مقاربة نحو النص في تحليل النصوص: قراءة في وسائل السبك النصي
من طرف أبوعلاء الدين في الثلاثاء 10 نوفمبر 2009, 23:04
أولا : ارهاصات البحث في اللساني النصي
حظيت
اللغة منذ القديم بنصيب وافر من الدراسات كونها من أهم وسائل الاتصال التي
يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم ، وأحدث دراسة في هذا الشأن تعود إلى زيلغ هاريس
الذي قدّم منهجا لتحليل الخطاب المترابط سواء في حالة النطق أو الكتابة ،
استخدم فيه اللسانيات الوصفية بهدف الوصول إلى اكتشاف بنية النص Structure
Of The text وقصر فيه الدراسة على الجمل والعلاقات فيما بين أجزاء الجملة
الواحدة ، والفصل بين اللغة والموقف الاجتماعي ومنه اعتمد منهجه في تحليل
الخطاب على ركيزتين:
- العلاقات التوزيعية بين الجمل
- الربط بين اللغة والوقف الاجتماعي (1)
في هذا السياق يرى روبرت دييوجراند
أن اللسانيات مطالبة بضرورة متابعة الأنشطة الإنسانية في التخاطب إذ أن
جوهر اللغة الطبيعية هو النشاط الإنساني ليكون مفهوما ومقبولا من لدى الآخر
في اتصال مزدوج (2) ، ومن ثم عدّت اللسانيات النصية حلقة من حلقات التطور
الحاصل في حقل الدراسات اللسانية الحديثة ، ويشير أكثر من باحث إلى أن
بداية البحث في النص – بشكل عام – ترجع إلى رسالة I.Nye
(3) التي بحثت فيها علامات عدم الاكتمال وهذا يعني أن هناك دراسات سابقة
على زيليغ هاريس يمكن - أن تعد بحق البدايات الفعلية لتحليل الخطاب- الذي
يرى أن اللغة لا تأتي على شكل كلمات أو جمل مفردة بل في نص متماسك ، بدءا
من القول ذي الكلمة الواحدة إلى العمل ذي المجلدات العشرة بدءا من الونولوج
وانتهاء بمناظرة جماعية مطوّلة (4) .فقد ربط هاريس تحليل
الجمل بسياق النصوص ونقل ما يتصل بتحليل الجملة تحليلا بنويــــا (
التقطيع والتصنيف والتوزيع ) إلى المستوى الجديد للنص وحاول بواسطة إجراءات
شكلية أن يصل إلى توصيف بنوي للنصوص لقد توسع هاريس في بعض الأفكار التي تعود إلى سوسير
الذي رأى أن الجملة عبارة عن تتابع من الرموز ، وأن كل رمز يسهم بشيء من
المعنى الكل لهذا فكل رمز داخل الجملة يرتبط بما قبله وما بعده (5) ،
واعتمدت الدراسات اللسانية على نظرية الوظائف القائمة على العلاقتين
الرأسية والأفقية وحافظت البنيوية بكل أشكالها على هذا التصور حتى ورثته
عنها بعض الاتجاهات النصية القائمة على فكرة التحويل عند هاريس ، إلا أن الفارق المميز بينه وبين فان ديك في
دراسة العلاقات النحوية بين الجمل في حقل اللسانيات الشكلية ، هو شمول
الوصف النحوي لهذه العلاقات في المستوى السطحي والعميق دون الاقتصار على
التغيرات الطارئة على البنية الظاهرة كما يقرّها التحويليون ويحرض فان ديك على ضرورة الارتباط المنطقي في البحث عن اتساق النصوص وانسجامها (6) حيث استعمل ديك
مفهوم الترابط للإشارة إلى علاقة خاصة بين الجمل والانسجام إشارة إلى عدم
تأويل الجمل أو القضايا بمعزل عن الجمل والقضايا السابقة عليها ، فالعلاقة
بين الجمل محددة باعتبار التأويلات النسبية (7).
والحقيقة أن الاتجاه من نحو الجملة إلى نحو النص لم يفرض وجوده إلا حين نشر هاريس دراستين مهمتين في أثره تحليل الخطاب 1952 Discours analysisبعد أربعين سنة من رسالة I.Nye ، وقدم بذلك أول تحليل منهجي للنصوص ، وتجاوز التقليد الذي أرساه بلومفيلد والمسلّم بأن النص ليس إلا مظهرا من مظاهر الاستعمال اللغوي غير قابل للتحديد (
كما كان للسانيات النص ارتباطا وثيقا بالنظرية التوليدية التحويلية
لتشومسكي من خلال تركيزه على الوصف العملي والعلاقة بين التركيب اللغوي
والخصائص الفكرية حيث كللت جهوده باجهاد هايد ولف K.E.Heidolph 1966 في استباط القواعد السياقية للجمل في النحو التوليدي وأبز نبرج 1968 أول من حاول أن يطور نحو شاملا للنص ، واتسعت قواعد النحو التوليدي لإنشاء الجمل لتشمل النص ، ومثله كالتالي : (9)
ن
...
ج1 ج2 ج3
م أ م ف م أ م ف م أ م ف
ن = نص ، ج = جملة ، م أ = مركب اسمي ، م ف = مركب فعلي .
وهذا الوصف يجسد ما أكّده ج . م أدام من أن النص إنتاجا مترابطا متّسقا ومنسجما وليس رصفا اعتباطيا للكلمات والجمل وعدت الآراء السالفة لهاريس
نقطة تحول داعية إلى أهمية تجاوز الدراسات اللغوية مستوى الجملة إلى مستوى
النص والربط بين اللغة والموقف الاجتماعي ، مشكلين بذلك اتجاها جديدا (10)
وأخذت ملامحه في التبلور منذ الستينات تقريبا وعرف هذا الاتجاه بلسانيات
النص Text linguistcs واللسانيات النصية Texual linguistcs ، ونحو النص
Text grammaire ، وعلى الرغم من التداخل بين الاتجاهات اللغوية والاتجاهات
النصية فإن الاتجاهات النصية حاولت الانفصال تدريجيا ، وعدّ المصطلح الذي
استخدمه هارقج Harwig.R للدلالة على هذا الاتجاه الجديدة في بحث النص ، و هو مصطلح Textologie وكان أكثر قبولا ، وأما التقسيم الذي استخدمه درسلر R.Dressler وهو علم دلالة النص وعلم نحو النص والتداولية النصية فهو أفضل في رأي – سوينسكي (11) .
إن
لسانيات النص فرع من فروع اللسانيات تعنى بدراسة النص وأبرز مميزاته وحدّه
وتماسكه واتّساقه والبحث عن محتواه الابلاغي التواصلي ، حيث تحتل النصـية
فيها مكانا مرمـوقا لأنها تجري على تـحديد الكيفيات التي ينسـجم بها النص/
الخطاب (Texte/Discours) وتكشـف عن الأبنية اللغوية وكيفية تماسكها
وتجاورها ، من حيث هي وحدات لسانية ؛ تتحكم فيها قواعد إنتاج متتاليات
مبنينة (12) ويتسم هذا العلم بتشبعه إلى حد بعيد إذ أننا لا نجد إلا قدرا
ضئيلا من الاتفاق حول مفاهيمه وتصوراته ومناهجه فقد استوعب حدا لا يستهان
به من المفاهيم نظرا لكثرة منابعه ، وأخذت اتجاهات البحث في هذا العلم
أشكالا عدة تبعا للأسس التي يستند إليها هذا العلم ، فنجد اتجاها يعتمد على
علم اللغة الوصفي وآخر يعتمد على علم اللغة الوظيفي وثالثا يقوم على علم
اللغة التركيبي ...لا شك أن هذا التشعب جعل مهمة ما توصل إليه مهمة صعبـــة
.
