الأسلوبية والصوفية
دراسة في شعر الحسين بن منصور الحلاج
لأماني سليمان داود
مقدمة
هذا كتاب في الأسلوبية والصوفية ؛ دراسة في شعر الحسين بن منصور الحلاج لمؤلفته أماني سليمان ، تقع الدراسة في مائتين وأربعين صفحة من القطع الكبير ، وتشتمل على ثلاثة فصول وتمهيد وخاتمة .
فى مقدمة الكتاب تقول المؤلفة : إن مما يدفع الباحث لدراسة الأدب الصوفي أنه يعدّ نصا لغويا ودلاليا في الأدب العربي إذ انطلق باللغة إلى مستوى جديد غني بالطاقة الإيحائية.
وتناولت الباحثة في التمهيد سيرة الحلاج وأهم ملامح حياته ؛ فقد كان شخصية جدلية وصاحب طريقة وفلسفة خاصة ، وفى شعره تمثلت تجربته الصوفية الممتدة ، وتميز شعره بدلالاته الصوفية التي صاغها ضمن تشكيل أسلوبى مميز .
وفى الفصل الأول عرضت المؤلفة للتحليل الصوتي ؛ إذ درست الإيقاع والأوزان والبحور ، وكيفية استخدام الحلاج لها في شعره .
وفى الفصل الثاني عرضت للتحليل التركيبي فاختارت أهم الظواهر التركيبية التي ميزت شعرالحلاج كتراكيب المبتدأ والخبر والإضافة وغيرها .
وفى الفصل الثالث عرضت المؤلفة للتحليل الدلالي الذي كشف عن تجربة متجانسة ودار في غرض واحد هو تجربة الوحدة الصوفية والتعلق بالذات العليا ، وقد قسمت الحقول الدلالية في شعره إلى عدة حقول مثل :
حقل الحب الإلهى وحقل الألفاظ الدالة على المعرفة ، و حقل ألفاظ الخمر وحقل الدلالة على أعضاء الإنسان وحقل الحروف والأعداد .
وسأحاول في هذا العرض تلمس فصول الكتاب عسى أن أستطيع نقل الملامح الأسلوبية المميزة لشعر الحلاج محمولة على المنهج الأسلوبي المتّبع في الدراسة .. والله الموفق ..
الحركة الصوفية .. انزياح عقدي وفكري .
النشأة :
حركة التصوف انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة ، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة معروفة باسم الصوفية ، ويتوخى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية ، ولذا جنحوا في السمار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية : الهندية والفارسية واليونانية المختلفة .
سبب التسمية :
اختلف العلماء في نسبة الاشتقاق على أقوال أرجحها :
ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون وطائفة كبيرة من العلماء من أنها نسبة إلى الصوف حيث كان شعار رهبان أهل الكتاب الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية .
بداية االانزياح :
كدأب أن انحراف يبدأ صغيراً ، ثم ما يلبث إلا أن يتسع مع مرور الأيام فقد تطور مفهوم الزهد في الكوفة والبصرة في القرن الثاني للهجرة على أيدي كبار الزهاد أمثال : إبراهيم بن أدهم ، مالك بن دينار ، وبشر الحافي وغيرهم إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام ، وتحريم تناول اللحوم ، والسياحة في البراري والصحاري ، وترك الزواج ، يقول مالك بن دينار : ( لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة ، ويأوي إلى مزابل الكلاب ) ، وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص كتاب أو سنة ، ولكن مما يجد التنبيه عليه أنه قد نسب إلى هؤلاء الزهاد من الأقوال المرذولة والشطحات المستنكرة ما لم يثبت عنهم بشكل قاطع كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية .
* ومنذ ذلك العهد أخذ التصوف عدة أطوار أهمها :
- البداية والظهور : ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قربها من بلاد فارس ، والتأثر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة ، ثم بسلوكيات رهبان أهل الكتاب .
* طلائع الصوفية :
ظهر في القرنين الثالث والرابع الهجري ثلاث طبقات من المنتسبين إلى التصوف وهي :
- الطبقة الأولى :
كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة ، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف ، وإن كان ورد عن بعضهم – مثل الجنيد – بعض العبارات التي عدها العلماء من الشطحات ، ومن أشهر رموز هذا التيار .
- الجنيد : هو أبو القاسم الخراز المتوفي 298هـ يلقيه الصوفية بسيد الطائفة .
- ومن أهم السمات الأخرى لهذه الطبقة كثر الاهتمام بالوعظ والقصص مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان ونساك أهل الكتاب حيث حدث الالتقاء ببعضهم ، مما زاد في البعد عن سمت الصحابة وأئمة التابعين ، ونتج عن ذلك اتخاذ دور للعبادة غير المساجد ، يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبي صلى الله عليه وسلم مما سبب العداء الشديد بينهم وبين الفقهاء ، كما ظهرت فيهم ادعاءات الكشف والخوارق وبعض المقولات الكلامية ، وفي هذه الفترة ظهرت لهم تصانيف كثيرة .
- ومن أهم هذه السمات المميزة لمذاهب التصوف والقاسم المشترك للمنهج المميز بينهم في تناول العبادة وغيرها ما يسمونه ( الذوق ) والذي أدى إلى اتساع الخرق عليهم مما سهل على اندثار هذه الطبقة وزيادة انتشار الطبقة الثانية التي زاد غلوها وانحرافها .
- الطبقة الثانية : خلطت الزهد بعبارات الباطنية ، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري ، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات : الوحدة ، والفناء ، والاتحاد ، والحلول ، والسكر ، والصحو ، والكشف ، والبقاء ، والمريد ، والعارف ، والأحوال ، والمقامات ، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة ، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن ، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم ، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية ، مما زاد في انحرافها ، فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التصوف حتى الآن .
- ومن أهم أعلام هذه الطبقة : أبو اليزيد البسطامي ت 263هـ ،ذو النون المصري ت 245هـ ، الحلاج ت 309هـ ، أبو سعيد الخزار 277-286هـ ، الحكيم الترمذي ت 320هـ ، أبو بكر الشبلي 334هـ .
- الطبقة الثالثة :
وفيها اختلط التصوف بالفلسفة اليونانية ، وظهرت أفكار الحلول والاتحاد ووحدة الوجود موافقة لقول الفلاسفة ، كما أثرت في ظهور نظريات الفيض والإشراق على يد الغزالي والسهروردي ، وبذلك تعد هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مر بها التصوف والتي تعدت مرحلة البدع العملية إلى البدع العلمية التي بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية ، ومن أشهر رموز هذه الطبقة : الحلاج ت 309هـ ، السهروردي 587هـ ، ابن عربي ت 638هـ ، ابن الفارض 632هـ ، ابن سبعين ت 667هـ .
- الحلاج : أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج 244- 309هـ ولد بفارس حفيدا لرجل زرادشتي ، ونشأ في واسط بالعراق ، وهو أشهر الحلوليين والاتحاديين ، رمي بالكفر وقتل مصلوباً لتهم أربع وجهت إليه :
أ- اتصاله بالقرامطة .
ب- قوله ( أنا الحق ) .
ت- اعتقاد أتباعه ألوهيته .
ث- قوله في الحج ، حيث يرى أن الحج إلى البيت الحرام ليس من الفرائض الواجب أداؤها .
- يعتقد المتصوفة في الله تعالى عقائد شتى ، منها الحلول كما هو مذهب الحلاج ، ومنها وحدة الوجود حيث عدم الانفصال بين الخالق والمخلوق ، ومنهم من يعتقد بعقيدة الأشاعرة والماتريدية في ذات الله تعالى وأسمائه وصفاته .
- والغلاة منهم يعتقدون في الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا عقائد شتى ، فمنهم من يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى مرتبتهم وحالهم ، وأنه كان جاهلاً بعلوم رجال التصوف كما قال البسطامي : ( خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله ) ، ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون ، وهو الله المستوي على العرش وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره ، وأنه أول موجود وهذه عقيدة ابن عربي ومن تبعه ، ومنهم من لا يعتقد بذلك بل يرده ويعتقد ببشريته ورسالته ولكنهم مع ذلك يستشفعون ويتوسلون به صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى على وجه يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة .
تاريخكم إن كنت تمترون ، أروني صوفياً واحداً قاتل في سبيل الله ؟
أبو منصور الحلاج :
رغم تداخل الروايات وتضارب بعضها، إلا ان معظمها تتفق بان الحلاج ولد في حوالي 858 ميلادية في إحدى القرى القريبة من إقليم فارس، وترعرع في (تستار) أو (واسط)، وان لقب (الحلاج) جاءه من مهنة أبيه، رغم أن هناك رواية صوفية عن (حلاج الأسرار)، لكن ما هو ثابت أيضا انه تتلمذ على يد المتصوف الكبير( سهل التستري ) الذي توفي العام 896 والذي يعتبر من المؤسسين الأوائل للتصوف الإسلامي، والذي اثر في الحلاج بشدة، بحيث أن الكثير من تعاليمه نجدها في كتاب (الطواسين) للحلاج. وحينما بلغ الحلاج الثامنة عشر انتقل إلى بغداد، حيث تتلمذ على كبار المتصوفة هناك، وتزوج ابنة احد كبارهم، الذي رأى فيما بعد انه زوج ابنته لساحر مجد ف وكافر زنديق، ولم يكن أمر الحلاج سهلا مع بقية المتصوفة أيضا، فشد رحاله إلى الكعبة المكرمة لأداء مناسك الحج، وعند رجوعه إلى بغداد زار المتصوف الكبير (الجُنيد) لمناقشته في مسألة صوفية، وكان ذلك في العام 896 حينما كان للحلاج 38 عاما، وهو العام الذي مات فيه( التستري) أيضا بعد ذلك ترك عائلته ورحل عن بغداد إلى شمال شرق الإمبراطورية الإسلامية لسنوات عديدة، ثم إلى الجنوب، إلى الهند، ثم عاد إلى فارس والأهواز وأخيرا البصرة، ومنها حج البيت الكريم ثانية بصحبة أربعمائة من أتباعه، ثم عاد بعد ذلك إلى بغداد، لكنه أُتهم هذه المرة بممارسة السحر الهندي، فغادرها متوجها إلى وادي الهند. ويبدو أن رحلته هذه لا زالت موضع تحقيق، حيث يُعتقد انه بعدها مر بكشمير عابرا إلى تركستان، وهذا الاعتقاد يستند إلى الانتشار الواسع جدا لسمه في أغاني وأشعار هذه البقاع في اللغات السندية والبنجابية والكشميرية أكثر مما في أية بقعة أخرى من الأرض العربية والإسلامية.!! وسواء قد انتشر اسمه هناك لاحقا، أم انه انتشر في حياته، فان الأمر لا يعفي من أن الاعتراف بان للحلاج حضور مبهر ورزين ولديه تأثير عظيم على متصوفة هذه البلدان الإسلامية. غير أن السلطة المركزية في بغداد آنذاك نظرت إليه بريبة، وتخوفت من رحلته إلى وادي الهند كثيرا، وخمنت انه يقيم علاقات سرية مع الحركات الدينية المعارضة للسلطة المركزية، والتي كانت منتشرة في أرجاء الإمبراطورية الإسلامية آنذاك، وان الحلاج يغطي أهدافه السياسية بتعاليم دينية غامضة. وحينما عاد عاد إلى بغداد بعد رحلته هذه، بدأت الرسائل تصله من كل البلدان التي زارها، ومن الطبيعي ان هذه الحفاوة والتقدير، وهذه المكانة الروحية للحلاج قد تركت ردود فعل سلبية لدى بقية رجالات الصوفية، كما بدأ (القصاصون) يتبعون كل شاردة أو واردة تخصه، وخلال هذه الفترة رحل الحلاج متوجها إلى بيت الله الحرام للمرة الثالثة وبقى هناك لمدة سنتين، بعدها عاد لبغداد مستقرا فيها، متخذا من أسواقها مكانا للموعظة. وتتوارد الأخبار عن تصرفاته الشخصية الغريبة، عن نسكه وبكائه الطويل توجدا وتعبدا، ثم ضحكه المفاجيء أحيانا، وحديثه الغامض عن (الحب الإلهي) الذي صدم الكثيرين من رجال الدين آنذاك. لكن المشكلة كانت آنذاك مع السلطة، حيث كانت بغداد تعيش حالة من التوتر والاضطراب مما دفعها للتخوف من رجل كالحلاج، فزجت به في السجن، ويقال انه هرب من سجنه لكنه أُعتقل ثانية، وعند المحاكمة الأولى عومل برفق، لتدخل أم الخليفة، فنقل من سجن إلى سجن، لكن بعد سبع سنوات،وفي العام 919 ميلادية، وإذ تدهورت الأوضاع في بغداد، وتناهى إلى أسماع السلطة أن الحلاج أمسى، رغم سجنه، أشد قوة حيث أخذ الناس يتحدثون عن كراماته الجليلة، ويتناقلون حكايات عجيبة عن علاقاته بالأرواح وما شابه، اقتحمت السلطة بيته.
براء السيد
27-09-2006, 05:34 AM
رغم انه كان سجينا، فوجدت هناك الكثير من الرسائل والمخطوطات التي كتبت على ورق صيني فاخر، بعضها كتب بماء الذهب، وبعضها وشي بالحرير، ورسائل منه تتضمن تعليماته للوصول إلى التفاني والحلول، ورسوم غريبة وخطوط تدينه وتؤكد علاقته ببعض الفرق والمذاهب المغالية والتي كانت تهدد كيان السلطة المتهرئة في بغداد، فأمر قاضي القضاة بإعادة محاكمته وأصدر حكما بإقامة الحد عليه، وقد وقع (84) شاهد على قرار الحكم!!! فصلب في 23 ذي الحجة من العام 309 للهجرة والمصادف 26 مارس من العام 922 ميلادية. وكما تؤكد المستشرقة أني ماري شيمل فان هناك الكثير من الكتب والأخبار التي تتحدث مطولا عن طريقة موت الحلاج، لكن المهم أن الحلاج كان أول الضحايا من رجالات الصوفية.
