الحلم النصي من خلال التناص الداخلي
كتبهاعبدالرزاق الماعزي ، في 2 أغسطس 2009 الساعة: 08:50 ص
ملاحظة: قمت بإدخال تعديلات صغيرة على الحلقة الماضية، وهي موجودة ضمن المدونة، وأرجو من قارئي أن يعود إليها.
إن أول تقابل بين اسمي ( ريتانا ) و ( ريناتا ) قد ربط نصين متباعدين زمنياً ومختلفين كماً ونوعاً، أي في كل من المدى السردي و الجنس الأدبي، إذ الأول يندرج ضمن القصص القصيرة، فيما الثاني عمل روائي، بالإضافة إلى القيمة الموضوعية السطحية، فـ ( ريتانا ) هو اسم رجل، بينما ( ريناتا ) اسم فتاة، مع كل ما يتعلق بالشخصيتين من اختلافات، وما تنشده الشخصية المركزية ( المحورية ) من كل منهما، ويمكن لهذا الربط أن يعيد النظر إلى النص الأصلي الموضوع قصد التحليل، بوصفه يكشف - في الأسلوب الذي طرح به - عن معنى يضاف إلى معناه السطحي، الذي يمكن أن يُفترض من سرد هذه الحكاية، لمصارع مسن خرج من المستشفى، وجاء إلى مكتب تنظيم المصارعات، ناشداً تنظيم مباراة له، وهذه المباراة لا تنتهي في صالحه تماماً، لكنها لا تنتهي ضده بالكامل أيضا. وقد لاح لي أن القصة المقامة على سطح الحكاية قد عرضت الأمر على نحو خاص، بحيث ظهر أن المعنى الآخر هو أن المصارع ( مانويل ) خاض صراعاً وكسبه بالفعل في تمهيد القصة.
إن الاستعانــة بالاسميـن مرة أخرى ( ريتـانـا وريناتــا ) يمكنـه أن يعمـق النظر في ما هو تحت سطـح الحكايـة، لا بالمقابلـة بين الاسميـن فقط، كون أحدهمـا – ريناتا - يعني ( ولدت مـن جديـد ) ولكـن بالمقابلـة بين الشخصيتيـن الحاملتيـن لهما أيضاً، بوصف إحداهما لأنثى محبة – أو تظهر هذا الحب على الأقل – والأخرى لرجل جاف، يتكلف بصعوبـة الترحيب بمانويل، الأمر الذي يدعـو إلى افتراض أن هنـاك ( تعويضاً ) نصياً لاحقا، إلا أن هذه الآن تظل مسألة لا تقع في مركز التحليل، إذ ما الذي يمنع من التوغل في دلالة ما يمثله ( ريتانا ) للخلوص به إلى موقع مقابل لما يؤرق شخصية ( مانويل ) [ الذي تحول لا حقاً إلى مانويل الصبي، في حين أنه بسنه مقابل لسانتياغو ].
إننا بإزاء مباراة في مصارعة الثيران، وهي مباراة تنتهي بالموت حتماً، والموت المحتوم هو موت الثور دائما، ولكن هناك موتاً محتملاً للمصارع.
وفي القصة، وعندما يكون ( مانويل ) جالسا أمام ريتانا فإن هناك رأس ثور مثبت على الحائط وراء المكتب. وهذا الأمر يغري بربط الثور بريتانا لعده ثوراً بشرياً، على مانويل أن يصارعه، ولكن الشرح يمضي فيذكِّر بأن هذا الرأس كان لثور هو الذي قتل أخاً لمانويل منذ تسع سنوات، وقال مانويل لنفسه أثناء مطالعته الرأس واللوحة المكتوبة تحته: " حسناً .. لقد كان فتىً طيبا ".
وهكذا فإن حس الثأر سيطفو، ويكون المقصود ثوراً حقيقياً أراد المؤلف أن يذكِّر به. إلا أنه يمكن الاستعانة بالربط بين دلالة اسم الفتاة ( ريناتا ) المرتبطة بالحياة، بريتانا – وهو اسم لا أدري معناه، ولهذا فسأفترض أن معناه الحرفي لايهم، وإنما المهم هو في مقابلته ارتباطاً بشخصية صاحبه بمعنى منحرف - وهذا الربط سيعيد تثبيت رأس الثور بوصفه علامة تتصل بصاحب المكتب لا بشقيق مانويل وحده، وبملاحظة الجفاف في شخصية ريتانا فسيكون الرمز قائما بالفعل في أن ريتانا هو هذا الثور البشري، ولكن هي يعني ريتانا الموت أيضا؟.
