منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    إسهام تودوروف في تطوير السرديات

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    إسهام تودوروف في تطوير السرديات Empty إسهام تودوروف في تطوير السرديات

    مُساهمة   الإثنين يناير 11, 2010 8:45 am

    إسهام تودوروف في تطوير السرديات

    د. سليمة لوكام

    دكتوراه في الآداب واللغة العربية- النقد الأدبي والمدارس الفكرية، أستاذة وباحثة- الجزائر

    salima_loukam_3@yahoo.fr

    مقدمة:

    استأثرت دراسات تودوروف في مجال التحليل البنيوي للمحكي باهتمام الدارسين والنقاد، وقد عد عندهم من أكثر الباحثين المنتسبين إلى المدرسة الفرنسية دأبا في التعامل مع الظاهرة الأدبية تحليلا وتنظيرا، والأعمق رؤية في ممارسة النقد وفهم حدوده وإمكاناته ودرجاته.

    يقول مارتن والاس: "يعد تودوروف، مترجم المقالات، أشمل النقاد البنيويين وأكثرهم نظامية وتظهر كتابته الخاصة عن السرد كيف يمكن دمج النظريات الروسية والفرنسية ... وهو يدمج كذلك النظريات النافذة لدى النقاد الإنجليز والأميركيين مظهرا علاقاتهم بالاهتمامات الأوربية" 1.

    والحقيقة أن الذي يشغلنا في هذا الموضع تحديدا هو الإسهام الذي تمثله جهود تودوروف في مقاربة المحكي سواء ما تعلق بفك شفرات شعريته وتحليل بنياته، أو ما ارتبط برصد ميكانيزماته الحديثة وتفكيك أقسامه الخطابية، فقد حاز ما نشره من مقالات ودراسات على رتبة النصوص التأسيسية، وهذا ما دعا جينيت وهو رائد من رواد السرديات، إلى التصريح بأن "تودوروف هو أول من اجترح مصطلح "السرديات سنة 1969"2.

    وأشهر الأعمال تداولا بين أيدي المشتغلين في هذا التخصص ثلاثة: "مقولات المحكي الأدبي"، وكتاب "نحو الديكاميرون"، و"كتاب شعرية النثر"، مع وجود أعمال أخرى نظر إليها على أنها رافدة مثل كتاب "الأدب و الدلالة "، وكتاب "الشعرية " وكتاب " مدخل إلى الأدب العجائبي " وغيرها .

    وتجنبا لأي تشعب قد يفضي بنا إلى سلوك سبل ملتوية أو يدفعنا إلى ارتياد فضاءات يكون الوقوف فيها فائضا عن حاجة البحث ، فقد رأينا التركيز أكثر على المقالة الشهيرة وعلى كتاب " شعرية النثر" إذ هما يمثلان علامتين فارقتين في تطور رؤية تودوروف بل في تطور نظرية المحكي عموما .



    مقولات المحكي الأدبي: 3



    من يقرأ هذه المقالة الرائدة، يدرك بلا ريب ما كان يهجس به تودوروف نقديا، فقد توضحت استفادته من منجز الدرس اللغوي الحديث في التصنيف كما تبدى بجلاء، انتصابه على أرضية قوامها إرث

    شكلاني دأب على فهمه واستنطاقه من خلال عكوفه على الغوص في المنظومة المفهومية لماهية الأدب وزوايا النظر إليه .

    فقد عمل، في البدء، على التفريق بين المعنى (le sens ) والتأويل، أو بالأحرى بين وظيفة أي عنصر من عناصر الأدب وإمكان دخوله في علقة بالعناصر الأخرى في العمل الأدبي،وبين التأويل l'interprétation حيث يرى أن عامل العصر أيضا، وعليه فالوصف يهدف إلى الوقوف على" معنى" عناصر الأدب في العمل، أما النقد فيسعى إلى إعطائها تأويلا.4

    ومن هذا التقديم ، نفهم انعطافة إلى التصريح بأن المهمة التي يود القيام بها في هذا المجال هي "اقتراح نظام من المفاهيم أو المبادىء التي تساعد على دراسة الخطاب الأدبي5، وقد حدد إطار اهتمامه فقصره على الأعمال النثرية التي يغطي المحكي مساحة كبرى فيها .

    وتأسيسا على معرفة شكلانية في مجال تخصص محبب إليه وهو نظرية الأدب، مضى تودوروف إلى التأكيد أن "لكل عمل أدبي مظهرين، وهو هنا يقصد المحكي، فهو في الآن ذاته قصة Histoire وخطاب discours . 6

    - فالمحكي قصة إذ هو يخبر عن حقيقة ما عن أحداث يمكن أن تكون قد وقعت ومن هنا تنبىء عن شخصيات يمكن أن تتطابق مع الحياة الواقعية.

    - والمحكي خطاب بوجود سارد يروي القصة، وفي مقابل قارئ يدركها، وفي هذا المستوى لا يمكن أن تكون الأحداث مدارا للاهتمام، وإنما الطريقة التي أعلمنا بها السارد، أي الكيفية التي نقل بها الأحداث.

    ومثلما ماهو معهود لدى هذا الصنف من الدارسين الرواد، أشار تودوروف إلى ما حققه "إميل بنفنيست" في بحوثه حين فصل فصلا حاسما بين مفهومي القصة والخطاب بوضعه صيغة تصنيفية نهائية لهما، كما نوه بريادة الشكلانيين وخصوصا توما شفسكي في حصر مفهومي :

    - متن حكائي Fable ويعني بما حدث فعلا.

    - ومبنى حكائي Sujet ويعني بها الطريقة التي بواسطتها أعلم القارئ " 7

    - وفضلا عن استناده إلى هذين التوجهين فإن تودوروف لا يني يستدير صوب البلاغة الكلاسيكية التي تفصل بين المظهرين حيث تختص القصة بالإبداع Invention ويتعلق الخطاب بالإنشاء Disposition.

    ثمة إذن متح من مصادر متنوعة شكلت بانصهارها وتكاملها توجها جديدا عمد تودوروف بموجبه إلى عزل كل مظهر على حدة ثم دراسته وفق ما تقتضيه المعطيات المعرفية والمنهجية، وما يمليه إمكان التداخل أو اللبس من تدقيق وتمحيص فكان التصنيف كالتالي: - المحكي بوصفه قصة. – المحكي بوصفه خطابا.



    - المحكي بوصفه قصة :

    شرع تودوروف منذ البدء في تصويب بعض ما استقر في الأذهان حيث نفى نفيا قاطعا وجود ترتيب زمني مثالي للقصة، وحجته في ذلك أنه يكفي وجود أكثر من شخصية واحدة حتى يصبح هذا الترتيب بعيدا كل البعد عن القصة الطبيعية، أما إذا أردنا الاحتفاظ بهذا الترتيب فعلينا أن نقفز عند كل جملة من شخصية إلى أخرى لقول ماذا كانت تفعل الشخصية الثانية في أثناء هذه اللحظة، وهذا أمر شاق إن لم يكن مستحيلا.