قد حدد ديبوغرند ودريسلار معايير النصانية التي لم تستوفها أطروحات هاريس والتوليدين
لأنها لم تستطع أن تحدد موقفا محددا من النصوص غير النحوية واختلاف
الأساليب داخل النصوص وأهم هاته المبادئ النصانية (13) :
1- السبك (cohésion) (14) : الترابط الرصفي القائم على النحو في البنية السطحية ، بمعنى التشكيل النحوي للجمل وما يتعلق بالإحالة والحذف والربط وغيره .
2-الحبك (cohérence):
وهو حبك عالم النص أي الطريقة التي يتم بها ربط الأفكار داخل النص ويظهر
هنا الربط المنطقي للأفكار التي تعمل على تنظيم الأحداث والأعمال داخل بنية
الخطاب .
3-القصد (Intentionnalité): وهو التعبير عن هدف النص الذي يغدو وسيلة متاهة لحظة معينة بغية الوصول إلى هدف محدد .
4-المقامية (Situtionalite): متعلقة بالسياق الثقافي والاجتماعي للنص أي مؤسسة على تحكم المقام في دلالات النص .
5-التناص (Intertextualité): هو أهم عنصر من العناصر المحققة للنصانية وهو أن تشكل النصوص السابقة خبرة للنصوص اللاحقة .
6-الإخبارية (Informative): تقتضي الإعلامية والإخبار حيث يحمل كل نص قدرا معلوما من القدرات الإخبارية.
7-الاستحسان (Acceptabilité):
يتحقق من خلال مستوى علاقة النص بالملتقى ، من خلال إظهار موقف المستقبل
للنص إزاء كونه صورة من صور اللغة ينبغي أن يكون مفهوما ومقبولا (15) .
ونرى
أغلب اللسانيين يصرّون على وحدة وتماسك النص وهو القاسم المشترك لكل
التعريفات التي تراهن على أن النص وحدة متكاملة تشدّها خاصية الترابط حيث
يقوم النظام الكلي للنص على مبدأ التماسك المتمثل في الخاصية الدلالية
الجامعة للخطاب التي يعنى التحليل اللساني في النص بوصفها وتحديدها في ضوء
نحو النصوص .
ثانيا : نحو النص
يتجاوز
التحليل اللساني النصي في ضوء نحو النصوص نظرة التحليل النحوي التقليدي
والأسلوبية ، حيث تتجلى مهامه في دراسة الخواص التي تؤدي إلى تماسك النص
وتعطي عرضا لمكونات النظام النصاني ، وان كانت مبعثرة يجب حينها على
المحلّل اكتشاف الآلية الحدسية والعرفية التي تمكنه من إيجاد فتيل الربط
لتكوين البناء المتميز ، وهذا يعني أننا نرى توظيف عبارة نسيج كمعادل للنص
ونلمح هذا في تعريف لنظرية النص يبين أن كلمة texte تعني نسيج (Tissu) الذي
تختفي وراءه الحقيقة ، هذا يعني أن فتيل الربط هو ذلك الرابط المضمر مقابل
الروابط المتجلية في تشكيله السطحي التي كانت ترومها الدراسات التقليدية ،
وقد حاول مجموعة من الدارسين عنو في وقت مبكر بدراسة نحو النص تأسيس نظرية
شاملة تبحث في الترابط النصي من حيث أشكاله ووسائله (16) وقد صور جارلسون
خصيصة الترابط هذه من خلال تخيل النص حوارا جيّد التكوين ، حيث تكون كل
كلمة وكل جملة هي رد على أخرى سابقة عليها ، وفي الوقت نفسه مثيرة لأخرى
لاحقة لها ، وهكذا حتى يصبح لنا في النهاية حوارا تتعالق كل أجزائه بعضها
ببعض ، ومن ثم يدعونا جارلسون – إذا ما أردنا معرفة ترابط نص ما – إلى أجزاء أو تخيل لعبة الحوار هذه (17) .
وينبغي
أن نفرق هنا بين الربط الذي يمكن أن يتحقق من خلال أدوات الربط (النحوية )
/( الروابط ) والتماسك الذي يتحقق من خلال وسائل دلالية في المقام الأول ،
ويمكن تتبع الأول على المستوى السطحي للنص (18) ويرى فان ديك
أن التماسك يتم على مستوى الدلالات (19)،واستعمل مفهوم الترابط للإشارة
إلى علاقة خاصة بين الجمل ، ولما كانت الجملة مقولة تركيبية والترابط علاقة
دلالية فقد فضل الباحث الحديث عن العلاقة بين قضيتين أو قضايا جملة ما
(20)، وتقضي أدوات الربط الطبيعية أن الجمل الفرعية والرئيسية تعبّر عن
ارتباط القضايا قصديا ، وتترابط القضايا إذا صارت الأحداث المدلول عليها
مرتبطة في حالة أو مقام ممكن .
ونجد إبراز خصيصة ترابط النص في معظم تعاريف النص عند علمـاء لغة النص ، فهو عند هارفج (21) ترابط مستمر للاستبدالات السنتيجمية التي تظهر الترابط النحوي في النص ، وعند فاينريش (22)
يكون حتمي تحدد عناصره بعضها بعضا لفهم الكل ، فالنص كل تترابط أجزاؤه من
جهتي التحديد والاستلزام ، إذ يؤدي الفصل بين الأجزاء إلى عدم وضوح النص ،
ويفسر هذا بوضوح مصطلحي "الوحدة الكلية" و"التماسك الدلالي" ، وعند بريكنز (23) تتابع متماسك من علامات لغوية أو مركبات من علامات لغوية لا تدخل تحت أي وحدة لغوية أخرى ( أشمل ) ، ويشير هاليداي ورقية حسن إلى أن النص هو مقطع منطـوق أو مكتوب ويشكل كلا متّحدا ، ويرى جون لاينز(24)
أن النص في مجمله عليه أن يتسم بسمات التماسك والترابط ، اننا لا نستطيع
أن ندخل في تفاصيل التمييز بين التماسك والترابط فلهذا التمييز بصورة عامة
علاقة بالفرق بين الشكل والمحتوى ، ويعتبر التمييز من هذا النوع جذابا
وحدسيا ويمكن تبريره نظريا (25) .
أن الحذف واستخدام الضمائر وأدوات الربط تساعد على تكوين ما يصطلح عليه بـ " التماسك الشكلي " (26) .
