القراءة..إعادة لبناء المرجعيات الدلالية - طعنات أليفة-انموذجا
امجد نجم الزيدي
amjednjem@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 1969 - 2007 / 7 / 7
المحور: الادب والفن
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع Bookmark and Share
إن الدخول في عملية الكتابة هي مغامرة للكاتب مع إحكامه للحرفة والموهبة ،ولكن الولوج في عملية القراءة هي استكشاف هي حالة انبهار المستكشف لمنجم تغطي جدرانه الإشارات الأولى للحياة والوجود.
القراءة عملية استحضار وإعادة تشكيل للكم المعرفي والجمالي المرتبط بالجنس الأدبي الذي يحيل إلى النص و ذاكرته ,اعتمادا على البناء المعرفي والجمالي للمتلقي، باستشرافه لبنية العلاقات المتوازية والمتشاكلة داخل النص, إن استراتيجية النص والآليات التي يجترحها لتقديم الرؤية الشعرية المنضوية تحت خطابه تخضع بصورة لا واعية إلى اشتراطات خارجية متمحورة حول منتج النص وخلفيته المعرفية والثقافية وحتى إلى التراث الاجتماعي والفكري لبيئته التي تخضع بصورة عميقة إلى بنية اللاشعور الجمعي الذي تنبني على أساسه الشخصية الثقافية مما يؤدي إلى نص تداخلت في تشكيله عدة ذوات ثقافية متنوعة ،والذي يقود بالتالي إلى نص متعدد المرجعيات،ولكن ما يهمنا في هذا المقال هو البناء التشكيلي للنص وتوجيه فعل القراءة والربط المرجعي من خلال استشراف التمايز الابستملوجي الذي يكمن في بنية الخطاب والمستتر بهذه التشكيلة البنائية المفارقة،ليس بمعنى كشف مرجعياته وإنما الاكتفاء بالإشارة إلى الترسيمة التي يقوم عليها النص وترك الربط المرجعي إلى ثقافة القارئ .
ولقراءة نص (طعنات أليفة) للشاعر أمير ناصر المنشورة في جريدة طريق الشعب العدد(36)في 28 أيلول 2006 يجب إعادة توجيه فعل القراءة وفق مرجعية جديدة يفرضها البناء الشكلي ،والتنافذ الدلالي بين المقاطع التي تكون النص، أو حتى بين أجزاء المقطع الواحد.
وقبل الدخول إلى المتن يجب النظر داخل العنوان(طعنات أليفة )الذي يقوم على مفارقة بناه المرجعية،أو خلق توازي بين مفردتي العنوان الغارقتين بدلالتين متناقضتين ,ولكن الحركية في تركيبة العنوان تقوم على الانزياح الدلالي ،فالطعنات ومرجعيتها المستندة على التداولية الشفاهية أو حتى في بنيتها القرائية هي فعل عدائي ,وتأخذ كتأويل (للغدر)مثلا بينما المفردة الأخرى وهي (الأليفة) فهي صفة مرتبطة بدلالة مضادة وهي (السلام),وهذا يوحي لنا بأن النص سيأخذ تقنية المزاوجة والمقابلة بين مفردات متعاكسة داخل متن النص والذي يظهر في (تراسل الحواس)في المقطع الأول:
هكذا/الصورة/
الواجمة في الذاكرة
بطعمها المز
يسيل دهان حروفها
مشرعا عيونا جديدة
لظنون في جيب معطفي
نلاحظ إن النص يحتوي على ثيمتين,أولى فتح بها المقطع وهي (الصورة) وأخرى ختم بها المقطع وهي (الظنون) فالصورة المحللة من قبل (أنا النص) والتي هي بثلاث مستويات حسية :الأولى ذهنية (الصورة الواجمة في الذاكرة), والثانية ذوقية (بطعمها المز) وثالثة بصرية(يسيل دهان حروفها). ولو نظرنا نظرة أخرى إلى المقطع,للاحظنا إن الصورة التي بدأت ذهنية داخلية كذاكرة ثم تحولت إلى ذوقية ,وبصرية خارجية ممهدة للثيمة الثانية التي هي حالة نفسية داخلية , ومع اسم الإشارة(هكذا)في استهلال المقطع والذي يدل في المستوى الدلالي على التكرار يعطي للمقطع صفة الدائرية,أي التحلق في دائرة وجودية سايكولوجية.
إن المحفزات القرائية التي تنهض بفعل القراءة والتي يستدعيها النص لتمتين وتقوية أواصر العلاقات الدلالية المتضمنة, على اعتبار أنها رؤية مؤجلة يستجلبها القارئ بمدركاته, دون التفريط أيضا بالإلية المرجعية الكامنة والمتكونة من تلك العلاقات التي يثيرها ويقدمها البناء الشكلي,إذ إن التحفيز يقوم على آلية استفزازية للقارئ إلى إعادة تنظيم وحدات النص والبحث عن فجواته وغلقها،فالمقطع:
الساقطة من السفح
/المشاعة/
الصفراء والذابلة
يبقى النسر على الربوة
لا يحمل أي سر
يبقى بروح عريقة
ولون حقيقي
فهذا المقطع المتكون من جزئين تربطهما علاقة متقابلة إذ إن الجزء الأول وهو(الساقطة من السفح/المشاعة/الصفراء والذابلة)هو تعداد لصفات،وهذه الصفات المعرفة(بأل)التعريف هي صفات سلبية بالمقابل مع الجزء الثاني من المقطع والذي يعكس هذه الصفات إلى الايجابية،ولو أردنا أن نوجد مقاربة شكلية بين الجزئين فستكون كالتالي:
الساقطة من السفح = يبقى النسر على الربوة
المشاعة = لا يحمل أي سر
الصفراء والذابلة = لون حقيقي
عكس المقطع (6)الذي يقوم على علاقات توازي وتقابل :
تنام المدن وفمها مفتوح
سكين لكل داجن
وقع الخطى/ الغريبة/
وضجيجها
شفرة لذقنك الكث
حيث تظهر هذه العلاقات كالأتي:
تنام المدن = وقع الخطى/ الغريبة/
فمها مفتوح = ضجيجها
سكين = شفرة
نص(طعنات أليفة) للشاعر أمير ناصر يحاول تأسيس شخصية استثنائية بمحاولة ربط التمايز لما وراء المعنى المجرد بأسس تشخيصية، إن كانت معرفية أو توحيد لأشياء متراكمة في الذاكرة بدلالة مركزية تفقدها في بعض الأحيان، تلك المتفصلة بها دلالات متغايرة أو بعيدة عن تلك المركزية عند تقصيها أفقيا ، ولكنها عموديا تمد خيوطا وأواصر مع دلالة المركز وذلك لخلق انكسار أفق الانتظار لمجمل الدلالة المنتظمة أفقيا....