سأعيد الثور ليكون ريتانا وريتانا ليكون الثور، ومن خلال هذه الإعادة سأقول بأن الثور قد عنى موتاً مادياً حقيقياً إذ هو قتل أخاً لمانويل، وأنه يمكن أن يقتل بلا توان مانويل في مباراته، ولكن ريتانا لم يكن ليفعل ذلك، وإنما هو مقابل رمزي للموت، أو ما يشبه النهاية، إذ هو يمتنع عن الترحيب بمانويل [ ويشمل ضمن هذا الامتناع تغييب الابتسام ]. ·
وفي هذا الحال سأعود للنظر إلى تفصيلين صغيرين لم يبدوا في مركزين، وهما كل من المدة الزمنية المنقضية على مقتل أخي مانويل، وتسمية مانويل لأخيه بـ ( الفتى ). والواقع أن كلمة فتى ترد لأكثر من مرة في القصة، وهي إحدى أدوات التعبير للتحدث عن مثل هذا العالم – عالم الرياضة – ولو كان الأمر مجازيا. وفي ما تلا الموافقة على تنظيم المباراة، والاتفاق مع البيكادور، يكون هناك فتيان من العادة أن يشاركوا في المباراة، وكانت أعمارهم – التقريبية - التاسعة عشرة·، وقد شعر بهم مانويل خلفه، ورآهم ورأى أحدهم – وهو الفتى الغجري – وقد أعجبه مرآه وسأله عن اسمه وامتدح الاسم له، فابتسم الفتى الغجري ورأى مانويل أسنانه .. . وبهذا لانعود فنكتشف وجود ابتسامة – لاحت أخيراً في هذه القصة - لعيني مانويل فحسب، وإنما نربطها بفتوة صاحبها، ولكن هذه الفتوة مرتبطة أيضاً بعمر افتراضي هو التسعة عشر، وهذا هو عمر الفتاة ( ريناتا ) أيضاً، [ وسنلاحظ - على نحو مفاجئ - أن هذا هو عمر الفتى ( روميرو ) المصارع الذي حاز قلب صديقة بطل " لا تزال الشمس تشرق "· و عمر ( ماريا ) الفتاة في رواية " لمن تقرع الأجراس"].
وهكذا، فإن الفتى الغجري - الذي بدا عارضاً - هو في المركز من أحاسيس مانويل، وعمره التقديري بالذات، مصدر تأثير ما – إيجابي – على شخصه، ولعل هذا ما يعيدنا – مع تحليل النص بوصفه حلماً إلى الرقم ( 9 ) الذي ورد سابقاً، في مرور تسع سنوات على موت شقيق مانويل من فعل الثور الذي صارعه، فجعل الرقم حميمي الحضور لتذكيره مانويل بأخيه.
وإذن، فإن محصلة تحليل قصة " الذي لم يُهزم " تخلص إلى حيازة علامتين تمثلان قطبي تحريك المعنى الخفي لها، وهما :
رأس الثور / معادلاً لريتانا تقريبا
غياب الابتسامة / أو ابتسامة ما
وبتغييب الابتسامة كان ريتانا مندساً في رأس الثور، وبحضور الابتسامة فيما بعد كان الفتى الغجري مندساً على نحو ما في نقيض ريتانا الذي حمل اسماً لوّاحاً، أي شخصية ريناتا في نص خارجي، كانت ملتبسة في أكثر من نص سابق بشخصيتين شبيهتين: ماريا وروميرو.
إن أخا مانويل يرحل مع مانويل، ويربطه بالفتيان الثلاثة، ويربطه أحدهم بالابتسام، ويضع كل هذا الفتوة والابتسام في مقابل ريتانا.
وسوف أحتاج مرة أخرى إلى الخروج من النص الحالي إلى رواية " عبر النهر وبين الأشجار " حيث ريناتا عمرها تسعة عشر عاما، وسأستعين أيضاً بماريـا في " لمن تقرع الأجراس " وكلا الفتاتيـن عاشتـا بعد البطلين، ولم تشهـد " لمن تقرع الأجراس " الموت النهائي للبطل - وإن أمكن التنبؤ به – بينما شهدت " عبر النهر وبين الأشجار " هذا الموت. ولم يكن الموت في الأخيرة منشوداً، فهي مختلفة إلى حد كبير في هذه الناحية، ولكن وجود الفتاتين مكملتين لحياة البطل يسحب قيمة الأنوثة والصبا إلى قصة " الذي لم يُهزم ".
وقبل التوغل في التقاط أمثلة مما يصلح لبناء تصور للنص إلى خارجه، يمكِّن من إقامته على نحو تتكامل فيه المقدمة مع الإشارات الدالة، سأورد حواراً دار بين مانويل ومندوب مكتب ريتانا- بعد العرض الأولي، على النحو التالي:
سأل مانويل:
- كيف مر الركوب؟
- مثل حفل زواج
والأصل في الإنجليزية هو:
- How did the paseo go on
- Like a wedding
وقد استعمل الكاتب العبارة الاصطلاحية الإسبانية للتعبير عن الركوب ليتفادى التعبير الإنجليزي، ولعله كان يتفاداه لا لكون الشخصيات إسبانية فحسب، وإنما ليوحي ببراءة، يالإضافة إلى دور الركوب في هذه المرحلة. والتعبير المجسد لحال الركوب هو : go on وقد وردت في المضارع البسيط لأن السؤال بـ : did يؤدي إلى هذا الحال، وهذا أمر يتيح للتعبير الموارب، أو لاوعي التعبير، أن يكون: استمر، أو: ليستمر الزواج .. [ لأن هذا هو ما يؤدي إليه التعبير من دون تأثير did]، واستعمل على لسان زوريتو التعبير مباشرة لأنه قصده، وهو في الإنجليزية wedding لفظة واحدة تعني حفل الزواج، في صيغة الزمن الحاضر المستمر [ أي وقت الفعالية القائم ..].
