نحو نظرية أسلوبية لسانية
تأليف: فيلي سانديرس
ترجمة: خالد محمود جمعة
الطبعة : 2003م
http://home.att.net/~scorh3/Flower04h3.gif
تعريف بالكتاب :
هذا الكتاب المترجم من الألمانية يُعدّ محاولة جادة لعرض الأسلوب بوصفه ظاهرة ومشكلة، رغبةً في التوصل إلى أسس وقواسم مشتركة قد يستعان بها في قابل الأعمال، ورغبةً في وضع نظرية عامة شاملة تجمع تلك الأسس في إطار واحد، تنضوي تحته الظواهر الأسلوبية كلها.
وقد تفرد مؤلفه الألماني بتناول القضية وطرحها على نحو
فيه تسلسل منطقي، وبربطه بين الدرس الأسلوبي والدرس اللساني، ثم بعرضه قضية اللغة المكتوبة واللغة المنطوقة، متسائلاً عن إمكانية إدخال الثانية في البحث الأسلوبي.
هذا إلى جانب مسائل عديدة عالجها المؤلف ليقدّم في موضوع كتابه جديداً مهماً يضاف إلى القديم.
... دعونا نقوم برحلة سريعة بين أسطر هذا الكتاب ...
غصون الصوت
24-04-2003, 07:06 AM
مقدمـة :
http://home.att.net/~scorh3/Flower04h3.gif
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق، معلم البشرية، وهادي البرية، محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فالمباحث الأسلوبية في العربية كثيرة في عددها، متشعبة في سبلها، متباينة في نظرتها، تلتقي حيناً وتختلف ثانياً، وتتقاطع ثالثاً، وتأتي مزيجاً بين الدرس النقدي والدرس الأدبي رابعاً، ولو لم يكن الأسلوب مسألة قائمة بذاتها، لما لاحظنا في التحليلات والدراسات الأكاديمية للنصوص الأدبية، وفي النظرات النقدية المتعددة لتلك النصوص على اختلاف أجناسها - ملاحظات جوهرية تعالج حقيقة الظاهرة الأسلوبية بعمق أو تمسها مساً رقيقاً بقصد إجلاء طبيعتها.
وإيماناً مني بما للتواصل الفكري والحضاري والثقافي بين الشعوب والأمم من أهمية علمية من حيث تعزيز التكامل والإفادة المباشرة وغير المباشرة مما توصلت إليه الشعوب الأخرى، أو الاطلاع عليها على الأقل، فقد جاءت ترجمتي لهذا الكتاب من الألمانية إلى العربية.
والكتاب في حقيقته محاولة جادة لعرض الأسلوب بوصفه ظاهرة ومشكلة رغبة في التوصل إلى أسس وقواسم مشتركة قد يستعان بها في قابل الأعمال، ورغبة في وضع نظرية عامة شاملة تجمع تلك الأسس في إطار واحد، تنضوي تحته الظواهر الأسلوبية كلها؛ وما شجعني على ترجمته تفرده بتناول القضية وطرحها على نحو فيه نوع من التسلسل المنطقي من حيث البدء بالتساؤل عن الأسلوب، وعده مشكلة، ومحاولة الكشف عن طبيعته في العلوم الأخرى ذات الصلة؛ لما له من حضور جلي في معظم العلوم الفنية والعلمية والعامة.
والربط بين الدرس الأسلوبي والدرس اللساني هو من أهم ما اتسم به هذا الكتاب نظراً لتوصل الثاني إلى خطوط واضحة وأسس ثابتة رغبة في الإفادة منها؛ ولهذا جاء السؤال عن الأسلوب وعن حقيقته، وطبيعته وإمكانية اعتباره ظاهرة دراسية يمكن تخصيصها بمباحث مستقلة، وكانت الردود متباينة بين منكر، ومحبذ، ومرجح.
ثم عرض قضية اللغة المكتوبة واللغة المنطوقة، وتساءل عن إمكانية إدخال الثانية في البحث الأسلوبي لاختلاف المنطوق في طبيعته وطريقته ونمطية أدائه عن المكتوب، لكونه بعيداً عن المراجعة والتحقق، ورأى أن بعضهم قد وجد أن الأصل في اللغة هو المنطوق، لعراقته في تاريخ الجماعات اللغوية على اختلاف ألسنتها، ولدوره الفاعل في حياتنا اليومية، ولكونه الأداة الأولى التي يستعملها الإنسان في حياته، عندما يبدأ بالتواصل مع الآخرين؛ ولهذه الأسباب مجتمعة حبذ بعضهم دراسة الظاهرة الأسلوبية في اللغة المنطوقة أيضاً، وعدم حصر الدراسات الأسلوبية في نطاق اللغة المكتوبة، كيف لا ووسائل التقانة الحديثة في أيامنا هذه تجعل المنطوق مدوناً تدويناً دقيقاً، وبكل معطياته الصوتية والتنغيمية مما يسهل أمر مراجعته ودراسته وتحليله من جوانب متعددة، قد يكون التحليل الأسلوبي أحدها.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن تحديد مفهوم الأسلوب وتعريفه قد احتل مكانة بارزة عند المؤلف، فرأى جدلاً أن الاتفاق كان قد تم على دراسة هذه الظاهرة، فلا بد من تحديد معالمها، وتعرف ماهيتها، ورسم مساحتها، والكشف عن غايتها، فجاء مفهوم الأسلوب في أكثر من خمسة وعشرين تعريفاً، كل تعريف منها هو تعبير دقيق عن وجهة نظر المعرِّف، ورسم واضح ودقيق لمنهجه، وكشف عن السبب الذي دفعه إلى التوقف أمام هذه الظاهرة، ولهذا جاء حرص هذا الكتاب على عرض ما أمكن منها؛ لتكون سبيلاً لمن سينتهج طريقاً مماثلاً أو سيختط لنفسها منهجاً آخر مستفيداً موسعاً، وفي سياق حديثه عن مفاهيم الأسلوب عرض لموضوع تحديد ما هو نظري وتطبيقي في الدرس الأسلوبي، راسماً خطوطاً عامة، واضعاً مقترحات مسوغة، مفرقاً بينهما على نحو يكاد يكون دقيقاً تاركاً السبيل أمام الدارس الأسلوبي للأخذ بما يريد.
ثم عرج فيما بعد على البعد التاريخي للأسلوب عادّاً البلاغة سلفاً للأسلوبية، مقسماً أسلوب الأثر اللغوي بناء على معطيات محددة إلى أسلوب العصر وأسلوب الفرد وأسلوب الجماعة.. مركزاً على أسلوب الفرد، جاعلاً إياه الدافع الحقيقي وراء عرض قضية التطور في الأسلوب والتغيير فيه، سواء أكان عند الفرد بوصفه الأساس المعتمد أم في الجماعة والعصر، ثم توقف أمام النحو بوصفه مستوى لغوياً ذا دور فاعل في الكتابة الأسلوبية، عادّاً الجملة أساساً في بناء النص أسلوبياً لكونها اللبنة الأولى الداخلة في تركيبه، وفي أثناء عرضه للأسلوب من منظور نحوي، توقف أمام المعايير النحوية وما لها من دور، وركز على مبدأ الاستحسان الذي أشارت إليه المدرسة النحوية التوليدية والتحويلية بوصفه أساساً للحكم الأسلوبي.
