الترميز... معانٍ وإشكالات!
كثيراً ما يلفت نظرنا عبارات من شكل (رموز الفكر! رموز التيار الإسلامي! رموز التغريب أو التشريق!) يمتد هذا التشكيل اللغوي الفكري، ليصل إلى رموز تعبيرية! نتبادلها إليكترونياً تعبّر عن حالاتنا المزاجية، ترميز يقدّم فيما يشبه طبخاً سريعاً لكومة من المكونات، لم يعد يهمنا ما هي؟ بقدر ما يهمنا أن الرمز "لذيذ!"، وأنه بشكل ما يشبع
جوعنا الفكري/ التعبيري.
إنني كلما تأمّلت تنامي ترميز الأشياء في حياتنا من مختلف زواياها، شعرت بالرثاء لحال حقائق الأشياء!
الترميز الذي أعنيه بشكل بسيط هو: عدد وجيز من الحروف، الأشخاص، الأفكار، يُستخدم للدلالة على حقائق الكلام، الشخصيات، النظريات! يخرج من ذلك ترميز أسماء الأشياء؛ فالاسم لم يكن يوماً مشكلة إذا قابل الحقيقة!
قد يبدو أن الترميز مرادف لكلمة (النخبة) وهذا خطأ، فعندما نقول: رموز الفكر- مثلاً- فإن ذلك لا يساوي أبداً عبارة: نخبة الفكر، ومن المؤسف أن يربط الإعلام – الإعلاني – بين المعنيين؛ فرمز الأشياء لا يعني أنه (أفضل) الأشياء بقدر ما يعني أنه جزء منها، تم ترميزه لمآرب أخرى ربما يكون أشهرها أو اكتسب ظهوراً ما لا يكون بالضرورة بسبب الأفضلية! وهي المعوّل. ومن هنا تتجلى زاوية من كون الترميز مشكلة! وجناية على الحقيقة؛ لأن ارتباط الشهرة الرمزية للكلام/للشخص/للفكرة بمعيار الأفضلية، يظلم الحقيقة، ويباعد بيننا وبينها! فإذا تم ترميز"الوهابية" في فكرة "التكفير" أو في شخص "بن لادن" فإن ذلك يظلمهم الثلاثة جميعاً، يظلم الوهابية ويظلم التكفير، ويظلم بن لادن أيضاً! ومن زاوية أخرى إذا تم ترميز "الحداثة-كنظرية غربية كاملة-" في حروف "الشعر الحر" أوفكرة "الحداثة الأدبية" أو في شخص أديب ما، فإن ذلك يظلم حقائقهم جميعاً, وهكذا سيروا بسائر الأشياء التي تحيط بنا حتى أبسطها هل رأيتم من يُرمّز حقوق الإنسان كلها في شخص "منظمة ما"، أو حروف "بيان ما"، أو فكرة "حرية التدين فقط!! أو المثلية الجنسية فقط"؟!
إذا كنا في الشريعة نعبّر عن الرّياء بأنه "الشرك الخفيّ"، فإنني أستعير لأقول من منطلق فكري إن الترميز هو "الكفر الخفي" بحقيقة الشيء، وأنه يحبط كل تصورّاتنا وتصديقاتنا عن الأشياء. وإذا كان الرّياء يتسلل من أهواء النفس الخفية، فإن الترميز يتسلل من أهواء الفكر الخفية؛ فهو غالباً ما ينفذ من خلال التعميم والإجمال على أحسن المحامل، وينفذ من المآرب الأخرى في أسوئها.
