منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تابع للحقول الدلالية.....1

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تابع للحقول الدلالية.....1 Empty تابع للحقول الدلالية.....1

    مُساهمة   الجمعة يناير 15, 2010 8:37 am

    الفصل الرابعالتحليل التكويني للمعنىوعلاقته بالحقول الدلالية


    سبقت الإشارة إلى أنَّ نظرية الحقول الدلالية تعتبر منهجاً لتنظيم اللغة وتصنيفها، وحين الحديث عنها يتبادر إلى الذهن أنَّ معنى المفردة يشكّل كلاًّ غير قابل للتجزئة.
    وحقيقة الأمر، إنَّ بعض الباحثين يعتقد أنَّ العلاقات بين الكلمات مؤسّسة أو مبنية بوحدات دلالية صغرى، وأنَّ مضمون الكلمة وحدة قابلة للتقسيم والتحليل، بل يتألّف من عدّة عناصر أو مقوّمات دلالية منتظمة وفق قواعد محدّدة (1).
    ويسمّى العنصر الدلالي الأصغر بأسماء مختلفة بحسب وجهات نظر الباحثين منها السيم (SEME)، (SEMEME)، (SEMIENE)،، مؤلف، جزء، مكوّن، والشائع من المصطلحات المستعملة في البحوث الدلالية وبخاصة عند الغربيين هو السيم(2).
    ويعود هذا النوع من التحليل ـ كما يذكر جورج مونان ـ إلى ليبنتز LEIBNIZ WILLIAM GOTTFRIED (1666- 1716). إن لم ترجع جذوره إلى ريمون لول (RAYMOND LULLE)، (1235- 1315)، الذي دعا إلى تأليف موسوعة بنائية للمعرفة البشرية، وتجزيئ كلّ المفاهيم إلى عناصرها أو أفكارها البسيطة(3).
    يعدّ يلمسلف (LOUIS JHELMSLEV)، في العصر الحديث، رائد المدرسة النسقية بكوبنهاجن أوّل من وضع في أوروبا ابتداء من 1943 اتّجاه تحليل معاني الكلمات انطلاقاً من الملامح أو المميّزات التي تتألّف منها، وذلك في كتابه "مقدّمات إلى نظرية اللغة"، (Prolégoménes à une théorie du langage)، الذي ظهر باللغة الدانماركية سنة 1943، وترجم إلى الإنجليزية سنة 1953، ونشر لأوّل مرة بعنوان (Prolegomena to a theory of language).
    أمّا الترجمة الفرنسية فكانت سنة 1968، بعنوان (La structure fondamentale du langage)، وبدا النقص واضحاً في هذه الترجمة فأعادتها جان ماري لوارد Jean Marie Leouard بالعنوان Prolégoménes..
    وتعرّض فيه يلمسلف إلى التحليل التكويني للمعنى ـ خاصة ـ في فصليه (مبدأ التحليل)، و(شكل التحليل)، وكان القصد من عمله هو التفكير في نظرية للغة تمكّن من وصف واضح وغير متناقض، ليس لنصّ باللغة الفرنسية فقط، ولكن كل النصوص الفرنسية الموجودة، وليس ذلك فحسب، بل كلّ النصوص الممكنة والمتصوّرة، أي حتّى تلك النصوص ا لتي تصدر غداً، والتي تنتمي إلى مستقبل غير محدّد(4).
    وهو لا يبتعد عن نظرية شومسكي (Chomsky) الخاصة بالبنية السطحية والبنية العميقة أو المقدّرة حين تعرّضه للنصوص المتصوّرة؛ أو تلك التي يمكن أن يوجدها عقل الإنسان اليوم أو غداً، ويمكن للنظرية بناء على المعارف التي تتضمنها أن تطبق على نصوص أيّة لغة(5).
    ويعتبر رومان ياكبسون ( Roman Jakobson) من الذين تعرّضوا إلى التحليل التكويني للمعنى في كتابه (مقالات في اللسانيات العامة) (Essais de Linguistique génerale) ، وهو من مؤسسي مدرسة براغ الوظيفية بين 1926- 1928 مع نيكولاي تروبتسكوي (IKOLAI TROUBESKOY) الذي أصدر كتاباً مهمّاً بعنوان (مبادئ الفونولوجيا)، (PRINCIPES DE PHONOLOGIE)، فأصبح مصدراً أساسياً ومؤثّراً في الذين تبنّوا منهج التحليل التكويني.
    وسعى ياكبسون في مؤلّفه إلى إيضاح مكانة اللغة بين أنظمة العلامات الأخرى، وتحديد العلاقات الوثيقة والمتعدّدة التي تربط اللسانيات بالعلوم الأخرى، وعلاقتها بالإنسان والطبيعة.
    كما تعرّض إلى التحليل التكويني للأصوات في فصله الخاص بـ(ملاحظات حول التصنيف الصوتي للمقاطع) وهو المحاضرة التي ألقاها في أوّل الأمر في (حلقة براغ اللسانية)، ثمّ في المؤتمر العالمي الثالث حول العلوم الصوتية في 1938، وخصّص الفصل السابع من كتابه إلى (المفهوم اللساني للملامح ـ تذكر وتأمّلات)(6).
    ويعتبر كلّ من يلمسلف وياكبسون ـ على اختلاف وجهة نظرهما وانتماء كلّ واحد إلى مدرسة مختلفة عن الآخر، أنَّه بالإمكان تطبيق مبادئ تروبتسكوي الفونولوجية في علم الدلالة وعلم التراكيب(7)، وفي تحليل المعنى إلى الملامح والمميّزات استناداً إلى القواعد التي وضعتها الفونولوجيا.