وأكتب تالياً تعبير المؤلف عن إحساس مانويل بالفتيان، وقد ورد كما يلي: " Manuel was thinking about the three lads in back of him " وترجمتها: كان مانويل يفكر في ( الفتيان ) الذين كانوا وراء ظهره.
وأود أن ألفت النظر إلى أن كلمة lad تعني: صبيا، وحبيبة، ومعشوقة، ويمكن أن تستعمل أحياناً بمعنى رجل. وإذا انتبهنا إلى التعبير: وراء ظهره " in back of him " فإن هذا قد يقودنا إلى ما حاول أن يتفادى المؤلف ذكره، أو تثبيته، فتجنب استعمال كلمة " Men " أو " "Guys" اللتين تعنيان " رجالاً ". واستعمال " وراء ظهره " بدلاً من " خلفه " أو " وراءه " أي behind him ، يغري بتفحص الجملة للكشف عن لاوعيها، الملخص في أن مانويل أحس بالفتيان إحساساً شبه جنسي، ذلك أن " in " تعني " في " و بوصف الظهر موضوعاً لظرفيتها المستعملـة، فإن التصاقاً بالدلالة الجنسية قد يصبح قريباً، مع احتمال تلقي الأمر على نحـو ودي أو غير مقصـى، في حيـن كان وجـود الدلالـة مرتبطـة بـ ( رجال ) ذا تأثير مخالف.
وسأرجع بما مقداره صفحة ونصف الصفحة تقريباً، لقراءة العبارة التالية، وهي مسبوقة بوصف وجود ظلام، وكان الواقفان هما مانويل وزوريتو وكلاهما غير صغيرين: " الباب العالي الذي كان يؤدي إلى حلبة الثور كان مغلقا، أعلاهما سمعا صيحة، ثم صيحة ضحك أخرى، ثم كان هناك صمت " أما الصيغة الإنجليزية فوردت على النحو التالي: " The high door that led into the bull-ring was shut. Above them they heard a shout, then another shout of laughter. Then there was silence "
وربما صح إذن، أن تكون صيحة الضحك وجوداً فرحاً، هو عمق الابتسامة المحلوم بها من مانويل. وهي تحل في المكان نفسه الذي تتخذ منه القصة مسرحاً رمزياً لها، أي حلبة مصارعةالثيران، التي قد تكون مخفية وراءها فكرة عن الحياة نفسها.
وتلفت النظر أولاً كلمتا " الباب " و " العالي "، وللباب نظير سابق، هو باب مكتب ريتانا، وقد كان عالياً إذ ذكر الراوي أن مانويل صعد ليصل إليه، بل إنه استعمل الفعل "” climbed [ وهذه الكلمة تُشعر بالعناء، ولكنها تذكر أيضاً بتداعيات من مرادف لها " تسلق "، متمثلة في تسلق الجبال العالية – مثل الدرجات الموصلة إلى مكتب ريتانا، وما يوصل إلى حلبة الثور، ومثل فروع الأشجار أيضاً، ويتداخل إيحاء الكلمة مع المصارعة من أجل البقاء، أو من أجل القتل. ] ، إلا أن الباب الذي كان مغلقاً وفتح بعناء، يمكنه أن يماثل شفتي ريتانا اللتين لم تنفتحا أمام مانويل، وهاهو الباب هنا أيضاً. وقد وردت كلمة " ring " التي تعني حلقة، وتعني أيضاً خاتما. وفي سياقها الموضوعي تعني الحَلَبة، ولكن الدلالة اللغوية تسحبنا إلى كلمة الخاتم – رابط الزوجية، وهو بدء هذا الارتباط بوصفه علامة الخطبة، ولعل الأجدر بحمله الشاب القادر على الاقتران بفتاة تلج به - حاملة خاتمه - صبا الحياة ونجاحها [ أو إثبات أنه منتصر على احتمالات الموت بإراقة دم ما قد يكون في حد أدنى له دم بكارتها، أو تشفيه الكامن من الاستهانة بأمر رجولته .. إلخ ]·، وحرف الجر " into " يعني " إلى الداخل "، ثم يصبح التلقي ميسوراً لدلالة الصرخة بوصفها صرخة انفضاض البكارة، تلتها صيحة ضحك، مما يمكن أن يرتبط بدلالة الفرح، أو دلالة الانتشاء الجنسي، ويؤدي الصمت ختاماً مؤثراً ومقفلاً لهذه الدائرة، مع ملاحظة أن المؤلف – أو الراوي - كان أداة صوغ العبارة فقط، وكان الرجلان – مانويل وزوريتو – هما من يلاحظان ويصغيان. إن ما أصغيا إليه لم يكن صيحة امرأة، ولكن ألا يمكن – مثلما اقتُرح آنفاً - للصيحتين أن تستدعيا مثيلتهما؟. لعل مانويل هو الأقرب إلى أن يوضع في محل الترجيح قرب هذا التصور. مانويل الذي صار فتى في " الشيخ والبحر " وكان فتاة في " لمن تقرع الأجراس" و في " عبر النهر وبين الأشجار ".
