منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تابع اـــــــالمقاربة الموضوعاتية في النقد الأدبي بقلم:د.جميل حمداوي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تابع اـــــــالمقاربة الموضوعاتية في النقد الأدبي بقلم:د.جميل حمداوي Empty تابع اـــــــالمقاربة الموضوعاتية في النقد الأدبي بقلم:د.جميل حمداوي

    مُساهمة   الأربعاء فبراير 24, 2010 10:55 am

    الفينومينولوجي لمدرسة جونيف المتحلقة حول بولي (Poulet)، والنقد السيكولوجي مع شارل مورون (Charles Mouron) ، والنقد السوسيولوجي مع لوسيان كولدمان (Lucien Goldmann)، بيد أن هذه المناهج النقدية سرعان ما تجاوزتها الشكلانية والسيميائيات وجمالية التلقي بسرعة.
    وعلى العموم، فقد نشأ النقد الموضوعاتي في فرنسا أساسا، إلا أن له بعض الملامح في النقد الألماني و نقد أمريكا الشمالية الذي يمثله كل من : جوزيف هيليس ميلر، وبول بروتكورب، وفرديماك أيوين.
    وعلى العموم، فقد ظهر النقد الموضوعاتي في أحضان الصراع النقدي الذي شهدته الجامعة الفرنسية بين الاتجاه النقدي اللانصوني الأكاديمي الذي ينافح عنه ريمون بيكار والنقد الجديد الذي يمثله رولان بارت.
    ومن المعروف لدى الجميع أن النقد اللانصوني يعتمد على القراءة الوضعية والتحليل البيوغرافي للنص الإبداعي والبحث عن المبدع وفلسفته ورؤيته الوجودية مع ربط النص اللغوي بالفضاء الزمكاني الذي يحيط بالأديب.
    ويعتبر ريمون بيكار (R. Picard) من المدافعين عن هذا النقد القديم، فقد دخل في سجال نقدي طويل مع رولان بارت (Roland Barthes). ثم ، شن حربا كلامية وجدالية باسم "الإدعاء الجديد" (La nouvelle imposture)، بيد أن بارت سيرد عليه في كتابه " النقد الجديد" مدافعا عن النقد الحداثي من خلال التركيز على السمات الإيجابية لهذا الخطاب الوصفي المعاصر و الإشادة بمرتكزاته النظرية والتطبيقية.
    ومن هنا، أصبح في فرنسا تيار نقدي حديث منفتح سمي بـــ "النقد الجديد"، وهو نقد تأويلي متعدد الإيديولوجيات ومتشعب من حيث المسلمات والمصادر المرجعية ، ينطلق من الوجودية والماركسية والظاهراتية والسيكولوجية.
    ويضم هذا النقد الجديد في طياته مناهج متعددة، ويحضن تصورات فلسفية متنوعة، ولا يجمعها سوى التأويل والإيديولوجيا؛ وهذا ما دفع بارت إلى جمعها في سياق واحد تحت اسم (النقد التأويلي) في مقابل (النقد الجامعي) الذي يعتمد على التبسيط والتوضيح والتقنين المعياري الدوغماطي المبالغ فيه.
    يقول رولان بارت في هذا المجال: "عندنا في فرنسا حاليا نمطان من النقد متوازيان، نقد سنسميه جامعيا من أجل التبسيط وهو يطبق أساسا منهجا وضعيا موروثا عن لانصون (Lanson)، ونقد تأويلي يختلف ممثلوه اختلافا شديدا عن بعضهم البعض، ما دام الأمر يتعلق بنقاد من مثل: جان بول سارتر (Sartre)، وﯖاستون باشلار (Bachlard)، ولوسيان ﯖولدمان (Goldmann)، وجورج بولي (Poulet)، وجان ستاروبنسكي (Starobinski)، وجان بول ويبر (weber)، ورونيه جيرار (R. Girard) ، وجان بيير ريشار (Richard). وهم يشتركون فيما يلي: هو أن مقاربتهم للنتاج الأدبي يمكن أن تتصل، قليلا أو كثيرا، ولكن بطريقة واعية في الغالب، بإحدى الإيديولوجيات الكبرى المعاصرة: الوجودية، والماركسية، والتحليل النفسي، والظاهراتية. وهذا ما يجعلنا قادرين على تسمية هذا النقد بأنه: إيديولوجي" .
    ويتبين لنا من خلال هذا النص الاستشهادي بأن بارت (Barthes) يشير إلى مجموعة من رواد النقد الموضوعاتي أمثال : باشلار (Bachlard)، وسارتر (Sartre)، وجورج بولي (Poulet)، وجان ستاروبنسكي (Starobinski) ، وجان بول ويبر (Weber)، وريشار (Richard)، و رونيه جيرار (R.Girard).
    وبناء على هذا، يستند الموضوعاتيون في أعمالهم إلى التأويل والتفسير والأدلجة.

