حلب
حسن أسعد
على هامش المؤتمر كانت لنا اللقاءات التالية :
د . ليلى رضوان ( جمالية الانزياح ـ قراءة في شعر الرثاء عند المعري)
درست المحاضرة في بحثها هذا فن الرثاء عند المعري من خلال داليته التي رثى فيها الفقيه أبي حمزة
والتي تعد انموذجاً لقصائد الرثاء لديه ومن خلال هذه الدراسة أكدت الدكتورة ليلى فكرتين أساسيتين عند المعري أولهما : خروجه عن الأنساق المؤلفة التي تعد انموذجاً لقصائد الرثاء على صعيد الدلالة وعلى صعيد الصياغة الشعرية عموماً وعلى مستوى استخدام اللغة استخداماً خاصاً ، جعل القصيدة تسبح باتجاه واحد هو السكون والعدم والثبات الدال على حال من التأمل .
وثانيهما : سيترتب على الأول وهو تحول وظيفة الشعر عما كانت عليه ، فغدا الشعر لعبة معرفية تستحضر المشاعر وعلاقاتها الخبيئة إلى حال الوعي وبينت المحاضرة أن ماكتب عن المعري لايخرج عن هاتين الفكرتين ، فالخروج عن العرف العام في الرثاء من الندب والتأبين والدعوة إلى التبصر والتأمل في مسائل الكون والمصير ينبني عن وظيفة تخرج عن مفهوم الشعرية التقليدية التي تحرص على لذة جمالية قوامها إرضاء الحس الجمالي الذي اسهمت فيه عصور طويلة رسمت سنته الثقافية على شعرية تقرن الجمالي بالوظيفة المعرفية ، وغدا في ضوء هاتين الفكرتين شاعراً وفيلسوفاً وأديباً ، واختلفت فيه كثيراً وترك الناس في حيرة من أمره أكثر من حيرته هو وشكه .
وأضافت أن المعري حول الفكرة المجردة إلى فن امتزج فيه المعرفي بالفني وهذا ما أضاف على الشعر مفهوم الدلالية والمقصدية الذي تمثله الدالية التي تجسد بعض خصائص قصيدة الرؤيا التي تظهر منذ مطلعها الذي يتداخل فيه الرمز الأسطوري مع التجريد الفلسفي .. وفي هذا الخروج عن المألوف قيمة كبرى تحقق الفرادة والتميز .
ـ د . عيسى العاكوب ... " مجالي الأدب المؤدب في الفصول والغايات"
أكد العاكوب بداية بحثه أن كتاب "الفصول والغايات" ليس من بين آثار ابي العلاء المشهورة فقط وإنما هو من غرائب كتبه ونوادرها وأشار إلى أن الصورة النمطية المرسومة خطأ لهذا الفيلسوف والشاعر هيأت لقبول فكرة الذين زعموا أن هذا الكتاب عارض به القرآن الكريم .
وبين المحاضر أن بحثه هذا هو بمثابة ورقة لبلورة موقف علمي مدروس إزاء القصد الأساسي الذي دفع بأبي العلاء إلى إملاء هذه الفصول على طلابه وهذا الإملاء محكوماً بقصد ثنائي تجلى على امتداد المادة العلمية الباقية من الكتاب ويتمثل ذلك في أنه أراد أن يعلم غريب اللغة العربية راقي أساليبها وقضايا تاريخها الأدبي والثقافي من خلال فصول أدبية عالية المستوى في مغمار الفصاحة والبلاغة حملها مدلولات تأملية إيمانية مستمدة من التقليد القرآني والحديثي ومؤسسة في المقام الأول على تمجيد الخالق العظيم سبحانه .
