منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تابع للسرد الجديد 1

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تابع للسرد الجديد 1 Empty تابع للسرد الجديد 1

    مُساهمة   الإثنين يناير 11, 2010 4:48 am

    بأن الحكي يضم جزءين: القصة story والخطاب discourse أما القصة فتشتمل دائماً علي تسلسل زمني (إنها تتضمن علي الأقل تعديلاً لحالة يتم إنجازها في زمن "صفر"، إلي حالةٍ أخري يتم إنجازها في زمن "س"، وذلك هو مظهرها المميز. والعلاقات الزمنية بين المواقف والأحداث التي تؤلف القصة ليست بطبيعة الحال هي العلاقات الوحيدة الممكنة: يمكن علي سبيل المثال سرد هذه المواقف والأحداث سببياً. وعلاوة علي ذلك، فإن المواقف والأحداث في سرد حقيقي، تؤلف بالمثل كلاً، متتالية يعد الجزء الأول والأخير، الأساسيان فيها تكراراً جزئياً لكل منهما؛ بنية، إذا استخدمنا تعريف أرسطو، لها بداية ووسط ونهاية. (جيرالد برنس، قاموس السرديات). إن موضوع حكاية من الحكايات يمكن أن يكون موضوعاً للباليه، ويمكن أن يتجسد موضوع إحدي الروايات في شكل مسرحية أو فيلم سينمائي، كما يمكن رواية قصة أحد الأفلام السينمائية لأولئك الذين لم يشاهدوا الفيلم. إن ما نقرأه هو الكلمات، وما نشاهده هو الصور، وما نفسره هو الإشارات، ولكن الذي نتابعه في كل مرة من خلال كل هذه الأشكال هو القصة، التي يمكن أن تكون هي نفس القصة في كل هذه الأشكال.( كلود بريمون). لابد من القبول بتمييز أساسي بين مستويين من مستويات التمثيل والتحليل: المستوي الظاهر لـ "السرد" narration الذي تخضع فيه تجلياته للمادة اللسانية التي يعبر عنه من خلالها، ومستوي آخر محايث يتألف من أساس بنيوي مشترك تقع عنده "السردية" narrativity ، وهو مستوي سابق علي تجلياته . ومن ثم يكون لدينا مستوي سيميوطيقي يمكن تمييزه عن المستوي اللساني، وهو سابق عليه منطقياً، بغض النظر عن نوع اللغة المختارة للتقديم . جريماس Structural Semantics 1977. أما جيرار جينيت الذي يؤكد علي الطبيعة الملتبسة لمصطلح الحكي narrative، فيورد ثلاثة تعريفات للمصطلح في "خطاب الحكي": المعني الأول الأكثر بداهة ومركزية حالياً في الاستخدام الشائع تدل كلمة "حكي" علي المنطوق السردي، أي الخطاب الشفوي أو المكتوب الذي يضطلع برواية حدث أو سلسلة من الأحداث. المعني الثاني والشائع بين محللي المضمون الحكائي ومنظريه حيث تدل كلمة حكي علي سلسلة الأحداث الحقيقية أو التخييلية التي تشكل موضوع الحكي ومختلف علاقاتها (من تسلسل وتعارض وتكرار، إلخ).. وفي هذه الحالة يعني تحليل الحكي دراسة مجموعة من الأعمال والأوضاع المتناولة في حد ذاتها، وبغض النظر عن الوسيط اللساني وغيره الذي يطلعنا عليها. المعني الثالث والأكثر قدماً، تدل كلمة "حكي" أيضاً علي حدث، ولكنه ليس الحدث الذي يروي هذه المرة، وإنما السرد narration متناولاً في حد ذاته. ومن بين التعريفات الثلاثة، يختار جينيت التعريف الأول موضوعاً لعملية التحليل. يقول "ومن ثم فموضوعنا هنا هو الحكي بالمعني الضيق الذي نخصصه منذ الآن فصاعداً لذلك المصطلح، ومن البديهي كثيراً أن يكون مستوي الخطاب السردي هو الوحيد من بين المستويات الثلاثة التي ميزنا بينها حتي الآن، الذي يعرض نفسه للتحليل النصي". للعمل الأدبي في مستواه الأعم مظهران فهو قصة وخطاب في الوقت نفسه. بمعني أنه يثير في الذهن واقعاً ما وأحداثاً قد تكون وقعت وشخصيات روائية تختلط من هذه الوجهة بشخصيات الحياة الفعلية. وقد كان بالإمكان نقل تلك القصة ذاتها بوسائل أخري، فتنتقل بواسطة شريط سينمائي مثلاً ، وكان بالإمكان التعرف عليها كمحكي شفوي لشاهد ما دون أن يتجسد في كتاب. غير أن العمل الأدبي خطاب في الوقت نفسه، فهناك سارد يحكي القصة، أمامه يوجد قارئ يدركها. وعلي هذا المستوي ليست الأحداث التي يتم نقلها هي التي تهم، إنما الكيفية التي بها أطلعنا السارد علي تلك الأحداث. (تودوروف، مقولات الحكي). نلاحظ مما تقدم وجود تيارين رئيسين لتحليل الحكي narrative أحدهما يربط المصطلح بالمحتوي أو الموضوع والآخر يربطه بمستوي التعبير أو الخطاب، الأول يمثله إ.