    فالقصة غالبا ما تكون متعددة المسارات أو ما يسميه هو الخيوط les fils، ولا يمكن أن تلتقي هذه الخيوط أو تتشابك إلا عند لحظة معينة.8

    ويواصل سعيه لبناء تصور جديد للمحكي مخالف لما هو عام وسائد فيستحيل القصة ميثاقا أو اتفاقا تحكمه أعراف و مواضعات ففي حين يقدم رجل الشرطة الوقائع والأحداث وفق أعراف خاصة تخضع لمعايير التقدير الذي يطالب بتحريره نجد الكاتب مولعا باستخلاص حبكة من هذه الأحداث فيعمد إلى إخفاء تفصيل معين لا يبوح به إلا في النهاية وهو بهذا يشيد سردا خاصا محكيا بترتيب جديد وأعراف أخرى أهمها عنصر التخيل.

    ويتحقق لديه أن "القصة تجريد Abstraction تدرك وتروى دائما من طرف أحد الأشخاص"9 وهكذا تنفتح القصة على مستويين يمكن أن تحلل من خلالها هما: منطق الأفعال، والشخصيات وعلاقاتها.

    ففي منطق الأفعال Logique des actions يبدو تشبث تودوروف بالإرث الذي خلفته الشعرية الكلاسيكية في تعاملها مع المحكي ظاهرا، وهي شعرية تعول في نظرتها إلى تقنيات المحكي على ميل هذا الأخير إلى ما وسمه تودوروف بقانون التكرار، سواء أتعلق الأمر بالفعل أو بالشخصيات، أو حتى بالتفاصيل الوصفية.

    ويأخذ هذا التكرار أشكالا عدة منها التضاد والتدرج والتوازي. فأما التضاد L'antithèse فيكون في المحتوى أوفي النبرة، ويفترض لإدراكه وجود تماثل كل جزء مع آخر في كل حد.

    وأما التدرج فيتحقق بوجود علاقة تماثل بين شخصيتين على امتداد صفحات عديدة La gradation وأخيرا يتكون التوازي Le parallélisme من متتاليتين على الأقل تحتويان على عناصر متشابهة ومتباينة ويمكن التميز بين نمطين أساسين من التوازي أولهما خاص بخيوط الحبكة ويتعلق بالوحدات الكبرى للمحكي وثانيها خاص بالصيغ الفعلية أي بالتفاصيل. 10

    وبعد بسطه لوجهة نظر الشعرية الكلاسيكية يسجل تودوروف جملة من المحاذير إزاءها يستهلها بخطورة تحديد هوية العمل من خلال عملية إدراك من طرف واحد ذلك أن القراءة الجيدة ليست قراءة قارئ متوسط وإنما هي قراءة قصوى Optimale11 .

    ولم يكتف تودوروف في مراجعته لشعرية أرسطو بهذا الحد، بل تجاوز ذلك إلى صياغة مجموعة من الملاحظات وهي :

    1- أن هذه الشبكة المجردة المقترحة تستعصي على الاختصاص بمحكي دون آخر بسبب طابعها التعميمي.

    2- أن مثل هذه المقاربة ممعنة في "الشكلية " فهي لا تهتم إلا بالعلاقة الشكليةFormelle القائمة بين الأفعال المختلفة، وتغفل نهائيا الاهتمام بطبيعة هذه الأفعال.

    وخالص القول، إن التعارض الحاصل ليس قائما بين دراسة "علاقات ودراسة "ماهيات" وإنما بين مستويين تجريديين."12

    ويتبين لنا تودوروف قد استفاد من الشعرية التقليدية (الأرسطية ) بقدر مراجعته لها في إطار" نظرية الأدب" وتحديدا نظرية الأنواع الأدبية، يقول دومينيك كومب Dominique Combe : " لقد تمكن مبدأ النوع من الظهور ثانية بفضل إعادة تأهيل البلاغة التي تولى كل من تودوروف وجينيت مراجعتها."13

    بعد شعرية أرسطو، مضى تودوروف إلى الإشادة بجهود أخرى بذلت لوصف منطق الأفعال منها "دراسة الحكاية الشعبية والأسطورة من زاوية بنيوية، وهنا اقترح النموذج الثلاثي le modèle triadique وفيه اختزل مفهوم "كلود "بريمون" في تكون المحكي بأكمله من محكيات صغرى تحكمها قاعدة التتابع أو الدمج، وهكذا تكون محكيات العالم مكونة من توليفات مختلفة لعشرات المحكيات الصغرى ذات البنية الثابتة والتي تتناسب مع مواقف : الخداع والتعاقد والحماية.

    أما النموذج الثاني فقد وصف بالتماثلي Modèle Homologique le ويتعلق أيضا بمقاربة الفلكلور وبوجه خاص الأساطير،وهنا ينفي تودوروف نسبة هذا النموذج المعدل والمختزل إلى "كلود ليفي ستروس"،وتنهض فكرة هذا النموذج المبسط على كون " المحكي عرضا تركيبياSyntagmatique لشبكة من العلاقات الاستبداليةParadigmatique ". من هنا يكتشف نوع من التبعية بين عناصر يعنيها في مجموعة المحكي، وتعد التبعية في أغلب الأحيان تماثلا يتبدى في علاقة تناسبية ذات أربعة حدود a🅱A:B ويعاد الترتيب بشكل مخالف بمعنى تنظيم الأحداث المتتابعة وفقا للعلاقات التي تتأسس بغية الكشف عن بنية العالم المعروض.

    وللتوضيح أجرى تودوروف ذلك على مقطع تطبيقي توضيحي من رواية "الوشائج الخطيرة" وخلص إلى مجموعة من الاستنتاجات أهمها "أن تتابع الأحداث في أي محكي ليس أمرا اعتباطيا، فهو يخضع لمنطق معين، ذلك أن ظهور مشروع في الأفق يتسبب في ظهور عائق ووجود خطر ينجر عنه إما مقاومة أو هروب". 14

    وما قام به المختصون في هذا المجال أمثال "بريمون" و"ماراندا" يعطينا صورة عن التحليل الأكثر ملاءمة لأشكال المحكي البسيطة، وبفضل هذه البحوث أضحت معرفة التقنيات والنتائج المحققة أمرا ضروريا لفهم العمل، فإذا عرفنا، مثلا أن تتابعا معينا للأحداث أنيط بمنطق ما فهذا يجنبنا تجشم عناء البحث عن تبرير آخر، وحتى في حالة ما إذا لم يخضع كاتب ما لهذا المنطق فبإمكاننا فهم ذلك لأن عدم خضوعه يستمد معناه من علاقته بالعرف الذي أرساه المنطق وفرضه.

    ومن الاستنتاجات أيضا ضرورة التحرز من قابلية المحكي للتشكيل، فإن بالإمكان الحصول على نتيجة مختلفة انطلاقا من ذات المحكي بحسب النموذج المختار فمعنى ذلك أن لهذا المحكي بنيات متعددة، وأن التقنيات لا تمنحنا أي معيار للاختيار، ثم إن بعض أجزاء المحكي وإن قدمت في النموذجين بجمل مختلفة فإن الإبقاء على القصة لا يزال قائما.

    وينتهي تودوروف إلى ما يلي: إذا بقيت القصة هي نفسها مع تعييرنا لبعض أجزائها فمعنى ذلك أن هذه الأجزاء ليست فعلية حقيقية véritable فيها 15 وهنا مكمن الخطر.

    وأما الاستنتاج الثالث فيتعلق بجانب منهجي، يلح "تودوروف" على العناية بنوع المثال المختار لأن دراسة الأفعال بهذا الشكل يضعها في موضوع المستقل عن العمل، ونحرم من إمكان ربطها بالشخصيات.

