دراسة لتيمة "الحجارة" في نصوص المجموعة القصصية "فجر" للقاص أحمد صبير
عبد المجيد بطالي - المغربتتحرك تيمة الحجارة عبر فضاء النصوص القصصية في "فجر" ضمن معجم لغوي استوى على جل النصوص –تقريبا- بصيغ متعددة، وتوظيفات متنوعة . من خلال شبكة علائقية تربط التيمة الأساس، بتيمات أخرى فرعية إما ظاهرة أو مسكوت عنها، في بعض الأحيان، إذ تقيم تيمة" الحجارة" نسقا من العلاقات اللغوية إن تركيبيا أو دلاليا …يظهر ذلك في العلاقة التبادلية بين الطفل الفلسطيني / البطل بالحجارة أو العكس . ويمكن رصدها من خلال مجموعة من العلاقات ..
1-علاقة حميمة 2-علاقة أرضية 3- علاقة جهادية 4 - علاقة جدلية بين حضور الذات البطلة وحضور الحجارة .
1-علاقة حميمة : يقيم الطفل / البطل الفلسطيني علاقة حميمة مع الحجارة من خلال التقاطها كلما أتيحت له الفرصة ..(التقاط الطفل "فجر" حجارة عند نزول الركاب أثناء وقوع عطب في الحافلة …) [فجر ].
-من خلال تجميع الأطفال للحجارة، وحرصهم عليها في أنفة وكبرياء …[لم يبق لنا الصغار شيئا ..]
-من خلال تمسك الفرشات / الطفلات الصغيرات وهن يلعبن "الحجلة" بحجارتين، واحدة للعب، والثانية للحاجة ..[الحجلة ] . ودلالة التمسك بالحجارة في هذه النصوص تعني التمسك بالأرض.
2-علاقة جهادية : يبني البطل / الطفل الفلسطيني في مجموعة فجر علاقته الجهادية من خلال تيمة الحجارة باعتبارها سلاحا جهاديا وحيدا، يملكه في ساحة المعركة يتحول إلى قذائف من صنع محلي (…إذ تتحول حجارتهم قاذفات من صنع محلي، وراجمات للعدو لا تصدأ كما صدئت تلك التي تربض ذعرا وجبنا في اصطبلاتنا العربية ) [لم يبق لنا الصغار شيئا ] .
3-علاقة جدلية بين حضور الذات البطلة وحضور الحجارة ..
تتميز تيمة الحجارة في نصوص المجموعة القصصية "فجر" بالعلاقة الجدلية التي تربط جسورها الذات البطلة حضوريا متمثلة في شخصية الطفل الفلسطيني بالوجود الفعلي للحجارة (*) إذ تبرز جليا حالة غياب المساعدة الإنسانية. وتطويق الصمت العربي لأجراس الحقيقة، حينها تصبح الحجارة –في علاقتها بالبطل- الناطق الوحيد والسلاح الأوحد لنصرة قضاياه العادلة، (أنظر نص: [ لم يبق لنا الصغار شيئا] )
وإذن تتوزع تيمة "الحجارة" عبر فضاء (فجر) ضمن علائقية (*) نوعية مكثفة. علاقة تأثير، وتأثر...من خلال مجموعة الأفعال القصصية المبنية للمعلوم، والتي تدل على الانتقال والتحويل. تحويل البطل من حالة إلى أخرى، يتبين من خلال الجمل الفعلية...
"أنعش إيقاع الحجر المرتطم بواجهات سيارات العدو وعضلاته الصغيرة.
أجرى عروقه دما دفاقا ...
إلتقط حجرة وأخرى، ثم انطلق ...نسي السخرة والسلة...إنخرط ..." [سخرة]
نلاحظ كيف جعل القاص -أحمد صبير- أفعال القصة تقوم بتحويل شخصية الطفل الفلسطيني العادية إلى شخصية بطولية، تنخرط في المقاومة...كما نلاحظ مهارة القاص في تحكمه في الزمن من خلال ترتيب الأفعال عبر خط زمني يشد المتلقي حرصا منه على الانفلات من عقال الأحداث المتراكمة والمركزة في جمل معدودة ..
ويمكن أن نتلمس خيوط الزمن عبر متوالية تصاعدية من الأفعال تكشف عن ارتباط وعي البطل/ بالحجارة. ومن خلاله وعي القاص بقضية البطل وعيا متناميا من خلال الجمل :
"كان الصغار يتجمعون على كومة من الحجارة ..
-اشتغلوا في جمعها كالنمل منذ وقت مبكر ..
-وهاهم يحرسونها في ألفة وكبرياء. ينتظرون الإشارة ليسدوا الزقاق والفضاء ...
ويصير للحجارة الصغيرة في أيديهم ألف شكل وألف ألف معنى .." [ لم يبق لنا الصغار شيئا ]
-وتتولى تيمة الحجارة في نصوص المجموعة مسؤولية ربط الجسور بين الشخصيات إيجابيا مع شخصية البطل / الطفل الرئيسية . وشخوص أخرى ثانوية تخدم أهداف البطل ..مثل شخصية (العم عباس – والخالة نعمة، وهم يحذرون البطلات الصغيرات من دوريات الجنود التي انطلقت كالعادة في أرجاء المدينة، تمسح الشوارع والأحياء والأزقة ) [الحجلة]
-وشخصية (الخالة نسرين المدرسة والمهتمة بالبطل "وليد" ) [وسيلة إيضاح]
-وشخصية الأستاذ [باسل] مع أبناء المخيم " [اتفاق]
-كما تبرز من خلال ذلك اللاربط مع شخصية البطل السلبي المتمثلة في شخصية الجندي المهزوم الخائف (كما في قصة فجر ) الخائف من حجارة كان يحملها طفل صغير إسمه "فجر" عندما سأله جندي إسرائيلي عن بطاقته، فأدلى له بحجارة كان قد حملها أثناء نزوله وأمه من الحافلة لإصلاح عطب فيها .
وإذن يتبين أنه لا يمكن الحديث عن البطل الطفل الفلسطيني في قصص المجموعة معزولا عن آلته الصامدة (الحجارة) وبذلك تصبح تيمة الحجارة بؤرة لنصوص المجموعة ومركز دائرتها تنشئ نسقا واسعا مع عناصر البناء الفني واللغوي يحقق من خلاله القاص أحمد صبير وهو يكتب قصص الطفل البطولية سردا فنيا رائعا يربي في الطفل / المتلقي شعورا إنسانيا عاما بالقضية الفلسطينية . ويقوي إحساسه بالجمال الفني والذوق الأدبي الرفيع في التعبير عن قضاياه ...
التشاكل والتباين في العلاقات الدلالية لتيمة "الحجارة" بالبطل
الحجارة
البطل
الصلابة
الصمود
القوة
التحدي
مكون للأرض
صاحب الأرض
سلاح محلي
سلاحه الجهادي
وسيلة إيضاح
وسيلة للدفاع
…………
…………
عنصر منفعل
عنصر فاعل
وتأخذ تيمة الحجارة في قصة [قاموس] كل أشكال التعبير الدلالي واللغوي أيضا لأبعاد هذه الكلمة من خلال حوار الأبطال الصغار مع أستاذهم المتشدد في الحرص على غياب التلاميذ :
"أين تخلف جهاد ؟!!
ساد صمت رهيب . تبادل خلاله الصغار نظرات تحمل ألف معنى ..قام ياسر من مقعده خافت الصوت مرتعش الشفتين ...
-إنه يحجّر يا أستاذ !
-يحجّر ؟!!!
-نعم يا أستاذ، إن الأطفال الحجَّارة يتناوبون كل صباح فيما بينهم ليحجِّروا الحجر ويعدُّوه لنرمي به العدو .
-وكيف يحجِّرونه ويعدونه ؟!!!
-بعضهم يعمل على جمعه من الأرض، وبعضهم يسعى في جلبه من الضواحي، وبعضهم يجلس في مِحْجَرَةِ المخيم لتكسير القطع الكبيرة .
