مدخلإلى مفهوم الإيقاع الداخلي للشعر
نديمدانيال الوزَّة
ربما كانت إشكالية الإيقاع من أكثر إشكالياتالحداثة الشعرية بروزاً في القرن العشرين.حتى إن آراء مرموقة لم تزل، إلى الآن، لا تفهممن هذه الحداثة سوى كونها نقلة موسيقيةحصلت من شعر البحور إلى شعر التفعيلة. وهيغالباً ما لا تميِّز – هذه الآراء –بينهما وبين الشعر الحر أو قصيدة النثر – فمابالك بالمتحدث عن مفهوم الكتابة إجمالاً؟!
هذهالإشكالية المستمرة تنسحب، للأسف، وبشكلأكثر تعقيداً، على مفهوم "الإيقاع الداخلي"،حتى يكاد المرء يتوهم أن هذا الإيقاع ما هوإلا مصطلح وافد لا علاقة للُّغة العربية به؛فما على النقَّاد بهذه اللغة من ضير،بالتالي، إذا ما شحذوا الهِمَمَ لاستيرادمفاهيم اللغات الأخرى، الفرنسيةوالإنكليزية، كما جرت العادة، للاستعانة بهافي إيضاح هذا المفهوم – وكأن ما نُقِل عنالنقَّاد الفرنسيين أو الإنكليزيين قد أوضحهحقاً!
أبديهذا الكلام الذي يدعو للارتياب، لا لكي أوضحهذا المصطلح وحسب، وإنما لأعيد قراءة ما تمَّقولُه، ولأستقرئ إلى أيِّ شيء يمكن أن يفضيبنا، تاركاً تناول مفهوم الإيقاع مجرداً –حسب ما أرى – لمناسبة أخرى، ولأستعرض أنواعهالمتداولة في كتابات النقَّاد، بما يتطلَّبهالمجال هنا، ما دام يشكِّل مدخلاً، وإنْبسيط، لاستكشاف بنيته الداخلية.الإيقاعباعتباره بنية نظمية
معأن العرب ميزوا بين "الإيقاع" و"النظم"منذ البداية – البداية التي وضعها الخليل بنأحمد الفراهيدي – إلا أن ثمة من يرى أنالإيقاع ليس شيئاً آخر سوى نظم التفعيلات فيالبيت الواحد؛ أو، إذا ما شاء المرء أن يكونإيقاعُه حراً، الانتقال من نظم الأبياتوالبحور إلى شعر التفعيلة، بما يتيح له حريةأوسع في حركة تنظيم التفعيلات – الشيء الذيلم يعد يجهله مهتمٌ بالشعر.
غيرأن بعض ممثلي هذا النوع، اتِّكاءً على ماقرؤوه من إمكانيات أخرى للنظم في اللغاتالأخرى، ولاسيما المذكورتين، اعتبروا أنالإيقاع يمكن أن يأتي على ثلاثة مستوياتنوعية:
1. المستوى الأول: يعتمد الإيقاع فيهعلى نظام المقاطع؛ ويدعى بالإيقاع الكمِّي.
2. المستوىالثاني: وهو الإيقاع الكيفي، كون الإيقاعيقوم على النَّبْر في الجُمَل، وربما فيالكلمة الواحدة.
3. مستوىالتنغيم: ويعتمد على أصوات الجُمَل، منصعود وانحدار وما شابه.
ماكان ثمة حاجة للتوسع في هذه الأنواع، لأنهاتتعلق بما نسميه "الإيقاع الخارجي"للقصيدة، لولا أن التذكير أن النوع الأول هوالمعتمَد في الإيقاع العربي، وأن هذا لا يمنعأو لا يلغي حضورَ النوعين الآخرين كمستوىمتضمَّن في النوع الأول، بما يعني أناعتمادهما، وحدهما، قد يُخرِج الإيقاع منمستوى النظم الخليلي وتطوراته إلى مستوىالشعر الحر (بما يُربِك، ربما، أطروحة كمالأبو ديب)؛ إضافة إلى أن هذا التذكير ينبغي أنيوضح أن المدى الزمني الذي يلتزم به نظامالمقاطع هو من بنية الموسيقى الخارجية للشعر،ولا علاقة له بالإيقاع الداخلي، كما يتوهَّمبعض النقاد.الإيقاعباعتباره بنية بلاغية
فيالواقع يعتمد معظم النقَّاد هذا المستوىللدلالة على الإيقاع الداخلي. وربما هذا ماجعل د. نعيم اليافي يعتبر أن الوزن أساسهالكلمة، بينما الإيقاع أساسه الجملة أوالوحدة. وإذا كان من المسلَّم به أن اعتباراليافي صحيح، فإن اعتبار هذا المستوى، وحده،بمثابة الإيقاع الداخلي للشعر مطلقاً قد لايكون دقيقاً لسببين:
1. الأول: اتفاق معظم النقَّاد على أنالإيقاع شيء من طبيعة اللغة عامة؛ فهو خاصيةنثرية وشعرية عامة.
