منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    المنهج الانطباعي أو التأثري

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    المنهج الانطباعي أو التأثري Empty المنهج الانطباعي أو التأثري

    مُساهمة   الخميس يناير 28, 2010 1:32 pm


    إن أقدم منهج للنقد ظهر في التاريخ القديم هو المنهج الانطباعي أو التأثري ، لكن هذا المنهج لم يختف قط ، بل ظل قائما وضروريا حتى اليوم .

    والنقد الانطباعي له ارتباط وثيق بالقيمة ، لذلك فهذا النوع من النقد غير مستقل عن المدح أو الذم [1] . وهذا النقد يقوم به أناس اعتادوا بحكم طول مزاولتهم لقراءة الأدب على ما يقرؤون بالجودة أو الرداءة .
    والطابع الغالب على نقد الشعر في المغرب هو النقد الانطباعي ، ولا غرابة في ذلك ، لأن الناقد في المغرب ؛ وتأثرا بالنقاد القدامى ؛ كان يشعر بأنه قاض وحكم ، ومهمة القاضي تنتهي دائما بإصدار الحكم ، \' وأبسط صورة للحكم هي أن يعبر الناقد عن رضاه عن العمل الأدبي أو نفوره منه ، فيقول مثلا إنه جيد ، أو إنه رديء ، وقد يقول إنه حسن أو إنه قبيح \' [2] .

    ويقوم النقد الانطباعي على أسس واضحة هي الذوق وتغليب العاطفة والإحساس على العقل . والسمات الأساسية للنقد الانطباعي يمكن أن تلخص في أربع نقط هي :
    - 1 - التقريظ .
    - 2 - التجريح .
    - 3 - التستر .
    - 4 - الخصومة .
    ونبرز في هذا المقال السمة الأولى في النقد الانطباعي على أن نكمل باقي النقط في مقالات قادمة .

    التقريظ :

    نوع قديم من النقد الزائف ، ومن سماته أن يبدي الناقد استحسانه لنص ما إبداء عاما لا يستند إلى حجة أو دليل . وهو في أبسط مظاهره هب جميع أنواع المدح والإطراء على الشاعر دون الإتيان بأدنى ملاحظة أو فكرة مخالفة أو مؤيدة . وهذا الجانب كثير عند نقاد المغرب في الفترة المحددة للبحث ، مثل أن يصفوا القصيدة بأنها بديعة أو عجيبة ، أو أنها من غر القصائد سواء ارتبط الأمر ببيت شعري واحد أم بمجموعة أبيات ، أم بنص شعري واحد ، أم ارتبط بديوان من دواوين الشاعر أم بمجموع إنتاجه .
    فمن نماذج استحسان الناقد لأبيات يقرؤها تعليق عبد الله كنون على هذين البيتين للأمير أبي مالك عبد الرحمن المريني :
    فَرَّقْتَ فِي المَيْدانِ كُلَّ مَلِيكٍ وَجَمَعْتَ بَيْنَ جرَاءةٍ وَنُسُوكِ
    وَجَعَلْتَ للإسْلامِ حَدّاً مالِكاً كَيْلا يُعَـيِّرَهُ الـعِـدَا بِسُلوكِ
    \' وإني لأعجب بهذين البيتين حتى أرى أنهما أفضل ما قاله ملك مسلم من الشعر \' [3] .
    ويعجب الناقد نفسه بأبيات للقاسم بن إدريس ، ويسمو القاسم بها في نفسه سموا لا حد له، فيراها من ناحية البلاغة \' في الذروة العليا نصاعة لفظ ومتانة تركيب وانسجام معنى \' ، ومن ناحية القصد يراها \' تعبر عن نفس كبيرة وهمة عالية مترفعة عن سفاسف الحياة ومهازلها التي تقطع الأرحام وتجلب الموت الزؤام \' [4] .