إن اعتيادنا لغوياً/خطابياً على التعميم والإجمال يغيّب التفاصيل المؤثرة في الحقائق، وبالتالي يغيّب الحقيقة، وكل ما بُني على هذه الحقيقة المغيّبة هو بناء مجازف وهش، والمآرب الأخرى تتمثل مثلاً في الإعلام؛ فهو يحرص على ترميز الحقائق في أشخاص أو أفكار ليخدم توجّهاته خاصة في ظل غياب فكرة الحياد المطلق، أو وجود فكرة الانحياز المطلق! السياسة تفعل ذلك أيضاً من خلال الشعارات التي تطلقها الأحزاب التي تختزل الأفكار وترمّزها في حزب أو زعيم، والتاريخيّون يفعلونها كذلك من خلال ترميز النجاحات التاريخية في عصور ذهبية معينة ليخدموا توجّهاتهم المستقبلية، وسيروا – مرة أخرى- بسائر الأشياء حذو هذه الأمثلة!
إن أهم أسباب الترميز أو أسباب شيوع تقبّله و "خفيته!": أننا نلجأ فطرياً إلى ترميز الأشياء بغرض تبسيطها، دون أن ندرك الشعرة الدقيقة بين هذين المعنيين؛ أيضاً ضيق المعرفة وعدم التطلع للمعرفة يدفع بالبعض إلى الاكتفاء بهذه الرموز لإقناع ضمائرهم و"تمشية" حياتهم الفكرية فحسب! أيضاً الرؤية الحادة التي تميل فوراً لاتخاذ مواقف حاسمة متطرفة عن الأشياء هي أكثر الرؤى المتماشية مع الترميز لأن التفاصيل مرنة! والرموز جامدة! الهروب من تغيير الذات والاعتياد على الحال وعدم التفريق بين التغيير المذموم والتغيير الدالّ على النضج يدفع بالبعض إلى التعلّق برموزه؛ فهذا أكثر أماناً – في أنظارهم- من تبيّن حقيقة الرموز مما قد يؤدي للاضطرار لتغيير الذات وقناعاتها! أيضاً ثقافة القطيع، و"الموت مع الجماعة رحمة"، وغياب "الاستقلال التفكيري" للفرد والاستجابة المستمرة للمؤثرات الفكرية من حوله دون القيام بدور المعارض أو المقارن أو حتى المؤثر يجعله ذلك يفضّل ترميز الأشياء بدل بحث تفاصيلها والخوض في تحقيقها. كل ذلك وغيره من الأسباب يمكن أن أعبّر عنه بـ"الكسل الفكري!" إنّ هذا الكسل الذي يباعد بين الإنسان والحقائق يدخلنا كأفراد وجماعات في آفات عدة منها:
- التصورات المبنية على الرمز لا على الحقيقة تقود لأحكام خاطئة وغير عادلة!
- نضوب الأفكار الجديدة، وعدم إنضاج الأفكار الأصيلة.
- البُعد عن حقيقة مشكلاتنا والانشغال بهوامشها.
- امتياز مشكلاتنا (الخاصة والأممية) بامتدادها فترات زمنية طويلة دون حل! مما يؤكد أننا لا نعرفها تماماً!
- عدم حل المشكلات يؤدي إلى تلاشي الخبرات، وتراكم الخبرات والتجارب شرط أساسي لتقديم حلول مُثلى، مما يجعل حلولنا المختلقة تبدو "ترقيعية" أكثر من كونها "تصحيحية".
- الشعور العام بالعجز الذاتي عن تحسين أوضاعنا الفكرية (سياسة واقتصاداً واجتماعاً) يجعلنا نميل إلى(استيراد) حلول الآخرين والقيام بعمليات تشويهية، إما لحلول الآخرين أو لأوضاعنا حتى نلائم بينهما.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال الزهراني مشاهدة المشاركة
كثيراً ما يلفت نظرنا عبارات من شكل (رموز الفكر! رموز التيار الإسلامي! رموز التغريب أو التشريق!) يمتد هذا التشكيل اللغوي الفكري، ليصل إلى رموز تعبيرية! نتبادلها إليكترونياً تعبّر عن حالاتنا المزاجية، ترميز يقدّم فيما يشبه طبخاً سريعاً لكومة من المكونات، لم يعد يهمنا ما هي؟ بقدر ما يهمنا أن الرمز "لذيذ!"، وأنه بشكل ما يشبع
جوعنا الفكري/ التعبيري.