-تطلع الأستاذ بذهول في وجوه الصغار ...وهو يردد :
يُحَجِّر –حِجَارة – مِحْجَرَة –ما هذا القاموس يا أولاد ؟!! " [ قاموس ]
تنتهي القصة بصوت جماعي يحمل الرؤية الجماعية للقاص/ أحمد صبير من خلال تقمصه شخصية البطل ممتطيا بذلك صهوة "الحجارة" للتعبير عن القضية الفلسطينية عبر معجم لغوي تتماهى ضمنه تيمة الحجارة بمدلولاتها الجهادية والبطولية.. التي توقف بين الجهادين من أجل القضية والمواظبة على التعلم في حوار جاد ومسؤول مع الأستاذ . لينتهي كما قلت بصوت جماعي :
"كلنا حجَّارة يا أستاذ، وكل واحد منا يحجِّر وفق برنامج يومي حتى لا تضيع منا حصص الدرس ". واضح إذن هذا الحرص على القضيتين الوطنية والتعليمية ..
ما أروعها من طريقة في التصوير التعبيري للقاص أحمد صبير في توظيفه للحوار الخارجي والداخلي للتعبير عن القضية ..أصدق تعبير .
-وفي قصة [وسيلة إيضاح] تأخذ تيمة "الحجارة" أكثر من معنى إذ تصبح لدى الطفل / البطل "وليد " وسيلة إيضاح للحساب يرسمنها على السبورة لينجز من خلالها عملية حسابية. وعندما تتساءل معلمة "وليد" عن الأشكال المرسومة على السبورة يجيبها "وليد" :" إنها حجارة كتلك التي يحملها أخي "يوسف" معه كل مساء إلى البيت يعلمنا بها الحساب ثم يحملها معه في صباح الغد ليرمي بها الجنود "[وسيلة إيضاح]
وواضح إذن من هذا النص أو بالأحرى المشهد المقتطف من قصة (وسيلة إيضاح ) براعة القاص في توظيف تيمة "الحجارة" وجعلها بؤرة قصصه ومدار حوار شخصياته القصصية فهو يملك قدرة فنية عالية في جعل تيمة الحجارة السلك الحابك لمشاهد قصصه وحواراتها إذ توظَّف "الحجارة" توظيفا مزدوجا فهي كما في هذا المشهد سلاح ذو حدين –فهي وسيلة لإيضاح العمليات الحسابية- لدى الطفل وليد وفي ذات الوقت هي وسيلة لإثبات الهوية، وإثبات الذات البطلة باعتبارها سلاح "البطل" "يوسف" يرمي بها الجنـود الصهاينة وهي بالتالي تعبير عن قضيته التي أصبحت مرتبطة به ارتباطه بالماء والهواء والغذاء والتعليم ...
فما أحوجنا لمثل هذه القصص البطولية التي تخاطب أطفالنا بواقع مجريات الأحداث الفلسطينية تزرع فينا وفي أطفالنا الشجاعة والصمود والتضحية، فـ"مولاي أحمد صبير الإدريسي" قاص للأطفال بامتياز في الحين الذي تفتقد فيه الساحة أدبا ..نموذجيا لأطفالنا.
إن قصص المجموعة "فجر" تقدم للقارئ نموذج الأدب الرسالي المكتوب للطفل من خلال الرؤية الرسالية النظيفة الملتزمة بالواقعية والمبتعدة عن الخيال السلبي ذي الأثر السيئ على شخصية المتلقي، -خصوصا الطفل – والمتضمنة للقيم الدينية والخلقية المراعية لعادات وتقاليد المجتمع، انطلاقا من مبدأ الرسالة الخالدة :" نحن نقص عليك أحسن القصص " يوسف الآية 3. (2).
وكلنا يعلم مدى تأثير القصة ومشاهد القصة في نفسية قارئيها –وخصوصا الأطفال منهم – ومن ثم تكمن خطورة النوع الذي يكتب للطفل إذا ما كان ماجنا لا تربويا عاريا من الأخلاق النبيلة لسرعة تأثر الطفل به لما تكتسيه نفسية هذا الأخير من رهافة إحساس ونظافة مشاعر وفطرة صافية ...
ولقد نجح القاص/ أحمد صبير في رسم شخصيات قصصه رسما دقيقا مقنعا في سلوكها باعتبارها شخصيات بطولية –رغم صغرها تحمل رؤية إيمانية (3) تدعو إلى قيم أخلاقية، وقيم وطنية جهادية، شخصيات ذات مواقف تحترم الآخر في حدود علاقات الاحترام ..لكنها شخصيات صارمة لا تتنازل عن قضيتها العادلة ...
تناص تيمة "الحجارة" في مجموعة " فجر" القصصية، بموضوع الحجارة في النص القرآني.
تتـنامى تيمة الحجارة ضمن تجاويف نصوص المجموعة القصصية فجر، عبر دلالات أو إحالات نصية متداخلة / تتناص مع موضوع الحجارة في القرآن الكريم، استلهمتها الذات القاصة لتغذية مادتها القصصية عن طريق (الامتصاص والتحويل )(4) وجعلها منسجمة تارة، أو متعارضة تارة أخرى للتعبير بها عن دلالات مقصدية مباشرة وأحيانا غير مباشرة . ويمكن اختزال هذه الدلالات المتناصة ضمن الجدول التالي:
دلالاتها في نصوص المجموعة القصصية "فجر "
مرجعيتها
دلالات
تفجير دم النضال في عروق الطفل من خلال الحجر : (أجري الحجر في عروقه الندية دما دفاقا) (سخرة) تفجير غضب البطل ...
"وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار " البقرة /74
التفجير
دلالات تتـعلق بالحجارة في النص القرآني
(إنها فرصتنا لمعانقة الحجارة ورجم شياطين إسرائيل ) (اتفاق ) (لإنها حجارة كتلك التي يحملها أخي يوسف ..ليرمي بها الجنود ) (وسيلة إيضاح )
"وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل" الفيل / 4
الرمي
قساوة البشر فوق قساوة الحجر (انتفاض حجرة كريمة ) من منديل حريري معلنة انتماءها للمقاومة إلى جانب الطفل الفلسطيني البطل ساخطة على المتغطرسين المحتلين ..(حجرة كريمة)
"ثم قست قلوبكم فهي كالحجارة او أشد قسوة " البقرة / 74
القساوة
(عند الإشارة تتحول حجاراتهم قاذفات من صنع محلي وراجمات كالمطر القوي المتتابع (لم يبق لنا الصغار شيئا )
"جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل" هود / 82 .
الإمطار
(الأطفال الحجَّارة يحجِّرون الحجر، ويعدونه ليرمون به العدو ) يحجرون / يكسرون القطع الكبيرة (قاموس )
"وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء" ..." البقرة / 74
التشقق
وإذن فدلالات (التفجير –الرمي – القساوة –الإنظار –التشقق- إلخ ) كلها معانٍ مستوحاة من النص القرآني، امتاحتها الذات القاصة لأحمد صبير لتفجير خطابها القصصي من خلالها عبر رؤية قصصية مستبصرة، ومتبصرة للقضية الفلسطينية، متماهيا في ذلك بأبطالها، وشخصياتها، متأثرا بأحداثها الجسام..عبر متاهات نصوصه القصصية.
وتنجلي هذه الرؤية للقاص من خلال الطفل الفلسطيني الصغير/البطل، وهو يحمل قضيته معه في دواخله..لا يأبه بالعالم الخارجي وما تلفّه من صراعات، لكنه وهو الصغير، واعٍ بقضيته الوطنية…كلما دعت إلى ذلك الحاجة، كما في كثير من نصوص المجموعة..