    ويرتبط التحليل التكويني للمعنى بالتصوّر التركيبي أو البنائي للفونيم (الوحدة الصوتية الصغرى)، الذي يفترض اشتماله على عدد من الصفات أو الملامح التي تميّزه من فونيم أو فونيمات أخرى في النظام الصوتي للغة معيّنة(Cool.
    فاللسانيات الوظيفية تعتبر أنَّ كلّ فونيم يمكنه أن يجزّأ إلى وحدات تكوينية مستنتجة من علم الأصوات المفصلي (La phonétique articulatoire) الذي له القدرة على تحليلها ووصفها (9).
    ويسمى هذا التحليل بمصطلحات مختلفة لمنهج واحد، وإجراء واحد عند الدلاليين، فهو التحليل التكويني أو التحليل المؤلّفاتي أو التحليل السيمي، أو التحليل التجزيئي.
    ويوظّف يلمسلف مصطلح "التحليل الدلالي المنطقي"(I’analyse sémantique Logique).
    الذي يسمّي مضمون (contenu)، الملفوظ ماهو موجود في ذهن المتكلّم والسامع، ويسمّي التعبير (expression)، ما يظهر هذا الملفوظ، ويكشفه عن طريق الصوت أو الكتابة.
    ويرى أنَّ التعبير والمحتوى مترابطان، فلم يكن التعبير كذلك إلاَّ لأنَّه تعبير عن محتوى، ولم يكن المحتوى كذلك أيضاً إلاَّ لأنَّه محتوى للتعبير، فهل يمكن أن يوجد تعبير بدون محتوى أو العكس؟... فإذا فكرنا دون أن نعبّر فإنَّ تفكيرنا في هذه الحالة لن يكون محتوى لسانياً، ثمَّ إذا تكلّمنا دون أن نفكّر، منتجين متوالية من الأصوات بدون معنى يميّزها، لن نحصل على تعبير لساني(10).
    ولمّا كانت اللسانيات البنيوية قد أوضحت بأنَّه يمكن تحليل التعبير في لغة معيّنة إلى بنى صوتية ـ صرفية ـ تركيبية، فلا شكّ في أنَّه يفترض وجود بنية للمحتوى أو المضمون، ممّا يؤدّي إلى إمكانية تجزيئ معانيه إلى وحدات دلالية صغرى(11).
    ولقد نما هذا التحليل وتطوّر ابتداء من 1950، بظهور ثلاث محاولات أوروبية طبقت المبادئ الصوتية انطلاقاً من الوحدات الصغرى الدالّة، فكانت:
    *أولاها: محاولة كانتينو (CANTINEAU)، في 1952، حين نشر مقالاً موسوماً بـ"المقابلات الدلالية"، (Les oppositions significatives).
    *وثانيها: محاولة (M.SANCHEZ RIUIPEREZ)، في سنة 1954، في كتابه: (Estructura del Sistema de aspectos y tiempos del verbo grieg Antigo. Analisis functional sincronico.).
    *وثالثها: المقال الذي كتبه برييطو (PRIETO) في عام 1954، حول: (Le signe articulé et le signe proportionnel)، وأعيد طبعه في 1975 (12).
    أمّا في أمريكا فقد ظهر اتّجاهان ممّا نشر في مجلة (اللغة) (LANGUAGE) في 1956، حول إمكانية تحليل المعنى إلى مؤلّفاته الجزئية، وأوّل من اهتمّ به (LOUNSBERY)، في كتابه: (A SEMANTIC ANALYSIS OF THE POWNEE KINSHIP USAGE)...
    أمّا الثاني فهو (W.H. GOODENOUGH)، الذي حاول تطوير وصف نظام علاقات الدلالات انطلاقاً من لغة (TRUK)، (هي اللغة التي يكون فيها خداع مثل السينما ولغة السحرة)، فكتب كتاباً بعنوان: (COMPONENTIAL ANALYSIS AND The STUDY OF MEANING). أي (التحليل المؤلفاتي ودراسة المعنى)(13).
    وكانت تهدف أعمال يلمسلف وبرييطو ولونسبيري في شموليتها إلى تنظيم معجم اللغة المعيّنة من خلال الملامح وإبراز المميّزات أو المكوّنات الدلالية لمعرفة القرابة الموجودة بين الكلمات في الحقل الدلالي الواحد (14).
    إن المنهج الوظيفي لمدرسة براغ وبخاصة في مجاله الفونولوجي يقوم بدور مهم في عملية الوصف والتحليل، ويستند إلى عنصر الاستبدال الذي يعدّ من مفاتيح البنيوية؛ أي إمكانية استبدال وحدة صوتية صغرى للتأكد من تغيّر المعنى(15).
    والمحور الاستبدالي أو الجدولي يقابله المحور النظمي أو الأفقي وهما ثنائية أثارهما دي سوسير وحدّدهما في كتابه: (دروس في الألسنية العامّة).
    "والمحور الاستبدالي (PARADIGME) هو الذي ينتمي إلى مجموعات أو مجموعة فرعية تتكوّن من وحدات يمكن أن تؤدّي وظيفة نظمية واحدة في موضع معيّن من الملفوظ"(4)، والأمر يعود هنا إلى الكلمات التي يمكن "أن تتّخذ نفس الموقع في عقل المتحدّث ليختار منها المناسب في تعبيره، فضمائر المخاطب مثلاً تنتظم في النظام اللغوي في نسق واحد، ويختار منها المتكلّم ما يلائمه في الأداء الكلامي، فمجموع هذه الضمائر يمثّل العلاقة الجدولية أو الاستبدالية(16).
    أمّا المحور النظمي أو الأفقي (SYNTAGME)، فهو وجود علاقات بين وحدات تنتمي إلى مستوى واحد، وتكون متقاربة ضمن عبارة معيّنة أو مفردة معيّنة، مثل جملة الشرط: (إن غبت ضاع منك الأهمّ)(17).
