منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الشخصية من منظور ...................................2

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الشخصية من منظور ...................................2 Empty الشخصية من منظور ...................................2

    مُساهمة   الإثنين يناير 03, 2011 8:13 am

    والتسريد معناه تحويل المجرد إلى
    عنصر محسوس، وبعبارة أخرى منح البعد الدلالي العام وجها تصويريا
    قابلا للادراك من خلال التجلي النصي. وهكذا نكون أمام التباشير
    الأولى للبعد السردي المشخص. فعملية تحريك النموذج التكويني تفترض
    أننا أمام سلسلة من الحالات والتحولات (والبعد السردي ليس شيئا آخـر
    سوى تتايع حالات وتحولات) : من النفي إلى الإثبات أو من الإثبات إلى
    النفي.




    يضاف إلى ذلك الأداة التي تقوم
    بعملية التحول، أي المحفل الذي يقوم بإنجاز التحول من مضمون إلى
    مضمون. وهذه العملية، بكل أبعادها، هي ما يسمح بالحديث عن النموذج
    العاملي باعتباره بؤرة تختصر وتكثف مجموع الادوار القابلة للتحقق
    انطلاقا من كون دلالي مجرد. وهذه الأدوار هي تسنين لسلسلة من
    السلوكات وتثبيتها في أشكال عامة.




    وكما كان "المربع السميائي" وليد
    إسقاط حدود المحور الدلالي على شكل علاقات متنوعة، فإن النموذج
    العاملي هو نتاج إسقاط العمليات على شكل فعل وفاعل : وظيفة وعامل.




    ومع ذلك، فإننا، لم نغادر بعد، في
    هذه المرحلة المستوى المحايث (المستوى العميق). فالسردية لازالت هنا
    منظمة بشكل مجرد بعيدا عن أي تحقق مشخص. ولن تكون كذلك إلا
    باستشرافنا آفاق تحول ثالث سيقود إلى التمظهر اللساني أو غير
    اللساني، مادامت الدلالة في - عمقها - لا تعبأ للمادة التي تشتغل
    كحامل تعبيري لها.



    أما المكون الدلالي فيتشكل هو الآخر
    من عملية قلب تُجرى على الحدود المجردة، أي انطلاقا من المعانم
    المشكلة لحدود المحور الدلالي في بعده التجريدي. وهكذا فإن المعانم
    عندما تدخل في علاقة مع المعانم السياقية ( classèmes)، فإنها تولد
    سلسلـة من الآثـار المعنوية أو السميمات ( sémèmes ). وعملية القلب
    هاته تحدد "الهوة الفاصلة بين المضمون القابل للتحقق والمضمون
    المتحقق فعلا في هذا اللسان الطبيعي أو ذاك". (6)




    والمثال التالي قد يسمح لنا
    بتوضيح هذا التحول، فعندما نقول : "رجل يعوي "، سنكون أمام مجموعة من
    العناصر المترابطة فيما بينها تجعل من إمكانية إسناد فعل "عوى" إلى
    "الرجل " أمرا ممكنا : ومن بين هذه العناصر يمكن ذكـر :



    - سلسلة من المعانم : إنسان + عاقل + راشد + مذكـر .


    : صوت + حيوان ...



    ثم هناك معنمان سياقيان أساسيان :


    -إنساني



    - حيواني .



    إلا أن المضمون المتولد عن دخول
    المعانم الأولى في علاقة مع المعانم السياقية يمكن أن يتحدد في ضجيج
    بدون فائدة أو - هذيان - همجية- وحشية، ألم ... إلى غير ذلك من
    الآثار المعنوية التي تفترض مستوى أعلى لكي تستقيم دلالة. وبناء عليه
    فإن " مجموعة محدودة من المعانم قادرة على توليد عدد هائل من
    السيميمات التي يمكن تحديدها في ملايين ومليارات النماذج ".( 7)




    وكما أشرنا سابقا، فإن الانتقال
    من العمليات إلى الفعل التركيبي لا يشكل انتقالا من مستوى عميق إلى
    مستوى سطحي، أي مستوى التجلي اللساني. وكذلك الأمر مع المكون
    الدلالي. ذلك أن عملية التحول من المعانم إلى السميمات ( الآثار
    المعنوية ) لاتشكل تحولا من المجرد إلى المشخص. '' فالربط بين
    المعانم والمعانم السياقية الذي يسمح بالمرور إلى مستوى أعلى هو ما
    يشكل تجلي المضمون باعتباره كذلك، إلا أنه لا يجب خلطه مع التجلي
    اللساني أو النصي( 8 ).