كان
التراث النحوي السابق الأساس الفعلي الذي بنيت عليه الاتجاهات النصية بكل
ما تتسم به من تشعب في أفكارها وتصوراتها ، وقدمت دراسات خاصة بأجزاء
الجملة ومتواليات الجمل ولم تخرج عن الظواهر التي يختص بها نحو الجملة ،
ونظرا لقصور نحو الجملة على تفسير بعض الظواهر لجأوا إلى الإشارة إلى وحدة
أكبر من الجملة يمكن أن تكون وحدة النص ، غير أن نحو النص يراعي في وصفه
وتحليلاته عناصر أخرى لم توضع في الاعتبار من قبل ، ويلجأ في تفسيراته إلى
قواعد دلالية ومنطقية إلى جوار القواعد التركيبية ويحاول أن يقدم صياغات
كلية دقيقة للأبنية النصية وقواعد ترابطها ، لقد عني الدرس اللساني النصي
في دراسته لنحو النص بظواهر تركيبية نصية مختلفة؛علاقات التماسك النحوي
النصي،وأبنية التطابق ، والتقابل ، والتراكيب المحورية والتراكيب المجتزأة
،و حالات الحذف ، والجمل المفسرة ، والتحويل إلى الضمير ، والتنويعات
التركيبية وتوزيعاتها في نصوص فردية ، وغيرها من الظواهر التركيبية التي
تخرج عن إطار الجملة المفردة (27) .
يرى فان ديك
أن نحو الجملة يشكل جزءا غير قليل من نحو النص ، وتتنوع فوائد نحو النص
وتتداخل مع أسباب الحاجة اليد (28) ، فأهم مهمة لنحو النص هي صياغة قواعد
تمكننا من حصر كل النصوص النحوية في لغة ما بوضوح ومن تزويدنا بوصف الأبنية
(29) .
ويتحقق للنص نصانيته حسب درسلر و دبيوغراند
من خلال المعايير السبعة التي ذكرت آنفا وجعلا معيار [ السبك ] الربط
النحوي الأول و[ الحبك] التماسك الدلالي المعيار الثاني ، حيث يتحقق البناء
بوجود هاته المعايير ، وهذا لا يعني وجودها في كل نص ، ولذلك لم تعد تراعى
الجوانب النحوية فحسب بل يشترط في النص جوانب أخرى بعضها يتعلق بالدلالة
بمفهوم واسع(30) .
وينبغي أن يفهم هنا نحو النص على أنه فهم أوجه
الترابط المتجاوزة للجملة وتغير التركيب في كل جملة على حدى على أساس
معطيات نصية ، والملاحظ أن نحو النص يضّم أشكالا مختلفة من الأنحاء التي
تنصب على النص ، غير أنها تختلف اختلافا شديدا باختلافات الاتجاهات اللغوية
والأصول التي قامت عليها .
غير أن نحو النص يضيق ويتسع نشاطه في معالجة النصوص وتحليلها باختلاف الآراء ، وتشبعها تبعا للتطور الحاصل في لسانيات النص ، فيرى سعد مصلوح
أن نحو النص يهتم في تحليلاته بضم عناصر جديدة منطقية ودلالية وتركيبية
ليقدم شكلا جديدا من أشكال التحليل لبنية النص ، وتصور معايير التماسك
والترابط والانسجام ولهذا تضافرت تقريرات اللسانين من أمثال بايك وهارتمان وجيلسون وساندرز لونجاكر وفان ديك وغيرهم على أن نحو النص بالنسبة لأي لغة بعينها هو أكثر شمولا وتماسكا واقتصادا من النحو المصور في حدود الجملة (31) ،أما ريزر H.Rieser
فقد اقترح في كتابه مقالات في علم لغة النص نحوا للنص وفق نموذج نحو تركيب
الضمائم الثنائي اللاسياقي ، وهو ذو أساس نصي فوق تركيبي ، محدد أفقيا من
تتابعات جميلة ومكون نحوي لتوسيع الجملة ومكون تحويلي محدود ، ومكون دلالي ،
ومعجم وعدد من وظائف التبعية للمعاني المركبة وحاول بتوفي (Petofi)
تطوير نموذج" نحو النص التقليدي" من خلال إدخال عناصر أو مكونات دلالية
وتداولية وعلاقات سياقية داخل النصوص ، وفي مقابل علاقات خارج النص ، وقد
نتج عن ذلك النموذج نظرية أطلق عليها نظرية تركيب / بناء النص وأسس صور
التماسك النصية في البنية العميقة للنص ودفعه هذا إلى أن يقتصر على أسس
النحو التي لا تختلف في النص ، في مقابل النظام الأفقي ( أي المحدد بسطح
النص ) .
ويقابل" نحو النص" في اللغة الأجنبية (Grammaire de
texte) استعمله النحاة بهدف الوصف والدراسة اللغوية للأبنية الوصفية وعند
أغلب الدارسين لا يختلف عن لسانيات النص الذي استعمله محمد خطابي وتمام حسان ، وبشير ابرير واستعمل سعيد حسن بحيري وإلهام أبو غزالة وعلي خليل محمد علم لغة النص ، واستعمل صلاح فضل ، جميل عبد المجيد
علم النص وهو أشمل من نحو النص ولسانيات النص لأنه لا يقتصر على نوع واحد
من التحليل بل يتجاوزه إلى أشكال أخرى من النصــوص ( إعلانات ، إشهار ،
المقال الصحفي والعلمي ، والفلم السينمائي وكل منتوج ثقافي معاصر يتشكل في
هيئة نص ، أما صبحي إبراهيم وفالح بن شبيب العجمي فقد استعملا مصطلح علم
اللغة النصي ) أما إبراهيم خليل فاستعمل نظرية النص ، بينما أحمد عفيفي
فقد استعمل " نحو النص " الذي يرى أن مهمة النحو الذي يتجه إلى النص قد
غير أهدافه بتعديها ، أو بوجود أهداف جديدة لم تكن موجودة في نحو الجملة
فالتحليل اللغوي اتجه إلى النص وبالتالي جاء تغيّر المنهج والأهداف عاملا
أساسيا لضرورة الحاجة إلى نحو النص .
إن صفة التتابع والتواصل
والترابط بين الأجزاء المكوّنة للنص تحقق للنص استمرارية من منظور نحو النص
، حيث تتجسد هذه الاستمرارية في ظاهره ، ويقصد بظاهر النص الأحداث اللغوية
المنطوقة أو المسموعة أو المكتوبة أو المرئية في تعاقبها الزمني ، فينتظم
بعضها مع بعض تبعا للمباني النحوية ولكنها لا تشكل نصا إلا إذا ما تحقق لها
من وسائل السبك ما يجعل النص محافظا على كينونته واستمرار يته .
ثالثا : أدوات السبك النصي
لقد فضلنا استخدام مصطلح " السبك " بدل الا تساق أو التضام أو الترابط الرصفي وغيرها علما أنها كلها تقابل مصطلح (Cohésion²) وقد اعتمدنا هذا بناء على ترجمة سعد مصلوح
، فالمترجم أشار إلى أنه ( السبك ) أقرب شيء إلى المفهوم المراد وأكثر
شيوعا في أدبيات النقد القديم (32) ويمكن توضيح هذا القرب والشيوع بالرجوع
إلى التراث النقدي والبلاغي عند العرب ، فالجاحظ يقول "
وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج ، فيعلم بذلك أنه أفرغ
إفراغا جيدا و سبك سبكا واحد ا، فهو يجري على اللسان كما يجري على الدهان"
(33) وورد عند ابن أبي الاصبع المصري في ( باب الانسجام )
فقد عرفه بقوله وهو" أن يأتي الكلام متحدّرا كتحدّر الماء المنسجم بسهولة
سبك و عذوبة ألفاظه ، وسلامة تأليف ، حتى يكون للجملة من المنثور ، والبيت
من الموزون وقع في النفوس وتأثير في القلوب ما ليس بغيره (34).
