توطئة :
قيل :" إن الابداع هو النظر إلى الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة ".
ويقول بول فاليري إن الشعر ( لغة داخل لغة )
..إننا نعيش اليوم الثقافة الشعرية السائدة التي تعاني من مشكلات بنائية في اللغة
المتهالكة ألفاظاً وتراكيب وصياغة وأساليب وتخلو من جماليات الصورة الشعرية, , إنه
التكرار والتقليد عداشعراء يعدون على رؤوس الأصابع.والذي أحب أن أسلط عليه الضوء
هنا هو عنصر مهم من العناصر الأساسية التي يتكئ عليها الشاعر في بناءه ويميزه عن
غيره من أقرانه الشعراء ألا وهو " الانزياح في اللغة الشعرية " والذي نعتبره انزياحاً
يتعلق بالمعنى الأصلي للكلمة من حيث الدلالة المعروفة للجملة والمفردة ، فالألفاظ
موجودة كمواد أولية يتداولها الإنسان في أمور حياته المعيشية ،أما اللفظ في المشهد
الشعري فيختلف كثيراً من ناحية وضعه في انساق متسقة كمنظومة دلالية تتميز
بالاقتصاد والدقة في رسم الصورة المراد إيصالها ,في حقول دلالية جديدة بحيث يحيلنا
بتحويلاته لهذه الكلمات عن المعنى الأصلي لها إلا معنى يثيرنا ويثرينا,ويحدث ردة فعل
مفاجئة وغير متوقعة وهنا تبرز المتعة الحقيقية للمتلقي والقدرة الإبداعية للشاعر . ومن
هنا نقول أن الشاعر في النص الشعري " لا يدمر اللغة العادية إلا لكي يعيد بناءها على
مستوى أعلى، فعقب فك البنية الذي يقوم به الشكل البلاغي تحدث عملية إعادة بنية
أخرى في نظام جديد (صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، ص 58.) ,ومن الأدوات
التي تساعد في إعطاء التركيب الشعري بعدا جماليا وصدقا حسيا المحسنات المعنوية
واللفظية والتقديم والتأخير والتكرار و التنسيق و الحذف والاعتراض فنجد النص يتكئ
على لغة وصورة وإيقاع ومن هذه العناصر يختلف الشعراء في تشظي اللغة ورسم
الصورة وإحداث الإيقاع وأن اتفقوا في الأخير يجب الخروج وعدم التوافق في العنصرين
السابقين و التي منهما نحدد طريقة ومنهاج كل شاعر في بنائه للمنجز الشعري فاللغة
الشعرية التي يقول فيها كولوريدج " إنها أعظم عنصر في بنائية القصيدة في الآداب
جميعها، ففي أرضها تتجلى عبقرية الأداء الشعري . "
وذلك لا يتحقق إلا باستغلال اللغة الاستغلال الأمثل والاستعمال الأكمل لأن اللغة
الشعرية تمتاز بالترميز و الإيحاء والإشارة و الاقتصاد وتبتعد عن الوضوح والمباشرة
ونستشف ذلك من قول أدونيس " فالكلمة في الشعر ليست مجموعة متآلفة من
الأصوات تدل اصطلاحا على واقع أو شيء ما , وإنما هي صورة صوتية وحدسية "
ونستطيع أن نصل إلى مفهوم الانزياح من خلال هذه الرؤية " استعمال المبدع اللغة
– مفردات ٍوتراكيب وصوراًَ – استعمالا يخرج بها عمّا هو معتاد ومألوف بحيث يحقق المبدع
ما ينبغي لهُ أن يتصف به من تفرد وإبداع وجذب " عصام قصبجي , أحمد ويس ( وظيفة
الانزياح في منظور الدراسات الأسلوبية ) ويقصد به نور الدين السد " انحراف الكلام عن
نسقه المألوف وهو حدث لغوي يظهر في تشكيل الكلام وصياغته " ومن هنا نتعرف
بشكل أقرب على الانزياح، وهو المنهاج الوحيد الذي يجب ان يرتكبه كل شاعر للخروج
من الدائرة المغلقة والنمطية المستهلكة ، ونمر مروراً سريعاً على أنواع الانزياح من
كتاب اللغة الشعرية لـلناقد جان كوهن الذي يرى أن " الشعر يتشكل بالانزياح المستمر
عن اللغة الشائعة " وينقسم الانزياح لثلاث أقسام
الانزياح الإسناديّ , و الانزياح الدّلاليّ , و الانزياح التركيبيّ .
