[نظرات في مصطلحات اللسانيات النصية (Textual Linguistic )
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
منذ أن ظهرت اللسانية وهي تطرح إشكالية العلاقة بين (المشار والمشار إليه) أو بين ( الدال والمدلول ) في علاقات اعتباطية لم تكتف بالإشارة إلى العلاقة بين الأسماء والمسميات ، وبالتالي بين التصور والمفهومات ، وإنما تحاول إشراك الوعي الإبداعي في إثراء هذه العلاقات ، خاصة وأن صلة النص الإبداعي بمدلوله الخارجي هي نموذج مبسط لعلاقة اللغة والعالم .
واللسانية منذ بزوغ فجرها على يد دي سوسير وهي تحاول الغوص على تحليل مكونات اللغة ، وتقديم نموذج لتحليل الخطاب وعناصره المترابطة مثلما نجد في أعمال ( هاريس ، وبنفيست ، وتشومسكي ) من تناولات تحليلية لمستويات القول من أصغر وحدة ( المفردة ) إلى أكبر وحدة ( الخطاب ) . و ذلك بالاعتماد على إجراءات ( اللسانيات الوصفيةDescriptive Linguistics ) بهدف اكتشاف ( بنية النصStructure of The Text ) ، ومن ثم الاعتماد على دراسة العلاقات التوزيعية بين الجمل من ناحية ، ثم ربط اللغة بسياق الموقف الاجتماعي من ناحية أخرى ( ). لكن سرعان ما تحول الأمر إلى الانكفاء التحليلي على دراسة ( لسانيات النص ) أو ما عُرِفَ بـ( اللسانيات النصية Textual Linguistic ) التي قامت على تحليل ( نحو النصText Grammar ) .
إذن نستطيع أن نضع أيدينا على مفهوم شبه محدد للسانيات النصية يتمثل في كونه الاتجاه الذي يتخذ من ( النص ) محوراً للتحليل اللساني ، فهو يبدأ من النص وينتهي به . ولهذا الاتجاه مجموعة من المصطلحات يعتمد عليها في أداء ما يوكل إليه من نماذج تحليلية ، ويستمد منها الكثير من العلاقات والمحددات الأسلوبية والنصية . ونحاول أن نقف عند بعض هذه المصطلحات كما يلي :
المصطلح الأول : ( نَحْو الجملة Sentence Grammar ) ( )
يتخذ هذا المصطلح من الجملة وحدة كبرى للتحليل اللغوي ، ويقف عندها كمكون نحوي أساسي في هذا التحليل ، دون أن يتطرق لما وراء الجملة ، أو محددات السياق الذي يحيط بها . وقد نشأت فكرة ( نحو الجملة ) في إطار الدراسات اللغوية التي استظلت بفكرة ( البنيويةStructuralism ) واتخذت في تطورها مسارات مختلفة ، وأولت جانبا من همومها النظرية والتطبيقية لدراسة العمل الأدبي باعتباره نمطاً متميزاً من أنماط الاستعمال اللغوي ( ). إلاّ هذا المصطلح لقي الكثير من أوجه الاعتراض بزعم قصوره عن متابعة التحليل بدقة ، فاقتُرِحَ مصطلح (نَحْو النصText Grammar ) .
المصطلح الثاني : ( نَحْو النص Text Grammar )
يبدأ عمل هذا المصطلح على أنقاض مصطلح ( نحو الجملة ) وذلك لعدة أمور تتمثل في :
1– الجملة ليست كافية لكل مسائل الوصف اللغوي ، فالحكم بقبول ( جملة ما ) دلالياً لا يمكن أن ينفصل عن السابقة عليها ، دون الوقوف عليها وحدها .
2- أهمل مصطلح ( نحو الجملة ) السياق الاجتماعي رغم أهميته الكبرى في الدراسة اللغوية . فاللغة عبارة عن وسيلة اتصال بين أفراد المجتمع بهدف التوصل إلى غايات مقصودة ( ) . كما أن السياق من أهم عوامل الاتصال وأداء المعنى ( ). وفي ذلك الإطار يقول د . سعد مصلوح : " إن الفهم الحق للظاهرة اللسانية يوجب دراسة اللغة دراسة نصية ، وليس باجتزاء البحث عن نماذجها ، وتهميش دراسة المعنى كما ظهر في اللسانيات البلومفيلدية أول أمرها . ومن ثم كان التمرد على ( نحو الجملة ) والاتجاه إلى ( نحو النص ) أمراً متوقعاً ، واتجاهاً أكثر اتساقاً مع الطبيعة العلمية للدرس اللساني الحديث " ( ).