فالسبك
يعني العلاقات أو الأدوات الشكلية والدلالية التي تسهم في الربط بين عناصر
النص الداخلية ، وبين النص والبيئة المحيطة من ناحية أخرى ، ومن بين هذه
الأدوات المرجعية "(35) وعليه فالسبك يهتم بالعلاقات بين أجزاء الجملة ،
وأيضا بين العلاقات بين جمل النص وبين فقراته ، بل بين النصوص المكونة
للكتاب ومن ثم يحيط [ السبك ] التماسك بالنص كاملا داخليا وخارجيا (36) ،
فالسبك يهتم بتعالق وترابط القضايا ومنه تحدد النصية (Textulité) كما يلي :
النصية : الوحدة الترابط داخل الأجزاء
الوحدة الارتباط فيما بين الأجزاء
يوجد
السبك حينما توجد علاقة قضوية بين الجمل يعني أن السبك علاقة صريحة بين
القضايا تعبر عنها الجمل ، وتتجلى هاته العلاقة من خلال المرور على مستويين
، وهما المستوى النحوي والمستوى المعجمي اللذان يؤكدان فعالية [السبك ]
الاتساق وإبراز حدوده (37) ـ وانطلاقا من الشبكة التي وضعها هاليداي ورقية حسن حيث ينقسم السبك إلى سبك معجمي وسبك نحوي ويمكن تمثيل ذلك كالآتي :
معجمي (Lexical) نحوي (Grammatical)
1- السبك المعجمي :
ويتحقق السبك المعجمي بين المفردات أو الألفاظ عبر ظاهرتين لغويتين : التكرار : Reccurence المصاحبة / التضام : (38)Collocation .
أ-التكرار:
يعرف هاليداي ورقية حسن التكرار
بأنه" أية حالة تكرار يمكن أن تكون الكلمة نفسها أو مرادف أو شبه مرادف ،
كلمة عامة أو اسما عاما" (39) لكن هذا لا يعني دوما أن العنصر المكرر له
نفس المحال إليه ، بمعنى أنه قد تكون بين العنصرين علاقة احالية وقد لا
تكون ، وفي الحالة الأخيرة نكون أمام علاقات أخرى فرعية (40) ،وعندما يجعل
اللاحق إلى السابق أو العكس يحدث السبك بينهما ، لتوضيح ذلك يذكر هاليداي ورقية حسن المثال التالي :
- أغسل وأنزع نوى ست تفاحات ، ضعها في صحن مقاوم للنار .
فالضمير
(ها) في الجملة الثانية يحيل إلى ( ست تفاحات ) في الجملة الأولى ، كما
أنه لا يمكن تفسيره إلا بالرجوع إلى ما يحيل إليه ، وبالتالي ترتبط
الجملتان وتشكلان نصا قد قدم الضمير (ها) وظيفة الاحالة القبلية والتي أدّت
إلى السبك وهو شكل من أشكال الإحالة ؛ فالإحالة إلى سابق (Anaphore)
تكون عندما تحيل إلى عنصر لغوي متقدم وقيل أنها إحالة بالعودة حين تعود
إلى مفسر أو عائد (Antécédent) ومنها يجري تعويض لفظ المفسر الذي كان من
المفروض أن يظهر حيث يرد المضمر، فالإحالة هي بناء جديد للنص (41) ويرى الأزهرالزناد أنه يمكن تقسيم الإحالة بوجه عام إلى قسمين:
* الإحالة داخل النص Endophora تنقسم إلى قسمين (42) :
أ-إحالة على السابق ( قبلية ) Anaphora : تعود على مفسر سبق التلفظ به .
ب-إحالة على اللاحق ( بعدية ) Cataphora : تعود على عنصر إشاري مذكور بعدها في النص .
* إحالة خارج النص / خارج اللغة وتسمى مقامية / معجمية Exphora (43) :
تجمع
كل الإحالات التي تعود على مفسّر دال على ذات ، وهي متوفرة في كل النصوص
وهذا لا يعني أنها ضرورية ويمكن توضيح الإحالة كالآتي :
(Textual) نصية مقامية
(Endophora) داخلية
قبلية كسر الأفق القديم بعدية احتمال قديم
تأويل / وهم تأويل
أفق توقع
الاحتمال الجديد ( اختيار / تهميش )
اتساق عناصر الاحتمال
تتفرع
وسائل السبك الاحالية إلى الضمائر وأسماء الإشارة وأدوات المقارنـــة (
التشبيه وكلمات المقارنة : أكثر وأقل ... إلخ) ، ونعطي نموذجا من القرآن
الكريم يبين الإحالة القبلية (44) :
قال تعالى : " الله الذي خلق
السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه
من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ، يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج
إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون * ذلك عالم الغيب والشهادة
العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله
من سلالة من ماء مهين ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار
والأفئدة قليل ما تشكرون" : [ السجدة ، الآيات 4-9 ] .
إح1 – ارتبط لفظ الجلالة [ الله ] بمجموعة من الإحالات البارزة ضمائر ( خلق ، استوى ، دونه ، يدبر ، أحسن ، خلقه ، سوّاه ، نفخ ) .
إح2 – اسم الإشارة ( ذلك عالم الغيب ) إشارة إلى الله
إ ح 3 : اسم الموصول ( الذي أحسن )
الرمز إح : إحــالة
نتيجة : حققت الآيات قدرا كبيرا من السبك النصي
الإحالة
على اللاحق ( البعدية ) : في الصباح أدرك أن ناقته في حالة هياج ، عودها
أن تشترك معه في تدخين سجائره (45) ، هذه القصة ليوسف الشاروني – الذي بدأ
القصة بمجموعة من الإحالات لضمائر بعضها بارزو بعضها مستتر دون الإفصاح عن
مسمى هاته الضمائر ( أدرك – ناقته – عودها (هو) – معه سجائره – وقف يدخن
... إلخ ) .
النتيجة : تأخر ذكر حمدان وعادت عليه الضمائر من أول النص = [ إحالة بعدية ]
وينقسم مدى الإحالة بحسب العنصر المحال إلى قسمين :
1- إحالة المدى القريب : تكون على مستوى الجملة الواحدة يمكن العودة إلى مثال الشاروني.
2-
إحالة المدى البعيد : تكون بين الجمل المتصلة أو الجمل المتباعدة
،والإحالة هنا لا تتم في الجملة الأولى ( الأصلية ) ويمكن العودة إلى
الآيات السابقة لتمعن تعدد الإحالات والقياس عليها .
ويمكن تصنيف الإحالة حسب الظرفية الزمانية ( الآن ،غدا ) ، المكانية ( هنا، هنالك)حيث الظرف في هذه الحالة محيلا على زمان أو مكان .
* وقد يقوم بوظيفة الإحالة التكرار
: في قوله تعالى : "وإذا قيل آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن
السفهاء ، ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون" .[ البقرة / 13] .