2. الثاني: أن هذا المستوى يتضمنمستويين متمايزين أيضاً هما:
أ. المستوىالصوتي: كالجناس والتكرارات بشكل عام.
ب. المستوى الدلالي: كالطباق والتقديموالتأخير النحوي وما إلى ذلك.
وهذا،على ما أعتقد، كافٍ لرفض مقولة البلاغيينالتقليدية التي تعتبر أن الإيقاع الداخلي هوالموسيقى المهموسة، أو المعتمدة على التجانسبين الحروف في الكلمة، أو الانسجام بينالكلمات في الجملة – ليس لأن ما توقَّف عندهالنقاد القدامى من عيوب يروق لي الآن، وإنمالأن التنافر، في حدِّ ذاته، صار خاصيةإيقاعية قد تكون جميلة إذا ما كانت تلبِّيضرورة شعرية، كما هي الحال في الكثير منإبداعات الشعر الحديث.الإيقاعباعتباره بنية دلالية
منالضروري الاستدراك، بدايةً، أن إفراد بنيةدلالية للإيقاع قد لا يعني، بأية حال منالأحوال، أن المستويين السابقين خاليان منالدلالة – وإلا تحوَّل الكلام فيهما إلى لغو–، بل أن إيراد بعض الأصوات المبهمة، أوالبدائية، يفضي، بدوره، إلى دلالة غالباً ماتشبه الدلالة الموسيقية المحضة.
وهذايعني أن القصيدة الخالية من الوزن، أو منالبلاغة، لن يتبقى لها من سمة إيقاعية سوىالدلالة. وهذه السمة تتحدَّد بالتوصيفاتالإيقاعية في النوعين السابقين، إنما لكيتدل، ليس على علاقات صوتية، أو بلاغية، بل علىعلاقات دلالية، مثل العقدة والحل، أوالتقابلات والتضادَّات، وما ينتج عنها منتوازيات أو حلول جدلية.
لكنهذا الاستنتاج قد يبدو منطقياً أكثر ممايدلُّ تماماً على واقع إيقاع القصيدة التي هينثرية بالضرورة؛ إذ علينا أن نتذكر أنالكلمات، مهما كان تركيبها، هي منظومة، ويصدرعنها صوت.الإيقاعباعتباره بنية مرئية
ربمايكون توزيع الكلام، في القصيدة الخليلية، إلىشطرين هو نتيجة حتمية لطبيعة الأوزان التيتَنْظِمُه؛ مما يجعل القول في تقصُّد هذاالتشطير، كحاجة إيقاعية مرئية، أقرب إلىالتلفيق منه إلى طبيعة الأشياء. ومع ذلك، يمكن– بل هو من واقع الحال – أن يُعتبَر ذلك، ولاسيما بالمقارنة مع الأجناس الأدبيةالمعروفة، إحدى السمات العفوية للإيقاعالمرئي.
فيالعصر الحديث، ومع تطور إيقاعات الشعر وتناميالعلاقات بين الأجناس الأدبية والفنية، بدأالشعر يستفيد من أشكال الإبداعات الأخرى، بمافيها الرموز والعلامات الرياضية والهندسية،ليظهر نوع جديد من الإيقاع.
وباختصار،يمكن القول إن الإيقاع المرئي اعتمد بدايةًعلى ترك فراغات بيضاء في الأبيات والسطور؛ ثمانتقل إلى استخدام الرموز والعلاماتالعلمية، وخاصة الأشكال الهندسية؛ ليتجلَّى،فيما بعد، في تشكيل رسوم فنية، ليس من الخطوط،وإنما من كلمات القصيدة ذاتها.
الآنصار من الواضح أن أياً من الأنواع الأربعة لايمكن أن يقوم، منفرداً، بالإيقاع الداخليللقصيدة. ربما تعوَّدنا، تبسيطاً للأشياء،على اعتبار الإيقاع البلاغي، والإيقاعالدلالي، وربما المرئي، أحد أشكال الإيقاعالداخلي الممكنة؛ لكن هذا ينبغي ألا يذهب بناإلى أكثر من ذلك. فالناقدة يُمنى العيد، علىالرغم من اعتمادها الإيقاع البلاغي كمقدمةللدخول في مفهوم الإيقاع الداخلي للقصيدة،إلا أنها حين وصلت إلى تحديد هذا المفهومانتقلت إلى بداية ثانية جديرة بالتنويه حقاً.
