" عابر سرير "
للجزائرية أحلام مستغانمي: هل هي فيلم جنسي؟
د. عادل الأسطة
" عابر سرير " (2003) للروائية أحلام مستغانمي هي
الجزء الثالث من مشروعها الروائي الذي كان جزؤه الأول هو رواية " ذاكرة الجسد
"(1993) وجزؤه الثاني هو " فوضى الحواس "(1998). وغدت الكاتبة من
خلال هذه الأجزاء أديبة معروفة على مستوى الوطن العربي وأكثر، وقد حظيت عام 1998
على جائزة نجيب محفوظ للرواية، وترجمت أعمالها إلى العديد من اللغات العالمية.
وتواصل الكاتبة في روايتها الجديدة لعبها الروائي الذي بدا
واضحاً في الجزءين الأول والثاني، هذا اللعب الذي، ربما، سبب لها مشاكل كثيرة
أبرزها ادعاء بعض الأدباء بأن الشاعر سعدي يوسف هو الذي كتب لها ذاكرة الجسد. ففي
هذه، خلافاً لفوضى الحواس، نصغي إلى صوت رجل يخاطب امرأة، ويبدو هذا هو المؤلف
للرواية. إنه، حسب مصطلحات نقد الرواية، المؤلف الضمني، فيما أحلام مستغانمي هي
المؤلف الحقيقي/ علماً بأن المرسل إليه - أي المخاطَب ( بفتح العين ) - هو امرأة
تكتب الرواية ولها رواية منجزة. هذا ما يقول المتن الروائي. وتغدو هذه المرأة، في
" فوضى الحواس "، هي المرسلة. إنها الراوية التي تروي عبر الضمير الأول/أنا
المتكلم. لقد تحولت من مروي عليه، في الجزء الأول، إلى راوية في الجزء الثاني،
وواصلت الإشـارة إلى أنها كاتبة قصة ورواية. وتعود الكاتبة في " عابر سرير
" إلى أسـلوبها في الجزء الأول، حيث تلجأ إلى أسلوب المخاطِب (بكسر العين)
المخاطَب (بفتح العين)، وتنوع، كما في الجزء الأول في الأسلوب. كان الرسام خالد بن
طوبال هو الذي يروي في الجزء الأول، وكانت حياة / أحلام هي المخاطبة / المرسـل
إليه الرئيس. وغدا الصحفي خالد بن طوبال - انتحل الصحفي اسم الرسام ليذيل مقالاته
باسمه - هو المرسل، وحياة / أحلام نفسها هي المرسل إليه الرئيس / المخاطب الرئيس.
وثمة ما هو مشترك بين الرسام والصحفي ذكرته حياة / أحلام في " فوضى الحواس
" حين قالت:
" أتذكر أنني لم أره يوماً يستعمل معي إلا يده اليمنى.
يذهلني هذا الاكتشاف المتأخر والذي يعيدني إلى ذلك البطل في روايتي ".(ص269)
و:
" أن تذهب إلى موعد حب، وإذا بك مع شخص خارج تواً من
كتابك، يحمل الاسم نفسه، والتشويه الجسدي، نفسه لأحد أبطالك، وأن تبقى برغم ذلك
على اشتهائك نفسه له، لا بد أن يترك في نفسك كثيراً من فوضى المشاعر ... وفوضى
الأسئلة، خاصة عندما ترى اسمه، كما اخترعته أنت، وأجهدت نفسك للعثور عليه، قد غادر
كتابك، وأصبح مكتوباً، أسفل مقال صحافي على جريدة ....
ما يدهشني هو كون هذا الرجل يواصل معي قصة بدأت في رواية
سابقة، وكأنه يعيد إصدارها في طبعة واقعية. من نسخة واحدة ".(ص272/273)
وما هو مشترك بين بطلي الجزء الأول والثالث، عدا أن كليهما يحب
حياة / أحلام الكاتبة الضمنية / رمز المدينة قسنطينة / ورمز الجزائر التي تتزوج من
جنرال / حيث يحكمها العسكر، ما هو مشترك بينهما أن الأول شارك في حرب التحرير
وبترت ذراعه، وغادر إلى فرنسا ليقيم فيها، وأن الثاني الذي عاش في عهد الاستقلال
غدا صحافياً وأعطبت ذراعه بسبب مقالاته التي ينشرها. وقد انتحل هذا الثاني اسم
الأول بعد أن قرأ قصة الأول في الرواية.