    7- رواد النقد الموضوعاتي في الغرب:

    من المعلوم أن من أهم رواد المنهج الموضوعاتي وأبرزهم في الغرب نجد: جان بيير ريشار (Richard)، وجان روسيه (Rousset)، وجان ستاروبنسكي (Starobinski)، وإميل استيجر، وجوج بوليه (Poulet) ، وﯖاستون باشلار (Bachelard)، و رولان بارت (Barthes) في مرحلته المبكرة، وأسماء أخرى كجان بول سارتر (Sartre) ورومان إنجاردان (Ingarden).
    وعليه، فـﯖاستون باشلار (Bachlard) يمثل الأب الروحي للنقد الموضوعاتي بعد أن كان فيلسوفا وابستمولوجيا، فلقد دخل الأدب بأعمال شاعرية هامة وهي كالتالي:
    1) التخيل الشاعري.
    2) لهيب شمعة.
    3) شاعرية الفضاء.
    4) شاعرية الحلم .
    5) العقلانية المطبقة.
    6) المادية العقلانية.
    7) الروح العلمية الجديدة.
    Cool فلسفة اللا.
    9) جدلية الاستمرار.
    ولا ننسى اهتمامه الموضوعاتي الكبير بعناصر الكون وصوره الأربعة: الماء و التراب و الهواء و النار. فقد اقتحم النقد الموضوعاتي من نافذته الفلسفية والابستمولوجية والشاعرية. إذ درس مجموعة من الصور الشعرية ذات البعد "التيماتي" بمقاربة فينومينولوجية تربط الذات بالموضوع باحثا عن مظاهر الوعي واللاوعي وترسباته السيكولوجية في الصور الشعرية. ولقد تناول "تيمة" الفضاء خصوصا الحميمي منه بطريقة شعرية إيحائية تستوحي الرؤيا الشعرية والتخييل الأدبي.
    هذا، وقد بلور باشلار "تيمات" ذات عنونة إيحائية تخييلية فائقة كالحلم والتخيل والزمن والماء والهواء والتراب والنار.
    ومن الذين تأثروا بباشلار (Bachlard) نستحضر جورج بولي (Poulet) الذي تناول الفضاء والزمن بأسلوب فلسفي ميتافيزيقي وحدسي ولاسيما في كتبه عن:
    1) دراسة حول الزمان الإنساني (1950)؛
    2) البعد الداخلي (1952)؛
    3) تحولات الدائرة (1961)؛
    4) الفضاء البروستي (1963).
    ويقارب بولي في مصنفاته الإبداع من زاوية فلسفية ذات نسق زمكاني ما ورائي بروح شاعرية كما فعل ﯖاستون باشلار (Bachelard) في شعرية الفضاء (La poétique de l’espace).
    هذا، وقد بين بولي (Poulet) في مداخلته في ندوة " الاتجاهات الحالية للنقد سنة 1966 م" ، والتي كتبها تحت عنوان (النقد الكشفي)، بأن مرسيل بورست Marcel Peoust) هو المؤسس الحقيقي للنقد الموضوعاتي، وتوصل إلى ذلك عبر عملية تجميع الصور في عمل بروست وربطها بين بعضها البعض اعتمادا على استدخال الوعي الذاتي في تحديد "التيمة" الكبرى وعملية توزيعها وتشعبها في الأثر الأدبي.
    أما جان روسي فيؤكد بأن النتاج الأدبي عمل كلي، وأن القراءة الناجعة المثمرة هي التي تفحص النص من جميع جوانبه وقواعده التي ترتكز عليها الكتابة، ويلتجئ روسي إلى الفكر للبحث عن الأشكال الكامنة في ثناياه؛ لأنها هي الموحية بالبنيات الأساسية للخيال المبدع.
    ويضيف روسي (Rosset) في كتابه " الشكل والدلالة" الصادر سنة 1962م بأن الكاتب لا يكتب إلا ليعبر عن نفسه لا ليقول شيئا ما. وهذا ما يؤكد مدى الترابط بين الذات والموضوع على المستوى الشعوري والظاهراتي وتداخل السيكولوجيا مع الموضوعاتية.
    هذا، فإن القارئ الحقيقي حسب جان روسي (Rosset) هو: "الذي يباشر قراءة الإنتاج الأدبي في كل اتجاه: أي الذي يستطيع التعرف على المراحل الشكلية والعقلية، واقتفاء أثرها في شتى الأحوال، إلى أن تتضح لديه النقطة المركزية، أو المحور الأساسي الذي تشع في أعماقه كل البنيات، وسائر المعاني، أو ما يسميه بول كلوديل " بالعامل الدينامي"، حتى إذا فعل ذلك استفاد كثيرا، خصوصا عندما يكتشف في النهاية أن تلك البنيات الشكلية وتلك المعاني، تلتقي في نقطة معينة أساسها أن لكل بنية خيالية بنية شكلية..." .
    ويعتمد جان بيير ويبر (Weber) في منهجه على ثلاثة مبادئ أساسية وهي:
    1) واقعية اللاوعي.
    2) أهمية الطفولة.
    3) إمكانية تمثيل رمز واحد لواقع قديم.
    وتقترب موضوعيته من التحليل السيكولوجي من خلال أعماله القيمة:
    1) المجالات الموضوعاتية (1963) .
    2) مكونات العمل الشاعري (1960).
    3) النقد الجديد والنقد الممتقع أو ضد بيكار (1960).
    ولقد تأثر ويبر (Weber) أيما تأثر بالمنهج السيكولوجي لدى شارل مورون الفرنسي (Charles Mauron) الذي كان يدرس الصور الملحة ذات البنية الاستعارية في العمل الأدبي بطريقة سيكولوجية لا شعورية.
    وقد قام ويبر أيضا بتحليل موضوعاتي لمجموعة من "التيمات" الأساسية كالساعة والبرج والغرق عند كل من ألفرد دوفيني (A. Viney) وفيكتور هيجو (Hugo) وبول فاليري (P. Valery). ويدافع جان بيير ويبر (Weber) عن فكرة تعبير "العمل الكامل لكاتب ما، وبالضبط لشاعر ما، عبر عديد لا ينتهي من الرموز، أي من التعارضات، عن هاجس أو عن موضوعاتية ما، يعاد إبداعها في بعض الأحداث المنسية عامة، في طفولة الكاتب" .
    أما مانسي (M. Mansuy) فهو باشلاري النزعة بعمله الذي أنتجه سنة 1968 ألا وهو دراسة " تخيل الحياة" ، حيث كان يبحث عن "تيمة" الحياة في إبداعات الشاعرين : جول سوبرفييل(Jules Supervielle) وهنري ميشو (H. Michaux)، والروائيين : هنري بوسكو (H. Bosco) وآلان روب ﯖرييه (A.R Grillet).
    أما مقاربة جان بورﯖوس (J.Burgos) الموضوعاتية فتتقاطعها الباشلارية والسيكولوجية خاصة في دراسته لأبولينير " Apollinaire" سنة 1968م التي ينتهي فيها بورﯖوس إلى أن أبولينير يعرف بوضوح تجربة التخيل وديناميته والتي كانت بالفعل سببا في انزياح الصور الشعرية وانحرافها عن المعيار.
    وقد ساهم ميشيل كيومار (M. Guiomar) بثلاث دراسات في حقل الموضوعاتية، وهي:
    1) اللاوعي والتخيل (1964).
    2) مبادئ جمالية الموت (1964).
    3) القناع والفانطازم (1970).