قدلا يكون ما توصلت إليه يمنى العيد محدَّداًبهذا الوضوح الذي يمكن أن نتحدث من خلاله عنالإيقاع الخارجي مثلاً؛ ولكنها، على الأقل،ألمحت إلى طبيعة البنية التي يقوم بها، أوعليها، الإيقاعُ الداخلي، وبخاصة حين ركَّزتعلى اعتباره نتيجة لحركة مكوِّنات النصبكلِّيته، أو بتعبير آخر، نتيجة لكيفيةالعلاقات القائمة بين هذه المكوِّنات.
الإيقاعالداخلي، إذن، هو بنية جوهرية (إذا صحالتعبير) للنص – أيِّ نص – وليس خاصاً بقصيدةالنثر وحدها، كما يظن بعض النقَّاد. وإذا كانمن البدهي، لكي نستطيع أن نصل إلى هذا الجوهر،أن نقرأ أشكاله البنيوية (وقد ذكرت أربعة منها)،إلا أن هذه القراءة هي مجرد وسيلة، وقد لاتكون مقنعة دائماً. لذلك قد يكون لطبيعة الجنسالأدبي دورٌ رئيسي في تحديد ملامح الإيقاعالداخلي لهذا الجنس، أو لأيِّ نصٍّ من نصوصه.وربما قد لا يكون الإيقاع الداخلي شيئاً آخرسوى هذه الطبيعة ذاتها – الشيء الذي يحتاجإلى فرصة أخرى لدراسته وللتأكيد عليه!
*** *** ***
بعضالمراجع
- أبو ديب، كمال، فيالبنية الإيقاعية للشعر العربي (دار العلمللملايين، بيروت 1974).
- البحراوي، سيد، الإيقاعفي شعر السياب (نوارة للترجمة والنشر، مصر1996).
- العيد، يمنى، فيمعرفة النص (دار الآفاق الجديدة، بيروت 1983).
- المهدي، صالح، إيقاعاتالموسيقى العربية وأشكالها (بيت الحكمة،قرطاج 1990).
- اليافي، نعيم، الشعرالعربي الحديث (وزارة الثقافة، دمشق 1981).
نديمدانيال الوزَّة
ربما كانت إشكالية الإيقاع من أكثر إشكالياتالحداثة الشعرية بروزاً في القرن العشرين.حتى إن آراء مرموقة لم تزل، إلى الآن، لا تفهممن هذه الحداثة سوى كونها نقلة موسيقيةحصلت من شعر البحور إلى شعر التفعيلة. وهيغالباً ما لا تميِّز – هذه الآراء –بينهما وبين الشعر الحر أو قصيدة النثر – فمابالك بالمتحدث عن مفهوم الكتابة إجمالاً؟!
هذهالإشكالية المستمرة تنسحب، للأسف، وبشكلأكثر تعقيداً، على مفهوم "الإيقاع الداخلي"،حتى يكاد المرء يتوهم أن هذا الإيقاع ما هوإلا مصطلح وافد لا علاقة للُّغة العربية به؛فما على النقَّاد بهذه اللغة من ضير،بالتالي، إذا ما شحذوا الهِمَمَ لاستيرادمفاهيم اللغات الأخرى، الفرنسيةوالإنكليزية، كما جرت العادة، للاستعانة بهافي إيضاح هذا المفهوم – وكأن ما نُقِل عنالنقَّاد الفرنسيين أو الإنكليزيين قد أوضحهحقاً!
أبديهذا الكلام الذي يدعو للارتياب، لا لكي أوضحهذا المصطلح وحسب، وإنما لأعيد قراءة ما تمَّقولُه، ولأستقرئ إلى أيِّ شيء يمكن أن يفضيبنا، تاركاً تناول مفهوم الإيقاع مجرداً –حسب ما أرى – لمناسبة أخرى، ولأستعرض أنواعهالمتداولة في كتابات النقَّاد، بما يتطلَّبهالمجال هنا، ما دام يشكِّل مدخلاً، وإنْبسيط، لاستكشاف بنيته الداخلية.الإيقاعباعتباره بنية نظمية
معأن العرب ميزوا بين "الإيقاع" و"النظم"منذ البداية – البداية التي وضعها الخليل بنأحمد الفراهيدي – إلا أن ثمة من يرى أنالإيقاع ليس شيئاً آخر سوى نظم التفعيلات فيالبيت الواحد؛ أو، إذا ما شاء المرء أن يكونإيقاعُه حراً، الانتقال من نظم الأبياتوالبحور إلى شعر التفعيلة، بما يتيح له حريةأوسع في حركة تنظيم التفعيلات – الشيء الذيلم يعد يجهله مهتمٌ بالشعر.