إنني كلما تأمّلت تنامي ترميز الأشياء في حياتنا من مختلف زواياها، شعرت بالرثاء لحال حقائق الأشياء!
الترميز الذي أعنيه بشكل بسيط هو: عدد وجيز من الحروف، الأشخاص، الأفكار، يُستخدم للدلالة على حقائق الكلام، الشخصيات، النظريات! يخرج من ذلك ترميز أسماء الأشياء؛ فالاسم لم يكن يوماً مشكلة إذا قابل الحقيقة!
قد يبدو أن الترميز مرادف لكلمة (النخبة) وهذا خطأ، فعندما نقول: رموز الفكر- مثلاً- فإن ذلك لا يساوي أبداً عبارة: نخبة الفكر، ومن المؤسف أن يربط الإعلام – الإعلاني – بين المعنيين؛ فرمز الأشياء لا يعني أنه (أفضل) الأشياء بقدر ما يعني أنه جزء منها، تم ترميزه لمآرب أخرى ربما يكون أشهرها أو اكتسب ظهوراً ما لا يكون بالضرورة بسبب الأفضلية! وهي المعوّل. ومن هنا تتجلى زاوية من كون الترميز مشكلة! وجناية على الحقيقة؛ لأن ارتباط الشهرة الرمزية للكلام/للشخص/للفكرة بمعيار الأفضلية، يظلم الحقيقة، ويباعد بيننا وبينها! فإذا تم ترميز"الوهابية" في فكرة "التكفير" أو في شخص "بن لادن" فإن ذلك يظلمهم الثلاثة جميعاً، يظلم الوهابية ويظلم التكفير، ويظلم بن لادن أيضاً! ومن زاوية أخرى إذا تم ترميز "الحداثة-كنظرية غربية كاملة-" في حروف "الشعر الحر" أوفكرة "الحداثة الأدبية" أو في شخص أديب ما، فإن ذلك يظلم حقائقهم جميعاً, وهكذا سيروا بسائر الأشياء التي تحيط بنا حتى أبسطها هل رأيتم من يُرمّز حقوق الإنسان كلها في شخص "منظمة ما"، أو حروف "بيان ما"، أو فكرة "حرية التدين فقط!! أو المثلية الجنسية فقط"؟!
إذا كنا في الشريعة نعبّر عن الرّياء بأنه "الشرك الخفيّ"، فإنني أستعير لأقول من منطلق فكري إن الترميز هو "الكفر الخفي" بحقيقة الشيء، وأنه يحبط كل تصورّاتنا وتصديقاتنا عن الأشياء. وإذا كان الرّياء يتسلل من أهواء النفس الخفية، فإن الترميز يتسلل من أهواء الفكر الخفية؛ فهو غالباً ما ينفذ من خلال التعميم والإجمال على أحسن المحامل، وينفذ من المآرب الأخرى في أسوئها.
إن اعتيادنا لغوياً/خطابياً على التعميم والإجمال يغيّب التفاصيل المؤثرة في الحقائق، وبالتالي يغيّب الحقيقة، وكل ما بُني على هذه الحقيقة المغيّبة هو بناء مجازف وهش، والمآرب الأخرى تتمثل مثلاً في الإعلام؛ فهو يحرص على ترميز الحقائق في أشخاص أو أفكار ليخدم توجّهاته خاصة في ظل غياب فكرة الحياد المطلق، أو وجود فكرة الانحياز المطلق! السياسة تفعل ذلك أيضاً من خلال الشعارات التي تطلقها الأحزاب التي تختزل الأفكار وترمّزها في حزب أو زعيم، والتاريخيّون يفعلونها كذلك من خلال ترميز النجاحات التاريخية في عصور ذهبية معينة ليخدموا توجّهاتهم المستقبلية، وسيروا – مرة أخرى- بسائر الأشياء حذو هذه الأمثلة!