وفي لفتة انتباه أخرى إلى الدلالات الجنسية يمكن مطالعة عبارة أخرى سترد أثناء بدء المصارعة إذ نسمع الحوار التالي:
- اتكيء عليه يا مانوس
- سأتكئ عليه
ما الذي يبقيه قائما؟
إنه آت الآن
وكانت هذه ترجمتي للصيغة الواردة بالإنجليزية على هذا النحو:
- Lean on him Manos
- I,ll lean on him .. what,s holding it up
He,s coming now
إلا أن " اتكيء " هي الترجمةالحرفية فقط لـ lean، فالتعبير lean on him تعني أيضاً: " اعتمد عليه ". وما لفت نظري أيضاًهو كلمة ( آت ) التي تُستعمل في الإنجليزية للتعبير عن الوصول إلى حالة القذف في حال الاتصال الجنسي. ثم رد هذا نظري إلى فعل الاتكاء المذكور، واستطالة القيام، وهو ما هيأ في تصوري إمكان أن تبدو هذه الكلمات مجرد غطاء ظاهر لمصارعة الثيران، في حين هي تخفي هاجس الجنس، [ أو التفكير في مركزية الذات ] وكان ورودها أثناء المصارعة ذا دلالة رابطة للثور لا بكونه قاتلاً قديماً يريد مانويل أن يثأر منه، وإنما لكونه ذكراً أيضاً، وهو رمز يرتبط بتحد جنسي، يثبت فيه مانويل فاعليته – كونها ما زالت في حلبة الحياة – برغم ما يرتبط بالإيحاء بخروجه منها، من وجود مثيل ( ريتانا ).
إن لعبة المصارعة تنتهي، ورأى مانويل الثور وقد اندلق لسانه خارجاً، وانقلب على ظهره وبدت أقدامه الأربع مرتفعة. ثم تكون نهاية القصة ومانويل راقد يتنفس الأكسجين ولا يسمع ما يقال حوله، ولا يرى ابتسامة ريتانا .
**
ومرة أخرى تسحبنا هذه القراءات خارج النص الأسبق إلى النص نفسه، لملاحظة ارتباط الدلالات، على نحو يعمق المعنى المبطن لمعنى آخر سطحي، وقوام هذاالمعنى الباطني المشترك، العودة إلى الحياة، أو العودة إلى حلبة الصراع من أجل إثبات الوجود، وفيما رقد الثور صريعاً على ظهره، أي مقلوباً في حاله كونه حيواناً واندلاق لسانه خارجا·، علامةً على آنتفاء فعاليته بصفة حاسمة. وكان مانويل مستلقياً على ظهره في المستشفى، في ما لا يحسم كونه منتهي الفعالية على نحو كامل، فهو يتنفس ما يزال.
وهكذا، يصبح ريتانا معادلاً للهلاك، أو الشيخوخة، أو الفأل السئ. هذا الفأل السئ الذي يقابل بما يسمى بـ ( الحظ )، وقد هتف به مانويل في نهاية القصة قائلا: " كنت أسير على نحو حسن، لم يكن لي أي حظ، هذا كل ما في الأمر ".
ويجب تذكر أن كلمة الحظ قد لعبت دوراً محورياً في رواية " الشيخ والبحر"، لأن هذا هو ما قيل عن ( الشيخ ) منذ البدء، وما أقره هو في النهاية " أنا غير محظوظ "· [ وقد ظهرت أيضاً في قصة " خمسون ألف دولار " ] .
وعودة إلى القصة تجعلنا ننظر إليها على النحو التالي:
· كان مانويل يتطلع إلى رأس الثور أعلى ريتانا: أي كان يتطلع إلى رمز للذكورة المعادية الحالة، أو رمز تذكير بالقدرة على إنهائه [ منتبهين إلى أن القصة تخلو من الإناث ].
· وكان ينظر إلى ريتانا بأمل، فيما كان ريتانا جافاً في معاملته، وهكذا صار ريتانا رمزاً للذكور المسيطرين على حلبة الحياة.
· ولكن أملاً لامس قلبه، أو أثار نشاطه برؤيته ابتسامة الفتى الغجري.
· وقد صرع الثور في النهاية، ورأى أقدامه الأربع مقلوبة، في إشارة إلى الفاعلية المضادة لحيلولة الذكورة السابقة دون سطوع مانويل.
وهكذا، كان هذا المنتهى متفقاً مع النظر السردي إلى مانويل في تغلبه على تمنع ريتانا على أنه تغلب على ثور، وأضيف إليه زوريتو الذي تمنع أيضا، ثم تمكن مانويل من إقناعه، ولكن زوريتو أيضاً لم يكن الرجل المحبب لمانويل، فهو يستبدل به – في قلبه – فتى غجري حسن المرأى والاسم.