كلاهما خالد بن طوبال. وخالد بن طوبال أيضاً هو بطل قصة لمالك
حداد، تشير إليها الروائية، وتوضح المصير المزعج لها، لكأنها تريد من خلال ذلك أن
تكتب عن الجزائر التي تقتل أبناءها. أحب الرسام حياة، ولكنها تزوجت من ضابط، وهربت
وريدة، في نص مالك حداد، مع ضابط فرنسي متخلية عن زوجها خالد الذي قاوم من أجلها،
فمات منتحراً.
ويكون بينهما ما هو أكثر من ذلك. يزور الصحفي خالد باريس
ليستلم جائزة على صورة كان التقطها لكلب، وهناك يزور معرضاً لخالد بن طوبال الذي
يمنحه الاسم زيان، ويكون زيان في المشفى. وفي المعرض يتعرف على الفرنسية فرانسواز
التي يقيم لديها الرسام، حيث يستأجر غرفة في منزلها. ويكون أيضاً أن يرغب الصحفي
في التعرف إلى الرسام، ويتم له هذا، وما يتم له أيضاً أن الفرنسية فرانسواز ترحب
به ليقيم في غرفة خالد/زيان، وعلى سريره يقيم، ويقيم أيضاً على سريره علاقة غرامية
مع حياة التي تزور باريس مع أمها، لكي تلتقيا بناصر أخيها، حيث هرب هذا إلى
ألمانيا خوفاً من ملاحقة السلطة له بتهمة الإرهاب، إذ أنه غدا مسلماً متطرفاً.
ويموت الرسام، ويستلم الصحفي، الذي ذهب لاستلام جائزة، جثمانه ويعود به إلى
الجزائر التي كان ناضل من أجلها.
دلالة العنوان:
أشير ابتداءً إلى أن روايات أحلام مستغانمي مقروءة جيداً في
الوطن العربي، ولقد طبعت " ذاكرة الجسد " حتى اللحظة ست عشرة طبعة. ومع
أن الروائية هي التي نشرت جزءها الثالث عن منشورات أحلام مستغانمي، خلافاً للجزئين
الأول والثاني حيث صدرا عن دار الآداب، إلا أن ناشري الأرض المحتلة لم يأخذوا بما
ورد في الصفحات الداخلية: " جميع الحقوق محفوظة. لا يسمح بإعادة إصدار هذا
الكتاب أو أي جزء منه أو تخزينه في نطاق استعادة المعلومات أو نقله بأي شكل من
الأشكال، دون إذن خطي مسبق من الناشر ". وهكذا صدرت غير طبعة من الرواية.
والذي يدفعني هنا إلى مسـاءلة العنوان والوقوف أمامه ليس
دافعاً ذاتياً، أو رغبة في قراءة النص قراءة سيميائية كما أفعل أحياناً. ما يدفعني
إلى ذلك حوار جرى بيني وبين بعض أصدقائي الذين نقلوا لي رأي قارئ في الرواية، وهو
إن الرواية فيلم جنسي. وهي ليست كذلك وإن كان العنوان ولوحة الغلاف يوحيان بأن
الجنس هو موضوع الرواية. فالعنوان هو عابر سرير، لا عابر سبيل - وكانت الروائية
صدرت روايتها بقول لاميل زولا هو: " عابرة سبيل هي الحقيقة ...
ولا شيء يستطيع أن يعترض سبيلها " -
وهناك،
في العربية، قصص وروايات كان عنوانها " عابر سبيل " أو عابرو سبيل
"، والانزياح هنا هو في كلمة سبيل التي غدت عابر سرير، وقد تصدر صفحة الغلاف
سرير لشخصين، وهذا قد يمنح الرواية دلالة ما، دلالة أن موضوعها هو الحب. ولطالما
تكررت كلمة سرير في الجزء الثاني من الرواية. من ذلك مثلاً ما يرد في ص97 من
" فوضى الحواس " حين تتحدث عن زوجها الضابط وعلاقتها به وحياتهما في
السرير وماذا يعني السرير لها وله:
" دوماً كان ضابطاً يحب الانتصارات السريعة حتى في سريره
وكنت أنثى تحب الهزائم الجميلة، والغارات العشقية التي لا تسبقها صفارات إنذار ..
ولا تليها سيارات إسعاف، وتبقى إثرها جثث العشاق أرضاً ".
" في النهاية، الرجال الذين خلقوا لكرسيّ، لم يخلقوا
بالضرورة لسرير، والذين يبهروننا بثيابهم ليسوا الذين يبهروننا بدونها
".