أما القسم الأول الانزياح الإسنادي : الإسناد الاسمي و الإسناد الفعلي
أما القسم الثاني الانزياح الدلالي حيث الإضافة والنعت الذي يرى فيه كوهن أن الدلالة "
مجموع التّاليفات المتحققة لكلمة ما " أما القسم الثالث هو الانزياح التركيبي فيندرج
تحته نمط التقديم والتأخير والحذف والالتفات والتحول الأسلوبي . أما التقديم والتأخير
فقد أفرد له عبد القادر الجرجاني فصلا في مؤلفه " دلائل الإعجاز " حيث يقول في ذلك "
ولا تزال ترى شعراَ يروقك مسمعه؛ ويلطف لديك موقعهُ ، ثم تنظر فتجد سبب أن راقك
ولطف عندك أنّ قدّم فيه شيء وحّول اللفظ من مكان ٍ إلى مكان " أما الحذف كما عبر
عنه الجرجاني بقوله : " فإنك ترى به ترك الذكر ، أفصح من الذكر ، والصمت عن الإفادة ،
أزيد للإفادة ، وتجدك أنطق ما تكون إذ لم تنطق ، وأتم ما تكون بينا ً إذا لم تبين " ،أما
الالتفات : كما وضحه ابن المعتز في كتابه البديع هو " انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى
الإخبار وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك " وهذا يحدث في تحويل صيغة
الخطاب في المشهد الشعري من الغائب إلى المخاطب أو المتكلم ومن المخاطب إلى
المتكلم أو الغائب ، ومن المتكلم إلى الغائب أو المخاطب .أما التحول الأسلوبي يهدف
إلى إحداث تأثير فني في ذهن المتلقي عند استقباله للنص والانغماس فيه حيث يتحول
من الإنشاء إلى الخبر ثم يعود من جديد للإنشاء أو يتحول من القصيدة العمودية للتفعيلة
أو العكس . ومن هنا نتوصل إلى ما يسمى " بانحراف لغة الشعر " وهو النظام الذي
نفرق بها عن نظام اللغة العادي المألوف أو الدارج على الألسنة والمتعارف عليه في
الإيضاح والإفصاح عن احتياجات الحياة المعيشية اليومية وهذا هو الذي يقع به كثيرٌ من
شعرائنا اليوم من نصوص تكاد تندرج عمى نسميه " سواليف " ،وبالرغم من هذا فأنه
يجب التحذير من عدم المبالغة في إحداث الانحراف الشعري لإنتاج الدلالات ,مما يسقطه
في وحل الغموض , ونرجع في ذلك إلى رأي رجاء عيد في كتابه البحث الأسلوبي
حيث يقول : " إذ ليس كل ما يدخل في باب الانزياح عن القواعد محققا قيمة فنية ، فاللغة
في أصولها ومكونتها الأساسية تمثل المستند الذي يتكئ عليه المبدع أو الناطق بتلك
اللغة ، فإذا ما انحرف عن أصولها لابد أن يحسب حسابه لكي لا ينقض ذلك الأساس " .
جريدة شمس "شطحات فهد عافت 13/5/1428هـ "
تحذير : هذا العمل يخضع لقانون الحماية الفكرية ونحذر من نشر أي نص لكتابنا دون نسبه لصاحبه في أي وسيلة إعلامية .
