في جديد كتاب "الرياض" الانزياح من منظور اسلوبي
اعداد: يحيى الامير
لم يعد غريباً بيننا علم الاسلوب بدليل ما هو مشاهد من كثرة الدراسات
المتتابعة والمتلاحقة ولعل السر وراء ذلك يكمن فيما تمتاز به الاسلوبية من
اقتدار على ملامسة ما يعرف ب "أدبية الادب" فالاسلوبية كما قيل عنها بحق:
بحث عما يتميز به الكلام الفني من بقية مستويات الخطاب اولاً ومن سائر
اصناف الفنون الانسانية ثانياً.
هذا جزء من مقدمة كتاب: الانزياح في منظور الدراسة الاسلوبية الذي صدر
مؤخراً وضمن سلسلة كتاب "الرياض" الشهرية التي تعنى بالأدب والثقافة
والفكر وتصدر عن مؤسسة اليمامة الصحفية بالرياض .. والكتاب من تأليف د.
احمد محمد وليس استاذ النقد ونظرية الادب في قسم اللغة العربية بجامعة حلب.
وينطلق المؤلف من التعريف السابق الى صلب البحث الذي يستهدف امتحان مفهوم
يعد اهم ما قامت عليه الاسلوبية من أركان حتى عده بعض أهل الاختصاص كل شيء
فيها وعرفوا الاسلوبية احياناً بانها علم الانزياحات، ومن الممكن ان يوصف
الانزياح بانه: استعمال المبدع للغة مفردات وتراكيب وصوراً استعمالا
يخرج بها عما هو معتاد ومألوف بحيث يؤدي ما ينبغي له ان يتصف به متفرد
وابداع وقوة جذب واسر.. وبهذا يكون الانزياح هو فيصل ما بين الكلام
الفني وغير الفني.. وليس من قبيل المبالغة ان يقال بان الانزياح يشرب في
مسارب الادبية عامة والشعرية على نحو خاص تغلغلاً يصح معه القول انه
يقع منهما موقع القلب من الجسد، فاذا كان القلب هو ما يمد الجسم بالدم
والغذاء فان الانزياح هو وحده الذي يمنح الشعرية موضوعها الحقيقي كما
يقول جون كوهين، وعلى ذلك فالبحث في الانزياح هو بالضرورة بحث في
الشعرية وبحث في الادبية ايضاً، وذلك يعني فيما يعنيه ان ما تثيره هاتان
القضيتان من اختلاف وجدال متجددين فانما لابد ان يكون للانزياح فيها نصيب
واف. والحق ان ثمة مشاكل معنوية ان جاز التعبير بين الاختلاف والنزياح
فان كان مؤداهما واحدا فان على من يخوض في بحث الش
عرية والانزياح ان يوطن النفس على الاختلاف، بدأ الكتاب بتمهيد عام اصل من
خلاله المؤلف للانزياح كظاهرة عامة كبرى تغطي الكون والانسان معا.
وقد جاء البحث في فصلين:
الفصل الاول ودرس فيه جملة من المصطلحات التي عبرت عن المفهوم او دارت
حوله، وقد استغرقت مصطلحات الانحراف والانزياح اغلب الحديث لانها هي أقوى
المصطلحات واكثرها استعمالاً وتداولاً.، ولكن هذه الثلاثة لم تكن في مستوى
واحد، فحين اخضعها الباحث للمفاضلة ترجح لديه احدها دون ان يعني ذلك
رفضاً للمصطلحين الاخرين ومن المصطلحات التي تناولها المؤلف:
الانحراف، العدول، الانزياح، الازاحة الانتهاك، الخرق، الغرابة، الاصالة، المفارقة...
وتناولها المؤلف مشيراً الى ان مشكلة تعدد المصطلح واختلافه ليست مشكلة
عربية الاصل، بل هي مشكلة غربية، فقد تجاوز عدد المصطلحات الاربعين
تعبيراً عن ترسخ المفهوم وخطره مثلما هي تعبير عن نسبيته وعدم انضباطه
وقد قارب المؤلف بين كل من مفهوم الاختيار ومفهوم الانزياح على اساس ما
بينهما من تقابل وتداخل.. محاولاً تأريخ النظر الى الاسلوب بما هو انزياح
عند الغربيين وذهب من ذلك الى نتيجة مفادها بانه أمر ليس من ابتداع
الاسلوبيات الحديثة ابتداءً بل هو ضارب في أعماق الفكر النقدي.
الفصل الثاني.. وقد قام على ثلاثة مباحث تركز أولها حول أنواع الانزياح من
خلال نوعين هما: انزياح استبدالي وآخر تركيبي اما الاستبدالي فدار الحديث
فيه حول "الاستعارة" لانها اهم ما يقوم عليه هذا النوع من الانزياح بل
لعلها اهم الانزياحات عى الاطلاق، ولذلك فقد حظيت عبر مختلف العصور
باهتمامات الفكر النقدي على تفاوت في عمق الرؤية والتحليل، الانزياح
التركيبي: ويعتمد على ما يقوم بين الكلمات من علاقات من شأنها ان تسهم في
توليد الادبية او في توليد الشعرية، ولعل التقديم والتأخير هو أجلى مظاهر
هذا النوع من الانزياح وهو مفهوم اصطنعه الاسلوبيون بغية تحديد
الانزياحات، مما اشكل في أمر تحديد الانزياح على بعض النقاد وجعله معضلة
تعسر على الحل، وهي المعضلة التي سعى المؤلف الى حلها عبر اعتماده جملة
معايير تتضافر فيما بينها على بيان الانزياح، فقد عرض لمعيار اللغة
العادية النفعية او اللغة العلمية وهما مستويان لغويان يخلوان من أي آثار
الفن والجمال، والذي جعلها معياراً للانزياح كون الاشياء تتمايز بضدها،
ثم عرض لاثر السياق في تمييز الانزياحات... والمراد به هنا السياق اللغوي
في المقام الاول. مناقشاً ما اسماه ريفاتير متناولا في سي
اق ذلك لثقافة الناقد ومالها من أثر في تشكيل ذوقه واغاثة، ثم توقف عند
نظرية الاعلام والعلاقات الرأسية والأفقية وما يسمى بالبنية السطحية
والبنية العميقة، ثم معيار الاحصاء مشيراً الى انه اضعف المعايير، وتوقف
المؤلف عند الوظيفة الرئيسة للانزياح وهي وظيفة تختص بالمتلقي اساساً،
متناولاً نظرية الاعلام وارتباطها بالانزياح. ثم المفاجأة ومكانها عند
السرياليين الذين جعلوها مناط الابداع مؤصلاً لها من سياقات معرفية
متباينة، وخلص المؤلف الى ان الوظيفة الرئيسة للانزياح ماثلة فيما يحدثه
من مفاجأة تؤدي بالمتلقي الى الغبطة والامتاع والاحساس بالأشياء احساساً
متجدداً..