    إن عمليات القلب المتتالية هاته
    ستنتهي بنا إلى طرح آخر مستوى ( المستوى الثالث ) داخل المسار
    التوليدي. ويعتبر هذا المستوى أشد المستويات محسوسية داخل سيرورة
    إنتاج الدلالة باعتباره يعود إلى ما يبدو في الظاهر، أي إلى المعطى
    المباشر من خلال التجلي النصي. " فإذا سلمنا بإمكانية القلب الخاصة
    بإسقاط الاستبدالي( المورفولوجيا التصنيفية ) على التوزيعي ( التركيب
    الاجرائي ) الذي يقود إلى تحويل المعانم العميقة إلى وحدات مستترة
    قابلة للتناول كهويات مجردة وكوحدات مضمونية، سيكون بإمكاننا التحول
    إلى مستوى آخر : أي المرور من التركيب الأصولي إلى التركيب السردي
    المشخص ( السطحي ) ( 9 ) ''.




    وهذا ما سيسمح لنا الآن بالمرور
    إلى المستوى الموالي داخل عملية إنتاج الدلالة ونمط وجود الشخصيات.



    2 - التجلي أو الوجود المشخص.



    إن وصفنا لهذا المستوى بالمحسوس
    والظاهر والمباشر والمعطى لايعني أننا أمام مستوى بسيط وقابل للإدراك
    المباشر. إنه على العكس من ذلك، يعد أشد المستويات تعقيدا وتركيبا
    وتنافرا. ''ولأننا تعودنا على الانسياق وراء'' الظاهر'' فإننا نجد
    صعوبة قصوى في إعطاء تقييم حقيقي للتجريد الگريماصي، رغم أن هذا
    التجريد يقوم - في التقليد العلمي الخالص -بحل اللامرئي البسيط محل
    المرئي المعقد (10) ."




    ويشتمل هذا المستوى على تركيب
    خطابي ودلالة خطابية (11) وكل مكون من هذين المكونين مرتبط أشد
    الارتباط بالعناصر المنضوية داخل المستويين السابقين. فالتركيب
    الخطابي هو نتاج عملية قلب ثالثة تنصب على عناصر التركيب الأصولي.
    فمن جهة نقوم بإسقاط الزمن كحد فاصل بين السكون وبين الحركة، لتتحول
    الحدود اللازمنية إلى حدود تدرك داخل الزمن.




    وبعبارة أخرى نقوم بصب التجربة
    المضمونية المجردة داخل وعاء الزمن. فبما أننا لايمكن أن نتحدث عن
    عملية إعطاء بعد تصويري للبعد المجرد دون طرح التزمين ( إدراج الفعل
    ضمن عجلة الزمن) كبرمجة أولية للأحداث، فإننا لانستطيع أن نتحدث عن
    سرد دون طرح الزمن كحد فاصل بين الصمت والكلام.




    ومن جهة ثانية يأتي التفضيىء
    كوعاء يستوعب عملية القلب فضائيا. فإذا كان الزمن عنصرا أساسيا في
    الحديث عن توزيع يسمح لاحقا بإمكانية تفكيك النص إلى وحدات، فإن
    الفضاء هو الإطار الذي يرسم حدود الأحداث داخل الزمان. إن طرح الفضاء
    كوعاء قابل لاستيعاب الأحداث معناه خلق نقطة فضائية تشتغل كمرجع
    للاحداث، وهو ما يقابله، على مستوى التلقي، خلق وهم مرجعي أو وهم
    واقعي.



    إن الفضاء والزمان يشتغلان - داخل
    هذا المستوى- كنقطة إرساء موجهة لفعل القراءة ولفعل الابداع. و'' ما
    يجعل من البرمجة الزمانية والفضائية أمرا ممكنا هو فردنة الممثلين
    .'' (12) وهذه الملاحظة تؤدي بنا إلى طرح آخر عنصر داخل التركيب
    الخطابي، ويتعلق الأمر بعملية خلق الممثل (actorialisation) أي
    الإجراء الذي يحول العوامل إلى ممثلين مفردنين.