    ويتجاوز الناقد أحيانا الإعجاب ببيت أو بيتين فيستحسن قصيدة بأكملها ؛ دون أن يثبت منها – طبعا – أي بيت ؛ فحين ينظم عبد الله القباج قصيدته في امتداح سلا يبادر الشنتوفي ؛ بطلب من الطيب عواد ؛ إلى تقريظها ، فيقول : \' فقسما بإكليلها والتاج ، وبفاتن حسنها الوهاج ، وببحر بهاها المجاج ، لو خيرت بين مقدمها كما هي تتباهى وتميس ، وتزري بالأنفس والنفيس ، وبين هيفاء تطاول وتراجز وتنادم وتخاصر وتتبدى وتماهر لكان ورودها أعشق ووصالها أرق . وماذا أقول فيها وهي بنت فكر من أهاب بنفيس المعاني فخَرَّت من الفرق بين يديه ساجدة ، فكان الانسجام فاكده والانطباع رافده ، فما على مثلي إلا أن يستسلم لسحرها الفعال ، ويدعو لربها القوال \' [5] .
    ويأتي دور عبد الله القباج لتقريظ قصيدة لعبد الأحد الكتاني ، فيقول : \' قرأت له منذ خمسة أشهر قصيدة كاملية مضمومة ، جيدة السبك ، متينة الأسلوب ، جزلة الألفاظ في موضوع تهنئة صاحب العظمة والجلال .. ولأخذها بمجامع قلبي أخبرت بها رصفائي وغير واحد من الوزراء والمديرين والرؤساء الذين ألحوا في طلب الاطلاع عليها ، ومن اطلع عليها منهم أخذه أضعاف ما أخذني من الإعجاب \' [6] .
    ويمتزج الإعجاب أحيانا بالشاعر وقصيدته ، وهو أمر يصدق على أحمد النميشي الذي ترجم للأديب ابن آجروم فأعجب به وبقصيدته ، قائلا : \' علم من أعلام الأدباء ، وشعلة من البلاغة والذكاء . ومن شعره قصيدة طنانة يصف بها بعض المناظر الطبيعية خارج باب الفتوح إحدى أبواب فاس ، مطلعها :
    أيُّها العارِفُون قَدْرَ الصَّبُوحِ جَدِّدُوا أنْسَنا بِبابِ الفُتوحِ
    حيْثُ شابَتْ مَفارِقُ اللوزِ نُوراً وتَساقَطْنَ كاللجيْنِ الصَّريحِ [7]
    ومن مجاملات الشاعر للشاعر تهنئة إدريس الكتاني للشاعر أحمد البقالي على قصيدته (هلال رمضان في قرانا ) لأنها – في نظره – \' من روائع شعر الشباب المغربي الحديث \' [8] .
    ويستحسن أحمد زياد قصيدة للشاعر عبد الرحمن الدكالي لأنها قيلت في مناسبة عيد العرش ، ولأنها \' كانت تقطع مرارا بالتصفيق والهتاف عند إلقائها \' [9] .
    ويعجب كذلك بقصيدة لعبد الله إبراهيم الذي لم يعرفه شاعرا من قبل ، فيقول : \'فقصيده يضم أبياتا عامرة بالشعور الحي والإحساس الدقيق ، وهو في هذه القصيدة شاعر يهز النفوس عند سماعه ، فخليق بشعره أن يقال له شعر \' [10] .
    ويقرأ الناقد نفسه قصيدة للشاعر محمد الحلوي لا يذكر حتى عنوانها ، فيعجب بها لأنه قرأها وردد قراءتها وأبياتها مثنى وثلاث ورباع فلم يصبه ملل ، ولم يعتره كلل [11] .
    وانطباعات زياد كثيرة لا تحصى ، ونكتفي بهذين النموذجين ؛ الأول ورد في ثنايا قراءته لقصيدة ( اليد الراحمة ) للشاعر عبد السلام العلوي ، فقال عنها : \' فاليد الراحمة قطعة تمسك في إحساسك وتثير فيك مكامن الشعور ، وتتذوق منها حلاوة الشعر الملقح فتعيد وتستزيد \' [12] .
    أما النموذج الثاني فقد ورد في ثنايا قراءته قصيدة لأحد شعراء سوس فقال : \' محمد ابن عبد الله العثماني لم تسبق لنا معرفة بإنتاجه ، إلا أنه استطاع أن يرغمنا على النظر والإعادة في قصيدته (عواطف مخلص نحو العرش ) ، وهي بحق عواطف مخلص تلبس جلبابا رائعا شعريا يستحق التنويه \' [13] .
