منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تماهي الدلالات............

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تماهي الدلالات............ Empty تماهي الدلالات............

    مُساهمة   السبت فبراير 13, 2010 11:33 am

    تماهي الدلالات ... عباس فاضل الغريب

    قراءاتأفق : الأربعاء 02 أغسطس 2006


    مدخل لشيفرات قصة (توسد حلمه ونام) لسالم شاهين

    تنطوي تجربة سالم شاهين القصصية على عناصر أغنتها تجاربه الأخرى، فضلاً عن دراسته الأكاديمية في المسرح، وتجاربه الطويلة في كتابته للمسرح؛ مكنته من التعامل مع جغرافية القص بوعي؛ جعل مشهده القصصي أكثر جدوى في الوصول إلى مبتغاه، وبأقصر الطرق وأذكاها فضلا عن اشتماله (المشهد القصصي) على روح النص، ليعطي دفقاً وغنى للسرد الوصفي...

    وهكذا يحمل عناصر المشهد عمقاً في المعنى لا يمكن تجاوزها بسهولة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن تجربته الروائية، وإن أخذت قوتها وكثافتها من تجربته القصصية، لكنها أفادت في منح العقدة الدرامية/ الحبكة بشكل أدق/ مساحات إضاءة أكثر إشراقاً وتماسكاً، وليس من نافلة القول أن نذكر الدور الذي لعبته تجربته في الكتابة للأطفال في تكوين المفردة المسؤولة وصقل جمله الغضة التي تساعد على خلق هذا السرد المتدفق بمناورات ذكية متحاشية الولوج في متاهات، ربما تقحم النص في اللاجدوى التي يقع فيها الكثير ممن يأسرهم السرد المتواتر، ليخرج بمحصلة ربما كانت نموذجية في التعامل مع معطيات النص.

    لابد لدارس القاص والروائي والمسرحي سالم شاهين من وضع سيرته الشخصية نصب عينيه، كي يكون على بينة من مفاتيح تجربته الإبداعية، وأقصد بسيرته الذاتية. تلك السنوات المريرة من المطاردة والمضايقة من قبل أجهزة النظام المقبور، ومن ثم السجن الذي وإن فارق قضبانه القاص، إلا أنه بقي داخل قضبان عيون وأجهزة وتهديدات ذلك النظام حتى أنفاسه الأخيرة.

    وإذ أسوق هذا الكلام؛ جاعلاً منه مدخلاًَ لولوج قصته (توسد حلمه ونام) والتي تمخضت عن صراعات وتجارب طويلة وربما اشتملت على خلاصة حضارة معينة عاشها شعب ووطن، ولست مغالياً في قولي هذا إذا ما بحثنا هذا النص بنظرة أكثر من عابرة ولا أقول (بمسبار) نحو أغوار النص، ويبدو هذا جلياً منذ البداية حيث يواجهنا العنوان بفنتازيا لا تترك أمامنا خياراً للتراجع، فضلاً عما ينطوي عليه العنوان من جدليات يعالجها النص فيما بعد.
    ولتكون دراسة النص أكثر سهولة؛ يجب تحديد الزمان ابتداء وهو لحظة ما بعد سقوط الصنم، وما تبعها بأسابيع وأشهر وربما كان بعضها نبوءة بدأت تتحقق أو تشارف طلائعها في الأفق.
    أما المكان فهو كل ركن أو شارع أو ضاحية في العراق ويصدق القول أيضاً إذا ما قلنا أنه العراق كله.
    نقطة أخرى يجب الالتفات إليها وهي تلك الأساليب المختلفة التي جمعها هذا النص من الواقعية والرمزية والدادائية.. وإلى آخره. إنما جاءت لتكمل ذلك الإرباك العام الذي صوره القاص لنا، فانتقال القارئ من صورة إلى أخرى ومعها من أسلوب إلى آخر أي من طريقة تفكير إلى طريقة تفكير مختلفة، وهكذا دون استقرار ساعد في إعطاء النص زخماً من التجانس ضمن إيقاع (اللاتجانس أو اللاإيقاع) أي أنه صور حضارة (الانفلات التام) أو عالم القفز من الحدود إلى عالم اللاحدود جسداً وروحاً ومنطقاً، وخيالاً وبدقة أكثر، فإن النص اشتمل على نمو متصاعد تخللته بعض الانحناءات وطوراً بعض الانحرافات التي لم تخرج من مضامين النص أو شكله الفني إنما كانت دلالات إلى تلك المضامين وأوتاداً لذلك الشكل المتماهي.
    إن مفردات مثل (تغتال، تنازعت، جثمت، تستبيحها/ أفق خانق..) كانت تعبر عن تداخل الأثر النفسي عند البطل قبل وبعد سفره، وهذا لايعد ارتباكاً بالزمن بقدر ما هو تواصل لحالة الفعل ورد الفعل في واقع بطل سالم شاهين إزاء التغيرات التي حدثت على مدينته. إذ يؤكد بأن الكلاب تعلمت المواء في الوقت الحرج، ثم راحت تشيد لها أبراجاً محاولة القفز من خلال ذلك فوق الأحداث، وتخليها عن عوائها، لا يجتزئ منها شيئاً سيما أن القطط هي من طفقت بذلك العواء الذي وإن لم تعره تلك السيدة اهتماماً؛ إذ راحت تمسح غائط ابنها بجريدة يومية الصدور، وغير خاف ما في كل هذه العناصر من مضامين رمزية فائقة الدقة والترابط، وإذ يلاحظ تكرار القاص لمواء الكلاب وعواء القطط، فهو يحاول أن يشدد من فكرة ولوج هذه العناصر وانغمارها بالحدث على طول الخط، وإن غفل عنها الآخرون وسط هذه الفوضى، فهي هناك دائماً وأبداً وفي كل مكان. مستمرة وستستمر في تضليلها للآخرين وتدخلهم المباشر بالنص في تبرير العواء/ الهرير، إنما كان يصب في ذات الاتجاه.