إن مصطلح ( نحو النص ) بهذا المفهوم المتفادي لأخطاء ومزالق مصطلح ( نحو الجملة ) قادر على معالجة العلاقات النحوية فيما وراء الجملة ، وعلى وصف الخواص الأسلوبية التي تحقق الاستمرارية البنيوية للنص Structural continuity ، ووسائل السبك اللغوية والمضمونية ( ). و( نحو النص ) يعمل بهذا المفهوم على تجاوز الدلالة الموجودة في المفردات ليصل إلى الترميز الملفوظي داخل التراكيب ، ويكتشف العلاقات القائمة بين عناصر الجمل النصية في قواعدها الشكلية التي أوجدها بالطريقة التي تسمح بانسجام عناصر الكلمة ثم الجملة ثم النص في تكامل وظيفي يؤدي إلى المعنى المراد ( ).
وإذا كانت الجملة ( وحدة نحوية ) ، فالنص ليس وحدة نحوية أوسع ، أو مجرد مجموع ( جُمَل ) كبرى ، إنما هو وحدة دلالية لها معنى سياقي يتحقق في شكل ( جمل ) . وهذا ما يفسر علاقة الجملة بالنص ؛ إذ هي المجسد الأول للوحدة الدلالية الكبرى التي يشكلها (النص) في موقف اتصالي معين .
الهوامش :
1. - د. خالد سليكي ، من النقد المعياري إلى التحليل اللساني ، عالم الفكر،الكويت، مج 3 ،ع 1، ديسمبر1994 ،401 .
2. - د. مازن الوعر ، نظرية تحليل الخطاب ، مجلة الموقف الأدبي ، دمشق ،ع 385 ، أيار 2003 ، 153 – 164 .
3. - ينظر : د. سعد مصلوح ، الأسلوب دراسة لغوية إحصائية ، عالم الكتب ، القاهرة ، ط3 ، 1992 ، 29 . - د. سعد مصلوح ، في النص الأدبي دراسة أسلوبية إحصائية ، عين للدراسات والبحوث ، القاهرة ، 1993 ، 28 .
- د. جميل عبد المجيد ، البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1998 ، 66 . - د. محمد خطابي ، لسانيات النص ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، 1991 ، 28 .
4. - د . يحيى أحمد ، الاتجاه الوظيفي ودوره في تحليل اللغة ، عالم الفكر، الكويت،مج 20 ،ع 3 ، ديسمبر1989 ،71 .
5. - ينظر : د . إبراهيم أنيس ، دلالة الألفاظ ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، ط3 ، 1976 ، 48 – 51 .
- د. أحمد مختار عمر ، علم الدلالة ، عالم الكتب ، القاهرة ، ط2 ، 1988 ، 68 .
- د. منقور عبد الجليل ، علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي ، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، 2001 ، 76 .
- ستيفن أولمان ، دور الكلمة في اللغة ، ترجمة : د. كمال بشر ، مكتبة الشباب ، القاهرة ، 1988 ، 6 .
- بيير جيرو ، علم الدلالة ، ترجمة : د. منذر عياشي ، معهد الإنماء العربي ، حلب ، 1994 ، 51 .
6. - د. سعد مصلوح ، مشكل العلاقة بين البلاغة العربية والأسلوبيات اللسانية ، ( ضمن كتاب : قراءة جديدة لتراثنا النقدي ) ، النادي الأدبي الثقافي ، جدة ، 1988 ، 2 / 860 .
7. - المرجع السابق ، 2 / 862 .