    ويضرب هنا مثالا بين ما تقتضيه دراسة الوشائج الخطيرة باعتبارها تنضوي ضمن ما عرف بالرواية السيكولوجية وبين الحكاية الشعبية، وحتى بين القصص القصيرة لبوكاشيو .

    وما نستصفيه من هذا العرض الخاص بمنطق الأفعال في المحكي بوصفه قصة أن تودوروف يستصعب إمكان قيام دراسة متكاملة أو على الأقل خالية ولو جزئيا من المحاذ ير سواء تعلق الأمر بالشعرية الأرسطية أو التحليل البنيوي في نموذجية الثلاثي المنطقي (بريمون) أو التماثلي (ستروس) ، وبذلك يمهد لإمكان البحث عن طرائق أخرى تجعل التحليل أكثر نجاعة .



    الشخصيات وعلاقاتها:

    لعل عملية مسح شملت كما هائلا من النصوص هي التي مكنت تودوروف من أن يؤكد أن الشخصية كانت تتمتع بحظوة بالغة في أدب النهضة، وحتى في أدب العصر الكلاسيكي لدرجة أن عملية تنظيم عناصر المحكي الأخرى انطلقت منها أولا، في حين يتراجع هذا الدور ليصبح ثانويا في بعض تيارات الأدب الحديث.

    أما دراسة الشخصية فدونها مشكلات كثيرة مازالت بعيدة عن أن تجد حلولا، لكن الواضح أن اختيار نمط من الشخصيات في علاقاته بغيره من الشخصيات، ويستند في هذا الأمر إلى نموذج العلاقات التي استطاع "سوريو"إخراجها من الدراما ،ويستعمله بالشكل الذي أعطاه إياه جريماس، وهذا النموذج هو: النعوت القاعدية Les prédicats de base ويرى تودوروف أنه بالنظر إلى التعدد الواضح في هذه الروابط العائد إلى تراكم المحكيات ينبغي اختزالها إلى ثلاث علاقات هي: الرغبة والتواصل والمشاركة 16. وهي محاور، وإن اقتربت من الصيغة التي وضعها جريماس، و امتلكت طابعا تعميميا كبيرا فإنه يقر بعدم قدرتها على احتواء كل العلاقات الإنسانية في كل المحكيات.

    وفي المقابل، يمكن اختزال العلاقات بين الشخصيات في أي محكي إلى عدد قليل، ولهذه الشبكة من العلاقات دون أساس في بناء العمل.

    والحاصل أن تودوروف توصل إلى الاكتفاء بثلاثة نعوت تحدد الروابط القاعدية، وما سوى ذلك من العلاقات "فمشتق عن هذه الثلاثة باستخدام قاعدتين للاشتقاق تصوغان العلاقة بين النعت القاعدي والنعت المشتق. 17

    وهاتان القاعدتان هما: قاعدة التضاد Opposition وقاعدة المجهول Le Passif .

    -قاعدة التضاد أو التقابل:

    تنبني هذه القاعدة على وجود نعت مقابل لكل نعت من النعوت الثلاثة، وعادة ما تكون هذه النعوت أقل حضورا من منعوتاتها، ويعطي مثالا لذلك: كون الحب مقابلا للكره ليس إلا ذريعة، أو عنصرا ممهدا أكثر منه رابطا صريحا .

    - قاعدة المجهول:

    تبدو نتائج الاشتقاق الثاني من النعوت الثلاثة أقل انتشارا، إنها تتوافق مع الانتقال من صيغة المعلوم إلى صيغة المجهول، لكن ينبغي التنبه إلى أن الأمر يتم على خلاف ما هو حاصل في اللسانيات، فوحده الفعل ينتقل إلى صيغة المجهول وعليه تعالج كل النعوت بوصفها أفعالا متعدية .

    وتختلف وظيفتا القاعدتين، ففي الوقت الذي تعمل فيه قاعدة التقابل على إحداث جملة إخبارية لا يمكن أن يعبر عنها بشكل أخر، تحرص قاعدة المجهول على تبيين القرابة بين جملتين وجدتا قبلا.

    وهنا يكون تودوروف قد حفر طريقا إلى تفحص ما هو كائن فعلا وما يظهرL'Etre et Le Paraître ، وهاهنا يقف عند فكرة مفادها أن وصف العلاقات يجردها من أن تتجسد في شخصيات، فكل فعل يمكن أن يبدو، بدءا، بشكل طيب (حب ،ثقة ...) قد يكشف في وقت لاحق عن علاقة أخرى مختلفة (كره، معارضة ...) وعليه " فالمظهر لا يتطابق بالضرورة مع ماهية العلاقة ، وإن كان الأمر يعني الشخصية نفسها وفي اللحظة نفسها."18

    وهذا ما يقود إلى استدعاء وجود نعت جديد هو الإدراك والوعي ، نعت يحدد وقوع الفعل عندما تدرك شخصية ما أن الربط الذي يصلها بشخصية أخرى ليس هو نفسه الذي اعتقد وجوده.

    ويضيف تودوروف إلى ما سبق مبدأ التحولات الشخصية للرابط، وقد أوردها لإيجاد الفروق الطفيفة التي يمكن رصدها لدى الشخصيات في أثناء وقوعها تحت ضغط انفعالات أو عواطف معينة.

    وغاية ما انتهى إليه من الطرح برمته أنه "لوصف عالم الشخصيات، تقوم الحاجة إلى ثلاثة مبادئ: النعوت وهو مبدأ وظيفي، والشخصيات ولها وظيفتان فإما فواعل وإما مفاعيل لأفعال موصوفة بنعوت، وقواعد الاشتقاق وتصف العلاقات بين النعوت". 19

    وباعتماد هذه المبادئ، يبقى الوصف ثابتا قارا، فإذا كان العمل نحو حركة المحكي، فهو يقترح إدخال جملة أخرى من القواعد اصطلح على تسميتها بقواعد الفعل Les règles d'action تمييزا لها عن قواعد الاشتقاق.

    وتتخذ قواعد الفعل من العوامل والنعوت معطيات أولية، وعلى هذه القواعد أن تفرض علاقات جديدة ينبغي أن تقام بين العوامل.

    و ككل مرة، يمارس تطبيقا على "الوشائج الخطيرة" ومن ذلك يخلص إلى جملة من الملاحظات أبرزها:

    1- تعكس "قواعد الفعل" القوانين التي تحكم حياة المجتمع، حياة الشخصيات في رواية ما، ويمكن للشخصيات نفسها أن تدك هذه القواعد، ولذلك نجد أنفسنا في مستوى القصة وليس في مستوى الخطاب، ولما تصاغ هذه القواعد تصبح دون شك متناسبة مع الخطوط الكبرى للمحكي دونما تحديد للكيفية التي يتحقق بها كل فعل من هذه الأفعال.

    2- تحتاج هذه القواعد بالشكل الذي أعطاه إياها تودوروف إلى شرح خاص، " ويعج تاريخ النقد الأدبي أمثلة تأكيدية مغرية غالبا لكنها، وبسبب عدم دقتها الاصطلاحية، قادت البحوث في طرق مسدودة". 20 ومنه يصل إلى أن "شكل القواعد" التي يمنحها لاستنتاجاته تسمح باختيارها، وتتسبب بشكل متتابع في إحداث انقلابات مفاجئة في المحكي.

