منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تعليم و تربية الأطفال بالقصة انطلاقا من تجربة ميدانية حقيقية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تعليم و تربية الأطفال بالقصة انطلاقا من تجربة ميدانية حقيقية Empty تعليم و تربية الأطفال بالقصة انطلاقا من تجربة ميدانية حقيقية

    مُساهمة   الأحد يناير 24, 2010 1:43 pm

    تعليم و تربية الأطفال بالقصة انطلاقا من تجربة ميدانية حقيقية
    بقلم Tajdadi يوم الخميس, 13 December, 2007 - 20:43.

    تقديم : تعتبر القصة من الآداب الجميلة المحببة عند العموم ، سواء أكانوا صغارا أم كبارا . و كلما كانت القصة جيدة الفكرة و الأسلوب و مقنعة كلما كانت أكثر إثارة و جاذبية . و يتمثل بناء القصة المبسط في ثلاث مراحل أساسية : مقدمة ، و عقدة و حل . فالمقدمة مدخل قصير للقصة ، تليها بعد ذلك حوادث و صراعات تصل ذروتها في العقدة ، ثم تتدرج فيما بعد نحو الحل في نهايتها . و تتنوع أشكال القصص بشكل كبير ؛ منها المقروءة ، و المرئية و المسموعة .

    أما بالنسبة للأطفال فإن القصة وسيلة تربوية و تعليمية ذات تأثير عظيم ؛ فهم ينتبهون إليها مختارين انتباها عجيبا يغيب في سواها ــ راقبهم مثلا عند عرض أفلام الرسوم المتحركة . و لعل الشعوب بمختلف درجات رقيها فطنت في وقت مبكر إلى الدور الكبير للقصة في تربية و تعليم الأطفال ؛ فحتى يضمنوا استمرارية الأعراف و القواعد المنظمة لحياتهم و احترامها من طرف الجميع ، جعلوها في قوالب قصصية باختراع حكايات شعبية تحكيها العجائز للأطفال تُسَربن عبرها ضمنيا و دون عناء مختلف الأعراف إلى نفوسهم ، لهذا نجد مثلا أن هناك فرقا بين سلوكات أطفال البوادي و المدن في علاقة كل منهما بمحيطه ( قارن مثلا بين سلوكات عدد من أطفال المدن الذين فوض أمرهم للتلفاز و سلوكات عدد من أطفال البوادي الذين لم يتقاعد بعد أولياؤهم عن سرد الحكايات ) .

    أهداف القصة : و للقصة أثر بالغ في تكوين شخصية الطفل من مختلف جوانبها ، و نخص بالذكر القصة المسموعة ، لأنها يسهل التحكم فيها من طرف القائم بمهمة التربية . و يمكن بها أن تتحقق عدة أهداف دون عناء ، نذكر منها أساسا :

    · إغناء الرصيد اللغوي للطفل ؛

    · و تمتيع و تسلية الطفل مع تقوية خياله ؛

    · و تقويم سلوكات الطفل بإكسابه سلوكات معينة تظهرها أو تضمرها القصة تتسرب إلى نفسه دونما حاجة إلى إجباره على حفظ ملخصات لحِكم أخلاقية مجتثة ، عكس القصص حيث إن الحِكم يجسدها واقع مقنع يمكن تتبع تفاصيله .

    اختيار القصة : قبل إلقاء القصة على التلاميذ ، لا بد أولا من اختيار القصة المناسبة ، و من بين الأمور الواجب مراعاتها في هذا الاختيار :

    · أن ترمي القصة إلى فوائد أخلاقية و أدبية و علمية مقصودة و هادفة ، و ليس قصصا عبثية سخيفة ( أنظر مثلا عبثية العديد من الرسوم المتحركة الحديثة حيث الشكل البراق المثير و المضمون الهزيل المجنون ) ؛

    · و أن تكون ممتعة ، و لما لا مضحكة أحيانا حسب الحاجة ، فالنفس تميل إلى الحزن و السآمة من الرتابة ، و خاصة من أجواء الأقسام الصارمة ؛

    · و أن يكون للقصة هدف و مغزى بسيط يسهل إدراكه حسب قدرات الطفل ؛

    · و أن تكون القصة متماسكة البناء لشد انتباه الطفل حتى نهايتها ؛

    · و مراعاة سن الطفل ، فكل مرحلة عمرية لها القصص التي تستهويها ، كما يجب تجنب القصص المعقدة المتشابكة الأحداث ، و خاصة في المراحل الأولى .

    إلقاء القصة : مرحلة إلقاء القصة مرحلة مهمة جدا و حاسمة ، يجب إذن على المربي أن يكون مستعدا لها استعدادا كافيا ؛ إنه مطالب بالتفنن لشد انتباه الأطفال و جعلهم يستمتعون و يستفيدون في آن واحد . و نقترح إتباع الخطوات التالية :

    · البحث عن القصص المناسبة كيفما كانت مصادرها تراثية أم حديثة ، شفهية أم مكتوبة ؛ ثم استيعابها مع مرونة التصرف فيها بالحذف أو الإضافة أو التغيير حسب الفائدة التي يراها المربي ( و هذه إحدى نقط قوة هذا النوع من الحكي ) كما أنه ليس ملزما بحرفية النص فيما يتعلق باللغة ؛

    · و تخصيص حيز زمني أسبوعي أو أكثر حسب المستطاع يضاف إلى الحصص الرسمية ، و يستحسن أن تكون آخر حصة ؛