هذا وجعل المؤلف الأسلوب اختياراً بين الإمكانات اللغوية الواسعة وتوقف أمام مبدأي التنسيق والانتقاء، جاعلاً الانتقاء شاملاً غير مقتصر على الألفاظ، لاشتراك مستويات اللغة جميعها في بناء الكيان اللغوي المتخذ وسيلة للاتصال، ولم يلبث بعد هذا أن رسم بعض المقاييس مستعيناً بالمحورين التبادلي والتركيبي التجاوري لعرض مبدأ الاختيار بطريقة عملية.
هذه القضايا الأولية التي طرحها المؤلف من حيث تعريف الأسلوب وعرض بعده التاريخي والنظرة إليه من منظور النحو التحويلي والتوليدي، والتداخل الحاصل بينه وبين الأدب واللسانيات والتساؤل عن مرجعية أي تحليل أسلوبي - هي التي دفعت الكاتب إلى الانتقال من هذه الجزئيات إلى الهيكل الأساسي والعام في الدرس الأسلوبي، ألا وهو الأسلوب في إطار النص، فتوقف أمام ظاهرة تماسك النص وتناسقه وأمام البدائل الأسلوبية وما لها من دور فاعل في التنويع الداخلي في بناء النص، فضلاً عن محاولته قسم النصوص وفق أساليبها إلى أجناس أدبية.
ثم عرض للأسلوب بوصفه ظاهرة شخصية مهمتها الإعراب عن ذات الكاتب الذي يتأثر بما حوله من ظروف وما في داخله من مؤثرات وانفعالات داخلية تؤثر على نحو مباشر أو غير مباشر في أسلوبه، الأمر الذي جعله يرى أن في الأسلوب طبقات ومستويات تكثر أو تقل على عدد الكتاب، وحجم الظروف الفكرية والثقافية والاجتماعية والنفسية التي يمر بها هؤلاء الكتاب، وختم كتابه كما بدأه بعرض الأسلوب في إطار الدرس اللساني العام محولاً تحديد المكان الحقيقي للدرس الأسلوبي.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن حرصي على توخي الدقة في عرض أفكار الكاتب كما هي دون أدنى تغيير فيها أو مس بها، هو الذي جعلني أذكر الحواشي والملاحظات في أماكنها وحسب السياق، مع محاولة ترجمتها وترجمة المصادر المعتمدة فيها، وهو الذي دفعني إلى إضافة كشف بأهم المصطلحات والمفاهيم التي تضمنها العمل، تسهيلاً للبحث عنها، وذلك باللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية ما أمكن.
هذا ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أني قد أضفت إلى عنوان الكتاب كلمة (نحو) لتكون تعبيراً حيّاً ودقيقاً عن موضوع الكتاب ومحتواه، نظراً لأن الكتاب في طبيعته ومضمونه يمثل محاولة جادة لرسم نظرية أولية لدراسة الأسلوب في النص اللغوي على اختلاف نوعه وجنسه، كما أني حرصت على ذكر المصطلحات والمفاهيم الأسلوبية الأولية في أماكنها في متن العمل لأهميتها.
هذه الترجمة محاولة مني لنقل أفكار الكاتب إلى العربية، مع إيماني بعدم إمكانية تطابق بعض المسائل المعروضة في الكتاب مع اللغة العربية، لاعتماد الكاتب نفسه على لغته الأم في الحكم على بعض المواقف والآثار اللغوية، إلا أنها تظل أفكاراً تحتفظ بقيمتها كأسس عامة يمكن الاسترشاد بها في تحليل النصوص ودراستها من الناحية الأسلوبية.
هذا جهد متواضع أضعه بين يدي القارئ العربي، راجياً من الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في أداء الأمانة، وإن لم يكن التوفيق قد حالفني، فقد حاولت على الأقل، والله سبحانه وتعالى أسأل التوفيق.
غصون الصوت
24-04-2003, 07:10 AM
كلمـة المؤلـف :
http://home.att.net/~scorh3/Flower04h3.gif
قبل الشروع في الحديث عن هذا الكتاب وما فيه من مضامين، لا بد من الإشارة إلى أنه لا يطمح إلى تقديم عرض كامل وشرح مفصل عن النظرية الأسلوبية، بكل ما فيها من أسس أولية وما تتضمنه من أفكار، إنما سيكتفي بمناقشة بعض أسس الأسلوب اللغوي وما يرتبط بها من اتجاهات ومواقف حديثة، قد تتباين وقد تتطابق بغية رسم خطوط عامة قد تفضي إلى نظرية أسلوبية شاملة.
ومن الطبيعي في كتاب بهذا الحجم ألا يتسع المجال فيه للكلام على كل جزئيات الموضوع والتفصيل فيها من حيث عرض الأفكار وشرح المواقف، وإبراز أوجه الأهمية، والكشف عن قيمة نظرية من هذا القبيل؛ ولهذا فإن قراءة الفصل الأول بإمعان ودقة يبين للباحث أي باحث أن العمل لم يأت إلا بمقولات مؤقتة؛ لأن غايته عرض مشروع نظرية قبل الوصول إلى مقولات أسلوبية ثابتة عن مجالات الأسلوب كلها.
ونظراً لكون هذا العمل صادراً ضمن سلسلة علمية موجهة إلى أكبر عدد ممكن من القراء، فقد جاء الحرص فيه واضحاً على جملة من الأمر، أولها الوضوح والعرض والبعد عن التعمية في الأفكار، وثانيها عرض ما جاء فيه من مفاهيم ومصطلحات على نحو لا يحتاج إلى كبير عناء لفهم المقصود بها، ولا سيما في السياق الذي تأتي فيه، وثالثها البعد عن الشكليات والإشكاليات التي قد تظهر في أمثال هذا البحث.
وعلى الرغم من صغر حجم هذا العمل، فقد حرصت على ذكر المصادر والمراجع المهمة في باب الأسلوب والأسلوبية وخصصت لها باباً خاصاً في نهاية البحث رغبة في أن يفيد منها من يريد الاستزادة والتوسع في هذا الباب، فضلاً عن ذكر المقتبسات حرفياً في سياقها المناسب في البحث، وبلغتها الأصلية، وكما جاءت في مظانها.
غصون الصوت
24-04-2003, 07:12 AM
المدخـل :
http://home.att.net/~scorh3/Flower04h3.gif
انطلاقاً من مسلمة الاستفسار عن حقيقة الموضوع وجوهره في أي قضية علمية مطروحة للدراسة والتحليل ثمة سؤال عن جوهر القضية هو: (ما الأسلوب؟ وما معناه؟ وكيف ينظر إليه؟ وما السبل المتبعة في دراسته وتحديد خصائصه؟)؛ إنه سؤال مركب في ظاهره، صعب في مضمونه، تتطلب الإجابة عنه الوقوف أمام مجموعة من القضايا التي اختلف حولها كثير من علماء اللغة والأسلوب وما زالوا يختلفون، إلى درجة صارت فيها موضع نقاش وجدال بينهم، ولهذا لا بد من البحث في جملة من الحقائق في هذا الباب، ومنها:
1 - اهتمام أصحاب تخصصات مختلفة بالأسلوب وما يرتبط به من قضايا اهتماماً علمياً كبيراً، وليس من قبيل المبالغة أن يعد العلماء الأسلوب واحداً من أبرز الظواهر اللغوية والأدبية المدروسة من زوايا متعددة على الرغم من تعادلها في الإشكالية والاختلاف .