    واعتمدت جميع الاتجاهات البنيوية المحور الاستبدالي في تحليلاتها؛ ومنها الاتجاه التوزيعي حيث يرى هاريس (Zellig Harris) أن أساس المنهج التوزيعي هو تصنيف الأشكال المتبادلة؛ فنضع للغة التي نودّ دراستها قائمة بالأشكال التي لها إمكانية التبادل إحداها بالأخرى؛ أي قائمة بالأشكال التي تظهر في المحيط نفسه(18).
    ونجد يلمسلف يضع الملامح الدلالية انطلاقاً من الاستبدال للكلمات التالية:
    فرس = حصان + أنثى.
    حصان = حصان + ذكر.
    رت = خنزير + ذكر.
    خنزيرة = خنزير + أنثى.
    إذ يلاحظ أن (فرس) تحتوي على وحدتين دلاليتين صغيرتين (حصان + أنثى)، فإذا استبدلنا العنصر الأول (حصان)، بـ(خنزير)، حصلنا على خنزيرة؛ وليس على فرس.
    وكذلك في اللغة الألمانية:
    إمكانية + مادية = konen
    إمكانية + معنوية = durfen (19).
    وفي العربية كلمة (رجل) تحتوي على المؤلّفات أو السمات المعنوية التالية:
    (ذكر + بالغ+ بشري).
    وكلمة (امرأة)، لا تختلف عن (رجل)، إلا من حيث الذكورة (أنثى + بالغ+ بشري)(20).
    ويمكن توضيح المثال نفسه بالطريقة التالية:
    رجل = اسم/ محسوس/ معدود/ حي/ بشري/ ذكر/ بالغ...
    امرأة = اسم/ محسوس/ معدود/حي/بشري/ أنثى/ بالغ...
    فكلمة (امرأة)، تختلف عن (رجل)، بسمة واحدة هي سمة الجنس مع اشتراكهما في جميع العناصر الأخرى، وهذه المؤلفات تكوّن المعنى الأساسي للكلمة القابلة للاستبدال(21).
    وتعدّ نظرية التحليل التكويني من أحدث الاتجاهات في تحليل معاني كلمات الحقل الدلالي؛ وتعتبر امتداداً لنظرية الحقول الدلالية؛ وهي تحاول أن تضع نظرية أكثر ثباتاً؛ حيث ترى أن معنى الكلمة يتحدّد بما تحمله من ملامح أو عناصر أو بما تحتوي عليه من مكوّنات.
    وتندرج نظرية التحليل التكويني ضمن علم الدلالة التفسيري (SEMANTIQUE INTRERPRETATIVE)، الذي وضعه تلميذ شومسكي مؤسس المدرسة التوليدية التحويلية في اللغة ورائدها؛ والذي وسم ببصماته الدراسة اللسانية المعاصرة.
    وإذا كان شومسكي قد بدأ أ عماله بالتنكّر للمعنى؛ وكذا أنصار مذهبه المبكرون الذين اعتبروا المعجم جزءاً من النحو؛ وأعطوا أهمية ضئيلة لمعاني الكلمات والجمل؛ بل أهمل التركيبيون الأمريكيون المتأثرون ببلومفيلد السلوكي دراسة المعجم لأنّها في نظرهم تعالج مفردات توصف بأنها غير تركيبية أو ـ على الأقل ـ يبدو التسيّب في تركيبها(22).
    ومع ذلك، فإنَّ هذا التحليل، يندرج في إطار النحو التوليدي كما حدّده شومسكي، وهو توسيع في آفاق الدراسة التركيبية مع إعطاء الاعتبار للجانب الدلالي؛ أي إنه يضيف إلى الجملة ووصفها البنيوي القراءة الدلالية(23).
    ويمكن توضيح هذه الدراسة بالشكل الآتي:


    ويعدّ كاتس (KATZ) وفودور (FODOR) تلميذا شومسكي، رائدي التحليل التكويني و السيمي، حيث قاما ببحث شهير في 1963، بعنوان (بنية نظرية علم الدلالة)، (The structure of semantic theory)، الذي ظهر بعد كتاب شومسكي (Structures sytaxiques)، (البنى التركيبية)، أو (البنى النحوية)، المطبوع في 1957، وقبل كتابه (Aspects) المنشور في 1965(24).
    ونجدهما أدمجا استناداً إلى نظرية شومسكي التوليدية نظرية السياق التي تطوّرت في بريطانيا ابتداءً من سنة 1944، وكذلك نظرية الحقول الدلالية كقوّتين متفاعلتين، وقاما بتحليل تكويني لعدد من الكلمات المتقاربة المعنى كالكلمات التي تشير إلى القرابة أو إلى الألوان وذلك من خلال السياقات التي ترد فيه هذه الكلمات(25).
    وألفيا أنَّ إقصاء المعجم أثناء تحليل البنية العميقة في القواعد التوليدية التحويلية يؤدّي إلى إنتاج جمل غير صحيحة، إذ ليس ما يمنع صدور الجملة التالية (شرب الحليب الولد)، (في حالة رفع الحليب)،(26). لأنَّ التلاؤم الدلالي بين الدلالات قد ينعدم في بعض التراكيب، ولذا نحصل على جمل غير أصولية أو غير خاضعة إلى القاعدة النحوية، فلا يتناسب فيها الإسناد، كما أنّها لا تكون مطابقة للواقع(27).
    ولذلك فعلى الرغم من نجاح منهج شومسكي في الكشف عن البنية العميقة لعدد لا متناه من الجمل، إلاّ أنّه لم يستطع – في بداية الأمر- أن يفسّر عدم التوافق بين معاني المفردات المنتظمة في جملة واحدة.
