منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الإطار الزماني والمكاني للأدب العربي قبل الإسلام

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الإطار الزماني والمكاني للأدب العربي قبل الإسلام Empty الإطار الزماني والمكاني للأدب العربي قبل الإسلام

    مُساهمة   الأحد يناير 24, 2010 2:57 pm

    لعربي، الأدب. الأدب في اللغة: الدعاء والجمع، والآدِبُ هو الداعي. قال طرفة :



    نحن في المشتاةِ نَدْعُو الجَفَلَى

    لاتــرى الآدِب فينا يَنْتَقِر

    ويرى بعض مؤرخي الأدب أن لفظة أدب بوزن فَعَل لم تستعمل في الجاهلية، إلا أن المتتبِّع لأخبار العرب يجدها قد وردت في خطاب النعمان بن المنذر إلى كسرى في قوله: ¸قد أوفدت إليك، أيها الملك، رهطًا من العرب لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم·. ويقول عتبة بن ربيعة لبنته هند يصف لها أبا سفيان زوجًا من غير أن يسميه: "يؤدِّب أهله ولا يؤدبونه…" فقالت إني: "لآخذته بأدب البعل" إلى غير ذلك. فالواضح أنها معروفة في اللسان العربي في الجاهلية، ثم لما جاء الإسلام انتقلت إلى معنى التهذيب والتذليل والتثقيف؛ يقول الرسول ³ (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأنفق عليهن وزوجهن وأحسن أدبهن كن له سترًا من النّار ) رواه الشيخان. وقال عُمر لبعض ولده: "احفظ محاسن الشعر يحسن أدبك".

    ثم شاعت اللفظة لتعني الرياضة والتذليل باكتساب مكارم الأخلاق والمعارف، قال مزاحم العقيلي:



    وهُنَّ يُصرّفن النَّوى بين عالجٍ

    ونجران تصريف الأديب المُذَلَّلِ

    ثم تداولها الناس من بعد ذلك بالمدلول المعروف اليوم وهو كل رياضة محمودة يتخرج بها الأديب في فضيلة من الفضائل.

    إذن كلمة أدب من الكلمات التي تطوَّر مدلولها وتعاقبت عليها معان متقاربة، حتى استقرت على المعنى الذي يتبادر إلى الذهن اليوم.

    أما في الاصطلاح فالأدب هو الكلام الإنشائي البليغ الذي يراد به التأثير في عواطف القراء والسامعين، شعرًا كان أم نثرًا. ويراد بالأدب العربي مجموع الآثار النثرية والشعرية التي أنتجها العقل العربي في عصوره المختلفة.

    ويختلف مؤرخو الأدب العربي في تقسيم عصوره؛ فهي خمسة عصور عند بعض المؤرخين الذين يجعلون عصر صدر الإسلام والعصر الأموي عصرًا واحدًا. ولعل الشائع عند الدَّارسين أنها ستة: العصر الجاهلي، عصر صدر الإسلام، العصر الأموي، العصر العباسي: الأوَّل والثّاني والثّالث، وقد يسمي بعض المؤرخين الفترة التي تلي عصر الدويلات العباسية عصر الانحطاط وهي تسمية غير مقبولة؛ لأن هذا العصر شهد إنتاجًا أدبيًا لايستهان به، ليس هذا مجال تفصيل القول فيه. وذهب بعض المؤرخين إلى تسمية هذا العصر بعصر الدول التركية. وقد جاءت تسميته هنا بعصر مابعد سقوط بغداد إلى مطالع العصر الحديث. أما آخر هذه العصور فالعصر الحديث، ويعرف أيضًا بعصر النهضة. ويتناول الحديث هنا الشعر والنثر في كل عصر من هذه العصور.