واختتم العاكوب محاضرته بالقول أن غاية أبي العلاء في الفصول والغايات تعليم طلبة العلم مستوى عاليا من العربية وثقافتها بمادة روحانية شفيفة قادرة على توسيع الفضاء المعرفي الإيماني وأضاف أن محصلة القول هنا أن حكيم المعرة يبدوها هنا محققاً لمقولة ندعو إليها منذ بعض الوقت وهي "الأدب المؤدب" الذي يرتقي بالإنسان في معارج الرقي الإنساني .
د. سمر الديوب .. " سيميائية التشاكل والتباين في الفصول والغايات .."
تحدثت الدكتورة ديوب بداية بحثها عن مصطلح التشاكل والتباين بأنه مفهوم لغوي حديث دخل إلى الخطاب النقدي بوصفه آلية استعارها النقاد عن زميل لهم استعارها من الحقول العلمية المصطلح هذا يعد وسيلة لفهم مقاصد المبدع الظاهرة والمضمرة .
وبينت المحاضرة أن : التشاكل يعني مجموعة أصناف دلالية متكررة تسمح بقراءة متجانسة للنص الأدبي ، أما التباين فيقوم على التأليف بين أطراف متناقضة ويرصد العلاقات المتنافرة أو المتناقضة التي تفضي إلى تحديد الدلالة السيميائية للمعنى كما بينت في بحثها أن التشاكل يحصل من تعدد الوحدات اللغوية فهو ينتج من التباين ، فلا يمكن الفصل بينهما وأوضحت أن كتاب "الفصول والغايات" مادة ملائمة لتطبيق هذا المصطلح ، إذ يقوم على تشاكل وتباين وعلاقات حضور وغياب كما يقوم السرد في هذا الكتاب على مبدأ الحافز وليس كلاماً فقط في المواعظ فالهندسة السردية تتشاكل من الهندسة الشعرية وتتباين معها ويبدو أن المعري قد تجاوز هذا الحافز ، ليكون مبدعاً متفرداً في هذا الكتاب ، فلا يشاكل هذا الكتاب نثر المعري ولايشاكل شعره ، لأنه كتاب فريد وبينت ديوب أن بحثها يهدف إلى دراسة التشاكل والتباين في هذا الكتاب ، على المستويات التالية :
أولاً : التشاكل والتباين على مستوى المعنى :
1ـ التشاكل والتباين في العتبة النصية وتدل على برنامج سردي يختصر سلفاً المغامرة الأدبية
2ـ التشاكل والتباين في المعنويات : مع الأفكار الواردة في مؤلفات المعري الأخرى ويظهر التشاكل في الثنائية الحادة في فكرة /الزهد ـ الفقر ـ الغنى ـ المرأة / كلها تخضع لعلاقات لتشاكل وتباين عنده .
3ـ تشاكل وتباين مع المعنى الشعري : حيث يتشاكل كل هذا الكتاب مع اللغة الشعرية التي تعد معرضاً للمبالغة في استخدام اللغة في اللزوميات شعراً وفي الفصول والغايات نثراً .
4ـ تشاكل وتباين ـ سرديان : لهذا الكتاب ليس نثراً خالصاً وليس شعراً فثمة تباين سردي ، ذلك لأن التقنية المستخدمة تناقض تقنية النثر السردي المعهود
ثانياً ـ التشاكل والتباين على مستوى التعبير
1ـ تشاكل وتباين ايقاعيان : حيث تماثل الموسيقا الداخلية في الجملة النثرية موسيقا الشعري وتتشاكل مع القصيدة .
2ـ تشاكل وتباين ـ صوتيان : حيث تدخل الأصوات في الفقرة في علاقة تشاكل وتباين فالتكرار وظيفة دلالية يفضل التشاكل الصوتي وفي الجناس تشاكل صوتي وتباين معنوي .
3ـ تشاكل وتباين ... دلاليان : حيث يتشاكل هذا الكتاب مع تقنية الانزياح وهي تقنية شعرية كما أن هناك استقطاباً دلالياً تصير به المعاني بؤرة دلالية متكررة في الفقرة فتتشاكل بداية الفقرة ونهايتها أو تتباين ، كما ينجم التشاكل الدلالي عن الترابط الأسلوبي بين الجمل والفقرات .