    وللتحقق من هذه القواعد التي صيغت بهذا الشكل، ينبغي طرح تساؤلين عن إمكان توليد هذه القواعد لكل الأفعال في الرواية، وكذا إمكان وجود كل هذه الأفعال في الرواية، وكانت الإجابة أنه ينبغي النظر إلى هذه القواعد على أساس أنها تحمل قيمة المثال لا قيمة الوصف المستهلك، هذا من جانب.

    ومن جانب آخر، تبدو قراءة رواية كفيلة بإعطائها إحساسا حدسيا بأن الأفعال الموصوفة تصدر عن منطق معين، مثلما يمكننا القول عن أفعال أخرى لا تشكل جزءا منها إنها لا تخضع أولا تخضع لهذا المنطق.

    وأخر ما تحصل لديه أن العمل كلام يثبت ضمنا وجود لغة كما يثبت تحقيقها فيه "21، وإلى هنا يكون عالم القصة المقدم لنا في المحكي بوصفه قصة عالما خياليا لا ينتمي إلى الحياة وإنما وصلنا من خلال الكتاب .

    ب -المحكي بوصفه خطابا :

    ونحن نهم بقراءة رؤية تودوروف ينبغي أن ننطلق من فهم ما يقصده هو من عبارة المحكي بوصفه كلاما حقيقيا موجها من سارد إلى قارئ 22 ، فقد مر بنا تعريفه القصة بكونها تجريدا، وأنها موكولة إلى من يدركها ومن يرويها، فتستحيل إلى مركب لا يكتسب وجوده إلا بتلبسه خطابا أي كلا ما فعليا بواسطته تقدم القصة للقارئ بطريقة تمكنه من إدراكها.

    ومن هذه الزاوية بوسعنا إيجاد مسوغ مقنع للتصنيف الثلاثي الذي اعتمده تودوروف لطرائق تحليل الخطاب من حيث اقترانها براو ينجزها تلفظا، ويتولى التصرف في نظام أحداثها، وما يستتبع ذلك من تشكيلات وصياغات .

    أما المقولات التي اعتمدها فهي : - زمن المحكي le temps du récit

    - مظاهر المحكي les aspects du récit

    - صيغ المحكي les modes du récit

    وقد عني في زمن المحكي بضبط العلاقة بين زمن القصة وزمن الخطاب، أما في مظاهر المحكي فكانت الطريقة التي تدرك بها القصة من طرف السارد هي مدار الاهتمام، وأما صيغ المحكي فترتبط بالبحث في نوع الخطاب الذي يستعمله السارد ليعرفنا على القصة.



    - زمن المحكي:

    لما انعطف تودوروف لتناول مقولة الزمن في المحكي لم يكن تصوره خلوا من منجزات سابقيه أو حتى معاصريه من الشكلانيين الروس إلى رواد الدرس اللساني، ولذلك سعى إلى تحليل الزمن من زاوية شعرية بنيوية كان نشاطها في تصاعد مستمر آنئذ.

    فالشكلانيون حسب قراءته لهم يهملون المحكي بوصفه قصة فلا يولون اهتماما للأحداث بل يهتمون بالعلاقات التي تنتظمها، كما أنهم يقفون عند التصدعات الزمنية ويعدونها "الخط الوحيد الفاصل بين زمن القصة وزمن الخطاب". 23

    وقد ثبت تودوروف خطية زمن الخطاب مقابل تعدد أبعاد زمن القصة Pluridimensionnel كمعطى أولي في تحليل العلاقة بين زمن القصة وزمن الخطاب، ويفسر ذلك بإمكان وقوع أحداث كثيرة في القصة في وقت واحد، وعلى الخطاب وضع هذه الأحداث الواحد تلو الآخر على نحو معين.

    وينسجم مبدأ الخطية La linéarité والتعدد مع عزوف الكتاب عن البحث عن الزمن الطبيعي للقصة لتعذر ذلك، فانبروا إلى استخدام تقنية تكسر الزمن لغايات جمالية، أما العلاقات التي تنظم الأحداث فجعلها صنفين: صنفا يخص الشخصيات التي تحكم عالم القصة، وصنفا يرتبط أساسا بزمن التلفظ وزمن التلقي.

    *وقد حوى الصنف الأول ثلاثة أشكال من العلاقات تكشف عن مظهر آخر للزمن في المحكي، وهي التسلسل والتضمين والتناوب .24

    1- التسلسل: Enchaînement.

    يتجلى في تلاحق قصص مختلفة، تبدأ القصة الأولى وعندما تنتهي تبدأ الثاني، ويتكفل التشابه القائم في بناء هذه القصص بضمان وحدة العمل، ويسوق مثالا عند خروج ثلاثة إخوة للبحث عن غرض ثمين حيث يكون سفر كل واحد منهم بمثابة قاعدة لكل قصة من هذه القصص.

    2- التضمين: Enchâssement

    ويأخذ مثاله من قصص "ألف ليلة وليلة" حيث يتضمن محكي شهرزاد كل القصص، بمعنى أن التضمين يكون حينما تحتوى قصة داخل أخرى.

    3- التناوب: L'alternance

    يتم في هذا الشكل من العلاقات حكي قصتين سويا، فتقطع إحداهما تاركة المجال للأخرى، ويختص عادة بالأدب المكتوب الذي قطع كل علاقة لهما الأدب الشفوي.وقد حاول تودوروف إثبات إمكان تواجد هذه التوليفات العلائقية الثلاث في المحكي الواحد بتطبيق سريع ومقتضب على رواية "الوشائج الخطيرة".

    *وأما الصنف الثاني من هذه العلاقات الزمنية المرتبطة بزمن التلفظ وزمن التلقي فقد قصد به زمن الكتابة وزمن القراءة.25

    يصبح زمن التلفظ، زمن الكتابة، عنصرا أدبيا بمجرد إدراجه ضمن القصة، وحين حكيه لنا، أما زمن التلقي، زمن القراءة، فزمن غير قابل للقلب، إنه يحدد نوعية إدراكنا عموما، ويمكن أن يصبح عنصرا أدبيا بشرط أن يضع السارد هذا الأمر في حسبانه، ولمثل هذا أشكال كثيرة.



    - مظاهر المحكي: Les aspects du récit

    كانت غاية تودوروف من وضع هذه المقولة قيد الاشتغال أن يرصد طريقة إدراك السارد للقصة، وهي قضية حظيت باهتمام نقاد الرواية الإنجلوساكسونيين هنري جيمس بوجه خاص، كما وجدت عناية لدى المهتمين بقضايا الرواية أمثال:"جون بويون Jean Pouillon وجورج "بلين" * Georges Blin

    وعلى الرغم من تصريح تودوروف باعتماد طريقة "جون بويون" لمظاهر "المحكي" المحددة لعملية إدراكه، فإشارته إلى إجراء تعديلات طفيفة عليها تجعلنا نتساءل: في أي اتجاه ووفق أية رؤية صدرت هذه التعديلات؟

    للإجابة ينبغي أن نعرف أن تودوروف حاول أن يقد مصطلحات تنم عن وضعيات تضبط العلاقة بين السارد والشخصيات وهي:

    - السارد أكثر معرفة من الشخصية.