ج جريماس، ورولان بارت، وكلود بريمون، والثاني يمثله كل من جيرار جينيت، وتزفتان تودوروف، وجيرالد برنس من بين آخرين.. كما نلاحظ وجود تعريفين للحكي، أحدهما ضيق، والآخر توسعي، الأول يحصر الحكي في مجال النصوص اللفظية وحدها (جينيت) والآخر يوسع مجال المصطلح لكي يشمل نصوصاً حكائية أدبية وغير أدبية، لفظية وغير لفظية (بارت، بريمون) وينظر هذا الاتجاه إلي الحكي بوصفه جزءاً من نظرية سيميوطيقية عامة تضم نصوصاً مختلفة للحكي: الدراما، السينما، الرقص، الرواية، السيرة الشعبية، الرسوم المتحركة، إلخ، تستخدم وسائط متعددة: الحركة، الصورة، اللغة الشفاهية أو المكتوبة، ... وهناك تيار ثالث يحتفظ بكلمة الحكي لاجتماع كلٍ من القصة والخطاب (برنس، بورتر أبوت)، وهو استخدام شائع بين العديد من المنظرين.. أما مصطلح(arration (السرد) فيحتفظ به للمحكيات التي تقوم بتقديم موضوعها عن طريق السرد اللفظي فقط، الذي يتطلب راوياً ومروياً له علي نفس المستوي. إن كلمة سرد، ترتبط في العربية بالنظم، والنسج، والصياغة، والتركيب، بينما ترتبط كلمة حكي بالـ mythos )(الحبكة) التي يمكن العثور عليها في الفنون اللفظية وغير اللفظية علي حدٍ سواء. (إن كلمة "حكي" في العربية ذات صلة بالمحاكاة، أي المشابهة التي ترتبط عند أرسطو بـ الفعل - المحاكاة عند أرسطو لا تكون إلا محاكاة لفعل praxsis). ). 1- نظريات الفعل أو نحو الحكي يعد العمل الرائد الذي قام به فلاديمير بروب في "مورفولوجيا الحكاية الشعبية" Morphology of the Folktale الأساس الذي انبنت عليه معظم الدراسات والأبحاث التي تتناول تركيب الحكي من وجهة النظر المورفولوجية أو البنيوية. لقد حاول بروب، الذي تأثر في عمله بالنموذج اللغوي الذي أرساه فرديناند دي سوسير، البحث عن الأسس البنيوية المجردة التي تنتظم كل أنواع الحكي. وقاده البحث في مائة حكاية شعبية إلي اكتشاف الوحدات الأساسية المكوّنة لهذا الكم من الحكايات وطرائق تآلفها. لقد اكتشف بروب وجود 31 وحدة أساسية أطلق عليها اسم وظائف functions يتغير عددها في كل حكاية ولا يتغير ترتيبها. والوظيفة عند بروب هي عمل تقوم به إحدي الشخصيات وتتضح دلالته في مجري الحكي ككل. وبالإضافة إلي هذه الوحدات، اكتشف بروب وجود سبع شخصيات أساسية أو سبع دوائر للعمل : دائرة عمل المعتدي، دائرة عمل الشرير، دائرة عمل البطل، دائرة عمل البطل الزائف. وتبدأ الحكاية عند بروب عادة بوظيفة نقص أو وظيفة إساءة وتنتهي بوظيفة سد النقص أو إصلاح الإساءة مروراً بعدد من الوظائف التي تتوسط هاتين الوظيفتين. وينبه بروب إلي أن الحكاية الشعبية يمكن أن تحتوي علي أكثر من متتالية وفي هذه الحالة يمكن أن تأتلف المتتاليات عن طريق التتابع، أو التناوب، أو التضمين. وطبقاً لنظام التتابع، تأخذ المتتاليات إحداها بعقب الأخري، وفي التناوب تبدأ الحكاية بمتتالية، ثم تبدأ متتالية جديدة في الدخول إلي الحكاية قبل أن تنتهي المتتالية الأولي، ثم يبدأ بعد ذلك استئناف المتتالية الأولي من جديد وهكذا.. أما في حالة التضمين، فيتم دخول متتالية ثالثة قبل نهاية المتتالية الثانية فتنعقد بذلك الحكاية. لقد فتح بروب بعمله الرائد الطريق نحو الدراسة المحايثة للحكي، التي تدرس النصوص الحكائية دراسة داخلية تحدد مكوناتها ووحداتها الأساسية المكوِّنة ومجموعة علائقها الداخلية، واستفاد في ذلك من العديد من الثنائيات التي أرساها دي سوسير بين اللغة كنظام langue من القواعد والأعراف الضمنية ومجموعة تجلياتها الفردية parole، واستفاد كذلك من تمييز دي سوسير بين الدراسة السنكرونية (التزامنية) والدراسة التاريخية التعاقبية الدياكرونية، التي كانت سائدة قبله في دراسة الحكايات الشعبية وغيرها من الظواهر، وقدم ما سماه نحواً للحكي علي غرار نحو اللغة وهو مجموعة القواعد والأعراف الكامنة التي تحكم شتي الممارسات اللغوية الفعلية، واستفاد كذلك من تعريف دي سوسير للعلامة اللغوية، وتقسيمها إلي دال ومدلول وعدم ارتباطها بأي مرجع خارجي، وأن هوية العناصر والوحدات لا تتحدد بتاريخها، وإنما بموقعها داخل النظام ذاته، وفي علاقتها ببقية العناصر والأجزاء المشاركة معها في النسق، واختلافها وتعارضها معاً داخل شبكة من العلاقات، ومن إمكانية تفتيت الوحدات الأكبر إلي وحدات أصغر حتي يمكن في النهاية الوصول إلي التمييزات الوظيفية الصغري. ويميز توماتشفسكي في كل عمل أدبي بين مستويين، مستوي المتن الحكائي (الفابولا) fibula، وهو مستوي التسلسل الطبيعي للأحداث، ومستوي المتن الحكائي sjuzet وهو المستوي الذي يجري فيه تنظيم هذه الأحداث وخلخلة نظام تسلسلها الطبيعي في عمل فني. ولقد حاول توماتشفسكي، شأنه في ذلك شأن بروب، البحث عن الوحدات الأساسية المكونة المشتركة في كل عمل حكائي، وعثر علي هذه الوحدات فيما سماه بالحوافز motifs، وهي الوحدات الحكائية الصغري التي يتألف منها كل حكي، وحدد توماتشفسكي بناء علي ذلك نوعين من الحوافز، حوافز مشتركة linked motifs لا يمكن الإخلال بها دون الإخلال بنظام المتن، وحوافز حرة free motifs ضرورية للمبني ولا يترتب علي غيابها إلحاق أي ضرر بالمتن. وبمعني آخر، توجد حوافز تكون مهمتها الأساسية هي دفع حركة الحبكة إلي الأمام ويسميها توماتشفسكي حوافز دينامية dynamic motifs وحوافز ساكنة static motifs تكون مهمتها وصفية بالأساس، وتقتصر