    العصر الجاهلي

    صار من الثابت بين الباحثين أن العصر الجاهلي لا يشمل كل ما سبق الإسلام من حقب طوالٍ، ولكنه يقتصر على حقبة لا تزيد على القرنين من الزمان، وهي ما اصطلح الباحثون على تسميتها بالجاهلية الثانية، وفي تلك الحقبة ظهر هذا الإنتاج الغزير الناضج من الشعر والنثر، واكتملت للغة العربية خصائصها التي برزت من خلال هذا النتاج الأدبي الوفير، كما استقرَّ أيضًا رسم حروفها الألفبائية. فما انتهى إلينا، إذن، من أدب جاهلي هو أدب الجاهلية الثانية، وهو ما نستطيع الحديث عنه ودراسة فنونه وخصائصه، أما أدب ما قبل هذه الحقبة التاريخية فهو أدب ما يسمى بالجاهلية الأولى، وهو أدب لم تتوافر نصوص منه، فالحديث عنه غير ممكن. ومن هنا فإن الأبحاث التي استقصت أولية الشعر العربي أو أولية اللغة العربية تقوم على مجرد الحدس والتخمين، أو على نوع من الأخبار الوهمية والخرافات.

    على أن اللغة العربية التي سُجِّلت بها النصوص الأدبية في عصر الجاهلية الثانية هي واحدة من الأسرة السامية التي تشمل: 1- الأكادية والبابلية والآشورية. 2-الآرامية. 3- الكنعانية. 4- الحبشية. 5- ثم العربية بفرعيها: الشمالي والجنوبي.

    وإذا كانت الأمية قد شاعت بين العرب، فإن هذا لا يعني قط انعدام القراءة والكتابة لديهم، فلقد انتشرت بينهم القراءة والكتابة بالقدر الذي يسمح لهم بتدوين معاملاتهم وآدابهم. انظر : الكتابة العربية. وإذا كانت الذاكرة العربية التي تميزت بالقوة قد حفظت قدرًا كبيرًا من الأشعار، فإن التدوين أيضًا كان مساندًا للرواية الشفوية.

    أمّا طرح ابن سلام في كتابه طبقات فحول الشعراء لقضية الانتحال فينبغي أن يؤخذ على أنه دليل على ما بذله الأقدمون من جهود لتنقية الشعر الجاهلي من التزييف، ووضع المعايير العلمية الدقيقة لضمان سلامة الشعر الجاهلي وتوثيقه.

    الشعر الجاهلي. أما مراكز الشعر العربي في العصر الجاهلي، فإنه بالإضافة إلى الجزيرة العربية نفسها: نجدًا وحجازًا، فقد عاش الشعر العربي وازدهر في إمارتين اثنتين هما: إمارة الغساسنة والمناذرة، وقد قامتا في الأطراف الشمالية من شبه الجزيرة.

    أما إمارة الغساسنة، فقد قامت في بلاد الشام، حيث اتخذ الرومان، ثم خلفاؤهم البيزنطيون من بعدهم، من الغساسنة حلفاء لهم ضد أعدائهم التقليديين من الفرس، وحلفائهم من المناذرة في العراق. وقد كان الغساسنة عربًا من الجنوب نزحوا إلى الشمال، وأقاموا إمارتهم العربية تلك في شرق الأردن، وكانوا قد تنصّروا في القرن الرابع الميلادي. وكانت إمارة الغساسنة على جانب كبير من الثراء والتحضّر، ومن أهم ملوكهم الحارث الأصغر، ثم ابناه من بعده النعمان وعمرو، والأخير هو الذي قصده النابغة الذبياني، كما قصد حسان بن ثابت النعمان بن المنذر أيضًا ومدحه في قصائد شهيرة، منها قصيدته التي من أبياتها:



    أولاد جَفْنة حول قبر أبيهمُ

    قبر ابن مارية الكريم المفضِلِ

    وكما قامت إمارة الغساسنة في الشام، فقد قامت إمارة المناذرة في العراق. وكما كان الغساسنة عربًا ذوي أصولٍ يمنية، فكذلك كان المناذرة. ومثلما قصد شعراءُ الجزيرة أمراءَ الغساسنة، فكذلك قصدوا أمراءَ المناذرة، الذين كان من أشهرهم المنذر بن ماء السماء حوالي (514 - 554م)، وعمرو بن هند (554 - 569م) الذي ازدهرت الحركة الأدبية في أيّامه، وقد وفد عليه في الحيرة، حاضرة المناذرة، عمرو بن قميئة والمسيَّب بن عَلَس والحارث بن حِلِّزة وعمرو بن كلثوم.كما وفد النابغةُ الذبياني على أبي قابوس النعمان بن المنذر الرابع (580 - 602م)، ووفد عليه أيضًا أوس بن حجر والمنخل اليشكري ولبيد والمثقِّب العبدي وحجْر بن خالد.

    ولا شك أن طبيعة المنافسة السياسية بين المناذرة التابعين لدولة فارس والغساسنة الموالين للبيزنطيين قد انعكست على الحياة الأدبية على نحوٍ ليس بالقليل.

    ازدهر الشعر العربي، إبان الجاهلية، ازدهارًا عظيمًا تمثل في هذا العدد الكبير من الشعراء الذين تزخر المصادر بأسمائهم وأشعارهم، إذ نظموا في جاهليتهم الأخيرة قبل الإسلام كثيرًا من الشِّعر. ومع هذا فقد ضاع معظم هذا الشعر، على حد قول أبي عمرو بن العلاء : "ما انتهى إليكم مما قالته العرب إلا أقلُّه، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علمٌ وشعر كثير". وقد اشتهرت في الجاهلية بيوت كاملة بقول الشعر، فالنعمان بن بشير، مثلاً، كان أبوه وعمه شاعرين، وكذلك جده، ثم أولاده من بعده. وكعب بن مالك الصحابي الشاعر كان أبوه وعمه شاعرين، ثم أبناؤه وأحفاده، وكذلك كان أمرُ بيت أبي سُلمى، ومنه زهير وولداه كعب وبُجير، وأخوال كعب شعراء، ومنهم بشامةُ ابن الغدير. ثم هناك حسان بن ثابت الصحابي الشاعر، وقد تسلسل الشعر في بيته لبضعة أجيال.

    عرف تاريخ الشعر العربي، في العصر الجاهلي، نساءً شواعر منهنَّ على سبيل المثال: الخنساء وخِرْنَق وكبشة أخت عمرو بن معْدي كَرِب وجليلة بنت مُرَّة امرأة كُليب الفارس المشهور، ولها في كليب مراثٍ من عيون الشعر العربي، وقيسة بنت جابر امرأة حارثة بن بدر ولها أيضًا مراثٍ في زوجها، وأميمة امرأة ابن الدُّمَيْنة. وقد كان أبو نُواس الشاعر العباسي يروي لستين شاعرة من العرب.

    والناظر في المصادر العربية تهوله تلك الكثرة من الأشعار والشعراء خاصة إذا ضَمّ إليها ما جاء في كتب التاريخ والسير والمغازي والبلدان واللغة والنحو والتفسير، إذ تزخر كلها بكثير من أشعار الجاهليين بما يوحي أن الشعر كان غذاء حياتها، وأن هذه الأمة قد وهبت من الشاعرية الفذة ما يجعل المرء يتوهم أن كل فرد من رجالها ونسائها وعلمائها كان يقول الشعر. وتدلُّ هذه الكثرة من الشعر والشعراء على أن الشاعرية كانت فطرة فيهم، ثم ساندت هذه الفطرة الشاعرة عواملُ أخرى منها تلك الطبيعة التي عاش العربي الأول كل دقائقها من جبال ووهادٍ ووديان وسماء ونجوم وأمطار وسيول وكائنات. لقد كانت الطبيعة كتابًا مفتوحًا أمام بصر الشاعر العربي وبصيرته، ومن هنا استلهمها في أشعاره. ويضاف إلى الطبيعة تلك الحروب التي ألهبت مشاعره بحماسة موّارة، ثم حياة الإنسان العربي في بساطتها وفضائلها، وفي معاناته وصراعاته ضد الجدب والخوف معًا. ومن ثم جاء هذا الشعر ممثلاً لحياة الجزيرة العربية في بيئاتها وأحوالها المختلفة، ولحياة الإنسان العربي في أخلاقه وطباعه وعاداته وعقائده وبطولاته وأفكاره.