التحليل الصوتي :
يعد التحليل الصوتي مستوى أساسيا من مستويات التحليل اللغوي عند الدارس الأسلوبي ، والمادة الصوتية في السياق اللغوي هي الأصوات المتميزة وما يتألف منها وتعاقب الرنات المختلفة للحركات والإيقاع وشدة وطول الأصوات والتكرار وتجانس الأصوات المتحركة والساكنة .. وهذه التأثيرات الصوتية تظل كامنة في اللغة العادية ، حيث تكون دلالة الكلمات التي تتألف منها والظلال الوجدانية لهذه الكلمات بمعزل عن قيم الأصوات نفسها أو مضادة لهذه القيم ولكنها تتفجر حيثما يقع التوافق من هذه الناحية .
عند تحليل ودراسة الشعر لا يكتفي التحليل الصوتي بدرس الوزن وهو الإطار الخارجي الذي يمنع القصيدة من التبعثر إنما يدرس إلى جواره الموسيقى الداخلية من تناغم الأصوات وائتلافها وتقديم بعض الكلمات على بعض واستعمال أدوات اللغة الثانوية بوسائل فنية خاصة وغير ذلك مما يهيئ جرسا نفسيا خاصا يكاد يعلو على الوزن العروضي ويتفوق عليه .
الأسلوب والأسلوبية :
عرفت الأسلوبية ومنذ نشأتها بدراسة النصوص الأدبية دراسة علمية، وهي تحاول في ذلك رصد الخصائص الجزئية والكلية المميزة لكل نص، وذلك من أجل قول كلمة تمثل السمات المختلفة للنصوص على أنها راعت جميع المسائل المتصلة بالذوق، والإحساس الإنساني ، إلا أن ذلك يجب أن يكون لاحقاً للخصائص العلمية، وقد شاع جدل بين النقاد والباحثين حول صلة الأسلوب بالأسلوبية فـ " ما زال مفهوم الأسلوب غامضاً ملتبساً لا بسبب نقص ما كتب عنه وإنما لكثرة تداوله بين النقاد والدارسين، فقد تعددت تعريفاته وتنوعت مقاصد الباحثين في إيراده، وهو بصورة مجملة بعرض للطريقة الفنية في التعبير عن الدلالات أو المعاني لكنه يمتزج في أحيان كثيرة بمفاهيم متعددة في البلاغة والنحو وسائر العلوم اللغوية فكل باحث يحمله إلى مرجعيته ويعرفه اعتماداً على الحقل الذي ينوي التعرض له" ويمكن أن يعني الأسلوب الكيفية التي يستخدم فيها المبدع أداة أو وسيلة ما في الكتابة أو " هو استخدام الكاتب لأدوات تعبيرية من أجل غايات أدبية ويتميز في النتيجة من القواعد التي تحدد معنى الأشكال وصوابها " ويختلط استخدام كل من الأســـلوبية والأسلوب في الدراسات لاقترابهما وتداخلهما مــــع أن الأســلوب تحــددت دائــــرته ووظـــيفته في الدراسات الأسلوبية الحديثة التي طمحت إلى تحويل الأسلوبية إلى علم يختص بدراسة الأساليب وتحيط الأسلوبية برقعة اللغة كلها، فجميع الظواهر اللغوية ابتداءً من الأصوات حتى أبنية الجمل الأكثر تركيباً، ويمكن بالأسلوبية أن تكشف عن خصيصة أساسية في اللغة المدروسة ، فجميع الوقائع اللغوية مهما تكن ، يمكن أن تشف عن لمحة من حياة الفكر بأكملها ، منظوراً إليها من زاوية خاصة كالزاوية الصوتية أو التركيبية أو الصرفية وغيرها، فتهتم الأسلوبية بدراسة وصفية ، وبما أن المبدع يعتمد على اللغة بوصفها المادة الأساسية في عمله الإبداعي فإن الأسلوبية تتبع طريقة استخدام اللغة من التفاصيل والجزيئات بحيث تخرج بتعميمات يمكن إجمالها في ما يلي:
المنظور الإحصائي : تنظر الأسلوبية الى معدل التكرار لبعض العناصر اللغوية، والذي يتكرر أكثر من غيره وبصورة جلية، على أنه أولى بالدراسة من غيره ، لأن تكراره يعني سمة أسلوبية في النص، وأن المبدع يعول عليه أكثر من غيره ، لكن الإحصاء لا يمثل سوى القاعدة التي تنطلق منها الأسلوبية ، بحيث يكتمل مع التفسير والتحليل والاستقراء والمبالغة في الجانب الإحصائي، مع إهمال النواحي الدلالية قد يؤديان الى تحويل النصوص الى مواد صماء، تراوح مكانها خانقة روح النص ، ويذكر أن الجانب الإحصائي ليس غاية الدراسة الأسلوبية، بل ولا يمثل مبتغاها .
مبدأ الانزياح والغرابة : يرى بعض الباحثين أن العدوان يتصل بالصور البلاغية كلها ، وهي تعمل بخرقها الدائم لسنن اللغة ، فإذا كانت اللغة في المنظور الوظيفي وسيلة للتواصل من أقرب الطرق ، وبأقل جهد ، فإن الشعر يسعى إلى عرقلة هذه الوظيفة بطرق متعددة "إذ أن اللغة تسعى إلى ضمان سلامة الرسالة لكن بطريقة الاختلافات الصوتية متيحة للتماثل الصوتي والقافية والوزن عرقلة قوانين اللغة في وظيفتها الفطرية الأولى ومخالفة لها مخالفة صريحة" وليس خرق اللغة سوى مرحلة أولية من عملية الانزياح الكبرى فتتلوها المرحلة التأويلية التي تعيد الصورة إلى حظيرة اللغة ، ولابد في الشعر من حضور الوظيفة التوصيلية وإلا فقد الشعر جزءاً من انتمائه إلى اللغة، فالخطاب الشعري خطاب لغوي توصيلي أولاً وتهيمن فيه الوظيفة الشعرية الخاصة به دون أن تغيب الوظيفة التوصيلية الأولى ،ومن هنا لا يكون الشعر نقيضا للغة التواصلية إلا في المرحلة الأولى ، ثم تعيد انتماءه إليها بعد تراجع بعض مظاهر الوظيفة الشعرية ، وكثيرا ما نلمس ذلك لدى المتلقي الذي يدخل إليه الشعر بواسطة الهالة البلاغية الصورية ، ثم ما تلبث أن تتراجع ، ليستقر موجزاً مجرداً عائداً بذلك إلى المرحلة الأولى "التوصيلية" ونظرا إلى أن الوظيفة الشعرية حاضرة في مستويات مختلفة من كل خطاب تواصلي لغوي ، فإن تحديد المعيار المنزاح عنه يغدو معضلة ، وتجد نظريه الانزياح ـ باعتبارها إجراء لغويا ـ بعداً مهماً في التراث البلاغي العربي كالحديث عن المجاز، والعدول والتوسع ، ولعل نظرية الانزياح الأسلوبية ـ وفي ديباجتها المتقدمة ـ جاءت لتفسر ما عبر عنه منذ القديم بالغرابة والعجب . قال الجاحظ : إن الشيء من غير معدنه أغرب ، وكلما كان أغرب كان أبعد في الوهم ، وكلما كان أبعد في الوهم كان أظرف ، وكلما كان أظرف ، كان أعجب ، وكلما كان أعجب كان أبدع" ولا يعد كل انحراف أسلوباً إذ لا بد أن يصاحبه وظيفة جمالية وتعبيرية ويمكن أن تبدأ الخطوات في التحليل الأسلوبي بـ " مراجعة ومراقبة الانحرافات، كتكرار صوت أو قلب نظام كلمات ، أو بناء تسلسلات متشابكة من الجمل ، وكل ذلك يخدم وظيفة جمالية كالتأكيد أو الوضوح أو عكس ذلك كالغموض ، أو الطمس المبرر جمالياً للفروق" .
مبدأ الاختيار:
وهو عملية الانتقاء المدروس للطرائق اللغوية المناسبة من قلب النظام اللغوي، وذلك لتأدية المعنى والتعبير عنه، حيث " يتم ذلك على أساس من التعادل أو التشابه أو الاختلاف، أي على أساس الترادف والتحالف" . على أن الأسلوب يمكن اكتشافه والتنبؤ بمعالمه وخصائصه من خلال " الاختيار الواعي لأدوات التعبير "،وتسمى عملية اختيار مفردات اللغة بمفاتيح النص .
التأليف :
ويعنى بالجانب التركيبي النحوي ، فتوضع المقولات النحوية المنتظر ظهورها في مقابلات ومتباينات، أي " مجموعة أجزاء الخطاب القابلة للإعراب أو غير القابلة له مثل الأعداد والأجناس، والحالات ودرجات المشابهة والزمن والصيغ ، إذ يتم التركيب على أساس التشابك بين المتواليات، والتقارب بين العناصر المتجاورة، بمعنى أن يتم التوافق بين المعاني النفسية المراد التعبير عنها، وطريقة الأداء اللغوي لها عن طريق النظر في القيم النحوية، التي تراعى خلال تأليف العبارة .
وباختيار الكاتب أو المتكلم لأدواته التعبيرية، من الرصيد المعجمي للغة ثم تركيبه لها ، تركيبا تقتضي بعضه قوانين النحو ، وتسمح ببعضه الآخر سبيل التصرف عند الاستعمال ، أي عرضه مبدأ التعادل في محور الاختيار على محور التركيب، فتتحدد أدبية النص أو وظيفته الشعرية ، على أننا في هذا المقام نرد الجميل لعالم العربية الجليل عبد القادر الجرجاني، لريادته هذا الحقل منذ قديم الزمان حيث قال :" والألفاظ لا تفيد حتى تؤلف ضرباً خاصاً من التأليف ، ويعمد بها إلى وجه دون وجه من التركيب والترتيب ، فلو أنك عمدت إلى بيت شعر ، فعددت كلماته عدا كيف جاء واتفق ، أبطلت نضده ، ونظامه الذي بني عليه ، وفيه أفرغ المعنى ، لأن المراد نحو أن تقول في :"قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل": منزل قفا من نبك حبيب ، أخرجته من كمال البيان إلى مجال الهذيان" .
الإيقاع والوزن :
إن المتأمل في مفهوم الإيقاع يتبادر الى ذهنه أولا، أن الإيقاع بمعناه الواسع يشمل جميع مظاهر الأشياء المتحركة من حولنا، فكل ما حولنا يسير وفق نظام إيقاعي ، تتناسب فيه الحركة مع الزمن ، " كما في حركة الأرض حول الشمس ، وما ينتج عن ذلك من فصول أربعة، ومن مظاهر الإيقاع الكوني يتناسب فيه الصوت مع الزمن، ما نلمسه عند تساقط حبات المطر على صخرة مثلاً أو صوت صفير الرياح بين أغصان الشجر أو صوت سنابك الفرس وهي تجري ، فالإيقاع أقدم من وجود الإنسان والحيوان على الأرض والإيقاع الشعري جزء لا يتجزأ من الإيقاع الكوني الواسع ، وقد عده ابن منظور " من إيقاع اللحن ، والغناء وهو أن يوقع الألحان ويبينها" ، وللإيقاع الشعري نظامه الذي يسير عليه ، ومن مفردات هذا النظام ، الوزن والقافية ، والصوت المنبعث من روح النص الشعري بل أن بعض الباحثين اعتبر الإيقاع الشعري " ظاهرة صوتية في جوهرها، والوزن أحد عناوينها ويفسر ذلك غياب مصطلح الإيقاع من علم العروض ، ونيابة مصطلح الوزن عنه في الدلالة على موسيقى الشعر ، ويمكن القول أن " كل وزن يعتبر إيقاعا خاصاً وليس كل إيقاع يعتبر وزناً ، فالإيقاع الشعري يضم أسرارا غير متناهية من الأنغام والأصوات والأوزان تتماهى فيما بينها ، وتشكل في مجملها صفات توسم النص الشعري، وتفرد له خصائص تميزه عن سواه . ولقد حذت الباحثة في كتابها نحو مصطلح الإيقاع ، كي يدل دلالة صريحة على انه يشمل جميع منابع النغم الشعري ، وزناً وصوتاً وزمناً وحركات وغيرها ، ويمكن تشبيه الوزن بالهيكل العظمي للإنسان، لأنه يحدد أبرز معالمه كالطول والعرض والارتفاع والحجم وغيرها، أما النواحي الصوتية ، والزمنية والحركية وغيرها فتمثل جميع مظاهر الحياة الداخلية السائلة في الجسم، وللخليل بن احمد الفراهيدي رحمه الله – قصب السبق في وضع هذا العلم ، الذي غدا عنواناً كبيراً انطلقت من تحته الدراسات والبحوث الإيقاعية من قديم الزمان وحتى زماننا هذا .
الإيقاع الخارجي :
وصف البحور والأوزان :
تتبعت الباحثة قصائد ديوان الشاعر ، فوجدته يستخدم اثني عشر بحرا هي : البسيط ، الطويل ، الرمل ، الرجز ، الوافر ، المجتث ، السريع ، الخفيف ، المتقارب ، الكامل ، الهزج ، والمنسرح .
وخلصت الباحثة بعد أجرت إحصاء لعدد أبيات كل بحر ؛ أن ثمة ميل لدى الحلاج في استخدام البحور ذات الأوزان القصيرة والتي تؤمن موسيقى ذات سرعة وميل الشاعر إلى التعبير السريع عما في نفسه .
فقصر البيت يؤدي إلى تكرار النغمات بشكل أسرع مما يضفي إيقاعا عاليا واستعدادا للغناء ، وهذه الغنائية تؤشر إلى ذاتية الحلاج متناسبة وموضوعه الصوفي وعلاقته كذات عاشقة للذات العليا ..
التدوير : وجدت الباحثة أن الحلاج لجأ إلى التدوير بسبب توتره ورغبته بالاستمرار وعدم التوقف للتعبير عن حالاته الوجدانية المتلاحقة .. ويصبح القطع قطعا للحال قبل اكتمالها وك‘نما الفجاءة لا تمهله لالتقاط أنفاسه في نهاية كل شطر فيواصل الكلام ولا يقف ‘لا عند آخر البيت .