كتبهاعبدالرزاق الماعزي ، في 2 أغسطس 2009 الساعة: 08:50 ص
ملاحظة: قمت بإدخال تعديلات صغيرة على الحلقة الماضية، وهي موجودة ضمن المدونة، وأرجو من قارئي أن يعود إليها.
إن أول تقابل بين اسمي ( ريتانا ) و ( ريناتا ) قد ربط نصين متباعدين زمنياً ومختلفين كماً ونوعاً، أي في كل من المدى السردي و الجنس الأدبي، إذ الأول يندرج ضمن القصص القصيرة، فيما الثاني عمل روائي، بالإضافة إلى القيمة الموضوعية السطحية، فـ ( ريتانا ) هو اسم رجل، بينما ( ريناتا ) اسم فتاة، مع كل ما يتعلق بالشخصيتين من اختلافات، وما تنشده الشخصية المركزية ( المحورية ) من كل منهما، ويمكن لهذا الربط أن يعيد النظر إلى النص الأصلي الموضوع قصد التحليل، بوصفه يكشف - في الأسلوب الذي طرح به - عن معنى يضاف إلى معناه السطحي، الذي يمكن أن يُفترض من سرد هذه الحكاية، لمصارع مسن خرج من المستشفى، وجاء إلى مكتب تنظيم المصارعات، ناشداً تنظيم مباراة له، وهذه المباراة لا تنتهي في صالحه تماماً، لكنها لا تنتهي ضده بالكامل أيضا. وقد لاح لي أن القصة المقامة على سطح الحكاية قد عرضت الأمر على نحو خاص، بحيث ظهر أن المعنى الآخر هو أن المصارع ( مانويل ) خاض صراعاً وكسبه بالفعل في تمهيد القصة.
إن الاستعانــة بالاسميـن مرة أخرى ( ريتـانـا وريناتــا ) يمكنـه أن يعمـق النظر في ما هو تحت سطـح الحكايـة، لا بالمقابلـة بين الاسميـن فقط، كون أحدهمـا – ريناتا - يعني ( ولدت مـن جديـد ) ولكـن بالمقابلـة بين الشخصيتيـن الحاملتيـن لهما أيضاً، بوصف إحداهما لأنثى محبة – أو تظهر هذا الحب على الأقل – والأخرى لرجل جاف، يتكلف بصعوبـة الترحيب بمانويل، الأمر الذي يدعـو إلى افتراض أن هنـاك ( تعويضاً ) نصياً لاحقا، إلا أن هذه الآن تظل مسألة لا تقع في مركز التحليل، إذ ما الذي يمنع من التوغل في دلالة ما يمثله ( ريتانا ) للخلوص به إلى موقع مقابل لما يؤرق شخصية ( مانويل ) [ الذي تحول لا حقاً إلى مانويل الصبي، في حين أنه بسنه مقابل لسانتياغو ].
إننا بإزاء مباراة في مصارعة الثيران، وهي مباراة تنتهي بالموت حتماً، والموت المحتوم هو موت الثور دائما، ولكن هناك موتاً محتملاً للمصارع.
وفي القصة، وعندما يكون ( مانويل ) جالسا أمام ريتانا فإن هناك رأس ثور مثبت على الحائط وراء المكتب. وهذا الأمر يغري بربط الثور بريتانا لعده ثوراً بشرياً، على مانويل أن يصارعه، ولكن الشرح يمضي فيذكِّر بأن هذا الرأس كان لثور هو الذي قتل أخاً لمانويل منذ تسع سنوات، وقال مانويل لنفسه أثناء مطالعته الرأس واللوحة المكتوبة تحته: " حسناً .. لقد كان فتىً طيبا ".
وهكذا فإن حس الثأر سيطفو، ويكون المقصود ثوراً حقيقياً أراد المؤلف أن يذكِّر به. إلا أنه يمكن الاستعانة بالربط بين دلالة اسم الفتاة ( ريناتا ) المرتبطة بالحياة، بريتانا – وهو اسم لا أدري معناه، ولهذا فسأفترض أن معناه الحرفي لايهم، وإنما المهم هو في مقابلته ارتباطاً بشخصية صاحبه بمعنى منحرف - وهذا الربط سيعيد تثبيت رأس الثور بوصفه علامة تتصل بصاحب المكتب لا بشقيق مانويل وحده، وبملاحظة الجفاف في شخصية ريتانا فسيكون الرمز قائما بالفعل في أن ريتانا هو هذا الثور البشري، ولكن هي يعني ريتانا الموت أيضا؟.