    وهذا ما دعا كاتس وفودور إلى تطوير نظرية تعتبر مكمّلة لقواعد شومسكي قوامها البحث في مؤلفات معاني كلمات الجملة طبقاً لقواعد معينة(28).
    وتتكوّن الجملة في ضوء النظرية التوليدية التحويلية من بنيتين ، واحدة سطحية وأخرى عميقة، فجملة (الأولاد العقلاء يتصرّفون بحكمة) تتألف بنيتها العميقة من:
    (اسم +تعريف+ تذكير +جمع) (صفة + مطابقة للاسم)+ (فعل + الزمن الحاضر + ضمير+مطابقة للاسم)+ (حرف جر) +(اسم+نكرة+ إفراد).
    وأدّت الانتقادات لشومسكي إلى التغيير الجزئي من نظريته الأصلية القريبة من منهج بلومفيلد، ممّا أدّى به إلى اكتشاف سريع، أوضح من خلاله أنّه لتمييز الكفاية اللّسانية للمتكلّم- السامع يجب أن يعتمد النحو على القواعد الدلالية(29).
    وكان "كاتس" وفودور" قد أثّرا في شومسكي والتركيبيين الذين أدخلوا في بحوثهم المعجمية محور المعنى، وانتقلوا إلى دراسة التركيب اللغوي والصوتي للجمل بهدف الوصول إلى معرفة النظام الكامل لمدلولات الكلمات، وطرائق بنائها لتكوين الجمل المفهومة والمقبولة معنوياً بغض النظر عن الموقف أو المقام الذي ترد فيه الجمل (30)، أو التي استعملت فيه، لأنّ هناك جملاً لا تحتاج إلى أيّ شكل من السياق لفهمها مثل الجمل الإنشائية (الأمر أو الطلب)(31).
    وأضافت مساهمة كاتس وفودور إلى النحو الاهتمام بالمعجم الذي يقدّم المعلومات الدلالية والتركيبية، وكان شعارهما:
    علم الدلالة = الوصف اللساني – النحو
    فعلم الدلالة عندهما يهتمّ بشرح كفاية المتكلّمين وفهم الجمل الجديدة، وهذا عندما يتخلّى عنها النحو ولا يهتمّ بها(32).
    ويعتمد التحليل التكويني أو المفهومي على دراسة البنية الداخلية لمدلول الكلمات خارج السياق لمعرفة الكيفية التي يتمّ بها ربط الكلمات فيما بينها انطلاقاً من تكوينها الداخلي(33).
    أمّا الألسنيون التوزيعيون ومن بينهم جان دوبوا (J.Dubois) فيحدّدون سلّم الكلمات المتشابهة والمتناقضة دلالياً انطلاقاً من سياقاتها المختلفة، فالفرق بين كلمات: مرض، وجع، ألم، يحدده السياق الذي تقع فيه كلّ واحدة، ولذلك يسمّى تحليلهم بالطريقة السياقية(34).
    والمنهج السيمي هو مقاربة تحليلية للمعنى، المرتكزة على المقارنة المنسّقة والمنظمة لمجموعة من العلامات اللغوية المتلازمة بهدف إبراز الملامح المميّزة في الحقل المعيّن.
    فإذا أخذنا المثال البسيط التالي المتكوّن من الزوجين المتضادين:
    - رجل /امرأة.
    - بقرة/ثور.
    فيمكننا مقارنتهما لأنّهما مرتكزان على تضاد السّمات (ذكر/ أنثى)، ولكنهما يختلفان في : بشري / بقري أو حيواني، فالرجل والمرأة يشتركان في سمة بشري، أمّا البقرة والثور فيشتركان في حيوان (أو بقري).
    وإذا أضفنا إلى الزوجين السابقين: طفل وعجل، ليصبح المثال كالآتي:
    - رجل/ امرأة/ طفل.
    - بقرة/ ثور/ عجل.
    فنكون ملزمين بإضافة سمة جديدة وهي /بالغ/ لتحقيق إعادة البناء لشبكة الاختلافات (35)، فالمميّزات هي التي تيسّر المقارنة بين مجموعة من المفردات.
    إنّ تطوّر التحليل التكويني للمعنى جعل علماء الدلالة في أوربا وأمريكا يهتمّون به، ويعتبرونه منهجاً متمّماً لتصنيف المدلولات بحسب الحقول الدلالية(36)، وأصبحوا يوظّفون هذه التقنية في فهم علاقات كلمات الحقل الدلالي.
    ويستخدم الإنتولوجيون والأنثروبولوجيون قوانينه وسيلة للحصول على معلومات ذات طبيعة ثقافية اجتماعية مثل التصوّرات القابلة لإدراك الروابط وعلاقات القرابة، وفهمها في حضارة معيّنة، ونقل الثقافات الهندو- أوروبية، وذلك بطابع لساني بحت(37).