فقد تمت الإحالة من خلال تكرار لفظ ( السفهاء ) وبهذا يصبح التكرار المعجمي وسيلة من وسائل السبك ، وللتكرار أنماط عديدة عند هاليداي ورقية حسن مكون في شكل هرم من أربع درجات ، ويمكن توضيحه كالآتي :
من طرف أبوعلاء الدين في الثلاثاء 10 نوفمبر 2009, 23:04
مقاربة نحو النص في تحليل النصوص: قراءة في وسائل السبك النصي
أ. ياسين سرايعية
جامعة عبد الرحمن بن خلدون –تيارت- كلية العلوم الانسانية- قسم اللغة العربية وآدابها
أ. ياسين سرايعية
جامعة عبد الرحمن بن خلدون –تيارت- كلية العلوم الانسانية- قسم اللغة العربية وآدابها
أولا : ارهاصات البحث في اللساني النصي
حظيت
اللغة منذ القديم بنصيب وافر من الدراسات كونها من أهم وسائل الاتصال التي
يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم ، وأحدث دراسة في هذا الشأن تعود إلى زيلغ هاريس
الذي قدّم منهجا لتحليل الخطاب المترابط سواء في حالة النطق أو الكتابة ،
استخدم فيه اللسانيات الوصفية بهدف الوصول إلى اكتشاف بنية النص Structure
Of The text وقصر فيه الدراسة على الجمل والعلاقات فيما بين أجزاء الجملة
الواحدة ، والفصل بين اللغة والموقف الاجتماعي ومنه اعتمد منهجه في تحليل
الخطاب على ركيزتين:
- العلاقات التوزيعية بين الجمل
- الربط بين اللغة والوقف الاجتماعي (1)
في هذا السياق يرى روبرت دييوجراند
أن اللسانيات مطالبة بضرورة متابعة الأنشطة الإنسانية في التخاطب إذ أن
جوهر اللغة الطبيعية هو النشاط الإنساني ليكون مفهوما ومقبولا من لدى الآخر
في اتصال مزدوج (2) ، ومن ثم عدّت اللسانيات النصية حلقة من حلقات التطور
الحاصل في حقل الدراسات اللسانية الحديثة ، ويشير أكثر من باحث إلى أن
بداية البحث في النص – بشكل عام – ترجع إلى رسالة I.Nye
(3) التي بحثت فيها علامات عدم الاكتمال وهذا يعني أن هناك دراسات سابقة
على زيليغ هاريس يمكن - أن تعد بحق البدايات الفعلية لتحليل الخطاب- الذي
يرى أن اللغة لا تأتي على شكل كلمات أو جمل مفردة بل في نص متماسك ، بدءا
من القول ذي الكلمة الواحدة إلى العمل ذي المجلدات العشرة بدءا من الونولوج
وانتهاء بمناظرة جماعية مطوّلة (4) .فقد ربط هاريس تحليل
الجمل بسياق النصوص ونقل ما يتصل بتحليل الجملة تحليلا بنويــــا (
التقطيع والتصنيف والتوزيع ) إلى المستوى الجديد للنص وحاول بواسطة إجراءات
شكلية أن يصل إلى توصيف بنوي للنصوص لقد توسع هاريس في بعض الأفكار التي تعود إلى سوسير
الذي رأى أن الجملة عبارة عن تتابع من الرموز ، وأن كل رمز يسهم بشيء من
المعنى الكل لهذا فكل رمز داخل الجملة يرتبط بما قبله وما بعده (5) ،
واعتمدت الدراسات اللسانية على نظرية الوظائف القائمة على العلاقتين
الرأسية والأفقية وحافظت البنيوية بكل أشكالها على هذا التصور حتى ورثته
عنها بعض الاتجاهات النصية القائمة على فكرة التحويل عند هاريس ، إلا أن الفارق المميز بينه وبين فان ديك في
دراسة العلاقات النحوية بين الجمل في حقل اللسانيات الشكلية ، هو شمول
الوصف النحوي لهذه العلاقات في المستوى السطحي والعميق دون الاقتصار على
التغيرات الطارئة على البنية الظاهرة كما يقرّها التحويليون ويحرض فان ديك على ضرورة الارتباط المنطقي في البحث عن اتساق النصوص وانسجامها (6) حيث استعمل ديك
مفهوم الترابط للإشارة إلى علاقة خاصة بين الجمل والانسجام إشارة إلى عدم
تأويل الجمل أو القضايا بمعزل عن الجمل والقضايا السابقة عليها ، فالعلاقة
بين الجمل محددة باعتبار التأويلات النسبية (7).
والحقيقة أن الاتجاه من نحو الجملة إلى نحو النص لم يفرض وجوده إلا حين نشر هاريس دراستين مهمتين في أثره تحليل الخطاب 1952 Discours analysisبعد أربعين سنة من رسالة I.Nye ، وقدم بذلك أول تحليل منهجي للنصوص ، وتجاوز التقليد الذي أرساه بلومفيلد والمسلّم بأن النص ليس إلا مظهرا من مظاهر الاستعمال اللغوي غير قابل للتحديد (
كما كان للسانيات النص ارتباطا وثيقا بالنظرية التوليدية التحويلية
لتشومسكي من خلال تركيزه على الوصف العملي والعلاقة بين التركيب اللغوي
والخصائص الفكرية حيث كللت جهوده باجهاد هايد ولف K.E.Heidolph 1966 في استباط القواعد السياقية للجمل في النحو التوليدي وأبز نبرج 1968 أول من حاول أن يطور نحو شاملا للنص ، واتسعت قواعد النحو التوليدي لإنشاء الجمل لتشمل النص ، ومثله كالتالي : (9)
ن
...
ج1 ج2 ج3
م أ م ف م أ م ف م أ م ف
ن = نص ، ج = جملة ، م أ = مركب اسمي ، م ف = مركب فعلي .
وهذا الوصف يجسد ما أكّده ج . م أدام من أن النص إنتاجا مترابطا متّسقا ومنسجما وليس رصفا اعتباطيا للكلمات والجمل وعدت الآراء السالفة لهاريس
نقطة تحول داعية إلى أهمية تجاوز الدراسات اللغوية مستوى الجملة إلى مستوى
النص والربط بين اللغة والموقف الاجتماعي ، مشكلين بذلك اتجاها جديدا (10)
وأخذت ملامحه في التبلور منذ الستينات تقريبا وعرف هذا الاتجاه بلسانيات
النص Text linguistcs واللسانيات النصية Texual linguistcs ، ونحو النص
Text grammaire ، وعلى الرغم من التداخل بين الاتجاهات اللغوية والاتجاهات
النصية فإن الاتجاهات النصية حاولت الانفصال تدريجيا ، وعدّ المصطلح الذي
استخدمه هارقج Harwig.R للدلالة على هذا الاتجاه الجديدة في بحث النص ، و هو مصطلح Textologie وكان أكثر قبولا ، وأما التقسيم الذي استخدمه درسلر R.Dressler وهو علم دلالة النص وعلم نحو النص والتداولية النصية فهو أفضل في رأي – سوينسكي (11) .
إن
لسانيات النص فرع من فروع اللسانيات تعنى بدراسة النص وأبرز مميزاته وحدّه
وتماسكه واتّساقه والبحث عن محتواه الابلاغي التواصلي ، حيث تحتل النصـية
فيها مكانا مرمـوقا لأنها تجري على تـحديد الكيفيات التي ينسـجم بها النص/
الخطاب (Texte/Discours) وتكشـف عن الأبنية اللغوية وكيفية تماسكها
وتجاورها ، من حيث هي وحدات لسانية ؛ تتحكم فيها قواعد إنتاج متتاليات
مبنينة (12) ويتسم هذا العلم بتشبعه إلى حد بعيد إذ أننا لا نجد إلا قدرا
ضئيلا من الاتفاق حول مفاهيمه وتصوراته ومناهجه فقد استوعب حدا لا يستهان
به من المفاهيم نظرا لكثرة منابعه ، وأخذت اتجاهات البحث في هذا العلم
أشكالا عدة تبعا للأسس التي يستند إليها هذا العلم ، فنجد اتجاها يعتمد على
علم اللغة الوصفي وآخر يعتمد على علم اللغة الوظيفي وثالثا يقوم على علم
اللغة التركيبي ...لا شك أن هذا التشعب جعل مهمة ما توصل إليه مهمة صعبـــة
.