براء السيد
27-09-2006, 05:38 AM
قال الحلاج :
طوبى لطرف فاز منـ...........ك بنظرة أو نـظرتين
ورأى جمالك كل يو ...........م مرة أو مــــرتين
نظام التقفية :
عرضت البحثة لأصوات القوافي ؛ كصوت الروي الذي تبنى عليه القصيدة ، وخلصت البحثة إلى أن روي النون حظي بعدد كبير من الأبيات بلغت مائة وثلاثة وعشرين بيتا .
وعرضت الباحثة للقوافي المردوفة التي تتمثل في صوت المد الساكن ( ا ، و ، ي ) قبل صوت الروي .
وتوصلت البحثة أن استخدام القوافي المردوفة يحقق التناغم الإيقاعي الذي يريده الشاعر وهي أصوات يحتاج نطقها إلى زمن أطول في نطقها.
أما القوافي المؤسسة فقد تكررت في ستة وعشرين بيتا :
كفى حزنا أني أناديك دائبا كأني بعيد أو كأنك غائب
وأطلب منك الفضل من غير رغبة فلم أر قبلي زاهدا وهو راغب
فالتأسيس في البيتين هو الألف وهذا حقق امتداد الصوت الذي تواءم مع دلالة المقطوعة التي يعبر فيها الشاعر عن حزنه وألمه .
تكرار القوافي :
بدا لافتا اهتمام الحلاج بتكرار القوافي ، والتكرار يضفي ضربات إيقاعية مميزة لا تحس بها الأذن فقط بل ينفعل معها الوجدان كله مما ينفي أن يكون هذا التكرار ضعفا في طبع الشاعر أو نقصا في أدواته الفنية فهو نمط أسلوبي له ما يسنده في إطار الدلالة الحلاجية .
يقول :
رأيت ربي بعين قلبي فقلت مـن أنت ؟ قال : أن
للأين منــــك أين وليس أين بحـــيث أنت
أنت الذي حزت كل أين بنحـــو لا أين فأيـن أنت
وليس للوهم منك وهم فيـعلم الوهم أين أنـــت
أنت حياتي وسر قلبي فحيــــثما كنت كنـت أنت
الإيقاع الداخلي :
الأصوات المهموسة : الصوت المهموس هو الصوت الذي لا تتذبذب الأوتار الصوتية عند النطق به .
يقول :
اقتلوني يا ثقاتي إن فـي قتلي حياتي
ومماتي في حياتي وحياتـي في مماتي
أنا عند محو ذاتي من أجل المـكرمات
وبقائي في صفاتي من قبيح السـيئات
سئمت روحي حياتي في الرسوم الباليات
فاقتلوني واحرقوني بعظامي الفانيات
تكرر صوت القاف في ثلاث عشرة لفظة .. وهذا الصوت يحمل قدرا من القوة والقسوة والخشونة متلائما مع فعل القتل وعمق الحالة التي تسيطر على الشاعر .
أصوات الصفير :
سكوت ثم صمت ثم خرس وعلم ثــــم وجد ثم رمس
وطين ثم نار ثن نور وبرد ثم ظـــــل ثم شـمس
وأصوات وراء الباب لكن عبارات الورى في القرب همس
تكررت أصوات الصفير بشكل لافت وهي الثاء والسين والشين والصاد والفاء ، وهذه الأصوات تختلف في درجات صفيرها ويؤدي هذا الارتفاع والانخفاض إلى حركة تنفس مضطربة وقلقة غير مستقرة تدلنا على نفسية الشاعر التي تحمل قدرا كبيرا من الأسى والحرقة والحسرات .
التماثل الصوتي :
تمتاز أصوات المد بوضوحها في السمع ويحتاج النطق بها إلى زمن طويل يتناسب دلاليا مع الصوت المرافق للنداء :
وما وجدت لقلبي راحة أبدا وكيف ذاك وقد هيئت للكدر
ما بي را ذا ري
الحزن في مهجتي والنار في كبد والدمع يشهد لي فاستشهدوا بصري
في تي نا في دي لي دو ري
ويبدو أنه نداء خفي للذات العليا التي عشقها الشاعر وحاورها وتمثلها وتقرب منها .
التحليل التركيبي :
ترى الأسلوبية في دراسة التركيب وسيلة ضرورية لبحث الخصائصالمميزة لمؤلف معين ، بل تعده أحد مستويات التحليل اللغوي للنص الأدبي ، ويتخذ الدرس الأسلوبي جملة من المسائل تنطلق من النص نفسه فالمدخل الأسلوبي لفهم أي قصيدة هو لغتها .
ومن هذه المسائل : دراسة أطوال الجمل وقصرها ، ودراسة أركان التركيب من مبتدأ وخبر ، وفعل وفاعل وإضافة وصفة وموصوف وغيرها .
الجملة الاسمية :
جاءت الجملة الاسمية في شعر الحلاج على أنماط متعددة كفصل المبتدأ عن الخبر بجمل معترضة أو جمل معطوفة أو مما يقع في باب الزيادة .
وإذا كان النمط الأساسي معبرا عن حالة استقرار المعنى فإن تجربة الحلاج لا تجد ضالتها في هذا النمط وإنما تحتاج إلى أنماط أخرى لعلها تظفر بالمعنى الذي تفتش عنه وتحاول أن تتلاءم معه .
ولأن الاسم يخلو من الزمن ويصلح للدلالة على عدم تجدد الحدث وإعطائه لونا من الثبات ، فإن الشاعر يلجأ إليه في التعبير عن الحالات التي تحتاج إلى توصيف وتثبيت ومن ذلك الأبيات التالية التي يبدو فيها استخدام الاسم واسعا بوصفه الأساس التركيبي للقول الشعري :
سكوت ثم صمت ثم خرس وعـلم ثم وجد ثم رمس
وطين ثم نار ثم نور وبرد ثم ظـل ثم شـمس
وحزن ثم سهل ثم قفر ونهر ثم بـحر ثـم يبـس
وقبض ثم بسط ثم محو وفرق ثم جـمع ثـم طمس
عبارات لأقوام تساوت لديهـم هـذه الدنـيا وفََلس
بدأت الأبيات بالاسم ( سكوت ) وتلته سلسلة من الأسماء المعطوفة بحرفي العطف ( الواو ، ثم ) واستمر هذا النمط في أربعة أبيات مما يوسع من أفق الانتظار بسبب إرجاء الخبر، ويسهم هذا في تأكيد الخبر بوصفه إنهاء لموقف التوقع والانتظار .
الجملة الفعلية :
لأن الصوفية يعبرون عن أحوال ومقامات تتنوع بين ثبات وحركة وتوقف وتجج فإنهم يلجأون في وصفهم إلى الأفعال .
يقول :
أبدى الحجاب فذل في سلطانه عزُّ الرسوم وكل معنى يخطر
هيهات يدرك ما الوجود وإنما لهب التواجد رمز عجز يقهر
لا الوجد يدرك غير رسم داثر والوجد يدثر حين يبدو المنظر
ففي هذه الأبيات جملة واسعة من الأفعال منحتها مقدارا كبيرا من الحيوية والحركة وأوحت بسياق من الأحداث المتحركة المتتالية .
أسلوب النفي :
هو أحد خيارات التركيب ويحول الجمل من بسيطة إلى مركبة ، توسع الحلاج في مفهوم النفي في شعره فتجاوز معنى الطرح والإخراج والاقتطاع وقدم طرائق تعبيرية شتى من الناحية التركيبية والأسلوبية تتواءم مع عمق تجربته الصوفية ودلالاته الخاصة ، ويأتي الحلاج بالنفي في كثير من المواضع ليعزز معنى ذكره في البيت ، فيكون النفي تأكيدا :
تراهم ينظرون إليك جهرا وهم لا يبصرون من العماء
جاء بأداة النفي لا سابقة للفعل يبصرون في الشطر الثاني ليؤدي معنى يتضاد مع المعنى في الشطر الأول فيقول : تراهم ينظرون والنظر يأتي لمن يملك البصر ثم يعود وينفي هذا النظر بقوله : لا يبصرون ، وكأنما يرنو إلى بصر من نوع خاص لا تؤديه العينان وهو ما يحتاجه الصوفي ويسعى إلى امتلاكه عبر المجاهدات والرياضات .
أنماط التأكيد : استخدم الحلاج العديد من أنماط التأكيد مثل :التوكيد اللفظي واستخدام القسم وحروف التحقيق وغيرها :
ونفسك نفسك كن خائفا على حذر من كمين الجفا
والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب أو قتلى لما حنثوا
فلقد صـــــيرك الوجد من الأحــــــــشاء داني
قد تحققتك في ســـــر ........ي فناجــــــاك لــساني
وقد يكون التأكيد عند الحلاج مبعثه إحساسه بأن مايطرحه من رؤى هي غير مصدقة بسهولة لدى المتلقي .. فيدعمها بالتأكيد ظانا أنه سوف يقرب صدقها من سامعها .
أسلوب النداء :
يا عين عين وجودي يا مدى هممي يا منطقي وعبـاراتي وإيمائي
يا كل كلي ويا سمعي ويا بصري يا جملتي وتباعيضي وأجـزائي
يا كل كلي وكل الكل ملتبــس وكل كلك ملبوس بمـــعنائي
يا من به علقت روحي ، فقد تلفت وجدا فصرت رهينا تحت أهوائي
ويعكس النداء الضعف الإنساني والحاجة للآخر .
التحليل الدلالي :
رأت المؤلفة أن شعر الحلاج يقبل الدراسة الدلالية بواسطة مبدأ الحقول الدلالية ، والحقل الدلالي هو مجموعة من الكلمات ترتبط دلالتها وتوضع تحت لفظ عام يجمعها .
حقل ألفاظ الحب : يعد الحب الموضوع الرئيس عند الصوفية ، إذ إن توجههم إلى الذات العليا ومناجاتها وندائها والتعلق بها يتجاوز علاقة العابد بالمعبود إلى علاقة العاشق بالمعشوق ، بحيث تكون رغبة الاتصال والتشوق له أمرا يغلب على الصوفي .
ورد في شعر الحلاج حوالي خمسين لفظة تتصل بالحب منها :
الحب ، القلب ، الوجد ، النظر ، الوصل ، الدنو ، البعاد ، الهوى ، الشوق ، الفراق ، الحزن ، اللوم ، اللقاء ، الهيام ، الوله ...
وتؤكد الباحثة أن قصائد الحلاج تكاد تقوم على هذا المعجم ، وما يميز الحلاج أنه استعار الألفاظ لكنه ألغى حضور المرأة ولم يتخذ منها وسيطا أو سبيلا رمزيا كما فعل غيره من المتصوفة .
حقل ألفاظ المعرفة :
الصوفية محبة ومعرفة ؛ بعضهم يقدم المعرفة على المحبة وآخرون يقدمون المحبة على المعرفة .والمعرفة تبنى عليها تأملات الصوفية واستبصاراتهم وآراؤهم .
وتكررت ألفظ المعرفة ما يقارب ثلاثمائة وخمس وستين مرة . ومنها :
المعرفة ، الحقيقة ، السر ، الخاطر ، السؤال ، الرمز ، الشك ، السمع ، التعبير ، الفهم ، الدراية ...
وكل عالم بالله تعالى عارف ، وكل عارف عالم ، والمعرفة عندهم أعلى درجات الفناء وغاية سفر الصوفي إلى ربه .
براء السيد
27-09-2006, 05:40 AM
حقل ألفاظ الخمر :
نقل الحلاج إلى الرؤية الصوفية ما استخدمه الشعراء الخمريون من حديث عن صفاتها وألوانه وفعلها في العقول ، ويبدو أن الحلاج وجد ضالته في الخمر ومتعلقاتها كي يوصف لنا حالاته المتقدة بالوجد والتعبير عن مبادئه وأفكاره .
تتصل حالة السكر عند الصوفية بالمحبة تلك النشوة العرمة التي تفيض بها نفس الصوفي .
عشرة ألفاظ للخمرة رددها الحلاج ليعبرلنا عن لواعج توقه وشوقه للذات العليا :
السكر ، الشراب ، الذوق ، الصحو ، المزج ، الكأس ،السقي ، الجواري ،الخمر ، الري .
يقول :
وترتع في رياض القدس طورا وتشرب من بحار العارفينا
فأورثنا الشراب عــلوم غيب تشفّ على علوم الأقدمينا
فالشراب مصدره بحار العارفين ، ويكون في حال من العلو والارتفاع ، فهو يرتفع بذات الصوفي إاى حدود تتيح له قراءة مالا يقرأ الآخرون .
حقل الألفاظ الدالة على أعضاء الإنسان :
يقوم تعامل الصوفي مع البدن وأعضائه ومتعلقاته على أساس الفناء إذ الجسد مادة ، والبدن متصل بالدنيا ، ولا بد من توجيهه للخلاص من الدنيا ، والفراغ من شؤونها سعيا وراء الحياة الأخرى التي يفنى فيها المرء عن جسمه وتظل الروح في مدارات الخلود والأزل .
اقترب عدد ألفاظ الأعضاء من مائتين وخمسين لفظة . نذكر منها :
العيون ، الناظر ، البصر ، الطرف ، الأجفان ، الحجب ، اليدان ، اليمين ، الشمال ، الأنامل ، الكف ، الوجه ، الخد ، الفم ، اللسان ، الفؤاد ، الجلد ، العظام ..
يقول :
أين وجهك ؟ مقصودا بناظرتي في باطن القلب ؟ أم في ناظر العين ؟
لم يبق في القلب والأحشاء جارحة إلا وأعـــرفه فيها ويعرفني
حقل الحروف والأعداد :
يدرك الصوفية أن الحرف الذي يتوسلونه هو حرف بمعنى حافة وحد ، وعرف الحلاج أسرار الحرف وطبيعته الوجودية والكونية ، لجأ الحلاج إلى دلالات الحروف والأعداد في ثماني قصائد وورد استخدام الحروف والأعداد في عشرين بيتا منها :
واللام بالألف المعطوف مؤتلف كلاهما واحد في السبق معناء
وفي التفرق اثنان إذا اجتمعا بالافــتراق هما عبد ومولاء
خاتمة :
درس هذا الكتاب شعر الحلاج في ضوء الأسلوبية فتناول بالتحليل المستويات اللغوية الثلاث : الصوتي والتركيبي والدلالي ، مبرزا أهم السمات الأسلوبية في شعر الحلاج .