    كانت للشاعر العربي في قبيلته منزلة رفيعة. كما كانت رموز القبيلة العربية الأساسية ثلاثة، هي: القائد، والفارس والشاعر. وكان الشاعر في القبيلة لسانها الناطق والمدافع معًا. بل كان بيت الشعر أحيانًا يرفع من شأن قبيلة، كما يُحكى عن بني أنف الناقة الذين كانوا يعيَّرون بلقبهم، حتى كان الرجل منهم يحتال على إخفاء لقبه، فما إن قال فيهم الحطيئة بيته الشهير:



    قومٌ هم الأنف والأذناب غيرُهُمُ

    ومن يُسوِّي بأنف الناقةِ الذَّنبا

    حتى صاروا يباهون بلقبهم ونسبهم.

    يُعدُّ الشعر العربي الجاهلي سجلاً حقيقيًا للحياة العربية والعقل العربي في ثقافاته وخبراته الحية والمتنوعة، وقد كان الشِّعر الجاهليّ النموذج والمثال الذي يحتذيه اللاحقون احتذاءً حفظ على الأمة العربية أصالتها، ولكنه لم يحُلْ قَطُّ دون محاولات التطور والتجديد في مختلف العصور. وصار الشعر العربي الجاهلي مع قرينه الإسلامي مصدرًا أساسيًا في حركة التأليف في العلوم العربية والإسلامية: لغةً ونحوًا وبلاغةً وتفسيرًا، كما انبثق عنه علم العروض والقوافي، وهو أوثق العلوم صلةً بالشعر، فضلاً عن كتب المختارات الشعرية على اختلاف مناهجها، ثم تلك الشروح التي أضاءت النصَّ الشعري أمام قارئه، وبددت عامل الغرابة اللغوية، وغذت الأذواق، بل وأبقت على قريحة الشاعرية العربية، على تباين في مستوى تلك القرائح: أفرادًا وأقاليم وعصورًا.

    واشتهرت في الأدب الجاهلي قصائد عُرفت بالمعلقات هي من النماذج الرّائعة في الأدب العربي. انظر : الشعر.

    النثر الجاهلي. عرف العصر الجاهلي ضروبًا من النثر تمثلت في الخطابة، التي لم تكن أقل منزلة من الشعر، وإن لم يتوفَّر من نصوصها الموثّقة سوى القليل النادر، مثل خطبة قُس بن ساعدة الإيادي على ناقته، وقد أدركه النبي ³، وسمع خطبته تلك. وتدلُّ المصادر الأدبية، وبخاصة كتاب البيان والتبيين للجاحظ، على كثرة ما كان في العرب من الخطباء، ومنهم، على سبيل المثال، عدا قس بن ساعدة: سحبان وائل، وأكثم بن صيفى، وعمرو بن كلثوم أحد شعراء المعلقات، وذو الإصبع العَدْوانيّ، وزُهير بن جناب، وعامر بن الظَّرِب، وهانيء ابن قَبيصة الشيباني. ومثلما كان لكل قبيلة شاعرها، كان لها أيضًا خطيبها.

    وكما دلَّ فن الشعر على خصوبة الخيال ورقة الوجدان، فالخطابة أيضًا تدلُّ على جودة البديهة، وخصوبة الذهن، وجيشان المشاعر، بحيث يتمكن الخطيب من الإقناع الذهني والاستمالة الوجدانية.