    - السارد يساوي الشخصية في المعرفة

    - السارد أقل معرفة من الشخصية.26

    وقد حاول تودوروف أن يدرج هذه العلاقات في إطار زماني وأجناسي فأكد على النوع الأول

    - السارد أكثر معرفة من الشخصية- في المحكي إذ تفوق معرفة السارد معرفة الشخصية، هذا السارد لا يكلف نفسه عناء إفهامنا أو حتى إبلاغنا عن كيفية حصوله على هذه المعرفة، إنه يرى عبر جدران المنزل مثلما يرى عبر جمجمة بطله 27.

    فالسارد، والحال هذه، يمكن أن يعطينا انطباعا بامتلاك معرفة ليس بمقدوره امتلاكها مثل الرغبات الدفينة لشخصية، أو الأفكار التي تختمر في ذهن أخرى.

    وأما الوضعية الثانية "السارد يساوي الشخصية" فحضورها بين في السرد المحاصر، لا يمارس السارد سلطة فوقية على الشخصيات، " إنه سارد يقف مع الشخصيات عند درجة متقاربة أو متساوية من المعرفة". 28

    وتسمح هذه الوضعية بأن يرد المحكي بضمير الأنا أو بضمير الغائب، وحينئذ تدرك الشخصيات الأحداث بشكل متعدد، فتكون النتيجة أكثر تعقيدا كما تمكن ذات الوضعية السارد من متابعة شخصيات عديدة.

    وتعود ندرة حضور الوضعية الثالثة: "السارد أقل معرفة من الشخصية" إلى خصوصيتها المتجلية أولا في حداثتها إذ لم يسجل لها حضور قبل القرن العشرين، وثانيا في كون معرفة السارد أدني من معرفة الشخصيات، هذا " السارد يكتفي بوصف كل ما نراه أو نسمعه وليس بإمكانه الولوج إلى ضمائر الشخصيات"29 ، وكأنه شاهد لا يعرف شيئا ولا يريد أن يعرف، وهو بهذا يتحرى موضوعية لا يمكن أن تكون مطلقة.

    ونلاحظ أن تودوروف وإن تبنى تصنيف بويون، واطلع على تنظيم هنري جيمس لقضية وجهة النظر، ورأيه الشهير القائل " بوجود خمسة ملايين طريقة لحكي قصة واحدة" فإنه بدا متحفظا وحذرا إزاء إشكالات عنت له، وتخص التعارض بين ما يسميه هو مستوى ظاهر ومستوى حقيقي واقعي أو بين ما هو ظاهر وما هو كائن le paraître l'être et.

    يحيل المستوى الأول على محكي ما يظهر le récit des apparences ، وهو يوقظ فينا فضولا فننتظر تأويلا أعمق، ويحيل المستوى الثاني على محكي ما هو كائن ويقترب من وضعية الرؤية من الخلف.وبين الكائن والظاهر يبدو أن إدراج رؤيا مختلفة ليس ضروريا ولكنه يستخدم لأهداف مختلفة .

    ولعل هذا التحفظ هو الذي حدا به لتطوير فكرته في هذا المجال في كتابه "الشعرية" فيما بعد، حيث يعدد مجموعة من المسائل التي ينبغي أن توضع في الحسبان كنوعية المعرفة وكمها وأحادية مصدرها أو تعدده، إلى غير ذلك من القضايا التي سنعرض لها لاحقا.



    - صيغ المحكي les modes du récit

    ترتبط مقولة المحكي ارتباطا واضحا بمقولة مظاهر المحكي لدى تودوروف، ذلك أنها في أساسها " الطريقة التي يعرض بها السارد القصة أمامنا ".30

    وبناء على المزاوجة الحاصلة بين وجهي القصة والخطاب، فقد اقترح صيغتين تتناسبان معها، وتمكنان في الآن ذاته السارد من تقديم القصة إلينا بدلا من قولها من طرف أي شخص آخر وهاتان الصيغتان هما: العرضla représentation والسرد la narration .

    كما يرجح افتراضا وجود مصدرين لهاتين الصيغتين في المحكي المعاصر هما:

    1- الحدث أو القصة، ويكتسب صفة السرد الخالص، يأخذ فيه السارد دور الشاهد الذي ينقل الوقائع، أما الشخصيات فليس المجال مفسوحا ههنا للكلام عنها .

    2- الدراما: يحتضن المحكي في ردود الشخصيات, فيغيب السرد نهائيا أما القصة فلا تنقل إلينا وإنما تجري أمام أعيننا.

    3- ومن هنا ينجم وجه تشكل ضربين من الكلام :

    - كلام الشخصيات

    - كلام السارد

    مع القاعدة اللسانية التي تكرس التقابل بين الأسلوب المباشر le style direct والأسلوب غير المباشر le style indirect ، وهذا يحيل دون شك إلى تمتع كلام الشخصيات في العمل الأدبي بقانون خاص إذ هو ينقل الواقع المعين، كما يدل على فعل نطق الجملة في حد ذاتها مادام الأسلوب مباشرا، أما كلام السارد بما هو نقل ووساطة فهو بالأسلوب غير المباشر ألصق، وبالنظر إلى ما هو حاضر في المحكيات يعود تودوروف إلى القول بإمكان حضورهما سويا في المحكي الواحد، بل إنه يذهب إلى نفي فكرة خلو الدراما من السرد والمحكي اللاحواري le récit nom dialogué.

    ثم يستوقفنا تودوروف عند جانب دقيق، للبحث فيما إذا كان السرد هو نفسه دائما كلام السارد narration et parole du narrateur ومما يلفت النظر في هذا الموضع أنه للتمييز بينهما ينصرف تودوروف إلى رواية " التربية العاطفية" ليأخذ منها مقطعا للإجراء عليه بدل رواية " الوشائج الخطيرة " المتخذة نموذجا .

    في " التربية العاطفية " كانت الصيغة السائدة هي العرض مقدمة بثلاثة أشكال خطابية: بالأسلوب المباشر وبالمقارنة la comparaison وبالتفكير العام la réflexion générale ويتعلق الشكلان الأخيران بكلام السارد وليس بالسرد، ذلك أنهما أخذ شكل ردود الشخصيات بابتعادهما عن مبدإ الإخبار عن الحقائق الخارجة عن نطاق الخطاب.

    ثم إن تودوروف وهو ينهض إلى التمييز بين السرد وكلام السارد يطرح قضية موضوعية الكلام وذاتيته، وعنده أن كلام السارد وهو موصول بالأسلوب المباشر يقود إلى التنبه لدى ارتباطه بالذاتية والموضوعية في الكلام، وهنا اقترح تودوروف الاحتكام الى تجليات الكلام.

    وبدءا كان الانطلاق من القاعدة اللغوية:" كل كلام لا يعدو أن يكون ملفوظا وتلفظا".31

    فإذا كان الكلام بملفوظ فإن علاقته قائمة مع فاعل الملفوظ، وفي هذه الحالة يكون موضوعيا، أما إذا كان تلفظا énonciation فعلاقته تكون مع فاعل التلفظ le sujet ، وفي هذه الحالة

    يأخذ الكلام طابعا ذاتيا لأنه يعرض في كل وضع فعلا اضطلع به هذا الفاعل.

    ويتحلى هذان المظهران سويا في كل جملة ولكن بدرجات متفاوتة، حيث تضطلع بعض المقاطع الخطابية بنقل هذه الذاتية بينما تخص مقاطع أخرى الحقيقة الموضوعية.