4ـ تشاكل وتباين .. بصريان: حيث عمد المعري إلى هندسة بصرية فيمكن تحويل هذا النثر إلى شعر مسقط أو مخمس إذا كتب وفق نظام معين ويمكن عد التشاكل مع الشعر البصري هدفاً غير مصرح به في هذا الكتاب .
واختتمت الدكتورة ديوب بحثها بالتأكيد أن هذا الكتاب نص فريد لم ينتج له شبيه في العربية ولم يؤسس لنوع نثري فنشأ وحيداً وبقي متفرداً متجرداً من هوية معروفة كما أراد له المعري .
د. عبد الكريم محمد حسين .. " تأويل النص الأدبي عند المعري" :
تحدث الحسين بداية محاضرته عن أسباب اختياره لهذا البحث والمصادر والمراجع التي اعتمد عليها في دراسته تلك بعد ذلك قسم بحثه إلى عدة محاور في المحور الأول تحدث عن :
ـ العنوان والرؤية :
ففي العنوان ثلاث مسائل الأولى : التأويل وعلاقته بالتفسير والشرح ومادته الأولى اللغة النظام ، والأسلوب والتراكيب والألفاظ المفردة والصور أو المشاهد ولغتها وتأويها .
والمسألة الثانية النص وأبعاده الخمسة (اللغة والمعنى والفكر والانفعال والجمال ومنهج بناء كل ماتقدم.
والمسألة الثالثة لغة أبي العلاء التي عبر بها عن فقه الحياة في شعره الصحيح غير المنحول عليه ولغته في تأويل النص بأنواعه المختلفة
ـ آراء الباحثين في تأويل أبي العلاء ولغته .
أشار المحاضر إلى أن هناك عدة آراء للباحثين في هذا المجال وذكر عنها قول الأستاذ خليل شرف الدين أن شاعرية أبي العلاء تميزت بخصائص شوهت بعضها آفة العصر : فسيفساء البلاغة الترصيعية والتعلق الشديد بلعبة المجانسة والازدواج والتلونيات الصوتية المختلفة والتباهي بالقدرة على نبش قبور الكلمات الميتة ، لا بقصد إحيائها ونفض غبار الموت عنها بل بقصد تحنيطها ونقل الرفاة من ضريح التاريخ إلى ضريح القالب التعبيري الأجوف
بعد ذلك تحدث المحاضر عن التأويل القرآني والحديث النبوي والنص من مأثورات العرب من خلال المعالجة بغية البحث عن محل اللغة في التأويل ، ومواضع الاختلاف في التناول أو الاتفاق
واختتم المحاضر أن الهدف من البحث اظهار النتائج الجديدة التي تبرز العام أو المشترك في مناهج التأويل عند المعري وإبراز الخاص بكل نص مما تقدم وإظهار طبيعة لغة المعري في مقاربة كل نوع من النصوص المقدمة والانتباه إلى عنصر اللغة في توجيه التأويل .
د. خليل الموسى .. "الأسئلة الوجودية والبطل التراجيدي في اللزومات"
قسم المحاضر بحثه إلى ثلاثة مقاطع رئيسية حمل الأول عنوان "ماقبل الكلام" وهو بمثابة عقبة الدخول إلى عالم أبي العلاء المعري واختلاف الآراء في شعره وفلسفته خاصة في اللزوميات وبين الباحث أن المعري شاعر مختلف عمن سبقه من شعراء العرب وخاصة في استخدام العقل منبراً وحيداً ومنهجاً صارماً للوصول إلى الحقيقة المطلقة وطرح الأسئلة الوجودية الكبرى .