    وقد خطب العرب في وفادتهم على الأمراء، وفي الأسواق الحافلة بالناس، وفي الحرب، وفي السلم، وفي الزواج، وسائر المناسبات الكبرى في حياة القبيلة. كما اشتهر من خطبهم ما عُرف بسجع الكهان. كذلك عرفت العرب في جاهليتها فن الأمثال، وهي تعكس الكثير من قيم الحياة العربية والشخصية العربية في العصر الجاهلي، بما حملته من فكر وخبرات، وبما ارتبطت به من الحكايات الطريفة، ونماذجها في كتب الأمثال، وأشملها مجمع الأمثال للميداني.هذا إلى ما تميزت به لغة المثل من إيجاز بليغ، وإيقاع جميل. انظر: الأمثال.

    عرف العرب في العصر الجاهلي فنونًا أخرى من النثر، تمثلت في القصص والأخبار، وشملت قصص الأقدمين وأخبارهم، فضلاً عن قصص الأمثال، وأيام العرب انظر: أيام العرب. وكذلك قصص الجن. وهذا القصص جميعه وإن امتزج بمسحة من الخيال الأسطوري والخرافي، إلا أنه يمثل تراثًا أدبيًا دالاً على إمكانات العقل العربي، وطابع البيئة والحياة.

    عصر صدر الإسلام

    جاء الإسلام وأحوال العرب على ما هو مقرر معروف في كتب التاريخ والسيرة والأدب. فقد كانت الفضائل العربية من الأمور الثابتة، إذ اتصفوا بالشجاعة والكرم ونُصرة المظلوم وحماية الجار والصبر والذكاء، غير أن هذه الفضائل الخلقية والعقلية كانت بحاجة إلى ما يبرزها ويعمقها ويحميها من الضعف أو الاندثار، كما كان العرب بحاجة إلى وحدة تجمع تلك القبائل المتناثرة المتناحرة. وحين أتى الإسلام لم يكن حركة إصلاحية فحسب بل كان دينًا ورسالة ونظامًا كاملاً أحدث في جزيرة العرب وماحولها تحولاً جذريًا شاملاً أساسه العقيدة، ثم ما لبث هذا التأثير أن انتقل إلى سائر الشعوب.

    وبدهيّ أن يتأثر الأدب بما تأثرت به سائر الأمور والأحوال، فقدحقق الإسلام وحدة لغوية حين اتخذ من لهجة قريش لغته، وبرز القرآن الكريم معجزًا في بيانه وأخباره وتأثيره العميق في الواقع والشخصية، كما جاءت البلاغة النبوية مستوىً آخر من الإعجاز البياني تاليًا لإعجاز القرآن.

    ولعلَّ أعظم تأثير أحدثه الإسلام في الأدب، تمثل في عنايته الكبيرة بالنثر. ظهر ذلك في لغة القرآن والحديث النبوي، وفي لغة الخلفاء الراشدين والقادة والقضاة والولاة، وكلّها كانت نثرًا. ولا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أن الإسلام أهمل الشعر، بل حرص على الإبقاء عليه، وصار حَسّان بن ثابت شاعر الرسول ³ ولقي هو وغيره من شعراء الإسلام تشجيعًا من النبي ³. وتأثر الشعر بالإسلام: لغة ومضامين. واتخذ عبد الله بن عباس من الشعر الجاهلي مادة لتفسير غريب القرآن الكريم، وكان من صحابة النبي ³ من يتذاكر الشعر الجاهلي وأيام العرب في الجاهلية والنبي ³ لا يُنكر عليهم ذلك.

    أثر الإسلام في النثر. كانت عناية الإسلام بالنثر أكبر من عنايته بالشعر، وتأثيره في النثر أعمق. وهذا أمرٌ بدهي، إذ كان النثر أداة الدعوة الأولى، وأداة الإسلام الأولى للتعليم وتوجيه شؤون الجماعة الإسلامية، حين صار للعرب دولة منظمة مهيبة الجانب، ثم أصبح النثر فيما بعد أداة الإسلام في التأليف والتدوين العلمي، وفي نشأة شتى العلوم الإسلامية، والعلوم العربية المساندة لها، وعرف تاريخ الفكر الإنساني تراثًا معرفيًا عظيمًا للمسلمين.