    والمقوّمات التي تحتويها المضامين في ضوء هذا التحليل هي التي تتيح تمييز عدّة علاقات أو نسب بينها، ويمكن إبراز أربعة أنواع من العلاقات على التوالي:
    1- علاقة التضمّن: (inclusion)، وتكون عندما كل العناصر التي تتكوّن منها المجموعة (أ)، هي من بين العناصر التي تتألّف منها المجموعة (ب)، وهنا يكون التواصل تامّا، فكلّ العلامات المرسلة من الباث تكون مفهومة من المتلّقي وتمثّل عادة بهذا الشكل (38):
    2- علاقة المساواة: (égalité) وتتحقّق حين تكون العناصر التي تتألّف منها (أ) هي العناصر ذاتها التي تتألف منها (ب) أي إنّ وضوح العلامات اللغوية يكون تاماً بينهما، وتمثل كالآتي(39):
    3- علاقة التقاطع: (intersection) وتوجد هذه العلاقة فقط إذا اشتركت المجموعتان (أ) و(ب) في عناصر، واختلفت في أخرى، أي يكون التواصل محدوداً، لأنّ العلامات المشتركة بين المرسل والمرسل إليه قليلة كمناقشة بين فرنسي وطالب عربي يدرس اللغة الفرنسية منذ بعض السنوات، وتمثل بهذا الشكل:
    4- علاقة التباين: وهي العلاقة الحاصلة بين مجموعتين لا تشتركان في أيّ عنصر، وهنا لا يتم التواصل مطلقاً لأنّ الرسالة تستقبل ولكنها غير مفهومة، لأنّ كلاّ من المتكلم والسامع لا يملك علامات لغوية مشتركة، مثل حديث أو كتابة بين عربي وإنجليزي، وكلّ منهما يجهل لغة الآخر، وتمثّل على هذا النحو(40):
    وهكذا فالتحليل السيمي لمعاني المفردات هو تنظيم لمدلولاتها أو مضامينها، فهو بشكل من الأشكال تدقيق لبحوث التعريفات، وقد أعطى نتائج جيّدة ومثمرة، كان من أهمّها الإجراء التطبيقي الذي قام به بوتيي (POTTIER) في 1963، مؤسس علم الدلالة البنيوي على خمس وحدات لسانية مخصّصة لطراز أنواع المقاعد أو الكراسي، وهي:
    FAUTEUIL, POUF, TABOURET, CHAISE, CANAPé
    فلاحظ أنّ جميعها تشترك في أدوات الجلوس، ولكن لها ما يميّز بعضها عن بعض مثل: بمسند أو بدونه، بأرجل أو بدونها، بذراع أو بدونها (41).. بالإضافة إلى ملامح مميّزة أخرى يمكن ذكرها كالمادّة المصنوعة بها..
    وعلى غرار بوتيي يمكن تطبيق هذا التحليل على حقل مفردات أنواع عربات النقل الآلية، وإثبات الملامح الخاصة بكلّ مفردة، كما يتّضح من الجدول التالي(42):
    عربات النقل البرية الآلية
    مداخل الملامح
    على الأرض
    على سكة حديدية
    خاص بنقل الأشخاص
    خاص بنقل البضائع
    شخصية
    بأجرة
    أكثر من ستة أشخاص
    ما بين المدن
    يسير بالكهرباء
    سيارة
    +
    -
    -
    -
    +
    -
    -
    -
    -
    حافلة
    +
    -
    +
    -
    -
    +
    +
    +
    -
    شلحنة
    +
    -
    -
    +
    -
    +
    -
    -
    -
    قطار
    -
    +
    +
    -
    -
    +
    +
    +
    -
    مترو
    -
    +
    +
    -
    -
    +
    +
    -
    +
    ترام
    -
    +
    +
    -
    -
    +
    +
    -
    +
    يشير الرمز (+) إلى المميّز الذي احتوته المفردة، والرمز (- ) إلى انعدام هذا الملمح، أمّا الرمز ( )فيدل على احتوائه على أكثر من مميّز.
    وما يستنبط حين المقارنة بين هذه الكلمات هو أنها تشترك جميعها في ملامح عامّة هي (عربة+ نقل+ آلية+ برية) إلاّ أنّ كل واحدة تختصّ بما يميّزها عن غيرها(43).
    فإذا قابلنا بين حافلة و"الترام" وجدناهما يشتركان في نقل مجموع من الناس، لكنهما تختلفان في أن الحافلة تتميّز بسيرها على الطريق العادي أما الترام فيسير على الطريق ولكن بالكهرباء، بالإضافة إلى أنّه نوع يسير على السكّة الحديدية.
    وتحتاج هذه الوحدات إلى مزيد من إبراز عناصرها الدلالية أو ملامحها حتى تظهر الفروق جليّة، فمثلاً الحافلة يمكن أن تكون شخصية، كما يمكن أن تكون تابعة لقطاع الدولة، لذلك حتى نكثر من هذه الملامح في هذا الجدول وضعنا رمز (~) الذي يقصد به بأن كثيراً من الوحدات يمكن أن تشترك فيه.
    كما لا يمكن أن يخلط المتعلّم بين الشاحنة والحافلة، إذ هما تشتركان في السير على الطريق العادي، ولكن الأولى خاصة بنقل البضائع والأخرى بمجموع من الناس.
    ويلاحظ من خلال تتبّع الملامح المذكورة أنّه كلّما ازدادت، كلّما تميّزت المفردة عن غيرها بالوضوح والدقة، ولذلك استمّر هذا التحليل في كثير من المعاجم المعاصرة متجاوزة بذلك كثيراً من القصور في مناهج التعريف الاسمي، وقلّلت من ظاهرة الترادف الموهوم- في كثير من الحالات- والتعريفات الدورية التي كانت سمة تعاريف المعاجم التقليدية (44).
    وهذا التحليل مهمّ في التعليم إذ يفرّق بين الكلمات انطلاقاً من التحليل التجزيئي لمعانيها، فإذا كان الطالب يفرّق بين سائل وآخر بناءً على تراكيبه الكيماوية ، فلا شكّ في أنّ معرفة مكوّنات المعنى تساعد على وضع الفروق الدقيقة بين كلمة وأخرى.