والمشكلة الأساسية هنا ترجع في قسم كبير منها إلى الوضع العام المفترض للأسلوب من حيث تداخله بين علمي اللغة والأدب (الشعر) ((فقد يكون الخلاف حول مرجعية أي عرض في الأسلوبية إلى مدخل في علم اللغة أو في علم الأدب؛ لأن العرض الأسلوبي في حقيقته له مكان في المجالين)) ، وهذا التقابل في مفهوم الأسلوب بين العلمين السابقين يعني:
- تحليل الأسلوب بمناهج اللسانيات وأسسها من ناحية.
- وتحليله بمناهج علم الأدب وأسسه من ناحية ثانية.
فموضوع الدراسة اللسانية هو الأسلوب اللغوي، وموضوع الدراسة الأدبية هو الأسلوب الأدبي (الشعري)، ويعرف الأسلوب اللغوي نظرياً بأنه طريقة التعبير اللغوي التي تميز تعبير الشخص، وتلقى اهتماماً كبيراً وخاصاً؛ لأنها تتضمن اللغة المحيكة إلى جانب اللغة المكتوبة المفضلة عرفاً، ولدى تعريفه (علمياً/ أمبيرياً) انطلاقاً من أشكال التعبير المميزة، يمكن القول بأنه مجموع كل العناصر اللغوية المستعملة في نص؛ لأن ((الوسائل اللغوية جميعها هي وسائل لغوية ووسائل أسلوبية في وقت واحد)) .
2 - لعلم الأسلوب جانب نظري وآخر تطبيقي، شأنه في ذلك شأن الفروع العلمية الأخرى كلها، إلا أن السائد عموماً هو استعمال مصطلح الأسلوبية للإشارة إلى الجانبين معاً من غير أي تفريق بينهما، وعلى الرغم من أن هذا الاستعمال عام ولا يغير أي شيء في مضمون الاصطلاح، إلا أن (نظرية الأسلوب) ولأسباب توضيحية تستعمل للإشارة إلى علم الأسلوب اللغوي العام، وتستعمل (الأسلوبية) للإشارة إلى كل من علم القواعد التطبيقية للأسلوب وعلم الوسائل الأسلوبية (الأسلوبية المعيارية والوصفية).
وعليه، فإن نظرية الأسلوب والأسلوبية يشترط كل منهما الآخر؛ لأن الظواهر الأسلوبية الحقيقية هي الأساس الذي يعتمد عليه في اكتمال بناء النظرية في النهاية، ولأن الأسلوبية لا يمكنها أن تصف قدراً من المواد اللغوية المجمعة وغير المتجانسة من غير أساس نظري تعتمد عليه.
واللافت هنا هو التعريف النظري للدراسة الأسلوبية المعاصرة بطرق مختلفة؛ تعكس تصورات متباينة جداً من حيث نظرتها إلى الأسلوب، ويعكس تباين هذه التصورات بدوره غياب نظرية موحدة، يجعل الباحث يدرك أن الاكتفاء بتكرار تناول جانب أسلوبي واحد ليس مرده النقص في البحث الهادف، إنما تعدد الاتجاهات ولا سيما في اللسانيات، وإن جرت مرة دراسة جوانب متعددة معاً، فالإجراء هذا وليد الحاجة والضرورة.
ونظراً لعدم إمكانية تحديد مناهج البحث الأسلوبي التطبيقي، وما ترمي بدقة إلا بالاعتماد على نظرية من هذا القبيل، يجب أن يؤخذ في الحسبان أن النظرية الأسلوبية القائمة على أسس دقيقة، المنضوية تحت لواء اللسانيات تصير مطمحاً بحثياً ملحاً، فتبنى من التراكيب المفترضة المستخلصة من الفهم القديم لهذه التراكيب، ومن الوقائع التجريبية (العملية) حين تأخذ طابع الوسائل الأسلوبية؛ لأن البنى الأسلوبية الصعبة هي السبيل الوحيد إلى الكشف عن نظرية متكاملة نسبياً في الوضع الراهن للبحث الأسلوبي .
وبهذا المعنى لا تحتاج النظرية بشكلها الحالي إلى الحسم فيها واعتبارها نهائية، لا بل إن كل حسم فاصل فيها يعد بحد ذاته أكثر من شرط، ودافع إلى الاستمرار في التفكير الذاتي، ولهذا لا تكمن قيمة أي نظرية في درجة فاعليتها في التحقيق والتعريف وحسب، بل في مهمتها أيضاً في ((صياغة المسائل الأساسية التي تشكل قاعدة موجهة وناجعة للبحث الدقيق والسليم)) .
3 - كل نظرية أسلوبية لغوية يجب أن تكون مؤسسة تأسيساً دقيقاً، وأن تكون متكاملة لسانياً، وهذا يتجلى في التقويم الذاتي للسانيات الحديثة حين ((تعد نفسها البحث العلمي الدقيق للغة)) ، ويتجلى في ضرورة الإشارة إلى أن أي نظرية من هذا القبيل لا يمكن أن تكون - بالضرورة - أكثر من نظرية فرعية، تدخل ضمن الصياغة العامة للنظرية في اللسانيات، وفي الحالتين تصل نظرية الأسلوب إلى حدودها هناك حيث لا تزال اللسانيات بكاملها تتخذ سبيلاً إلى المناقشة والجدل، ولا تتخذ سبيلاً إلى حل المشاكل التي ما زال فيها تناقض واختلاف في المواقف.
نعم، إن تطبيق الأفكار اللسانية ونتائجها ومناهجها على بحث الأسلوب بحاجة إلى تدبر جديد ونظرة جديدة إلى الأفكار المتداولة فيه، كتلك الأفكار التي تصور العلاقة القائمة بين النحو والأسلوب؛ لأن الاتجاهات النحوية الحديثة تبدو مختلفة عما يعرف اليوم بالنحو التقليدي.
ومن أبرز الاتجاهات الأسلوبية الحديثة التي تتناول الأسلوب درساً وتحليلاً وما زال ينقصها البرهان العملي المنظم - الاتجاه الذي يدعو إلى جعل الأسلوب هو الاختيار بين الإمكانات اللغوية المختلفة، ويدعو إلى شمولية هذا الاختيار وعدم اقتصاره على المستوى اللفظي وحده، وعلى مستوى الجملة الذي صار يحتل اليوم المركز الأول في الملاحظة والدراسة؛ لأن مستوى النص المتجاوز لحدود الجملة، الحائز على إمكانيات حرة للاختيار، قد أدخل (لسانيات النص) و (الأسلوبية) في دائرة التنافس بوصفهما مصطلحين متنافسين.
وأخيراً يأتي المنظور الأحدث الذي يربط بين الأسلوب والحالة الاجتماعية للمنتج اللغوي، ويستبعد بقاء علم الأسلوب بمنأى من التأثر بنتائج اللسانيات الاجتماعية الحديثة التي تدرس العلاقة الوثيقة بين الأثر اللغوي والظروف الاجتماعية التي ولد فيها هذا الأثر، وهذا ما يعيد إلى الأذهان الحكم المشهور لسوفستين بروتاجوراس (Sophisten Protagoras بأن الإنسان هو مقياس الأشياء كلها، وأن ما يكتبه أو يتحدث به هو من صنعه وسبيل إلى الحكم عليه ودراسته في إطار علم اللغة بشكل عام).
واللافت هنا هو أن الاهتمام الكبير بالأسلوب الفردي، والإعجاب الشديد بالشرح الأدبي لشخصيات شاعرة كبيرة كانا السبيل إلى مسارات جديدة في البحث الأسلوبي، جعلا مستويات نحو الجملة، ولسانيات النص، واللسانيات الاجتماعية قادرة على تصوير المساحة الواسعة لاتجاهات البحث اللساني من منظور أسلوبي.