قد حدد ديبوغرند ودريسلار معايير النصانية التي لم تستوفها أطروحات هاريس والتوليدين
لأنها لم تستطع أن تحدد موقفا محددا من النصوص غير النحوية واختلاف
الأساليب داخل النصوص وأهم هاته المبادئ النصانية (13) :
1- السبك (cohésion) (14) : الترابط الرصفي القائم على النحو في البنية السطحية ، بمعنى التشكيل النحوي للجمل وما يتعلق بالإحالة والحذف والربط وغيره .
2-الحبك (cohérence):
وهو حبك عالم النص أي الطريقة التي يتم بها ربط الأفكار داخل النص ويظهر
هنا الربط المنطقي للأفكار التي تعمل على تنظيم الأحداث والأعمال داخل بنية
الخطاب .
3-القصد (Intentionnalité): وهو التعبير عن هدف النص الذي يغدو وسيلة متاهة لحظة معينة بغية الوصول إلى هدف محدد .
4-المقامية (Situtionalite): متعلقة بالسياق الثقافي والاجتماعي للنص أي مؤسسة على تحكم المقام في دلالات النص .
5-التناص (Intertextualité): هو أهم عنصر من العناصر المحققة للنصانية وهو أن تشكل النصوص السابقة خبرة للنصوص اللاحقة .
6-الإخبارية (Informative): تقتضي الإعلامية والإخبار حيث يحمل كل نص قدرا معلوما من القدرات الإخبارية.
7-الاستحسان (Acceptabilité):
يتحقق من خلال مستوى علاقة النص بالملتقى ، من خلال إظهار موقف المستقبل
للنص إزاء كونه صورة من صور اللغة ينبغي أن يكون مفهوما ومقبولا (15) .
ونرى
أغلب اللسانيين يصرّون على وحدة وتماسك النص وهو القاسم المشترك لكل
التعريفات التي تراهن على أن النص وحدة متكاملة تشدّها خاصية الترابط حيث
يقوم النظام الكلي للنص على مبدأ التماسك المتمثل في الخاصية الدلالية
الجامعة للخطاب التي يعنى التحليل اللساني في النص بوصفها وتحديدها في ضوء
نحو النصوص .
ثانيا : نحو النص
يتجاوز
التحليل اللساني النصي في ضوء نحو النصوص نظرة التحليل النحوي التقليدي
والأسلوبية ، حيث تتجلى مهامه في دراسة الخواص التي تؤدي إلى تماسك النص
وتعطي عرضا لمكونات النظام النصاني ، وان كانت مبعثرة يجب حينها على
المحلّل اكتشاف الآلية الحدسية والعرفية التي تمكنه من إيجاد فتيل الربط
لتكوين البناء المتميز ، وهذا يعني أننا نرى توظيف عبارة نسيج كمعادل للنص
ونلمح هذا في تعريف لنظرية النص يبين أن كلمة texte تعني نسيج (Tissu) الذي
تختفي وراءه الحقيقة ، هذا يعني أن فتيل الربط هو ذلك الرابط المضمر مقابل
الروابط المتجلية في تشكيله السطحي التي كانت ترومها الدراسات التقليدية ،
وقد حاول مجموعة من الدارسين عنو في وقت مبكر بدراسة نحو النص تأسيس نظرية
شاملة تبحث في الترابط النصي من حيث أشكاله ووسائله (16) وقد صور جارلسون
خصيصة الترابط هذه من خلال تخيل النص حوارا جيّد التكوين ، حيث تكون كل
كلمة وكل جملة هي رد على أخرى سابقة عليها ، وفي الوقت نفسه مثيرة لأخرى
لاحقة لها ، وهكذا حتى يصبح لنا في النهاية حوارا تتعالق كل أجزائه بعضها
ببعض ، ومن ثم يدعونا جارلسون – إذا ما أردنا معرفة ترابط نص ما – إلى أجزاء أو تخيل لعبة الحوار هذه (17) .
وينبغي
أن نفرق هنا بين الربط الذي يمكن أن يتحقق من خلال أدوات الربط (النحوية )
/( الروابط ) والتماسك الذي يتحقق من خلال وسائل دلالية في المقام الأول ،
ويمكن تتبع الأول على المستوى السطحي للنص (18) ويرى فان ديك
أن التماسك يتم على مستوى الدلالات (19)،واستعمل مفهوم الترابط للإشارة
إلى علاقة خاصة بين الجمل ، ولما كانت الجملة مقولة تركيبية والترابط علاقة
دلالية فقد فضل الباحث الحديث عن العلاقة بين قضيتين أو قضايا جملة ما
(20)، وتقضي أدوات الربط الطبيعية أن الجمل الفرعية والرئيسية تعبّر عن
ارتباط القضايا قصديا ، وتترابط القضايا إذا صارت الأحداث المدلول عليها
مرتبطة في حالة أو مقام ممكن .
ونجد إبراز خصيصة ترابط النص في معظم تعاريف النص عند علمـاء لغة النص ، فهو عند هارفج (21) ترابط مستمر للاستبدالات السنتيجمية التي تظهر الترابط النحوي في النص ، وعند فاينريش (22)
يكون حتمي تحدد عناصره بعضها بعضا لفهم الكل ، فالنص كل تترابط أجزاؤه من
جهتي التحديد والاستلزام ، إذ يؤدي الفصل بين الأجزاء إلى عدم وضوح النص ،
ويفسر هذا بوضوح مصطلحي "الوحدة الكلية" و"التماسك الدلالي" ، وعند بريكنز (23) تتابع متماسك من علامات لغوية أو مركبات من علامات لغوية لا تدخل تحت أي وحدة لغوية أخرى ( أشمل ) ، ويشير هاليداي ورقية حسن إلى أن النص هو مقطع منطـوق أو مكتوب ويشكل كلا متّحدا ، ويرى جون لاينز(24)
أن النص في مجمله عليه أن يتسم بسمات التماسك والترابط ، اننا لا نستطيع
أن ندخل في تفاصيل التمييز بين التماسك والترابط فلهذا التمييز بصورة عامة
علاقة بالفرق بين الشكل والمحتوى ، ويعتبر التمييز من هذا النوع جذابا
وحدسيا ويمكن تبريره نظريا (25) .
أن الحذف واستخدام الضمائر وأدوات الربط تساعد على تكوين ما يصطلح عليه بـ " التماسك الشكلي " (26) .