    ويقرأ عبد الكريم غلاب القصائد المنشورة في العدد العاشر من مجلة دعوة الحق فيعجب بقصيدة ( نهر السين ) لمحمد الناصري لأن \' فيها تصويرا لا بأس به \' [14] . ومثل هذا التعليق من صميم النقد الانطباعي الذي لا يعلل فيه الناقد لماذا استحسن هذه القصيدة .
    ويهيم سعي حجي بقصيدة لعباس محمود العقاد تحمل عنوان ( الكون والحياة ) فيقول : \'فلا تقع عيناك على قصيدة له حتى يجردك مما حولك من الاعتبارات الضيقة ليصلك بالكون الواسع فهذه قصيدته التي عنوانها ( الكون والحياة ) لا تكاد تقرؤها حتى تراه يسائلك في عمق وغور سحيقين أيهما أكبر : الكون أم الحياة الإنسانية ؟ \' [15] .
    إن ما نلمسه من النماذج السابقة هو أن الناقد لا يقدم قراءة للقصيدة الشعرية ، وإنما يقدم لنا نصا تقريظيا لقصيدة شعرية أبسط ما ينعت به هو بعده عنها معنى ومبنى ، إنه – كما يقول مصطفى الشليح – \' نص مطلق وصالح لتوظيفه في تناول أي قصيدة \' [16] .

    وامتد أمر المبالغة في التقريظ والتحلية إلى القول بصعوبة الموازنة والمفاضلة بين الشعراء لأن \' التفضيل بين المجيدين منهم على وجه القطع واليقين لا يمكن حال ، لأن لكل شاعر من المجيدين مزية يمتاز فيها في شعره ربما لا تتفق لغيره من الشعراء ، فشاعر جيد السبك ، متين الأسلوب ، جزل اللفظ ، وآخر عذب الألفاظ ، رقيق الأسلوب ، يذهب في شعره مذهب السهل الممتنع الذي يطعمك ظاهره ، فإذا أنت حاولته فهو الصخر صلابة ومتانة \' [17] .
    وينتقل الإعجاب والاستحسان والتقريظ من البيت الواحد والقصيدة الواحدة إلى ديوان الشاعر ؛ أو شعره كله ؛ ومن نماذج ذلك المقالة التي خص بها عبد الله كنون ديوان ( لمحات الأمل ) للشاعر عبد القادر المقدم ، حيث أعجب بما يحمله هذا الديوان من معاني وجدانية ومشاعر إنسانية صادقة ، وبما يتضمنه من وصف رومانسي للوطن والطبيعة ، فضلا عن خلوه من عيـوب اللغة والعروض والقافية [18] .
    ولا تخرج قراءة أحمد زياد للديوان نفسه عن الأحكام العامة التي تفتقر إلى التحليل والتعليل ؛ وإن كانت تختلف عن قراءة كنون في الأسلوب ؛ لأنها لا تلجأ إلى البحث عن مبررات للاستحسان أو التقريظ ، ولكنها تكتفي بقولها مثلا : \' هذا شعر لا بأس به \' ، وهي عبارة تكشف فعلا عن انطباعية زياد الجوفاء ، يقول : \' وتختلف قطع ( لمحات الأمل ) من ناحية الجودة والإتقان ، ففيها الحلو اللذيذ البالغ أشده في الحلاوة واللذاذة ، وفيها المتوسط الذي نقول عند قراءته لا بأس به ، وفيها قليل من الشعر البدهي الذي يجيء عفوا فينظم عفوا ويقرأ عفوا \' [19] .
    وخلف نشر ديوان ( أحلام الفجر ) للشاعر عبد القادر حسن كثيرا من الانطباعات منها إقرار أحمد زياد بأن جمع الديوان في طياته بين الجيد والرديء لا يقلل من مضاهاة جيد الشاعر للعديد من القصائد الشعرية بمصر [20] . وقد مثل له في ذلك بقصيدة وطنية رائعة والأخرى في الذكرى الألفية لوفاة المتنبي .
    ويقرأ عبد الله كنون ديوان الشاعر القروي فيعجب به لكونه \' مرآة صافية تمثل نفسه وبيئته وقومه العرب في كل ما له أو لهم من آمال وآلام وماض وحاضر ، فلا إقليمية ولا طائفية ولا تفرنج ولا نزعة من النزعات الطائشة \' [21] .