إن أهم أسباب الترميز أو أسباب شيوع تقبّله و "خفيته!": أننا نلجأ فطرياً إلى ترميز الأشياء بغرض تبسيطها، دون أن ندرك الشعرة الدقيقة بين هذين المعنيين؛ أيضاً ضيق المعرفة وعدم التطلع للمعرفة يدفع بالبعض إلى الاكتفاء بهذه الرموز لإقناع ضمائرهم و"تمشية" حياتهم الفكرية فحسب! أيضاً الرؤية الحادة التي تميل فوراً لاتخاذ مواقف حاسمة متطرفة عن الأشياء هي أكثر الرؤى المتماشية مع الترميز لأن التفاصيل مرنة! والرموز جامدة! الهروب من تغيير الذات والاعتياد على الحال وعدم التفريق بين التغيير المذموم والتغيير الدالّ على النضج يدفع بالبعض إلى التعلّق برموزه؛ فهذا أكثر أماناً – في أنظارهم- من تبيّن حقيقة الرموز مما قد يؤدي للاضطرار لتغيير الذات وقناعاتها! أيضاً ثقافة القطيع، و"الموت مع الجماعة رحمة"، وغياب "الاستقلال التفكيري" للفرد والاستجابة المستمرة للمؤثرات الفكرية من حوله دون القيام بدور المعارض أو المقارن أو حتى المؤثر يجعله ذلك يفضّل ترميز الأشياء بدل بحث تفاصيلها والخوض في تحقيقها. كل ذلك وغيره من الأسباب يمكن أن أعبّر عنه بـ"الكسل الفكري!" إنّ هذا الكسل الذي يباعد بين الإنسان والحقائق يدخلنا كأفراد وجماعات في آفات عدة منها:
- التصورات المبنية على الرمز لا على الحقيقة تقود لأحكام خاطئة وغير عادلة!
- نضوب الأفكار الجديدة، وعدم إنضاج الأفكار الأصيلة.
- البُعد عن حقيقة مشكلاتنا والانشغال بهوامشها.
- امتياز مشكلاتنا (الخاصة والأممية) بامتدادها فترات زمنية طويلة دون حل! مما يؤكد أننا لا نعرفها تماماً!
- عدم حل المشكلات يؤدي إلى تلاشي الخبرات، وتراكم الخبرات والتجارب شرط أساسي لتقديم حلول مُثلى، مما يجعل حلولنا المختلقة تبدو "ترقيعية" أكثر من كونها "تصحيحية".
- الشعور العام بالعجز الذاتي عن تحسين أوضاعنا الفكرية (سياسة واقتصاداً واجتماعاً) يجعلنا نميل إلى(استيراد) حلول الآخرين والقيام بعمليات تشويهية، إما لحلول الآخرين أو لأوضاعنا حتى نلائم بينهما.
كتابة جيدة تطرح قضية هامة جدا ، وأهميتها تبرز بصفة خاصة في تعرية اشكالات الترميز من حيث ما تسببه الايديولوجيات من تداخل وتشويش ، وأيضا من حيث استخدام الترميز كعملية اختزال بمثل ما ورد في جزء من طرحك .
إلا أن الملاحظ هو تركيزك على اشكالات الترميز واهمال معانيه الايجابية وهو ما يفترض أن يكون الجانب المكمل لموضوعك هذا بحسب ما يوحي به العنوان ، فهناك ايجابيات للترميز وخاصة إذا ارتبطت بشرح ظواهر لها تفسيرات مختلفة ليست بمتناول عامة الناس أو اذا ارتبطت بصيغة الاستعارة أو اذا ارتبطت بايصال فكرة ليست مباشرة .
كان الموضوع بحاجة إلى تفصيل أكثر .