علي التمهيد لوضعية ما أو وصف مناخ أو جو، إلخ. وبالإضافة إلي الحوافز، يتحدث توماتشفسكي عما يسميه بالتحفيز motivation، ويحدد ثلاثة أنواع يطلق عليها تباعاً أسماء: التحفيز التأليفي compositional motivation الذي يؤكد علي أن كل شيء في الحكي ينبغي أن يكون مبرراً ومحفزاً (فالفن لا يعرف التشوش أو الضوضاء كما يقول بارت)، والتحفيز الواقعي realistic motivation ، ويرتبط بمسألة الإيهام بالواقع وقانون الاحتمال، والتحفيز الجمالي artistic motivation ويراعي فيه أن تكون الحوافز المشتملة متسقة مع مقتضيات البناء الجمالي للعمل الفني لتحاشي أي شذوذ أو نشاز في البناء الفني للحكي. ولقد استفاد تراث البنيوية الفرنسية من آراء كلٍ من فلاديمير بروب وغيره من الشكلانيين الروس. لقد استفاد كلود ليفي شتراوس من آراء فلاديمير بروب وطور العديد من تصوراته حول "مورفولوجيا الحكاية الشعبية". وكان الهدف من وراء دراسة شتراوس للأساطير، هو الكشف عن مجموعة القواعد الضمنية التي تشترك فيها الأساطير من أي نوع، وأطلق شتراوس علي مجموعة الوحدات التكوينية الصغري المشكِّلة للأسطورة اسم "ميثيمات" mythemes. لقد عاب شتراوس علي بروب شكليته المبالغ فيها وعدم اهتمامه بالمحتوي والسياق، وإهماله للاستخدام الخاص لبعض المفردات اللغوية، وركز بدلاً من ذلك علي مبدأ التعارضات الثنائية، وهو المبدأ الذي طورته فونولوجيا مدرسة براغ اللغوية علي يد كل من جاكبسون وتروبتسكوي. كما أكد، خلافاً لبروب، علي أهمية المضمون، واستخدم عدداً من الثنائيات المتعارضة مثل: موت/ حياة، ثقافة/ طبيعة، ذكر / أنثي، رفيع/ وضيع، أدني / أعلي، أرض/سماء، ليل/ نهار، حيواني/ نباتي، إلخ. لقد أراد ليفي شتراوس من خلال دراسته للأسطورة إثبات وحدة الفعل البشري ووحدة منتجاته" و أن يبرهن أن للفعل علي مستوي الوعي واللاوعي بصفة خاصة، آلية مُبنينة تفرض الشكل علي أي مادة متاحة، وأن الأساطير هي كلام النظام الرمزي الذي يمكن اكتشاف وحداته وقواعده التركيبية. وشأنه شأن ليفي شتراوس، استفاد إ.ج. جريماس أيضاً من الاكتشافات التي توصل إليها بروب في بحثه حول "مورفولوجيا الحكاية الشعبية". لقد كانت هذه الاكتشافات هي الأساس الذي بني عليه جريماس نظريته في الحكي. وخلافاً لبروب، أراد إ.ج. جريماس بناء نموذج مجرد يصلح للتطبيق، ليس علي نوع واحد من الحكي، هو الحكاية الشعبية، وإنما علي كل أنواع الحكي. ويؤكد جريماس علي ضرورة التمييز بين مستويين من مستويات التحليل: مستوي السرد narration )المستوي الظاهر الذي يتجلي فيه الحكي كفعل من أفعال الكلام)، ومستوي آخر يقع تحت كل أفعال اللسان، ويتألف هذا المستوي من قصة ذات أساس بنيوي مشترك تقع عنده السردية narrativity، وهو مستوي سابق علي كل تجلياته (وهنا يتم التمييز بين مستوي سيميوطيقي ومستوي لساني لاحق عليه). ويحصر جريماس عمله في هذا المستوي. إن جريماس، الذي اطلع علي عمل بروب، يقوم بتهذيب نموذجه وذلك بأن اختزل دوائر الفعل السبعة عنده إلي ستة عوامل actants (والمصطلح استعاره بروب من عالم اللغة تسنيير). و"العامل" هو دور تقوم به الشخصية في مجري الفعل. أما العوامل الستة التي حددها جريماس فهي: الذات، الموضوع، المرسل، المرسل إليه، المساعد، والمعارض. ويطلق جريماس علي نموذجه اسم "النموذج العاملي"actantial model . إن كل حكي يشتمل علي ذات تحدوها الرغبة في الحصول علي موضوع ما (موضوع قيمة)، وتكون علاقتها بهذا الموضوع إما علاقة انفصال أو علاقة اتصال (يسمي جريماس هذه العلاقة بملفوظ الحالة) فإذا كانت علاقتها بموضوع رغبتها علاقة انفصال، رغبت في الاتصال، وإذا كانت علاقتها بموضوع الرغبة علاقة اتصال، رغبت في الانفصال. ويوجد إلي جانب هذين العاملين، عامل آخر، هو المسئول عن دفع الذات إلي العمل، وتزويده بالحوافز اللازمة لإنجاز فعل الحصول علي موضوع رغبته، ويسمي هذا العامل بعامل "المرسل". وفي المقابل يوجد عامل آخر يسمي "المرسل إليه" هو الذي يعترف للذات بأنه أدي مهمته علي أكمل وجه، أو العكس. إنه العامل الذي يحكم علي مطابقة الفعل للكون الأخلاقي الذي صدر عنه. وبالإضافة إلي ذلك يوجد عاملان يتعارضان من حيث الوظيفة، عامل المساعد، الذي يساعد الذات في مهمته للوصول إلي موضوع رغبته، وعامل المعارض الذي يحاول تعويق حركة الذات ووضع العراقيل أمامه حتي لا يتمكن من إنجاز مهمته.. أما بالنسبة للمعني عند جريماس، فهو رهين بالوحدات الحكائية. إن المسار الحكائي هو الذي يمنح الحركة والطاقة علي التحول السياقي، فالعناصر الدلالية الواردة في بداية أي أثر أدبي تكون قابلة للتغير حسب المسار، إذ تبرز في نهاية القصة دلالات جديدة لم تكن متاحة في بداية الحكي. إن للبطل معني في نهاية الحكاية، لا يكون