    وفي هذا السياق يستدل بجملة من الأمثلة التي تعضد هذا الطرح، وقد تراوحت بين جملة ذات خاصية موضوعية بالأساس كما في " خرج فلان من منزله في الساعة العاشرة يوم 18 مارس"، وهنا نلاحظ أنه لم يتم إخبارنا عن فاعل التلفظ وبين جملة أخرى تخص فاعل التلفظ بالأساس فتكون فعلا صادرا عن الذات التي تلفظ به كما في " أنت ذكي"، وتتفاوت درجة الذاتية بين وجودها في مثل هذه الجملة وبين وجودها في أقوال الشخصيات.

    ومما شف عن البحث أن "الأسلوب المباشر وثيق الصلة بكلام الشخصيات، أما كلام السارد فينتمي أكثر إلى التلفظ التاريخي مثل عقد التشبيه أو إبداء رأي عام يصبح فيه فاعل التلفظ ظاهرا ويقترب السارد أكثر من الشخصيات ". 32

    كذلك لم يتوان تودوروف من إضفاء مزيد من التوضيح والإبانة على مقولتي " مظاهر المحكي" و"صيغ المحكي" وهوامش التداخل بينهما مما يشكل على الدارسين خاصة في تعلقهما معا بصورة السارد.

    وقد وصل هذا التدخل حد اللبس لدى رواد النقد الروائي الانجلوساكسوني أمثال " هنري جيمس" و" بيرسي لوبوك " بين أسلوبين هامين في المحكي وهما : الأسلوب البانورامي والأسلوب المشهدي scénique ، وتنعقد صلة وثيقة من هذه الزاوية بين مفهومين يؤلفان الأسلوب المشهدي: هما العرض la représentation و"الرؤية مع " وآخرين يؤلفان الأسلوب البانورامي هما السرد " والرؤية من الخلف ".

    وكان وقر، نتيجة هذا اللبس، لدى بعض المشتغلين بالمحكي أن السارد هو نفسه الكاتب ( المؤلف) l'auteur ، وهو أمر بالغ الأهمية ينبغي أن يولى عناية غير قليلة، وهذا ما فعله تودوروف لما سعى الى التدقيق محاولا رفع اللبس من خلال تجلية صورة السارد ومعه صورة القارئ، فالسارد عنده "هو فاعل هذا التلفظ الذي يعرضه الكتاب... وهو الذي يمتلك الكثير من الوصف قبل الآخرين... وهو الذي يرينا الأحداث عبر عيون الشخصيات أو عبر عينه عنه هو دون أن يكون ظهوره على الساحة ضروريا .... وهو أخيرا الذي يختار نقل عنصر المفاجأة لنا إما عن طريق الحوار بين شخصيتين أو عن طريق وصف موضوعي.33

    وعلى الرغم من كل هذه النعوت فإن تودوروف يقر باستعصاء هذه الشخصية على التحديد وعلى الإمساك بموضوعاتها بدقة، فالسارد منفلت ذو طبيعة تنزع دوما نحو ارتداء الأقنعة المتناقضة التي تقربها من أية شخصية لتصل بها إلى التماهي مع شخصية المؤلف نفسه.

    ولئن حازت صورة السارد على نعوت خاصة ترتكز على ما يتواشج به مع عالم المحكي من شخصيات وأحداث، أو ما يتعلق مع موقعه ووضعيته مما ينتقل لنا في المحكي، فإن مقابلته مع صورة القارئ تكسب نعوتا أخرى، بحكم تلازمها وصلتها الخاصة بكل عمل تخييلي، "قارئ الرواية يعي أنه بصدد أداء دور قارئ متخيل إزاء سارد ينقل لنا محكيا سمته التخييل".34

    فالصورتان، والحال هذه، تتشكلان انطلاقا من الميثاق الذي يحول القصة إلى خطاب، ومن التزامات الميثاق أن يتابع القارئ الكتاب من أوله إلى آخره، وهو أمر أداره السارد سلفا، وقد يخضع ذات القارئ لموضوعات أخرى تتصل إما بعرض الأحداث أو بمظاهر المحكي المختلفة، أو بالوضعية التي يتخذها في مقابل الشخصيات.

    وقد أفضى هذا البحث بتودوروف إلى الوقوف عند مبدأ خرق النظام L'infraction à L'ordre وقد عنى بالنظام البنية الأدبية للعمل، وهو مفهوم نوعي في كل علاقات البنيات الأولية للمحكي"35، وأكد أن النظام الذي يقصده لا صلة له بمبدأ التتابع في المحكي، وأن ما يهمه هو تلك اللحظة الحاسمة في التتابع الخاص بالمحكي ويقصد به لحظة الانفراج العقدة، هذه اللحظة التي تمثل "خرقا حقيقيا للنظام السابق".36

    ويتم الخرق على مستوى القصة والخطاب على حد سواء، وقد شيد تودوروف تصميمه على العينة التي اختارها مجالا للإجراء، وهي رواية "الوشائج الخطيرة" وتوصل إلى أن مبدأ خرق بنية العمل الأدبي يمكن أن يتخذ معيارا لإقامة نمذجة مستقبلية للمحكي الأدبي.

    وخاتمة ما ننتهي إليه مع تودوروف هو تعامله مع المحكي بوصفه كلية خطابية ثنائية التقاطب: قصة وخطاب، واختياره رواية "الوشائج الخطيرة" مجالا للإجراء، وهو اختيار أسعفه إلى حد بعيد، سواء فيما يتصل بفصله تحليليا، بين القصة والخطاب ونظره في بنى كل منهما وتشكلاته، أو فيما جعله من أو كد المسائل التي ينبغي العكوف عليها وهي مقاربة خطابية المحكي تأسيسا على شعرية بنيوية.

    وقد عدل تودوروف عن هذا التوجه في دراسته الموسومة ب "نحو الديكاميرون"37 la Grammaire du décaméron التي أبانت عن رؤية جديدة ورغبة ملحة في تأسيس نظرة للمحكي تمتح من المنجز وتروم تشييد نحو عالمي Grammaire universelle.

    وما دام "المحكي نشاطا رمزيا، فإن نظرية للمحكي ستسهم لا محالة في معرفة هذا النحو"، 38 وكما هو متوقع، فالحاجة إلى استعارة جهاز مفهومي ثري وعتيد من الدراسات اللغوية ضرورة ملحة تدفعها وضعية قائمة شرط الاحتراز من الانصياع الكامل لنظريات اللغة.

    وفي الآن ذاته قد يصبح بالإمكان تصحيح صورة النحو بفضل مثل هذه الدراسات وعند هذا الحد يظهر لنا أن المرتكز المعرفي الذي يتكئ عليه هو توكيد نوع من العلائقية التبادلية بين دراسة اللغة ودراسة المحكي.

    ولكن تقف دون هذا التطلع إلى عملية توصيف المحكيات عقبات شتى باعتماد هذا التوجه، وقد أدرك تودوروف أهميتها فمضى يلتمس بسطها وبدأها بما عده مشكلة أقسام الخطاب حيث طرح مسألة التميز بين الوصف le description والتسمية la dénomination باعتبارهما قطبين تتأسس عليهما كل نظرية دلالية خطابية " فالكلام يضطلع بالوظيفتين معا، يرتبط الوصيف بالاسم والفعل والنعت والظرف، بينما تختص التسمية بأسماء الأعلام les noms propres والضمائر وأسماء الإشارة "39، وقد يتداخل الشكلان إلى درجة تبادل المواقع، أما دراسة بنية الحبكة فلا تتم إلا بعد تلخيص هذه الحبكة، حتى يمكن التعبير عند حدث مميز في القصة بجملة إخبارية proposition ، وبإعطاء هذه الجمل الإخبارية شكلها القانونيcanonique نكون قد أسهمنا في إظهار التقابل القائم بين الوصف والتسمية بشكل أكثر جلاء.