ومن أهم أهداف هذا العمل تنظيم هذه المجالات والاهتمامات بغية إيجاد حل وسط يوصل إلى نظرية أسلوبية موحدة تدخل في النظام الكلي للسانيات، وتشكل نظرية فرعية في هذا الميدان ، فأي نظرية أسلوبية لغوية لها خصوصية، وتحتفظ بسمات خاصة بها، في الوقت الذي لا يفهم فيه الأسلوب الشعري في جانب منه إلا بالأسلوب اللغوي، واللساني يحتاج فيه إلى تفسير تكميلي، يقدمه علماء الأدب لكي يتمكن من فهم هذا الأسلوب بكامله.
ونظراً لتعلق الموضوع في النهاية بالأسلوب الفني لعصر كامل وعدم اقتصاره على أعمال فنية محددة، يجب على اللسانيين والأدباء وممثلي العلوم الأخرى كالموسيقا والرسم والهندسة والفنون التشكيلية وأنماط اللباس أن يتفقوا على تفسير شامل للأسلوب.
نعم، إن الأسلوب ظاهرة عامة، يستدل عليها من تجاوز الفن؛ أي فن حدوده الوطنية التي ينتشر فيها، ويستشهد على صحة هذا الحكم بتطابق الأدب التشكيلي (Schwulst Literatur) مع ما كان له من نظائر في أوربا كاملة.
ونظراً لالتزام الأسلوب اللغوي كل مرة وإلى حد ما بعناصر اللغة المفردة وأدواتها، ونظراً لكون معظم الأمثلة المعتمدة في هذا العمل مستمدة من اللغة الألمانية، فإن الأحكام الأسلوبية التي سننتهي إليها تدفعنا إلى القول: (من الأولى أن يسمى عنوان هذا الكتاب نحو نظرية أسلوبية في اللغة الألمانية) مع الاحتفاظ بالمهمة الأساسية التي تتجلى في توسيع هذه النظرية الخاصة إلى نظرية أسلوبية عامة.
غصون الصوت
24-04-2003, 07:18 AM
إشكالية مفهوم الأسلوب :
http://home.att.net/~scorh3/Flower04h3.gif
رداً على تعدد الآراء وتباين وجهات النظر المرتبطة بالأسلوب والأسلوبية، واستناداً إلى المرتبطة بهما، فقد أعرب العالم اللغوي الأمريكي (غراي) عن قناعته في هذا الباب حين عرض الوضع الحالي لتاريخ البحث في مجال الأسلوب في كتابه (Style . The problem an its solution 1969) ورأى أن هذه الظاهرة غير موجودة إطلاقاً، وموقفه هذا يدعو الباحث؛ كل باحث في هذا المجال إلى الوقوف أمام جملة من القضايا والإشكاليات المعلقة سعياً وراء حل مناسب ومباشر، ومنها:
هل الأسلوب موجود فعلاً؟
سؤال مهم طرحه غراي على نفسه باحثاً عن إجابة مناسبة عبر سؤال آخر هو: (هل مفهوم الأسلوب هدف بذاته وحسب، أم أنه مجرد مفهوم وُضِع لإرضاء رغبات أصحاب النزعة التنظيرية؟).
ورداً على تساؤله المذكور هذا رأى أن مجرد وجود كلمة تشير إلى هذا المفهوم، واستعمالها المتواتر لدى كثير من الناس ليسا دليلين قويين على أصالة وجوده، الأمر الذي جعله موضع جدل وخلاف في التيارات الأسلوبية الأخرى التي تناولته بحثاً وتعريفاً، لاختلاف المناحي التي انطلقت منها في النظر إليه، ولخضوع تحديده لاهتمامات المعرِّف وللآراء التي تمثلها مدرسته، وهذا ما يتضح في الأحكام التالية:
* الأسلوب هو السلوك (عالم النفس).
* الأسلوب هو المتحدث / المتكلم (عالم البلاغة).
* الأسلوب هو الشيء الكامن (الفقيه اللغوي).
* الأسلوب هو الفرد (الأديب).
* الأسلوب هو المتكلم الخفي أو الضمني (الفيلسوف).
* وأخيراً الأسلوب هو اللغة (اللساني).
والجهود العلمية المختلفة التي ظهرت في إطار الدرس الأسلوبي.. ترى أنه ((من الأولى علمياً الاستغناء عن تصور مستوى غير ضروري لا يمكن إثبات وجوده عملياً أو استنتاجه منطقياً)) .
وعلى الرغم من كل ما أثير من خلاف حول إمكانية البدء بتعريف الأسلوب أو بكيفية تعريفه لم يكن هناك شك بوجود الظاهرة ((لأن التطابق الوحيد الذي ينشأ مؤثراً بين كثير من الفئات والأحزاب المهتمة سِرُّه وجود ظاهرة كظاهرة الأسلوب)) ، وغراي نفسه يجب أن يعترف أن هذه الحقيقة التي لا تُعَدُّ سبباً يدعو إلى إدراك كون العيب لا يرتبط بالبحث نفسه إنما بنتائجه التي يجب أن تكون مقنعة، وفي هذه النقطة بالذات يمكن للباحث أن يحيل وبكل بساطة إلى المفاهيم اللسانية المقارنة مثل: الكلمة، الجملة، والنص.. التي لا تعرف إلى يوم الناس هذا تعريفاً فاصلاً، على الرغم من عدم إمكانية أي شخص بالطبع إنكار وجود الكلمات والجمل أو النصوص في لغتنا.
أو ليس الأمر كذلك مع الأسلوب اللغوي؟ فصيغ التعبير المميزة لشخص أو فئة أو زمن يمكن البرهان عليها وإثباتها تجريبياً، والأسس النظرية المعتمدة لإثبات جوهر الأسلوب لا تنحصر في الدائرة اللسانية، بل إنها تستمد من علوم كثيرة قريبة منها مثل علم النفس، علم الأجناس، علم الأدب..
إن عدم التوصل إلى أسس عمل في هذا الباب إلى الآن يرجع وبشكل كبير إلى اختلال التعاون والتنسيق بين تلك العلوم المتجاورة ، ويرى بعضهم أن السبب الأساسي في هذا يكمن في المعنى العام لمفهوم الأسلوب نفسه.
فإن لم تنجح اللسانيات في العقود الأخيرة في تطوير تعريف الأسلوب، وكشف نظرية منظمة تخصه، وكشف مناهج مناسبة لتحليله، فالمؤكد أن هذا ينقض الوضع الراهن (للسانيات الأسلوبية) إذا وجدت ، إلا أنه لا ينفي وجود الأسلوب ظاهرة مرافقة للغة (Epiphanomen)، فإن لم يكن المرء قد وجد لهذا مفهوماً ناجعاً منذ ما يزيد على ألفي سنة، فإنه يرى نفسه الآن مضطراً للبحث عن مفهوم آخر أو جديد.
وعليه يمكن فهم هذا العدد الكبير من تصورات معنى الأسلوب فهماً إيجابياً؛ لأنه من الخطأ الكامل ألا يرى في هذا سوى انعدام تخطيط الباحثين، وتعدد اتجاهات البحث الحديثة الذي يظهر في تعاريف الأسلوب الكثيرة والمختلفة يقدم في النهاية الأساس للوصول إلى نظرية أسلوبية شاملة وذلك بعد النظرة الناقدة للآراء المختلفة وما تتضمنه من توجيهات جامعة ومتنوعة.