له في بدايتها. ويميز بارت في محاولته تحديد الوحدات الأساسية للحكي، بين نوعين من الوحدات الوظيفية: وحدات توزيعية (تعادل وظائف بروب)، ووحدات إدماجية لا تتصل بالأفعال وإنما تتصل بالأوصاف (قارن ذلك بتمييز توماتشفسكي بين "حوافز دينامية" dynamic motifs هدفها دفع الحبكة إلي الأمام، و"حوافز ساكنة أو إستاتيكية" static motifs هدفها وصف أحد الأوضاع) ويطلق بارت علي النوع الثاني من الوظائف اسم ) indices قرائن) ووظيفتها هي الإحالة علي تصور، أو إلي طبائع الشخصيات، أو إلي أي معلومات تتصل بهويتها وإشارات حول الجو أو المناخ، إلخ. إنها وحدات عمودية الطابع ذات بعدٍ دلالي، لا تحيل علي دال، وإنما تحيل علي مدلول. أما الوظائف التوزيعية فتحيل علي فعل. إن بعض المحكيات تكون شديدة الوظيفية مثل الخرافات الشعبية، بينما تكون أخري شديدة القرينية، مثل الروايات السيكولوجية. وتحت كل صنف من هذين الصنفين الأساسيين (التوزيعي والإدماجي) يوجد صنفان ثانويان من الوحدات الحكائية: إن وحدات الوظائف التوزيعية (الأفعال) ليست كلها بنفس الأهمية. إن بعضها يكون مفاصل حقيقية للحكي، تفتح أو تغلق اختياراً ما منطقياً بالنسبة لبقية القصة، ويطلق بارت علي هذه الوظائف الأساسية اسم "نُوي" nuclei ، وبعضها الآخر ذات وظيفة تكميلية أو حشوية بالنسبة للنوي، ويطلق علي هذه الوظائف التكميلية اسم ) catalysts وسائط أو توابع). وليس بالإمكان حذف نواة دون أن تصاب القصة بالخلل، بينما لا يتم حذف "وسيطة" دون الإخلال بنظام الخطاب. وفيما يتعلق بالقرائن، توجد أيضاً قرائن أساسية وأخري ثانوية أو تكميلية: إن القرائن الأساسية تحيل علي طبع أو شعور أو مناخ أو فلسفة، أما القرائن الثانوية فيطلق عليها بارت اسم مخيرات informants، ووظيفتها تكون تأصيل المرجع أو تجذير الحكاية في الواقع. وتكمن أهميتها في استكمال صورة الخطاب. أما بالنسبة للتركيب الوظيفي للوحدات (قواعد التوليف) فإن أي وسيطة تقتضي بالضرورة وجود نواة أساسية تلتصق بها وتدور في مدارها. أما الوظائف الرئيسية، فإن ما يشدها إلي بعضها هي علاقة التضامن. إن الوسائط (التي تمثل توسعات للوظائف) يمكن إلغاؤها، بينما لا ينطبق نفس الشيء علي النوي، الذي يمثل إلغاؤها تدميراً للقصة. (تزفتان تودروف:مقولات الحكي الأدبي.( وفي دراسته "نحو الديكاميرون" حاول تزفتان تودروف البحث عن نحوٍ للحكي ينتظم كل المحكيات، تماماً مثلما يوجد نحو للجملة ينتظم كل الجمل التي ننطق بها (هنا تقع المماثلة مرة أخري بين نظام اللغة ونظام الخطاب). إن جملة: "الفارس ذبح التنين بسيفه" هي ملفوظ لغوي، وملفوظ حكائي في ذات الوقت. وتتألف الجملة من فاعل (أو مسند إليه) هو "الفارس" ومسند أو محمول هو "ذبح التنين بسيفه". ولن يتغير الحال إذا استبدلنا الفارس بزوج غيور، أو السيف بسكين. إن البنية الأساسية تظل واحدة في كلتا الحالتين (إن كل نماذج الحكي تتألف من عوامل وأعمال، شخصيات وأفعال. وتمثل كل شخصية فاعلاً (مسنداً إليه) في حكيها، وتكون أفعالها هي مسندها أو محمولها). وجدير بالذكر أن المحمولات لا تتوقف علي الأفعال وحدها، وإنما توجد أيضاً في الصفات أو النعوت، وفي هذه الحالة تسمي محمولات وصفية أو نعتية (قارن تمييز توماتشفسكي بين حوافز دينامية، وأخري سكونية والتمييز الذي أقامه جريماس بين محمولات دينامية dynamic predicates أو"الوظائف"، ومحمولات إستاتيكية static predicates ) أو "النعوت" : س قتل ص، س خدع ص إن "قتل" و "خدع" محمولان ديناميان. س سعيد/ تعيس، س ذكر/ أنثي، س يهودي/ مسيحي، إن "سعيد"/"تعيس"، "ذكر"/"أنثي"، "يهودي"/"مسيحي" محمولات وصفية أو نعتية.. والوحدة السردية الدنيا عند تودوروف هي الجملة (التي تضم فاعلين ومحمولات)، وتأتلف الجمل لكي تكوِّن وحدة حكائية أعلي هي المتتالية، وتأتلف المتتاليات في وحدة أعلي هي النص، وتتسم العلاقات بين الوحدات الدنيا (الجمل) بأنها علاقات منطقية سببية أو إدماجية، علاقات زمنية تتابعية، وعلاقات مكانية تكرارية أو تقابلية. إن المتتالية تتسم بتكرار غير تام (أو تحويل) للجملة الأصيلة التي تصف حالة هادئة، تجعلها قوة ما مضطربة، وينتج عن ذلك حالة اضطراب، ويعود التوازن بفضل قوة موجهة معاكسة، والتوازن الثاني شبيه بالتوازن الأول، ولكنهما ليسا متماثلين أبداً. ويكون لدينا نوعان من الحلقات: حلقات تصف حالة توازن أو اضطراب، وحلقات تصف الانتقال من حالة إلي أخري (جمل وصفية وجمل فعلية). أما عن أنواع التوليف بين المتتاليات التي تشكل نصوصاً فهي: التسلسل، والتضمين والتناوب. تزفتان تودروف: الشعرية أما كلود بريمون فيبدأ في التشكيك في مفهوم البنية الذي يستخدمه بروب في تحليله. إنه يري أن كل وظيفة يجب أن تنفتح علي مجموعة من النتائج