    بطل القصة وإن كان فرداً عائداً من بلاد الغربة، إلا أنه كان يمثل كل الآخرين وإن تباين بين من أغرقه صمته بين من نزفت دموعه أو انفرجت عنه ابتسامة سوداء، إذ أن الأشياء ذاتها كانت تنازع ذات النزاع . الطرقات أيضاً بين الحشد في دورتها، فهي مرة تنازع بلاطاتها وأخرى هي بلا أرصفة، وإن كانت الصورة متتامة إلا أن الزمن في هذا النص كان يمثل طوراً نقطة تحتوي كل الأحداث وطوراً هو شظايا تتمزق في أفق لا متناهٍ.
    الكل هنا تنسحب عليه كل التسميات، فإن المقنعين وإن جعلوا الكلاب تلوذ بموائها، إلا أنهم، هم ذاتهم من يسميهم رجال الموت، وإن جاءوا تحت عنوان آخر.
    وتدور الدوامة وتتكرر الأحداث والصور إذ أن النص يسترجع نفسه بين مقطع وآخر من خلال حركة بطله في دوامة لامتناهية، وإن كان أحياناً يقف مأخوذاً أو ينهي جولة أو يعود أدراجه، أو حتى يتقهقر، فإنه كان يبدأ من جديد وإن سقط وانهالت عليه الركلات لحد التراخي ولا تسعفه قدماه، لكنه يقفز.

    كان سالم شاهين يصرخ بالأمل ويزرعه، وليس مستعداً لأن يتخلى عن حلمه وإن التحف خيبته، لكن ذلك الحلم هو ما بقي معه (ما آثره على غيره)، فتوسده تحت ذلك اللحاف من الخيبة، وذاكرته وإن سقطت هي وأمنياته، لكنها اختلطت بذاكرة الأشياء، وهذه جل رسالة القاص، إذ يجذر تلك الذاكرة مع كل ذاكرة مدينة، فيكون هو تلك المدينة كوحدة واحدة لا تقبل القسمة، وكل ما عداها هو صورة دخيلة لكلاب مصدّرة بصورة غير شرعية، ستنفجر عما قريب لتتلاشى.
    وهكذا وضمن هذه اللغة المركبة من مستويات مختلفة حفرها القاص بأسلوب فريد مؤطراً إياها بسيميائية محترفة مدعمة بمسرحه لجغرافيا الظاهر والباطن من النص، بتماهٍ متواصل يحفزه على الديمومة وصولاً إلى النقطة التي انطلق منها وهي ما قبل كتابة النص بزمن طويل حيث تبلور ذلك الحلم، فكانت مفردات النص وصوره وكل عناصره إجمالاً، إنما تعايش بطل النص وكاتبه قبل وبعد وأثناء السرد.

    عباس فاضل الغريب
    abbasfazilalgareeb@yahoo.com
    [b]

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:41 am