سأعيد الثور ليكون ريتانا وريتانا ليكون الثور، ومن خلال هذه الإعادة سأقول بأن الثور قد عنى موتاً مادياً حقيقياً إذ هو قتل أخاً لمانويل، وأنه يمكن أن يقتل بلا توان مانويل في مباراته، ولكن ريتانا لم يكن ليفعل ذلك، وإنما هو مقابل رمزي للموت، أو ما يشبه النهاية، إذ هو يمتنع عن الترحيب بمانويل [ ويشمل ضمن هذا الامتناع تغييب الابتسام ]. ·
وفي هذا الحال سأعود للنظر إلى تفصيلين صغيرين لم يبدوا في مركزين، وهما كل من المدة الزمنية المنقضية على مقتل أخي مانويل، وتسمية مانويل لأخيه بـ ( الفتى ). والواقع أن كلمة فتى ترد لأكثر من مرة في القصة، وهي إحدى أدوات التعبير للتحدث عن مثل هذا العالم – عالم الرياضة – ولو كان الأمر مجازيا. وفي ما تلا الموافقة على تنظيم المباراة، والاتفاق مع البيكادور، يكون هناك فتيان من العادة أن يشاركوا في المباراة، وكانت أعمارهم – التقريبية - التاسعة عشرة·، وقد شعر بهم مانويل خلفه، ورآهم ورأى أحدهم – وهو الفتى الغجري – وقد أعجبه مرآه وسأله عن اسمه وامتدح الاسم له، فابتسم الفتى الغجري ورأى مانويل أسنانه .. . وبهذا لانعود فنكتشف وجود ابتسامة – لاحت أخيراً في هذه القصة - لعيني مانويل فحسب، وإنما نربطها بفتوة صاحبها، ولكن هذه الفتوة مرتبطة أيضاً بعمر افتراضي هو التسعة عشر، وهذا هو عمر الفتاة ( ريناتا ) أيضاً، [ وسنلاحظ - على نحو مفاجئ - أن هذا هو عمر الفتى ( روميرو ) المصارع الذي حاز قلب صديقة بطل " لا تزال الشمس تشرق "· و عمر ( ماريا ) الفتاة في رواية " لمن تقرع الأجراس"].
وهكذا، فإن الفتى الغجري - الذي بدا عارضاً - هو في المركز من أحاسيس مانويل، وعمره التقديري بالذات، مصدر تأثير ما – إيجابي – على شخصه، ولعل هذا ما يعيدنا – مع تحليل النص بوصفه حلماً إلى الرقم ( 9 ) الذي ورد سابقاً، في مرور تسع سنوات على موت شقيق مانويل من فعل الثور الذي صارعه، فجعل الرقم حميمي الحضور لتذكيره مانويل بأخيه.
وإذن، فإن محصلة تحليل قصة " الذي لم يُهزم " تخلص إلى حيازة علامتين تمثلان قطبي تحريك المعنى الخفي لها، وهما :
رأس الثور / معادلاً لريتانا تقريبا
غياب الابتسامة / أو ابتسامة ما
وبتغييب الابتسامة كان ريتانا مندساً في رأس الثور، وبحضور الابتسامة فيما بعد كان الفتى الغجري مندساً على نحو ما في نقيض ريتانا الذي حمل اسماً لوّاحاً، أي شخصية ريناتا في نص خارجي، كانت ملتبسة في أكثر من نص سابق بشخصيتين شبيهتين: ماريا وروميرو.
إن أخا مانويل يرحل مع مانويل، ويربطه بالفتيان الثلاثة، ويربطه أحدهم بالابتسام، ويضع كل هذا الفتوة والابتسام في مقابل ريتانا.
وسوف أحتاج مرة أخرى إلى الخروج من النص الحالي إلى رواية " عبر النهر وبين الأشجار " حيث ريناتا عمرها تسعة عشر عاما، وسأستعين أيضاً بماريـا في " لمن تقرع الأجراس " وكلا الفتاتيـن عاشتـا بعد البطلين، ولم تشهـد " لمن تقرع الأجراس " الموت النهائي للبطل - وإن أمكن التنبؤ به – بينما شهدت " عبر النهر وبين الأشجار " هذا الموت. ولم يكن الموت في الأخيرة منشوداً، فهي مختلفة إلى حد كبير في هذه الناحية، ولكن وجود الفتاتين مكملتين لحياة البطل يسحب قيمة الأنوثة والصبا إلى قصة " الذي لم يُهزم ".
وقبل التوغل في التقاط أمثلة مما يصلح لبناء تصور للنص إلى خارجه، يمكِّن من إقامته على نحو تتكامل فيه المقدمة مع الإشارات الدالة، سأورد حواراً دار بين مانويل ومندوب مكتب ريتانا- بعد العرض الأولي، على النحو التالي:
سأل مانويل:
- كيف مر الركوب؟
- مثل حفل زواج
والأصل في الإنجليزية هو:
- How did the paseo go on
- Like a wedding
وقد استعمل الكاتب العبارة الاصطلاحية الإسبانية للتعبير عن الركوب ليتفادى التعبير الإنجليزي، ولعله كان يتفاداه لا لكون الشخصيات إسبانية فحسب، وإنما ليوحي ببراءة، يالإضافة إلى دور الركوب في هذه المرحلة. والتعبير المجسد لحال الركوب هو : go on وقد وردت في المضارع البسيط لأن السؤال بـ : did يؤدي إلى هذا الحال، وهذا أمر يتيح للتعبير الموارب، أو لاوعي التعبير، أن يكون: استمر، أو: ليستمر الزواج .. [ لأن هذا هو ما يؤدي إليه التعبير من دون تأثير did]، واستعمل على لسان زوريتو التعبير مباشرة لأنه قصده، وهو في الإنجليزية wedding لفظة واحدة تعني حفل الزواج، في صيغة الزمن الحاضر المستمر [ أي وقت الفعالية القائم ..].