البديلة الأمر الذي لا تفي به وظائفه. إن نظرية بريمون تقوم علي تحديد البدائل المحتملة لكل فعل (فيمكن للبطل والبطلة أن يتصالحا بعد مشاجرة عنيفة أو يذهب كل منها لحال سبيله). وتتألف المتتالية الأولية عند بريمون من ثلاث وظائف رئيسية، تفتح كل منهما احتمالات بديلة. أولاً، هناك الوضعية الأولي التي تفتح إمكانية القيام بعملٍ ما، وتحقق الوظيفة الثانية هذه الإمكانية، (أو لا تحققها)، وتتصل الوظيفة الثالثة بالنتيجة التي تغلق السيرورة (بنتيجة متحققة أو نتيجة غير متحققة). المرحلة الأولي تفتح إمكانية حصول الفعل لا تفتح إمكانية حصول الفعل المرحلة الثانية تحقق الإمكانية عدم تحقق الإمكانية المرحلة الثالثة تحقق النتيجة عدم تحقق النتيجة أما بالنسبة للشخصيات، فإن بريمون يضع ست شخصيات مقابل عوامل جريماس الستة،هي علي التوالي: 1- المنفعل patient أو المستفيد Bénéficaire ويقابل ذات الحالة عند جريماس sujet d'état وهي الذات التي تكون في حالة انفصال أو اتصال مع موضوعها وتكون سابقة علي ذات الإنجاز، التي تنهض فعلياً بإنجاز عملية الانفصال أو الاتصال ضمن ملفوظ يسمي "ملفوظ الإنجاز" ( nonce de faire). 2- فاعل agent ويقابل عامل "الذات" sujet عند جريماس. 3- محرض influenceur ويقابل عامل "المرسل" عند جريماس. 4- حامي protectéur أو حليف l'allié ويقابل عامل "المساعد" عند جريماس. 5- مُحْبِط frustrateur ويقابل عامل المعارض عند جريماس. 6- محصل الاستحقاق acquéreur ويقابل عامل "المرسل إليه" عند جريماس. وتتخذ هذه الشخصيات أوضاعاً مختلفة ممكنة وتقوم بوظائف محتلمة داخل الحكي. إن المنفعل أو المستفيد علي سبيل المثال يظل ذاتاً للحالة إلي حين يتهيأ له مسار للتغيير، فينتقل من كونه ذاتاً للحالة إلي ذات للإنجاز يهدف إلي تغيير الحالة الأولي. وهكذا تمر شخصيات بريمون بحالات شبيهة بالحالات التي رسم جريماس أدوارها في نموذجه العاملي برغم تغير الأسماء والمصطلحات المعطاة للشخصيات، إلا أن بريمون يزيد عليه وضعه للاحتمالات الممكنة في كل وضع من الأوضاع. 2 ـ سرديات الخطاب إذا كان التحليل الوظائفي عند بروب أو السيميوطيقي عند جريماس ورولان بارت وكلود بريمون، قد اتخذ من المضمون موضوعاً للحكي، وربط السردية narrativity بدراسة المحتوي الحكائي أو الوظائف والأفعال، وبحث في الأسس المجردة التي تنتظم وفقاً لها شتي أنواع الحكي علي مستوي البنية المجردة، فإن المشتغلين بسرديات الخطاب (جينيت وبال وبرنس) قد وجهوا اهتمامهم نحو مستوي التعبير (مستوي الدال)،حيث تتصل السردية narrativity عندهم بالأدبية (عنصر التعبير الجمالي أو الفني الذي يرتبط بدوره بعملية تجسيد الفعل من خلال الصيغة التمثيلية)، وبحثوا في مكوناته من زمن، وصيغ، ورؤي وأصوات وعلاقة هذه المكونات بمستويات القصة والسرد. ويؤكد تودوروف في "مقولات الحكي الأدبي" أن "للعمل الأدبي في مستواه الأعم مظهران، فهو قصة وخطاب في نفس الوقت، بمعني أنه يثير في الذهن واقعاً ما وأحداثاً تكون قد وقعت، وشخصيات روائية تختلط من هذه الوجهة بشخصيات الحياة الفعلية، وكان بالإمكان نقل تلك القصة بوسائل أخري، فتنقل بواسطة شريط سينمائي مثلاً، وكان بالإمكان التعرف عليها كمحكي شفوي لشاهدٍ ما دون أن تتجسد في كتاب، غير أن العمل الأدبي، خطاب discourse في نفس الوقت، هناك سارد يحكي القصة، أمامه يوجد قارئ يدركها، وعلي هذا المستوي ليست الأحداث التي يتم نقلها هي التي تهم، وإنما الكيفية التي أطلعنا بها السارد علي تلك الأحداث". ويركز جيرار جينيت في "خطاب الحكي" علي نفس البعد "إن دراستنا تنصب أساساً علي الحكي بمعناه الأكثر شيوعاً، أي الخطاب السردي. إن الخطاب السردي يستتبع باستمرار دراسة العلاقتين، وأعني العلاقة بين الخطاب والقصة من جهة، ومن جهة أخري، العلاقة بين الخطاب نفسه والفعل الذي ينتجه (أي السرد) narration. وأنا أطلق اسم "القصة" علي المدلول أو المضمون السردي، واسم الحكي récit بمعناه الحصري علي الدال أو المنطوق، أو الخطاب، أو النص السردي نفسه، واسم السرد narration علي الفعل السردي المنتِج، وعلي سبيل التوسع، مجموع الوضع الحقيقي أو التخييلي الذي يحدث فيه ذلك الفعل.. ومن ثم، فموضوعنا هنا هو الحكي بالمعني الضيق.. ومن البديهي كثيراً فيما أظن أن يكون مستوي الخطاب السردي هو الوحيد من بين المستويات الثلاثة التي ميزنا بينها حتي الآن، الذي يعرض نفسه مباشرة للتحليل النصي". كما يجادل جوناثان كلر بأن نظرية السرد الأدبية، تتطلب التمييز بين مستويين: القصة story ، وهي متتالية من الأفعال أو الأحداث المستقلة عن تجليها، والخطاب discourse وهو مستوي تقديم هذه الأحداث (وهو تمييز سبق إليه الشكلانيون الروس عندما حددوا مستويين من