منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الحفاظ على الهوية.. بالأكل والصوفية!

    أروى55
    أروى55


    عدد المساهمات : 235
    تاريخ التسجيل : 07/10/2009
    العمر : 32

    الحفاظ على الهوية.. بالأكل والصوفية! Empty الحفاظ على الهوية.. بالأكل والصوفية!

    مُساهمة  أروى55 الثلاثاء مارس 09, 2010 9:07 am





    تونس القرن العشرين

    الحفاظ على الهوية.. بالأكل والصوفية! *

    صلاح الدين الجورشي
    Image

    عن "جامعة الآداب والفنون والعلوم الإنسانية -تونس" صدر كتاب تحت عنوان "ظواهر حضارية في تونس القرن العشرين" وهو تأليف جماعي لعدد من الباحثين والباحثات، خمس دراسات مع التقديم كتبت بالعربية، وثلاثة بحوث إضافية فضَّل أصحابها صياغتها باللغة الفرنسية في قرابة خمسمائة صفحة تعطي القارئ صورًا متكاملة عن "الصوبة التونسية" من خلال إنتاجها الثقافي في المجالات التالية: السينما، الرسم، الطبخ، الحياة الدينية، المعارك الأدبية والفكرية بين الحربين، كان العمل عبارة عن حفر يعقبه إعادة بناء لصور ونماذج إذا جمعتها أمكنك "أن تكتشف مجتمعًا له جذور تاريخية وحضارية ممتدة، مجتمعًا مفتوحًا يخضع كيانه وملامحه إلى عملية تغيير مستمر.
    جاء في المقدمة التي كتبها الدكتور عبد المجيد الشرفي المشرف على الفريق، أن الخبراء يتفقون اليوم على أن المجتمعات المتخلِّفة هي في بعد من أبعادها مجتمعات غير مدروسة، والعبرة ليست بتسليط النظريات الجاهزة عليها، وبإسقاط ما عند الغير على أوضاع خصوصية، وليس أيضا بالتمجيد الذاتي، بل تقتضي المقاربة الجادة النظرة المتفحصة إلى الوقائع في عفويتها وثرائها واختزانها للموروث وتأثُّرها بالوافد وتفاعلها مع المستجدّ، كل ذلك مع تمكُّن من المناهج الحديثة في علوم الإنسان والمجتمع، وهي لا تنفك تتطور وتتعدد مدارسها واتجاهاتها".
    الكتاب لا يحتوي على نظريات، والمؤلفون لم يخوضوا في جدل تجاوزته الساحة الثقافية والسياسية حول البحث عن الصوبة التونسية هل هي عربية أو إسلامية أو متوسطية أو تقليدية؟.. وتم الانطلاق من حالات وظواهر في ضوء عاملين رئيسيين هما التطور والثقافة واعتبار أن "حضارة شعب من الشعوب هي جماع أنشطة وإبداعات تستعصي على الاختزال". فالطبخ -باعتباره نظامًا اجتماعيًا- محكوم بنسقين يشده الأول إلى الاستمرار ويجذبه الثاني إلى التطور. وحتى تمسك الباحثة سهام "الدبابي الميساوي" بالظاهرة قامت برصدها من خلال إحدى قرى الساحل التونسي، ومما لمسته أن القروية التونسية ما زالت تحافظ على إعداد أغذيتها وخزنها لسنتها، لكن تغير نظام السوق أخذ يغير الكثير من العادات ويلغي العديد منها، مما اضطر أبناء القرية إلى البحث عن مرجع يعودون إليه للفصل بين عالمهم وعالم دخيل".
    فالطعام قبل أن يتحول إلى صناعة، كان وثيق الصلة بالبناء الرمزي للثقافة الخصوصية؛ مثال ذلك: أن الخبز كان "طعامًا طقوسيًا يصل بين عالم الأحياء وعالم الأموات، فقد جرت العادة أن تُخرج المرأة الخبز فجر عيد الفطر إلى المقبرة إحياءً للأموات وحفاظًا على العهد بين السلف والخلف".
    هكذا تابعت الباحثة مختلف مكونات الطعام وعلاقاتها بالزمن الاجتماعي، حتى إذا بلغت آداب الأكل لاحظت أن الآداب المتأثرة بالمنظومة الإسلامية توجه القروي في أكله، كما لا تزال منظومته القيمية تملي عليه أن يكرم الضيف ويلح في الأكل، ويؤثر كبير السن وصاحب الفضل.
    ثم تابع البحث تطور علاقة القرية بالمدينة التي آلت إلى التحاقها بالمدينة اقتصاديًّا واجتماعيًّا مما أدى إلى تبني المحيط للمركز، وقد لعبت وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تطوير الحياة اليومية، فكان من آثار ذلك أن هجرت فتيات القرية صناعة "الزربية" وأصبحن يتعلمن الطبخ وأطباقه من حصص التفلزة، لكن الباحثة تؤكد بأن "الثقافة الوافدة مهما تحاول قبر الموروث فهي تعجز عن محو الثقافة الأصلية وأن التقليد وحده هو الضامن لاستمرارية الماضي. وعرجت على التونسي المهاجر فأشارت إلى أنه يثبت ذاته عن طريق: طبخه فيصله ببلاده وأهله ودينه، بينما يتبنى مظاهر الحياة اليومية الغربية الأخرى، هكذا تبرز العلاقة العضوية بين الأكل والقومية. الطرق الصوفية