وتتكرر كلمة سرير وعابر سرير في الجزء الثالث تكراراً لافتاً.
تتكرر في صفحات ويكون تكرارها ذا دلالة، وهذه الصفحات هي 223-227/ 231/ 243/ 249/
284.
والسرير هو سرير المشفى، والسرير هو السرير الذي ينام عليه
الكاتب الصحفي وحياة معاً. ويكون لقاؤهما عابراً. هي متزوجة من الضابط، وهو متزوج
من امرأة أخرى، ولا ينظران إلى المؤسسة الزوجية نظرة تقدير، وهكذا لا
يمانعان من اللقاء العابر.
يقول المخاطب / السارد / الصحفي في أثناء اللقاء:
" يوم ماكر يتربص بسعادة تتثاءب لم تغسل وجهها بعد. سرير
غير مرتب لليلة حب لم تكن. عبور خاطف لرائحتها على مخدع امرأة أخرى "(ص226).
وحين يزور الصحفيُ خالداً الرسامَ في المشفى ثانية يتذكر ما
كان الرسامُ قاله له في أثناء الزيارة الأولى:
" قد لا تجدني في هذه الغرفة، قد أنقل إلى جناح آخر
" قبل أن يعلق مازحاً " أنا هنا عابر سرير "(ص231).
وربما لا يحضر الجنس في الرواية حضوراً بارزاً حتى نقول إنها
–أي الرواية- فيلم جنسي. حقاً إنه حاضر ولكن ليس لدرجة تجعل الرواية رواية جنسية
رخيصة. ومن يقرأ روايات الكاتبة الثلاثة سيلحظ أنها تحفل بأبعاد معرفية تثري
قارئها. ثمة أبعاد معرفية روائية، وأخرى تتعلق بفن الرسم، وثالثة بتاريخ الجزائر
الحديث منذ خمسينيات القرن العشرين، ورابعة بمعلومات عن الأدب الجزائري المعاصر من
مالك حداد حتى كاتب ياسين، وخامسة عن تضافر البعد الوطني بالبعد القومي، وسادسة عن
حياة المنفى وباريس. وسيجد القارئ نفسه مثقلاً بكم هائل من النصوص الأدبية
العالمية التي توظفها الروائية أحياناً لخدمة مرماها.
ولعله يصدق أن نقول عن هذه الرواية ما قالته د. بثينة شعبان في
كتابها " 100 عام من الرواية النسائية العربية "(1999) عن رواية "
ذاكرة الجسد ":
" في أمور اللغة والاستشهاد والاستقلال والإخلاص والأمانة
المتعلقة بالبلاد، تستغرق المؤلفة في إعادة تقييم شاملة تتساءل عن مواقف وقيم
موروثة قديمة تمر بلا سؤال من جيل إلى آخر. وهي بعملها هذا تعيد كتابة تاريخ
الثورة الجزائرية والعقود الثلاثة التالية للاستقلال، وتكتب من منظور مستقل دون أي
إلزام، ولا تريد كسب أي شيء سوى تصوير ما حدث بالقدر الممكن من الدقة والصدق،
لتنقل هذه المعرفة إلى الجيل الآتي دون تزييف أو مبالغات، وذاكرة الجسد هي ذاكرة
الذين دفعوا أرواحهم وأعضاءهم الجسدية من أجل استقلال الجزائر "(ص198).
حول الأسلوب:
الأسلوب الذي توظفه أحلام مستغانمي في ثلاثيتها هو أسلوب متعدد
متنوع، ويغلب عليه في الجزئين الأول والثالث أسلوب الضمير الثاني، فيما يُصاغ
الجزء الثاني عبر الضمير الأول. وأسلوب الضمير الثاني: الأنا / أنت لم يستخدم في
الرواية بكثرة. وقد توقف أمامه عبد المالك مرتاض في كتابه " في نظرية
الرواية: بحث في تقنيات السرد "(1998) وعالجه في صفحات عديدة
(ص189-197)، وأشار إلى أنه لا يشكل شيئاً لافتاً ومدهشاً، كما يذهب الفرنسيون حين
يزعمون أنه من ابتكارهم، وإلى أنه يشكل شيئاً لافتاً. وقد أتى مرتاض على رأي
الدارسة (فرانسـواز غيون ) التي ذهبت إلى أن بلزاك هو أول من استخدمه في
رواية " الزنبقة في الوادي "، وعلى ما يزعمه الروائي الفرنسي (
ميشال بيطور )، حيث يرى أنه وظفه
بطريقة منهجية، في روايته " العدول " أو التحوير ".