مستويات العمل الأدبي أطلق عليهما توماتشفسكي المتن الحكائي fabula، والمبني الحكائي sjuzet ، الأول يتصل بالتسلسل الطبيعي للأحداث قبل أن يجري تنظيمها)، والآخر هو الطريقة التي تمثل بها هذه الأحداث في عمل فني ترجع أصول هذا التمييز أيضاً إلي أرسطو الذي ميز بين الفعل في حد ذاته praxis وطريقة تنظيمه في حبكة mythos ، كما نجد تمييزاً مشابهاً في البلاغة الكلاسيكية بين صيغتين، الـ inventio وتختص بالدلالة أو القصة، والـ dispositio، وتختص بطريقة عرض القصة أو الأحداث.. أما ميك بال فتحدد في كتابها "Narratology" ثلاثة مستويات بدلاً من مستويين: الفابولا أو المتن الحكائي fabula، وهو مستوي الأحداث في حد ذاتها قبل أن يتم تقديمها، والقصة story، وهي المتن بعد أن اتخذ شكلاً تقديمياً، والنص Text، وهو المنتج الفني اللساني الذي نستطيع شراءه وقراءته. فإذا اتخذنا رواية "روبنسون كروزو" لدانييل ديفو نموذجاً، فإن المتن الحكائي هو أي شيء حدث لروبنسون في رحلاته وفوق جزيرته. أما القصة فهي الطريقة الدقيقة التي نقل بها هذا الحدث أي الطريقة التي نظم بها المتن أو الفابولا في بنية معرفية محددة من المعلومات، ويكون النص هو مجموعة العلامات اللسانية المحددة والمبنينة، والذي يتولي فيه فاعل سرد القصة.إن المتن الحكائي طبقاً لميك بال هو مخطط مجرد للأحداث الحكائية لا يأخذ في اعتباره أية سمات محددة تضفي علي الفاعلين أو الأفعال صفة فردية معينة تحولها إلي شخصيات وأفعال مجسدة. إن وصفاً للمتن سوف يستبعد أي انحرافات زمنية أو منظورية. والقصة هي المتن الحكائي بالشكل الذي قدم به في النص. والنص ليس هو القصة أيضاً، إن القصة هي التجريد المركب الذي يقوم النص بإنتاجه وعلي أن نأخذ في الاعتبار مظاهرها الحكائية فقط، وأن ننظر إليها بقدر ما تقدم فعلاً (= الحبكة عند كل من فورستر، وأرسطو). ومهما يكن من أمر، فإن الانتقال من مستوي الأحداث (أو القصة علي الطريقة التي فهمها تودوروف وجينيت) إلي مستوي الخطاب (التجلي) يستلزم أعرافاً معينة، وإستراتيجيات بعينها. إنه يتطلب وجهة نظر، واختيارا، ومنظورا للموضوع الممثل، كما يتطلب مخططاً زمنياً محدداً. وفي حالة السرد الشفاهي، يوجد شخص يروي القصة يمكن للجمهور رؤيته أو سماعه مباشرة، ويمكنه عبر العديد من الوسائل والطرق التأثير في مستمعيه، كما يمكن أن يتحكم في استجابة الجمهور وتوجيه رد فعله. وفي الأشكال المكتوبة، يتعرف القارئ علي صوت الراوي عبر اختياره للمحتوي، والأسلوب، والإشارات التي تكشف عن معتقداته وقيمه وموقعه الأيديولوجي وموقفه من الشخصيات. ويحدد المنظرون مستويات عدة يمكن عن طريقها تحويل القصة إلي خطاب هي: الزمن، الصيغة السردية، والمظاهر (أو الجهات) aspects أو الرؤي أو الصوت والمنظور. 1 ـ الزمن يقول تودوروف في مقولات الحكي "يرجع السبب في طرح شكل تقديم الزمن داخل السرد إلي عدم التشابه بين زمانية القصة وزمانية الخطاب. فزمن الخطاب هو بمعني من المعاني زمن خطي، في حين أن زمن القصة هو زمن متعدد الأبعاد، ففي القصة يمكن لأحداث كثيرة أن تجري في آن واحد، لكن الخطاب ملزم بأن يرتبها ترتيباً متتالياً يأتي الواحد منها بعد الآخر، وكأنما الأمر يتعلق بإسقاط شكل هندسي معقد علي شكل مستقيم، ومن هنا، تأتي ضرورة إيقاف التتالي الطبيعي للأحداث حتي وإن أراد المؤلف اتباعه عن قرب. غير أن ما يحصل في غالب الأحيان، هو أن المؤلف لا يحاول الرجوع إلي هذا التتالي "الطبيعي" لكونه يستخدم التحريف الزمني لأغراضٍ جمالية". لقد رأي الشكلانيون الروس في التحريف الزمني السمة الوحيدة التي تميز الخطاب عن القصة. يقول فيجوتسكي Vigotski في كتاب "سيكولوجية الفن" 1925، "إذا كان لدينا ثلاثة أصوات أ.ب.جـ فإن معناها ودلالتها سوف يتغيران كليةً إذا ما رتبناها مثلاً علي النحو التالي: ب،ج، أ أو ب، أ، جـ، أو جـ، أ، ب. إن علاقة تضايف ديناميكية تتحدد بكاملها" . إن التحريف الزمني للقصة، يحدث وفقاً لثلاثة أنواع من المفارقات الزمنية: الترتيب order، والديمومة (أو المدة) duration ، و "التواتر" frequency. وتقوم دراسة الترتيب الزمني علي المقارنة بين ترتيب الأحداث في القصة، وطريقة ترتيبها في الخطاب (تلتزم السير الشعبية مثلاً في تمفصلاتها الزمنية الكبري بالترتيب الطبيعي للأحداث، بينما تبدأ الملاحم الثلاث الكبري عادة بمجمل استشرافي، ثم تبدأ الأحداث من المنتصف in medias res، تعقبه عودة تفسيرية، ثم تستأنف الحكاية بعد ذلك مسيرها، وهو التقليد الذي التزمت به الرواية في القرن التاسع عشر، وتبدأ قصص الجريمة عادة بالجزء الأخير من القصة، ثم يعقب ذلك عودة استرجاعية لاستجلاء الظروف والأسباب التي أدت إلي وقوع الجريمة، وهناك العديد من الطرق التي يلعب بها