الجسد في "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيّب صالح
يُطالعنا الطيّب صالح في روايته " موسم الهجرة إلى الشّمال " بضمير يتفجّع و يستغيث من تصدّع الشخصيّة تحت وطأة الصّدام الحضاري بالغرب . لن أخوض في جدليّة الثابت و المتحوّل التي أثارها الأستاذ توفيق بكّار حين قدّم الكتاب ، فلا طائل من ذلك
.
في المقابل تلفت انتباهي شخوصُ الأثر ففيه شخصيّتان محوريّتان مصطفى سعيد "الغريب" و الحاج أحمد الجدّ ، ضدّان يشخّصان الجدل التاريخي العنيف الذي يحتدم فينا إلى حدّ الانفصام أحيانا
.
غريب يعود بعد سنوات غربة طويلة فتسري فيه شمس إفريقيا و دفء العشيرة و تذيب في داخله ثلوج الشّمال . و شيخ هو في نظري أهمّ ما في الكتاب رغم أنّه ليس البطل ، شيخٌ لم يهرَم فيه عضوٌ ، جسمٌ صحيح و روحٌ غضّة نضِرَة ، طفولة مستمرّة في إهاب من شيب السّنين . و إذا فغرَت أمامه هُوَّة القبر لاذَ بذكريَات الجنس حيث دفق الحياة يستعيد طعمه قبل هجْعَة النّهاية . أليْسَ إذا حَضَرَ شبَحُ الموت احتدمت فينا شهوة الدّنيا و عشق البقاء ؟ فإذا بالذّكرى و الطّرائف تجدِّدُ فيه الحياة فيَضْحَكُ حتّى تدمَعُ عيناه ثمّ يستغفر و يعود إلى مسبَحَته . شخصٌ يجمَعُ بين إباحيَّة فطريّة و تقوَى صادقة ، شيءٌ وَسَطٌ بين قبْح الإفحَاش و بَلادَة التزمُّت ، ثَرَاءٌ إنسانيٌّ في سَمْتٍ من الفقر ، قلعة من الطّمأنينة في خضمِّ أعاصير المُتغيّر ، نموذج بشريّ قد رَكَنَ طويلا في أعماق التاريخ حتّى عَتَقَ كجَيِّدِ الخُمُور . بلْ لعلّه يُعَدُّ في أيّامنا هذه طَفْرَة من تلك الطَّفَرَات التي نراها في أشرطة الخيال العلمي ، جنسٌ جديد وجَدَ الرُّسُوخَ كالسَّرْمَدِ و لم يُفرِّطْ في حقّ الجَسَد ، دَائِبٌ في طِلابِ اللذّة و للرُّوح كرامَتُها و الهُويَّة تجَاوزَتْ محنَة المَسْخ
.
فهل من الضّرورة أن يكون التديُّنُ انغلاقا و رفضا للآخر و سوء معاشرة ؟ هل يمنعُ التديّنُ حقّ الجسد في الحياة ؟ لقد أجاب الطيّب صالح كأروع ما تكون الإجابة
.
يُطالعنا الطيّب صالح في روايته " موسم الهجرة إلى الشّمال " بضمير يتفجّع و يستغيث من تصدّع الشخصيّة تحت وطأة الصّدام الحضاري بالغرب . لن أخوض في جدليّة الثابت و المتحوّل التي أثارها الأستاذ توفيق بكّار حين قدّم الكتاب ، فلا طائل من ذلك
.
في المقابل تلفت انتباهي شخوصُ الأثر ففيه شخصيّتان محوريّتان مصطفى سعيد "الغريب" و الحاج أحمد الجدّ ، ضدّان يشخّصان الجدل التاريخي العنيف الذي يحتدم فينا إلى حدّ الانفصام أحيانا
.
غريب يعود بعد سنوات غربة طويلة فتسري فيه شمس إفريقيا و دفء العشيرة و تذيب في داخله ثلوج الشّمال . و شيخ هو في نظري أهمّ ما في الكتاب رغم أنّه ليس البطل ، شيخٌ لم يهرَم فيه عضوٌ ، جسمٌ صحيح و روحٌ غضّة نضِرَة ، طفولة مستمرّة في إهاب من شيب السّنين . و إذا فغرَت أمامه هُوَّة القبر لاذَ بذكريَات الجنس حيث دفق الحياة يستعيد طعمه قبل هجْعَة النّهاية . أليْسَ إذا حَضَرَ شبَحُ الموت احتدمت فينا شهوة الدّنيا و عشق البقاء ؟ فإذا بالذّكرى و الطّرائف تجدِّدُ فيه الحياة فيَضْحَكُ حتّى تدمَعُ عيناه ثمّ يستغفر و يعود إلى مسبَحَته . شخصٌ يجمَعُ بين إباحيَّة فطريّة و تقوَى صادقة ، شيءٌ وَسَطٌ بين قبْح الإفحَاش و بَلادَة التزمُّت ، ثَرَاءٌ إنسانيٌّ في سَمْتٍ من الفقر ، قلعة من الطّمأنينة في خضمِّ أعاصير المُتغيّر ، نموذج بشريّ قد رَكَنَ طويلا في أعماق التاريخ حتّى عَتَقَ كجَيِّدِ الخُمُور . بلْ لعلّه يُعَدُّ في أيّامنا هذه طَفْرَة من تلك الطَّفَرَات التي نراها في أشرطة الخيال العلمي ، جنسٌ جديد وجَدَ الرُّسُوخَ كالسَّرْمَدِ و لم يُفرِّطْ في حقّ الجَسَد ، دَائِبٌ في طِلابِ اللذّة و للرُّوح كرامَتُها و الهُويَّة تجَاوزَتْ محنَة المَسْخ
.
فهل من الضّرورة أن يكون التديُّنُ انغلاقا و رفضا للآخر و سوء معاشرة ؟ هل يمنعُ التديّنُ حقّ الجسد في الحياة ؟ لقد أجاب الطيّب صالح كأروع ما تكون الإجابة
.