    تناول كمال عمران موضوع "الزاوية ظاهرة ثقافية"، انطلاقًا من اضطلاع الزوايا بدور خطير في كل البلاد الإسلامية منذ قرون بعيدة، ووجد هذا الدور في الغرب العربي إطارًا ملائمًا ليشتد عوده، وليمثل تدريجيًا سلطة دينية عاتية، غير أن جذوة الطرقية قد عرفت طريقها إلى الأفول منذ الثلث الأول من القرن، ومنذ الأربعينات إلى الثمانينات استبد بها الدور الهامشي الفلكلوري، إلا أن الدور اكتسى منذ نهاية السنوات الثمانين إلى منتصف التسعينات مظهراً جديدًا لا هو خرافي محض ولا هو عقدي صرف، إنه يحتل مكانة كبرى في أذهان شرائح متعددة من المجتمع التونسي، وينطلق من المنزلة الشائكة التي اندست اندساسا محكمًا في الضمير، وهي تقوم على العجيب وعلى "اللا معقول".
    يستمد هذا البحث أهميته من تأكيد صاحبه على أن التحولات الكبرى في بنية المجتمع التونسي وفي البنية الثقافية المنبثقة عنه لم تعرف منعطفاتها خارج وظيفة الزاوية في البوادي والقرى والأرياف وفي المدن والحواضر على حد سواء.
    وفعلا إن إلقاء نظرة سريعة على خارطة تونس تكشف مدى تغلغل الطرقية حيث لا تخلو ناحية من نواحي البلاد من زاوية أو من طريقة، أبرزها القادرية والرحمانية والتيجانية والمدنية، وجمعيها تعلى صلة جديدة بين الفقه وعلم الأسرار، غير أن المؤلف بعد أن يضبط نقاط الاختلاف والتلاقي بين الصوفية والروحانية، ينتهي إلى القول بأن الروحانيات في المجتمع التونسي بدأت ضعيفة في الفترة التي كانت فيها الطرقية قوية، لكنها أخذت تكتسح النفوس والأذهان حتى أصبح لها من المريدين ما يجعل الإشكالية قائمة على موقف هام من الحداثة ومن الثقافة الكونية، فضلا عن الحرص على تجاوز عقبات الواقع الموضوعي الروحاني.
    من خلال دراسة الزاوية الواقعة قريبا من العاصمة التونسية، لاحظ الباحث أن نسبة الزائرات من النساء بالقياس إلى الزائرين من الرجال تبلغ 65%، وأن نسبة الشابات منهن في حدود 30%، لكن نسبة الأمية تبلغ 60% مع الملاحظ أن 5% منهن تلقَّين ثقافة عالية، أما الغرض من الزيارة فيأتي العلاج في الدرجة الأولى، والزواج في الدرجة الثانية (40%)، والغريب أن نسبة الذين تلقوا تعليمًا جامعيًا في صفوف الرجال ويعتقدون في بركات أصحاب الزاوية تبلغ 15% ، والأكثر غرابة أن 30% من مجموع الرجال يطلبون من شيوخ الزاوية الأموات مساعدتهم على حل مشاكلهم المهنية، وقد حاور الباحث زائرًا ذا رتبة سامية في وظيفة حساسة فأعلمه أنه يلوذ بالروحاني، ليدله على ضالته، كما ذكر أن عددًا من لاعبي كرة القدم يقصد أحد الروحانيين قبل كل مباراة اعتقادًا منه أن قوته في الميدان تستمد من تلك الحقن الروحانية السحرية!
    عندما حاول الباحث تفسير عودة الطرقية بشكل لافت مع بداية الثمانينات أشار إلى عدم تحرج الزائرين للأولياء من التحول من دائرة الحياة الموضوعية إلى دائرة العالم السحري والخرافي، كما لاحظ أنهم يتهمون الحياة الاجتماعية بالتناقضات الجوهرية والقصر والتعسف، فالموقف وليد رؤية اجتماعية وإدراك أوضاع اجتماعية ليس فيها إلا الظلم والاعتباط، كما أشار إلى وعي الكثير منهم بظاهرة الانتهازية التي تمثلت في ظهور طائفة من المجتمع التونسي أصبحت بسرعة مهولة ذات بناء محفوف بالامتياز وآلت إلى طبقة محظوظة حظًا عجيبًا فالطريقة -من هذه الزاوية- عكست احتياجا لتوازن اجتماعي وعدل سياسي واقتصادي مفقود، وهو ما جعل الإسلام الشعبي ينجح في إثباته على مستوى الخيال في الوقت الذي لم يفلح الإسلام الرسمي في الإقناع به في المستوى ذاته.
    إن البحثين اللذين تناولا تطوير الطبخ التونسي وحركة المد والجزر للتصوف الشعبي يلتقيان حول قابلية الشخصية التونسية للتأقلم مع أكثر من نمط ثقافي مادام ذلك يوفر حالة من التوازن المؤقت، كما يجمع بين الدراستين نزوع مستمر لدى التونسي للاحتفاظ بنوع من الهوية المرنة القادرة على استيعاب التناقض ومجاراة التغير أو استبطان الرؤى الرافضة للظلم الاجتماعي والسياسي. هاتان الخاصيتان يمكن التقاطهما في معظم الأبحاث الأخرى المنشورة أيضا بين دفتي كتاب "ظواهر حضارية في تونس القرن العشرين"

    هوامش ومصادر:



    *



    Read more: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout&cid=1182697416711#ixzz4qoYE3nbd

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء نوفمبر 27, 2024 10:58 pm