8. - د. خيرة حمزة العين ، لسانيات النص ، مجلة علامات في النقد ، النادي الأدبي الثقافي ، جدة ، مج 10 ، ع 38 ، ديسمبر 2000 ، 349 .[/b][/color]
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
منذ أن ظهرت اللسانية وهي تطرح إشكالية العلاقة بين (المشار والمشار إليه) أو بين ( الدال والمدلول ) في علاقات اعتباطية لم تكتف بالإشارة إلى العلاقة بين الأسماء والمسميات ، وبالتالي بين التصور والمفهومات ، وإنما تحاول إشراك الوعي الإبداعي في إثراء هذه العلاقات ، خاصة وأن صلة النص الإبداعي بمدلوله الخارجي هي نموذج مبسط لعلاقة اللغة والعالم .
واللسانية منذ بزوغ فجرها على يد دي سوسير وهي تحاول الغوص على تحليل مكونات اللغة ، وتقديم نموذج لتحليل الخطاب وعناصره المترابطة مثلما نجد في أعمال ( هاريس ، وبنفيست ، وتشومسكي ) من تناولات تحليلية لمستويات القول من أصغر وحدة ( المفردة ) إلى أكبر وحدة ( الخطاب ) . و ذلك بالاعتماد على إجراءات ( اللسانيات الوصفيةDescriptive Linguistics ) بهدف اكتشاف ( بنية النصStructure of The Text ) ، ومن ثم الاعتماد على دراسة العلاقات التوزيعية بين الجمل من ناحية ، ثم ربط اللغة بسياق الموقف الاجتماعي من ناحية أخرى ( ). لكن سرعان ما تحول الأمر إلى الانكفاء التحليلي على دراسة ( لسانيات النص ) أو ما عُرِفَ بـ( اللسانيات النصية Textual Linguistic ) التي قامت على تحليل ( نحو النصText Grammar ) .
إذن نستطيع أن نضع أيدينا على مفهوم شبه محدد للسانيات النصية يتمثل في كونه الاتجاه الذي يتخذ من ( النص ) محوراً للتحليل اللساني ، فهو يبدأ من النص وينتهي به . ولهذا الاتجاه مجموعة من المصطلحات يعتمد عليها في أداء ما يوكل إليه من نماذج تحليلية ، ويستمد منها الكثير من العلاقات والمحددات الأسلوبية والنصية . ونحاول أن نقف عند بعض هذه المصطلحات كما يلي :
المصطلح الأول : ( نَحْو الجملة Sentence Grammar ) ( )
يتخذ هذا المصطلح من الجملة وحدة كبرى للتحليل اللغوي ، ويقف عندها كمكون نحوي أساسي في هذا التحليل ، دون أن يتطرق لما وراء الجملة ، أو محددات السياق الذي يحيط بها . وقد نشأت فكرة ( نحو الجملة ) في إطار الدراسات اللغوية التي استظلت بفكرة ( البنيويةStructuralism ) واتخذت في تطورها مسارات مختلفة ، وأولت جانبا من همومها النظرية والتطبيقية لدراسة العمل الأدبي باعتباره نمطاً متميزاً من أنماط الاستعمال اللغوي ( ). إلاّ هذا المصطلح لقي الكثير من أوجه الاعتراض بزعم قصوره عن متابعة التحليل بدقة ، فاقتُرِحَ مصطلح (نَحْو النصText Grammar ) .
المصطلح الثاني : ( نَحْو النص Text Grammar )
يبدأ عمل هذا المصطلح على أنقاض مصطلح ( نحو الجملة ) وذلك لعدة أمور تتمثل في :
1– الجملة ليست كافية لكل مسائل الوصف اللغوي ، فالحكم بقبول ( جملة ما ) دلالياً لا يمكن أن ينفصل عن السابقة عليها ، دون الوقوف عليها وحدها .
2- أهمل مصطلح ( نحو الجملة ) السياق الاجتماعي رغم أهميته الكبرى في الدراسة اللغوية . فاللغة عبارة عن وسيلة اتصال بين أفراد المجتمع بهدف التوصل إلى غايات مقصودة ( ) . كما أن السياق من أهم عوامل الاتصال وأداء المعنى ( ). وفي ذلك الإطار يقول د . سعد مصلوح : " إن الفهم الحق للظاهرة اللسانية يوجب دراسة اللغة دراسة نصية ، وليس باجتزاء البحث عن نماذجها ، وتهميش دراسة المعنى كما ظهر في اللسانيات البلومفيلدية أول أمرها . ومن ثم كان التمرد على ( نحو الجملة ) والاتجاه إلى ( نحو النص ) أمراً متوقعاً ، واتجاهاً أكثر اتساقاً مع الطبيعة العلمية للدرس اللساني الحديث " ( ).