    وإذا أخذنا الكلمات: ريم- ظبي- غزال- أعفر- خشيش- شادن، فيكون التحليل السيمي على الشكل التالي:
    ملامح
    المداخل
    ريم
    ظبي
    غزال
    أعفر
    خشيش
    شادن
    حيوان
    +
    +
    +
    +
    +
    +
    ثدي
    +
    +
    +
    +
    +
    +
    كجتر
    +
    +
    +
    +
    +
    +
    سريع
    -
    -
    +
    -
    -
    -
    أحمر وأبيض
    -
    -
    -
    +
    -
    -
    أبيض
    +
    -
    -
    -
    -
    -
    ذو قرون مجوفة
    +
    +
    +
    +
    -
    -
    ذو أظلاف
    +
    +
    +
    +
    +
    +
    صغير
    -
    -
    -
    -
    +
    +
    فلو فرّقنا بين "الريم" و"الظبي" لظهر الاختلاف فيما يأتي:

    *الريم خالص البياض
    *الظبي ليس أبيض
    مثال آخر من أفعال الحركة (45)


    مداخل
    الملامح
    ذهب
    جاء
    جرى
    طار
    طلع
    طاف
    وقع
    هوى
    حرطة
    +
    +
    +
    +
    +
    +
    +
    +
    ذهاب
    +
    -
    -
    -
    -
    -
    -
    -
    إياب
    -
    +
    +
    +
    +
    +
    +
    +
    سريعة
    -
    -
    +
    +
    -
    -
    -
    +
    متوسطة
    +
    +
    -
    -
    +
    +
    +
    -
    إلى أعلى
    -
    -
    -
    +
    +
    -
    -
    -
    إلى أسفل
    -
    -
    -
    -
    -
    -
    +
    +
    دائرية
    +
    +
    +
    +
    +
    -
    -
    -
    على الأرض
    +
    +
    +
    -
    +
    +
    +
    -
    في الفضاء
    -
    -
    -
    +
    -
    -
    -
    +
    بين الفضاء والأرض
    -
    -
    -
    +
    -
    -
    -
    +
    فإذا أردنا أن نبرز الفروق بين كلمتين مثل (وقع) و(هوى) فهما تدلان على:
    هوى= (حركة) (+سريعة) (+إلى أسفل) (+في الفضاء) (- بين الفضاء والأرض).
    وقع =(حركة) (+متوسطة) (- إلى أسفل) (+على الأرض).
    فهما تشتركان في (الحركة) وفي (إلى أسفل)، ولكنهما تختلفان في أن حركة (وقع) متوسّطة و(هوى) سريعة، وحركتها (على الأرض) و(هوى) في (الفضاء)، وهنا لا يستعان فقط بشروح المعجم وإنّما بالرجوع إلى النصوص التي تضّمنت هذه الكلمات لتحديد الملامح والعناصر الدلالية المكوّنة لها.
    ومهما يكن من أمر، فإن المعنى لا يتحدّد انطلاقاً من الكلمات في حدّ ذاتها فقط، ولكن تحدّده الظروف والسياق، ولذلك يكون التحليل التجزيئي للمعنى امتداداً للمجاز والاستعارة.
    وقد كان ياكبسون من الأوائل المهتمين بالبحث عن مكوّنات المفردات الداخلة في العلاقات المجازية، وكذلك (E.A.NIDA) حيث اقترح أن يبدأ الاهتمام بتحليل الكلمات إلى عناصرها الأساسية بتناول المدلولات المجازية(46).
    وتقوم طبيعة المجاز عنده على انتقاء مكوّن دلالي من مجموعة المكوّنات التي تشكّل معنى الكلمة، أو تنتج عن التقاء واشتراك في عناصر معيّنة بين أطراف المجاز، وتفسّر الاستعارة بالنظر إلى المقوّمات الدلالية الصغرى المشتركة بين طرفيها، إذ كلّما كانت تلك المكوّنات أكثر عدداً وقابلة للاشتراك، كانت الاستعارة واضحة وقريبة المنال.(47).
    وتقوم عملية التحليل المؤلفاتي أو التكويني أو التجزيئي على تصنيف وتعيين الوحدات المعجمية دون تفكيكها وتجميع مجموعة من الكلمات ذات الخصائص الدلالية المشتركة أو المتباينة أو المنتمية إلى حقل دلالي واحد، ثمّ ترصد عناصر معانيها من خلال استقراء مجموعة من السياقات التي ترد فيها، أي تبحث عن بناء المعجم بوساطة العناصر المكونة للكلمة، وبهذا يمكن التفريق بين مجموعة من الكلمات المترادفة أو ذات الملامح المشتركة (48).
    ويرى أصحاب التحليل التكويني أنّ معنى الكلمة هو مجموعة من العناصر التكوينية أو المكوّنات الدلالية، وعلى هذا الأساس تقوم نظريتهم على الخطوات الآتية:
    1- جمع الكلمات المشتركة في حقل واحد.
    2- تحديد المعاني الممكنة لكلمات الحقل انطلاقاً من النصوص المختلفة التي وردت فيها.
    3- يمكن تشجير كلمات الحقل وفق التفرّعات الممكنة.
    4- تحديد الملامح الدلالية لكلّ معنى من معاني المجموعة من خلال استقراء السياقات التي وردت فيها.
    5- تحديد ملامح كلّ مفردة بالمقارنة مع مكوّنات مفردات الحقل العام.
    6- وضع العناصر التي تميّز وتفرّق بين معاني الكلمات في شكل جدول أو رسم بياني (49).
    وتبرز خطوات التحليل التكويني للمعنى عند أنصار القواعد التوليدية التحويلية غايات أوّلية، مثل الانشغال بالطريقة التي تكون فيها معاني الكلمات منظمة ومنسّقة لإنشاء العبارات، واستخدام –على وجه الخصوص- تقنية تسمح بتحديد تعريفات الكلمة انطلاقاً من الملامح، والهدف هو الوصول إلى تبديل بنية مداخل المعجم، لأنّ معاني الكلمات في الجملة مستمّدة من هذا المعجم المغيّر(50)، وكذلك الحكم على المفردات الداخلة في الترادف إثباتاً ونفياً، والتمييز بين تعدّد المعنى والمشترك اللفظي، وغير ذلك من العلاقات الدلالية(51).