عموما .
__________________
كثيراً ما يلفت نظرنا عبارات من شكل (رموز الفكر! رموز التيار الإسلامي! رموز التغريب أو التشريق!) يمتد هذا التشكيل اللغوي الفكري، ليصل إلى رموز تعبيرية! نتبادلها إليكترونياً تعبّر عن حالاتنا المزاجية، ترميز يقدّم فيما يشبه طبخاً سريعاً لكومة من المكونات، لم يعد يهمنا ما هي؟ بقدر ما يهمنا أن الرمز "لذيذ!"، وأنه بشكل ما يشبع
جوعنا الفكري/ التعبيري.
إنني كلما تأمّلت تنامي ترميز الأشياء في حياتنا من مختلف زواياها، شعرت بالرثاء لحال حقائق الأشياء!
الترميز الذي أعنيه بشكل بسيط هو: عدد وجيز من الحروف، الأشخاص، الأفكار، يُستخدم للدلالة على حقائق الكلام، الشخصيات، النظريات! يخرج من ذلك ترميز أسماء الأشياء؛ فالاسم لم يكن يوماً مشكلة إذا قابل الحقيقة!
قد يبدو أن الترميز مرادف لكلمة (النخبة) وهذا خطأ، فعندما نقول: رموز الفكر- مثلاً- فإن ذلك لا يساوي أبداً عبارة: نخبة الفكر، ومن المؤسف أن يربط الإعلام – الإعلاني – بين المعنيين؛ فرمز الأشياء لا يعني أنه (أفضل) الأشياء بقدر ما يعني أنه جزء منها، تم ترميزه لمآرب أخرى ربما يكون أشهرها أو اكتسب ظهوراً ما لا يكون بالضرورة بسبب الأفضلية! وهي المعوّل. ومن هنا تتجلى زاوية من كون الترميز مشكلة! وجناية على الحقيقة؛ لأن ارتباط الشهرة الرمزية للكلام/للشخص/للفكرة بمعيار الأفضلية، يظلم الحقيقة، ويباعد بيننا وبينها! فإذا تم ترميز"الوهابية" في فكرة "التكفير" أو في شخص "بن لادن" فإن ذلك يظلمهم الثلاثة جميعاً، يظلم الوهابية ويظلم التكفير، ويظلم بن لادن أيضاً! ومن زاوية أخرى إذا تم ترميز "الحداثة-كنظرية غربية كاملة-" في حروف "الشعر الحر" أوفكرة "الحداثة الأدبية" أو في شخص أديب ما، فإن ذلك يظلم حقائقهم جميعاً, وهكذا سيروا بسائر الأشياء التي تحيط بنا حتى أبسطها هل رأيتم من يُرمّز حقوق الإنسان كلها في شخص "منظمة ما"، أو حروف "بيان ما"، أو فكرة "حرية التدين فقط!! أو المثلية الجنسية فقط"؟!
إذا كنا في الشريعة نعبّر عن الرّياء بأنه "الشرك الخفيّ"، فإنني أستعير لأقول من منطلق فكري إن الترميز هو "الكفر الخفي" بحقيقة الشيء، وأنه يحبط كل تصورّاتنا وتصديقاتنا عن الأشياء. وإذا كان الرّياء يتسلل من أهواء النفس الخفية، فإن الترميز يتسلل من أهواء الفكر الخفية؛ فهو غالباً ما ينفذ من خلال التعميم والإجمال على أحسن المحامل، وينفذ من المآرب الأخرى في أسوئها.