غيرأن بعض ممثلي هذا النوع، اتِّكاءً على ماقرؤوه من إمكانيات أخرى للنظم في اللغاتالأخرى، ولاسيما المذكورتين، اعتبروا أنالإيقاع يمكن أن يأتي على ثلاثة مستوياتنوعية:
1. المستوى الأول: يعتمد الإيقاع فيهعلى نظام المقاطع؛ ويدعى بالإيقاع الكمِّي.
2. المستوىالثاني: وهو الإيقاع الكيفي، كون الإيقاعيقوم على النَّبْر في الجُمَل، وربما فيالكلمة الواحدة.
3. مستوىالتنغيم: ويعتمد على أصوات الجُمَل، منصعود وانحدار وما شابه.
ماكان ثمة حاجة للتوسع في هذه الأنواع، لأنهاتتعلق بما نسميه "الإيقاع الخارجي"للقصيدة، لولا أن التذكير أن النوع الأول هوالمعتمَد في الإيقاع العربي، وأن هذا لا يمنعأو لا يلغي حضورَ النوعين الآخرين كمستوىمتضمَّن في النوع الأول، بما يعني أناعتمادهما، وحدهما، قد يُخرِج الإيقاع منمستوى النظم الخليلي وتطوراته إلى مستوىالشعر الحر (بما يُربِك، ربما، أطروحة كمالأبو ديب)؛ إضافة إلى أن هذا التذكير ينبغي أنيوضح أن المدى الزمني الذي يلتزم به نظامالمقاطع هو من بنية الموسيقى الخارجية للشعر،ولا علاقة له بالإيقاع الداخلي، كما يتوهَّمبعض النقاد.الإيقاعباعتباره بنية بلاغية
فيالواقع يعتمد معظم النقَّاد هذا المستوىللدلالة على الإيقاع الداخلي. وربما هذا ماجعل د. نعيم اليافي يعتبر أن الوزن أساسهالكلمة، بينما الإيقاع أساسه الجملة أوالوحدة. وإذا كان من المسلَّم به أن اعتباراليافي صحيح، فإن اعتبار هذا المستوى، وحده،بمثابة الإيقاع الداخلي للشعر مطلقاً قد لايكون دقيقاً لسببين:
1. الأول: اتفاق معظم النقَّاد على أنالإيقاع شيء من طبيعة اللغة عامة؛ فهو خاصيةنثرية وشعرية عامة.
2. الثاني: أن هذا المستوى يتضمنمستويين متمايزين أيضاً هما:
أ. المستوىالصوتي: كالجناس والتكرارات بشكل عام.
ب. المستوى الدلالي: كالطباق والتقديموالتأخير النحوي وما إلى ذلك.
وهذا،على ما أعتقد، كافٍ لرفض مقولة البلاغيينالتقليدية التي تعتبر أن الإيقاع الداخلي هوالموسيقى المهموسة، أو المعتمدة على التجانسبين الحروف في الكلمة، أو الانسجام بينالكلمات في الجملة – ليس لأن ما توقَّف عندهالنقاد القدامى من عيوب يروق لي الآن، وإنمالأن التنافر، في حدِّ ذاته، صار خاصيةإيقاعية قد تكون جميلة إذا ما كانت تلبِّيضرورة شعرية، كما هي الحال في الكثير منإبداعات الشعر الحديث.الإيقاعباعتباره بنية دلالية
منالضروري الاستدراك، بدايةً، أن إفراد بنيةدلالية للإيقاع قد لا يعني، بأية حال منالأحوال، أن المستويين السابقين خاليان منالدلالة – وإلا تحوَّل الكلام فيهما إلى لغو–، بل أن إيراد بعض الأصوات المبهمة، أوالبدائية، يفضي، بدوره، إلى دلالة غالباً ماتشبه الدلالة الموسيقية المحضة.
وهذايعني أن القصيدة الخالية من الوزن، أو منالبلاغة، لن يتبقى لها من سمة إيقاعية سوىالدلالة. وهذه السمة تتحدَّد بالتوصيفاتالإيقاعية في النوعين السابقين، إنما لكيتدل، ليس على علاقات صوتية، أو بلاغية، بل علىعلاقات دلالية، مثل العقدة والحل، أوالتقابلات والتضادَّات، وما ينتج عنها منتوازيات أو حلول جدلية.
