه الإختصار
.
نشأة أدب الرحلة و تطورها في آداب لغة الضاد
علي مر العصور :
1 . الباب الأول :عصر النشأة و التطور [ من القرن الثالث للهجرة إلي آخر القرن الثامن للهجرة ]
مما لا مشاحّة فيه أن أقدم رحلة العرب إلي الآفاق كان عن طريق البحر . و السبب فيه يرجع إلي أن
موطنهم كان
محاطا بالبحار من ثلاث جهات . فكان من الطبيعي أنهم تخيروا لمجازفاتهم شطر
العالم القديم طريق البحر . لكن كل هذه الرحلات المبكرة من قبلهم كانت من
أجل التجارة أو لأجل تروية
عطش مغامراتهم
الكثيفة . فهذه الرحلات و إن لم يكن لها أي سجلات موثوق بها سُجّلت في
زمانها , إلا أن عليها دلائل في كتب الرحلة التي ألفت في القرن الثالث
الهجري . لأن كتبهم هذه تزخر بشتي
ألوان من المعلومات حول جغرافية العالم التي أُعجب بها أولو النُهي للغاية . فهذا هو من خير
شاهد أن العرب علي الرغم من أنهم كتبوا في الرحلة في القرن الثالث الهجري ,
إلا أنهم اقتحموا البحار من حولهم و جابوا مناكب الأرض و مناطقها الغامرة
قبل زمان التأليف ببعيد . طالما أن أول رحلتهم المدونة كانت من نتاج القرن
الثالث الهجري , فلا بد من أن تعتبر هذه الحقب من الزمان عصر نشأة أدب
الرحلة عند العرب .
القرن الثالث للهجرة : لعل أقدم رحلة في هذا العصر قام بها سلام الترجمان الذي يقال إن الخليفة
الواثق (842 ـ 846 م) قد أرسله في بعثة إلي بلاد الصين ليشاهد السد الذي شيده الإسكندر في ديار
يأجوج مأجوج . و من هؤلاء الرحالة ابن وهب القرشي الذي يقال إنه لقي بسلطان الصين و عرض
عليه صورا لأنبياء هدية إليه. و كانت من هذه الصور صورة للرسول ـ صلي الله عليه و سلم ـ هناك
رحالة آخر في هذه الحقب من الزمان , معروف بالتاجر سليمان من تجار العراق . قام برحلات عبر
المحيط الهندي و المحيط الهادي إلي بلاد الصين رجاة أن ينقل عروض الهند و الصين إلي البلاد
العربية . وقد
ألف هذا التاجر رحلته سنة 237ه/851 م في حجم كتاب يصف فيه طريقه إلي الصين
عبر البحار الذي يعد أقدم نتاج عربي في مجال الرحلة البحرية . علاوة علي
ذلك هناك رحالة آخرون . منهم محمد بن موسي المنجم و اليعقوبي و ابن
خرداذابة و ابن رسته و ابن الفقيه .
القرن الرابع للهجرة : بينما أفشي قادة جيوش المسلمين العرب معاني الإسلامية السامية و نماذجها الرفيعة في أنحاء العالم من خلال الفتوحات المستمرة , نشر تجار العرب نداء الإسلام في
أقاليم لم يصلها
الجيش الإسلامي . فتزايد مبلغ المسلمين بمعدل رياضي في كل أدراج العالم . و
بالتالي طلبت هذه المناطق الإسلامية الجديدة من بغداد بعثات دينية تعلم
الناس فرائض الإسلام و ما يتعلق به و من هذه الوجهة حدثت رحلات عديدة .
منها مثلا أن ملك البلغار طلب من الخليفة المقتدربعثة . فترتب عليه أن أرسل
الخليفة سنة 309ه/921 م بعثة جعل رياستها لابن فضلان . فقام بمهمته بشكل
جيّد و ألف رحلته في حجم كتاب نشره بعض المستشرقين في القرن التاسع عشر
للميلاد. فوق ذلك هناك عديد من مشاهير الرحالة في هذا العصر. منهم أبو زيد
البلخيوالإصطخري و قدامة بن جعفر و المسعودي و ابن حوقل و أبو دلف مسعر بن
مهلهل و المقدسي والمهلبي و بزرك بن شهريار الناخداه و لكلهم نتاج مستقل في مجال الرحلة .
القرن الخامس للهجرة : لعل أشهر رحالة عند العرب في هذه الفترة من الزمان البيروني , يعد من كبار الفلاسفة العرب . فانه رافق السلطان محمودا الغزنوي في فتوحاته بالهند و استقر فيها نحو
أربعين سنة يبحث و يفحص فألف
ما تقع عليه عينه بالهند بكل دقة من التحقيق. فنتاجه في هذا المجال هو "
تحقيق ما للهند من مقولة , مقبولة في العقل أو مرذولة ." وراء هذا الرحالة
الفيلسوف الشهير هناك عديد من الرحالة العرب الذين يطوفون الأرض في هذه الفترة من الزمان . منهم ابن بطلان و أبو عبيد البكري و غيرهم . و كان لكل أحد منهم كتاب في مجال الرحلة .
القرن السادس للهجرة : من
أشهر الرحالة العرب في هذه الحقب من الزمان الإدريسي أبو عبد الله محمد .
كان من سلاسة الرسول ـ عليه الصلوات و التسليمات ـ و من بيت بني حمود الذين
تسلطوا علي بعض بلدان الأندلس في القرن الخامس الهجري . رحل الإدريسي في
الأندلس و المغرب و مصر و الشام و آسيا الصغري حتي حط رحاله في صقلية . أما
كتابه المشهور في هذا المجال فهو " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ." و
ممن اشتهروا في إنتاج أدب الرحلة في هذا العصر أبو بكر بن العربي و أبو
حامد الأندلوسي و أسامة بن منقذ و ابن جبيرـ الذي نتاجه لا يزال
مشهورا في الشرق و الغرب علي السواء ـ و الهروي .
القرن السابع للهجرة : من أشهر الرحالة العرب في هذا القرن عبد اللطيف البغدادي . كان له</