    إن التفضيىء والتزمين يشيران بشكل
    مباشر إلى عالم مؤنسن. وبعبارة أخرى فإن تحققهما داخل النص السردي
    يمكن أن يشتغل كإسقاط لوضعيات إنسانية قابلة للتصور، حيث تتحرك
    كائنات على شكل أفعال ومواصفات. إن هذا العالم يحتاج - لكي يشتغل
    بشكل تام - إلى ذوات تأخذ على عاتقها أنسنة الفضاء والزمان.




    ومن هنا كانت الحاجة إلى عملية
    تحويل تقود من العامل إلى الممثل. وبعبارة أخرى، إن العامل ينفجر -
    على المستوى السطحي - في عدد لامحدود من الممثلين، وإحصاء الأدوار
    التي يقوم بها هؤلاء الممثلون داخل النص السردي وتجميعهما في دوائر
    محددة هو ما يسمح بالارتقاء مجددا إلى مستوى العامل باعتباره وحدة
    تركيبية دلالية ليست معطاة من خلال التجلي النصي. '' فإذا كان
    التركيب العاملي هو الذي يحكم الممثلين، فإن هؤلاء الممثلين سيشكلون
    المحفل الحاسم الذي يعد ضمانة للربط بين التركيب والدلالة، بين
    الخطابي والسردي داخل المسار التوليدي . '' (13)




    فإذا كان بإمكاننا القول بأن
    الوظيفة والمواصفة مرتبطتان ارتباطا وثيقا حيث يتم الانتقال من
    الوظيفة كفعل متحقق إلى المواصفة كفعل محتمل، ومن المواصفة إلى
    الوظيفة كانتقال من الاحتمال إلى التحقق :




    مستبد : مواصفة تقود إلى وظيفة (
    استبد )




    استبد : وظيفة تقود إلى مواصفة (
    مستبد ) .




    فإن الممثل سيكون هو عنصر الربط
    بين الوظيفة والمواصفة بين الدور العاملي والدور الثيمي. من هنا
    يتحدد الممثل كجمع بين دورين على الأقل : دور ثيمي ودور عاملي. إنه
    يعد، من هذه الزاوية، نقطة الربط الأساسية بين البنيات السردية
    والبنيات الخطابية (14).




    أما على مستوى الدلالة الخطابية،
    فإننا نعثر على سلسلة من العناصر التي يمكن ردها إلى إجراء مركزي
    يشكل نقطة نهائية داخل المسار التوليدي. ويطلق گريماص على هذا
    الإجراء الصورنة ( figurativisation ). ويشتمل هذه الصورنة على
    الوحدات المعجمية أو الصور اللكسيمية، كما يشتمل على المسارات
    التصويرية، وكذا على التشكلات الخطابية. فالوحدة المعجمية الأولى
    تقود إلى الثانية، والثانية تقود إلى الثالثة. فالبعد التصويري داخل
    خطاب معين يحدد طريقة خاصة في تناول قيم العالم أو هو يشكل ما يطلق
    عليه عادة رؤية للعالم. وهي طريقة تستند إلى الصور التي يوفرها هذا
    العالم نفسه.




    إن الوحدات المعجمية المنظمة لعدد
    هائل من المعانم، أي لسلسلة الإمكانات الدلالية (15) تتحول، بفعل
    العلاقات التي قد تنسجها مع وحدات أخرى من نفس البعد الدلالي، إلى
    مسارات تصويرية محددة لحقل دلالي موحد. وهذه المسارات ليست سوى تنظيم
    توزيعي لمجموعة من اللكسيمات. ويقوم هذا التنظيم، وفق هذا المحور،
    باختصار وتكثيف وحدات نصية متفاوتة الحجم ضمن إطار دلالي يضمن قراءة
    منسجمة.




    ومن زاوية أخرى، يمكن التعامل مع هذه
    الوحدات اللكسيمية وفق المحور الاستبدالي. إن انتظامها وفق هذا
    المحور يؤدي بنا إلى الكشف عن التشكلات الخطابية، والتشكلات الخطابية
    ليست سوى تجميع لسلسلة من المسارات التصويرية ( parcours figuratifs
    ) بهدف تخصيص وحدات خطابية أكبر من الجملة.