    وتقترب موضوعاتية كيومار من مقاربة ويبر، بل تنفتح على مجالات فنية أخرى كالتشكيل والموسيقى والسينما والأدب بصفة عامة، " ويبحث ميشيل كيومار في جل أعماله عن البنيات الأساسية للتخيل بهدف الإلمام بحدث، يضمن استمرارية الرؤية الخاصة، بفضل توحد الخيال بالذاكرة" .
    ومن رواد النقد الموضوعاتي أيضا نذكر جان ستاروبنسكي (J. Starobinski) في كتبه الثلاثة:
    1) الشفافية والعائق (1958).
    2) العين الحية (1961) (L’œil vivant).
    3) السخرية والسوداوية (1966).
    وقد استند ستاروبنسكي إلى التحليل السيكولوجي والموضوعاتي لمقاربة النظرة في أعمال جان جاك روسو وكورناي وراسين وستاندال ما دامت النظرة تعبر عن كثافة الرغبة . وبالتالي، فهو ناقد الأعماق، يبحث عن واقع خفي قصد معرفته معرفة جيدة؛ لأنه هو الذي يعلن الظاهر "ويستخلص جان ستاروبنسكي (J.Starobinski) من قراءته أن الكاتب الأول يحس أنه (ضحية نظرة مجهولة لمتفرج دون هوية) ، كما أن بطل الكاتب الثاني، يحس أنه في حاجة إلى (نظرة تواطؤ الشعوب والأجيال الشاهدة) ، بينما نجد عند الكاتب الثالث (نظرة لا تقتضي المجد ولكنها تجلب الخجل). أما عند الرابع فإن ( الاسم المستعار، لا يعد هروبا من مجهول، بل فنا للظهور) " .
    أما جان بيير ريشار (Richard) فقد كان هاجسه في العمل الأدبي هو البحث عن "معنى ساذج ضمني، أو فوقية لغوية تطابق العمل الموضوع في حيز اللاشعور، وفي مرحلة تنسيق الفكر للصور الأدبية".
    وعليه، فهو لا يريد وصف محتويات الفكرة؛ بل التطلع إلى المبدإ الذي يعطيها وحدة قارة، وإمساك عملية الإبداع نفسها. ومن ثم، فإن النتاج لا يبدو كحدث فحسب، بل كبنية توحي بباطن الشخص المبدع.
    إذا، فلقد فرضت عملية اكتشاف محتويات النتاج على جان بيير ريشار (Richard) أن يتوقف طويلا في اتجاهه، ليقوم بتجربة امتيازية تحفزه على استفسار الأديب، واستباره لا للوقوف على مدى اتصاله الأول بالعمل، وعلى الطريقة التي يحس بها ذلك العالم ويدرك مجاله" .
    و اعتمد ريشار (Richard) في أطروحته عن "العالم الخيالي لملارمي" (Mallarmé) على مبدأين منهجيين وهما:
    1) التوضيح.
    2) إعادة البناء.
    وتتجلى مقاربته الموضوعاتية في كتبه القيمة التالية:
    1) الأدب والحساسية ( 1954 ).
    2) الشعر والأعماق ( 1955 ).
    3) العالم التخيلي لمالارمي (1961).
    4) دراسات عن الشعر المعاصر (1964).
    5) من أجل قبر لأناتول.
    6) مشتهد شاتوبريان (1967).
    7) مراسلات مالارمي.
    Cool دراسات عن الرومانسية.
    وتنبني منهجية ريشار (Richard) على الخطوات التالية:
    * البحث عن الخلية الرئيسية في النص وحصر محاورها وجذورها ضمن التجسيد اللغوي البحت.
    * مقارنة مختلف الجذور الدلالية واستخلاص تراكماتها اللغوية وأبعادها الدلالية.
    *تعميم المقارنة على مختلف نصوص الكاتب انطلاقا من وحدات أساسية تتحدد في نص رئيسي أو مجموعة نصوص مبنية .
    ويوظف ريشار (Richard) في كتاباته الموضوعاتية لغة وصفية إيحائية شاعرية ذات طابع بلاغي فلسفي باشلاري ذات نكهة بارتية. إذ يركز جان بيير ريشار (Richard) منذ دراساته الأولى على عالم الإحساس، على التركيبات الباطنية باعتبارها "هي الوسيلة المفضلة للصعود إلى مركز المشاعر وإلى عالم الإحساس واليقظة. نضيف إلى هذه المادة - يقول ريشار - هاجسا لغويا أساسيا يطوف حول الأشياء والعالم ويفك عزلتها عن عنق الكاتب والكتابة" .
    فالنقد الموضوعاتي، " كما يتبناه ريشار (Richard) في (العالم التخيلي لمالارمي Mallarmé) ، هو نقد يفضل سبر غور العمل الأدبي عبر تداعيات اللغة التي تعتبر بالنسبة لهذا النقد الطريق الوحيد والحقيقي للتعبير، إذ تتحول كل قصيدة من قصائد مالارمي (Mallarmé) إلى رمز. لذا، يعمل الناقد الموضوعاتي، من هنا، على كتابة قواعد نحوية لا مجموع كلمات. فالخيال يبتعد بقدر الإمكان عن الخلط بين الكشف الشكلي للعمل، والقراءة اللفظية له؛ لأن ما يشغل ريشار (Richard) هو إعطاء ترجمة أخرى لأعمال مالارمي (Mallarmé) انطلاقا من رسم جداول أولية بمحركات الخيال عند مالارمي، مادام التفكير بالجسد يعطي فكرة شبه كاملة ومتآلفة مع اهتزازات أوتار الكمان مثلا، إذ لا تعتبر الشعرية جوهر الأدبية فقط، بل طريقة يمكن أن تتفتق عنها عضوية بالحياة والوجود" .
    ويقارب ريشار (Richard) الرغبة المكبوتة وغير المعلنة في أعمال بروست (Proust) حيث الرغبة مقروءة بوضوح. إن موضوعاتية ريشار (Richard) هي الموضوعية الأدبية التي تعتمد على التواتر اللفظي والعد الحسابي(recensement)، أي يهتم ريشار (Richard) بالمواضيع الأكثر تواردا وهيمنة في العمل الأدبي انطلاقا من معيار العد الانطباعي لا الإحصائي. ويرى ريشار (Richard) أن الموضوع هو مبدأ تنظيمي محسوس ليس إلا.
    ويلاحظ أن للانطباع الشخصي في موضوعاتية ريشار (Richard) دورا كبيرا في القراءة والوصف، وتتسم دراسته الموضوعية بالحرية والمرونة في التعامل المنهجي ، إذ يقول في هذا السياق: " والخلاصة أنه لا وجود في القراءة الموضوعية لنقطة بدء ونقطة وصول. فالمدخل إلى حقل القراءة الموضوعية مدخل حر مما يضفي عليها شيئا من السحر. وعندما يكتب أحد النقاد الموضوعيين في مقدمة دراسته أنه سيبدأ من نقطة ما، فإن هذه البداية ستكون بداية كتابه هو، لا بداية يلزمه بها منطق حقيقي للموضوع المدروس" .
    وبناء على هذه اللامنطقية أو الانطباعية في المنهج، فإن شبكة العلاقات الموضوعية لدى ريشار (Richard) متغيرة بتغير النافذة التي يدخل منها الناقد إلى الأثر الأدبي بالإضافة إلى روح الانتقائية والذاتية.
    ومن هنا، فمنهج ريشار (Richard) تصنيفي يحاول ربط عناصر العمل الأدبي من أجل ربطها ببعضها، و يحصر ريشار العناصر التي تتكرر بحظوة في نسيج العمل الأدبي، ويحلل هذه العناصر التي يتم حصرها عبر الاهتمام بالمعنى السياقي وتجنب التزيد في التحليل أو الميل إلى النزعة الإسقاطية.