إن اعتيادنا لغوياً/خطابياً على التعميم والإجمال يغيّب التفاصيل المؤثرة في الحقائق، وبالتالي يغيّب الحقيقة، وكل ما بُني على هذه الحقيقة المغيّبة هو بناء مجازف وهش، والمآرب الأخرى تتمثل مثلاً في الإعلام؛ فهو يحرص على ترميز الحقائق في أشخاص أو أفكار ليخدم توجّهاته خاصة في ظل غياب فكرة الحياد المطلق، أو وجود فكرة الانحياز المطلق! السياسة تفعل ذلك أيضاً من خلال الشعارات التي تطلقها الأحزاب التي تختزل الأفكار وترمّزها في حزب أو زعيم، والتاريخيّون يفعلونها كذلك من خلال ترميز النجاحات التاريخية في عصور ذهبية معينة ليخدموا توجّهاتهم المستقبلية، وسيروا – مرة أخرى- بسائر الأشياء حذو هذه الأمثلة!
إن أهم أسباب الترميز أو أسباب شيوع تقبّله و "خفيته!": أننا نلجأ فطرياً إلى ترميز الأشياء بغرض تبسيطها، دون أن ندرك الشعرة الدقيقة بين هذين المعنيين؛ أيضاً ضيق المعرفة وعدم التطلع للمعرفة يدفع بالبعض إلى الاكتفاء بهذه الرموز لإقناع ضمائرهم و"تمشية" حياتهم الفكرية فحسب! أيضاً الرؤية الحادة التي تميل فوراً لاتخاذ مواقف حاسمة متطرفة عن الأشياء هي أكثر الرؤى المتماشية مع الترميز لأن التفاصيل مرنة! والرموز جامدة! الهروب من تغيير الذات والاعتياد على الحال وعدم التفريق بين التغيير المذموم والتغيير الدالّ على النضج يدفع بالبعض إلى التعلّق برموزه؛ فهذا أكثر أماناً – في أنظارهم- من تبيّن حقيقة الرموز مما قد يؤدي للاضطرار لتغيير الذات وقناعاتها! أيضاً ثقافة القطيع، و"الموت مع الجماعة رحمة"، وغياب "الاستقلال التفكيري" للفرد والاستجابة المستمرة للمؤثرات الفكرية من حوله دون القيام بدور المعارض أو المقارن أو حتى المؤثر يجعله ذلك يفضّل ترميز الأشياء بدل بحث تفاصيلها والخوض في تحقيقها. كل ذلك وغيره من الأسباب يمكن أن أعبّر عنه بـ"الكسل الفكري!" إنّ هذا الكسل الذي يباعد بين الإنسان والحقائق يدخلنا كأفراد وجماعات في آفات عدة منها:
- التصورات المبنية على الرمز لا على الحقيقة تقود لأحكام خاطئة وغير عادلة!
- نضوب الأفكار الجديدة، وعدم إنضاج الأفكار الأصيلة.
- البُعد عن حقيقة مشكلاتنا والانشغال بهوامشها.
- امتياز مشكلاتنا (الخاصة والأممية) بامتدادها فترات زمنية طويلة دون حل! مما يؤكد أننا لا نعرفها تماماً!
- عدم حل المشكلات يؤدي إلى تلاشي الخبرات، وتراكم الخبرات والتجارب شرط أساسي لتقديم حلول مُثلى، مما يجعل حلولنا المختلقة تبدو "ترقيعية" أكثر من كونها "تصحيحية".
- الشعور العام بالعجز الذاتي عن تحسين أوضاعنا الفكرية (سياسة واقتصاداً واجتماعاً) يجعلنا نميل إلى(استيراد) حلول الآخرين والقيام بعمليات تشويهية، إما لحلول الآخرين أو لأوضاعنا حتى نلائم بينهما.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال الزهراني مشاهدة المشاركة
كثيراً ما يلفت نظرنا عبارات من شكل (رموز الفكر! رموز التيار الإسلامي! رموز التغريب أو التشريق!) يمتد هذا التشكيل اللغوي الفكري، ليصل إلى رموز تعبيرية! نتبادلها إليكترونياً تعبّر عن حالاتنا المزاجية، ترميز يقدّم فيما يشبه طبخاً سريعاً لكومة من المكونات، لم يعد يهمنا ما هي؟ بقدر ما يهمنا أن الرمز "لذيذ!"، وأنه بشكل ما يشبع
جوعنا الفكري/ التعبيري.