لكنهذا الاستنتاج قد يبدو منطقياً أكثر ممايدلُّ تماماً على واقع إيقاع القصيدة التي هينثرية بالضرورة؛ إذ علينا أن نتذكر أنالكلمات، مهما كان تركيبها، هي منظومة، ويصدرعنها صوت.الإيقاعباعتباره بنية مرئية
ربمايكون توزيع الكلام، في القصيدة الخليلية، إلىشطرين هو نتيجة حتمية لطبيعة الأوزان التيتَنْظِمُه؛ مما يجعل القول في تقصُّد هذاالتشطير، كحاجة إيقاعية مرئية، أقرب إلىالتلفيق منه إلى طبيعة الأشياء. ومع ذلك، يمكن– بل هو من واقع الحال – أن يُعتبَر ذلك، ولاسيما بالمقارنة مع الأجناس الأدبيةالمعروفة، إحدى السمات العفوية للإيقاعالمرئي.
فيالعصر الحديث، ومع تطور إيقاعات الشعر وتناميالعلاقات بين الأجناس الأدبية والفنية، بدأالشعر يستفيد من أشكال الإبداعات الأخرى، بمافيها الرموز والعلامات الرياضية والهندسية،ليظهر نوع جديد من الإيقاع.
وباختصار،يمكن القول إن الإيقاع المرئي اعتمد بدايةًعلى ترك فراغات بيضاء في الأبيات والسطور؛ ثمانتقل إلى استخدام الرموز والعلاماتالعلمية، وخاصة الأشكال الهندسية؛ ليتجلَّى،فيما بعد، في تشكيل رسوم فنية، ليس من الخطوط،وإنما من كلمات القصيدة ذاتها.
الآنصار من الواضح أن أياً من الأنواع الأربعة لايمكن أن يقوم، منفرداً، بالإيقاع الداخليللقصيدة. ربما تعوَّدنا، تبسيطاً للأشياء،على اعتبار الإيقاع البلاغي، والإيقاعالدلالي، وربما المرئي، أحد أشكال الإيقاعالداخلي الممكنة؛ لكن هذا ينبغي ألا يذهب بناإلى أكثر من ذلك. فالناقدة يُمنى العيد، علىالرغم من اعتمادها الإيقاع البلاغي كمقدمةللدخول في مفهوم الإيقاع الداخلي للقصيدة،إلا أنها حين وصلت إلى تحديد هذا المفهومانتقلت إلى بداية ثانية جديرة بالتنويه حقاً.
قدلا يكون ما توصلت إليه يمنى العيد محدَّداًبهذا الوضوح الذي يمكن أن نتحدث من خلاله عنالإيقاع الخارجي مثلاً؛ ولكنها، على الأقل،ألمحت إلى طبيعة البنية التي يقوم بها، أوعليها، الإيقاعُ الداخلي، وبخاصة حين ركَّزتعلى اعتباره نتيجة لحركة مكوِّنات النصبكلِّيته، أو بتعبير آخر، نتيجة لكيفيةالعلاقات القائمة بين هذه المكوِّنات.
الإيقاعالداخلي، إذن، هو بنية جوهرية (إذا صحالتعبير) للنص – أيِّ نص – وليس خاصاً بقصيدةالنثر وحدها، كما يظن بعض النقَّاد. وإذا كانمن البدهي، لكي نستطيع أن نصل إلى هذا الجوهر،أن نقرأ أشكاله البنيوية (وقد ذكرت أربعة منها)،إلا أن هذه القراءة هي مجرد وسيلة، وقد لاتكون مقنعة دائماً. لذلك قد يكون لطبيعة الجنسالأدبي دورٌ رئيسي في تحديد ملامح الإيقاعالداخلي لهذا الجنس، أو لأيِّ نصٍّ من نصوصه.وربما قد لا يكون الإيقاع الداخلي شيئاً آخرسوى هذه الطبيعة ذاتها – الشيء الذي يحتاجإلى فرصة أخرى لدراسته وللتأكيد عليه!
*** *** ***
بعضالمراجع
- أبو ديب، كمال، فيالبنية الإيقاعية للشعر العربي (دار العلمللملايين، بيروت 1974).
- البحراوي، سيد، الإيقاعفي شعر السياب (نوارة للترجمة والنشر، مصر1996).
- العيد، يمنى، فيمعرفة النص (دار الآفاق الجديدة، بيروت 1983).
- المهدي، صالح، إيقاعاتالموسيقى العربية وأشكالها (بيت الحكمة،قرطاج 1990).
- اليافي، نعيم، الشعرالعربي الحديث (وزارة الثقافة، دمشق 1981).