    ازدهرت الخطابة في صدر الإسلام ازدهارًا عظيمًا، إذ صارت الأداة القولية الفعالة في الدَّعوة، وفي تنظيم شؤون الدولة، وفي توجيه الجماعة الإسلامية. بل صارت الخطابة مرتبطة بالشعائر الإسلامية، وتمثّل ذلك في خطبة الجمعة ويوم عرفة والعيدين وصلاة الاستسقاء والخروج إلى الجهاد. وكثيرًا ما نطالع في كتب السيرة والسنة، صعود النبي ³ إلى المنبر يخاطب المسلمين في أمور شتى: أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر. وتُعدّ خطبة الوداع أشهر خطبه ³، وكذلك كان الخلفاء الراشدون وولاتهم من بعدهم.

    صارت الخطابة ـ في العصر الإسلامي ـ أداة الجماعات الممثلة لشتى القبائل عند وفادتها على النبي، أو الخلفاء الراشدين من بعده. وكانت الخطبة الإسلامية تبدأ باسم الله ثم بحمده والصلاة والسلام على نبيه. ويُستشهد فيها بالقرآن الكريم، وتقوم على المعاني الإسلامية. وقد سجلت لنا المصادر الكثير من نصوص الخطابة وأسماء الخطباء، بما يعكس هذه النهضة الكبيرة التي أحدثها الإسلام في هذا الفن، فتفوّق العرب على أقرانهم من اليونان والرومان. وكان للأحداث دورها في تنشيط الخطابة، فضلاً عن الجهاد، واستعداد العرب الفطري لهذا الفن الذي عرفوا به، منذ العصر الجاهلي، كما عرفوا بالشعر.

    نشط في هذا العصر فن آخر، هو فن الرسالة حيث اضطلع بما لم تضطلع به الخطبة والقصيدة، وتمثَّل ذلك في رسائل النبي ³، وأولها يتمثل في الكتاب الذي كتبه النبي ³ حين نزل المدينة، يخاطب فيه المهاجرين والأنصار، ويحدد المعالم الأساسية للجماعة المسلمة في وحدة عقيدتها وزوال الفوارق والنعرات القبلية. كما بعث النبي ³ برسائل شتى إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، ومن أبرزها رسالته إلى هرقل ملك الروم، وإلى المقوقس عظيم مصر.

    ويلحق بالرسائل نصوص المعاهدات، ومنها تلك المعاهدة المكتوبة بين النبي ³ وبين قريش عام الحديبية، وفيها اتفاق على هدنة مدتها عشر سنوات "وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل». ومن هذه المعاهدات معاهدته مع أهل نجران، يبين لهم فيها ما عليهم من خراج ثم يقول: "ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملّتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وتبيعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير".

    وفي هذا المقام يُشار إلى حقيقتين مهمتين: الأولى، كثرة ما ورد إلينا من العصر النبوي من نصوص خطابية ورسائل ومعاهدات، وقد نالت هذه النصوص عناية كبيرة من رجال الحديث والمؤرخين، حتى صارت متواترة مشهورة في كتب السيرة والأحاديث والتاريخ، ولها أسانيدها ورواتها. والحقيقة الثانية، أن قدرًا كبيرًا من تلك النصوص قد أصبح معروفًا واستفاضت به المصادر، لأنها اعتُبرت وثائق تاريخية، ومصادر دينية، ونصوصًا أدبية رفيعة المستوى، تعكس هذا التحوّل الكبير الذي أحدثه الإسلام في النثر على وجه الخصوص.

    والأمر الذي لا شك فيه أنه كان لانتشار الكتابة منذ عصر النبوّة أكبر الأثر في حفظ هذه النصوص النثرية وتدوينها، بل والثقة بها. ولا شك أيضًا في أن الإسلام قد نشط في محو الأمية، وحث المسلمين على تعلُّم الكتابة والقراء


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 10, 2024 2:50 am