* إشكالية البطل في مجموعة "فجر" القصصية :
بين البطل الإيجابي، والبطل السلبي:
يصادف القارئ في مجموعة "فجر" عند كل قصة قصيرة بطلا إيجابيا يتغير اسمه الشخصي. ولا يتغير اسمه الرمزي-المسكوت عنه في النصوص- (البطل الفلسطيني) بطل الحجارة لأنه صاحب قضية التصقت به، والتصق بها منذ نعومة أظفاره، هذا البطل الذي يفاجئُ القارئ في كل قصة من قصص المجموعة. هو بطل صغير كصغر الحجارة، قوي كقوتها، يتمثل في "الصغار" كالنمل يجمعون الحجارة، ويحرسونها في أنفة وكبرياء.[لم يبق لنا الصغار شيئا]
وفي شخصية "حسام" الطفل الذي خرج في سخرة ولم يعد إلا جثة هامدة وفي يده حجارة لم تنطلق بعد[سخرة]، وفي شخصية "فجر" الطفل الصغير الذي لا زال في حِجر أمه وهو يمسك حجارة بيده كان قد التقطها عند نزول الركاب من الحافلة ليدلي بها كبطاقة للجنود الإسرائيليين [فجر].
ولم يستثن القاص أحمد صبير من أبطاله الإيجابيين الصغار، البطلة الإيجابية وبنفس التعامل مع البطل. يتجلى ذلك في فراشات/ طفلات صغيرات يلعبن الحجلة بعيدا عن الفضوليين –إنهن (روضة، ونسيم، ووردة). وبحوزتهن ست حجرات وجدها الإسرائيليون عند القبض عليهن …[الحجلة].
يجعل القاص احمد صبير في مجموعته من البطل الإيجابي، بطلا ذا مواقف صلدة، تجعل من الجندي الإسرائيلي بطلا سلبيا/ شخصية سلبية. مسلوب الإرادة والقوة. مهزوز المواقف، يخيفه الطفل الصغير المقاوم، بما يملكه من شجاعة، وصمود، وبما يحمله من سلاح طبيعي، إنه الحجارة…
تماهى القاص بالبطل في نصوص "فجر"…
يتماهى القاص بالبطل من خلال تكليمه لأبطال قصصه كلام الإنسان العاقل، فيجعله يحلل ويفكر، ويدبر، ويحاور نفسه، بل أحيانا ينطق باسم "حجرة كريمة" لتفجير سخطه وغضبه على المتغطرسين من اليهود، وربما كان هذا القص تنفيسا له عما يختلج بكامنه، وهذا ناجم لا محالة عن إيمان القاص بقضية البطل، قضية الأمة العربية والإسلامية، وتتبع أحداث القضية بشكل واع جعل القاص / البطل الحاكي يخرج عن صمته ليكلم شخوص قصصه وأبطالها كما لو يتكلم هو مكانها..
ويمكن رصد هذا "التماهي" –نفسيا- من خلال عامل التأثر..تأثر القاص بالبطل طفل الحجارة، وبقضية البطل بكل مكوناتها..تأثرا : إيمانيا وعقائديا، تأثرا عاطفيا. إما باستخدام لغة مباشرة تكشف عن ذلك، او بمعاني متضمنة في النصوص القصصية…
مثل (إنها فرصتنا لمعانقة الحجارة، ورجم شياطين إسرائيل. ( [اتفاق]
(..كانت جموع المصلين تنساب في خشوع من أبواب المسجد صلاح الدين)[لم يبق لنا..]
(…وراجمات لا تصدأ..) [لم يبق لنا الصغار شيئا]
فكلمات (الرجم، ورجم الشياطين، وجموع المصلين المنسابة في خشوع…) تحيلنا على قاموس عقائدي يمتاح منه قاصنا أحمد صبير ما يعكس تأثره العقائدي.
أما التأثر العاطفي : فيتجلى في تعاطفه مع شخصيات قصصه وخصوصا الطفل/ البطل وهو يصور براءته ..كما في كثير من النصوص. مثل : ( لم تلتفت الفراشات لتحذيرات العم عباس ولا لنداءات الخالة نعمة…لأن شوقهن للعب بلغ حدا لا يحتمل..) [الحجلة].
(..صعد "وليد" ذو السنوات الخمس، منفوش الشعر كأنه عاد على التو من معركة، صعد يتململ في بذلة على غير مقاسه متعثرا في سرواله،ثم وقف أمام السبورة، وتطلع إلى العلمية الأولى بعينين تشعان ذكاء وحماسا..) [وسيلة إيضاح]..
كما يتضح في تعاطفه مع شخصيات غير البطل (صاح شيخ اشتعل منه الرأس واللحية بصوت يكاد يخنقه البكاء:
-ولا حجرة !
رد آخر باستغراب :
-لعل الكناسات الآلية مرت من هنا هذا الصباح.
وصاح ثالث وهو يشير بيديه إلى الأرض :
-ألا ترون ؟ لم يبق لنا الصغار شيئا.) [لم يبق لنا]
واضح أن هذه النصوص تضمنت ما تعكسه من تأثر عاطفي للقاص بالقضية مما يمنح نصوصه لذة القراءة، ومتعة التلقي في مضامينها المشحونة بالمعاناة والمحملة بهموم القضية..
بين الموضوعي والذاتي في مجموعة (فجر) القصصية :
نستخلص مما سلف "هيمنة" موضوع القضية على المجموعة القصصية واحتضانها للذات القاصة. باستثناء قصة واحدة هي [فطنة]، ويمكن تصنيف هذه الهيمنة كالتالي :
1- هيمنة الموضوع على الذات الحاكية او القاصة ← [علاقة مهيمنة]
2- إشكالية التداخل الذاتي بالموضوع [القصة / بالقاص والعكس] ← علاقة [تداخلية]
3- حلول القاص في شخصية البطل، وقضية البطل/ ضمن علاقة روحية ← [علاقة حلولية]
ويمكن استخلاص علاقات أخرى تضمنتها قصص المجموعة من خلال "الهيمنة".
وقد أشرنا إلى بعضها في بداية هذه الدراسة.
إضافة إلى هذه العلاقات المتداخلة التي أكسبت نصوص المجموعة..سمة التنوع.
فهي تتميز بالوحدة الموضوعية : الموضوع/ القصة –القضية/المركز. هذه الوحدة التي ترمز إلى توحد الأبطال –رغم تنوع أسمائهم –في البطل الواحد/ الطفل ءالفلسطيني. حامل القضية. هذه الوحدة التي تعني على المستوى الدلالي :
[الوحدة الإيجابية ≠ التفرقة ≠ التعدد السلبي..]
اللغة في قصص المجموعة "فجر":
لقد تميزت لغة المجموعة القصصية "فجر" بالتصويرية بحيث إنها ترسم ظلال لوحات فنية فيها من المشاهد التصويرية الفردية ما يشد القارئ إلى تتبع اللوحة عبر مشاهدها المنسجمة والمنسوجة من الحركات، والكلمات، والحوار، وذلك ضمن معجم لغوي متحرك ومحرك لهذه اللوحات القصصية يجعل القارئ/ المتلقي مشدودا من مقدمة المشهد إلى جريان الأحداث، إلى النهاية البطولية أو الاستشهادية الجميلة، في متعة سردية محبوكة تأسر المتلقي لا شعوريا إلى الانخراط اللامشروط بكل جوارحه وأحاسيسه في القضية..
وهذه بعض الأمثلة المبينة لذلك:
1-رسم لوحات عن طريق : معجم لغوي للحركات من خلال الأفعال :
* (خرج حسام من بيته… ← يجري مزهـوا←يقبض في يديه ..جرى بنفس الحماس. توقف قبالة سيل يتدفق صبيانا..تطلع بإعجاب..أنعش إيقاع الحجر عروقه..هتف ..لوح بيديه ..تردد أولا، لكنه انخرط، والتقط حجرة وأخرى، ثم انطلق…نسي السلة والسخرة..إلخ) [سخرة]
* (حملق الصغير في وجه الجندي ← تمعن في رأسه المغمور ..في خودة حديدية، مد يده بتثاقل نحو الجندي –تململ الركاب، مال بعضهم على بعض لمتابعة ما يجري …إلخ) [فجر]
2-رسم لوحات من طريق : الكلام، من خلال الحوار في :
1-حوار داخلي : البطل يحاور نفسه او يكلمها ….