    وسيتضح لنا من خلال المثال التالي
    ( وهو مثال نطرحه للتوضيح لا للتحليل الدقيق ) مدى الترابط بين هذه
    الوحدات الثلاث : اللكسيم و المسار التصويري و التشكل الخطابي.
    ولنأخذ لكسيم : "خط ". إنه يحتوي على دلالة قارة ( نواة معنمية )
    يمكن تحديدها في " كل ما يربط بين نقطتين داخل الفضاء "، ودلالات
    أخرى محتملة أي قابلة للتحقق جزئيا أو كليا داخل هذا الخطاب أو ذاك.
    ويمكن أن نصوغ هذه الدلالات المحتملة على الشكل التالي :



    - خط سياسي ــــــــــــ ( المسارالتصويري 1) الالتزام بسلسلة من
    مقتضيات تيار ما. وتتحقق هذه الإمكانية الدلالية من خلال مجموعة من
    المفردات التي تحيل على الحقل الدلالي : سياسي.



    - خط إيديولوجي ـــــــ ( المسارالتصويري 2) الالتزام بسلسلة من
    مقتضيات تصور خاص للعالم. وتتحقق هذه الإمكانية الدلالية أيضا من
    خلال سلسلة من الوحدات التي تحيل في مجملها على الكون الدلالي الذي
    تحيل عليه الإيديولوجيا.



    - خط ديني ــــــــ ( المسارالتصويري 3) الالتزام بسلسلة من
    القواعد التي يفرضها اعتناق دين ما. وتتحقق هذه الإمكانية من خلال
    حقل دلالي ينظم سلسلة من الصور اللكسيمية الدالة على الدين.



    - خط اجتماعي ـــــــــ ( المسارالتصويري 4) وهو ما يحيل على
    الامتثالية، وهي طريقة أخرى للقول إن الفرد يجب أن يمتثل في سلوكه
    لمقتضيات أخلاق مجتمعه وألا يتجاوزها أو يخرقها أو يسيء إليها. وهنا
    أيضا يمكن أن نتصورحقلا دلاليا ينظم سلسلة من الصورالتي تحيل على
    الكون " الامتثالية الاجتماعية".




    إن مختلف هذه التصورات الخاصة
    باللكسيم " خط " ، تحدد لنا تشكلا خطابيا. ودور الخطاب أمام هذا
    التشكل يكمن في انتقاء هذه الإمكانية أو تلك، أو الجمع بين مجموع هذه
    الإمكانيات داخل إطار نصي يحدد للخطاب هويته. وبناء عليه، '' تبدو
    التشكلات الخطابية باعتبارها نوعا من المحكي الذي يملك تنظيما
    تركيبيا دلاليا مستقلا. إنها قابلة للانضواء داخل وحدات خطابية واسعة
    من خلال حصولها على دلالات وظيفية متطابقة مع الإطار العام . '' (16)




    وفي ختام هذه الفقرة يمكن القول
    إننا لم نقم إلا باعطاء الخطوط العريضة لعملية القلب الثالثة هاته
    التي تقود من السميمات إلى الثيمات مجسدة في العناصر التي تمت
    الإشارة إليها. وسنعود في الفقرة الموالية إلى دراسة عنصر آخر داخل
    الدلالة الخطابية هو الدور الثيمي. وقد أجلنا الحديث عن هذا العنصر
    لكي ندمجه، عند تناولنا لبنية العوامل وبنية الممثلين، داخل التصور
    العام الذي يحكم بناء الشخصية عند گريماص.




    ومن خلال كل العناصر التي حاولنا
    أن نعرض لها في الصفحات السابقة سيتضح لنا أن سيرورة إنتاج النصوص
    السردية يمكن النظر إليها كنسق من عمليات القلب المتتالية، يشكل
    النموذج التكويني نقطة انطلاقها الرئيسية. فهو يشكل نقطة مرجعية من
    الناحيتين الدلالية والتركيبية يستند إليها النص لكي يتحول إلى شكل
    مرئي من خلال مادة تعبيرية لسانية أو غير لسانية.




    وبعبارة أخرى، إذا كان النموذج
    التكويني هو صيغة أخرى لعملية التسنين التي تخضع لها كل جوانب الحياة
    الإنسانية، فإن تسريد هذا النموذج يعتبر فكا لهذا السنين والعودة من
    جديد إلى مساءلة الحياة من خلال عناصرها المحسوسة مجسدة في سلوكات
    فردية أو جماعية خاصة.