    ونكاد نفهم أن تودوروف في هذا الموضع يوسع الدائرة لكنه أيضا يضبطها بالتدقيق، فالفاعل والمفعول به وهما من العوامل Les agents في الجملة الإخبارية أسماء أعلام، فإن كان العامل اسما مشتركا commun دالا على ذات substantif فينبغي إخضاعه لتحليل يكشف عن مظهريه الاسمي والوصفي، ويسوق مثالا توضيحيا مما أدرجه "بوكاشيو" في "ديكاميرونه"، وهو "ملك فرنسا" أو "الأرملة والخادم" حيث تنطوي العبارة في الآن ذاته على التعريف بشخص فريد unique ووصف بعض خصائصه، وهي عبارة تعادل جملة إخبارية كاملة حيت يشكل النعت مظهرها الوصفي ويشكل الفاعل مظهرها الاسمي، وهنا تصبح جملة ملك فرنسا يذهب في رحلة" جملتين إخباريتين: س ملك فرنسا" "ذهب في رحلة"، وبالتالي س يؤدي دور اسم العلم وان كان غائبا في القصة .

    والأصل في العمل ألا يتجرد من أية خاصية، بل إنه شكل مفرغ لا يكتمل إلا إذا تم إمداده بنعوت مختلفة، شأنه في ذلك شأن الضمير، فقولنا: "هو شجاع الذي يركض" يحيل على تجرد الفاعل النحوي من كل الخصائص الداخلية، و ينتهي إلى أن الوصف يقتصر تحديدا على النعت من الداخل، والنعوت عنده أصناف لا يمكن التعرف عليها إلا بالغوص في كيفية بناء المحكي.

    والأساس في بناء المحكي وجود الحبكة التي تعني عند تودوروف الانتقال من حالة توازن إلى توازن آخر، ومعنى ذلك أن "كل المحكيات تستهل بوضعية قارة وثابتة تتم خلخلتها بقوة، وينتج عن ذلك حالة انعدام توازن، ويعاد التوازن ثانية بفعل قوة موجهة في الطرف المقابل وتشابه حالة التوازن الثاني حالة التوازن الأول لكنها لا تتطابقان."40

    والحاصل أن ثمة نمطين من الأحداث épisode في المحكي: يصف النمط الأول حالة التوازن أو عدم التوازن، وهو ثابت نسبيا وعده تكراريا itératif لوجود أكثر من حالة توازن، ويصف النمط الثاني الانتقال من حالة إلى أخرى، ويسميه بالديناميكي، ومن المفروض أنه لا يحدث إلا مرة واحدة.

    وقد عد "جان ميشال آدام" ما حد به تودوروف المحكي "يعطي في المجموع محكيا مثاليا وليس متوالية une séquence فحسب، وهي متوالية سردية صغرى ومكتملة، يرى تودوروف "أنها تتضمن دائما خمسة جمل إخبارية فقط ".41

    بعد ذلك قام تودوروف بتقريب النمطين السابقين بقسمين من أقسام الخطاب: النعت والفعل والتقابل بينهما حاصل لكن ليس بين حدث وصفة، كما يعتقد، وإنما بين مظهرين: تكراري وغير تكراري، وإذا فالنعوت السلبية تصبح مسندات تصف حالات التوازن وعدم التوازن، وتصف الأفعال الانتقال من توازن إلى آخر.

    وإذا ما لاحظنا غياب أسماء الذات فذلك لأنها تختصر أحيانا في النعوت، وهذا ما تجلى في ورود نماذج في الديكاميرون مثل (الرجل النبيل) le gentilhomme ،الملك، الملاك وهي تشترك جميعا في خاصية واحدة "المنبت الحسن".

    نموذج آخر ساقه تودوروف للتدليل على فكرة قيام الحبكة على مبدأ التوازن وعدمه وارتباط ذلك بتركيب قسمي الخطاب النعت والفعل قصة "بيرونيل" من الديكاميرون حيث نجد ثلاثة عوامل هي :بيرونيل والزوجة والعشيق وهي أسماء أعلام "سردية".

    أحدها اسم علم فعلي ( بيرونيل) أما الزوج والعشيق فيمكن اعتبارهما نعتين، والثلاثة يمثلون حالة التوازن المبدئي:" بيرونيل" زوجة البناء، لا تستطيع في العرف العام أن تفعل ما يسيء إلى كونها زوجة لكنها تخرق هذا القانون بخيانتها لزوجها، فتحصل حالة عدم توازن جراء هذه الخيانة، ولإحداث حالة توازن( إعادة توازن) ينهض إمكانان :

    إما معاقبة الزوجة الخائنة، وهذا يعيدنا إلى حالة التوازن المبدئية، وفعل المعاقبة هنا وارد، ولكنه لم يتحقق وبقي على مستوى الافتراض .

    وإما البحث عن طريقة أخرى لتجنب المعاقبة، وهذا ما تفعله "بيرونيل" لما تحول حالة عدم التوازن إلى حالة التوازن بفعل التمويه فتنشأ حالة جديدة، تتمثل في إحلال قانون جديد مفاده وإن لم يكن صريحا، أن المرأة من حقها أن تنساق وراء نزواتها.

    وقد لقي هذا النموذج احتفالا من قبل الدارسين 42 فأجروا عليه تعديلات ومنهم "بول لا ريفاي Paul Larivaille " في كتابه " التحليل المورفولوجي للمحكيL’analyse Morpho 43(logique) ولكنه حظي أيضا بمراجعة صاحبه له في المستوى الإجرائي مثلما هو بين في كتاب "مدخل إلى الأدب العجائبي Introduction à la littérature fantastique " أو على مستوى التنظير النقدي في كتابي" شعرية النثر"Poétique de la prose " و"مفهوم الأدب" La notion de littérature " وفي هذا الأخير، وضمن مقال بعنوان"مبدآ المحكي Les deux principes du récit " عرض تودوروف نموذجه من جديد، لكنه وصله بمبدأ التحول La transformation " سعيا منه إلى تأسيس نظرية للمحكي طارحا السؤال المعرفي النقدي التاريخي : ما الذي يصنع المحكي ؟ 44 Mais qu’est – ce qui fait le récit " وبعد بسطه لآراء متضاربة وإيراده فرضيات يمكن أن تنسف ما يذهب إليه، وحرصه على ما يعتور رؤيته من نقص وتنبيهه إلى ما يثير تصادما مع السائد والشائع، دفع لنا بالإجابة التي لا سبيل إلى النظر إليها إلا من وجهة كونها مبدأ يعتنقه، ولعل لفتنة المحكي ولمكانتها الجلّى لديه دورا في ذلك، يقول: " أعتقد أنه لا يمكن اعتبار اليوميات أو رواية "روب غريبه " ممثلين نموذجيين للمحكي، أكثر من ذلك، إن نشر بقعة ضوء على الفروق بين المحكي والوصف، أو بين مبدأ التتابع ومبدأ التحول يسمح لنا بفهم سبب تلقينا لمثل هذا النوع من المحكيات، على أنها هامشية في وجه من الوجوه "45 .