كان البطل حسام : (يردد أنشودة لا يسمعها معه أحد : كيلو بطاطس، كيلو طماطم. زيت وزيتون..) [سخرة]
(خرج يجري وهو يستحضر عبارات المديح التي سيغمره بها والده عند عودته مساء…) [سخرة]
عودة البطل إدريس الذي (ألقى بجسمه المتعب أمام جهاز التلفاز… يتلمس مستجدات الأخبار ..حول الاتجاه إلى إحدى الفضائيات..رأى المذيعة "بتول" تطلع بوجهها المشرق وتبشر بخبر عاجل..سرى الخبر في جسم إدريس..تحسس جسده..ردد كالحالم :"فجر نفسه" يا إلهي أي جرس لهذه العبارة، وأي قاموس جليل يحضنها، وأي شاب هذا الذي يركب نفسه في هذا الإسناد الساحر؟) [خبر عاجل]
واضح إذن هذا المعجم اللغوي الأخاذ من الكلمات والجمل التي تعبر عن حضور حوار داخلي في نفسية البطل.
2- حوار خارجي: حوار البطل لشخوص ثانوية. وحوار البطل/ القاص لشخوص القصة.
-خروج جموع المصلين من المسجد في خشوع..يتلمسون الأرض بحثا عن حجارة..يصيح شيخ إشتعل منه الرأس واللحية بصوت يكاد يخنقه البكاء:
-ولا حجرة !!
رد آخر باستغراب :
-لعل الكناسات الآلية مرت من هنا هذا الصباح..إلخ الحوار) أنظر [لم يبق لنا الصغار شيئا..]
-اختيار "الخالة نسرين" التلميذ "وليد" لإنجاز أولى العمليات …تنوه الخالة نسرين بوليد يصفق الجميع لإنجازه وقبل أن يعود إلى مقعده تستفسره عن ماهية الأشكال التي رسمها لحل العملية…
حرك الصغير رأسه بالنفي وقال بصوت ناعم :
-إنها حجارة كتلك التي يحملها أخي "يوسف"..ليرمي بها العدو..) [وسيلة إيضاح]
-والحوار الذي دار بين البطل "ياسر" ومن خلاله الأطفال الآخرون وبين أستاذهم الذي اكتفى بوصفه والسكوت عن إعطائه اسما في القصة [قاموس] أنظر النص السابق.
ومن خلال التصوير والتعبير يبرع القاص في تكليم الحجر، وتحويله من غير العاقل إلى العاقل، لما للحجر والحجارة من قيمة نضالية قد يعجز عنها الإنسان..إذ تنتفض "حجرة كريمة" صارخة بعد أن تقدم صاحب العرض ليستلمها ! لتقول الحجرة :
"لست بالكريمة، ولستم من الكرماء ليتني حجرة جرانيت في يد طفل فلسطيني، أصنع معه مجدا او عزة او نصرا، ليتني حجرة جير أو صلصال أفلق جبين جندي متغطرس أو مستوطن محتل، تعسا لكم، أنا لا أريد أن أكون واسطة عقد على صدر غانية، ولا خاتما في أصبعها.." [حجرة كريمة]
3- رسم لوحات عن طريق : الحوار الصامت –أو الإشاري /لوحات ميمية .
لقد تخللت قصص المجموعة لوحات فنية صامتة الحوار وكأنها لوحات "ميمية" لعبت فيها النظرات الحاذقة للبطل او بعض الشخصيات دور الكلام، خارقة بذلك جدار الصمت الذي قد يصيب الأفواه المتشدقة بفارغ الكلام !
-(…ساد صمت رهيب، تبادل خلاله الصغار نظرات تحمل ألف معنى، …تناظر الصغار مرة أخرى، وحدقوا في ياسر بنظرات متوسلة يرجونه أن يتكلم…) [قاموس]
- (استوقف الجنديان الإسرائيليان حافلة ركاب قصد التحقيق معهم في الهوية. وعند الانتهاء تأخر جندي مداعبا الطفل/ البطل "فجر" في حجر أمه-وأنت- أين بطاقتك؟ فيأتي الرد الصامت : "حملق الصغير في وجه الجندي، وتمعن في رأسه المغمور كليا في خودة حديدية، وفي السلاح، مد يده بتثاقل نحو الجندي" [وفيه دلالة على الرفض للتصالح مع العدو]، (يتبع الركاب ما يجري دون أي كلام، برهة ينفلت الجندي مغضبا، ويغلق الباب بعنف على تصرف الطفل/ فجر دالا على انه لم ير ما يسره، ليأتي صوت الأم مكسرا جدار الصمت وحيرة المتتبعين/ حيرة القارئ/ المتلقي لتقول :" لقد أدلى ابني "فجر" ببطاقته. أتدرون ما بطاقته؟ إنها حجارة –التقطها عند نزولنا لإصلاح العطب الأول"[فجر].
- ونحن نتناول الجانب اللغوي لمجموعة "فجر" القصصية نصادف قاموسا مليئا بالتعابير، والكلمات والسمات المكونة للحقل الدلالي والمعرفي المشحون والمثقل بالدلالات النضالية والجهادية والمواقف البطولية من (حجارة، وتفجير، ورجم، ورمي، وانتفاض…) تتعلق بالقضية الفلسطينية. فتجد كل أشكال قواعد اللعبة اللغوية السردية من : حوارات داخلية، وخارجية، وحوارات صامتة/ إشارية/ميمية، ومعجم لغوي متحرك من : أفعال ماضية، ومضارعة، ومن تقنية ساحرة في استخدام اللغة الجادة والهادفة في حوار الشخصيات البطولية كأطفال مناضلين مثاليين، وفي استخدام اللغة بأشكال متنوعة في التعبير كلغة التهكم والاستصغار بالشخصيات السلبية المهزومة، والمهزوزة المواقف (شخصية الجندي الإسرائيلي). وأكتفي بهذا النص من قصة [فجر] للدلالة على لغة التهكم. (…استوقف الدرك الإسرائيلي الحافلة في حذر واستعلاء وتجمعوا حولها كجرذان على قطعة جبن…).
بناء على كل ما سبق يمكن القول بأن لغة المجموعة القصصية هي خطاب مفتوح من خلال القـاص/ البطل للقارئ –المتلقي (الطفل والأب على حد سواء) للانخراط مع شخصية البطل الفلسطيني في قضيته العادلة. هذا البطل الذي هو :
-رغم صغر سنه واع ومدرك كامل الإدراك لقضيته…
-وانه ليس ساذجا ولا مشدوها..
-وأنه يرفض الانخراط في المتاهة/"التصهين"، فلا يساوم..
ومن ثم فلغة هذه المجموعة تتميز بكونها لغة، رافضة للصمت إلا عن الحق.
لغة تبني المشاهد التشكيلية بالحروف والأفعال والسمات الدالة. وهي أيضا لغة العشق الإيماني المدفون في الأعماق المتوحد في الأمة من خلال القضية، لغة تقزيم العدو، والسخر منه ومن غطرسته في رسم لغوي…كاريكاتيري، وهي أخيرا لغة الباب الرحب لاستقبال القارئ –المتلقي في ضيافة العشق لعالم البطولة، والجهاد والشهادة..هذه اللغة/الوسيلة المعبرة التي "عانق" من خلاله الأديب م.أحمد صبير في قصصه القصيرة "فجر" هموم الشعب الفلسطيني المسلم، وهموم أطفاله "ممزقي المصير" بين عالم التمدرس، وعالم الانتفاضة، وعالم الاستقرار، لكنه "المصير الموحد" في قوة الحجارة، وصمود أطفالها…هذا "العناق" الذي لا ريب أنه نابع من "رؤية أدبية كونية!!"أسسها الخلق الإسلامي الفريد على قاعدة معنى الحديث الشريف "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"
الهوامش :
1-انظر د.محمد مفتاح / تحليل الخطاب الشعري –استراتيجية التناص.
2-مجلة الأدب الإسلامي –خصائص القصة الإسلامية القصيرة. ص /11. العدد/30. (2001)
3-المصدر السابق نفسه. ص11. عدد 30(2001).