ويذهب مرتاض إلى أن العرب وظفوا هذا الأسلوب في " ألف
ليلة وليلة "، ويخلص إلى أنه الأقل وروداً أولاً، ثم على رأي الفرنسيين
الأحدث نشأة آخراً، وأنه " ليس معجزة سردية، وإنما هو مجرد ضمير بسيط كبقية
الضمائر، يؤدي وظيفة تبليغية عادية "(ص195)، ويرى مرتاض، خلافاً لمنظرين كثر
حول الأسلوب في الرواية، حيث يرى أن الأمر ليس لعبة شكلية، يرى مرتاض أن هذا
الأسلوب يشكل شيئاً فقط من باب إيثار الجديد ومن باب التطلع إلى الترحيب بالاجتهاد
والخروج عن المألوف في صورته الأرقى.(ص196)، ولكن –والكلام لمرتاض- المراوحة بين
الضمائر الثلاثة لدى السرد الروائي مسألة جمالية، لا دلالية، وشكلية لا جوهرية،
واختيارية لا إجبارية "(ص197).
غير أن دارسين آخرين لا يذهبون مذهب مرتاض. ولو كانت القضية
قضية شكلية لما أولاها الدارسون هذه العناية اللافتة.
وعموماً فإن أسلوب المرسِل / المرسَل إليه أو المخاطِب
المخاطَب معروف في النصوص النثرية. معروف في القرآن، ومعروف في الرسائل التي
تغلب عليها هذه الصيغة. دائماً كان هناك، في الرسائل طرفان؛ كاتب ومكتوب إليه.
من-إلى. وكان هذا الأسلوب برز في الرواية العالمية ( آلام فرتر لغوتة ) و (
الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل لإميل حبيبي )، وربما وجب
علينا هنا أن نميز، داخل النص الروائي، بين كاتب رسائل ومتكلم، لأن الذي يكتب غير
الذي يتكلم. ولربما يجب علينا، ونحن نقرأ روايات صيغت بهذا الأسلوب، أن ننظر في
المرسِل والمرسَل / المخاطِب والمخاطَب، وهكذا نستطيع أن نميز بين نص روائي وآخر.
والسؤال هو: هل أفادت أحلام مستغانمي، وهي تكتب
روايتها، من الأدب الفرنسي، حيث درست الدكتوراة في باريس، أم أنها أفادت من الأدب
العربي، أم أنها ابتكرت هذا الأسلوب وحدها؟
في الجزء الأول من الرواية –أعني في ذاكرة الجسد- إشارات عديدة
إلى أن خالد بن طوبال كتب رسائل قبل أن يكتب الكتاب. في ص11 نقرأ:
" كان يمكن أن أقول أي شيء …
ففي النهاية، ليست الروايات سوى رسائل وبطاقات، نكتبها خارج
المناسبات المعلنة .. لنعلن نشرتنا النفسية، لمن يهمهم أمرنا ".
وفي ص218 من الكتاب نفسه نقرأ:
" كم من الرسائل كتبت لك .. هل يمكن لكاتبة أن تقاوم
الكلمات "
و
" تراني بدأت يومها أكتب كتابي هذا دون أن أدري، بعد أن
أنتقل عشقي لك إلى هذه اللغة التي كنت أكتب بها رسائل لأول مرة …. ".
إنه يكتب لحياة ويبوح لها كما راح ( بول ايلوار ) يكتب للمرأة
التي أحبها أجمل الرسائل وأجمل الأشعار. (ص 219 )
وإذا كان الأسلوب هو أسلوب رسائل، فلا جديد فيما تكتبه أحلام
مستغانمي من حيث الأسـلوب. ولكنني أظن أن هذه الرواية، وروايات أخرى مثل رواياتي،
ورواية إلياس خوري " باب الشمس "(1998) ورواية يوسف العيلة " غزل
الذاكرة "(2000) ستشكل نصوصاً مهمة لدراسة الأسلوب في الرواية العربية، حين
يدرس ضمير المخاطب في الرواية، أو الضمير الثاني. وبغض النظر عن هذه القضية، فإن
المرء وهو يقرأ " ذاكرة الجسد " و عابر سرير " يجد نفسه يقرأ ما
كتبه نزار قباني حول الجزء الأول:
" روايتها دوختني، وأنا نادراً ما أدوخ أمام رواية من
الروايات. وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق فهو مجنون،
ومتوتر،واقتحامي، ومتوحش وإنساني، وشهواني … وخارج على القانون مثلي. ولو أن أحداً
طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشجر … لما
ترددت لحظة واحدة … "( عن الغلاف ).