    · و أن يروي المربي القصة دون اللجوء إلى القراءة المباشرة ليمكن نفسه من حرية الحركة و توظيف جميع أعضاء الجسم و نبرات الصوت و تقاسيم الوجه و جميع أساليب فن التمثيل في عملية الحكي ، مع استعمال كل أساليب التشويق و الإثارة الممكنة لشد الانتباه و جعل الأطفال يتفاعلون مع مجريات الأحداث بأفراحها و أحزانها و لحظاتها الخطيرة ..، و نهايتها السعيدة ؛

    · و أن تروى القصة بلغة عربية فصيحة فقط دون التخوف من عدم الفهم أو عدم تجاوب الأطفال معه ، فأساليب التمثيل و الإشارات التي سبق ذكرها هي معجم اللغة الذي سيستعينون به لفك رموز اللغة ( مع إمكانية توظيف السبورة للرسم ) ، بل إنهم سيجدون متعة إضافية عندما يجدون أنفسهم في مواجهة ألغاز ( اللغة ) يحاولون حلها ؛ جرب فقط و راقب وجوه الأطفال عندما تشرق فرحا بفك الرموز التي استعصت على أفهامهم ؛

    · و يمكن في الأخير طرح بعض الأسئلة عن بعض أحداث القصة و عن العبر المستفادة حتى يستطيع المربي تقويم أدائه ؛

    · و يعزز المربي نشاطه التربوي بتعويد أطفاله على عادة المطالعة بتوزيع القصص عليهم أسبوعيا و تكليفهم بقراءتها ثُم انتداب عدد منهم لحكيها على زملائهم شفاهة بشكل تلقائي ، و تحفيزهم على التنافس في ذلك .

    إن هذه المقالة التي أعرضها عليكم هنا بحماس هي خلاصة لتجربة ممتعة خضتها بالتعليم الابتدائي في القسمين الأول و الثاني في مناطق قروية يتكلم أهلها الأمازيغية ، أما أطفالها فالأمازيغية فقط . ففي القسم الأول كنت أخصص حيزا زمنيا لرواية قصص أجتهد في البحث عنها أنى أمكنني ذلك ( قصص الأنبياء ، و قصص عطية الأبرشي ، و قصص أخرى مستمدة من التراث المغربي ، إلخ ) ؛ و لعجيب ما رأيت أن الأطفال كانوا يتجاوبون معي تجاوبا عجيبا و يحثون بعضهم البعض على الإصغاء ..؛ مثال على ذلك التجاوب أني كنت مرة أحكي لهم قصة سيدنا إسماعيل عليه السلام ، فلما وصلت إلى حدث الذبح و وضع السكينة على رقبة إسماعيل لمحت من طرف خفي تحديقات الأطفال و أحسست من خلال وجوههم بخفقات قلوبهم لهول هذه اللحظة من القصة ، بل إن إحدى التلميذات أسرعت بوضع يديها على وجهها خوفا و إشفاقا ..، و بعد برهة صمت جُلت خلالها بعيني على الفصل تابعت القصة بحدث كبش الأضحية المنزل من السماء فانفرجت أسارير الجميع فرحا بالنجاة ...

    أما في القسم الثاني ، فقد اتبعت نفس النهج السابق ، غير أني أضفت إليه هذه المرة توزيع القصص على التلاميذ للمطالعة مع مطالبتهم بحكي ما استوعبوه منها على زملائهم ، فكانت النتيجة مشجعة للغاية ؛ ففي آخر السنة ، و بعد العودة من عطلة قصيرة ، كلفت التلاميذ داخل الفصل بكتابة موضوع إنشائي يحكون فيه عن عطلتهم تلك كيف قضوها ، فكتب جلهم مواضيع تجاوزت الصفحة ( و الصفحتين عند بعضهم ) و بلغة عربية أحسن بكثير مما قد تجده عند تلاميذ مستويات أعلى . أبانوا في مواضيعهم تلك عن رصيد لغوي ممتاز الأكيد أنهم حصلوه من خلال تجربة القصص ، كما أبانوا عن أسلوب طفولي ممتع عبروا من خلاله باللغة العربية حتى عن أحاسيسهم ... و تخيل معي لو أن التجربة رافقتهم إلى بقية المستويات كيف سيكون هؤلاء ...

    أنهي مقالتي هذه بملاحظة أساسية أود من الإخوة الذين يرون في خلاصة تجربتي فائدة أن يهتموا بها و يتأكدوا من فعاليتها في العمل : إنها الحرص الشديد على التحدث مع التلاميذ في مختلف الحصص و المواد باللغة العربية الفصحى ، بل و في مختلف تفاصيل الأنشطة الدراسية ؛ قد يبدو الأمر مبالغا فيه أو غير ذي جدوى ، لكن هذه هي الحقيقة ، فقد عودت نفسي و صبرتها على ذلك و الفائدة لا شك واقعة : فالعربية هي لغة التواصل الأساسية التي تدرس بها كل المواد طيلة الحياة الدراسية للتلميذ بالابتدائي ــ باستثناء الفرنسية ــ و هي بذلك أساسية لفهم و استيعاب بقية المواد الدراسية ، لهذا فإنني لا أحصر العربية الفصحى في أوقات من حصص التعبير والقراءة و الخط بل إنني أوظفها طيلة الحصص طيلة السنة ،.. و إنني لم أجد في ذلك أية صعوبات في التواصل مع التلاميذ ذوي اللسان الأمازيغي بل إنهم استفادوا أكثر مما استفاد غيرهم الذين يتعلمون العربية الفصحى في التعبير و القراءة و الدارجة في كل المواد !... و الدليل ما سبق ذكره ... جرب و سترى إنشاء الله ...

    عبد المجيد التجدادي بورزازات

    نشرت هذه المقالة بجريدة " المحجة " المغربية ، العدد : 272

    كما نشرت بمجلة " المعرفة " السعودية ، العدد : 144 بعنوان : القصة ... التجربة الممتعة .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 6:41 pm