4-انظر د.محمد مفتاح / تحليل الخطاب الشعري –استراتيجية التناص.[/b][/color]
عبد المجيد بطالي - المغربتتحرك تيمة الحجارة عبر فضاء النصوص القصصية في "فجر" ضمن معجم لغوي استوى على جل النصوص –تقريبا- بصيغ متعددة، وتوظيفات متنوعة . من خلال شبكة علائقية تربط التيمة الأساس، بتيمات أخرى فرعية إما ظاهرة أو مسكوت عنها، في بعض الأحيان، إذ تقيم تيمة" الحجارة" نسقا من العلاقات اللغوية إن تركيبيا أو دلاليا …يظهر ذلك في العلاقة التبادلية بين الطفل الفلسطيني / البطل بالحجارة أو العكس . ويمكن رصدها من خلال مجموعة من العلاقات ..
1-علاقة حميمة 2-علاقة أرضية 3- علاقة جهادية 4 - علاقة جدلية بين حضور الذات البطلة وحضور الحجارة .
1-علاقة حميمة : يقيم الطفل / البطل الفلسطيني علاقة حميمة مع الحجارة من خلال التقاطها كلما أتيحت له الفرصة ..(التقاط الطفل "فجر" حجارة عند نزول الركاب أثناء وقوع عطب في الحافلة …) [فجر ].
-من خلال تجميع الأطفال للحجارة، وحرصهم عليها في أنفة وكبرياء …[لم يبق لنا الصغار شيئا ..]
-من خلال تمسك الفرشات / الطفلات الصغيرات وهن يلعبن "الحجلة" بحجارتين، واحدة للعب، والثانية للحاجة ..[الحجلة ] . ودلالة التمسك بالحجارة في هذه النصوص تعني التمسك بالأرض.
2-علاقة جهادية : يبني البطل / الطفل الفلسطيني في مجموعة فجر علاقته الجهادية من خلال تيمة الحجارة باعتبارها سلاحا جهاديا وحيدا، يملكه في ساحة المعركة يتحول إلى قذائف من صنع محلي (…إذ تتحول حجارتهم قاذفات من صنع محلي، وراجمات للعدو لا تصدأ كما صدئت تلك التي تربض ذعرا وجبنا في اصطبلاتنا العربية ) [لم يبق لنا الصغار شيئا ] .
3-علاقة جدلية بين حضور الذات البطلة وحضور الحجارة ..
تتميز تيمة الحجارة في نصوص المجموعة القصصية "فجر" بالعلاقة الجدلية التي تربط جسورها الذات البطلة حضوريا متمثلة في شخصية الطفل الفلسطيني بالوجود الفعلي للحجارة (*) إذ تبرز جليا حالة غياب المساعدة الإنسانية. وتطويق الصمت العربي لأجراس الحقيقة، حينها تصبح الحجارة –في علاقتها بالبطل- الناطق الوحيد والسلاح الأوحد لنصرة قضاياه العادلة، (أنظر نص: [ لم يبق لنا الصغار شيئا] )
وإذن تتوزع تيمة "الحجارة" عبر فضاء (فجر) ضمن علائقية (*) نوعية مكثفة. علاقة تأثير، وتأثر...من خلال مجموعة الأفعال القصصية المبنية للمعلوم، والتي تدل على الانتقال والتحويل. تحويل البطل من حالة إلى أخرى، يتبين من خلال الجمل الفعلية...
"أنعش إيقاع الحجر المرتطم بواجهات سيارات العدو وعضلاته الصغيرة.
أجرى عروقه دما دفاقا ...
إلتقط حجرة وأخرى، ثم انطلق ...نسي السخرة والسلة...إنخرط ..." [سخرة]
نلاحظ كيف جعل القاص -أحمد صبير- أفعال القصة تقوم بتحويل شخصية الطفل الفلسطيني العادية إلى شخصية بطولية، تنخرط في المقاومة...كما نلاحظ مهارة القاص في تحكمه في الزمن من خلال ترتيب الأفعال عبر خط زمني يشد المتلقي حرصا منه على الانفلات من عقال الأحداث المتراكمة والمركزة في جمل معدودة ..
ويمكن أن نتلمس خيوط الزمن عبر متوالية تصاعدية من الأفعال تكشف عن ارتباط وعي البطل/ بالحجارة. ومن خلاله وعي القاص بقضية البطل وعيا متناميا من خلال الجمل :
"كان الصغار يتجمعون على كومة من الحجارة ..
-اشتغلوا في جمعها كالنمل منذ وقت مبكر ..
-وهاهم يحرسونها في ألفة وكبرياء. ينتظرون الإشارة ليسدوا الزقاق والفضاء ...
ويصير للحجارة الصغيرة في أيديهم ألف شكل وألف ألف معنى .." [ لم يبق لنا الصغار شيئا ]
-وتتولى تيمة الحجارة في نصوص المجموعة مسؤولية ربط الجسور بين الشخصيات إيجابيا مع شخصية البطل / الطفل الرئيسية . وشخوص أخرى ثانوية تخدم أهداف البطل ..مثل شخصية (العم عباس – والخالة نعمة، وهم يحذرون البطلات الصغيرات من دوريات الجنود التي انطلقت كالعادة في أرجاء المدينة، تمسح الشوارع والأحياء والأزقة ) [الحجلة]
-وشخصية (الخالة نسرين المدرسة والمهتمة بالبطل "وليد" ) [وسيلة إيضاح]
-وشخصية الأستاذ [باسل] مع أبناء المخيم " [اتفاق]
-كما تبرز من خلال ذلك اللاربط مع شخصية البطل السلبي المتمثلة في شخصية الجندي المهزوم الخائف (كما في قصة فجر ) الخائف من حجارة كان يحملها طفل صغير إسمه "فجر" عندما سأله جندي إسرائيلي عن بطاقته، فأدلى له بحجارة كان قد حملها أثناء نزوله وأمه من الحافلة لإصلاح عطب فيها .
وإذن يتبين أنه لا يمكن الحديث عن البطل الطفل الفلسطيني في قصص المجموعة معزولا عن آلته الصامدة (الحجارة) وبذلك تصبح تيمة الحجارة بؤرة لنصوص المجموعة ومركز دائرتها تنشئ نسقا واسعا مع عناصر البناء الفني واللغوي يحقق من خلاله القاص أحمد صبير وهو يكتب قصص الطفل البطولية سردا فنيا رائعا يربي في الطفل / المتلقي شعورا إنسانيا عاما بالقضية الفلسطينية . ويقوي إحساسه بالجمال الفني والذوق الأدبي الرفيع في التعبير عن قضاياه ...
التشاكل والتباين في العلاقات الدلالية لتيمة "الحجارة" بالبطل
الحجارة
البطل
الصلابة
الصمود
القوة
التحدي
مكون للأرض
صاحب الأرض
سلاح محلي
سلاحه الجهادي
وسيلة إيضاح
وسيلة للدفاع
…………
…………
عنصر منفعل
عنصر فاعل
وتأخذ تيمة الحجارة في قصة [قاموس] كل أشكال التعبير الدلالي واللغوي أيضا لأبعاد هذه الكلمة من خلال حوار الأبطال الصغار مع أستاذهم المتشدد في الحرص على غياب التلاميذ :
"أين تخلف جهاد ؟!!
ساد صمت رهيب . تبادل خلاله الصغار نظرات تحمل ألف معنى ..قام ياسر من مقعده خافت الصوت مرتعش الشفتين ...
-إنه يحجّر يا أستاذ !
-يحجّر ؟!!!
-نعم يا أستاذ، إن الأطفال الحجَّارة يتناوبون كل صباح فيما بينهم ليحجِّروا الحجر ويعدُّوه لنرمي به العدو .
-وكيف يحجِّرونه ويعدونه ؟!!!
-بعضهم يعمل على جمعه من الأرض، وبعضهم يسعى في جلبه من الضواحي، وبعضهم يجلس في مِحْجَرَةِ المخيم لتكسير القطع الكبيرة .