    إن انطباعية كنون من خلال النموذج الثاني ليست ذاتية أو جوفاء ، وإنما هي انطباعية تحكمها مرجعية الظرف السياسي الذي كان يتحكم في زمام الأمور ، فآثر الناقد الشعر الذي يدعو إلى الوطنية وينبذ العرقية والإقليمية الضيقة .
    ونطمئن إلى هذا الحكم كثيرا حين نقرأ لكنون قوله : \' والشعور الوطني عند صاحبنا القروي لا يتركز مطلقا في تلك البقعة الضيقة من بلاد العرب التي هي لبنان .. وإنما هو على العكس يتركز في الوطنية العربية العامة التي تنتظم بلاد العرب جمعاء \' [22] .
    وغير بعيد عن انطباعية كنون الموضوعية نجد علال الفاسي يستحسن ديوان (أنت أنت) للشاعر الحوماني لأن هذا الأخير وفق في اختيار الموضوع الذي يتناوله الديوان، وهو مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    ولا شك في أن مرجعية علال الفاسي لا تختلف عن مرجعية كنون ، فكلاهما يرى أن تمجيد النظام الإسلامي ، والدعوة إليه هو الأصلح لهذه الأمة [23] . وإذا كان كنون قد استحسن ديوان الشاعر القروي لأنه يحمل فكرا إصلاحيا ، ويدعو إلى التماسك والتآزر ، فإن علال الفاسي يستحسن ديوان الحوماني للأسباب نفسها تقريبا ، يقول : \' فديوانه الجديد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعد تحفة فنية فحسب ، ولكنه إلى جانب ذلك ثورة قام بها الشاعر ذاته على نفسه ، وعلى أهواء عصره ومغريات جيله ، وهو دعوة صادقة لنا جميعا لنحذو حذوه ، ونلجأ لنبع الصفا ومورد اليقين محمد عليه السلام ، وإلى تعاليمه الخالدة التي فيها وحدها خلاصنا في الآخرة الأولى \' [24] .
    وبعيدا عن مقومات الدين والقومية كما تمثلهما علال الفاسي وعبد الله كنون يعجب محمد الصباغ بديوان ( لكل زهرة عبير ) للشاعر شفيق معلوف . وهو إعجاب يعود – لا محالة – إلى تمثل الأديب المغربي للمذهب الرمزي كما ظهر عند المشارقة بدليل تعليقه : \'يلمح القارئ من هذا الديوان أن شفيق معلوف ينسج على منوال ما قل ودل . فالأفكار التي نسجها جاءت شعرا يتسابق حكما وعبرا على أنغام شجية يعلوها الخيال الأثيري ، ويكسوها الفكر البكر ، وتنطلق بها النغمة الرقيقة في أبيات محسوبة غير محشوة بالألفاظ والمعاني التي تلوك الشعر وتسفل به ، وتجعله هدرا منظوما \' [25] .
    إنه تمجيد للشعر الجديد الذي ينحو منحى رمزيا أو رومانسيا بدليل إعجاب الصباغ – لا بقومية شفيق معلوف ، ولا بإسلاميته – وإنما بنسجه على منوال المجددين من خلال الأفكار الخيالية الأثيرية الجديدة ، ومن خلال الأنغام العذبة ، وهي أهم مقومات هذا المذهب.
    وقريبا من هذه الأحكام التأثرية نقرأ حكما لناقد رمز لاسمه بـ ( أبو الطيب ) ، وهو ينتقد ديوان ( الأعشاب ) لمحمود أبي الوفا قال فيه : \' إن ديوانه هذا سجل لحياته الأدبية في حقبة من الدهر عرض فيه صورا فنية رائعة ارتفع فيها إلى حد الإبداع \' [26] .
    وهذه الأحكام في جوهرها – إن كان لها جوهر – هي أحاديث وتدبيجات وصفية وانطباعية تفيض عفو الخاطر ، لا منطلق لها ولا هدف .
    وإذا تركنا النصوص الشعرية المستحسنة جانبا ؛ سواء أكانت أبياتا أم قصائد أم دواوين؛ نلتقي مع مظاهر عديدة للتقريظ والإطراء منها الألقاب أو الصفات التي تطلق جزافا على الشعراء .