أما المقطع الثاني فعنونه الموسى "الأسئلة الوجودية في اللزوميات" حيث عرض الشاعر في هذا الديوان مواقفه من المجتمع وأسرار الوجود حيث يتضمن الديوان رسالة إنسانية فريدة يسعى إلى إيصالها للقراء بواسطة النظم الصعب
وفيه استسلم المعري لسلطات العقل استسلاماً كلياً فقاده إلى الشك والتشاؤم والشقاء والعدمية مما زعزع الإيمان التقليدي في نفسه وزاد من ذلك الحاحه على المعرفة وتساؤله المستمر عن أسرار الكون والوجود .
أما المقطع الثالث فجاء بعنوان "البطل التراجيدي" وبين المحاضر أن العقل الذي اتخذه المعري هادياً واماماً استطاع أن يقوده إلى الاحساس التراجيدي القاتل حتى أنه كان على كتفيه أثقل من الصخرة العظيمة على كتفي سيزيف فتحولت حياته إلى جحيم خالص ولم يكن إزاءه من حل سوى الموت العدمي لمن جاء إلى هذا الجحيم وإنقاذ البشرية من مهزلة الحياة بإيقاف عجلة الإنجاب البشري .
د. حسين جمعة .. " الاغتراب في حياة المعري وأدبه"
أكد الدكتور جمعة في بحثه هذا أن كل من يتأمل في أدب المعري عامة وشعره خاصة يدرك أن علامة الاغتراب النفسية الاجتماعية هي جزء من اغترابه الثقافي والفلسفي والعقيدي العقلي ، إذا اقتضت فلسفته الفكرية أن تضعه في مواجهة الوسط الثقافي والديني الذي يحيط به ومن ثم كانت صور الاغتراب لديه أسلوباً ثائراً عبر فيه عن حالات تغيير الوضع الاجتماعي وفق منطق عقله ووفق الشروط الموضوعية التي ارتضاها والتي صارت مدار نزاع فلسفي فكري واجتماعي بينه وبين المجتمع .
وبين جمعة بأنه ليس هناك شك في أن اغتراب المعري حمل بعده الذاتي العاطفي فاتسم برومانسية عالية حين كان يسعى إلى تغيير الفرد والمجتمع على السواء مما اتصف بماهية التمرد من القيود القديمة
وأضاف أن المعري كان يثبت على الدوام أنه يكره الكذب والغش والنفاق والخداع وحين لم يستطع ذلك ينزلق إلى اغتراب نفسي داخلي مرضي عصابي .
لقد كانت غربة المعري غربة مركبة بخلاف غربة الثأر الذاتية عند أمرئ القيس /الثأر/ وبخلاف الغربة المكانية عند المتلمس وأبي فراس ، فغربة المعري بكل أنماطها واتجاهاتها جسدت صفاته وحياته وسلوكه ومعاناته وحالات الألم والأرق واتخذت ابعاداً واقعية ورمزية ونفسية واجتماعية لاسيما عبوس الزمان بوجهه .
وأوضح الدكتور جمعة أن شعر الاغتراب عند المعري شعر الألم الإنساني برمته شعر عدم الرضا بالبؤس والشقاء والجهل والفقر والاختلاف والتمزق والفساد والموبقات أي أن أدبه يمثل اغترابات شتى تتسم بروح السمو عن مصائبها لأنه يواجهها بكل مالديه من قدرة وإبداع وحس متمرد ويعبر عن نبضه الحر النقي لذا جاء اغترابه أبعد مايكون عن مبدأ التعويض الذي عرفه بشار بن برد أومن مبدأ الاستلاب والانكفاء على الرغم من أن مفهومه للاغتراب كان ينبثق من مشكاة فلسفته التشاؤمية ومشكاة مبدأ الزهد والتنسك .. أي أن مفهوم الاغتراب لايفارق منهج العقل مهما كان التنافر والتناقض بينه وبين مجتمعه .