    لقد استقام لتودوروف أن أول المشكلات التي تعترضه متعلقة بأقسام الخطاب من زاوية نهوض أي نظرية دلالية على التمييز بين الوصف والتسمية ، أما المشكلة الثانية فقد أطل عليها من باب النحو حين رأى أنه يمكن " التمييز فيه بين مقولات أولية Primaires تسمح بتحديد أقسام الخطاب من لمقولات لثانوية Secondaires التي هي خصائص لهذه الأقسام كالصوت والمظهر والصيغة والزمن وغيرها."46 ونلفيه يختار الصيغة مثالا لإدراك التحولات التي تطرأ على نحو المحكي، ولعله أدرك سلفا أنها الأكثر تمثيلا لهذه الرؤية ، فتدرج في التعريف بالأقسام التي تكونها وبدأها بالصيغة الدالة على الحدوث Le mode indicatif وتقف بمفردها في مقابل بقية الصيغ ، كما تقترن وحدها بجانب الواقعي بينما تتعلق المجموعة الأخرى بما هو غير واقعي .

    ويعني ذلك أن الجمل الملفوظة الدالة على الحدوث ، يتم إدراكها على اعتبار أنها أحداث وقعت فعلا، أما في الصيغ الأخرى فيبقى الحدث في دائرة افتراض الحدوث ، دون الوقوع ( عقاب بيرونيل مثلا ) .

    ومن البين أن تودوروف قد استلهم مبدأ التصنيف السابق من النحو القديم لما عمد إلى إقامة تفريع ثنائي للصيغ الأربع، بين ما هو دال على الإرادة ( Volonté ) وبين ما هو دال على الافتراض( L’optatif ) .

    ويحوي محور صيغة الإرادة بدوره صيغتين فرعيتين: صيغة الإلزام L’obligatif وصيغة التمني L'optatif.، وتعبر الإلزامية على إرادة مشفرة، غير فردية، يتواضع عليها الجميع ، ومن هنا فهي تشكل قانون المجتمع، ولذلك " تحظى هذه الصيغة بنظام خاص ، فالقوانين مضمرة ولا يصرح بها أبدا ، حتى إنه يمكن للقارئ أن يمر عليها دون أن يلاحظها "47 .

    وأما صيغة التمني فتتوافق مع الأحداث التي تتمناها الشخصية، ويمكن للشخصية أن تعدل أو تتخلى عن فكرة التمني بعد الرغبة لكن يبقى إطارها الخاص ضمن صيغة التمني، وهو ما عبر عنه بحالة العدول Le renoncement.

    كما يضيف شكلا آخر من أشكال التمني أطلق عليه مصطلح التمني من الدرجة الثانية فعندما ترغب الشخصية في رغبة شخصية أخرى تكون قد تجاوزت المستوى الأول من الرغبة إلى مستوى ثان ( في الديكاميرون ، قصة المرأة التي تتمنى أن يحبها زوجها ) .

    وفي مقابل صيغة الإرادة، تتوزع صيغة الافتراض على صيغتين: "صيغة شرط وصيغة تنبؤ وتشتركان في خصوصية دلالية وهي الافتراض، كما تتميزان ببنية تركيبية منفردة، فكل منهما تركن إلى تتابع جملتين إخباريتين وبتعبير أدق، إنها تهتمان بعلاقة التضمن القائمة بين الجملتين "48.

    تضع صيغة الشرط جملتين وصفيتين في علاقة تضمن بشكل يجعل فاعل الجملة الثانية والقائم بالشرط شخصية واحدة، حيث يشترط أ من ب القيام بفعل لكي يقبل أ تحقيق الرغبة.

    و تتفق صيغة التنبؤ في بنيتها مع صيغة الشرط لكنها تختلف معها في كون القائم بفعل التنبؤ في الجملة الأولى ليس هو بالضرورة فاعل الجملة الثانية. و قد يحدث أحيانا أن يكون الفاعل هو نفسه في الجملتين.

    وينتهي تودوروف إلى القول إن الكلمات في صيغة التنبؤ تخلق الأشياء بعد أن تعكسها، ثم إن صيغة التنبؤ تكون بمظهر متفرد في منطق المحتمل، لأننا " نعتقد أن يقوم حدث بجر حدث آخر لأن الانطلاق كان سببية تعود إلى احتمالية مشتركة ، ولذلك ينبغي الاحتراز من اللبس الناشئ من قرب الشخصيات من الواقع مع القوانين التي يجدها القارئ مشابهة للواقع ، لأن مثل هذا اللبس يقودنا إلى البحث في احتمالية كل حدث متفرد، بينما تنتصب مشابهة الشخصيات للواقع حقيقة شكلية محددة "49 .

    وقد أفضت دراسة الجملة في المحكي انطلاقا من استعانة تودوروف بنتائج الدراسات اللغوية إلى الإقرار بوقوفه عند عتبة الجملة في تحليله، في ظل غياب نظرية لغوية للخطاب إلى ذلك العهد، ومن هنا نفهم أيضا اكتفاءه بتقديم بعض النتائج العامة التي توصل إليها من خلال تحليل بنية الخطاب السردي في مجموعة الديكاميرون، وقد جعل مدار اهتمامه العلاقات التي تنشأ بين الجمل وهي علاقة يمكن أن تصنف ضمن ثلاثة أنواع 50 :

    1- العلاقة الزمنية : وهي أبسط العلاقات، وتنشأ من تتابع الأحداث في النص، فهي تنسجم مع التتابع الكائن في العالم الخيالي للكتاب .

    2- العلاقة المنطقية: ويحكمها نظام منطق السبب والنتيجة، ولذلك فالمحكيات تتأسس على التضمن أو الافتراض أو الاحتواءl'inclusion.

    3- العلاقة المكانية Spatiale : بسبب وجود تشابه بين جملتين متجاورتين يتهيأ مكان خاص بالنص، وهذه العلاقة عادة ما تكون أكثر هيمنة في الشعر منها في النثر .

    ويبدو أن هذه العلاقات واجب حضورها في المحكي بسلطة الامتلاك، لكنه حضور متفاوت في مقاديره، ومختلف من نص إلى آخر وفقا للترتيب العام الذي يحكم هذا النص أو ذاك"51 .

    ولما كان مرد الأمر هو غياب نظرية لسانية للخطاب، فقد اقترح تودوروف " إقامة وحدة تركيبية أعلى من الجملة سماها المتوالية 52 ، وستكتسب المتوالية خصائص مختلفة بالنظر إلى صنف العلاقة التي تقوم بين الجمل، فضلا عن إحداث ذات المتوالية رد فعل حدسي من طرف القارئ فقد يتعلق الأمر بقصة منتهية أو نادرة مكتملة أو قصة قصيرة قد تحتوي عددا من المتواليات أو جزءا منها فقط .

    وقد أسلمه هذا إلى التمييز بين أنماط عديدة من الجمل تتلاءم مع العلاقات المنطقية للإقصاء L’exclusion متجسدة في ( أو – أو ou – ou ) أو الفصل Disjonction سمى النمط الأول جملا متناوبة Propositions alternatives لأنه لا يمكن الظهور إلا لواحدة منها فقط في النقطة ما من المتوالية ، ويكون هذا الظهور إلزاميا .

    وأما النمط الثاني، الجمل الاختيارية Les propositions facultatives، فمكانها غير محدد وظهورها غير

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 10, 2024 3:56 pm