    وانطلاقاً مما سبق، حاول أصحاب هذا التحليل الوصول إلى نظرية قادرة على إيضاح معاني الكلمات وتفسير العلاقات التي تربطها، وبيان كيفية تفاعل الكلمة من خلال السياق من ناحية وتحليلها من خلال الحقل الدلالي الذي توجد فيه من جهة أخرى.
    وبمعنى آخر فإنّ "عملية التحليل التكويني لمعنى الكلمة تتمّ من خلال تعيين مجموعة من الكلمات ذات الخصائص المشتركة أو المتباينة.. ويتمّ بعد ذلك تحديد الملامح الدلالية لمعنى كلّ كلمة من هذه الكلمات من خلال استقراء مجموعة من السياقات التي ترد فيها الكلمة والتي تستطيع من خلالها تحديد العناصر التي تحملها الكلمة وبهذا يمكن أن نفرّق بين مجموعة من الكلمات المترادفة أو ذات الملامح المشتركة"(52).
    ويسمح هذا المنهج بتحليل المعجم لكلّ لغة طبيعية إلى مجموعة من المكوّنات الدلالية قصد فهم بنية الإدراك للعقل البشري، وهو يرتبط بتحليل الخطاب على أساس أن ميداناً مهماً خاصاً بالمعجمية مطّبق على تحليل الخطاب(53).
    ولقد سجّل التحليل التكويني لمعاني الكلمات تقدّماً بارزاً في حلّ مسائل هامّة في نطاق علم الدلالة منها قضية مقبولية بعض التراكيب (Acceptabillité) أو عدم مقبوليتها، حيث يفسّر التوافق بين معاني المفردات التي تتألف منها الجملة البسيطة قواعدياً مثل: كلمة "حبلى" التي تتلاءم مع مفردات بعينها نظراً لتوافق مؤلفاتها الأساسية فتقول: "امرأة حبلى"، و"ناقة حبلى"، ونعجة حبلى، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال قول: "رجل حبلى"، و"خروف حبلى"، و"جمل حبلى".
    ومن هنا فهو يحلّ مسألة بناء التركيب أو الخطاب، على أساس أنّ الجملة أو الخطاب تتكوّن من مجموع مؤلفاتها الدلالية (54)، وفيها تتحقّق القوّة الدلالية للوحدات المعجمية (55).
    والملاحظ أنّ هناك اختلافات وجهات النظر في عملية التحليل، وصعوبات تحديد معنى الكلمة بدقة، وعدم اتفاق الدلاليين أنفسهم حول ما إذا كان يبدأ في التحليل بالكلمة أو بالجملة، وممّا يعقد دور الدلالي هو حقيقة اللغة نفسها التي لا تقصر – في كثير من الأحيان- على توصيل الأفكار ونقل الأخبار، مثل الجمل الاستفهامية والطلبية..
    بالإضافة إلى ذلك، فإنّ اللغة ليست للتبليغ فحسب، ولكن للتأثير في الناس أيضاً فبعض الكلمات ليست موظفة لنقل دلالة بعينها، ولكن من أجل الأثر الذي تحدثه، وبخاصة في مجال السياسة مثل فاشي، ورجعي وكذلك اللغة الإشهارية التي لا يقصد من ورائها سوى الجانب الاقتصادي، أي إقناع المتلقي بشراء سلعة ولو بلغة خادعة.
    كما تستعمل اللغة للسخرية مثل قولنا للأصلع: من هو حلاّقك؟(56)، وهو الاستخدام الذي يطلق عليه (مقامات اللغو الاجتماعي)، أو كما يسميّه مالينوفسكي (PHATIC COMMUNICATION) فيتبادل الناس من خلاله الكلام ولكنّهم لا يقصدون به أكثر من شغل الوقت وحلّ موقف اجتماعي.. والكلام الذي يقال في هذا المقام ليس مقصوداً لذاته، فقد يكون موضوعه الطقس أو السياسة أو أيّ مجال آخر (57). أي هو الكلام الذي تكون فيه معاني الكلمات في الظروف العادية غير ملائمة، كأن يشير المتكلم لزميله بقوله: كيف الأمور عندك؟ اليوم يوم جميل، فمثل هذه العبارات في نظره فارغة المحتوى، لأنّها نجحت في تزييف الروابط العاطفية فقط(58).
    وكان أهم مظهر تميّز به عمل مالينوفسكي العلمي هو عنايته بوظيفة اللغة حيث يرى أنّ الحديث عن الثقافة البدائية بخاصة لا يعني الإخبار ولكن العمل، فاللغة في الحياة البدائية تعمل على أنّها رابط في تنظيم النشاط الإنساني، فهي أسلوب عمل وليست أداة تفكير (59)، وتطرح هذه الاستعمالات اللغوية مشاكل حين المعالجة والدراسة.
    وأخيراً، فإذا كانت بعض هذه الصعوبات طفت على سطح التحليل التكويني للمعنى، فلأنه منهج حديث العهد بالتطبيق والإجراء، ولربّما تطوّر العلوم المختلفة مُخفّفٌ لهذه الصعوبات، ومجيب عن الأسئلة التي يضعها الباحث قبل الإقدام على أيّ إجراء.
    وعلى أيّة حال فلقد حاول "أصحاب هذا المنهج بشكل علمي منظّم الوصول إلى نظرية تكون قادرة على إيضاح معاني الكلمات والعلاقات بينها، وبيان كيفية تفاعل الكلمة باستعمالها في السياق من ناحية، وتحليلها من خلال مجالها الدلالي الذي توجد فيه من ناحية أخرى(60).