تأليف: فيلي سانديرس
ترجمة: خالد محمود جمعة
الطبعة : 2003م
http://home.att.net/~scorh3/Flower04h3.gif
تعريف بالكتاب :
هذا الكتاب المترجم من الألمانية يُعدّ محاولة جادة لعرض الأسلوب بوصفه ظاهرة ومشكلة، رغبةً في التوصل إلى أسس وقواسم مشتركة قد يستعان بها في قابل الأعمال، ورغبةً في وضع نظرية عامة شاملة تجمع تلك الأسس في إطار واحد، تنضوي تحته الظواهر الأسلوبية كلها.
وقد تفرد مؤلفه الألماني بتناول القضية وطرحها على نحو
فيه تسلسل منطقي، وبربطه بين الدرس الأسلوبي والدرس اللساني، ثم بعرضه قضية اللغة المكتوبة واللغة المنطوقة، متسائلاً عن إمكانية إدخال الثانية في البحث الأسلوبي.
هذا إلى جانب مسائل عديدة عالجها المؤلف ليقدّم في موضوع كتابه جديداً مهماً يضاف إلى القديم.
... دعونا نقوم برحلة سريعة بين أسطر هذا الكتاب ...
غصون الصوت
24-04-2003, 07:06 AM
مقدمـة :
http://home.att.net/~scorh3/Flower04h3.gif
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق، معلم البشرية، وهادي البرية، محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فالمباحث الأسلوبية في العربية كثيرة في عددها، متشعبة في سبلها، متباينة في نظرتها، تلتقي حيناً وتختلف ثانياً، وتتقاطع ثالثاً، وتأتي مزيجاً بين الدرس النقدي والدرس الأدبي رابعاً، ولو لم يكن الأسلوب مسألة قائمة بذاتها، لما لاحظنا في التحليلات والدراسات الأكاديمية للنصوص الأدبية، وفي النظرات النقدية المتعددة لتلك النصوص على اختلاف أجناسها - ملاحظات جوهرية تعالج حقيقة الظاهرة الأسلوبية بعمق أو تمسها مساً رقيقاً بقصد إجلاء طبيعتها.
وإيماناً مني بما للتواصل الفكري والحضاري والثقافي بين الشعوب والأمم من أهمية علمية من حيث تعزيز التكامل والإفادة المباشرة وغير المباشرة مما توصلت إليه الشعوب الأخرى، أو الاطلاع عليها على الأقل، فقد جاءت ترجمتي لهذا الكتاب من الألمانية إلى العربية.
والكتاب في حقيقته محاولة جادة لعرض الأسلوب بوصفه ظاهرة ومشكلة رغبة في التوصل إلى أسس وقواسم مشتركة قد يستعان بها في قابل الأعمال، ورغبة في وضع نظرية عامة شاملة تجمع تلك الأسس في إطار واحد، تنضوي تحته الظواهر الأسلوبية كلها؛ وما شجعني على ترجمته تفرده بتناول القضية وطرحها على نحو فيه نوع من التسلسل المنطقي من حيث البدء بالتساؤل عن الأسلوب، وعده مشكلة، ومحاولة الكشف عن طبيعته في العلوم الأخرى ذات الصلة؛ لما له من حضور جلي في معظم العلوم الفنية والعلمية والعامة.
والربط بين الدرس الأسلوبي والدرس اللساني هو من أهم ما اتسم به هذا الكتاب نظراً لتوصل الثاني إلى خطوط واضحة وأسس ثابتة رغبة في الإفادة منها؛ ولهذا جاء السؤال عن الأسلوب وعن حقيقته، وطبيعته وإمكانية اعتباره ظاهرة دراسية يمكن تخصيصها بمباحث مستقلة، وكانت الردود متباينة بين منكر، ومحبذ، ومرجح.
ثم عرض قضية اللغة المكتوبة واللغة المنطوقة، وتساءل عن إمكانية إدخال الثانية في البحث الأسلوبي لاختلاف المنطوق في طبيعته وطريقته ونمطية أدائه عن المكتوب، لكونه بعيداً عن المراجعة والتحقق، ورأى أن بعضهم قد وجد أن الأصل في اللغة هو المنطوق، لعراقته في تاريخ الجماعات اللغوية على اختلاف ألسنتها، ولدوره الفاعل في حياتنا اليومية، ولكونه الأداة الأولى التي يستعملها الإنسان في حياته، عندما يبدأ بالتواصل مع الآخرين؛ ولهذه الأسباب مجتمعة حبذ بعضهم دراسة الظاهرة الأسلوبية في اللغة المنطوقة أيضاً، وعدم حصر الدراسات الأسلوبية في نطاق اللغة المكتوبة، كيف لا ووسائل التقانة الحديثة في أيامنا هذه تجعل المنطوق مدوناً تدويناً دقيقاً، وبكل معطياته الصوتية والتنغيمية مما يسهل أمر مراجعته ودراسته وتحليله من جوانب متعددة، قد يكون التحليل الأسلوبي أحدها.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن تحديد مفهوم الأسلوب وتعريفه قد احتل مكانة بارزة عند المؤلف، فرأى جدلاً أن الاتفاق كان قد تم على دراسة هذه الظاهرة، فلا بد من تحديد معالمها، وتعرف ماهيتها، ورسم مساحتها، والكشف عن غايتها، فجاء مفهوم الأسلوب في أكثر من خمسة وعشرين تعريفاً، كل تعريف منها هو تعبير دقيق عن وجهة نظر المعرِّف، ورسم واضح ودقيق لمنهجه، وكشف عن السبب الذي دفعه إلى التوقف أمام هذه الظاهرة، ولهذا جاء حرص هذا الكتاب على عرض ما أمكن منها؛ لتكون سبيلاً لمن سينتهج طريقاً مماثلاً أو سيختط لنفسها منهجاً آخر مستفيداً موسعاً، وفي سياق حديثه عن مفاهيم الأسلوب عرض لموضوع تحديد ما هو نظري وتطبيقي في الدرس الأسلوبي، راسماً خطوطاً عامة، واضعاً مقترحات مسوغة، مفرقاً بينهما على نحو يكاد يكون دقيقاً تاركاً السبيل أمام الدارس الأسلوبي للأخذ بما يريد.
ثم عرج فيما بعد على البعد التاريخي للأسلوب عادّاً البلاغة سلفاً للأسلوبية، مقسماً أسلوب الأثر اللغوي بناء على معطيات محددة إلى أسلوب العصر وأسلوب الفرد وأسلوب الجماعة.. مركزاً على أسلوب الفرد، جاعلاً إياه الدافع الحقيقي وراء عرض قضية التطور في الأسلوب والتغيير فيه، سواء أكان عند الفرد بوصفه الأساس المعتمد أم في الجماعة والعصر، ثم توقف أمام النحو بوصفه مستوى لغوياً ذا دور فاعل في الكتابة الأسلوبية، عادّاً الجملة أساساً في بناء النص أسلوبياً لكونها اللبنة الأولى الداخلة في تركيبه، وفي أثناء عرضه للأسلوب من منظور نحوي، توقف أمام المعايير النحوية وما لها من دور، وركز على مبدأ الاستحسان الذي أشارت إليه المدرسة النحوية التوليدية والتحويلية بوصفه أساساً للحكم الأسلوبي.