    ومن نماذج ذلك ما نقرؤه لأحمد النميشي وهو يترجم للشاعر احمد المواز : \' شيخ القريض ورب الملكة الواسعة والباع الطويل العريض ، خدم الأدب شابا وكهلا ، وانتصب للرياسة على ذويه ، فكان أحق بها وأولى ، له من يواقيت الأشعار ما يرمق بعين الإكبار \' [27] .
    ويقول عن الشاعر مالك بن المرحل : \' كان شاعرا مطبوعا ، سيال القريحة ، سريع البديهة \' [28] .
    ويقول عن أبي حامد محمد العربي بن الشيخ : \' العلامة الأديب النابغة .. كانت له في الشعر قريحة سيالة \' [29].
    ومثل هذه الأوصاف كثيرة في كتابات المغاربة ؛ لا تحصى ولا تعد ؛ غير أنها إخبارية لأنها لا تتسلل إلى داخل النص ، وإنما تقف خارجه ، وهذه أمثلة من ذلك ..
    يقول عبد الله القباج عن شاعر يدعى عبد الرحمن المدني : \' له شعر يستوقف الأطيار ويستنزل الأقمار \' [30] .
    ويقول عن شعر ملازمه محمد بوجندار : \' وشعره يسري مع الصبا ، ويذكر الشيخ في عهد الصبا ، ويخاطبه الربيع بمرحبا \' [31] .
    ومحمد غريط – في نظر القباج – شاعر \' إذا كتب حبر ، وإذا نظم أسكر ، أشعر من بفاس باتفاق من جميع الناس \' [32] .
    ويحكم أبو القاسم محمد على شعر مالك بن المرحل فيقول : \' أما شعره ؛ فإننا وإن لم نتوصل حتى بجزء يسير منه ؛ نستطيع أن نحكم عليه حكما صائبا ، فإنـه شعـر قـوي الأسلوب، وافر المادة ، فيه إبداع وتجديد ، وفيه روعة وجمال \' [33] .
    وقريبا من هذا الحكم يقول أحمد زياد ؛ وهو يحاول قراءة شعر إمام العبد : \' يظهر من شعره الفصيح الذي لم يصلنا منه إلا النزر اليسير أن الرجل كان شاعرا فحلا ، سلس العبارة ، خفيف الروح ، مرح القلب ، فكه الأسلوب \' [34] .
    ونتساءل من ناحيتنا كيف يمكن للناقدين ( أبو القاسم محمد وأحمد زياد ) أن يصيبا في حكميهما وهما يعترفان أنهما لم يتوصلا إلا بجزء يسير من أشعار الشاعرين ؟

    إن هذه الصفات والألقاب وإن كانت تلزم حقا قدر بعض الشعراء ، فهي لا تغني النقد الشعري الحق في شيء . وأوصاف وأحكام مثل هذه ؛ في غياب أي دليل وافر من شعرهم ؛ تبقى أقرب إلى المجاملة والإطراء .
    ومن مظاهر التقريظ النزعة الدفاعية التي طغت على كتابات كثير من نقاد المغرب ، ويلمس ذلك بوضوح في العروض التي ألقيت في المهرجانيين الذين أقيما لأمير الشعراء ولأبي الطيب المتنبي .
    لقد اتسم نقد المغاربة للشاعرين المذكورين بالنزعة الدفاعية ، فحاولوا في كل القضايا التي أثاروها عن حياة الشاعرين التماس الأعذار لهما ، وتبرئة ساحتهما مما نبزا بهما [35] . فأحمد شوقي والمتنبي ليس مجرد شاعرين عربيين كسائر الشعراء . إن أحمد شوقي – في نظرهم – \'شاعر العروبة قبل أن يكون شاعر مصر وحدها ، وصوت القومية العامة في الشعوب .. والمنافح عن الإسلام في شعره الخالد ، والمتغني بمجده التالد ، والمرجع لشكوى الأمم المظلومة ، والمجاهر بحقوقها المهضومة ، وما ذلك إلا قضاء مـنه للواجب المفروض ، واجب الرابطة الأخوية والجامعة الإسلامية \' [36] .