وأكتب تالياً تعبير المؤلف عن إحساس مانويل بالفتيان، وقد ورد كما يلي: " Manuel was thinking about the three lads in back of him " وترجمتها: كان مانويل يفكر في ( الفتيان ) الذين كانوا وراء ظهره.
وأود أن ألفت النظر إلى أن كلمة lad تعني: صبيا، وحبيبة، ومعشوقة، ويمكن أن تستعمل أحياناً بمعنى رجل. وإذا انتبهنا إلى التعبير: وراء ظهره " in back of him " فإن هذا قد يقودنا إلى ما حاول أن يتفادى المؤلف ذكره، أو تثبيته، فتجنب استعمال كلمة " Men " أو " "Guys" اللتين تعنيان " رجالاً ". واستعمال " وراء ظهره " بدلاً من " خلفه " أو " وراءه " أي behind him ، يغري بتفحص الجملة للكشف عن لاوعيها، الملخص في أن مانويل أحس بالفتيان إحساساً شبه جنسي، ذلك أن " in " تعني " في " و بوصف الظهر موضوعاً لظرفيتها المستعملـة، فإن التصاقاً بالدلالة الجنسية قد يصبح قريباً، مع احتمال تلقي الأمر على نحـو ودي أو غير مقصـى، في حيـن كان وجـود الدلالـة مرتبطـة بـ ( رجال ) ذا تأثير مخالف.
وسأرجع بما مقداره صفحة ونصف الصفحة تقريباً، لقراءة العبارة التالية، وهي مسبوقة بوصف وجود ظلام، وكان الواقفان هما مانويل وزوريتو وكلاهما غير صغيرين: " الباب العالي الذي كان يؤدي إلى حلبة الثور كان مغلقا، أعلاهما سمعا صيحة، ثم صيحة ضحك أخرى، ثم كان هناك صمت " أما الصيغة الإنجليزية فوردت على النحو التالي: " The high door that led into the bull-ring was shut. Above them they heard a shout, then another shout of laughter. Then there was silence "
وربما صح إذن، أن تكون صيحة الضحك وجوداً فرحاً، هو عمق الابتسامة المحلوم بها من مانويل. وهي تحل في المكان نفسه الذي تتخذ منه القصة مسرحاً رمزياً لها، أي حلبة مصارعةالثيران، التي قد تكون مخفية وراءها فكرة عن الحياة نفسها.
وتلفت النظر أولاً كلمتا " الباب " و " العالي "، وللباب نظير سابق، هو باب مكتب ريتانا، وقد كان عالياً إذ ذكر الراوي أن مانويل صعد ليصل إليه، بل إنه استعمل الفعل "” climbed [ وهذه الكلمة تُشعر بالعناء، ولكنها تذكر أيضاً بتداعيات من مرادف لها " تسلق "، متمثلة في تسلق الجبال العالية – مثل الدرجات الموصلة إلى مكتب ريتانا، وما يوصل إلى حلبة الثور، ومثل فروع الأشجار أيضاً، ويتداخل إيحاء الكلمة مع المصارعة من أجل البقاء، أو من أجل القتل. ] ، إلا أن الباب الذي كان مغلقاً وفتح بعناء، يمكنه أن يماثل شفتي ريتانا اللتين لم تنفتحا أمام مانويل، وهاهو الباب هنا أيضاً. وقد وردت كلمة " ring " التي تعني حلقة، وتعني أيضاً خاتما. وفي سياقها الموضوعي تعني الحَلَبة، ولكن الدلالة اللغوية تسحبنا إلى كلمة الخاتم – رابط الزوجية، وهو بدء هذا الارتباط بوصفه علامة الخطبة، ولعل الأجدر بحمله الشاب القادر على الاقتران بفتاة تلج به - حاملة خاتمه - صبا الحياة ونجاحها [ أو إثبات أنه منتصر على احتمالات الموت بإراقة دم ما قد يكون في حد أدنى له دم بكارتها، أو تشفيه الكامن من الاستهانة بأمر رجولته .. إلخ ]·، وحرف الجر " into " يعني " إلى الداخل "، ثم يصبح التلقي ميسوراً لدلالة الصرخة بوصفها صرخة انفضاض البكارة، تلتها صيحة ضحك، مما يمكن أن يرتبط بدلالة الفرح، أو دلالة الانتشاء الجنسي، ويؤدي الصمت ختاماً مؤثراً ومقفلاً لهذه الدائرة، مع ملاحظة أن المؤلف – أو الراوي - كان أداة صوغ العبارة فقط، وكان الرجلان – مانويل وزوريتو – هما من يلاحظان ويصغيان. إن ما أصغيا إليه لم يكن صيحة امرأة، ولكن ألا يمكن – مثلما اقتُرح آنفاً - للصيحتين أن تستدعيا مثيلتهما؟. لعل مانويل هو الأقرب إلى أن يوضع في محل الترجيح قرب هذا التصور. مانويل الذي صار فتى في " الشيخ والبحر " وكان فتاة في " لمن تقرع الأجراس" و في " عبر النهر وبين الأشجار ".