-تطلع الأستاذ بذهول في وجوه الصغار ...وهو يردد :
يُحَجِّر –حِجَارة – مِحْجَرَة –ما هذا القاموس يا أولاد ؟!! " [ قاموس ]
تنتهي القصة بصوت جماعي يحمل الرؤية الجماعية للقاص/ أحمد صبير من خلال تقمصه شخصية البطل ممتطيا بذلك صهوة "الحجارة" للتعبير عن القضية الفلسطينية عبر معجم لغوي تتماهى ضمنه تيمة الحجارة بمدلولاتها الجهادية والبطولية.. التي توقف بين الجهادين من أجل القضية والمواظبة على التعلم في حوار جاد ومسؤول مع الأستاذ . لينتهي كما قلت بصوت جماعي :
"كلنا حجَّارة يا أستاذ، وكل واحد منا يحجِّر وفق برنامج يومي حتى لا تضيع منا حصص الدرس ". واضح إذن هذا الحرص على القضيتين الوطنية والتعليمية ..
ما أروعها من طريقة في التصوير التعبيري للقاص أحمد صبير في توظيفه للحوار الخارجي والداخلي للتعبير عن القضية ..أصدق تعبير .
-وفي قصة [وسيلة إيضاح] تأخذ تيمة "الحجارة" أكثر من معنى إذ تصبح لدى الطفل / البطل "وليد " وسيلة إيضاح للحساب يرسمنها على السبورة لينجز من خلالها عملية حسابية. وعندما تتساءل معلمة "وليد" عن الأشكال المرسومة على السبورة يجيبها "وليد" :" إنها حجارة كتلك التي يحملها أخي "يوسف" معه كل مساء إلى البيت يعلمنا بها الحساب ثم يحملها معه في صباح الغد ليرمي بها الجنود "[وسيلة إيضاح]
وواضح إذن من هذا النص أو بالأحرى المشهد المقتطف من قصة (وسيلة إيضاح ) براعة القاص في توظيف تيمة "الحجارة" وجعلها بؤرة قصصه ومدار حوار شخصياته القصصية فهو يملك قدرة فنية عالية في جعل تيمة الحجارة السلك الحابك لمشاهد قصصه وحواراتها إذ توظَّف "الحجارة" توظيفا مزدوجا فهي كما في هذا المشهد سلاح ذو حدين –فهي وسيلة لإيضاح العمليات الحسابية- لدى الطفل وليد وفي ذات الوقت هي وسيلة لإثبات الهوية، وإثبات الذات البطلة باعتبارها سلاح "البطل" "يوسف" يرمي بها الجنـود الصهاينة وهي بالتالي تعبير عن قضيته التي أصبحت مرتبطة به ارتباطه بالماء والهواء والغذاء والتعليم ...
فما أحوجنا لمثل هذه القصص البطولية التي تخاطب أطفالنا بواقع مجريات الأحداث الفلسطينية تزرع فينا وفي أطفالنا الشجاعة والصمود والتضحية، فـ"مولاي أحمد صبير الإدريسي" قاص للأطفال بامتياز في الحين الذي تفتقد فيه الساحة أدبا ..نموذجيا لأطفالنا.
إن قصص المجموعة "فجر" تقدم للقارئ نموذج الأدب الرسالي المكتوب للطفل من خلال الرؤية الرسالية النظيفة الملتزمة بالواقعية والمبتعدة عن الخيال السلبي ذي الأثر السيئ على شخصية المتلقي، -خصوصا الطفل – والمتضمنة للقيم الدينية والخلقية المراعية لعادات وتقاليد المجتمع، انطلاقا من مبدأ الرسالة الخالدة :" نحن نقص عليك أحسن القصص " يوسف الآية 3. (2).
وكلنا يعلم مدى تأثير القصة ومشاهد القصة في نفسية قارئيها –وخصوصا الأطفال منهم – ومن ثم تكمن خطورة النوع الذي يكتب للطفل إذا ما كان ماجنا لا تربويا عاريا من الأخلاق النبيلة لسرعة تأثر الطفل به لما تكتسيه نفسية هذا الأخير من رهافة إحساس ونظافة مشاعر وفطرة صافية ...
ولقد نجح القاص/ أحمد صبير في رسم شخصيات قصصه رسما دقيقا مقنعا في سلوكها باعتبارها شخصيات بطولية –رغم صغرها تحمل رؤية إيمانية (3) تدعو إلى قيم أخلاقية، وقيم وطنية جهادية، شخصيات ذات مواقف تحترم الآخر في حدود علاقات الاحترام ..لكنها شخصيات صارمة لا تتنازل عن قضيتها العادلة ...
تناص تيمة "الحجارة" في مجموعة " فجر" القصصية، بموضوع الحجارة في النص القرآني.
تتـنامى تيمة الحجارة ضمن تجاويف نصوص المجموعة القصصية فجر، عبر دلالات أو إحالات نصية متداخلة / تتناص مع موضوع الحجارة في القرآن الكريم، استلهمتها الذات القاصة لتغذية مادتها القصصية عن طريق (الامتصاص والتحويل )(4) وجعلها منسجمة تارة، أو متعارضة تارة أخرى للتعبير بها عن دلالات مقصدية مباشرة وأحيانا غير مباشرة . ويمكن اختزال هذه الدلالات المتناصة ضمن الجدول التالي:
دلالاتها في نصوص المجموعة القصصية "فجر "
مرجعيتها
دلالات
تفجير دم النضال في عروق الطفل من خلال الحجر : (أجري الحجر في عروقه الندية دما دفاقا) (سخرة) تفجير غضب البطل ...
"وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار " البقرة /74
التفجير
دلالات تتـعلق بالحجارة في النص القرآني
(إنها فرصتنا لمعانقة الحجارة ورجم شياطين إسرائيل ) (اتفاق ) (لإنها حجارة كتلك التي يحملها أخي يوسف ..ليرمي بها الجنود ) (وسيلة إيضاح )
"وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل" الفيل / 4
الرمي
قساوة البشر فوق قساوة الحجر (انتفاض حجرة كريمة ) من منديل حريري معلنة انتماءها للمقاومة إلى جانب الطفل الفلسطيني البطل ساخطة على المتغطرسين المحتلين ..(حجرة كريمة)
"ثم قست قلوبكم فهي كالحجارة او أشد قسوة " البقرة / 74
القساوة
(عند الإشارة تتحول حجاراتهم قاذفات من صنع محلي وراجمات كالمطر القوي المتتابع (لم يبق لنا الصغار شيئا )
"جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل" هود / 82 .
الإمطار
(الأطفال الحجَّارة يحجِّرون الحجر، ويعدونه ليرمون به العدو ) يحجرون / يكسرون القطع الكبيرة (قاموس )
"وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء" ..." البقرة / 74
التشقق
وإذن فدلالات (التفجير –الرمي – القساوة –الإنظار –التشقق- إلخ ) كلها معانٍ مستوحاة من النص القرآني، امتاحتها الذات القاصة لأحمد صبير لتفجير خطابها القصصي من خلالها عبر رؤية قصصية مستبصرة، ومتبصرة للقضية الفلسطينية، متماهيا في ذلك بأبطالها، وشخصياتها، متأثرا بأحداثها الجسام..عبر متاهات نصوصه القصصية.
وتنجلي هذه الرؤية للقاص من خلال الطفل الفلسطيني الصغير/البطل، وهو يحمل قضيته معه في دواخله..لا يأبه بالعالم الخارجي وما تلفّه من صراعات، لكنه وهو الصغير، واعٍ بقضيته الوطنية…كلما دعت إلى ذلك الحاجة، كما في كثير من نصوص المجموعة..