    وهو منهج يفيد منه بلا ريب المتعلّم للغة لكي يرسم الفروق الدلالية بين الكلمات ويحسن استعمالها في المواقع التي تتطلّبها.

    ¡¡
    ¡ الهوامش
    (1)- ينظر، د. عادل الفاخوري، اللسانية التوليدية التحويلية، ص: 36
    2- Claude Germain, Sémantique fonctionnnelle, p: 138
    3- Voir,Georges Mounin, Clefs pour la linguistique, p: 141.
    4- Louis Jelmslev, prolégoménes a une théorie du langage, traduit de l,anglais par anne Marie Léouard
    5- Ibid, p: 27
    6- Roman Jakobson , Essais de linguistique générale, p: 123- 131
    7- Georges Mounin , Clefs pour la sémamtique, p40- 41
    (Cool- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 285
    (9)- ينظر، د. محمد الحناش، البنيوية في اللسانيات ص: 288
    10- louis jelmslev prolégoménes… p : 72- 73
    (11)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 285
    - Voir. Claude Germain, Sémantique fonctionnelle, p:138- 13912
    12- Voir , Claude Germain , Sémantique fonctionnelle, p: 139
    13- Voir , Ibid , p: 139
    14- Georges Mounin , Clefs pour la sémantique, : 41
    (15)- فاطمة الطبال بركة، النظرية الألسنية عند رومان ياكبسون- دراسة ونصوص- ص: 36.
    (16)- محمود فهمي حجازي، البحث اللغوي، ص: 34.
    (17)- ينظر، فاطمة طبال بركة، النظرية الألسنية عند ياكبسون، ص: 36 ود. محمود فهمي حجازي، البحث اللغوي، ص: 34.
    (18)- عن د. حجمد الحناش، البنيوية في اللسانيات، ص: 246، عن هاريس، From morpheme، ص: 143.
    19- Voir, Georges Mounin , Clefs pour la sémantique, p: 41>
    (20)- ينظر د. موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، ص: 36
    (21)- ينظر د. نايف خرما، أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة، ص: 322
    (22)- ينظر د. موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، ص: 34، وينظر د. أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص: 82
    23- Voir, C.Fuchs et Le Goffic, Initiation aux méthodes des linguistiques contemporaines, p: 71
    24- Voir , Ibid , p: 71
    (25)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 189.
    (26)- ينظر د. أحمد محمد قدور، مبادئ، اللسانيات، ص: 307
    (27)- ينظر د. عادل فاخوري، اللسانية التوليدية التحويلية، ص: 56.
    (28)- ينظر د. نايف خرما، أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة، ص: 322
    29- Louis Guespin, La sémantique (dand la linguistique), p. 203.
    (30)- ينظر موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، ص: 34.
    (31)- ينظر د. حلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 117.
    32- Jhon Lyons, Sémantique Linguistique. P: 47.
    (33)- ينظر كلود جرمان، ولوبلان، علم الدلالة، ترجمة د. نور الهدى لوشن، ص: 70- 71
    (34)- ينظر موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة والألسني، ص: 30، وينظر نور الهدى لوشن، إلياذة الجزائر، ص: 167
    35- D.Maingueneau, Initiations aux méthodes de l’analyse du discours, p: 59- 60.
    (36)- ينظر أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص: 308
    (37)- ينظر موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، ص: 36، وكلود جرمان، علم الدلالة، ترجمة، نور الهدى لوشن، ص: 87- 88
    (38)- ينظر د. عادل الفاخوري، اللسانية التوليدية والتحويلية، ص: 38
    Francis Vanoy, Expression et communication , p: 15.
    (39)- ينظر المرجعان نفسهما، والصفحتان نفسهما.
    (40)- ينظر عادل الفاخوري، اللسانية التوليدية التحويلية، ص: 39، وينظر فرانسيس فانوي، تعبير وتواصل، ص: 15
    (41)- ينظر كلود جيرمان،علم الدلالة، ترجمة: نور الهدى لوشن، ص 72، وحلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 117،
    و:
    Claude Germain, Sémantique Fonctionnelle; p.136.
    و:
    Georges Mounin , Clefs pour la Sémantique, p: 162.
    (42)- ينظر كلود جيرمان،علم الدلالة، ترجمة: نور الهدى لوشن، ص 72، وحلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 117،
    و:
    Claude Germain, Sémantique Fonctionnelle; p.136.
    و:
    Georges Mounin , Clefs pour la Sémantique, p: 162.
    43 Voir , J. L. Fushis et autres, Linguistique francaise, initiation à la problématique structurale. T. I. P. :133.
    (44)- ينظر د.حلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 118
    (45)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 291
    (46)- ينظر د. أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص: 308
    (47)- ينظر المرجع نفسه، ص: 308
    (48)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 285، وينظر كلود جرمان، علم الدلالة، ترجمة نور الهدى لوشن، ص: 86، وينظر د. حلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 117.
    (49)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 290، وينظر د.حلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص:117
    (50)- ينظر كلود جرمان، علم الدلالة، ترجمة د. نور الهدى لوشن، ص:88
    (51)- ينظر د. أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص:308
    (52)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص 292
    53 Voir, D, Maingueneau, initiation aux méthodes de l’analyse du discours. P: 60.
    (54)- ينظر موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، ص:36
    55- Voir, D. Maingueneau, Ibid, p: 60.
    (56)- ينظر، كلود جرمان، علم الدلالة، ص: 30
    (57)ينظر د. تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، ص: 343
    (58)ينظر، جيفري سامبسون، المدارس اللغوية- التطوّر والصراع ، ص: 234
    (59)ينظر جيفري سامبسون، المرجع نفسه، ص: 234
    (60)د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 292.

    ¾¡¾

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:32 am