    8- النقد الموضوعاتي في العالم العربي:

    لم يظهر النقد الموضوعاتي في العالم العربي- حسب اعتقادنا- إلا في سنوات السبعين من القرن العشرين مع تنامي النقد المضموني الانطباعي واكتساح النقد الأيديولوجي الواقعي والماركسي للساحة النقدية العربية . وقد استفاد هذا المنهج أيضا من تباشير المنهج البنيوي مع امتداد سنوات الثمانين .
    ويلاحظ على أغلب الدراسات الموضوعاتية العربية أنها بمثابة دراسات مضمونية فكرية تتسم بالسطحية تارة وبالعمق التحليلي تارة أخرى. وهناك أنواع من المقاربات الموضوعاتية في النقد الأدبي العربي: نقد موضوعاتي ذاتي انطباعي ونقد موضوعاتي موضوعي، وموضوعاتية مضمونية وموضوعاتية شكلية. كما أن ثمة موضوعية تأويلية مرجعية وموضوعية بنيوية وصفية.
    ومن أهم نقاد المقاربة الموضوعاتية لابد من ذكر كل من : الكاتب المغربي عبد الفتاح كليطو في رسالته الجامعية : " موضوعاتية القدر في روايات فرانسوا مورياك" التي قدمت باللغة الفرنسية لتناقش بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1971م، والكاتبة السورية كيتي سالم في رسالتها الجامعية عن " موضوعاتية القلق عند ﯖي دي موباسان " والتي قدمتها بالفرنسية إلى السوربون سنة 1982م، و العراقي عبد الكريم حسن صاحب:" الموضوعية البنيوية ، دراسة في شعر السياب"، وعلي شلق في كتبه:" القبلة في الشعر العربي القديم والحديث"، و"المتنبي شاعر ألفاظه تتوهج فرسانا تأسر الزمان" ، و" ابن الرومي في الصورة والوجود" ، و" أبو العلاء المعري والضبابية المشرقة" ، وسعيد علوش في كتابه: " النقد الموضوعاتي" ، وحميد لحميداني في كتابه: " سحر الموضوع" ، وجوزيف شريم في مقاله:" الاتجاهات النقدية النفسانية"، وسعيد يقطين في كتابه:" القراءة والتجربة" على الرغم من انطلاقه منهجيا من التحليل البنيوي السردي.
    وثمة كتب أخرى تقترب من النقد الموضوعاتي إن مضمونا وإن شكلا على الرغم من عدم وجود مستندات نظرية ومنهجية توضح طبيعة المقاربة ونوع النقد المنهجي المطبق .
    ومن هذه الدراسات التي أوردها الدكتور حميد لحميداني في كتابه: " سحر الموضوع" نورد اللائحة التالية:
    • فؤاد دوارة: في الرواية المصرية، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، طبعة 1968م؛
    • محمد مصايف: الرواية العربية الجزائرية الحديثة بين الواقعية والالتزام، الدار العربية للكتاب، والشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر ، طبعة 1983م؛
    • علي الراعي: دراسات في الرواية المصرية، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، طبعة 1964م؛
    • يوسف الشاروني: الروائيون الثلاثة، الهيئة العامة للكتاب، مصر، طبعة 1980م؛
    • فاطمة الزهراء محمد سعيد: الرمزية في أدب نجيب محفوظ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، طبعة 1981م؛
    • عبد الحميد القط: بناء الرواية في الأدب المصري الحديث، دار المعارف، القاهرة، طبعة 1982م؛
    • يوسف الشاروني: الرواية المصرية المعاصرة، دار الهلال، مصر، طبعة 1973م؛
    • يوسف عزالدين: الرواية في العراق :تطورها وأثر الفكر فيها، معهد البحوث والدراسات العربي، طبعة 1973م؛
    • عبد الكريم الأشتر: دراسات في أدب النكبة،دار الفكر، طبعة 1975م؛
    • علي شلق: نجيب محفوظ في مجهوله المعلوم، دار المسيرة، بيروت، لبنان،طبعة 1979م؛
    • فاروق وادي: ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، طبعة 1981م؛
    • محمد أبو خضور: دراسات نقدية في الرواية السورية، اتحاد كتاب العرب، دمشق، طبعة 1981م.
    وعلى الرغم من كثرة الدراسات الموضوعاتية الموجودة في الساحة النقدية العربية، فهي أقرب إلى الدراسات المضمونية التي تفتقد إلى التصور النظري والمنهجي والفلسفي والإبستمولوجي بالمقارنة مع الدراسات الموضوعاتية الغربية. ولكن يبقى عمل عبد الكريم حسن المنصب حول شعر السياب ، ودراسات عبد الفتاح كليطو التأويلية، وأبحاث علي شلق، ودراسة سعيد علوش لقصيدة " الحرب" لياسين طه حافظ من أهم الدراسات الموضاعاتية الحقيقية التي تنطلق من تصورات منهجية ذات خلفية فلسفية ومنهجية دقيقة ومحكمة.

    9- إيجابيات المنهج الموضوعاتي:

    من مميزات النقد الموضوعاتي انفتاحه على المناهج النقدية الأخرى بسبب مرونته وتمتعه بالحرية في الوصف والقراءة ، حيث استفاد من علم النفس والنقد الأدبي والتحليل الفرويدي والنقد التاريخي والتأويل الهرمونيتيكي والبنيوية اللسانية والشكلانية. كما استوعب حسنات النقد الأسطوري والنقد الديني وامتلك الحدس الفلسفي والنزعة الصوفية كما عند جان ستاروبنسكي (Starobinski). وفي هذا الصدد يقول جان بيير ريشار (Richard): "الجذريون لا ينفون العلاقة بين علم النفس والنقد الأدبي، ومن الضروري أن تنحصر ، أي العلاقة في التأثيرات التي تمارسها الكتابة على نفسية القارئ، وليس فقط على شرح شخصية الكاتب من خلالها" .
    ويعني هذا أن النقد الموضوعاتي أو الجذري ليس منغلقا على نفسه، بل يستعين بجميع التصورات المنهجية الأخرى، ويأخذ الإيجابي منها ويترك السلبي إذا كان هذا الأخير لا يساير التصور النظري الذي انبنت عليه الموضوعاتية ، يقول بيير ريشار: "نحن نتجنب التحليل النفسي الفريويدي. ونحاذر النقد التاريخي الاجتماعي، وحتى النقد الجذري ليس "ﯖيتو" مقفلا. إننا نستعين بكل هذه المحاولات العلمية لالتقاط النبض الأساسي للنص الذي نعتبره واقعا حيا، دون أن نندمج فيه على طريقة جورج بوليه (Poulet) الذي نحا منحى إيحائيا في نقده. إننا نقوم بقراءة متأنية للنص على طريقة جيرار جنيت (G. Genette) الذي حاول تخطي المسلمة القائلة بأن الأثر الأدبي محدد بصورة جوهرية بمؤلفه وأنه استطرادا يعبر عنه. ثمة بدهية مخيفة، إنها عملية القراءة. وهي قادرة على التأكيد أن النص الأدبي شبيه بالنسيج المترابط، وذو خلفيات لا شعورية" .
    وقد دفع هذا الاندفاع والانفتاح المنهجيين النقد الموضوعي إلى استرفاد الحدس الفلسفي والممارسة ذات البعد الصوفي، وهذا ما أكده كذلك ريشار بقوله "إن النقد الجذري ينزع نزوعا صوفيا، هذا يعود إلى طبيعة الآثار التي نتناولها، وهي أحيانا ذات بعد صوفي، الأمر الذي يدفعنا إلى أخذها بعين الاعتبار. على أي حال، الجذريون يعرفون جيدا أن نقدهم جزئي وهم يريدون إدماج الجزء في نظام نقدي كامل لا أن يحلوه مكان المناهج النقدية الأخرى. هذا النظام النقدي مرتبط بلغة العصر وإشكالاته الرئيسية. كما أنه على علاقة جدلية بحدس كل كاتب ويقينيات المجموعة التي ينتمي إليها" .
    و من إيجابيات النقد الموضوعاتي أيضا أنه يعتمد على التصنيف المقولاتي أو ما يسمى بنقد الأفكار وتحديد "التيمات" الكبرى أو الفرعية أو استخلاص المشكلات أو المسائل الهامة في الأعمال الأدبية رغبة في دراستها. فـﯖاستون باشلار (Bachard) مثلا فقد درس علاقة الإنسان بالطبيعة من خلال صورة الماء والتراب والهواء والنار، أي ما يسمى بالاستقصات الأربعة عند فلاسفة اليونان وبالضبط عند أمبادوقليس. كما درس شاعرية الفضاء سواء أكان عدوانيا أم حميميا، وإن كان قد ركز كثيرا على الفضاء الثاني لمدى إنسانيته من خلال تتبعه للصور الشعرية المفصلة من الناحية الظاهراتية والموضوعية.
    و تناول "أنجلز" مجموعة من المشكلات وأصبحت مقولات يعالجها النقد الموضوعاتي بروح شاعرية حدسية وفلسفية كمشكلة المصير (الصلة بين الحرية والضرورة، الروح والطبيعة)، والمشكلة الدينية (ظاهرة المسيح، الخطيئة، الخلاص)، و مشكلة الطبيعة (الشعور نحو الطبيعة، الخرافة، السحر) ، ومشكلة الإنسان (مفهوم الإنسان وصلته بالموت)، ومفهومه عن الحب ناهيك عن مشكلات أخرى تدور حول المجتمع والأسرة والدولة.
    وتدرس المقاربة الموضوعاتية أيضا اتجاهات المبدعين حسب علاقتهم بهذه المشكلات وصلتهم بهذه "التيمات" الكبرى على صعيد الذاتي والموضوعي.