وفي لفتة انتباه أخرى إلى الدلالات الجنسية يمكن مطالعة عبارة أخرى سترد أثناء بدء المصارعة إذ نسمع الحوار التالي:
- اتكيء عليه يا مانوس
- سأتكئ عليه
ما الذي يبقيه قائما؟
إنه آت الآن
وكانت هذه ترجمتي للصيغة الواردة بالإنجليزية على هذا النحو:
- Lean on him Manos
- I,ll lean on him .. what,s holding it up
He,s coming now
إلا أن " اتكيء " هي الترجمةالحرفية فقط لـ lean، فالتعبير lean on him تعني أيضاً: " اعتمد عليه ". وما لفت نظري أيضاًهو كلمة ( آت ) التي تُستعمل في الإنجليزية للتعبير عن الوصول إلى حالة القذف في حال الاتصال الجنسي. ثم رد هذا نظري إلى فعل الاتكاء المذكور، واستطالة القيام، وهو ما هيأ في تصوري إمكان أن تبدو هذه الكلمات مجرد غطاء ظاهر لمصارعة الثيران، في حين هي تخفي هاجس الجنس، [ أو التفكير في مركزية الذات ] وكان ورودها أثناء المصارعة ذا دلالة رابطة للثور لا بكونه قاتلاً قديماً يريد مانويل أن يثأر منه، وإنما لكونه ذكراً أيضاً، وهو رمز يرتبط بتحد جنسي، يثبت فيه مانويل فاعليته – كونها ما زالت في حلبة الحياة – برغم ما يرتبط بالإيحاء بخروجه منها، من وجود مثيل ( ريتانا ).
إن لعبة المصارعة تنتهي، ورأى مانويل الثور وقد اندلق لسانه خارجاً، وانقلب على ظهره وبدت أقدامه الأربع مرتفعة. ثم تكون نهاية القصة ومانويل راقد يتنفس الأكسجين ولا يسمع ما يقال حوله، ولا يرى ابتسامة ريتانا .
**
ومرة أخرى تسحبنا هذه القراءات خارج النص الأسبق إلى النص نفسه، لملاحظة ارتباط الدلالات، على نحو يعمق المعنى المبطن لمعنى آخر سطحي، وقوام هذاالمعنى الباطني المشترك، العودة إلى الحياة، أو العودة إلى حلبة الصراع من أجل إثبات الوجود، وفيما رقد الثور صريعاً على ظهره، أي مقلوباً في حاله كونه حيواناً واندلاق لسانه خارجا·، علامةً على آنتفاء فعاليته بصفة حاسمة. وكان مانويل مستلقياً على ظهره في المستشفى، في ما لا يحسم كونه منتهي الفعالية على نحو كامل، فهو يتنفس ما يزال.
وهكذا، يصبح ريتانا معادلاً للهلاك، أو الشيخوخة، أو الفأل السئ. هذا الفأل السئ الذي يقابل بما يسمى بـ ( الحظ )، وقد هتف به مانويل في نهاية القصة قائلا: " كنت أسير على نحو حسن، لم يكن لي أي حظ، هذا كل ما في الأمر ".
ويجب تذكر أن كلمة الحظ قد لعبت دوراً محورياً في رواية " الشيخ والبحر"، لأن هذا هو ما قيل عن ( الشيخ ) منذ البدء، وما أقره هو في النهاية " أنا غير محظوظ "· [ وقد ظهرت أيضاً في قصة " خمسون ألف دولار " ] .
وعودة إلى القصة تجعلنا ننظر إليها على النحو التالي:
· كان مانويل يتطلع إلى رأس الثور أعلى ريتانا: أي كان يتطلع إلى رمز للذكورة المعادية الحالة، أو رمز تذكير بالقدرة على إنهائه [ منتبهين إلى أن القصة تخلو من الإناث ].
· وكان ينظر إلى ريتانا بأمل، فيما كان ريتانا جافاً في معاملته، وهكذا صار ريتانا رمزاً للذكور المسيطرين على حلبة الحياة.
· ولكن أملاً لامس قلبه، أو أثار نشاطه برؤيته ابتسامة الفتى الغجري.
· وقد صرع الثور في النهاية، ورأى أقدامه الأربع مقلوبة، في إشارة إلى الفاعلية المضادة لحيلولة الذكورة السابقة دون سطوع مانويل.
وهكذا، كان هذا المنتهى متفقاً مع النظر السردي إلى مانويل في تغلبه على تمنع ريتانا على أنه تغلب على ثور، وأضيف إليه زوريتو الذي تمنع أيضا، ثم تمكن مانويل من إقناعه، ولكن زوريتو أيضاً لم يكن الرجل المحبب لمانويل، فهو يستبدل به – في قلبه – فتى غجري حسن المرأى والاسم.