توصلت المؤلفة إلى أن استخدام المقاطع الصوتية الطويلة يتناسب مع رغبة الشاعر في خطاب الذات الإلهية ومناداتها ومناجاتها .
وأضاءت المؤلفة الجانب التركيبي وبينت ميل الحلاج إلى تنويع الجمل والإفادة من التراكيب النحوية بما يخدم فنه وآراءه ووجده .
وكشفت المؤلفة عن تجربة متماسكة تمتلك معالم الوحدة والتجانس حين درست أهم الحقول الدلالية في شعر الحلاج وهي دوائر دلالية احتضنت تجربة الشاعر واستوعبة طرائقه الفنية الملفتة .
وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين ..
براء السيد
27-09-2006, 05:46 AM
الحلاج
الحريَّة على خَشَبَة الصَّلْب
محمد الحبش*
ليست محض مطالعة في التاريخ. إنها أيضًا قراءة في الواقع، حيث لا يزال الوعيُ الجمعي في بعض المؤسَّسات التقليدية مسكونًا بهاجس إقامة الحدِّ المماثل على مَن تُسوِّل له نفسُه اتِّباع خُطى الحلاج في التفكير في فضاء مفتوح والتحليق في آفاق حرة، مهما كانت الروح عازفة عن رغائب السلطان وموائده وأعطياته.
صَلْبُ الحلاج يومٌ أسود في تاريخ الإسلام: إنه اليوم الذي حقَّقَ فيه التزمتُ نَهَمَه في الانتقام من حقِّ الإنسان في التعبير والفكر. إنه أكفر أيام الأمَّة بالهُدى الربَّاني الذي نادى به القرآن في الآية الكريمة: "لا إكراه في الدين."
واليوم، بعد مرور 1111 عامًا على بدء معاناة الحلاج، هل كان قرار المقتدر العباسي بقتل الحلاج صائبًا؟ وهل كان قرار المجمع المستبد من حوله نزيهًا حين صَلَبَ تلك الروح المتمردة الثائرة، التي لم تستطع الصمت بعد أن أهلَّتْ عليها إشراقاتُ الملأ الأعلى؟
إشراقُه كان من لون فريد. لم يطقْ أن المعرفة شيء أدركه الأوَّلون لأجله، وأن عليه أن يبصم على ما تخيَّروه لأجله. لقد كان يريد أن يمشي بنفسه في الوادي ذاته. أراد أن تدمى يداه بأشواكه، وأن يذوق نشوة وصاله ولهيب جفائه، حيث يحمله اليقين على أن الوجود الحق هو هو: "حقِّقْ لا ترى إلا الله"!
لم يرَ في الموجودات إلا أثر الموجِد، ولا في الخلق إلا نفحة الخلاق – وما سوى ذلك عدم.
جُبِلَتْ روحُك في روحي كما * يُجبَل العنبرُ بالمِسْـكِ الفَتِقْ
فإذا مسَّـكَ شـيءٌ مسَّـني * وإذا أنـتَ أنـا لا نفتـرقْ
وقوله:
مُزِجَتْ روحُك في روحي كما * تُمزَجُ الخمرةُ بالمـاءِ الزُّلال
فإذا مسَّـكَ شـيءٌ مسَّـني * وإذا أنـتَ أنا في كـلِّ حـال
وقوله أيضًا:
قد تحقَّقتُكَ في سرِّي فناجاكَ لساني
فاجتمعنا لِمَعَـانٍ وافترقـنا لِمَعـانِ
إن يكنْ غيَّبَكَ التعظيمُ عن لَحْظِ العِيانِ
فلقد صيَّركَ الوَجْدُ من الأحشَـاء دانِ
لم يكن الوصال عنده محض إطلالة على مرابع المحبوب. لقد كان فناءً فيه واستغراقًا في وصاله:
يا نسيمَ الريحِ قولي للرَّشَـا * لم يَزِدْني الوِرْدُ إلا عَطَشَـا
روحُه روحي وروحي روحُه * إنْ يشَا شئتُ وإنْ شئتُ يشَا
ولكن حبَّه وشغفه كان من لون فريد. لم يكن يرى في العشق سبيل ملذة، وإنما كان يستعذب رَهَقَه وآثاره، حتى أسْلَمَه ذلك للمهالك:
أريدُكَ لا أريدُكَ للثَّـوابِ * ولكـنِّي أريـدُك للعقــابِ
وكلُّ مآربي قد نلتَ منها * سوى ملذوذ وَجْدي بالعَذابِ
هكذا كان عالم الملأ الأعلى الذي يتقلَّب في رغائبه الحسين بن منصور الحلاج. ولكن أين كان خصومه وحاسدوه الذين قالوا: إن الله عَهَدَ إلينا أن لا نرى حرًّا إلا قيَّدناه، ولا مفكرًا إلا أرهقناه، ولا مخالفًا إلا قتلناه؟
قال الحلاج: "إنهم ينكرون عليَّ، ويشهدون بكفري، وسيسعون إلى قتلي، وهم في ذلك معذورون، وبكلِّ ما يفعلون مأجورون."
أمَرَ الخليفة المقتدر بتسليمه إلى حامد بن العباس، وأمَرَه أن يكشفه بحضرة القضاة والعلماء ويجمع بينه وبين أصحابه. فجرى في ذلك خطوبٌ طوال. وبدا طوق النجاة أمامه في وجه واحد، وهو أن يرجع عن موقفه الفكري، وأن يبصم على اختيار السلطان. ولكنه اختار طوق نجاة آخر، يعتصم فيه بصدقه مع نفسه ويرحل به إلى مجد الخلود. واستيقن السلطان أمره ووقف على ما ذُكِرَ عنه. وثبت ذلك على يد القضاة وأفتى به العلماء، فأمر بقتله وإحراقه بالنار.
واختاروا منطقًا شرسًا للموت، يقمعون به مَن تُسوِّل له نفسُه أن يمارس حقَّه في الفكر والاختيار. فضُرِبَ بالسياط نحوًا من ألف سوط، ثم قُطِعَتْ يداه ورجلاه، ثم ضُرِبَتْ عنقُه، وأُحْرِقَتْ جثتُه بالنار، ونُصِبَ رأسُه للناس على سور الجسر الجديد، وعُلِّقَتْ يداه ورجلاه!
عندما تقرأ الكلمات الأخيرة التي قالها الحلاج ما بين خشبة صلبه وارتقاء روحه، تدرك أنه كان يرسم للأحرار من بعده دربَ الموت في سبيل كلمة الحقيقة.
قال السلمي: "سمعت أبا العباس الرازي يقول: كان أخي خادمًا للحلاج. فلما كانت الليلة التي يُقتَل فيها من الغد قلت: أوْصِني، يا سيدي. فقال: عليك بنفسك، إن لم تشغلْها شغلتْك. فلما أُخرِجَ كان يتبختر في قيده ويقول:
نديمي غيرُ منسـوبٍ * إلى شيءٍ من الحَيْفِ
سقاني مثل ما يشربُ * فعل الضَّيف بالضَّيفِ
فلمـا دارتِ الكـأسُ * دعـا بالنَّطعِ والسَّيفِ
كذا مَن يشربِ الكأسَ * مع التنِّينِ في الصَّيفِ
ثم قال: "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق."
وعندما قُرِّبَ من خشبة الصلب كان يقول: "إلهي، نحن شواهدك، نلوذ بسنا عزَّتك لتُبدي ما شئت من مشيئتك. أنت الذي في السماء إله وفي الأرض إله. يا مدهر الدهور ومدبِّر العصور. يا مَن ذلَّتْ له الجواهرُ، وسجدتْ له الأعراض، وانعقدتْ بأمره الأجسام، وتصوَّرتْ عنده الأحكامُ. مَن تجلَّى لما شاء، كما شاء، كيف شاء."
وكانت آخر كلمة تكلَّم بها عند قتله: "حَسْبُ الواحد إفراد الواحد."
وكان أكثر قوله عند صَلْبِه: "إلهي! أصبحت في دار الرغائب، أنظر إلى العجائب. إلهي، إنك تتودَّد إلى مَن يؤذيك؛ فكيف لا تتودَّد إلى مَن يؤذى فيك!"
ومع أنه عوقب بتهمة الردَّة والزندقة، فقد قال ابن أبي النصر: "إن كان بعد النبيين والصدِّيقين موحِّد فهو الحلاج!" أما الشبلي فكان يقول: "كنت أنا والحسين بن منصور شيئًا واحدًا؛ إلا أنه أظْهَرَ وكتمت."
وعندما خُتِمَ قَدَرُ الحلاج، وأصبح شاهد التاريخ على معاناة الأحرار وكيد الاستبداد، أقبل الشبلي، شريك مشاهدته وخليل مناجاته، وتقدَّم تحت الجذع وقال: "أوَلمْ نَنْهَكَ عن العالمين؟"
براء السيد
27-09-2006, 05:50 AM
أهم شخصيات الصوفية التاريخية (الحلاج وابن عربي)!
( الحـــــــلاج ) :
وما أدراك ما الحلاج ، فهو الحسين بن منصور بن محمي من أئمة الزنادقة والمرتين ، وقد أقيمت عليه البينة الشرعية ، وقتل مرتدا سنة 311هـ بعد أن صلب ببغداد ونودي عليه : هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه ، فقتل شر قتلة . انظر : (سير أعلام النبلاء) 14/327 .
أقـوال العلمــاء في الحــلاج الصوفي :
1 ـ قال الفقيه أبو علي البنا : كان الحلاج قد ادعى أنه إله ، وأنه يقول بحلول اللاهوت في الناسوت … وكان يقول للواحد من أصحابه : أنت نوح ، ولآخر : أنت موسى ، ولآخر : أنت محمد . اهـ . انظر : (المرجع السابق) .
2 ـ وقال الذهبي : الحلاج المقتول على الزندقة ، ما روى ولله الحمد شيئا من العلم ، وكانت له بداية جيدة وتأله وتصوف ، ثم انسلخ من الدين ، وتعلم السحر ، وأراهم المخاريق . أباح العلماء دمه ، فقتل . انظر : (ميزان الاعتدال) 2/71 .
من أقــوال الحــلاج الكفريــة :
1 ـ مُزجت روحي في روحك كما ---- تُمزجُ الخمرة بالماء الزلال
فـإذا مسّــك شـــيءٌ مسّـني ---- فإذا أنت أنا في كلّ حال
انظر : (ديوان الحلاج) ص 82 .
2 ـ وقال محمد بن يحي الرازي : سمعت عمرو بن عثمان يلعن الحلاج ويقول : لو قدرت عليه لقتلته بيدي !! . فقلت : أيش وجد الشيخ عليه ؟ قال : قرأت آية من كتاب الله فقال : يُمكنني أ أؤلف مثله !! . انظر : (سير أعلام النبلاء) 14/330 .
3 ـ وقال أبو عمر بن حيوية : لما أخرج الحلاج ليُقتل ، مضيتُ وزاحمتُ حتى رأيته ، فقال لأصحابه : لا يهولنكم ، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوما .
قال الذهبي : فهذه حكاية صحيحة توضح لك أن الحلاج ممخرق كذّاب ، حتى عند قتله . انظر : (المرجع السابق) 14/346 .
4 ـ وقال : الكفر والإيمان يفترقان من حيث الاسم ، فأما من حيث الحقيقة ، فلا فرق بينهما . انظر : (المرجع السابق) 14/352 .
( ابــن عـــربي ) :
بداية يجب الانتباه والتفريق بين ( ابن العربي ) العلامة المالكي بزيادة (ألف ولام) وهو إمام من أئمة المالكية ، ومن حفاظ الحديث اسمه : (محمد بن عبد الله الأشبيلي) أبو بكر المعروف بابن العربي المالكي المولود سنة 435هـ والمتوفى سنة 543هـ صاحب (عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي) .
أما ( ابن عربي ) الصوفي ، فهو (محمد بن علي بن محمد بن عربي الطائي) الشهير بمحيي الدين بن عربي ، ويميز عن سابقه بأن الأخير كما هو ظاهر من اسمه (عربي) نكرة في الاسم (بدون ألف ولام) ، ونكرة عند أهل العلم كما سيأتي، وهذا هلك سنة 638هـ .
أقــوال العلمـاء في ابـن عـربي الصوفي :
1 ـ قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام السلمي المتوفى سنة 660هـ : هو شيعي سوء كذّاب ، فقال له ابن دقيق العيد: وكذّاب أيضا؟ قال : نعم . تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن، فقال : هذا محال؛ لأن الإنس جسم كثيف والجن روح لطيف، ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف. ثم بعد قليل رأيته وبه شجة ، فقال: تزوجتُ جنية فرزقت منها ثلاثة أولاد، فاتفق يوما أني أغضبتها فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة وانصرفت فلم أرها بعد هذا .اهـ . zeryab.orgzeryab.org!!! (ميزان الاعتدال 5/105).
2 ـ قال المفسر أبو حيان الأندلسي المولود سنة 654هـ عند تفسيره لقول الله (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح): ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقر بالإسلام ظاهرا، وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة: كالحلاج والشعوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم في دمشق.اهـ.
3 ـ قال الفقيه تقي الدين السبكي كما في (مغني المحتاج) للشربيني 3/61: (ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضلال جهال خارجون عن طريقة الإسلام فضلا عن العلماء وقال ابن المقري في روضه إن الشك في كفر طائفة ابن عربي كفر) .
4 ـ قال ابن تيمية في (منهاج السنة) 5/335: ومن هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد وهم في الحلول والاتحاد نوعان نوع يقول بالحلول والاتحاد العام المطلق كابن عربي وأمثاله ويقولون في النبوة إن الولاية أعظم منها كما قال ابن عربي .اهـ .