    هذا، وقد واتخذت هذه التقسيمات والتصنيفات المقولاتية الجذرية والمدارية موادا مهيمنة في الكتابات الموضوعية إبداعية كانت أم نقدية، فوردت هذه "التيمات" أو الصور الموضوعاتية المحددة دلاليا في شكل عناوين كلية لهذه الكتابات الوصفية أو الإيحائية. والمقصود بهذا أن المقولات الجذرية المصنفة كانت بمثابة عناوين استخلصت من "التيمات" والصور الشعرية المتواترة في النصوص بكثرة داخل المنتوج الأدبي أو النقدي كما توضح ذلك ملاحظة جان ايف تاديي (Jean Yvés Tadié): "إنه يجب أن نفهم جيدا بأن الصورة بالنسبة لباشلار ليست صورة بلاغية، ولا هي جزئية من جزئيات النص، إنها "تيمة" للكل، وهي تستدعي تضافر الانطباعات الأكثر تنوعا، الانطباعات الآتية من مختلف الاتجاهات، وهي ليست أبدا تأليفا لأجزاء واقعية مدركة أو لذكريات الواقع المعيش كما هو الحال بالنسبة لثقافة أو لنقد واقعيين، والفنان الباشلاري ليس هو الإنسان الذي قام بالملاحظة على أحسن وجه ولكنه ذلك الذي حلم بصورة جيدة، وإن الصورة هي أثر وظيفة اللاواقع في النص. إنها تسبق الإدراك بما أنها تصعيد لنموذج مثالي وليس "إعادة إنتاج للواقع" .
    وتتحدد المقولات التي يستند إليها النقد الموضوعاتي في نوعين أساسيين:
    1) أحوال الوعي ( الذات).
    2) مضامين الوعي (الموضوع).
    وتكمن أحوال الوعي في الإدراك والمعرفة والإرادة والانفعال والزمن والمكان والخيال، في حين تتمثل مضامين الوعي في الأحداث والأغيار والأشياء أو الكائنات الطبيعية والنفس بوصفها فاعلا.
    وتتم عمليات النقد الموضوعاتي بملاحظات ظاهراتية قائمة على الربط بين الذات المدركة والموضوع المدرك ووصف بنيات العمل الأدبي فهما وتأويلا قصد كشف الرموز والأفكار الدلالية دون الاستعانة بالمعرفة المرجعية والإسقاطات الخارجية المسبقة لفرضها على النص .
    كما يهدف النقد الموضوعاتي أيضا إلى تحديد رؤية الأديب للعالم انطلاقا من التحليل الداخلي المحايث للنسق النصي دون إهمال العالم المناصي أو التاريخي الذي أفرز النتاج الأدبي.
    و يستند المنهج الموضوعاتي إلى مبدأ الحرية في التنظير والتطبيق معا؛ مما يساعده على الانفتاح على المناهج والنظريات الأدبية والنقدية والفلسفية لاستيعابها وإدماجها قصد تحقيق الفعالية أثناء القراءة والتحليل (المنهج التاريخي، الاجتماعي، النفسي، الفلسفة، التـأويل الإيديولوجي، التصوف، الوجودية، الظاهراتية، النقد الأسطوري والديني، اللسانيات، الهيرمينوطيقا الخ...) .
    وهدف هذا النقد كما هو معلوم هو ربط الإبداع الأدبي بالذات في تمظهراتها الواعية وغير الواعية قصد تحديد أحوال الوعي ومضامينه مستخدما في ذلك لغة شاعرية شعرية تقارب الإبداع وتصفه بلغة ما ورائية إنشائية زئبقية يهيمن عليها الإيحاء أكثر من التقرير كاللغة البارتية المنزاحة . ويلجأ علاوة على ذلك إلى المقارنة أثناء التحليل فهما وتفكيكا، ويشتغل على الحدس في تقويم الأثر الأدبي ونقده ووصفه مع تحديد صيغ "تيماتية" كبرى على شكل عناوين أساسية تميز المقصديات المهيمنة في تلك الأعمال الأدبية الكبرى.
    ومن مميزات هذا النقد الجذري أيضا غلبة الطابع السردي (الشرح والعرض) على الطابع المنطقي إلا في محاولات محدودة مرتبطة بأنساق "تيماتية" منطقية مبنية على مقدمات ونتائج محددة.
    زد على ذلك أن النقد المداري الموضوعاتي قد أثار قضايا دلالية أكثر مما هي قضايا جمالية شكلية؛ لأن هاجس الجذريين الوحيد الذي كان يؤرقهم هو استخلاص البؤر الدلالية و حصر "التيمات"المعنونة الواردة في النصوص الإبداعية والأعمال الأدبية الناجحة رغبة في استكشاف الوحدة العضوية والمنطقية الجامعة بينها والمحققة لمدى انسجامها النصي واتساقها الفني.
    ومن حسنات هذا المنهج أيضا أن له أهمية تربوية بيداغوجية وديداكتيكية كبرى حيث يساعد هذا المنهج المتعلمين عمليا على مقاربة النصوص الأدبية والآثار الإبداعية بشكل فردي أو جماعي من خلال رصد المضامين والتيمات الموضوعية المحورية وتحديد المفاهيم الدلالية المتكررة التي تتحكم في نسيج النص أو العمل الأدبي. وقد يكون هذا الرصد جزئيا أو كليا. ويعني هذا أن المتعلم الذي يريد تطبيق هذا المنهج في دراسة النصوص والمؤلفات الأدبية قد يركز على موضوع واحد أو مقولة واحدة أو اختيار فقرة أو متوالية نصية صغيرة أو كبيرة من تلك الأعمال الأدبية الثرية لمقاربتها موضوعاتيا إما بشكل انطباعي ذاتي وإما بشكل موضوعي بنيوي.