E - mail: jamahir@thawra.com
حسن أسعد
على هامش المؤتمر كانت لنا اللقاءات التالية :
د . ليلى رضوان ( جمالية الانزياح ـ قراءة في شعر الرثاء عند المعري)
درست المحاضرة في بحثها هذا فن الرثاء عند المعري من خلال داليته التي رثى فيها الفقيه أبي حمزة
والتي تعد انموذجاً لقصائد الرثاء لديه ومن خلال هذه الدراسة أكدت الدكتورة ليلى فكرتين أساسيتين عند المعري أولهما : خروجه عن الأنساق المؤلفة التي تعد انموذجاً لقصائد الرثاء على صعيد الدلالة وعلى صعيد الصياغة الشعرية عموماً وعلى مستوى استخدام اللغة استخداماً خاصاً ، جعل القصيدة تسبح باتجاه واحد هو السكون والعدم والثبات الدال على حال من التأمل .
وثانيهما : سيترتب على الأول وهو تحول وظيفة الشعر عما كانت عليه ، فغدا الشعر لعبة معرفية تستحضر المشاعر وعلاقاتها الخبيئة إلى حال الوعي وبينت المحاضرة أن ماكتب عن المعري لايخرج عن هاتين الفكرتين ، فالخروج عن العرف العام في الرثاء من الندب والتأبين والدعوة إلى التبصر والتأمل في مسائل الكون والمصير ينبني عن وظيفة تخرج عن مفهوم الشعرية التقليدية التي تحرص على لذة جمالية قوامها إرضاء الحس الجمالي الذي اسهمت فيه عصور طويلة رسمت سنته الثقافية على شعرية تقرن الجمالي بالوظيفة المعرفية ، وغدا في ضوء هاتين الفكرتين شاعراً وفيلسوفاً وأديباً ، واختلفت فيه كثيراً وترك الناس في حيرة من أمره أكثر من حيرته هو وشكه .
وأضافت أن المعري حول الفكرة المجردة إلى فن امتزج فيه المعرفي بالفني وهذا ما أضاف على الشعر مفهوم الدلالية والمقصدية الذي تمثله الدالية التي تجسد بعض خصائص قصيدة الرؤيا التي تظهر منذ مطلعها الذي يتداخل فيه الرمز الأسطوري مع التجريد الفلسفي .. وفي هذا الخروج عن المألوف قيمة كبرى تحقق الفرادة والتميز .
ـ د . عيسى العاكوب ... " مجالي الأدب المؤدب في الفصول والغايات"
أكد العاكوب بداية بحثه أن كتاب "الفصول والغايات" ليس من بين آثار ابي العلاء المشهورة فقط وإنما هو من غرائب كتبه ونوادرها وأشار إلى أن الصورة النمطية المرسومة خطأ لهذا الفيلسوف والشاعر هيأت لقبول فكرة الذين زعموا أن هذا الكتاب عارض به القرآن الكريم .
وبين المحاضر أن بحثه هذا هو بمثابة ورقة لبلورة موقف علمي مدروس إزاء القصد الأساسي الذي دفع بأبي العلاء إلى إملاء هذه الفصول على طلابه وهذا الإملاء محكوماً بقصد ثنائي تجلى على امتداد المادة العلمية الباقية من الكتاب ويتمثل ذلك في أنه أراد أن يعلم غريب اللغة العربية راقي أساليبها وقضايا تاريخها الأدبي والثقافي من خلال فصول أدبية عالية المستوى في مغمار الفصاحة والبلاغة حملها مدلولات تأملية إيمانية مستمدة من التقليد القرآني والحديثي ومؤسسة في المقام الأول على تمجيد الخالق العظيم سبحانه .