    3 - الشخصية من التجريد الى الفعل الحدثي


    إن هذه الصورة التي حاولنا رسمها للنموذج المولد للنصوص السردية
    باعتبارها مواد تعبيرية لتجلي الدلالة، ستقودنا الآن إلى تقليص هذه
    السيرورة، واختصارها في عنصر واحد هو الشخصية. وتناولنا للشخصية
    سيفرض علينا المرور من النموذج العاملي كصيغة تنظيمية للفعل الإنساني
    المحتمل، للوصول إلى بنية الممثلين كوحدة تنتمي إلى التركيب الخطابي
    كمعطى ظاهري. وعملية التقليص هاته تدلنا على أن النموذج العاملي،
    باعتباره محطة من محطات المسار التوليدي، يقع في مستوى توسطي بين
    المحايثة والتجلي. إنه عنصر مندرج ضمن المستوى المحايث عندما ننظر
    إليه في علاقته بعناصر المستوى السطحي، ومندرج ضمن المستوى السطحي
    عندما ننظر إليه في علاقته بعناصر المستوى العميق.




    وهذه النظرة المزدوجة هي ما يجعل
    من المستوى السردي، باعتباره البؤرة الحاضنة للنموذج العاملي، يشتغل
    كمستوى توسطي في سيرورة إنتاج الدلالة. ذلك أن القلب هو الذي يسمح
    بالمرور من مستوى النحو الأصولي إلى مستوى التركيب العاملي المشخص.



    وهذا أمر بالغ الدلالة، "فالمقولات
    الدلالية التي لم تكن من قبل سوى قيم لسانية ستتحول إلى قيم
    أكسيولوجية ( valeurs axiologiques ) مودعة في موضوعات تركيبية،
    وستتحول العلاقات التصنيفية إلى ملفوظات حالة، كما ستتحول العمليات
    التركيبية المندرجة في التركيب الأصولي إلى فعل تركيبي مشخص يحكم
    ملفوظات حالة. وهكذا نمر من التركيب البنيوي الشكلي إلى تركيب حدثي
    للفعل، '' لمعنى الحياة '' و '' للرغبة ''. (17) وبناء عليه، فإن
    النموذج العاملي يمكن أن يشتغل، في ضوء عمليات القلب هاته، كمعادل
    تجريدي لبنية الممثلين (التكثيف الذي يصيب العناصر المتنوعة
    والمتعددة داخل التركيب الخطابي).




    فمن التركيب الأصولي إلى التركيب
    العاملي المشخص، إلى التركيب الخطابي لا نقوم إلا بالنظر إلى نفس
    العنصر من زوايا مختلفة وفي مظاهره المتعددة. فإذا كان التركيب
    الأصولي يرسم حدود خطاطة شكلية مغرقة في التجريد تتناول الفعل
    الإنساني في صورته المثلى، أي في صورة علاقات مغرقة في الشكلية، فإن
    التركيب العاملي المشخص يحول هذا الفعل من مستواه التجريدي العام
    ليطرحه على شكل وضعيات إنسانية تتصف هي الأخرى بالتجريد والعمومية
    ولكنها قابلة للتصور من خلال تجسدها داخل سلسلة من العلاقات
    التقابلية ( الخانات التي يحتوي عليها النموذج العاملي ). ومن عملية
    التشخيص هاته ننطلق إلى تصور عملية ثالثة تقوم بتخصيص البنية
    العاملية داخل وضعية خاصة : أي داخل نص متحقق يملك تلوينه
    الإيديولوجي الخاص. وهذا يفترض استشراف بنية للممثلين تأخذ على
    عاتقها تجسيد العوامل في محافل ممعجمة ومتفردة ( ممثلين لهم أسماء
    وهويات اجتماعية واضحة، في مقابل أدوار اجتماعية مبهمة).




    وهذه التحولات ليست منفصلة عن
    التحولات التي تلحق الدلالة الأصولية. ففي انتقالنا من مستوى النموذج
    التكويني ( البنية الدلالية المنظمة للمحاور ) حيث تكون الدلالة
    منفصلة عن مادة تمظهرها، إلى مستوى التمظهر، نقوم بمنح هذا النموذج
    وجها مشخصا، أي نقوم بعملية تسريد للبنية المفهومية، من خلال طرح
    العمليات. والعمليات تقتضي إدخال الفعل التركيبي ( الحد السردي
    المشخص، في مقابل الحد المفهومي المجرد ).




