ثقافة: الأسلوبية وتشظـّي الرؤية المنهجية
د.سمير الخليل
يطالعنا في بعض الدراسات النقدية التي وسمت نفسها بالاسلوبية تشظ في الرؤية التحليلية والمنهجية معاً، فبعضها يعد مزيجاً من التحليل الاسلوبي والبنيوي
وآخر مزيجاً من التحليل الاسلوبي والسيميائي وثالثاً من الاسلوبي والنفسي الخ ولعل السبب في ذلك يعود الى عدم وضوح مفهوم (البنية) الذي يتقافز من منهج الى اخر او عدم التفريق بين الاسلوب والبنية من منظور تشكيل النص فاذا كانت البنية تتصل بتركيب النص فان الاسلوب تختص بالنسيج اللغوي فحسب كما يقول صلاح فضل فضلا عن ذلك رغبة بعض الدارسين بتطبيق مقولات الانفتاح التحليلي بوصفها اثرا من اثار نظرية النص كما هي عند الغربيين.
ونرى على الصعيد الاجرائي ان اوضح امثلة الصنف الاول (اسلوبي/بنائي) تحليلات الدكتورة بشرى موسى التي اتسمت بالجزئية التحليلية البحتة بحثا عن المهيمنات الاسلوبية كما تقول وقد لمسنا في بعض تلك التحليلات اتجاها تركيبيا خالصا كونه هو المهيمن الاسلوبي البنائي فيها ومن امثلته تحليل بعض نصوص الشاعر يوسف الصائغ في دراستها الموسومة بـ(شعلة الدراما وجمرة المجاز قراءة اسلوبية في شعر يوسف الصائغ) التي احتواها كتابها (المرآة والنافذة) وفيها ترشح الباحثة ثلاثة نصوص شعرية هي قصيدة (بغتة) من ديوان (سيدة التفاحات الاربع) و(المعلم) من ديوان المعلم و(لقاء) من ديوان (من قصائد البلبل الاسود) ففي قصيدة (بغتة) تجد الباحثة ان النص يحافظ (في بنيته التركيبية على نحوية عالية خلقتها الجمل الاسمية القائمة على النحوية الوضعية المألوفة مبتدأ وخبر في المقطعين الاولين ليرسم لنا حالة الامان والاستقرار والثبات التي تتمتع بها فواعل النص وتبثها الجمل الاسمية) ويبقى النص يسير على هذه الوتيرة من الجمل المتوازية نحويا مع حاضنتها الاسمية المكررة بصيغة الاخبار حتى ينتقل النص الى التوازي الفعلي النحوي في مقطعه الثالث مع تغير نمط الضمائر من (انا/هي) الى (نحن /هو) ويظل الصراع بين الحركة والسكون قائما الا انه يلوح بالانحياز الى احد الطرفين يؤشره الانكسار في البنية الفعلية في مستهل المقطع الرابع بالدال اللساني الظرفي او المفعول المطلق المتضمن معنى الظرفية (بغتة) وهو عنوان النص الرئيسي ويترافق مع هذا الانكسار الزمني الفعلي انكسار في حركة فواعل النص بطريقة معكوسة اذ احتل ماكان مسرعا محل السكون والثبات وما كان ثابتا ومستقرا محل الحركة والدوران وما ان يصل النص الى مقطعه الاخير حتى يبدأ الانقلاب الزمني من الظرفية (اللحظة) بمعناها المحدد الى الكونية او الابدية الزمانية (الموت) وبذلك يقفل النص دائرته التركيبية ببنية التكرار الدالة على التفضيل.
وهكذا تتبع الباحثة جميع الدوال اللسانية التي من شأنها ان تدفع نصوص الصائغ نحو التواشج التركيبي (الاسمي /الفعلي) او (الفعلي/الاسمي) لتؤطر النص بعد ذلك بعدة توقفات دلالية تحسم الموقف الشعري لديه وتلغز للمتلقي بان سرية التركيب تدفن خلفها موصلات تعبيرية تهمس ببعض المقاصد الانية والواقعية.