واختتم العاكوب محاضرته بالقول أن غاية أبي العلاء في الفصول والغايات تعليم طلبة العلم مستوى عاليا من العربية وثقافتها بمادة روحانية شفيفة قادرة على توسيع الفضاء المعرفي الإيماني وأضاف أن محصلة القول هنا أن حكيم المعرة يبدوها هنا محققاً لمقولة ندعو إليها منذ بعض الوقت وهي "الأدب المؤدب" الذي يرتقي بالإنسان في معارج الرقي الإنساني .
د. سمر الديوب .. " سيميائية التشاكل والتباين في الفصول والغايات .."
تحدثت الدكتورة ديوب بداية بحثها عن مصطلح التشاكل والتباين بأنه مفهوم لغوي حديث دخل إلى الخطاب النقدي بوصفه آلية استعارها النقاد عن زميل لهم استعارها من الحقول العلمية المصطلح هذا يعد وسيلة لفهم مقاصد المبدع الظاهرة والمضمرة .
وبينت المحاضرة أن : التشاكل يعني مجموعة أصناف دلالية متكررة تسمح بقراءة متجانسة للنص الأدبي ، أما التباين فيقوم على التأليف بين أطراف متناقضة ويرصد العلاقات المتنافرة أو المتناقضة التي تفضي إلى تحديد الدلالة السيميائية للمعنى كما بينت في بحثها أن التشاكل يحصل من تعدد الوحدات اللغوية فهو ينتج من التباين ، فلا يمكن الفصل بينهما وأوضحت أن كتاب "الفصول والغايات" مادة ملائمة لتطبيق هذا المصطلح ، إذ يقوم على تشاكل وتباين وعلاقات حضور وغياب كما يقوم السرد في هذا الكتاب على مبدأ الحافز وليس كلاماً فقط في المواعظ فالهندسة السردية تتشاكل من الهندسة الشعرية وتتباين معها ويبدو أن المعري قد تجاوز هذا الحافز ، ليكون مبدعاً متفرداً في هذا الكتاب ، فلا يشاكل هذا الكتاب نثر المعري ولايشاكل شعره ، لأنه كتاب فريد وبينت ديوب أن بحثها يهدف إلى دراسة التشاكل والتباين في هذا الكتاب ، على المستويات التالية :
أولاً : التشاكل والتباين على مستوى المعنى :
1ـ التشاكل والتباين في العتبة النصية وتدل على برنامج سردي يختصر سلفاً المغامرة الأدبية
2ـ التشاكل والتباين في المعنويات : مع الأفكار الواردة في مؤلفات المعري الأخرى ويظهر التشاكل في الثنائية الحادة في فكرة /الزهد ـ الفقر ـ الغنى ـ المرأة / كلها تخضع لعلاقات لتشاكل وتباين عنده .
3ـ تشاكل وتباين مع المعنى الشعري : حيث يتشاكل كل هذا الكتاب مع اللغة الشعرية التي تعد معرضاً للمبالغة في استخدام اللغة في اللزوميات شعراً وفي الفصول والغايات نثراً .
4ـ تشاكل وتباين ـ سرديان : لهذا الكتاب ليس نثراً خالصاً وليس شعراً فثمة تباين سردي ، ذلك لأن التقنية المستخدمة تناقض تقنية النثر السردي المعهود
ثانياً ـ التشاكل والتباين على مستوى التعبير
1ـ تشاكل وتباين ايقاعيان : حيث تماثل الموسيقا الداخلية في الجملة النثرية موسيقا الشعري وتتشاكل مع القصيدة .
2ـ تشاكل وتباين ـ صوتيان : حيث تدخل الأصوات في الفقرة في علاقة تشاكل وتباين فالتكرار وظيفة دلالية يفضل التشاكل الصوتي وفي الجناس تشاكل صوتي وتباين معنوي .
3ـ تشاكل وتباين ... دلاليان : حيث يتشاكل هذا الكتاب مع تقنية الانزياح وهي تقنية شعرية كما أن هناك استقطاباً دلالياً تصير به المعاني بؤرة دلالية متكررة في الفقرة فتتشاكل بداية الفقرة ونهايتها أو تتباين ، كما ينجم التشاكل الدلالي عن الترابط الأسلوبي بين الجمل والفقرات .