الكاتب الضمني وتقمص شخصية الرجل:
ثمة في الرواية إشارات إلى كاتبة روائية، وثمة أيضاً ما يشير
إلى أن المخاطِب / المرسِل، هو كاتب أيضاً. وقد يقوم المرء، بعد أن يطلع على حياة
المؤلفة، بإجراء مقارنة بين المؤلفة والمؤلفة الضمنية. ويمدنا الجزءان
الثاني والثالث بإحالات كثيرة إلى " ذاكرة الجسـد " بل ثمة تناص واضح
جداً ما بين أجزاء الرواية، وهو ما يسميه النقاد التناص الداخلي، وهناك في المقابل
تناص خارجي مع روايات عربية وأخرى غير عربية.
وربما يتذكر المرء، وهـو يقـرأ الروايات الثلاثة، رواية نجيب
محفوظ " ثرثرة فوق النيل "، ومشروع الصحفية سمارة بهجت التي ترغب في أن
تكتب مسرحية عن شخوص الرواية، بل وربما يتذكر أيضاً جبرا إبراهيم جبرا ورواية
" يوميات سراب عفان ". هنا ثمة تلاعب روائي واضح. ثمة نص يعتمد على نص
أو نصوص للمؤلف.
الصحفي خالد ين طوبال في الجزء الثالث " عابر سـرير
" يأتي على ذكر روايتيها " فوضى الحواس " و " ذاكرة الجسد
" ويشير إلى أسلوبها في الكتابة:
" وهي التي كالأنظمة العربية، تحترف توثيق
جرائمها،واستنطاق ضحاياها في كتاب. كيف لها ألا تجعلني مفضوحاً بالنسبة إليه، بقدر
ما كان هو في " ذاكرة الجسد "، وإذا بواحدنا يعرف عن الآخر كل شيء،
جاهلاً فقط علم الآخر بذلك "(ص246).
ولربما يسأل المرء نفسه: لماذا لجأت أحلام مستغانمي إلى راو؟
لماذا تركت الرجل يخاطب المرأة ولم تجعل امرأة تخاطب رجلاً؟ [ كان يخطر ببالي وأنا
أقرأ الرواية الكتابة عن أسباب اتهامها بأنها لم تكتب روايتها ]. ويبدو أنها تسللت
إلى نفسية الرجل وكتبت عنها بجرأة أكثر مما يكتب عن ذاته. ولربما يتوقف المرء أمام
الصفحات 86-89 ليلحظ أنها تكتب كلاماً قد لا يكتبه كاتب ذكر، وهي بذلك مثل نوال
السعداوي وغادة السمان في بعض كتابتهما، وربما يتذكر قارئ رواية الحرب اللبنانية
رواية نجوى بركات " يا سلام "(1999)، وحين يقارن المرء ما ورد في
" عابر سرير " و " يا سلام " بما ورد في " يالو
"(2002) لإلياس خوري يلحظ أن نص المرأة العربية يمتلك جرأة كبيرة أيضاً
في الخوض في تابو " الجنس ".
الكاتبـة الروائية داخل الرواية، كما يصفها البطـل الروائي
" امرأة لها علاقة بالتقمص. تتقمص نســاءً من أقصى العفة إلى أقصى الفســق،
مـن أقصى البـراءة إلى أقصى الإجرام "(ص189) غير أن ما هو مذهل أكثر هو
تقمصها الرجال والكتابة عنهم.
*************
في " ذاكرة الجسد " قال الرسام خالد بن طوبال عن
إحدى لوحاته:
" وهذه اللوحة لا تعني شيئاً بالنسبة لي. إنها امرأة
عابرة، في مدينة عابرة "(ص165).
والسؤال هو: هل كانت أحلام مستغانمي تخطط لكتابة " سرير
عابر " وهي تكتب " ذاكرة الجسد "؟ وأياً كانت الإجابة فنحن أمام
رواية ممتعة وروائية تمتلك لغتها، وتبدو مولعة بالتجريب واللعب الروائي. وإن
كان من ملاحظة أخيرة فهي: حبذا لو راجعت الروائية نصها الأخير قبل طباعته، فهو لا
يخلو من أخطاء مطبعية ونحوية، ويبدو أن هذا هو مأساتنا جميعاً، إذ قلما يخلو كتاب
من كتبنا من هذا أو بعضه.
د. عادل الأسطة
14/7/2003