هذا وجعل المؤلف الأسلوب اختياراً بين الإمكانات اللغوية الواسعة وتوقف أمام مبدأي التنسيق والانتقاء، جاعلاً الانتقاء شاملاً غير مقتصر على الألفاظ، لاشتراك مستويات اللغة جميعها في بناء الكيان اللغوي المتخذ وسيلة للاتصال، ولم يلبث بعد هذا أن رسم بعض المقاييس مستعيناً بالمحورين التبادلي والتركيبي التجاوري لعرض مبدأ الاختيار بطريقة عملية.
هذه القضايا الأولية التي طرحها المؤلف من حيث تعريف الأسلوب وعرض بعده التاريخي والنظرة إليه من منظور النحو التحويلي والتوليدي، والتداخل الحاصل بينه وبين الأدب واللسانيات والتساؤل عن مرجعية أي تحليل أسلوبي - هي التي دفعت الكاتب إلى الانتقال من هذه الجزئيات إلى الهيكل الأساسي والعام في الدرس الأسلوبي، ألا وهو الأسلوب في إطار النص، فتوقف أمام ظاهرة تماسك النص وتناسقه وأمام البدائل الأسلوبية وما لها من دور فاعل في التنويع الداخلي في بناء النص، فضلاً عن محاولته قسم النصوص وفق أساليبها إلى أجناس أدبية.
ثم عرض للأسلوب بوصفه ظاهرة شخصية مهمتها الإعراب عن ذات الكاتب الذي يتأثر بما حوله من ظروف وما في داخله من مؤثرات وانفعالات داخلية تؤثر على نحو مباشر أو غير مباشر في أسلوبه، الأمر الذي جعله يرى أن في الأسلوب طبقات ومستويات تكثر أو تقل على عدد الكتاب، وحجم الظروف الفكرية والثقافية والاجتماعية والنفسية التي يمر بها هؤلاء الكتاب، وختم كتابه كما بدأه بعرض الأسلوب في إطار الدرس اللساني العام محولاً تحديد المكان الحقيقي للدرس الأسلوبي.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن حرصي على توخي الدقة في عرض أفكار الكاتب كما هي دون أدنى تغيير فيها أو مس بها، هو الذي جعلني أذكر الحواشي والملاحظات في أماكنها وحسب السياق، مع محاولة ترجمتها وترجمة المصادر المعتمدة فيها، وهو الذي دفعني إلى إضافة كشف بأهم المصطلحات والمفاهيم التي تضمنها العمل، تسهيلاً للبحث عنها، وذلك باللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية ما أمكن.
هذا ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أني قد أضفت إلى عنوان الكتاب كلمة (نحو) لتكون تعبيراً حيّاً ودقيقاً عن موضوع الكتاب ومحتواه، نظراً لأن الكتاب في طبيعته ومضمونه يمثل محاولة جادة لرسم نظرية أولية لدراسة الأسلوب في النص اللغوي على اختلاف نوعه وجنسه، كما أني حرصت على ذكر المصطلحات والمفاهيم الأسلوبية الأولية في أماكنها في متن العمل لأهميتها.
هذه الترجمة محاولة مني لنقل أفكار الكاتب إلى العربية، مع إيماني بعدم إمكانية تطابق بعض المسائل المعروضة في الكتاب مع اللغة العربية، لاعتماد الكاتب نفسه على لغته الأم في الحكم على بعض المواقف والآثار اللغوية، إلا أنها تظل أفكاراً تحتفظ بقيمتها كأسس عامة يمكن الاسترشاد بها في تحليل النصوص ودراستها من الناحية الأسلوبية.
هذا جهد متواضع أضعه بين يدي القارئ العربي، راجياً من الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في أداء الأمانة، وإن لم يكن التوفيق قد حالفني، فقد حاولت على الأقل، والله سبحانه وتعالى أسأل التوفيق.
غصون الصوت
24-04-2003, 07:10 AM
كلمـة المؤلـف :
http://home.att.net/~scorh3/Flower04h3.gif
قبل الشروع في الحديث عن هذا الكتاب وما فيه من مضامين، لا بد من الإشارة إلى أنه لا يطمح إلى تقديم عرض كامل وشرح مفصل عن النظرية الأسلوبية، بكل ما فيها من أسس أولية وما تتضمنه من أفكار، إنما سيكتفي بمناقشة بعض أسس الأسلوب اللغوي وما يرتبط بها من اتجاهات ومواقف حديثة، قد تتباين وقد تتطابق بغية رسم خطوط عامة قد تفضي إلى نظرية أسلوبية شاملة.
ومن الطبيعي في كتاب بهذا الحجم ألا يتسع المجال فيه للكلام على كل جزئيات الموضوع والتفصيل فيها من حيث عرض الأفكار وشرح المواقف، وإبراز أوجه الأهمية، والكشف عن قيمة نظرية من هذا القبيل؛ ولهذا فإن قراءة الفصل الأول بإمعان ودقة يبين للباحث أي باحث أن العمل لم يأت إلا بمقولات مؤقتة؛ لأن غايته عرض مشروع نظرية قبل الوصول إلى مقولات أسلوبية ثابتة عن مجالات الأسلوب كلها.
ونظراً لكون هذا العمل صادراً ضمن سلسلة علمية موجهة إلى أكبر عدد ممكن من القراء، فقد جاء الحرص فيه واضحاً على جملة من الأمر، أولها الوضوح والعرض والبعد عن التعمية في الأفكار، وثانيها عرض ما جاء فيه من مفاهيم ومصطلحات على نحو لا يحتاج إلى كبير عناء لفهم المقصود بها، ولا سيما في السياق الذي تأتي فيه، وثالثها البعد عن الشكليات والإشكاليات التي قد تظهر في أمثال هذا البحث.
وعلى الرغم من صغر حجم هذا العمل، فقد حرصت على ذكر المصادر والمراجع المهمة في باب الأسلوب والأسلوبية وخصصت لها باباً خاصاً في نهاية البحث رغبة في أن يفيد منها من يريد الاستزادة والتوسع في هذا الباب، فضلاً عن ذكر المقتبسات حرفياً في سياقها المناسب في البحث، وبلغتها الأصلية، وكما جاءت في مظانها.
غصون الصوت
24-04-2003, 07:12 AM
المدخـل :
http://home.att.net/~scorh3/Flower04h3.gif
انطلاقاً من مسلمة الاستفسار عن حقيقة الموضوع وجوهره في أي قضية علمية مطروحة للدراسة والتحليل ثمة سؤال عن جوهر القضية هو: (ما الأسلوب؟ وما معناه؟ وكيف ينظر إليه؟ وما السبل المتبعة في دراسته وتحديد خصائصه؟)؛ إنه سؤال مركب في ظاهره، صعب في مضمونه، تتطلب الإجابة عنه الوقوف أمام مجموعة من القضايا التي اختلف حولها كثير من علماء اللغة والأسلوب وما زالوا يختلفون، إلى درجة صارت فيها موضع نقاش وجدال بينهم، ولهذا لا بد من البحث في جملة من الحقائق في هذا الباب، ومنها:
1 - اهتمام أصحاب تخصصات مختلفة بالأسلوب وما يرتبط به من قضايا اهتماماً علمياً كبيراً، وليس من قبيل المبالغة أن يعد العلماء الأسلوب واحداً من أبرز الظواهر اللغوية والأدبية المدروسة من زوايا متعددة على الرغم من تعادلها في الإشكالية والاختلاف .