توقيع : إبراهيم الشتوي
a_alshtwi@hotmail.com
قيل :" إن الابداع هو النظر إلى الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة ".
ويقول بول فاليري إن الشعر ( لغة داخل لغة )
..إننا نعيش اليوم الثقافة الشعرية السائدة التي تعاني من مشكلات بنائية في اللغة
المتهالكة ألفاظاً وتراكيب وصياغة وأساليب وتخلو من جماليات الصورة الشعرية, , إنه
التكرار والتقليد عداشعراء يعدون على رؤوس الأصابع.والذي أحب أن أسلط عليه الضوء
هنا هو عنصر مهم من العناصر الأساسية التي يتكئ عليها الشاعر في بناءه ويميزه عن
غيره من أقرانه الشعراء ألا وهو " الانزياح في اللغة الشعرية " والذي نعتبره انزياحاً
يتعلق بالمعنى الأصلي للكلمة من حيث الدلالة المعروفة للجملة والمفردة ، فالألفاظ
موجودة كمواد أولية يتداولها الإنسان في أمور حياته المعيشية ،أما اللفظ في المشهد
الشعري فيختلف كثيراً من ناحية وضعه في انساق متسقة كمنظومة دلالية تتميز
بالاقتصاد والدقة في رسم الصورة المراد إيصالها ,في حقول دلالية جديدة بحيث يحيلنا
بتحويلاته لهذه الكلمات عن المعنى الأصلي لها إلا معنى يثيرنا ويثرينا,ويحدث ردة فعل
مفاجئة وغير متوقعة وهنا تبرز المتعة الحقيقية للمتلقي والقدرة الإبداعية للشاعر . ومن
هنا نقول أن الشاعر في النص الشعري " لا يدمر اللغة العادية إلا لكي يعيد بناءها على
مستوى أعلى، فعقب فك البنية الذي يقوم به الشكل البلاغي تحدث عملية إعادة بنية
أخرى في نظام جديد (صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، ص 58.) ,ومن الأدوات
التي تساعد في إعطاء التركيب الشعري بعدا جماليا وصدقا حسيا المحسنات المعنوية
واللفظية والتقديم والتأخير والتكرار و التنسيق و الحذف والاعتراض فنجد النص يتكئ
على لغة وصورة وإيقاع ومن هذه العناصر يختلف الشعراء في تشظي اللغة ورسم
الصورة وإحداث الإيقاع وأن اتفقوا في الأخير يجب الخروج وعدم التوافق في العنصرين
السابقين و التي منهما نحدد طريقة ومنهاج كل شاعر في بنائه للمنجز الشعري فاللغة
الشعرية التي يقول فيها كولوريدج " إنها أعظم عنصر في بنائية القصيدة في الآداب
جميعها، ففي أرضها تتجلى عبقرية الأداء الشعري . "
وذلك لا يتحقق إلا باستغلال اللغة الاستغلال الأمثل والاستعمال الأكمل لأن اللغة
الشعرية تمتاز بالترميز و الإيحاء والإشارة و الاقتصاد وتبتعد عن الوضوح والمباشرة
ونستشف ذلك من قول أدونيس " فالكلمة في الشعر ليست مجموعة متآلفة من
الأصوات تدل اصطلاحا على واقع أو شيء ما , وإنما هي صورة صوتية وحدسية "
ونستطيع أن نصل إلى مفهوم الانزياح من خلال هذه الرؤية " استعمال المبدع اللغة
– مفردات ٍوتراكيب وصوراًَ – استعمالا يخرج بها عمّا هو معتاد ومألوف بحيث يحقق المبدع
ما ينبغي لهُ أن يتصف به من تفرد وإبداع وجذب " عصام قصبجي , أحمد ويس ( وظيفة
الانزياح في منظور الدراسات الأسلوبية ) ويقصد به نور الدين السد " انحراف الكلام عن
نسقه المألوف وهو حدث لغوي يظهر في تشكيل الكلام وصياغته " ومن هنا نتعرف
بشكل أقرب على الانزياح، وهو المنهاج الوحيد الذي يجب ان يرتكبه كل شاعر للخروج
من الدائرة المغلقة والنمطية المستهلكة ، ونمر مروراً سريعاً على أنواع الانزياح من
كتاب اللغة الشعرية لـلناقد جان كوهن الذي يرى أن " الشعر يتشكل بالانزياح المستمر
عن اللغة الشائعة " وينقسم الانزياح لثلاث أقسام
الانزياح الإسناديّ , و الانزياح الدّلاليّ , و الانزياح التركيبيّ .