إن مصطلح ( نحو النص ) بهذا المفهوم المتفادي لأخطاء ومزالق مصطلح ( نحو الجملة ) قادر على معالجة العلاقات النحوية فيما وراء الجملة ، وعلى وصف الخواص الأسلوبية التي تحقق الاستمرارية البنيوية للنص Structural continuity ، ووسائل السبك اللغوية والمضمونية ( ). و( نحو النص ) يعمل بهذا المفهوم على تجاوز الدلالة الموجودة في المفردات ليصل إلى الترميز الملفوظي داخل التراكيب ، ويكتشف العلاقات القائمة بين عناصر الجمل النصية في قواعدها الشكلية التي أوجدها بالطريقة التي تسمح بانسجام عناصر الكلمة ثم الجملة ثم النص في تكامل وظيفي يؤدي إلى المعنى المراد ( ).
وإذا كانت الجملة ( وحدة نحوية ) ، فالنص ليس وحدة نحوية أوسع ، أو مجرد مجموع ( جُمَل ) كبرى ، إنما هو وحدة دلالية لها معنى سياقي يتحقق في شكل ( جمل ) . وهذا ما يفسر علاقة الجملة بالنص ؛ إذ هي المجسد الأول للوحدة الدلالية الكبرى التي يشكلها (النص) في موقف اتصالي معين .
الهوامش :
1. - د. خالد سليكي ، من النقد المعياري إلى التحليل اللساني ، عالم الفكر،الكويت، مج 3 ،ع 1، ديسمبر1994 ،401 .
2. - د. مازن الوعر ، نظرية تحليل الخطاب ، مجلة الموقف الأدبي ، دمشق ،ع 385 ، أيار 2003 ، 153 – 164 .
3. - ينظر : د. سعد مصلوح ، الأسلوب دراسة لغوية إحصائية ، عالم الكتب ، القاهرة ، ط3 ، 1992 ، 29 . - د. سعد مصلوح ، في النص الأدبي دراسة أسلوبية إحصائية ، عين للدراسات والبحوث ، القاهرة ، 1993 ، 28 .
- د. جميل عبد المجيد ، البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1998 ، 66 . - د. محمد خطابي ، لسانيات النص ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، 1991 ، 28 .
4. - د . يحيى أحمد ، الاتجاه الوظيفي ودوره في تحليل اللغة ، عالم الفكر، الكويت،مج 20 ،ع 3 ، ديسمبر1989 ،71 .
5. - ينظر : د . إبراهيم أنيس ، دلالة الألفاظ ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، ط3 ، 1976 ، 48 – 51 .
- د. أحمد مختار عمر ، علم الدلالة ، عالم الكتب ، القاهرة ، ط2 ، 1988 ، 68 .
- د. منقور عبد الجليل ، علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي ، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، 2001 ، 76 .
- ستيفن أولمان ، دور الكلمة في اللغة ، ترجمة : د. كمال بشر ، مكتبة الشباب ، القاهرة ، 1988 ، 6 .
- بيير جيرو ، علم الدلالة ، ترجمة : د. منذر عياشي ، معهد الإنماء العربي ، حلب ، 1994 ، 51 .
6. - د. سعد مصلوح ، مشكل العلاقة بين البلاغة العربية والأسلوبيات اللسانية ، ( ضمن كتاب : قراءة جديدة لتراثنا النقدي ) ، النادي الأدبي الثقافي ، جدة ، 1988 ، 2 / 860 .
7. - المرجع السابق ، 2 / 862 .
8. - د. خيرة حمزة العين ، لسانيات النص ، مجلة علامات في النقد ، النادي الأدبي الثقافي ، جدة ، مج 10 ، ع 38 ، ديسمبر 2000 ، 349 .[/b][/color]