إنني كلما تأمّلت تنامي ترميز الأشياء في حياتنا من مختلف زواياها، شعرت بالرثاء لحال حقائق الأشياء!
الترميز الذي أعنيه بشكل بسيط هو: عدد وجيز من الحروف، الأشخاص، الأفكار، يُستخدم للدلالة على حقائق الكلام، الشخصيات، النظريات! يخرج من ذلك ترميز أسماء الأشياء؛ فالاسم لم يكن يوماً مشكلة إذا قابل الحقيقة!
قد يبدو أن الترميز مرادف لكلمة (النخبة) وهذا خطأ، فعندما نقول: رموز الفكر- مثلاً- فإن ذلك لا يساوي أبداً عبارة: نخبة الفكر، ومن المؤسف أن يربط الإعلام – الإعلاني – بين المعنيين؛ فرمز الأشياء لا يعني أنه (أفضل) الأشياء بقدر ما يعني أنه جزء منها، تم ترميزه لمآرب أخرى ربما يكون أشهرها أو اكتسب ظهوراً ما لا يكون بالضرورة بسبب الأفضلية! وهي المعوّل. ومن هنا تتجلى زاوية من كون الترميز مشكلة! وجناية على الحقيقة؛ لأن ارتباط الشهرة الرمزية للكلام/للشخص/للفكرة بمعيار الأفضلية، يظلم الحقيقة، ويباعد بيننا وبينها! فإذا تم ترميز"الوهابية" في فكرة "التكفير" أو في شخص "بن لادن" فإن ذلك يظلمهم الثلاثة جميعاً، يظلم الوهابية ويظلم التكفير، ويظلم بن لادن أيضاً! ومن زاوية أخرى إذا تم ترميز "الحداثة-كنظرية غربية كاملة-" في حروف "الشعر الحر" أوفكرة "الحداثة الأدبية" أو في شخص أديب ما، فإن ذلك يظلم حقائقهم جميعاً, وهكذا سيروا بسائر الأشياء التي تحيط بنا حتى أبسطها هل رأيتم من يُرمّز حقوق الإنسان كلها في شخص "منظمة ما"، أو حروف "بيان ما"، أو فكرة "حرية التدين فقط!! أو المثلية الجنسية فقط"؟!
إذا كنا في الشريعة نعبّر عن الرّياء بأنه "الشرك الخفيّ"، فإنني أستعير لأقول من منطلق فكري إن الترميز هو "الكفر الخفي" بحقيقة الشيء، وأنه يحبط كل تصورّاتنا وتصديقاتنا عن الأشياء. وإذا كان الرّياء يتسلل من أهواء النفس الخفية، فإن الترميز يتسلل من أهواء الفكر الخفية؛ فهو غالباً ما ينفذ من خلال التعميم والإجمال على أحسن المحامل، وينفذ من المآرب الأخرى في أسوئها.
إن اعتيادنا لغوياً/خطابياً على التعميم والإجمال يغيّب التفاصيل المؤثرة في الحقائق، وبالتالي يغيّب الحقيقة، وكل ما بُني على هذه الحقيقة المغيّبة هو بناء مجازف وهش، والمآرب الأخرى تتمثل مثلاً في الإعلام؛ فهو يحرص على ترميز الحقائق في أشخاص أو أفكار ليخدم توجّهاته خاصة في ظل غياب فكرة الحياد المطلق، أو وجود فكرة الانحياز المطلق! السياسة تفعل ذلك أيضاً من خلال الشعارات التي تطلقها الأحزاب التي تختزل الأفكار وترمّزها في حزب أو زعيم، والتاريخيّون يفعلونها كذلك من خلال ترميز النجاحات التاريخية في عصور ذهبية معينة ليخدموا توجّهاتهم المستقبلية، وسيروا – مرة أخرى- بسائر الأشياء حذو هذه الأمثلة!