ان تحليل الدكتورة بشرى موسى لبعض نصوص الصائغ التي كتبها في مراحله الاخيرة من نتاجه الشعري وبهذه العدة المزدوجة لم يلغ تأثرها الواضح والصريح بما جاء به الدكتور صلاح فضل في كتابة (اساليب الشعرية المعاصرة) من افكار تحليلية رؤيوية تنطلق من المزج بين آليات التحليل الاسلوبي والبنائي وربما تتجاوز ذلك الى السيمياء والتأويل وهذا التصور كما يقول صلاح فضل (يسمح باستيعاب الافق اللغوي للظاهرة وتجاوزه الى العوامل المدركة لانماط القراءة والفهم بما يدخل في قلب نظرية النص ويستوعب جماليات التلقي) ويتأتى تأثرها فيما نحن بصدده تبويبها شعر الصائغ وفقا لما طرحه د.صلاح فضل من تقسيمات للاساليب الشعرية المعاصرة بصورة عامة وهي(الاسلوب الحسي، الاسلوب الحيوي، الاسلوب الدرامي الاسلوب الرؤيوي) فضلا عن ذلك ان الباحثة لم تبتعد كثيرا عما قاله الناقد فاضل ثامر في دراسته الموسومة بـ(رهان الشاعر ورهان الشعر، قراءة في تجربة يوسف الصائغ الشعرية) اذ وردت النصوص الثلاثة التي حللتها الدكتورة ضمن دراسة فاضل ثامر الظاهراتية والذي يمكن قوله بعيدا عن المقارنة ان الباحثة حاولت باصرار المزج بين تقنيات التلقي المفتوحة ومقولات علم النص الخاصة بسلم الدرجات الشعرية (النحوية والدلالية والتجريدية ...الخ) وهي تعود في اغلبها الى النظرية التوليدية في الاساس ولاسيما فيما يتعلق بالدرجة النحوية الشعرية عند يوسف الصائغ غير انها لم تستوف جميع المظاهر التركيبية في النصوص المحللة اذ هي تبحث في المهيمنات الاسلوبية الجاهزة ولم تعن بالتحويلات التركيبية في الاساليب النحوية كالتحول من التناظر الاسمي الى الفعلي وبالعكس اذ لم يؤخذ منه سوى انقلاب النص من السكون الى الحركة فضلا عن ذلك ان درجة النحوية العالية التي اتسم بها نصوص الصائغ قيد الدراسة تقع في تضاد مفهومي مع درجة الانزياح التي تؤسس عليها التحليلات الاسلوبية في اغلبها وفضلا عن ذلك لم تخف الدراسة اسقاطاتها الذاتية والانطباعية في ملامستها ظواهر النصوص الشك
د.سمير الخليل
يطالعنا في بعض الدراسات النقدية التي وسمت نفسها بالاسلوبية تشظ في الرؤية التحليلية والمنهجية معاً، فبعضها يعد مزيجاً من التحليل الاسلوبي والبنيوي
وآخر مزيجاً من التحليل الاسلوبي والسيميائي وثالثاً من الاسلوبي والنفسي الخ ولعل السبب في ذلك يعود الى عدم وضوح مفهوم (البنية) الذي يتقافز من منهج الى اخر او عدم التفريق بين الاسلوب والبنية من منظور تشكيل النص فاذا كانت البنية تتصل بتركيب النص فان الاسلوب تختص بالنسيج اللغوي فحسب كما يقول صلاح فضل فضلا عن ذلك رغبة بعض الدارسين بتطبيق مقولات الانفتاح التحليلي بوصفها اثرا من اثار نظرية النص كما هي عند الغربيين.