5 ـ قال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان)4/318: وقد كنت سألت شيخنا سراج الدين البلقيني عن ابن عربي ؟ فبادر بالجواب بأنه ك
دراسة في شعر الحسين بن منصور الحلاج
لأماني سليمان داود
مقدمة
هذا كتاب في الأسلوبية والصوفية ؛ دراسة في شعر الحسين بن منصور الحلاج لمؤلفته أماني سليمان ، تقع الدراسة في مائتين وأربعين صفحة من القطع الكبير ، وتشتمل على ثلاثة فصول وتمهيد وخاتمة .
فى مقدمة الكتاب تقول المؤلفة : إن مما يدفع الباحث لدراسة الأدب الصوفي أنه يعدّ نصا لغويا ودلاليا في الأدب العربي إذ انطلق باللغة إلى مستوى جديد غني بالطاقة الإيحائية.
وتناولت الباحثة في التمهيد سيرة الحلاج وأهم ملامح حياته ؛ فقد كان شخصية جدلية وصاحب طريقة وفلسفة خاصة ، وفى شعره تمثلت تجربته الصوفية الممتدة ، وتميز شعره بدلالاته الصوفية التي صاغها ضمن تشكيل أسلوبى مميز .
وفى الفصل الأول عرضت المؤلفة للتحليل الصوتي ؛ إذ درست الإيقاع والأوزان والبحور ، وكيفية استخدام الحلاج لها في شعره .
وفى الفصل الثاني عرضت للتحليل التركيبي فاختارت أهم الظواهر التركيبية التي ميزت شعرالحلاج كتراكيب المبتدأ والخبر والإضافة وغيرها .
وفى الفصل الثالث عرضت المؤلفة للتحليل الدلالي الذي كشف عن تجربة متجانسة ودار في غرض واحد هو تجربة الوحدة الصوفية والتعلق بالذات العليا ، وقد قسمت الحقول الدلالية في شعره إلى عدة حقول مثل :
حقل الحب الإلهى وحقل الألفاظ الدالة على المعرفة ، و حقل ألفاظ الخمر وحقل الدلالة على أعضاء الإنسان وحقل الحروف والأعداد .
وسأحاول في هذا العرض تلمس فصول الكتاب عسى أن أستطيع نقل الملامح الأسلوبية المميزة لشعر الحلاج محمولة على المنهج الأسلوبي المتّبع في الدراسة .. والله الموفق ..
الحركة الصوفية .. انزياح عقدي وفكري .
النشأة :
حركة التصوف انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة ، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة معروفة باسم الصوفية ، ويتوخى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية ، ولذا جنحوا في السمار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية : الهندية والفارسية واليونانية المختلفة .
سبب التسمية :
اختلف العلماء في نسبة الاشتقاق على أقوال أرجحها :
ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون وطائفة كبيرة من العلماء من أنها نسبة إلى الصوف حيث كان شعار رهبان أهل الكتاب الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية .
بداية االانزياح :
كدأب أن انحراف يبدأ صغيراً ، ثم ما يلبث إلا أن يتسع مع مرور الأيام فقد تطور مفهوم الزهد في الكوفة والبصرة في القرن الثاني للهجرة على أيدي كبار الزهاد أمثال : إبراهيم بن أدهم ، مالك بن دينار ، وبشر الحافي وغيرهم إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام ، وتحريم تناول اللحوم ، والسياحة في البراري والصحاري ، وترك الزواج ، يقول مالك بن دينار : ( لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة ، ويأوي إلى مزابل الكلاب ) ، وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص كتاب أو سنة ، ولكن مما يجد التنبيه عليه أنه قد نسب إلى هؤلاء الزهاد من الأقوال المرذولة والشطحات المستنكرة ما لم يثبت عنهم بشكل قاطع كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية .
* ومنذ ذلك العهد أخذ التصوف عدة أطوار أهمها :
- البداية والظهور : ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قربها من بلاد فارس ، والتأثر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة ، ثم بسلوكيات رهبان أهل الكتاب .
* طلائع الصوفية :
ظهر في القرنين الثالث والرابع الهجري ثلاث طبقات من المنتسبين إلى التصوف وهي :
- الطبقة الأولى :
كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة ، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف ، وإن كان ورد عن بعضهم – مثل الجنيد – بعض العبارات التي عدها العلماء من الشطحات ، ومن أشهر رموز هذا التيار .
- الجنيد : هو أبو القاسم الخراز المتوفي 298هـ يلقيه الصوفية بسيد الطائفة .
- ومن أهم السمات الأخرى لهذه الطبقة كثر الاهتمام بالوعظ والقصص مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان ونساك أهل الكتاب حيث حدث الالتقاء ببعضهم ، مما زاد في البعد عن سمت الصحابة وأئمة التابعين ، ونتج عن ذلك اتخاذ دور للعبادة غير المساجد ، يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبي صلى الله عليه وسلم مما سبب العداء الشديد بينهم وبين الفقهاء ، كما ظهرت فيهم ادعاءات الكشف والخوارق وبعض المقولات الكلامية ، وفي هذه الفترة ظهرت لهم تصانيف كثيرة .
- ومن أهم هذه السمات المميزة لمذاهب التصوف والقاسم المشترك للمنهج المميز بينهم في تناول العبادة وغيرها ما يسمونه ( الذوق ) والذي أدى إلى اتساع الخرق عليهم مما سهل على اندثار هذه الطبقة وزيادة انتشار الطبقة الثانية التي زاد غلوها وانحرافها .
- الطبقة الثانية : خلطت الزهد بعبارات الباطنية ، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري ، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات : الوحدة ، والفناء ، والاتحاد ، والحلول ، والسكر ، والصحو ، والكشف ، والبقاء ، والمريد ، والعارف ، والأحوال ، والمقامات ، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة ، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن ، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم ، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية ، مما زاد في انحرافها ، فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التصوف حتى الآن .
- ومن أهم أعلام هذه الطبقة : أبو اليزيد البسطامي ت 263هـ ،ذو النون المصري ت 245هـ ، الحلاج ت 309هـ ، أبو سعيد الخزار 277-286هـ ، الحكيم الترمذي ت 320هـ ، أبو بكر الشبلي 334هـ .
- الطبقة الثالثة :
وفيها اختلط التصوف بالفلسفة اليونانية ، وظهرت أفكار الحلول والاتحاد ووحدة الوجود موافقة لقول الفلاسفة ، كما أثرت في ظهور نظريات الفيض والإشراق على يد الغزالي والسهروردي ، وبذلك تعد هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مر بها التصوف والتي تعدت مرحلة البدع العملية إلى البدع العلمية التي بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية ، ومن أشهر رموز هذه الطبقة : الحلاج ت 309هـ ، السهروردي 587هـ ، ابن عربي ت 638هـ ، ابن الفارض 632هـ ، ابن سبعين ت 667هـ .
- الحلاج : أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج 244- 309هـ ولد بفارس حفيدا لرجل زرادشتي ، ونشأ في واسط بالعراق ، وهو أشهر الحلوليين والاتحاديين ، رمي بالكفر وقتل مصلوباً لتهم أربع وجهت إليه :
أ- اتصاله بالقرامطة .
ب- قوله ( أنا الحق ) .
ت- اعتقاد أتباعه ألوهيته .
ث- قوله في الحج ، حيث يرى أن الحج إلى البيت الحرام ليس من الفرائض الواجب أداؤها .
- يعتقد المتصوفة في الله تعالى عقائد شتى ، منها الحلول كما هو مذهب الحلاج ، ومنها وحدة الوجود حيث عدم الانفصال بين الخالق والمخلوق ، ومنهم من يعتقد بعقيدة الأشاعرة والماتريدية في ذات الله تعالى وأسمائه وصفاته .
- والغلاة منهم يعتقدون في الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا عقائد شتى ، فمنهم من يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى مرتبتهم وحالهم ، وأنه كان جاهلاً بعلوم رجال التصوف كما قال البسطامي : ( خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله ) ، ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون ، وهو الله المستوي على العرش وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره ، وأنه أول موجود وهذه عقيدة ابن عربي ومن تبعه ، ومنهم من لا يعتقد بذلك بل يرده ويعتقد ببشريته ورسالته ولكنهم مع ذلك يستشفعون ويتوسلون به صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى على وجه يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة .
تاريخكم إن كنت تمترون ، أروني صوفياً واحداً قاتل في سبيل الله ؟
أبو منصور الحلاج :
رغم تداخل الروايات وتضارب بعضها، إلا ان معظمها تتفق بان الحلاج ولد في حوالي 858 ميلادية في إحدى القرى القريبة من إقليم فارس، وترعرع في (تستار) أو (واسط)، وان لقب (الحلاج) جاءه من مهنة أبيه، رغم أن هناك رواية صوفية عن (حلاج الأسرار)، لكن ما هو ثابت أيضا انه تتلمذ على يد المتصوف الكبير( سهل التستري ) الذي توفي العام 896 والذي يعتبر من المؤسسين الأوائل للتصوف الإسلامي، والذي اثر في الحلاج بشدة، بحيث أن الكثير من تعاليمه نجدها في كتاب (الطواسين) للحلاج. وحينما بلغ الحلاج الثامنة عشر انتقل إلى بغداد، حيث تتلمذ على كبار المتصوفة هناك، وتزوج ابنة احد كبارهم، الذي رأى فيما بعد انه زوج ابنته لساحر مجد ف وكافر زنديق، ولم يكن أمر الحلاج سهلا مع بقية المتصوفة أيضا، فشد رحاله إلى الكعبة المكرمة لأداء مناسك الحج، وعند رجوعه إلى بغداد زار المتصوف الكبير (الجُنيد) لمناقشته في مسألة صوفية، وكان ذلك في العام 896 حينما كان للحلاج 38 عاما، وهو العام الذي مات فيه( التستري) أيضا بعد ذلك ترك عائلته ورحل عن بغداد إلى شمال شرق الإمبراطورية الإسلامية لسنوات عديدة، ثم إلى الجنوب، إلى الهند، ثم عاد إلى فارس والأهواز وأخيرا البصرة، ومنها حج البيت الكريم ثانية بصحبة أربعمائة من أتباعه، ثم عاد بعد ذلك إلى بغداد، لكنه أُتهم هذه المرة بممارسة السحر الهندي، فغادرها متوجها إلى وادي الهند. ويبدو أن رحلته هذه لا زالت موضع تحقيق، حيث يُعتقد انه بعدها مر بكشمير عابرا إلى تركستان، وهذا الاعتقاد يستند إلى الانتشار الواسع جدا لسمه في أغاني وأشعار هذه البقاع في اللغات السندية والبنجابية والكشميرية أكثر مما في أية بقعة أخرى من الأرض العربية والإسلامية.!! وسواء قد انتشر اسمه هناك لاحقا، أم انه انتشر في حياته، فان الأمر لا يعفي من أن الاعتراف بان للحلاج حضور مبهر ورزين ولديه تأثير عظيم على متصوفة هذه البلدان الإسلامية. غير أن السلطة المركزية في بغداد آنذاك نظرت إليه بريبة، وتخوفت من رحلته إلى وادي الهند كثيرا، وخمنت انه يقيم علاقات سرية مع الحركات الدينية المعارضة للسلطة المركزية، والتي كانت منتشرة في أرجاء الإمبراطورية الإسلامية آنذاك، وان الحلاج يغطي أهدافه السياسية بتعاليم دينية غامضة. وحينما عاد عاد إلى بغداد بعد رحلته هذه، بدأت الرسائل تصله من كل البلدان التي زارها، ومن الطبيعي ان هذه الحفاوة والتقدير، وهذه المكانة الروحية للحلاج قد تركت ردود فعل سلبية لدى بقية رجالات الصوفية، كما بدأ (القصاصون) يتبعون كل شاردة أو واردة تخصه، وخلال هذه الفترة رحل الحلاج متوجها إلى بيت الله الحرام للمرة الثالثة وبقى هناك لمدة سنتين، بعدها عاد لبغداد مستقرا فيها، متخذا من أسواقها مكانا للموعظة. وتتوارد الأخبار عن تصرفاته الشخصية الغريبة، عن نسكه وبكائه الطويل توجدا وتعبدا، ثم ضحكه المفاجيء أحيانا، وحديثه الغامض عن (الحب الإلهي) الذي صدم الكثيرين من رجال الدين آنذاك. لكن المشكلة كانت آنذاك مع السلطة، حيث كانت بغداد تعيش حالة من التوتر والاضطراب مما دفعها للتخوف من رجل كالحلاج، فزجت به في السجن، ويقال انه هرب من سجنه لكنه أُعتقل ثانية، وعند المحاكمة الأولى عومل برفق، لتدخل أم الخليفة، فنقل من سجن إلى سجن، لكن بعد سبع سنوات،وفي العام 919 ميلادية، وإذ تدهورت الأوضاع في بغداد، وتناهى إلى أسماع السلطة أن الحلاج أمسى، رغم سجنه، أشد قوة حيث أخذ الناس يتحدثون عن كراماته الجليلة، ويتناقلون حكايات عجيبة عن علاقاته بالأرواح وما شابه، اقتحمت السلطة بيته.
براء السيد
27-09-2006, 05:34 AM
رغم انه كان سجينا، فوجدت هناك الكثير من الرسائل والمخطوطات التي كتبت على ورق صيني فاخر، بعضها كتب بماء الذهب، وبعضها وشي بالحرير، ورسائل منه تتضمن تعليماته للوصول إلى التفاني والحلول، ورسوم غريبة وخطوط تدينه وتؤكد علاقته ببعض الفرق والمذاهب المغالية والتي كانت تهدد كيان السلطة المتهرئة في بغداد، فأمر قاضي القضاة بإعادة محاكمته وأصدر حكما بإقامة الحد عليه، وقد وقع (84) شاهد على قرار الحكم!!! فصلب في 23 ذي الحجة من العام 309 للهجرة والمصادف 26 مارس من العام 922 ميلادية. وكما تؤكد المستشرقة أني ماري شيمل فان هناك الكثير من الكتب والأخبار التي تتحدث مطولا عن طريقة موت الحلاج، لكن المهم أن الحلاج كان أول الضحايا من رجالات الصوفية.