    لقد كان المتنبي وشوقي رمزين للعروبة وللحس القومي الذي تفجر بعد إعلان الظهير البربري ، وهو الأمر الذي جعلهم يدافعون وينافحون عنهما ، فجعلوا حياتهما وآثارهما مثالا يحتذى .
    ولم تمنع الدعوة إلى القومية العربية تعصب كثير من المغاربة إلى أدباء المغرب وشعرائه، فعبد الله كنون مثلا يعتز بمغربية سابق البربري \' الذي احتج به أهل العربية وعلماء البلاغة ، وقربه الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، مما يعطيك أن شعره كان مرآة لسلوكه وأخلاقه \' [37] .
    وتعصب كنون لسابق البربري ودفاعه عنه له دوافعه ومبرراته ، فحين يقرأ قصيدة دينية للشاعر يقول : \' فهذه قصيدة من أحسن شعر سابق ، وأحفله بالموعظة والتذكير . ولو لم يكن له إلا هي لكانت أصدق برهان على تألهه وشاعريته التي خضع لها عمر بن عبد العزيز مع ما عرف من تأبيه على الشعراء وامتناعه من مقابلتهم \' [38] .
    ويدافع الناقد عن شاعر آخر فيقول : \' كان أبو الحسن هذا فقيها ، غزير المشاركة في العلوم ، ذا باع طويل في الأدب وفنونه ، شاعرا متفننا ، بديع القول ، بعيد الغوص على المعاني الجميلة ، سالما من التقعر والتكلف \' [39].
    هكذا يطلق عبد الله كنون مصطلحات وألقابا متنوعة على شعراء قالوا جل قصائدهم ومقطوعاتهم في أغراض لا تخرج عن نطاق الخير ، بما فيه من زهد وموعظة وحكمة ومعــان دينية أخرى [40] ، وكل شاعر نظم في هذه الأغراض فهو لا محالة شاعر فحل ومجيد ، ويستحق أن يدافع عنه .
    وأبرز مأخذ على هذا النقد الذي يعتمد على التقريظ والإطراء هو تطبيقه لمعايير خارجية على الفن ، مما ينتج عنه \' أن يصبح الأدباء لا يتفاضلون بآثارهم ومواهبهم ، وإنما بكلمات ثناء قالها فيهم نفر من النقاد \' [41] .
    ويتحدث عبد العلي الوزاني عن التقريظ ، مبينا خطورة مثل هذا النقد فيقول : \' الاعتماد على معايير خارجية في الحكم على الأدب يصل إلى نتائج زائفة لأنه يتخذ من المادة الأدبية مطية للوصول إلى مادة أو شهرة ، ويظهر ذلك في استغلال الناشئة للحكم على الصور الأدبية ؛ لا بعناصر القوة في الشكل والروح ؛ بل بما يتفق ورغبة السواد من الجمهور \' [42] .
    إن الإطراء والتقريظ لون متخلف من ألوان النقد ، وإذا انتسب للنقد فمن موقع ما يتركه في المقرظ والناقد من أثر . وباب التقريظ يمكن تأطيره في مجال الإخوانيات الذي لا يخرج عن الثرثرة اللفظية وعن المحاباة .
    إن التقريظ يقف خارج النص ، ولا يحاوره ، وما كان له أن يحاوره وقد سيرته الذاكرة ، وقاده الافتعال ، وساقه التكلف ، لأنه لا يرقى إلى درجة الإرهاص الذي ينبئ بميلاد النقد [43] . وإيرادنا له لم يأت إلا لبسط الكيفية التي كان يعتمدها النظر في بعض الأعمال الشعرية ، وهو نظر متخلف وقاصر .

    الهوامش :
    [1] - الأدب وفنونه : محمد مندور – ص : 128 – دار نهضة مصر للطبع والنشر – القاهرة – ( دون تاريخ ) .
    [2] - الأدب وفنونه : عز الدين إسماعيل – ص : 108 – دار الفكر العربي – ط 6 – 1976 .
    [3] - أمراؤنا الشعراء – ص : 37 – 38 .
    [4] - نفسه – ص : 12 – 13 .
    [5] - الحياة الأدبية في سلا : مصطفى الشليح – ص : 272 .
    [6] - الأدب والأدباء والشعر والشعراء – السعادة – ع 3166 – 8 جمادى الأولى 1346 - 3 نونبر 1927 – ص : 1 .