ونرى على الصعيد الاجرائي ان اوضح امثلة الصنف الاول (اسلوبي/بنائي) تحليلات الدكتورة بشرى موسى التي اتسمت بالجزئية التحليلية البحتة بحثا عن المهيمنات الاسلوبية كما تقول وقد لمسنا في بعض تلك التحليلات اتجاها تركيبيا خالصا كونه هو المهيمن الاسلوبي البنائي فيها ومن امثلته تحليل بعض نصوص الشاعر يوسف الصائغ في دراستها الموسومة بـ(شعلة الدراما وجمرة المجاز قراءة اسلوبية في شعر يوسف الصائغ) التي احتواها كتابها (المرآة والنافذة) وفيها ترشح الباحثة ثلاثة نصوص شعرية هي قصيدة (بغتة) من ديوان (سيدة التفاحات الاربع) و(المعلم) من ديوان المعلم و(لقاء) من ديوان (من قصائد البلبل الاسود) ففي قصيدة (بغتة) تجد الباحثة ان النص يحافظ (في بنيته التركيبية على نحوية عالية خلقتها الجمل الاسمية القائمة على النحوية الوضعية المألوفة مبتدأ وخبر في المقطعين الاولين ليرسم لنا حالة الامان والاستقرار والثبات التي تتمتع بها فواعل النص وتبثها الجمل الاسمية) ويبقى النص يسير على هذه الوتيرة من الجمل المتوازية نحويا مع حاضنتها الاسمية المكررة بصيغة الاخبار حتى ينتقل النص الى التوازي الفعلي النحوي في مقطعه الثالث مع تغير نمط الضمائر من (انا/هي) الى (نحن /هو) ويظل الصراع بين الحركة والسكون قائما الا انه يلوح بالانحياز الى احد الطرفين يؤشره الانكسار في البنية الفعلية في مستهل المقطع الرابع بالدال اللساني الظرفي او المفعول المطلق المتضمن معنى الظرفية (بغتة) وهو عنوان النص الرئيسي ويترافق مع هذا الانكسار الزمني الفعلي انكسار في حركة فواعل النص بطريقة معكوسة اذ احتل ماكان مسرعا محل السكون والثبات وما كان ثابتا ومستقرا محل الحركة والدوران وما ان يصل النص الى مقطعه الاخير حتى يبدأ الانقلاب الزمني من الظرفية (اللحظة) بمعناها المحدد الى الكونية او الابدية الزمانية (الموت) وبذلك يقفل النص دائرته التركيبية ببنية التكرار الدالة على التفضيل.
وهكذا تتبع الباحثة جميع الدوال اللسانية التي من شأنها ان تدفع نصوص الصائغ نحو التواشج التركيبي (الاسمي /الفعلي) او (الفعلي/الاسمي) لتؤطر النص بعد ذلك بعدة توقفات دلالية تحسم الموقف الشعري لديه وتلغز للمتلقي بان سرية التركيب تدفن خلفها موصلات تعبيرية تهمس ببعض المقاصد الانية والواقعية.
ان تحليل الدكتورة بشرى موسى لبعض نصوص الصائغ التي كتبها في مراحله الاخيرة من نتاجه الشعري وبهذه العدة المزدوجة لم يلغ تأثرها الواضح والصريح بما جاء به الدكتور صلاح فضل في كتابة (اساليب الشعرية المعاصرة) من افكار تحليلية رؤيوية تنطلق من المزج بين آليات التحليل الاسلوبي والبنائي وربما تتجاوز ذلك الى السيمياء والتأويل وهذا التصور كما يقول صلاح فضل (يسمح باستيعاب الافق اللغوي للظاهرة وتجاوزه الى العوامل المدركة لانماط القراءة والفهم بما يدخل في قلب نظرية النص ويستوعب جماليات التلقي) ويتأتى تأثرها فيما نحن بصدده تبويبها شعر الصائغ وفقا لما طرحه د.صلاح فضل من تقسيمات للاساليب الشعرية المعاصرة بصورة عامة وهي(الاسلوب الحسي، الاسلوب الحيوي، الاسلوب الدرامي الاسلوب الرؤيوي) فضلا عن ذلك ان الباحثة لم تبتعد كثيرا عما قاله الناقد فاضل ثامر في دراسته الموسومة بـ(رهان الشاعر ورهان الشعر، قراءة في تجربة يوسف الصائغ الشعرية) اذ وردت النصوص الثلاثة التي حللتها الدكتورة ضمن دراسة فاضل ثامر الظاهراتية والذي يمكن قوله بعيدا عن المقارنة ان الباحثة حاولت باصرار المزج بين تقنيات التلقي المفتوحة ومقولات علم النص الخاصة بسلم الدرجات الشعرية (النحوية والدلالية والتجريدية ...الخ) وهي تعود في اغلبها الى النظرية التوليدية في الاساس ولاسيما فيما يتعلق بالدرجة النحوية الشعرية عند يوسف الصائغ غير انها لم تستوف جميع المظاهر التركيبية في النصوص المحللة اذ هي تبحث في المهيمنات الاسلوبية الجاهزة ولم تعن بالتحويلات التركيبية في الاساليب النحوية كالتحول من التناظر الاسمي الى الفعلي وبالعكس اذ لم يؤخذ منه سوى انقلاب النص من السكون الى الحركة فضلا عن ذلك ان درجة النحوية العالية التي اتسم بها نصوص الصائغ قيد الدراسة تقع في تضاد مفهومي مع درجة الانزياح التي تؤسس عليها التحليلات الاسلوبية في اغلبها وفضلا عن ذلك لم تخف الدراسة اسقاطاتها الذاتية والانطباعية في ملامستها ظواهر النصوص الشك