* إشكالية البطل في مجموعة "فجر" القصصية :
بين البطل الإيجابي، والبطل السلبي:
يصادف القارئ في مجموعة "فجر" عند كل قصة قصيرة بطلا إيجابيا يتغير اسمه الشخصي. ولا يتغير اسمه الرمزي-المسكوت عنه في النصوص- (البطل الفلسطيني) بطل الحجارة لأنه صاحب قضية التصقت به، والتصق بها منذ نعومة أظفاره، هذا البطل الذي يفاجئُ القارئ في كل قصة من قصص المجموعة. هو بطل صغير كصغر الحجارة، قوي كقوتها، يتمثل في "الصغار" كالنمل يجمعون الحجارة، ويحرسونها في أنفة وكبرياء.[لم يبق لنا الصغار شيئا]
وفي شخصية "حسام" الطفل الذي خرج في سخرة ولم يعد إلا جثة هامدة وفي يده حجارة لم تنطلق بعد[سخرة]، وفي شخصية "فجر" الطفل الصغير الذي لا زال في حِجر أمه وهو يمسك حجارة بيده كان قد التقطها عند نزول الركاب من الحافلة ليدلي بها كبطاقة للجنود الإسرائيليين [فجر].
ولم يستثن القاص أحمد صبير من أبطاله الإيجابيين الصغار، البطلة الإيجابية وبنفس التعامل مع البطل. يتجلى ذلك في فراشات/ طفلات صغيرات يلعبن الحجلة بعيدا عن الفضوليين –إنهن (روضة، ونسيم، ووردة). وبحوزتهن ست حجرات وجدها الإسرائيليون عند القبض عليهن …[الحجلة].
يجعل القاص احمد صبير في مجموعته من البطل الإيجابي، بطلا ذا مواقف صلدة، تجعل من الجندي الإسرائيلي بطلا سلبيا/ شخصية سلبية. مسلوب الإرادة والقوة. مهزوز المواقف، يخيفه الطفل الصغير المقاوم، بما يملكه من شجاعة، وصمود، وبما يحمله من سلاح طبيعي، إنه الحجارة…
تماهى القاص بالبطل في نصوص "فجر"…
يتماهى القاص بالبطل من خلال تكليمه لأبطال قصصه كلام الإنسان العاقل، فيجعله يحلل ويفكر، ويدبر، ويحاور نفسه، بل أحيانا ينطق باسم "حجرة كريمة" لتفجير سخطه وغضبه على المتغطرسين من اليهود، وربما كان هذا القص تنفيسا له عما يختلج بكامنه، وهذا ناجم لا محالة عن إيمان القاص بقضية البطل، قضية الأمة العربية والإسلامية، وتتبع أحداث القضية بشكل واع جعل القاص / البطل الحاكي يخرج عن صمته ليكلم شخوص قصصه وأبطالها كما لو يتكلم هو مكانها..
ويمكن رصد هذا "التماهي" –نفسيا- من خلال عامل التأثر..تأثر القاص بالبطل طفل الحجارة، وبقضية البطل بكل مكوناتها..تأثرا : إيمانيا وعقائديا، تأثرا عاطفيا. إما باستخدام لغة مباشرة تكشف عن ذلك، او بمعاني متضمنة في النصوص القصصية…
مثل (إنها فرصتنا لمعانقة الحجارة، ورجم شياطين إسرائيل. ( [اتفاق]
(..كانت جموع المصلين تنساب في خشوع من أبواب المسجد صلاح الدين)[لم يبق لنا..]
(…وراجمات لا تصدأ..) [لم يبق لنا الصغار شيئا]
فكلمات (الرجم، ورجم الشياطين، وجموع المصلين المنسابة في خشوع…) تحيلنا على قاموس عقائدي يمتاح منه قاصنا أحمد صبير ما يعكس تأثره العقائدي.
أما التأثر العاطفي : فيتجلى في تعاطفه مع شخصيات قصصه وخصوصا الطفل/ البطل وهو يصور براءته ..كما في كثير من النصوص. مثل : ( لم تلتفت الفراشات لتحذيرات العم عباس ولا لنداءات الخالة نعمة…لأن شوقهن للعب بلغ حدا لا يحتمل..) [الحجلة].
(..صعد "وليد" ذو السنوات الخمس، منفوش الشعر كأنه عاد على التو من معركة، صعد يتململ في بذلة على غير مقاسه متعثرا في سرواله،ثم وقف أمام السبورة، وتطلع إلى العلمية الأولى بعينين تشعان ذكاء وحماسا..) [وسيلة إيضاح]..
كما يتضح في تعاطفه مع شخصيات غير البطل (صاح شيخ اشتعل منه الرأس واللحية بصوت يكاد يخنقه البكاء:
-ولا حجرة !
رد آخر باستغراب :
-لعل الكناسات الآلية مرت من هنا هذا الصباح.
وصاح ثالث وهو يشير بيديه إلى الأرض :
-ألا ترون ؟ لم يبق لنا الصغار شيئا.) [لم يبق لنا]
واضح أن هذه النصوص تضمنت ما تعكسه من تأثر عاطفي للقاص بالقضية مما يمنح نصوصه لذة القراءة، ومتعة التلقي في مضامينها المشحونة بالمعاناة والمحملة بهموم القضية..
بين الموضوعي والذاتي في مجموعة (فجر) القصصية :
نستخلص مما سلف "هيمنة" موضوع القضية على المجموعة القصصية واحتضانها للذات القاصة. باستثناء قصة واحدة هي [فطنة]، ويمكن تصنيف هذه الهيمنة كالتالي :
1- هيمنة الموضوع على الذات الحاكية او القاصة ← [علاقة مهيمنة]
2- إشكالية التداخل الذاتي بالموضوع [القصة / بالقاص والعكس] ← علاقة [تداخلية]
3- حلول القاص في شخصية البطل، وقضية البطل/ ضمن علاقة روحية ← [علاقة حلولية]
ويمكن استخلاص علاقات أخرى تضمنتها قصص المجموعة من خلال "الهيمنة".
وقد أشرنا إلى بعضها في بداية هذه الدراسة.
إضافة إلى هذه العلاقات المتداخلة التي أكسبت نصوص المجموعة..سمة التنوع.
فهي تتميز بالوحدة الموضوعية : الموضوع/ القصة –القضية/المركز. هذه الوحدة التي ترمز إلى توحد الأبطال –رغم تنوع أسمائهم –في البطل الواحد/ الطفل ءالفلسطيني. حامل القضية. هذه الوحدة التي تعني على المستوى الدلالي :
[الوحدة الإيجابية ≠ التفرقة ≠ التعدد السلبي..]
اللغة في قصص المجموعة "فجر":
لقد تميزت لغة المجموعة القصصية "فجر" بالتصويرية بحيث إنها ترسم ظلال لوحات فنية فيها من المشاهد التصويرية الفردية ما يشد القارئ إلى تتبع اللوحة عبر مشاهدها المنسجمة والمنسوجة من الحركات، والكلمات، والحوار، وذلك ضمن معجم لغوي متحرك ومحرك لهذه اللوحات القصصية يجعل القارئ/ المتلقي مشدودا من مقدمة المشهد إلى جريان الأحداث، إلى النهاية البطولية أو الاستشهادية الجميلة، في متعة سردية محبوكة تأسر المتلقي لا شعوريا إلى الانخراط اللامشروط بكل جوارحه وأحاسيسه في القضية..
وهذه بعض الأمثلة المبينة لذلك:
1-رسم لوحات عن طريق : معجم لغوي للحركات من خلال الأفعال :
* (خرج حسام من بيته… ← يجري مزهـوا←يقبض في يديه ..جرى بنفس الحماس. توقف قبالة سيل يتدفق صبيانا..تطلع بإعجاب..أنعش إيقاع الحجر عروقه..هتف ..لوح بيديه ..تردد أولا، لكنه انخرط، والتقط حجرة وأخرى، ثم انطلق…نسي السلة والسخرة..إلخ) [سخرة]
* (حملق الصغير في وجه الجندي ← تمعن في رأسه المغمور ..في خودة حديدية، مد يده بتثاقل نحو الجندي –تململ الركاب، مال بعضهم على بعض لمتابعة ما يجري …إلخ) [فجر]
2-رسم لوحات من طريق : الكلام، من خلال الحوار في :
1-حوار داخلي : البطل يحاور نفسه او يكلمها ….