4ـ تشاكل وتباين .. بصريان: حيث عمد المعري إلى هندسة بصرية فيمكن تحويل هذا النثر إلى شعر مسقط أو مخمس إذا كتب وفق نظام معين ويمكن عد التشاكل مع الشعر البصري هدفاً غير مصرح به في هذا الكتاب .
واختتمت الدكتورة ديوب بحثها بالتأكيد أن هذا الكتاب نص فريد لم ينتج له شبيه في العربية ولم يؤسس لنوع نثري فنشأ وحيداً وبقي متفرداً متجرداً من هوية معروفة كما أراد له المعري .
د. عبد الكريم محمد حسين .. " تأويل النص الأدبي عند المعري" :
تحدث الحسين بداية محاضرته عن أسباب اختياره لهذا البحث والمصادر والمراجع التي اعتمد عليها في دراسته تلك بعد ذلك قسم بحثه إلى عدة محاور في المحور الأول تحدث عن :
ـ العنوان والرؤية :
ففي العنوان ثلاث مسائل الأولى : التأويل وعلاقته بالتفسير والشرح ومادته الأولى اللغة النظام ، والأسلوب والتراكيب والألفاظ المفردة والصور أو المشاهد ولغتها وتأويها .
والمسألة الثانية النص وأبعاده الخمسة (اللغة والمعنى والفكر والانفعال والجمال ومنهج بناء كل ماتقدم.
والمسألة الثالثة لغة أبي العلاء التي عبر بها عن فقه الحياة في شعره الصحيح غير المنحول عليه ولغته في تأويل النص بأنواعه المختلفة
ـ آراء الباحثين في تأويل أبي العلاء ولغته .
أشار المحاضر إلى أن هناك عدة آراء للباحثين في هذا المجال وذكر عنها قول الأستاذ خليل شرف الدين أن شاعرية أبي العلاء تميزت بخصائص شوهت بعضها آفة العصر : فسيفساء البلاغة الترصيعية والتعلق الشديد بلعبة المجانسة والازدواج والتلونيات الصوتية المختلفة والتباهي بالقدرة على نبش قبور الكلمات الميتة ، لا بقصد إحيائها ونفض غبار الموت عنها بل بقصد تحنيطها ونقل الرفاة من ضريح التاريخ إلى ضريح القالب التعبيري الأجوف
بعد ذلك تحدث المحاضر عن التأويل القرآني والحديث النبوي والنص من مأثورات العرب من خلال المعالجة بغية البحث عن محل اللغة في التأويل ، ومواضع الاختلاف في التناول أو الاتفاق
واختتم المحاضر أن الهدف من البحث اظهار النتائج الجديدة التي تبرز العام أو المشترك في مناهج التأويل عند المعري وإبراز الخاص بكل نص مما تقدم وإظهار طبيعة لغة المعري في مقاربة كل نوع من النصوص المقدمة والانتباه إلى عنصر اللغة في توجيه التأويل .
د. خليل الموسى .. "الأسئلة الوجودية والبطل التراجيدي في اللزومات"
قسم المحاضر بحثه إلى ثلاثة مقاطع رئيسية حمل الأول عنوان "ماقبل الكلام" وهو بمثابة عقبة الدخول إلى عالم أبي العلاء المعري واختلاف الآراء في شعره وفلسفته خاصة في اللزوميات وبين الباحث أن المعري شاعر مختلف عمن سبقه من شعراء العرب وخاصة في استخدام العقل منبراً وحيداً ومنهجاً صارماً للوصول إلى الحقيقة المطلقة وطرح الأسئلة الوجودية الكبرى .