    10- سلبيات النقد الموضوعاتي:

    من أهم سلبيات النقد الموضوعاتي السقوط في الدراسة المضمونية السطحية الفجة، وإهمال الشكل عند الموضوعاتيين الذاتيين، والميل إلى التأويل الفلسفي والنفسي والماركسي والفينومولوجي الذي قد يتعارض مع خصوصيات العمل الأدبي ووظيفته الجمالية والشعرية ، والإيغال المبالغ في استخدام الشاعرية المجازية وتشغيل التجريد الرمزي واستعمال التعابير الانزياحية التي تضر باللغة النقدية التي ينبغي أن تكون أداة وصفية موضوعية، ناهيك عن صعوبة وجود الوحدة الموضوعية والعضوية والمنهجية في كتابات الدارسين والنقاد الموضوعاتيين؛ لأن الخيط الرابط بين هذه المقاربات يعتمد على الحدس الصوفي والاستبطان الروحي الجواني والتخلي عن لغة المنطق والتقنين.
    والسبب في وجود هذا الحدس والاستكناه الصوفي والشاعري هو انطلاق أغلب النقاد الموضوعاتيين من شعرية ﯖاستون باشلار وقراءاته التخييلية للأشياء والصور والأفضية باعتبارها مرجعية رئيسية لأعمالهم القرائية. لذا، ينصب الاهتمام الموضوعاتي على المضمون والتيمات والصور المتكررة والمتواترة على حساب التقنيات التعبيرية والأسلوبية واللسانية والصيغ الجمالية الفنية والشكلية.
    و من هنا، ينبغي أن نعرف أن النقد الموضوعاتي هو نقد مضموني وشاعري أكثر مما هوى تقني وشكلي، إذ همه الوحيد اقتناصه " للتيمات" والمقصديات الكبرى المهيمنة في النصوص والموجهة لتصور الكاتب داخله إبداعه.
    ومن ثم، فالنقد الموضوعاتي "سواء ذلك الذي، رأيناه لدى باشلار أو لدى جان بيير ريشار لا يكاد يلتفت إلى الجوانب التقنية في تحليل الأعمال الشعرية، فهو نقد مأخوذ بالمعاني العميقة، مأخوذ باشتغال الدلالة في الشعر. كما يمكننا عند قراءة التحليل أن نلاحظ كيف كان هذان الناقدان ينتقلان عبر معاني الدواوين الشعرية ومع الدلالات المتناسلة في النص، مأخوذين بالإيحاءات الشعرية التخييلية حتى تتحول لغتهما معا إلى كلام شعري آخر، وهذه الخاصية تتميز بها لغة باشلار (Bachelard) بشكل أقوى، حتى إننا نستطيع القول بأن نقد باشلار (Bachelard) نقد شعري إذا صح التعبير، إنه معاناة جديدة لمعاني النصوص الشعرية التي يحللها" .
    ومن هنات المنهج الموضوعاتي كذلك أنه منهج قاصر لايحيط بجميع الجوانب التي يتكون منها الأدب كالتركيز مثلا على دراسة العلامات النصية وتشريح الدول السيميائية والاهتمام بالمتلقي واستقراء العلامات اللسانية والبلاغية والتداولية. لذا، يبقى المنهج التكاملي أفضل المناهج - في اعتقادنا - مادام يحيط بكل العناصر البنيوية التي يتشكل منها النص الإبداعي.