    إن الفعل التركيبي، بما هو نشاط
    محسوس، يقتضي دخول ذات الخطاب باعتبارها المحفل الذي يقوم بعملية
    الاثبات أو النفي الخاصة بالمضامين القابلة للاستثمار داخل النص
    السردي. وبناء على هذا التصور، يمكن القول إن إنتاج حكاية ما ( نص
    سردي بغض النظر عن التسمية : رواية، قصة قصيرة، مسرح، سينما ...) ليس
    شيئا آخر سوى تحويل المفهومي ( المجرد ) إلى عنصر مشخص ومحسوس.




    وسنقدم الآن مثالا بسيطا لتوضيح
    عمليات القلب هاته، وكذا التداخل الموجود بين المستويات. ويتمثل ذلك
    في الملفوظ التالي :




    انتصر عيسى على الجهل


    إننا أمام ملفوظ بسيط قادر على توليد سلسلة لامحدودة من الحكايات
    ويحتوي على العناصر التالية :



    - ذات ( عيسى)


    - موضوع ( جهل)


    - وظيفة ( انتصر وتجمع بين الذات والموضوع تركيبيا ودلاليا ) .




    وعليه يمكن تحديد أي ملفوظ بسيط
    في الشكل التالي :




    م س = و ( ع )


    (م = ملفوظ ، س = سردي ، و = وظيفة ، ع = عامل .)



    إلا أنه بإمكاننا استخراج عناصر
    أخرى ليست معطاة بشكل مباشر داخل الملفوظ، بل هي مفترضة من خلال
    العناصر المتحققة داخله. وتتمثل هذه العناصر في التقابل :




    جهل ( م ) معرفة


    وهو تقابل معطى استبداليا من خلال تحقق الجهل داخل الملفوظ. فوجود
    الجهل يفترض وجود المعرفة، ولايمكن تصور الجهل دون طرح المعرفة كحد
    مقابل. فالانتصار على الجهل يفترض تحقيق المعرفة. فالذات ( عيسى )
    مرتبطة بموضوعين في الآن نفسه : مرتبطة بالجهل كموضوع سلبي، ومرتبطة
    بالمعرفة كموضوع إيجابي.



    - وهناك من جهة ثانية النظرة المحايثة لهذا الملفوظ. ذلك أن هذا
    الملفوظ ليس إلا تحققا خاصا ضمن تحققات أخرى ممكنة لبنية دلالية
    سابقة عن تمظهره. فبإمكاننا الارتقاء بهذا الملفوظ إلى مستوى أعمق،
    حيث نكون من جهة أمام دلالة أصولية محددة في محور دلالي ( س ) ويربط
    بين : جهل ( م ) معرفة.




    وهذه الثنائية يمكن إسقاطها على
    المربع السميائي لكي نخلق سلسلة من العلاقات ( الضدية - التناقض -
    الاقتضاء).



    الشخصية من منظور ...................................2 P86a


    فمن خلال إسقاط البنية الدلالية على شكل علاقات محددة داخل
    المربع، يمكن أن نتصور الخطوط العامة لاشتغال نص سردي ما. فعملية
    إدراك الشيء تتطلب إسقاط الحد المناقض من أجل انتقاء الحد المعاكس من
    :




    الشخصية من منظور ...................................2 P86b


    من "الجهل "إلى"الاجهل "إلى
    "المعرفة " . فما يقوله الملفوظ السابق : "عيسى انتصر على الجهل "
    يفترض، من خلال الوظيفة ذاتها، أي فعل '' انتصر ''، أن هناك معركة ضد
    شيء ما، وأن هذه المعركة تتطلب زمانا، كما تتطلب فضاء. وعليه فإن
    الانتقال من الجهل إلى المعرفة يفترض حالة لا هي بالجهل ولا هي
    بالمعرفة، ويتطلب وجود دائرة ما ( فضاء نصي ما ) يتوسط الجهل (كمضمون
    مقلوب ) والمعرفة ( كمضمون مطروح ). وبعبارة أخرى يتطلب وجود دائرة
    ما تقوم بفصل المضمون المراد نفيه عن المضمون المراد اثباته، وهي
    الفترة الزمنية التي يتطلبها الخروج من دائرة الجهل لولوج عالم
    المعرفة.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 9:13 pm