أما القسم الأول الانزياح الإسنادي : الإسناد الاسمي و الإسناد الفعلي
أما القسم الثاني الانزياح الدلالي حيث الإضافة والنعت الذي يرى فيه كوهن أن الدلالة "
مجموع التّاليفات المتحققة لكلمة ما " أما القسم الثالث هو الانزياح التركيبي فيندرج
تحته نمط التقديم والتأخير والحذف والالتفات والتحول الأسلوبي . أما التقديم والتأخير
فقد أفرد له عبد القادر الجرجاني فصلا في مؤلفه " دلائل الإعجاز " حيث يقول في ذلك "
ولا تزال ترى شعراَ يروقك مسمعه؛ ويلطف لديك موقعهُ ، ثم تنظر فتجد سبب أن راقك
ولطف عندك أنّ قدّم فيه شيء وحّول اللفظ من مكان ٍ إلى مكان " أما الحذف كما عبر
عنه الجرجاني بقوله : " فإنك ترى به ترك الذكر ، أفصح من الذكر ، والصمت عن الإفادة ،
أزيد للإفادة ، وتجدك أنطق ما تكون إذ لم تنطق ، وأتم ما تكون بينا ً إذا لم تبين " ،أما
الالتفات : كما وضحه ابن المعتز في كتابه البديع هو " انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى
الإخبار وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك " وهذا يحدث في تحويل صيغة
الخطاب في المشهد الشعري من الغائب إلى المخاطب أو المتكلم ومن المخاطب إلى
المتكلم أو الغائب ، ومن المتكلم إلى الغائب أو المخاطب .أما التحول الأسلوبي يهدف
إلى إحداث تأثير فني في ذهن المتلقي عند استقباله للنص والانغماس فيه حيث يتحول
من الإنشاء إلى الخبر ثم يعود من جديد للإنشاء أو يتحول من القصيدة العمودية للتفعيلة
أو العكس . ومن هنا نتوصل إلى ما يسمى " بانحراف لغة الشعر " وهو النظام الذي
نفرق بها عن نظام اللغة العادي المألوف أو الدارج على الألسنة والمتعارف عليه في
الإيضاح والإفصاح عن احتياجات الحياة المعيشية اليومية وهذا هو الذي يقع به كثيرٌ من
شعرائنا اليوم من نصوص تكاد تندرج عمى نسميه " سواليف " ،وبالرغم من هذا فأنه
يجب التحذير من عدم المبالغة في إحداث الانحراف الشعري لإنتاج الدلالات ,مما يسقطه
في وحل الغموض , ونرجع في ذلك إلى رأي رجاء عيد في كتابه البحث الأسلوبي
حيث يقول : " إذ ليس كل ما يدخل في باب الانزياح عن القواعد محققا قيمة فنية ، فاللغة
في أصولها ومكونتها الأساسية تمثل المستند الذي يتكئ عليه المبدع أو الناطق بتلك
اللغة ، فإذا ما انحرف عن أصولها لابد أن يحسب حسابه لكي لا ينقض ذلك الأساس " .
جريدة شمس "شطحات فهد عافت 13/5/1428هـ "
تحذير : هذا العمل يخضع لقانون الحماية الفكرية ونحذر من نشر أي نص لكتابنا دون نسبه لصاحبه في أي وسيلة إعلامية .
توقيع : إبراهيم الشتوي
a_alshtwi@hotmail.com