كان
التراث النحوي السابق الأساس الفعلي الذي بنيت عليه الاتجاهات النصية بكل
ما تتسم به من تشعب في أفكارها وتصوراتها ، وقدمت دراسات خاصة بأجزاء
الجملة ومتواليات الجمل ولم تخرج عن الظواهر التي يختص بها نحو الجملة ،
ونظرا لقصور نحو الجملة على تفسير بعض الظواهر لجأوا إلى الإشارة إلى وحدة
أكبر من الجملة يمكن أن تكون وحدة النص ، غير أن نحو النص يراعي في وصفه
وتحليلاته عناصر أخرى لم توضع في الاعتبار من قبل ، ويلجأ في تفسيراته إلى
قواعد دلالية ومنطقية إلى جوار القواعد التركيبية ويحاول أن يقدم صياغات
كلية دقيقة للأبنية النصية وقواعد ترابطها ، لقد عني الدرس اللساني النصي
في دراسته لنحو النص بظواهر تركيبية نصية مختلفة؛علاقات التماسك النحوي
النصي،وأبنية التطابق ، والتقابل ، والتراكيب المحورية والتراكيب المجتزأة
،و حالات الحذف ، والجمل المفسرة ، والتحويل إلى الضمير ، والتنويعات
التركيبية وتوزيعاتها في نصوص فردية ، وغيرها من الظواهر التركيبية التي
تخرج عن إطار الجملة المفردة (27) .
يرى فان ديك
أن نحو الجملة يشكل جزءا غير قليل من نحو النص ، وتتنوع فوائد نحو النص
وتتداخل مع أسباب الحاجة اليد (28) ، فأهم مهمة لنحو النص هي صياغة قواعد
تمكننا من حصر كل النصوص النحوية في لغة ما بوضوح ومن تزويدنا بوصف الأبنية
(29) .
ويتحقق للنص نصانيته حسب درسلر و دبيوغراند
من خلال المعايير السبعة التي ذكرت آنفا وجعلا معيار [ السبك ] الربط
النحوي الأول و[ الحبك] التماسك الدلالي المعيار الثاني ، حيث يتحقق البناء
بوجود هاته المعايير ، وهذا لا يعني وجودها في كل نص ، ولذلك لم تعد تراعى
الجوانب النحوية فحسب بل يشترط في النص جوانب أخرى بعضها يتعلق بالدلالة
بمفهوم واسع(30) .
وينبغي أن يفهم هنا نحو النص على أنه فهم أوجه
الترابط المتجاوزة للجملة وتغير التركيب في كل جملة على حدى على أساس
معطيات نصية ، والملاحظ أن نحو النص يضّم أشكالا مختلفة من الأنحاء التي
تنصب على النص ، غير أنها تختلف اختلافا شديدا باختلافات الاتجاهات اللغوية
والأصول التي قامت عليها .
غير أن نحو النص يضيق ويتسع نشاطه في معالجة النصوص وتحليلها باختلاف الآراء ، وتشبعها تبعا للتطور الحاصل في لسانيات النص ، فيرى سعد مصلوح
أن نحو النص يهتم في تحليلاته بضم عناصر جديدة منطقية ودلالية وتركيبية
ليقدم شكلا جديدا من أشكال التحليل لبنية النص ، وتصور معايير التماسك
والترابط والانسجام ولهذا تضافرت تقريرات اللسانين من أمثال بايك وهارتمان وجيلسون وساندرز لونجاكر وفان ديك وغيرهم على أن نحو النص بالنسبة لأي لغة بعينها هو أكثر شمولا وتماسكا واقتصادا من النحو المصور في حدود الجملة (31) ،أما ريزر H.Rieser
فقد اقترح في كتابه مقالات في علم لغة النص نحوا للنص وفق نموذج نحو تركيب
الضمائم الثنائي اللاسياقي ، وهو ذو أساس نصي فوق تركيبي ، محدد أفقيا من
تتابعات جميلة ومكون نحوي لتوسيع الجملة ومكون تحويلي محدود ، ومكون دلالي ،
ومعجم وعدد من وظائف التبعية للمعاني المركبة وحاول بتوفي (Petofi)
تطوير نموذج" نحو النص التقليدي" من خلال إدخال عناصر أو مكونات دلالية
وتداولية وعلاقات سياقية داخل النصوص ، وفي مقابل علاقات خارج النص ، وقد
نتج عن ذلك النموذج نظرية أطلق عليها نظرية تركيب / بناء النص وأسس صور
التماسك النصية في البنية العميقة للنص ودفعه هذا إلى أن يقتصر على أسس
النحو التي لا تختلف في النص ، في مقابل النظام الأفقي ( أي المحدد بسطح
النص ) .
ويقابل" نحو النص" في اللغة الأجنبية (Grammaire de
texte) استعمله النحاة بهدف الوصف والدراسة اللغوية للأبنية الوصفية وعند
أغلب الدارسين لا يختلف عن لسانيات النص الذي استعمله محمد خطابي وتمام حسان ، وبشير ابرير واستعمل سعيد حسن بحيري وإلهام أبو غزالة وعلي خليل محمد علم لغة النص ، واستعمل صلاح فضل ، جميل عبد المجيد
علم النص وهو أشمل من نحو النص ولسانيات النص لأنه لا يقتصر على نوع واحد
من التحليل بل يتجاوزه إلى أشكال أخرى من النصــوص ( إعلانات ، إشهار ،
المقال الصحفي والعلمي ، والفلم السينمائي وكل منتوج ثقافي معاصر يتشكل في
هيئة نص ، أما صبحي إبراهيم وفالح بن شبيب العجمي فقد استعملا مصطلح علم
اللغة النصي ) أما إبراهيم خليل فاستعمل نظرية النص ، بينما أحمد عفيفي
فقد استعمل " نحو النص " الذي يرى أن مهمة النحو الذي يتجه إلى النص قد
غير أهدافه بتعديها ، أو بوجود أهداف جديدة لم تكن موجودة في نحو الجملة
فالتحليل اللغوي اتجه إلى النص وبالتالي جاء تغيّر المنهج والأهداف عاملا
أساسيا لضرورة الحاجة إلى نحو النص .
إن صفة التتابع والتواصل
والترابط بين الأجزاء المكوّنة للنص تحقق للنص استمرارية من منظور نحو النص
، حيث تتجسد هذه الاستمرارية في ظاهره ، ويقصد بظاهر النص الأحداث اللغوية
المنطوقة أو المسموعة أو المكتوبة أو المرئية في تعاقبها الزمني ، فينتظم
بعضها مع بعض تبعا للمباني النحوية ولكنها لا تشكل نصا إلا إذا ما تحقق لها
من وسائل السبك ما يجعل النص محافظا على كينونته واستمرار يته .
ثالثا : أدوات السبك النصي
لقد فضلنا استخدام مصطلح " السبك " بدل الا تساق أو التضام أو الترابط الرصفي وغيرها علما أنها كلها تقابل مصطلح (Cohésion²) وقد اعتمدنا هذا بناء على ترجمة سعد مصلوح
، فالمترجم أشار إلى أنه ( السبك ) أقرب شيء إلى المفهوم المراد وأكثر
شيوعا في أدبيات النقد القديم (32) ويمكن توضيح هذا القرب والشيوع بالرجوع
إلى التراث النقدي والبلاغي عند العرب ، فالجاحظ يقول "
وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج ، فيعلم بذلك أنه أفرغ
إفراغا جيدا و سبك سبكا واحد ا، فهو يجري على اللسان كما يجري على الدهان"
(33) وورد عند ابن أبي الاصبع المصري في ( باب الانسجام )
فقد عرفه بقوله وهو" أن يأتي الكلام متحدّرا كتحدّر الماء المنسجم بسهولة
سبك و عذوبة ألفاظه ، وسلامة تأليف ، حتى يكون للجملة من المنثور ، والبيت
من الموزون وقع في النفوس وتأثير في القلوب ما ليس بغيره (34).