التحليل الصوتي :
يعد التحليل الصوتي مستوى أساسيا من مستويات التحليل اللغوي عند الدارس الأسلوبي ، والمادة الصوتية في السياق اللغوي هي الأصوات المتميزة وما يتألف منها وتعاقب الرنات المختلفة للحركات والإيقاع وشدة وطول الأصوات والتكرار وتجانس الأصوات المتحركة والساكنة .. وهذه التأثيرات الصوتية تظل كامنة في اللغة العادية ، حيث تكون دلالة الكلمات التي تتألف منها والظلال الوجدانية لهذه الكلمات بمعزل عن قيم الأصوات نفسها أو مضادة لهذه القيم ولكنها تتفجر حيثما يقع التوافق من هذه الناحية .
عند تحليل ودراسة الشعر لا يكتفي التحليل الصوتي بدرس الوزن وهو الإطار الخارجي الذي يمنع القصيدة من التبعثر إنما يدرس إلى جواره الموسيقى الداخلية من تناغم الأصوات وائتلافها وتقديم بعض الكلمات على بعض واستعمال أدوات اللغة الثانوية بوسائل فنية خاصة وغير ذلك مما يهيئ جرسا نفسيا خاصا يكاد يعلو على الوزن العروضي ويتفوق عليه .
الأسلوب والأسلوبية :
عرفت الأسلوبية ومنذ نشأتها بدراسة النصوص الأدبية دراسة علمية، وهي تحاول في ذلك رصد الخصائص الجزئية والكلية المميزة لكل نص، وذلك من أجل قول كلمة تمثل السمات المختلفة للنصوص على أنها راعت جميع المسائل المتصلة بالذوق، والإحساس الإنساني ، إلا أن ذلك يجب أن يكون لاحقاً للخصائص العلمية، وقد شاع جدل بين النقاد والباحثين حول صلة الأسلوب بالأسلوبية فـ " ما زال مفهوم الأسلوب غامضاً ملتبساً لا بسبب نقص ما كتب عنه وإنما لكثرة تداوله بين النقاد والدارسين، فقد تعددت تعريفاته وتنوعت مقاصد الباحثين في إيراده، وهو بصورة مجملة بعرض للطريقة الفنية في التعبير عن الدلالات أو المعاني لكنه يمتزج في أحيان كثيرة بمفاهيم متعددة في البلاغة والنحو وسائر العلوم اللغوية فكل باحث يحمله إلى مرجعيته ويعرفه اعتماداً على الحقل الذي ينوي التعرض له" ويمكن أن يعني الأسلوب الكيفية التي يستخدم فيها المبدع أداة أو وسيلة ما في الكتابة أو " هو استخدام الكاتب لأدوات تعبيرية من أجل غايات أدبية ويتميز في النتيجة من القواعد التي تحدد معنى الأشكال وصوابها " ويختلط استخدام كل من الأســـلوبية والأسلوب في الدراسات لاقترابهما وتداخلهما مــــع أن الأســلوب تحــددت دائــــرته ووظـــيفته في الدراسات الأسلوبية الحديثة التي طمحت إلى تحويل الأسلوبية إلى علم يختص بدراسة الأساليب وتحيط الأسلوبية برقعة اللغة كلها، فجميع الظواهر اللغوية ابتداءً من الأصوات حتى أبنية الجمل الأكثر تركيباً، ويمكن بالأسلوبية أن تكشف عن خصيصة أساسية في اللغة المدروسة ، فجميع الوقائع اللغوية مهما تكن ، يمكن أن تشف عن لمحة من حياة الفكر بأكملها ، منظوراً إليها من زاوية خاصة كالزاوية الصوتية أو التركيبية أو الصرفية وغيرها، فتهتم الأسلوبية بدراسة وصفية ، وبما أن المبدع يعتمد على اللغة بوصفها المادة الأساسية في عمله الإبداعي فإن الأسلوبية تتبع طريقة استخدام اللغة من التفاصيل والجزيئات بحيث تخرج بتعميمات يمكن إجمالها في ما يلي:
المنظور الإحصائي : تنظر الأسلوبية الى معدل التكرار لبعض العناصر اللغوية، والذي يتكرر أكثر من غيره وبصورة جلية، على أنه أولى بالدراسة من غيره ، لأن تكراره يعني سمة أسلوبية في النص، وأن المبدع يعول عليه أكثر من غيره ، لكن الإحصاء لا يمثل سوى القاعدة التي تنطلق منها الأسلوبية ، بحيث يكتمل مع التفسير والتحليل والاستقراء والمبالغة في الجانب الإحصائي، مع إهمال النواحي الدلالية قد يؤديان الى تحويل النصوص الى مواد صماء، تراوح مكانها خانقة روح النص ، ويذكر أن الجانب الإحصائي ليس غاية الدراسة الأسلوبية، بل ولا يمثل مبتغاها .
مبدأ الانزياح والغرابة : يرى بعض الباحثين أن العدوان يتصل بالصور البلاغية كلها ، وهي تعمل بخرقها الدائم لسنن اللغة ، فإذا كانت اللغة في المنظور الوظيفي وسيلة للتواصل من أقرب الطرق ، وبأقل جهد ، فإن الشعر يسعى إلى عرقلة هذه الوظيفة بطرق متعددة "إذ أن اللغة تسعى إلى ضمان سلامة الرسالة لكن بطريقة الاختلافات الصوتية متيحة للتماثل الصوتي والقافية والوزن عرقلة قوانين اللغة في وظيفتها الفطرية الأولى ومخالفة لها مخالفة صريحة" وليس خرق اللغة سوى مرحلة أولية من عملية الانزياح الكبرى فتتلوها المرحلة التأويلية التي تعيد الصورة إلى حظيرة اللغة ، ولابد في الشعر من حضور الوظيفة التوصيلية وإلا فقد الشعر جزءاً من انتمائه إلى اللغة، فالخطاب الشعري خطاب لغوي توصيلي أولاً وتهيمن فيه الوظيفة الشعرية الخاصة به دون أن تغيب الوظيفة التوصيلية الأولى ،ومن هنا لا يكون الشعر نقيضا للغة التواصلية إلا في المرحلة الأولى ، ثم تعيد انتماءه إليها بعد تراجع بعض مظاهر الوظيفة الشعرية ، وكثيرا ما نلمس ذلك لدى المتلقي الذي يدخل إليه الشعر بواسطة الهالة البلاغية الصورية ، ثم ما تلبث أن تتراجع ، ليستقر موجزاً مجرداً عائداً بذلك إلى المرحلة الأولى "التوصيلية" ونظرا إلى أن الوظيفة الشعرية حاضرة في مستويات مختلفة من كل خطاب تواصلي لغوي ، فإن تحديد المعيار المنزاح عنه يغدو معضلة ، وتجد نظريه الانزياح ـ باعتبارها إجراء لغويا ـ بعداً مهماً في التراث البلاغي العربي كالحديث عن المجاز، والعدول والتوسع ، ولعل نظرية الانزياح الأسلوبية ـ وفي ديباجتها المتقدمة ـ جاءت لتفسر ما عبر عنه منذ القديم بالغرابة والعجب . قال الجاحظ : إن الشيء من غير معدنه أغرب ، وكلما كان أغرب كان أبعد في الوهم ، وكلما كان أبعد في الوهم كان أظرف ، وكلما كان أظرف ، كان أعجب ، وكلما كان أعجب كان أبدع" ولا يعد كل انحراف أسلوباً إذ لا بد أن يصاحبه وظيفة جمالية وتعبيرية ويمكن أن تبدأ الخطوات في التحليل الأسلوبي بـ " مراجعة ومراقبة الانحرافات، كتكرار صوت أو قلب نظام كلمات ، أو بناء تسلسلات متشابكة من الجمل ، وكل ذلك يخدم وظيفة جمالية كالتأكيد أو الوضوح أو عكس ذلك كالغموض ، أو الطمس المبرر جمالياً للفروق" .
مبدأ الاختيار:
وهو عملية الانتقاء المدروس للطرائق اللغوية المناسبة من قلب النظام اللغوي، وذلك لتأدية المعنى والتعبير عنه، حيث " يتم ذلك على أساس من التعادل أو التشابه أو الاختلاف، أي على أساس الترادف والتحالف" . على أن الأسلوب يمكن اكتشافه والتنبؤ بمعالمه وخصائصه من خلال " الاختيار الواعي لأدوات التعبير "،وتسمى عملية اختيار مفردات اللغة بمفاتيح النص .
التأليف :
ويعنى بالجانب التركيبي النحوي ، فتوضع المقولات النحوية المنتظر ظهورها في مقابلات ومتباينات، أي " مجموعة أجزاء الخطاب القابلة للإعراب أو غير القابلة له مثل الأعداد والأجناس، والحالات ودرجات المشابهة والزمن والصيغ ، إذ يتم التركيب على أساس التشابك بين المتواليات، والتقارب بين العناصر المتجاورة، بمعنى أن يتم التوافق بين المعاني النفسية المراد التعبير عنها، وطريقة الأداء اللغوي لها عن طريق النظر في القيم النحوية، التي تراعى خلال تأليف العبارة .
وباختيار الكاتب أو المتكلم لأدواته التعبيرية، من الرصيد المعجمي للغة ثم تركيبه لها ، تركيبا تقتضي بعضه قوانين النحو ، وتسمح ببعضه الآخر سبيل التصرف عند الاستعمال ، أي عرضه مبدأ التعادل في محور الاختيار على محور التركيب، فتتحدد أدبية النص أو وظيفته الشعرية ، على أننا في هذا المقام نرد الجميل لعالم العربية الجليل عبد القادر الجرجاني، لريادته هذا الحقل منذ قديم الزمان حيث قال :" والألفاظ لا تفيد حتى تؤلف ضرباً خاصاً من التأليف ، ويعمد بها إلى وجه دون وجه من التركيب والترتيب ، فلو أنك عمدت إلى بيت شعر ، فعددت كلماته عدا كيف جاء واتفق ، أبطلت نضده ، ونظامه الذي بني عليه ، وفيه أفرغ المعنى ، لأن المراد نحو أن تقول في :"قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل": منزل قفا من نبك حبيب ، أخرجته من كمال البيان إلى مجال الهذيان" .
الإيقاع والوزن :
إن المتأمل في مفهوم الإيقاع يتبادر الى ذهنه أولا، أن الإيقاع بمعناه الواسع يشمل جميع مظاهر الأشياء المتحركة من حولنا، فكل ما حولنا يسير وفق نظام إيقاعي ، تتناسب فيه الحركة مع الزمن ، " كما في حركة الأرض حول الشمس ، وما ينتج عن ذلك من فصول أربعة، ومن مظاهر الإيقاع الكوني يتناسب فيه الصوت مع الزمن، ما نلمسه عند تساقط حبات المطر على صخرة مثلاً أو صوت صفير الرياح بين أغصان الشجر أو صوت سنابك الفرس وهي تجري ، فالإيقاع أقدم من وجود الإنسان والحيوان على الأرض والإيقاع الشعري جزء لا يتجزأ من الإيقاع الكوني الواسع ، وقد عده ابن منظور " من إيقاع اللحن ، والغناء وهو أن يوقع الألحان ويبينها" ، وللإيقاع الشعري نظامه الذي يسير عليه ، ومن مفردات هذا النظام ، الوزن والقافية ، والصوت المنبعث من روح النص الشعري بل أن بعض الباحثين اعتبر الإيقاع الشعري " ظاهرة صوتية في جوهرها، والوزن أحد عناوينها ويفسر ذلك غياب مصطلح الإيقاع من علم العروض ، ونيابة مصطلح الوزن عنه في الدلالة على موسيقى الشعر ، ويمكن القول أن " كل وزن يعتبر إيقاعا خاصاً وليس كل إيقاع يعتبر وزناً ، فالإيقاع الشعري يضم أسرارا غير متناهية من الأنغام والأصوات والأوزان تتماهى فيما بينها ، وتشكل في مجملها صفات توسم النص الشعري، وتفرد له خصائص تميزه عن سواه . ولقد حذت الباحثة في كتابها نحو مصطلح الإيقاع ، كي يدل دلالة صريحة على انه يشمل جميع منابع النغم الشعري ، وزناً وصوتاً وزمناً وحركات وغيرها ، ويمكن تشبيه الوزن بالهيكل العظمي للإنسان، لأنه يحدد أبرز معالمه كالطول والعرض والارتفاع والحجم وغيرها، أما النواحي الصوتية ، والزمنية والحركية وغيرها فتمثل جميع مظاهر الحياة الداخلية السائلة في الجسم، وللخليل بن احمد الفراهيدي رحمه الله – قصب السبق في وضع هذا العلم ، الذي غدا عنواناً كبيراً انطلقت من تحته الدراسات والبحوث الإيقاعية من قديم الزمان وحتى زماننا هذا .
الإيقاع الخارجي :
وصف البحور والأوزان :
تتبعت الباحثة قصائد ديوان الشاعر ، فوجدته يستخدم اثني عشر بحرا هي : البسيط ، الطويل ، الرمل ، الرجز ، الوافر ، المجتث ، السريع ، الخفيف ، المتقارب ، الكامل ، الهزج ، والمنسرح .
وخلصت الباحثة بعد أجرت إحصاء لعدد أبيات كل بحر ؛ أن ثمة ميل لدى الحلاج في استخدام البحور ذات الأوزان القصيرة والتي تؤمن موسيقى ذات سرعة وميل الشاعر إلى التعبير السريع عما في نفسه .
فقصر البيت يؤدي إلى تكرار النغمات بشكل أسرع مما يضفي إيقاعا عاليا واستعدادا للغناء ، وهذه الغنائية تؤشر إلى ذاتية الحلاج متناسبة وموضوعه الصوفي وعلاقته كذات عاشقة للذات العليا ..
التدوير : وجدت الباحثة أن الحلاج لجأ إلى التدوير بسبب توتره ورغبته بالاستمرار وعدم التوقف للتعبير عن حالاته الوجدانية المتلاحقة .. ويصبح القطع قطعا للحال قبل اكتمالها وك‘نما الفجاءة لا تمهله لالتقاط أنفاسه في نهاية كل شطر فيواصل الكلام ولا يقف ‘لا عند آخر البيت .