    خاتمـــــة:

    وعلى الرغم من سلبيات المنهج الموضوعاتي في التعامل مع النص الأدبي، فإنه منهج ناجع في التعامل مع النصوص الإبداعية من خلال منطلق التخييل الشاعري الذاتي أو اعتمادا على التحليل الوصفي الموضوعي قصد الوصول إلى الفكرة المهيمنة أو الرسالة المحورية التي تشكل نسيج النص الأدبي، بعد أن يتم رصدها دلاليا ومعجميا ولسانيا وبلاغيا عبر وضع جداول معجمية وإحصائية بناء على سياقاتها النصية والذهنية.
    كما يستكشف عبر هذه المقاربة التأويلية المنفتحة المرنة كل العلامات اللغوية الصادرة عن وعي المبدع أو لاوعيه المترسب لتحديد صورة الرؤية الدلالية والتعبيرية لربطها بحياة المبدع وواقعه الشخصي والبيوغرافي لمعرفة تصوره إلى الحياة والوجود والإنسان في شكل مقولات تيماتية محورية وموضوعات بارزة.
    ولكن يبقى المنهج التكاملي في اعتقادنا نموذجا نقديا مثاليا يجمع حسنات كل المناهج النقدية والمقاربات الوصفية، وينصب اهتمامه على كل العناصر البنيوية التي تشكل النص الإبداعي سواء من الداخل أم من الخارج.











    المصادر والمراجع العربية:


    1- أوستين وارين، ورونيه وليك: نظرية الأدب، ترجمة محيي الدين صبحي، مطبعة خالد الطرابلشي، طبعة 1972م؛
    2- جوزيف شريم: ( الاتجاهات النقدية والنفسانية )، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد:18-19 ، بيروت، لبنان، سنة 1984م؛
    3- حميد الحمداني: سحر الموضوع، منشورات دراسات سال، ط1، 1990م؛
    4- حسن المنيعي: نفحات عن الأدب والفن، دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، ط1،1981م؛
    5- روبرت ماجليولاSad التناول الظاهري للأدب: نظريته ، مناهجه)، ترجمة: عبد الفتاح الديدي، مجلة فصول المصرية، العدد:3؛
    6- سعيد علوش: النقد الموضوعاتي، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى سنة 1989م؛
    7- سعيد يقطين: القراءة والتجربة، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1985م؛
    8- سامي سويدان: أبحاث النص الروائي العربي، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت ط1،1986م؛
    9- الشكلانيون الروس: نظرية المنهج الشكلي، ترجمة إبراهيم الخطيب ، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، مؤسسة الأبحاث العربية، ط1،1982م؛
    10- فؤاد أبو منصور: النقد البنيوي الحديث بين لبنان وأوربا، دار الجيل، بيروت ، لبنان، ط1، 1985م؛
    11- عبد الكريم حسن: ( نقد المنهج الموضوعي)، مجلة الفكر العربي المعاصر، بيروت، لبنان، العددان: 44-45؛
    12-عبد الكريم حسن: الموضوعية البنيوية دراسة في شعر السياب، طبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر، سنة 1983م؛
    13- علي شلق: القبلة في الشعر العربي القديم والحديث، دار الآفاق، بيروت، لبنان، طبعة 1982م؛
    14-علي شلق: المتنبي شاعر ألفاظه تتوهج فرسانا تأسر الزمان، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط 1، 1982م؛
    15-علي شلق: ابن الرومي في الصورة والوجود، الطبعة الأولى سنة 1982م، بدون تحديد لمكان النشر؛
    16- علي شلق: أبو العلاء المعري والضبابية المشرقة، الطبعة الأولى سنة 1981م بدون تحديد لمكان النشر.


    المراجع الأجنبية:

    17 - Groupe de chercheurs : les chemins actuels de la critique, 10/18, 1973;
    18-J.P Richard : L’univers imaginaire de Malarmé, ed. Seuil 1961;
    19- Jean Yves Tadié : la critique Littéraire au XX Siècle. BL Foud. 1978;
    20- R. Barthes : Essais critiques. Seuil 1964;
    21- Royer Fayolle : La critique Littéraire. A. Colin 1964;
    22- T.Todorov: Introduction à la littérature fantastique.Seuil, Paris, 1974.


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 1:37 pm