إن أهم أسباب الترميز أو أسباب شيوع تقبّله و "خفيته!": أننا نلجأ فطرياً إلى ترميز الأشياء بغرض تبسيطها، دون أن ندرك الشعرة الدقيقة بين هذين المعنيين؛ أيضاً ضيق المعرفة وعدم التطلع للمعرفة يدفع بالبعض إلى الاكتفاء بهذه الرموز لإقناع ضمائرهم و"تمشية" حياتهم الفكرية فحسب! أيضاً الرؤية الحادة التي تميل فوراً لاتخاذ مواقف حاسمة متطرفة عن الأشياء هي أكثر الرؤى المتماشية مع الترميز لأن التفاصيل مرنة! والرموز جامدة! الهروب من تغيير الذات والاعتياد على الحال وعدم التفريق بين التغيير المذموم والتغيير الدالّ على النضج يدفع بالبعض إلى التعلّق برموزه؛ فهذا أكثر أماناً – في أنظارهم- من تبيّن حقيقة الرموز مما قد يؤدي للاضطرار لتغيير الذات وقناعاتها! أيضاً ثقافة القطيع، و"الموت مع الجماعة رحمة"، وغياب "الاستقلال التفكيري" للفرد والاستجابة المستمرة للمؤثرات الفكرية من حوله دون القيام بدور المعارض أو المقارن أو حتى المؤثر يجعله ذلك يفضّل ترميز الأشياء بدل بحث تفاصيلها والخوض في تحقيقها. كل ذلك وغيره من الأسباب يمكن أن أعبّر عنه بـ"الكسل الفكري!" إنّ هذا الكسل الذي يباعد بين الإنسان والحقائق يدخلنا كأفراد وجماعات في آفات عدة منها:
- التصورات المبنية على الرمز لا على الحقيقة تقود لأحكام خاطئة وغير عادلة!
- نضوب الأفكار الجديدة، وعدم إنضاج الأفكار الأصيلة.
- البُعد عن حقيقة مشكلاتنا والانشغال بهوامشها.
- امتياز مشكلاتنا (الخاصة والأممية) بامتدادها فترات زمنية طويلة دون حل! مما يؤكد أننا لا نعرفها تماماً!
- عدم حل المشكلات يؤدي إلى تلاشي الخبرات، وتراكم الخبرات والتجارب شرط أساسي لتقديم حلول مُثلى، مما يجعل حلولنا المختلقة تبدو "ترقيعية" أكثر من كونها "تصحيحية".
- الشعور العام بالعجز الذاتي عن تحسين أوضاعنا الفكرية (سياسة واقتصاداً واجتماعاً) يجعلنا نميل إلى(استيراد) حلول الآخرين والقيام بعمليات تشويهية، إما لحلول الآخرين أو لأوضاعنا حتى نلائم بينهما.
كتابة جيدة تطرح قضية هامة جدا ، وأهميتها تبرز بصفة خاصة في تعرية اشكالات الترميز من حيث ما تسببه الايديولوجيات من تداخل وتشويش ، وأيضا من حيث استخدام الترميز كعملية اختزال بمثل ما ورد في جزء من طرحك .
إلا أن الملاحظ هو تركيزك على اشكالات الترميز واهمال معانيه الايجابية وهو ما يفترض أن يكون الجانب المكمل لموضوعك هذا بحسب ما يوحي به العنوان ، فهناك ايجابيات للترميز وخاصة إذا ارتبطت بشرح ظواهر لها تفسيرات مختلفة ليست بمتناول عامة الناس أو اذا ارتبطت بصيغة الاستعارة أو اذا ارتبطت بايصال فكرة ليست مباشرة .
كان الموضوع بحاجة إلى تفصيل أكثر .
عموما .
__________________