براء السيد
27-09-2006, 05:38 AM
قال الحلاج :
طوبى لطرف فاز منـ...........ك بنظرة أو نـظرتين
ورأى جمالك كل يو ...........م مرة أو مــــرتين
نظام التقفية :
عرضت البحثة لأصوات القوافي ؛ كصوت الروي الذي تبنى عليه القصيدة ، وخلصت البحثة إلى أن روي النون حظي بعدد كبير من الأبيات بلغت مائة وثلاثة وعشرين بيتا .
وعرضت الباحثة للقوافي المردوفة التي تتمثل في صوت المد الساكن ( ا ، و ، ي ) قبل صوت الروي .
وتوصلت البحثة أن استخدام القوافي المردوفة يحقق التناغم الإيقاعي الذي يريده الشاعر وهي أصوات يحتاج نطقها إلى زمن أطول في نطقها.
أما القوافي المؤسسة فقد تكررت في ستة وعشرين بيتا :
كفى حزنا أني أناديك دائبا كأني بعيد أو كأنك غائب
وأطلب منك الفضل من غير رغبة فلم أر قبلي زاهدا وهو راغب
فالتأسيس في البيتين هو الألف وهذا حقق امتداد الصوت الذي تواءم مع دلالة المقطوعة التي يعبر فيها الشاعر عن حزنه وألمه .
تكرار القوافي :
بدا لافتا اهتمام الحلاج بتكرار القوافي ، والتكرار يضفي ضربات إيقاعية مميزة لا تحس بها الأذن فقط بل ينفعل معها الوجدان كله مما ينفي أن يكون هذا التكرار ضعفا في طبع الشاعر أو نقصا في أدواته الفنية فهو نمط أسلوبي له ما يسنده في إطار الدلالة الحلاجية .
يقول :
رأيت ربي بعين قلبي فقلت مـن أنت ؟ قال : أن
للأين منــــك أين وليس أين بحـــيث أنت
أنت الذي حزت كل أين بنحـــو لا أين فأيـن أنت
وليس للوهم منك وهم فيـعلم الوهم أين أنـــت
أنت حياتي وسر قلبي فحيــــثما كنت كنـت أنت
الإيقاع الداخلي :
الأصوات المهموسة : الصوت المهموس هو الصوت الذي لا تتذبذب الأوتار الصوتية عند النطق به .
يقول :
اقتلوني يا ثقاتي إن فـي قتلي حياتي
ومماتي في حياتي وحياتـي في مماتي
أنا عند محو ذاتي من أجل المـكرمات
وبقائي في صفاتي من قبيح السـيئات
سئمت روحي حياتي في الرسوم الباليات
فاقتلوني واحرقوني بعظامي الفانيات
تكرر صوت القاف في ثلاث عشرة لفظة .. وهذا الصوت يحمل قدرا من القوة والقسوة والخشونة متلائما مع فعل القتل وعمق الحالة التي تسيطر على الشاعر .
أصوات الصفير :
سكوت ثم صمت ثم خرس وعلم ثــــم وجد ثم رمس
وطين ثم نار ثن نور وبرد ثم ظـــــل ثم شـمس
وأصوات وراء الباب لكن عبارات الورى في القرب همس
تكررت أصوات الصفير بشكل لافت وهي الثاء والسين والشين والصاد والفاء ، وهذه الأصوات تختلف في درجات صفيرها ويؤدي هذا الارتفاع والانخفاض إلى حركة تنفس مضطربة وقلقة غير مستقرة تدلنا على نفسية الشاعر التي تحمل قدرا كبيرا من الأسى والحرقة والحسرات .
التماثل الصوتي :
تمتاز أصوات المد بوضوحها في السمع ويحتاج النطق بها إلى زمن طويل يتناسب دلاليا مع الصوت المرافق للنداء :
وما وجدت لقلبي راحة أبدا وكيف ذاك وقد هيئت للكدر
ما بي را ذا ري
الحزن في مهجتي والنار في كبد والدمع يشهد لي فاستشهدوا بصري
في تي نا في دي لي دو ري
ويبدو أنه نداء خفي للذات العليا التي عشقها الشاعر وحاورها وتمثلها وتقرب منها .
التحليل التركيبي :
ترى الأسلوبية في دراسة التركيب وسيلة ضرورية لبحث الخصائصالمميزة لمؤلف معين ، بل تعده أحد مستويات التحليل اللغوي للنص الأدبي ، ويتخذ الدرس الأسلوبي جملة من المسائل تنطلق من النص نفسه فالمدخل الأسلوبي لفهم أي قصيدة هو لغتها .
ومن هذه المسائل : دراسة أطوال الجمل وقصرها ، ودراسة أركان التركيب من مبتدأ وخبر ، وفعل وفاعل وإضافة وصفة وموصوف وغيرها .
الجملة الاسمية :
جاءت الجملة الاسمية في شعر الحلاج على أنماط متعددة كفصل المبتدأ عن الخبر بجمل معترضة أو جمل معطوفة أو مما يقع في باب الزيادة .
وإذا كان النمط الأساسي معبرا عن حالة استقرار المعنى فإن تجربة الحلاج لا تجد ضالتها في هذا النمط وإنما تحتاج إلى أنماط أخرى لعلها تظفر بالمعنى الذي تفتش عنه وتحاول أن تتلاءم معه .
ولأن الاسم يخلو من الزمن ويصلح للدلالة على عدم تجدد الحدث وإعطائه لونا من الثبات ، فإن الشاعر يلجأ إليه في التعبير عن الحالات التي تحتاج إلى توصيف وتثبيت ومن ذلك الأبيات التالية التي يبدو فيها استخدام الاسم واسعا بوصفه الأساس التركيبي للقول الشعري :
سكوت ثم صمت ثم خرس وعـلم ثم وجد ثم رمس
وطين ثم نار ثم نور وبرد ثم ظـل ثم شـمس
وحزن ثم سهل ثم قفر ونهر ثم بـحر ثـم يبـس
وقبض ثم بسط ثم محو وفرق ثم جـمع ثـم طمس
عبارات لأقوام تساوت لديهـم هـذه الدنـيا وفََلس
بدأت الأبيات بالاسم ( سكوت ) وتلته سلسلة من الأسماء المعطوفة بحرفي العطف ( الواو ، ثم ) واستمر هذا النمط في أربعة أبيات مما يوسع من أفق الانتظار بسبب إرجاء الخبر، ويسهم هذا في تأكيد الخبر بوصفه إنهاء لموقف التوقع والانتظار .
الجملة الفعلية :
لأن الصوفية يعبرون عن أحوال ومقامات تتنوع بين ثبات وحركة وتوقف وتجج فإنهم يلجأون في وصفهم إلى الأفعال .
يقول :
أبدى الحجاب فذل في سلطانه عزُّ الرسوم وكل معنى يخطر
هيهات يدرك ما الوجود وإنما لهب التواجد رمز عجز يقهر
لا الوجد يدرك غير رسم داثر والوجد يدثر حين يبدو المنظر
ففي هذه الأبيات جملة واسعة من الأفعال منحتها مقدارا كبيرا من الحيوية والحركة وأوحت بسياق من الأحداث المتحركة المتتالية .
أسلوب النفي :
هو أحد خيارات التركيب ويحول الجمل من بسيطة إلى مركبة ، توسع الحلاج في مفهوم النفي في شعره فتجاوز معنى الطرح والإخراج والاقتطاع وقدم طرائق تعبيرية شتى من الناحية التركيبية والأسلوبية تتواءم مع عمق تجربته الصوفية ودلالاته الخاصة ، ويأتي الحلاج بالنفي في كثير من المواضع ليعزز معنى ذكره في البيت ، فيكون النفي تأكيدا :
تراهم ينظرون إليك جهرا وهم لا يبصرون من العماء
جاء بأداة النفي لا سابقة للفعل يبصرون في الشطر الثاني ليؤدي معنى يتضاد مع المعنى في الشطر الأول فيقول : تراهم ينظرون والنظر يأتي لمن يملك البصر ثم يعود وينفي هذا النظر بقوله : لا يبصرون ، وكأنما يرنو إلى بصر من نوع خاص لا تؤديه العينان وهو ما يحتاجه الصوفي ويسعى إلى امتلاكه عبر المجاهدات والرياضات .
أنماط التأكيد : استخدم الحلاج العديد من أنماط التأكيد مثل :التوكيد اللفظي واستخدام القسم وحروف التحقيق وغيرها :
ونفسك نفسك كن خائفا على حذر من كمين الجفا
والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب أو قتلى لما حنثوا
فلقد صـــــيرك الوجد من الأحــــــــشاء داني
قد تحققتك في ســـــر ........ي فناجــــــاك لــساني
وقد يكون التأكيد عند الحلاج مبعثه إحساسه بأن مايطرحه من رؤى هي غير مصدقة بسهولة لدى المتلقي .. فيدعمها بالتأكيد ظانا أنه سوف يقرب صدقها من سامعها .
أسلوب النداء :
يا عين عين وجودي يا مدى هممي يا منطقي وعبـاراتي وإيمائي
يا كل كلي ويا سمعي ويا بصري يا جملتي وتباعيضي وأجـزائي
يا كل كلي وكل الكل ملتبــس وكل كلك ملبوس بمـــعنائي
يا من به علقت روحي ، فقد تلفت وجدا فصرت رهينا تحت أهوائي
ويعكس النداء الضعف الإنساني والحاجة للآخر .
التحليل الدلالي :
رأت المؤلفة أن شعر الحلاج يقبل الدراسة الدلالية بواسطة مبدأ الحقول الدلالية ، والحقل الدلالي هو مجموعة من الكلمات ترتبط دلالتها وتوضع تحت لفظ عام يجمعها .
حقل ألفاظ الحب : يعد الحب الموضوع الرئيس عند الصوفية ، إذ إن توجههم إلى الذات العليا ومناجاتها وندائها والتعلق بها يتجاوز علاقة العابد بالمعبود إلى علاقة العاشق بالمعشوق ، بحيث تكون رغبة الاتصال والتشوق له أمرا يغلب على الصوفي .
ورد في شعر الحلاج حوالي خمسين لفظة تتصل بالحب منها :
الحب ، القلب ، الوجد ، النظر ، الوصل ، الدنو ، البعاد ، الهوى ، الشوق ، الفراق ، الحزن ، اللوم ، اللقاء ، الهيام ، الوله ...
وتؤكد الباحثة أن قصائد الحلاج تكاد تقوم على هذا المعجم ، وما يميز الحلاج أنه استعار الألفاظ لكنه ألغى حضور المرأة ولم يتخذ منها وسيطا أو سبيلا رمزيا كما فعل غيره من المتصوفة .
حقل ألفاظ المعرفة :
الصوفية محبة ومعرفة ؛ بعضهم يقدم المعرفة على المحبة وآخرون يقدمون المحبة على المعرفة .والمعرفة تبنى عليها تأملات الصوفية واستبصاراتهم وآراؤهم .
وتكررت ألفظ المعرفة ما يقارب ثلاثمائة وخمس وستين مرة . ومنها :
المعرفة ، الحقيقة ، السر ، الخاطر ، السؤال ، الرمز ، الشك ، السمع ، التعبير ، الفهم ، الدراية ...
وكل عالم بالله تعالى عارف ، وكل عارف عالم ، والمعرفة عندهم أعلى درجات الفناء وغاية سفر الصوفي إلى ربه .
براء السيد
27-09-2006, 05:40 AM
حقل ألفاظ الخمر :
نقل الحلاج إلى الرؤية الصوفية ما استخدمه الشعراء الخمريون من حديث عن صفاتها وألوانه وفعلها في العقول ، ويبدو أن الحلاج وجد ضالته في الخمر ومتعلقاتها كي يوصف لنا حالاته المتقدة بالوجد والتعبير عن مبادئه وأفكاره .
تتصل حالة السكر عند الصوفية بالمحبة تلك النشوة العرمة التي تفيض بها نفس الصوفي .
عشرة ألفاظ للخمرة رددها الحلاج ليعبرلنا عن لواعج توقه وشوقه للذات العليا :
السكر ، الشراب ، الذوق ، الصحو ، المزج ، الكأس ،السقي ، الجواري ،الخمر ، الري .
يقول :
وترتع في رياض القدس طورا وتشرب من بحار العارفينا
فأورثنا الشراب عــلوم غيب تشفّ على علوم الأقدمينا
فالشراب مصدره بحار العارفين ، ويكون في حال من العلو والارتفاع ، فهو يرتفع بذات الصوفي إاى حدود تتيح له قراءة مالا يقرأ الآخرون .
حقل الألفاظ الدالة على أعضاء الإنسان :
يقوم تعامل الصوفي مع البدن وأعضائه ومتعلقاته على أساس الفناء إذ الجسد مادة ، والبدن متصل بالدنيا ، ولا بد من توجيهه للخلاص من الدنيا ، والفراغ من شؤونها سعيا وراء الحياة الأخرى التي يفنى فيها المرء عن جسمه وتظل الروح في مدارات الخلود والأزل .
اقترب عدد ألفاظ الأعضاء من مائتين وخمسين لفظة . نذكر منها :
العيون ، الناظر ، البصر ، الطرف ، الأجفان ، الحجب ، اليدان ، اليمين ، الشمال ، الأنامل ، الكف ، الوجه ، الخد ، الفم ، اللسان ، الفؤاد ، الجلد ، العظام ..
يقول :
أين وجهك ؟ مقصودا بناظرتي في باطن القلب ؟ أم في ناظر العين ؟
لم يبق في القلب والأحشاء جارحة إلا وأعـــرفه فيها ويعرفني
حقل الحروف والأعداد :
يدرك الصوفية أن الحرف الذي يتوسلونه هو حرف بمعنى حافة وحد ، وعرف الحلاج أسرار الحرف وطبيعته الوجودية والكونية ، لجأ الحلاج إلى دلالات الحروف والأعداد في ثماني قصائد وورد استخدام الحروف والأعداد في عشرين بيتا منها :
واللام بالألف المعطوف مؤتلف كلاهما واحد في السبق معناء
وفي التفرق اثنان إذا اجتمعا بالافــتراق هما عبد ومولاء
خاتمة :
درس هذا الكتاب شعر الحلاج في ضوء الأسلوبية فتناول بالتحليل المستويات اللغوية الثلاث : الصوتي والتركيبي والدلالي ، مبرزا أهم السمات الأسلوبية في شعر الحلاج .