أما المقطع الثاني فعنونه الموسى "الأسئلة الوجودية في اللزوميات" حيث عرض الشاعر في هذا الديوان مواقفه من المجتمع وأسرار الوجود حيث يتضمن الديوان رسالة إنسانية فريدة يسعى إلى إيصالها للقراء بواسطة النظم الصعب
وفيه استسلم المعري لسلطات العقل استسلاماً كلياً فقاده إلى الشك والتشاؤم والشقاء والعدمية مما زعزع الإيمان التقليدي في نفسه وزاد من ذلك الحاحه على المعرفة وتساؤله المستمر عن أسرار الكون والوجود .
أما المقطع الثالث فجاء بعنوان "البطل التراجيدي" وبين المحاضر أن العقل الذي اتخذه المعري هادياً واماماً استطاع أن يقوده إلى الاحساس التراجيدي القاتل حتى أنه كان على كتفيه أثقل من الصخرة العظيمة على كتفي سيزيف فتحولت حياته إلى جحيم خالص ولم يكن إزاءه من حل سوى الموت العدمي لمن جاء إلى هذا الجحيم وإنقاذ البشرية من مهزلة الحياة بإيقاف عجلة الإنجاب البشري .
د. حسين جمعة .. " الاغتراب في حياة المعري وأدبه"
أكد الدكتور جمعة في بحثه هذا أن كل من يتأمل في أدب المعري عامة وشعره خاصة يدرك أن علامة الاغتراب النفسية الاجتماعية هي جزء من اغترابه الثقافي والفلسفي والعقيدي العقلي ، إذا اقتضت فلسفته الفكرية أن تضعه في مواجهة الوسط الثقافي والديني الذي يحيط به ومن ثم كانت صور الاغتراب لديه أسلوباً ثائراً عبر فيه عن حالات تغيير الوضع الاجتماعي وفق منطق عقله ووفق الشروط الموضوعية التي ارتضاها والتي صارت مدار نزاع فلسفي فكري واجتماعي بينه وبين المجتمع .
وبين جمعة بأنه ليس هناك شك في أن اغتراب المعري حمل بعده الذاتي العاطفي فاتسم برومانسية عالية حين كان يسعى إلى تغيير الفرد والمجتمع على السواء مما اتصف بماهية التمرد من القيود القديمة
وأضاف أن المعري كان يثبت على الدوام أنه يكره الكذب والغش والنفاق والخداع وحين لم يستطع ذلك ينزلق إلى اغتراب نفسي داخلي مرضي عصابي .
لقد كانت غربة المعري غربة مركبة بخلاف غربة الثأر الذاتية عند أمرئ القيس /الثأر/ وبخلاف الغربة المكانية عند المتلمس وأبي فراس ، فغربة المعري بكل أنماطها واتجاهاتها جسدت صفاته وحياته وسلوكه ومعاناته وحالات الألم والأرق واتخذت ابعاداً واقعية ورمزية ونفسية واجتماعية لاسيما عبوس الزمان بوجهه .
وأوضح الدكتور جمعة أن شعر الاغتراب عند المعري شعر الألم الإنساني برمته شعر عدم الرضا بالبؤس والشقاء والجهل والفقر والاختلاف والتمزق والفساد والموبقات أي أن أدبه يمثل اغترابات شتى تتسم بروح السمو عن مصائبها لأنه يواجهها بكل مالديه من قدرة وإبداع وحس متمرد ويعبر عن نبضه الحر النقي لذا جاء اغترابه أبعد مايكون عن مبدأ التعويض الذي عرفه بشار بن برد أومن مبدأ الاستلاب والانكفاء على الرغم من أن مفهومه للاغتراب كان ينبثق من مشكاة فلسفته التشاؤمية ومشكاة مبدأ الزهد والتنسك .. أي أن مفهوم الاغتراب لايفارق منهج العقل مهما كان التنافر والتناقض بينه وبين مجتمعه .
E - mail: jamahir@thawra.com