الخطاب بزمنية القصة). ويمكن تحديد نوعين من المفارقات الزمنية: الاسترجاعات analepses والاستباقات prolepses الهدف منها هو خلخلة الترتيب الزمني للقصة وإعادة ترتيب الأحداث وفقاً لرواية جمالية وفنية. والنوع الأول من المفارقات الزمنية (الاسترجاعات) يمكن العثور عليه في كل أشكال الحكي، حيث يعود الراوي بنا إلي الوراء لاسترجاع حادثة ما أو موقف ما، لسد ثغرة في الحكي، أو استكمال بعض المعلومات حول هذه الحادثة أو الموقف (استرجاع تكميلي)، أو يكون الغرض منه رؤية الأحداث السابقة في ضوء جديد، أو إعادة تأويلها (استرجاع مكرر). والنوع الثاني من المفارقات الزمنية (الاستباقات)، أقل تواتراً من النوع الأول ولكننا نعثر عليه في بعض الملاحم الكبري التي تبدأ عادة بمجمل استشرافي يتكهن بما سوف يقع من أحداث ("حبكة القدر" كما يسميها تودوروف) ولا تقتصر مثل هذه المفارقات علي التمفصلات الزمنية الكبري للحكي وحدها، وإنما تتخلل الحكي كله علي مستوي التمفصلات الزمنية الصغري (استعراض ماضي إحدي الشخصيات، تعويض نقصان ما، إلخ). أما المقولة الثانية التي تتصل بخلخلة المرجع الزمني للقصة فتتصل بالديمومة (أو سرعة الحكي) والهدف منها هو ضبط العلاقة بين زمن القصة الذي يقاس بالثواني والدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين، وطول النص الذي يقاس بالسطور والصفحات والفقرات والجمل، حيث يمكن أن يستقطب مقطعاً نصياً طوله ثلاثة سطور مثلاً مدة زمنية طولها عشر سنوات (وهنا نشهد تسارعاً للخطاب علي حساب القصة) أو أن يستقطب نصٌ طوله 200 صفحة يوماً واحداً في حياة إحدي الشخصيات ونجد في "الصورة المكبرة" Agrandissement لكلود مورياك تخصيصاً نصياً قدره 400 صفحة لمدة زمنية مقدارها دقيقتان. وتتدرج السرعات في الحكي نتيجة لهذا بدءاً من سرعات لا متناهية يمثلها الحذف ellepsis، حيث لا يوجد في النص مقطع سردي يوافق مدة ما في القصة، وحتي ذلك البطء الشديد الذي تمثله الوقفات الوصفية pauses . وهناك حركتان تتوسطان هاتين الحركتين هما المشهد scene (الحواري في الغالب) والذي يحقق التساوي بين زمن القصة وزمن النص، والمجمل summary وهو شكل ذو حركة متغيرة، ولكنه علي وجه العموم يمثل تسريعاً للسرد (سرد عدة سنوات في سطور قليلة مثلاً). وتتصل المقولة الثالثة (التواتر) frequency، بمجموع علاقات التكرار بين النص والقصة: أن يروي النص مرة واحدة ما حدث مرة واحدة، أو أن يروي عدة مرات ما حدث عدة مرات (سرد مفرد sin (gulative). أو أن يروي النص ما حدث مرة واحدة أكثر من مرة (سرد تكراري: رواية الصخب والعنف لفوكز)، أو أن يروي النص مرة واحدة ما حدث أكثر من مرة، ويطلق جينيت علي هذا النوع اسم : تكراري متشابه أو ترددي iterative. 2-الصيغة mood وتتصل هذه المقولة بدرجة المباشرة أو عدم المباشرة في نقل الخبر السردي، وتنقسم إلي "مسافة" distance و "منظور" perspecti (إن الرؤية التي أري بها اللوحة تتوقف علي المسافة التي تفصلني عنها، وعلي موقعي من عائق جزئي ما يحجبها كثيراً أو قليلاً). وترتبط المسافة بدرجة الأمانة في نقل أقوال الشخصيات وأفكارها من جهة، ودرجة الأمانة في حكي الأحداث من جهة أخري، حيث تكون الجزئيات التافهة والعارضة وسيطاً ممتازاً للوهم المرجعي وتأكيد الأثر المحاكاتي. وكان أفلاطون هو أول من تناول قضية المسافة في الكتاب الثالث من الجمهورية، عندما أقام تعارضاً بين صيغتين هما الـ diegesis أي السرد الخالص والـ mimesis أي المحاكاة (كون الشاعر هو الذي يتكلم بلسانه الخاص - تلخيص أقوال الشخصيات علي لسانه هو) أو إعطاء الكلمة لشخصياته للتعبير عن نفسها مباشرة وبلسانها الخاص دون أي تدخل من الشاعر، وهي صيغة أقرب مسافة من الصيغة الأولي التي نشهد فيها توسطاً من قبل الشاعر فيما تقوله الشخصيات (أدان أفلاطون الصيغة الثانية وامتدحها أرسطو عند هوميروس الذي كان يترك الفرصة لشخصياته للتعبير عن نفسها. إن الصيغة الأخيرة بالنسبة لأرسطو هي الأكثر محاكاة وهي الأقرب للدراما، الشكل الأسمي محاكاة بالنسبة إليه). ثم نجد إحياء لهذا التعارض بين صيغتي العرضshowing والسرد telling عند كل من هنري جيمس وبيرسي لوبوك، وانحيازهما للصيغة الأولي الأكثر درامية ومباشرة، وهو انحياز نجده عند العديد من الروائيين والمنظرين. لقد فضل صامويل ريتشاردسون الصيغة الأولي علي الثانية لأنها الصيغة الأكثر درامية في تقديم الحوار، كما فضلها ديكنز وستندال الذي يتباهي بأنه الوحيد من بين كل الروائيين الذي يعرض قصصه ولا يقوم بسردها. وذهب بيرسي لوبوك (صنعة الرواية) إلي أن فن الرواية لا يبدأ إلا عندما يفكر الروائي في قصته كشيء يتوجب عرضه، أن يعرض إلي الحد الذي تروي فيه القصة نفسها. كما يوصينا د.