توصلت المؤلفة إلى أن استخدام المقاطع الصوتية الطويلة يتناسب مع رغبة الشاعر في خطاب الذات الإلهية ومناداتها ومناجاتها .
وأضاءت المؤلفة الجانب التركيبي وبينت ميل الحلاج إلى تنويع الجمل والإفادة من التراكيب النحوية بما يخدم فنه وآراءه ووجده .
وكشفت المؤلفة عن تجربة متماسكة تمتلك معالم الوحدة والتجانس حين درست أهم الحقول الدلالية في شعر الحلاج وهي دوائر دلالية احتضنت تجربة الشاعر واستوعبة طرائقه الفنية الملفتة .
وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين ..
براء السيد
27-09-2006, 05:46 AM
الحلاج
الحريَّة على خَشَبَة الصَّلْب
محمد الحبش*
ليست محض مطالعة في التاريخ. إنها أيضًا قراءة في الواقع، حيث لا يزال الوعيُ الجمعي في بعض المؤسَّسات التقليدية مسكونًا بهاجس إقامة الحدِّ المماثل على مَن تُسوِّل له نفسُه اتِّباع خُطى الحلاج في التفكير في فضاء مفتوح والتحليق في آفاق حرة، مهما كانت الروح عازفة عن رغائب السلطان وموائده وأعطياته.
صَلْبُ الحلاج يومٌ أسود في تاريخ الإسلام: إنه اليوم الذي حقَّقَ فيه التزمتُ نَهَمَه في الانتقام من حقِّ الإنسان في التعبير والفكر. إنه أكفر أيام الأمَّة بالهُدى الربَّاني الذي نادى به القرآن في الآية الكريمة: "لا إكراه في الدين."
واليوم، بعد مرور 1111 عامًا على بدء معاناة الحلاج، هل كان قرار المقتدر العباسي بقتل الحلاج صائبًا؟ وهل كان قرار المجمع المستبد من حوله نزيهًا حين صَلَبَ تلك الروح المتمردة الثائرة، التي لم تستطع الصمت بعد أن أهلَّتْ عليها إشراقاتُ الملأ الأعلى؟
إشراقُه كان من لون فريد. لم يطقْ أن المعرفة شيء أدركه الأوَّلون لأجله، وأن عليه أن يبصم على ما تخيَّروه لأجله. لقد كان يريد أن يمشي بنفسه في الوادي ذاته. أراد أن تدمى يداه بأشواكه، وأن يذوق نشوة وصاله ولهيب جفائه، حيث يحمله اليقين على أن الوجود الحق هو هو: "حقِّقْ لا ترى إلا الله"!
لم يرَ في الموجودات إلا أثر الموجِد، ولا في الخلق إلا نفحة الخلاق – وما سوى ذلك عدم.
جُبِلَتْ روحُك في روحي كما * يُجبَل العنبرُ بالمِسْـكِ الفَتِقْ
فإذا مسَّـكَ شـيءٌ مسَّـني * وإذا أنـتَ أنـا لا نفتـرقْ
وقوله:
مُزِجَتْ روحُك في روحي كما * تُمزَجُ الخمرةُ بالمـاءِ الزُّلال
فإذا مسَّـكَ شـيءٌ مسَّـني * وإذا أنـتَ أنا في كـلِّ حـال
وقوله أيضًا:
قد تحقَّقتُكَ في سرِّي فناجاكَ لساني
فاجتمعنا لِمَعَـانٍ وافترقـنا لِمَعـانِ
إن يكنْ غيَّبَكَ التعظيمُ عن لَحْظِ العِيانِ
فلقد صيَّركَ الوَجْدُ من الأحشَـاء دانِ
لم يكن الوصال عنده محض إطلالة على مرابع المحبوب. لقد كان فناءً فيه واستغراقًا في وصاله:
يا نسيمَ الريحِ قولي للرَّشَـا * لم يَزِدْني الوِرْدُ إلا عَطَشَـا
روحُه روحي وروحي روحُه * إنْ يشَا شئتُ وإنْ شئتُ يشَا
ولكن حبَّه وشغفه كان من لون فريد. لم يكن يرى في العشق سبيل ملذة، وإنما كان يستعذب رَهَقَه وآثاره، حتى أسْلَمَه ذلك للمهالك:
أريدُكَ لا أريدُكَ للثَّـوابِ * ولكـنِّي أريـدُك للعقــابِ
وكلُّ مآربي قد نلتَ منها * سوى ملذوذ وَجْدي بالعَذابِ
هكذا كان عالم الملأ الأعلى الذي يتقلَّب في رغائبه الحسين بن منصور الحلاج. ولكن أين كان خصومه وحاسدوه الذين قالوا: إن الله عَهَدَ إلينا أن لا نرى حرًّا إلا قيَّدناه، ولا مفكرًا إلا أرهقناه، ولا مخالفًا إلا قتلناه؟
قال الحلاج: "إنهم ينكرون عليَّ، ويشهدون بكفري، وسيسعون إلى قتلي، وهم في ذلك معذورون، وبكلِّ ما يفعلون مأجورون."
أمَرَ الخليفة المقتدر بتسليمه إلى حامد بن العباس، وأمَرَه أن يكشفه بحضرة القضاة والعلماء ويجمع بينه وبين أصحابه. فجرى في ذلك خطوبٌ طوال. وبدا طوق النجاة أمامه في وجه واحد، وهو أن يرجع عن موقفه الفكري، وأن يبصم على اختيار السلطان. ولكنه اختار طوق نجاة آخر، يعتصم فيه بصدقه مع نفسه ويرحل به إلى مجد الخلود. واستيقن السلطان أمره ووقف على ما ذُكِرَ عنه. وثبت ذلك على يد القضاة وأفتى به العلماء، فأمر بقتله وإحراقه بالنار.
واختاروا منطقًا شرسًا للموت، يقمعون به مَن تُسوِّل له نفسُه أن يمارس حقَّه في الفكر والاختيار. فضُرِبَ بالسياط نحوًا من ألف سوط، ثم قُطِعَتْ يداه ورجلاه، ثم ضُرِبَتْ عنقُه، وأُحْرِقَتْ جثتُه بالنار، ونُصِبَ رأسُه للناس على سور الجسر الجديد، وعُلِّقَتْ يداه ورجلاه!
عندما تقرأ الكلمات الأخيرة التي قالها الحلاج ما بين خشبة صلبه وارتقاء روحه، تدرك أنه كان يرسم للأحرار من بعده دربَ الموت في سبيل كلمة الحقيقة.
قال السلمي: "سمعت أبا العباس الرازي يقول: كان أخي خادمًا للحلاج. فلما كانت الليلة التي يُقتَل فيها من الغد قلت: أوْصِني، يا سيدي. فقال: عليك بنفسك، إن لم تشغلْها شغلتْك. فلما أُخرِجَ كان يتبختر في قيده ويقول:
نديمي غيرُ منسـوبٍ * إلى شيءٍ من الحَيْفِ
سقاني مثل ما يشربُ * فعل الضَّيف بالضَّيفِ
فلمـا دارتِ الكـأسُ * دعـا بالنَّطعِ والسَّيفِ
كذا مَن يشربِ الكأسَ * مع التنِّينِ في الصَّيفِ
ثم قال: "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق."
وعندما قُرِّبَ من خشبة الصلب كان يقول: "إلهي، نحن شواهدك، نلوذ بسنا عزَّتك لتُبدي ما شئت من مشيئتك. أنت الذي في السماء إله وفي الأرض إله. يا مدهر الدهور ومدبِّر العصور. يا مَن ذلَّتْ له الجواهرُ، وسجدتْ له الأعراض، وانعقدتْ بأمره الأجسام، وتصوَّرتْ عنده الأحكامُ. مَن تجلَّى لما شاء، كما شاء، كيف شاء."
وكانت آخر كلمة تكلَّم بها عند قتله: "حَسْبُ الواحد إفراد الواحد."
وكان أكثر قوله عند صَلْبِه: "إلهي! أصبحت في دار الرغائب، أنظر إلى العجائب. إلهي، إنك تتودَّد إلى مَن يؤذيك؛ فكيف لا تتودَّد إلى مَن يؤذى فيك!"
ومع أنه عوقب بتهمة الردَّة والزندقة، فقد قال ابن أبي النصر: "إن كان بعد النبيين والصدِّيقين موحِّد فهو الحلاج!" أما الشبلي فكان يقول: "كنت أنا والحسين بن منصور شيئًا واحدًا؛ إلا أنه أظْهَرَ وكتمت."
وعندما خُتِمَ قَدَرُ الحلاج، وأصبح شاهد التاريخ على معاناة الأحرار وكيد الاستبداد، أقبل الشبلي، شريك مشاهدته وخليل مناجاته، وتقدَّم تحت الجذع وقال: "أوَلمْ نَنْهَكَ عن العالمين؟"
براء السيد
27-09-2006, 05:50 AM
أهم شخصيات الصوفية التاريخية (الحلاج وابن عربي)!
( الحـــــــلاج ) :
وما أدراك ما الحلاج ، فهو الحسين بن منصور بن محمي من أئمة الزنادقة والمرتين ، وقد أقيمت عليه البينة الشرعية ، وقتل مرتدا سنة 311هـ بعد أن صلب ببغداد ونودي عليه : هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه ، فقتل شر قتلة . انظر : (سير أعلام النبلاء) 14/327 .
أقـوال العلمــاء في الحــلاج الصوفي :
1 ـ قال الفقيه أبو علي البنا : كان الحلاج قد ادعى أنه إله ، وأنه يقول بحلول اللاهوت في الناسوت … وكان يقول للواحد من أصحابه : أنت نوح ، ولآخر : أنت موسى ، ولآخر : أنت محمد . اهـ . انظر : (المرجع السابق) .
2 ـ وقال الذهبي : الحلاج المقتول على الزندقة ، ما روى ولله الحمد شيئا من العلم ، وكانت له بداية جيدة وتأله وتصوف ، ثم انسلخ من الدين ، وتعلم السحر ، وأراهم المخاريق . أباح العلماء دمه ، فقتل . انظر : (ميزان الاعتدال) 2/71 .
من أقــوال الحــلاج الكفريــة :
1 ـ مُزجت روحي في روحك كما ---- تُمزجُ الخمرة بالماء الزلال
فـإذا مسّــك شـــيءٌ مسّـني ---- فإذا أنت أنا في كلّ حال
انظر : (ديوان الحلاج) ص 82 .
2 ـ وقال محمد بن يحي الرازي : سمعت عمرو بن عثمان يلعن الحلاج ويقول : لو قدرت عليه لقتلته بيدي !! . فقلت : أيش وجد الشيخ عليه ؟ قال : قرأت آية من كتاب الله فقال : يُمكنني أ أؤلف مثله !! . انظر : (سير أعلام النبلاء) 14/330 .
3 ـ وقال أبو عمر بن حيوية : لما أخرج الحلاج ليُقتل ، مضيتُ وزاحمتُ حتى رأيته ، فقال لأصحابه : لا يهولنكم ، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوما .
قال الذهبي : فهذه حكاية صحيحة توضح لك أن الحلاج ممخرق كذّاب ، حتى عند قتله . انظر : (المرجع السابق) 14/346 .
4 ـ وقال : الكفر والإيمان يفترقان من حيث الاسم ، فأما من حيث الحقيقة ، فلا فرق بينهما . انظر : (المرجع السابق) 14/352 .
( ابــن عـــربي ) :
بداية يجب الانتباه والتفريق بين ( ابن العربي ) العلامة المالكي بزيادة (ألف ولام) وهو إمام من أئمة المالكية ، ومن حفاظ الحديث اسمه : (محمد بن عبد الله الأشبيلي) أبو بكر المعروف بابن العربي المالكي المولود سنة 435هـ والمتوفى سنة 543هـ صاحب (عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي) .
أما ( ابن عربي ) الصوفي ، فهو (محمد بن علي بن محمد بن عربي الطائي) الشهير بمحيي الدين بن عربي ، ويميز عن سابقه بأن الأخير كما هو ظاهر من اسمه (عربي) نكرة في الاسم (بدون ألف ولام) ، ونكرة عند أهل العلم كما سيأتي، وهذا هلك سنة 638هـ .
أقــوال العلمـاء في ابـن عـربي الصوفي :
1 ـ قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام السلمي المتوفى سنة 660هـ : هو شيعي سوء كذّاب ، فقال له ابن دقيق العيد: وكذّاب أيضا؟ قال : نعم . تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن، فقال : هذا محال؛ لأن الإنس جسم كثيف والجن روح لطيف، ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف. ثم بعد قليل رأيته وبه شجة ، فقال: تزوجتُ جنية فرزقت منها ثلاثة أولاد، فاتفق يوما أني أغضبتها فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة وانصرفت فلم أرها بعد هذا .اهـ . zeryab.orgzeryab.org!!! (ميزان الاعتدال 5/105).
2 ـ قال المفسر أبو حيان الأندلسي المولود سنة 654هـ عند تفسيره لقول الله (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح): ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقر بالإسلام ظاهرا، وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة: كالحلاج والشعوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم في دمشق.اهـ.
3 ـ قال الفقيه تقي الدين السبكي كما في (مغني المحتاج) للشربيني 3/61: (ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضلال جهال خارجون عن طريقة الإسلام فضلا عن العلماء وقال ابن المقري في روضه إن الشك في كفر طائفة ابن عربي كفر) .
4 ـ قال ابن تيمية في (منهاج السنة) 5/335: ومن هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد وهم في الحلول والاتحاد نوعان نوع يقول بالحلول والاتحاد العام المطلق كابن عربي وأمثاله ويقولون في النبوة إن الولاية أعظم منها كما قال ابن عربي .اهـ .
5 ـ قال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان)4/318: وقد كنت سألت شيخنا سراج الدين البلقيني عن ابن عربي ؟ فبادر بالجواب بأنه ك