كان البطل حسام : (يردد أنشودة لا يسمعها معه أحد : كيلو بطاطس، كيلو طماطم. زيت وزيتون..) [سخرة]
(خرج يجري وهو يستحضر عبارات المديح التي سيغمره بها والده عند عودته مساء…) [سخرة]
عودة البطل إدريس الذي (ألقى بجسمه المتعب أمام جهاز التلفاز… يتلمس مستجدات الأخبار ..حول الاتجاه إلى إحدى الفضائيات..رأى المذيعة "بتول" تطلع بوجهها المشرق وتبشر بخبر عاجل..سرى الخبر في جسم إدريس..تحسس جسده..ردد كالحالم :"فجر نفسه" يا إلهي أي جرس لهذه العبارة، وأي قاموس جليل يحضنها، وأي شاب هذا الذي يركب نفسه في هذا الإسناد الساحر؟) [خبر عاجل]
واضح إذن هذا المعجم اللغوي الأخاذ من الكلمات والجمل التي تعبر عن حضور حوار داخلي في نفسية البطل.
2- حوار خارجي: حوار البطل لشخوص ثانوية. وحوار البطل/ القاص لشخوص القصة.
-خروج جموع المصلين من المسجد في خشوع..يتلمسون الأرض بحثا عن حجارة..يصيح شيخ إشتعل منه الرأس واللحية بصوت يكاد يخنقه البكاء:
-ولا حجرة !!
رد آخر باستغراب :
-لعل الكناسات الآلية مرت من هنا هذا الصباح..إلخ الحوار) أنظر [لم يبق لنا الصغار شيئا..]
-اختيار "الخالة نسرين" التلميذ "وليد" لإنجاز أولى العمليات …تنوه الخالة نسرين بوليد يصفق الجميع لإنجازه وقبل أن يعود إلى مقعده تستفسره عن ماهية الأشكال التي رسمها لحل العملية…
حرك الصغير رأسه بالنفي وقال بصوت ناعم :
-إنها حجارة كتلك التي يحملها أخي "يوسف"..ليرمي بها العدو..) [وسيلة إيضاح]
-والحوار الذي دار بين البطل "ياسر" ومن خلاله الأطفال الآخرون وبين أستاذهم الذي اكتفى بوصفه والسكوت عن إعطائه اسما في القصة [قاموس] أنظر النص السابق.
ومن خلال التصوير والتعبير يبرع القاص في تكليم الحجر، وتحويله من غير العاقل إلى العاقل، لما للحجر والحجارة من قيمة نضالية قد يعجز عنها الإنسان..إذ تنتفض "حجرة كريمة" صارخة بعد أن تقدم صاحب العرض ليستلمها ! لتقول الحجرة :
"لست بالكريمة، ولستم من الكرماء ليتني حجرة جرانيت في يد طفل فلسطيني، أصنع معه مجدا او عزة او نصرا، ليتني حجرة جير أو صلصال أفلق جبين جندي متغطرس أو مستوطن محتل، تعسا لكم، أنا لا أريد أن أكون واسطة عقد على صدر غانية، ولا خاتما في أصبعها.." [حجرة كريمة]
3- رسم لوحات عن طريق : الحوار الصامت –أو الإشاري /لوحات ميمية .
لقد تخللت قصص المجموعة لوحات فنية صامتة الحوار وكأنها لوحات "ميمية" لعبت فيها النظرات الحاذقة للبطل او بعض الشخصيات دور الكلام، خارقة بذلك جدار الصمت الذي قد يصيب الأفواه المتشدقة بفارغ الكلام !
-(…ساد صمت رهيب، تبادل خلاله الصغار نظرات تحمل ألف معنى، …تناظر الصغار مرة أخرى، وحدقوا في ياسر بنظرات متوسلة يرجونه أن يتكلم…) [قاموس]
- (استوقف الجنديان الإسرائيليان حافلة ركاب قصد التحقيق معهم في الهوية. وعند الانتهاء تأخر جندي مداعبا الطفل/ البطل "فجر" في حجر أمه-وأنت- أين بطاقتك؟ فيأتي الرد الصامت : "حملق الصغير في وجه الجندي، وتمعن في رأسه المغمور كليا في خودة حديدية، وفي السلاح، مد يده بتثاقل نحو الجندي" [وفيه دلالة على الرفض للتصالح مع العدو]، (يتبع الركاب ما يجري دون أي كلام، برهة ينفلت الجندي مغضبا، ويغلق الباب بعنف على تصرف الطفل/ فجر دالا على انه لم ير ما يسره، ليأتي صوت الأم مكسرا جدار الصمت وحيرة المتتبعين/ حيرة القارئ/ المتلقي لتقول :" لقد أدلى ابني "فجر" ببطاقته. أتدرون ما بطاقته؟ إنها حجارة –التقطها عند نزولنا لإصلاح العطب الأول"[فجر].
- ونحن نتناول الجانب اللغوي لمجموعة "فجر" القصصية نصادف قاموسا مليئا بالتعابير، والكلمات والسمات المكونة للحقل الدلالي والمعرفي المشحون والمثقل بالدلالات النضالية والجهادية والمواقف البطولية من (حجارة، وتفجير، ورجم، ورمي، وانتفاض…) تتعلق بالقضية الفلسطينية. فتجد كل أشكال قواعد اللعبة اللغوية السردية من : حوارات داخلية، وخارجية، وحوارات صامتة/ إشارية/ميمية، ومعجم لغوي متحرك من : أفعال ماضية، ومضارعة، ومن تقنية ساحرة في استخدام اللغة الجادة والهادفة في حوار الشخصيات البطولية كأطفال مناضلين مثاليين، وفي استخدام اللغة بأشكال متنوعة في التعبير كلغة التهكم والاستصغار بالشخصيات السلبية المهزومة، والمهزوزة المواقف (شخصية الجندي الإسرائيلي). وأكتفي بهذا النص من قصة [فجر] للدلالة على لغة التهكم. (…استوقف الدرك الإسرائيلي الحافلة في حذر واستعلاء وتجمعوا حولها كجرذان على قطعة جبن…).
بناء على كل ما سبق يمكن القول بأن لغة المجموعة القصصية هي خطاب مفتوح من خلال القـاص/ البطل للقارئ –المتلقي (الطفل والأب على حد سواء) للانخراط مع شخصية البطل الفلسطيني في قضيته العادلة. هذا البطل الذي هو :
-رغم صغر سنه واع ومدرك كامل الإدراك لقضيته…
-وانه ليس ساذجا ولا مشدوها..
-وأنه يرفض الانخراط في المتاهة/"التصهين"، فلا يساوم..
ومن ثم فلغة هذه المجموعة تتميز بكونها لغة، رافضة للصمت إلا عن الحق.
لغة تبني المشاهد التشكيلية بالحروف والأفعال والسمات الدالة. وهي أيضا لغة العشق الإيماني المدفون في الأعماق المتوحد في الأمة من خلال القضية، لغة تقزيم العدو، والسخر منه ومن غطرسته في رسم لغوي…كاريكاتيري، وهي أخيرا لغة الباب الرحب لاستقبال القارئ –المتلقي في ضيافة العشق لعالم البطولة، والجهاد والشهادة..هذه اللغة/الوسيلة المعبرة التي "عانق" من خلاله الأديب م.أحمد صبير في قصصه القصيرة "فجر" هموم الشعب الفلسطيني المسلم، وهموم أطفاله "ممزقي المصير" بين عالم التمدرس، وعالم الانتفاضة، وعالم الاستقرار، لكنه "المصير الموحد" في قوة الحجارة، وصمود أطفالها…هذا "العناق" الذي لا ريب أنه نابع من "رؤية أدبية كونية!!"أسسها الخلق الإسلامي الفريد على قاعدة معنى الحديث الشريف "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"
الهوامش :
1-انظر د.محمد مفتاح / تحليل الخطاب الشعري –استراتيجية التناص.
2-مجلة الأدب الإسلامي –خصائص القصة الإسلامية القصيرة. ص /11. العدد/30. (2001)
3-المصدر السابق نفسه. ص11. عدد 30(2001).
4-انظر د.محمد مفتاح / تحليل الخطاب الشعري –استراتيجية التناص.[/b][/color]