والمشكلة الأساسية هنا ترجع في قسم كبير منها إلى الوضع العام المفترض للأسلوب من حيث تداخله بين علمي اللغة والأدب (الشعر) ((فقد يكون الخلاف حول مرجعية أي عرض في الأسلوبية إلى مدخل في علم اللغة أو في علم الأدب؛ لأن العرض الأسلوبي في حقيقته له مكان في المجالين)) ، وهذا التقابل في مفهوم الأسلوب بين العلمين السابقين يعني:
- تحليل الأسلوب بمناهج اللسانيات وأسسها من ناحية.
- وتحليله بمناهج علم الأدب وأسسه من ناحية ثانية.
فموضوع الدراسة اللسانية هو الأسلوب اللغوي، وموضوع الدراسة الأدبية هو الأسلوب الأدبي (الشعري)، ويعرف الأسلوب اللغوي نظرياً بأنه طريقة التعبير اللغوي التي تميز تعبير الشخص، وتلقى اهتماماً كبيراً وخاصاً؛ لأنها تتضمن اللغة المحيكة إلى جانب اللغة المكتوبة المفضلة عرفاً، ولدى تعريفه (علمياً/ أمبيرياً) انطلاقاً من أشكال التعبير المميزة، يمكن القول بأنه مجموع كل العناصر اللغوية المستعملة في نص؛ لأن ((الوسائل اللغوية جميعها هي وسائل لغوية ووسائل أسلوبية في وقت واحد)) .
2 - لعلم الأسلوب جانب نظري وآخر تطبيقي، شأنه في ذلك شأن الفروع العلمية الأخرى كلها، إلا أن السائد عموماً هو استعمال مصطلح الأسلوبية للإشارة إلى الجانبين معاً من غير أي تفريق بينهما، وعلى الرغم من أن هذا الاستعمال عام ولا يغير أي شيء في مضمون الاصطلاح، إلا أن (نظرية الأسلوب) ولأسباب توضيحية تستعمل للإشارة إلى علم الأسلوب اللغوي العام، وتستعمل (الأسلوبية) للإشارة إلى كل من علم القواعد التطبيقية للأسلوب وعلم الوسائل الأسلوبية (الأسلوبية المعيارية والوصفية).
وعليه، فإن نظرية الأسلوب والأسلوبية يشترط كل منهما الآخر؛ لأن الظواهر الأسلوبية الحقيقية هي الأساس الذي يعتمد عليه في اكتمال بناء النظرية في النهاية، ولأن الأسلوبية لا يمكنها أن تصف قدراً من المواد اللغوية المجمعة وغير المتجانسة من غير أساس نظري تعتمد عليه.
واللافت هنا هو التعريف النظري للدراسة الأسلوبية المعاصرة بطرق مختلفة؛ تعكس تصورات متباينة جداً من حيث نظرتها إلى الأسلوب، ويعكس تباين هذه التصورات بدوره غياب نظرية موحدة، يجعل الباحث يدرك أن الاكتفاء بتكرار تناول جانب أسلوبي واحد ليس مرده النقص في البحث الهادف، إنما تعدد الاتجاهات ولا سيما في اللسانيات، وإن جرت مرة دراسة جوانب متعددة معاً، فالإجراء هذا وليد الحاجة والضرورة.
ونظراً لعدم إمكانية تحديد مناهج البحث الأسلوبي التطبيقي، وما ترمي بدقة إلا بالاعتماد على نظرية من هذا القبيل، يجب أن يؤخذ في الحسبان أن النظرية الأسلوبية القائمة على أسس دقيقة، المنضوية تحت لواء اللسانيات تصير مطمحاً بحثياً ملحاً، فتبنى من التراكيب المفترضة المستخلصة من الفهم القديم لهذه التراكيب، ومن الوقائع التجريبية (العملية) حين تأخذ طابع الوسائل الأسلوبية؛ لأن البنى الأسلوبية الصعبة هي السبيل الوحيد إلى الكشف عن نظرية متكاملة نسبياً في الوضع الراهن للبحث الأسلوبي .
وبهذا المعنى لا تحتاج النظرية بشكلها الحالي إلى الحسم فيها واعتبارها نهائية، لا بل إن كل حسم فاصل فيها يعد بحد ذاته أكثر من شرط، ودافع إلى الاستمرار في التفكير الذاتي، ولهذا لا تكمن قيمة أي نظرية في درجة فاعليتها في التحقيق والتعريف وحسب، بل في مهمتها أيضاً في ((صياغة المسائل الأساسية التي تشكل قاعدة موجهة وناجعة للبحث الدقيق والسليم)) .
3 - كل نظرية أسلوبية لغوية يجب أن تكون مؤسسة تأسيساً دقيقاً، وأن تكون متكاملة لسانياً، وهذا يتجلى في التقويم الذاتي للسانيات الحديثة حين ((تعد نفسها البحث العلمي الدقيق للغة)) ، ويتجلى في ضرورة الإشارة إلى أن أي نظرية من هذا القبيل لا يمكن أن تكون - بالضرورة - أكثر من نظرية فرعية، تدخل ضمن الصياغة العامة للنظرية في اللسانيات، وفي الحالتين تصل نظرية الأسلوب إلى حدودها هناك حيث لا تزال اللسانيات بكاملها تتخذ سبيلاً إلى المناقشة والجدل، ولا تتخذ سبيلاً إلى حل المشاكل التي ما زال فيها تناقض واختلاف في المواقف.
نعم، إن تطبيق الأفكار اللسانية ونتائجها ومناهجها على بحث الأسلوب بحاجة إلى تدبر جديد ونظرة جديدة إلى الأفكار المتداولة فيه، كتلك الأفكار التي تصور العلاقة القائمة بين النحو والأسلوب؛ لأن الاتجاهات النحوية الحديثة تبدو مختلفة عما يعرف اليوم بالنحو التقليدي.
ومن أبرز الاتجاهات الأسلوبية الحديثة التي تتناول الأسلوب درساً وتحليلاً وما زال ينقصها البرهان العملي المنظم - الاتجاه الذي يدعو إلى جعل الأسلوب هو الاختيار بين الإمكانات اللغوية المختلفة، ويدعو إلى شمولية هذا الاختيار وعدم اقتصاره على المستوى اللفظي وحده، وعلى مستوى الجملة الذي صار يحتل اليوم المركز الأول في الملاحظة والدراسة؛ لأن مستوى النص المتجاوز لحدود الجملة، الحائز على إمكانيات حرة للاختيار، قد أدخل (لسانيات النص) و (الأسلوبية) في دائرة التنافس بوصفهما مصطلحين متنافسين.
وأخيراً يأتي المنظور الأحدث الذي يربط بين الأسلوب والحالة الاجتماعية للمنتج اللغوي، ويستبعد بقاء علم الأسلوب بمنأى من التأثر بنتائج اللسانيات الاجتماعية الحديثة التي تدرس العلاقة الوثيقة بين الأثر اللغوي والظروف الاجتماعية التي ولد فيها هذا الأثر، وهذا ما يعيد إلى الأذهان الحكم المشهور لسوفستين بروتاجوراس (Sophisten Protagoras بأن الإنسان هو مقياس الأشياء كلها، وأن ما يكتبه أو يتحدث به هو من صنعه وسبيل إلى الحكم عليه ودراسته في إطار علم اللغة بشكل عام).
واللافت هنا هو أن الاهتمام الكبير بالأسلوب الفردي، والإعجاب الشديد بالشرح الأدبي لشخصيات شاعرة كبيرة كانا السبيل إلى مسارات جديدة في البحث الأسلوبي، جعلا مستويات نحو الجملة، ولسانيات النص، واللسانيات الاجتماعية قادرة على تصوير المساحة الواسعة لاتجاهات البحث اللساني من منظور أسلوبي.