فالسبك
يعني العلاقات أو الأدوات الشكلية والدلالية التي تسهم في الربط بين عناصر
النص الداخلية ، وبين النص والبيئة المحيطة من ناحية أخرى ، ومن بين هذه
الأدوات المرجعية "(35) وعليه فالسبك يهتم بالعلاقات بين أجزاء الجملة ،
وأيضا بين العلاقات بين جمل النص وبين فقراته ، بل بين النصوص المكونة
للكتاب ومن ثم يحيط [ السبك ] التماسك بالنص كاملا داخليا وخارجيا (36) ،
فالسبك يهتم بتعالق وترابط القضايا ومنه تحدد النصية (Textulité) كما يلي :
النصية : الوحدة الترابط داخل الأجزاء
الوحدة الارتباط فيما بين الأجزاء
يوجد
السبك حينما توجد علاقة قضوية بين الجمل يعني أن السبك علاقة صريحة بين
القضايا تعبر عنها الجمل ، وتتجلى هاته العلاقة من خلال المرور على مستويين
، وهما المستوى النحوي والمستوى المعجمي اللذان يؤكدان فعالية [السبك ]
الاتساق وإبراز حدوده (37) ـ وانطلاقا من الشبكة التي وضعها هاليداي ورقية حسن حيث ينقسم السبك إلى سبك معجمي وسبك نحوي ويمكن تمثيل ذلك كالآتي :
السبك (Cohésion)
معجمي (Lexical) نحوي (Grammatical)
1- السبك المعجمي :
ويتحقق السبك المعجمي بين المفردات أو الألفاظ عبر ظاهرتين لغويتين : التكرار : Reccurence المصاحبة / التضام : (38)Collocation .
أ-التكرار:
يعرف هاليداي ورقية حسن التكرار
بأنه" أية حالة تكرار يمكن أن تكون الكلمة نفسها أو مرادف أو شبه مرادف ،
كلمة عامة أو اسما عاما" (39) لكن هذا لا يعني دوما أن العنصر المكرر له
نفس المحال إليه ، بمعنى أنه قد تكون بين العنصرين علاقة احالية وقد لا
تكون ، وفي الحالة الأخيرة نكون أمام علاقات أخرى فرعية (40) ،وعندما يجعل
اللاحق إلى السابق أو العكس يحدث السبك بينهما ، لتوضيح ذلك يذكر هاليداي ورقية حسن المثال التالي :
- أغسل وأنزع نوى ست تفاحات ، ضعها في صحن مقاوم للنار .
فالضمير
(ها) في الجملة الثانية يحيل إلى ( ست تفاحات ) في الجملة الأولى ، كما
أنه لا يمكن تفسيره إلا بالرجوع إلى ما يحيل إليه ، وبالتالي ترتبط
الجملتان وتشكلان نصا قد قدم الضمير (ها) وظيفة الاحالة القبلية والتي أدّت
إلى السبك وهو شكل من أشكال الإحالة ؛ فالإحالة إلى سابق (Anaphore)
تكون عندما تحيل إلى عنصر لغوي متقدم وقيل أنها إحالة بالعودة حين تعود
إلى مفسر أو عائد (Antécédent) ومنها يجري تعويض لفظ المفسر الذي كان من
المفروض أن يظهر حيث يرد المضمر، فالإحالة هي بناء جديد للنص (41) ويرى الأزهرالزناد أنه يمكن تقسيم الإحالة بوجه عام إلى قسمين:
* الإحالة داخل النص Endophora تنقسم إلى قسمين (42) :
أ-إحالة على السابق ( قبلية ) Anaphora : تعود على مفسر سبق التلفظ به .
ب-إحالة على اللاحق ( بعدية ) Cataphora : تعود على عنصر إشاري مذكور بعدها في النص .
* إحالة خارج النص / خارج اللغة وتسمى مقامية / معجمية Exphora (43) :
تجمع
كل الإحالات التي تعود على مفسّر دال على ذات ، وهي متوفرة في كل النصوص
وهذا لا يعني أنها ضرورية ويمكن توضيح الإحالة كالآتي :
الإحالة
(Textual) نصية مقامية
(Endophora) داخلية
قبلية كسر الأفق القديم بعدية احتمال قديم
تأويل / وهم تأويل
أفق توقع
الاحتمال الجديد ( اختيار / تهميش )
اتساق عناصر الاحتمال
تتفرع
وسائل السبك الاحالية إلى الضمائر وأسماء الإشارة وأدوات المقارنـــة (
التشبيه وكلمات المقارنة : أكثر وأقل ... إلخ) ، ونعطي نموذجا من القرآن
الكريم يبين الإحالة القبلية (44) :
قال تعالى : " الله الذي خلق
السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه
من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ، يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج
إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون * ذلك عالم الغيب والشهادة
العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله
من سلالة من ماء مهين ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار
والأفئدة قليل ما تشكرون" : [ السجدة ، الآيات 4-9 ] .
إح1 – ارتبط لفظ الجلالة [ الله ] بمجموعة من الإحالات البارزة ضمائر ( خلق ، استوى ، دونه ، يدبر ، أحسن ، خلقه ، سوّاه ، نفخ ) .
إح2 – اسم الإشارة ( ذلك عالم الغيب ) إشارة إلى الله
إ ح 3 : اسم الموصول ( الذي أحسن )
الرمز إح : إحــالة
نتيجة : حققت الآيات قدرا كبيرا من السبك النصي
الإحالة
على اللاحق ( البعدية ) : في الصباح أدرك أن ناقته في حالة هياج ، عودها
أن تشترك معه في تدخين سجائره (45) ، هذه القصة ليوسف الشاروني – الذي بدأ
القصة بمجموعة من الإحالات لضمائر بعضها بارزو بعضها مستتر دون الإفصاح عن
مسمى هاته الضمائر ( أدرك – ناقته – عودها (هو) – معه سجائره – وقف يدخن
... إلخ ) .
النتيجة : تأخر ذكر حمدان وعادت عليه الضمائر من أول النص = [ إحالة بعدية ]
وينقسم مدى الإحالة بحسب العنصر المحال إلى قسمين :
1- إحالة المدى القريب : تكون على مستوى الجملة الواحدة يمكن العودة إلى مثال الشاروني.
2-
إحالة المدى البعيد : تكون بين الجمل المتصلة أو الجمل المتباعدة
،والإحالة هنا لا تتم في الجملة الأولى ( الأصلية ) ويمكن العودة إلى
الآيات السابقة لتمعن تعدد الإحالات والقياس عليها .
ويمكن تصنيف الإحالة حسب الظرفية الزمانية ( الآن ،غدا ) ، المكانية ( هنا، هنالك)حيث الظرف في هذه الحالة محيلا على زمان أو مكان .
* وقد يقوم بوظيفة الإحالة التكرار
: في قوله تعالى : "وإذا قيل آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن
السفهاء ، ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون" .[ البقرة / 13] .
فقد تمت الإحالة من خلال تكرار لفظ ( السفهاء ) وبهذا يصبح التكرار المعجمي وسيلة من وسائل السبك ، وللتكرار أنماط عديدة عند هاليداي ورقية حسن مكون في شكل هرم من أربع درجات ، ويمكن توضيحه كالآتي :
1