    [7] - تاريخ الشعر والشعراء بفاس – ص : 52 .
    [8] - العدد الماضي في الميزان – دعوة الحق – ع 8 – س 2 – ذو القعدة 1378 – مايو 1959 – ص: 82 .
    [9] - الأدب في أسبوع – العلم – ع 382 – 19 محرم 1367 - 3 دجنبر – 1947 – ص : 4 .
    [10] - الأدب في أسبوع – العلم –ع 374 – 9 محرم 1367 -23 نونبر– 1947 – ص: 4 .
    [11] - الأدب في أسبوع – العلم – ع 386 – 23 محرم 1367 - 7 دجنبر – 1947 – ص : 4 .
    [12] - حديث الأديب – العلم – ع 563 – 22 شعبان 1367 - 30 يونيو – 1948 – ص : 4 .
    [13] - الأدب في أسبوع – العلم – ع 374 – 9 محرم 1367 - 23 نونبر 1947 – ص : 4 .
    [14] - العدد الماضي في الميزان – دعوة الحق – ع 1 – س 2 – ربيع الثاني 1378 – نونبر 1958 – ص : 73 .
    [15] - ساعة مع الأديب الجبار العقاد – السلام – ج – مارس 1934 –وانظر سعيد حجي لأبي بكر القادري – ج 2 – ص : 37.
    [16] - الحياة الأدبية في سلا – ص : 272 .
    [17] - مسامرة الشعر والشعراء : عبد الله القباج – ص : 12 – 13 .
    [18] - واحة الفكر - ص : 171 – وانظر أيضا مقدمة ديوان ( لمحات الأمل ) .
    [19] - حديث الأديب : لمحات الأمل – العلم – ع 557 – 15 شعبان 1367 - 23 يونيو – 1948 – ص : 4 .
    [20] - رأي في أحلام الفجر – جريدة المغرب – ع 168 – 20 يوليوز 1939 – ص : 3 .
    [21] - خل وبقل – ص : 269 .
    [22] - نفسه – ص : 268 .
    [23] - مع الشاعر الحوماني في ديوانه أنت أنت – دعوة الحق – ع 3 – س3 – جمادى الأولى 1379 – دجنبر 1959 – ص :68 .
    [24] - نفسه .
    [25] - لكل زهرة عبير – رسالة المغرب – ع 136 – ربيع الثاني 1371 – يناير 1952 – ص : 23 .
    [26] - ديوان الأعشاب – مجلة المغرب – ع 4 – س4 – أبريل 1935 – ص : 9 .
    [27] - تاريخ الشعر والشعراء بفاس – ص : 100 .
    [28] - نفسه – ص : 45 .
    [29] - نفسه – ص : 68 .
    [30] - الشعر والشعراء - السعادة – ع 2486 – 22 فبراير – 1923 .
    [31] - مسامرة أدبية – ص : 40 .
    [32] - نفسه – ص : 47 .
    [33] - مالك بن المرحل – رسالة الأديب - ع 4 – أبريل 1958 – ص : 10 .
    [34] - حديث الأديب : إمام العبد – العلم – ع 570 – رمضان 1367 - 8 يوليوز 1948 – ص : 4 .
    [35] - الدراسة الأدبية بالمغرب .. : أحمد الشايب – ص : 183 .
    [36] - شوقي شاعر العروبة : محمد بن العباس القباج – يوم شوقي بفاس – ص : 102 .
    [37] - سابق البربري –دعوة الحق–ع1 – س2 –ربيع الأول 1378 – شتنبر 1958 – ص :19 - وانظر : خل وبقل – ص: 22 .
    [38] - نفسه – ص : 18 .
    [39] - الشامي – رسالة المغرب – ع 136 – ربيع الثاني 1371 - يناير 1952 – ص : 17 .
    [40] - الدراسة الأدبية في المغرب .. : أحمد الشايب – ص : 181 .
    [41] - حراس الأدب نقاده : عبد العلي الوزاني – الأثير –ع 59 -31 مايو 1952 – ص: 5 .
    [42] - نفسه .
    [43] - الحياة الأدبية في سلا : مصطفى الشليح – ص : 273 .



    رد مع اقتباس

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 5:19 am