ومن أهم أهداف هذا العمل تنظيم هذه المجالات والاهتمامات بغية إيجاد حل وسط يوصل إلى نظرية أسلوبية موحدة تدخل في النظام الكلي للسانيات، وتشكل نظرية فرعية في هذا الميدان ، فأي نظرية أسلوبية لغوية لها خصوصية، وتحتفظ بسمات خاصة بها، في الوقت الذي لا يفهم فيه الأسلوب الشعري في جانب منه إلا بالأسلوب اللغوي، واللساني يحتاج فيه إلى تفسير تكميلي، يقدمه علماء الأدب لكي يتمكن من فهم هذا الأسلوب بكامله.
ونظراً لتعلق الموضوع في النهاية بالأسلوب الفني لعصر كامل وعدم اقتصاره على أعمال فنية محددة، يجب على اللسانيين والأدباء وممثلي العلوم الأخرى كالموسيقا والرسم والهندسة والفنون التشكيلية وأنماط اللباس أن يتفقوا على تفسير شامل للأسلوب.
نعم، إن الأسلوب ظاهرة عامة، يستدل عليها من تجاوز الفن؛ أي فن حدوده الوطنية التي ينتشر فيها، ويستشهد على صحة هذا الحكم بتطابق الأدب التشكيلي (Schwulst Literatur) مع ما كان له من نظائر في أوربا كاملة.
ونظراً لالتزام الأسلوب اللغوي كل مرة وإلى حد ما بعناصر اللغة المفردة وأدواتها، ونظراً لكون معظم الأمثلة المعتمدة في هذا العمل مستمدة من اللغة الألمانية، فإن الأحكام الأسلوبية التي سننتهي إليها تدفعنا إلى القول: (من الأولى أن يسمى عنوان هذا الكتاب نحو نظرية أسلوبية في اللغة الألمانية) مع الاحتفاظ بالمهمة الأساسية التي تتجلى في توسيع هذه النظرية الخاصة إلى نظرية أسلوبية عامة.
غصون الصوت
24-04-2003, 07:18 AM
إشكالية مفهوم الأسلوب :
http://home.att.net/~scorh3/Flower04h3.gif
رداً على تعدد الآراء وتباين وجهات النظر المرتبطة بالأسلوب والأسلوبية، واستناداً إلى المرتبطة بهما، فقد أعرب العالم اللغوي الأمريكي (غراي) عن قناعته في هذا الباب حين عرض الوضع الحالي لتاريخ البحث في مجال الأسلوب في كتابه (Style . The problem an its solution 1969) ورأى أن هذه الظاهرة غير موجودة إطلاقاً، وموقفه هذا يدعو الباحث؛ كل باحث في هذا المجال إلى الوقوف أمام جملة من القضايا والإشكاليات المعلقة سعياً وراء حل مناسب ومباشر، ومنها:
هل الأسلوب موجود فعلاً؟
سؤال مهم طرحه غراي على نفسه باحثاً عن إجابة مناسبة عبر سؤال آخر هو: (هل مفهوم الأسلوب هدف بذاته وحسب، أم أنه مجرد مفهوم وُضِع لإرضاء رغبات أصحاب النزعة التنظيرية؟).
ورداً على تساؤله المذكور هذا رأى أن مجرد وجود كلمة تشير إلى هذا المفهوم، واستعمالها المتواتر لدى كثير من الناس ليسا دليلين قويين على أصالة وجوده، الأمر الذي جعله موضع جدل وخلاف في التيارات الأسلوبية الأخرى التي تناولته بحثاً وتعريفاً، لاختلاف المناحي التي انطلقت منها في النظر إليه، ولخضوع تحديده لاهتمامات المعرِّف وللآراء التي تمثلها مدرسته، وهذا ما يتضح في الأحكام التالية:
* الأسلوب هو السلوك (عالم النفس).
* الأسلوب هو المتحدث / المتكلم (عالم البلاغة).
* الأسلوب هو الشيء الكامن (الفقيه اللغوي).
* الأسلوب هو الفرد (الأديب).
* الأسلوب هو المتكلم الخفي أو الضمني (الفيلسوف).
* وأخيراً الأسلوب هو اللغة (اللساني).
والجهود العلمية المختلفة التي ظهرت في إطار الدرس الأسلوبي.. ترى أنه ((من الأولى علمياً الاستغناء عن تصور مستوى غير ضروري لا يمكن إثبات وجوده عملياً أو استنتاجه منطقياً)) .
وعلى الرغم من كل ما أثير من خلاف حول إمكانية البدء بتعريف الأسلوب أو بكيفية تعريفه لم يكن هناك شك بوجود الظاهرة ((لأن التطابق الوحيد الذي ينشأ مؤثراً بين كثير من الفئات والأحزاب المهتمة سِرُّه وجود ظاهرة كظاهرة الأسلوب)) ، وغراي نفسه يجب أن يعترف أن هذه الحقيقة التي لا تُعَدُّ سبباً يدعو إلى إدراك كون العيب لا يرتبط بالبحث نفسه إنما بنتائجه التي يجب أن تكون مقنعة، وفي هذه النقطة بالذات يمكن للباحث أن يحيل وبكل بساطة إلى المفاهيم اللسانية المقارنة مثل: الكلمة، الجملة، والنص.. التي لا تعرف إلى يوم الناس هذا تعريفاً فاصلاً، على الرغم من عدم إمكانية أي شخص بالطبع إنكار وجود الكلمات والجمل أو النصوص في لغتنا.
أو ليس الأمر كذلك مع الأسلوب اللغوي؟ فصيغ التعبير المميزة لشخص أو فئة أو زمن يمكن البرهان عليها وإثباتها تجريبياً، والأسس النظرية المعتمدة لإثبات جوهر الأسلوب لا تنحصر في الدائرة اللسانية، بل إنها تستمد من علوم كثيرة قريبة منها مثل علم النفس، علم الأجناس، علم الأدب..
إن عدم التوصل إلى أسس عمل في هذا الباب إلى الآن يرجع وبشكل كبير إلى اختلال التعاون والتنسيق بين تلك العلوم المتجاورة ، ويرى بعضهم أن السبب الأساسي في هذا يكمن في المعنى العام لمفهوم الأسلوب نفسه.
فإن لم تنجح اللسانيات في العقود الأخيرة في تطوير تعريف الأسلوب، وكشف نظرية منظمة تخصه، وكشف مناهج مناسبة لتحليله، فالمؤكد أن هذا ينقض الوضع الراهن (للسانيات الأسلوبية) إذا وجدت ، إلا أنه لا ينفي وجود الأسلوب ظاهرة مرافقة للغة (Epiphanomen)، فإن لم يكن المرء قد وجد لهذا مفهوماً ناجعاً منذ ما يزيد على ألفي سنة، فإنه يرى نفسه الآن مضطراً للبحث عن مفهوم آخر أو جديد.
وعليه يمكن فهم هذا العدد الكبير من تصورات معنى الأسلوب فهماً إيجابياً؛ لأنه من الخطأ الكامل ألا يرى في هذا سوى انعدام تخطيط الباحثين، وتعدد اتجاهات البحث الحديثة الذي يظهر في تعاريف الأسلوب الكثيرة والمختلفة يقدم في النهاية الأساس للوصول إلى نظرية أسلوبية شاملة وذلك بعد النظرة الناقدة للآراء المختلفة وما تتضمنه من توجيهات جامعة ومتنوعة.