هـ. لورانس بأن "نثق في الحكاية" بدلاً من أن نثق في الراوي، وصورة جيمس عن "المؤلف الذي يقف بمعزل عن خلقه يقضم أظافره". وتتفاوت درجة المباشرة أو عدم المباشرة في تناول أقوال الشخصيات أو أفكارها بين لا مباشرة قصوي تختزل فيها أقوال الشخصيات وأفكارها (حد أقصي من الوساطة من قبل الراوي) ومباشرة قصوي تعرض فيها أقوال الشخصيات وأفكارها دون أدني حد من وساطة الراوي (مونولوج مولي بلوم عند جيمس جويس) حيث نكون في مواجهة مباشرة، وجهاً لوجه، مع ما تقوله الشخصية أو تفكر فيه. وما بين هذين الحدين، تقع عدة صيغ وسيطة تتفاوت من حيث مباشرتها أو عدم مباشرتها. فهناك صيغة الخطاب المروي narrativised الذي يكتفي فيه بتسجيل مضمون عملية الكلام دون أن يحتفظ بأي عنصر من عناصره. إننا نشهد في هذا النمط من الخطاب، حضوراً طاغياً للغة الراوي وتُطمس تماماً أية معالم للغة الشخصية أو أقوالها. وهناك صيغة الخطاب المحول transposed، وهو خطاب أكثر محاكاة من الخطاب المروي، إلا أنه لا يزال أبعد ما يكون عن إعطائنا أية ضمانة أو أمانة بالنسبة لما نطقت به الشخصيات. ويعد الخطاب غير المباشر الحر free indisrect speech أحد متغيرات هذه الصيغة، وفيه يتم الخلط بين أسلوب الراوي وأسلوب الشخصية، لكنه علي أية حال يتمتع بحرية أكبر مما يتمتع به الخطاب المروي أو المحول. وهناك الخطاب المنقول reported الذي ينتمي إلي النمط المسرحي، وهو الأكثر محاكاة وأمانة في نقل أقوال الشخصيات أو أفكارها. وأحد متغيرات الخطاب المنقول، هو الخطاب المباشر immediate الذي تطمس فيه آخر آثار الوساطة السردية، وتعطي فيه الكلمة فوراً للشخصية. أما الصيغة الأخري من صيغ تنظيم الخبر السردي، وهي المنظور perspective فترتبط بسؤال "من يري؟"، مِن منظور مَنْ تُعرض الأحداث؟ (مقابل : من يروي؟ أو من يتكلم؟). إنها ترتبط بما يسميه جينيت بقضايا "التبئير" .focalizatio ويحدد جينيت في "خطاب الحكي" ثلاثة أنماط من التبئير هي 1- التبئير "صفر" أو اللاتبئير zero focalizayion - non focalization ، ويعد هذا النمط من التبئير أحد خصائص السرد التقليدي الذي تقدم فيه الأحداث من منظور الراوي العليم. 2- التبئير الداخلي internal focalization ، حيث تقدم لنا الأحداث مباشرة وبطريقة درامية من خلال وعي إحدي الشخصيات. ولا يمتلك أي من المبئرين الداخليين الذين ينتمون إلي هذا النمط أي رؤية داخلية لما تفكر فيه الشخصيات أو تشعر به، وهناك ثلاثة أنماط من التبئير الداخلي: ثابت، ومتغير، ومتعدد. النوع الأول يمثله سترذر في رواية "السفراء" لهنري جيمس وميزي في رواية "ما كانت تعرفه ميزي" حيث يمر كل شيء من خلال وعي سترذر أو ميزي، والنوع الثاني (المتغير) نجده في رواية "مدام بوفاري" لجوستاف فلوبير، حيث الشخصية البؤرية هي أولا شارل، ثم إيما، ثم شارل مرة ثانية. أما النوع الثالث (المتعدد) فنجده في الروايات التراسلية التي يمكن التصدي فيها للحدث الواحد مرات عديدة من وجهة نظر شخصيات عديدة. ومثال آخر لهذا النوع من التبئير، هو قصيدة روبرت براوننج السردية "الخاتم والكتاب" The Ring and the Book والتي تروي قضية جنائية ينظر إليها القاتل، ثم الضحايا، ثم الدفاع، ثم الاتهام. أما النوع الأخير من أنواع التبئير، فهو التبئير الخارجي external focalization ، حيث لا يسمح لنا بمعرفة أفكار الشخصية أو مشاعرها، وإنما كل الذي نطلع عليه هو سلوكها الخارجي ويضرب جينيت مثلاً علي هذا النوع من التبئير قصة "القتلة" لإرنست همنجواي. والمقولة الثالثة التي تتعلق بقضية الإدراك هي مقولة الرؤية vision ، أو الصوت ) voice من يروي؟). "إن الوقائع التي يتألف منها العالم التخييلي"، يقول تودوروف في مقولات الحكي "لا تقدم لنا أبداً في ذاتها، بل من منظور معين وانطلاقاً من وجهة نظر معينة... ففي الأدب لا نكون أبداً إزاء أحداث أو وقائع خام، وإنما إزاء أحداث تقدم لنا علي نحوٍ معين. فرؤيتان مختلفتان لواقعة واحدة، تجعلان منها رؤيتين متمايزتين، ويتحدد كل مظهر من مظاهر موضوع واحد، بحسب الرؤية التي تقدمه لنا". لهذه المقولة إذن علاقة وثيقة بمن يتولي سرد الخطاب' أي الراوي الذي يقوم عبر نشاطة اللفظي بنقل القصة من مستوي الممكن إلي مستوي الكائن أو الوجود. ويستقطب هذا المكون الخطابي مكوناً آخر لا يقل أهمية عنه، وهو المروي إليه ،المتلقي التخييلي لرسائله. ويختلف الرواة من حيث درجة حضورهم أو غيابهم عن القصص التي يروونها، ومواقعهم الأيديولوجية، والاجتماعية والطبقية والمعرفية إلخ. كما يختلفون بالنسبة لدرجة موثوقيتهم (جديرون بالثقة أم غير جديرين بالثقة)، عليمون أم محدودو المعرفة، مشاركون في الأحداث أم مجرد شه

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 5:01 am