غلق
خيارات وادوات
ارسل هذا الموضوع الى صديق WORD - حفظ حفظ نسخ - Copy بحث ارسل برأيك الى كاتب المقال نسخة قابلة للطباعة إشترك في تقييم هذاالموضوع إضافة إلى المفضلة المساعدة ؟ اضافة موضوع جديد اضافة الاخبار غلق
مواضيع أخرى للكاتب-ة
* منهاج تدريس اللغة العربية و تعلم المعجم
بحث:
عبدالاله الرفاعي
بحث:مواضيع ذات صلة:
عبدالاله الرفاعي
منهاج تدريس اللغة العربية و تعلم المعجم
عبدالاله الرفاعي
– منهاج تدريس اللغة العربية وتعلم الـمعجم والدلالة :
1 – الدرس اللغـوي ونصيب الظواهـر الـمعجمية فيه
الدرس اللغوي هو تلك العملية التعلمية المرتبطة بالظواهـر التي تحكم بناء اللغة العربية وهذه الظواهر تشمل ما هو صوتي وصرفي ونحوي وعروضي وبلاغي وكذلك ما هو معجمي / دلالي، وهذه الظواهر طبعا جديدة في برنامج اللغة العربية، حيث لم يكن في المرحلة السابقة سوى مجموعة من الدروس العروضية والنحوية المختزلة تشمل فقط السنة الأولى والسنة الثانية من التعليم الثانوي، وقد كان الأستاذ هو المحدد لتلك الدروس لانعدامها في الكتاب المدرسي الذي كان يولي اهتماما كبيرا لدراسة النصوص، لكن اليوم تغيرت الأمور وأصبح حضور الدرس اللغوي قويا، مدعوما بمرتكزات الدرس اللساني المعاصر بمدارسه وتوجهاته المختلفة، غاياته مساعدة التلاميذ على استثماره في مجالات تصريف الخطاب التعليمي في شقيه الجمالي والتعبيري أي أن » تتخذ بعدا وظيفيا يخدم النصوص الأدبية وأنشطة التعبير، بصفة عامة، مما يقتضي مقاربتها بعمق مع التركيز على الجانب التطبيقي فيما تحقق الغاية التي يستهدف « ( 1).
وما يلفت الانتباه في الدرس اللغوي / علوم اللغة هو التدرج في محتوياته حسب كل مستوى من مستويات التعليم الثانوي انطلاقا من أبسط الظواهر وأيسرها في التناول إلى تلك التي تتطلب قدرات عقلية ومهارات أعلى ، ومن هنا فقد تم بناء برامج علوم اللغة مرحليا على أساس تخصيص الجذوع المشتركة والسنوات الأولى من سلك الباكالوريا لدروس أقرب ما تكون إلى المداخل ليتم التركيز في السنة الثانية على قضايا لغوية وأسلوبية أعمق وأدق، فإذا أخذنا مثلا محتويات السنة الأولى والسنة الثانية فإننا نجدها تتناول الظواهر التالية :
بالنسبة للسنة الأولى ثانوي :
في المجزوءة الأولى : التعبير عن الذات وعن الجماعة يشمل مكون علوم اللغة العروض والبلاغة .
1 – بحر الوافـر . 3 – المتقارب . 5 – التشبيه الضمني .
2 – بحر الكامل . 4 - الخفيف . 6 – التشبيه التمثيلي .
وفي المجزوءة الثانية : الشعر العربي القديم ومظاهر التحول نجد نفس الشيء .
1 – بحر الرمل .
2 – بحر الرجز .
3 – القافيـة .
4 – الموشح .
5 – الاستعارة التصريحية والمكنية .
6 – الاستعارة الأصلية والتبعية .
وبالنسبة للسنة الثانية باكالوريا نجد – كما قلنا – نوعا من التعمق في القضايا اللغوية انطلاقا من :
الظواهر الصوتية والإيقاعية : وقد تناول الجانب المتعلق بدراسة الظواهر الصوتية كالمماثلة في شقيها : في الكلمة وفي السياق، والإعلال والإبدال، بينما تطرقت الظواهر الإيقاعية لأهم مكونات العروض من خلال الاشتغال على البحور الشعرية مع التركيز على القافية والروي وحروفها ، وهذه الأمور لها إيجابياتها، بحيث تمكن التلميذ من تعرف بنية الشعر وإيقاعاته ، ومساعدته على التمرن عليها وتطبيقها بصفة مستمرة باعتبارها وسائل لصقل الأذن الموسيقية من جهة، وإدراك أهمية الإيقاع في تشكيل الخطاب الشعري من جهة أخرى .
أيضا نجد احتواء هذا الكتاب لعدة ظواهر صرفية وتركيبية التي تستثمر مجموعة من القواعد النحوية والصرفية في وصف بعض الظواهر الدلالية والتداولية وتفاعلاتها، هذا بالإضافة إلى التركيز على الظواهر البلاغية والأسلوبية خصوصا علم البيان نظرا لكونه مدخلا مهما لتكوين الصورة الشعرية وبعض الظواهر الأسلوبية الحديثة مثل الانزياح والرمز والانسجام والاتساق ..
وبعد هذه الجولة في محتويات علوم اللغة المقررة في الكتب المدرسية الخاصة بالسلك الثاني يمكن أن نسجل غيابا للظواهر المعجمية كمكون مستقل بذاته، وإن كان الجانب الدلالي حاضرا في بعض تلك الظواهر الأسلوبية والبلاغية التي توظف في تفكيك رموز النص وتعميق دلالته، ومطابقة المقال للمقال، فإن المكون المعجمي يظل متواريا خلف تحليل النصوص والتفاعل معها، وليس في الدرس اللغوي الذي شغلت حيزه تلك الظواهر التي تم تحديدها والتي ركزت بشكل كبير على أساليب التواصل وأغراض الاستعمال، وتربية حاسة السمع لإدراك الأنماط الموسيقية للإيقاع وتنمية الرصيد النحوي والصرفي للمتعلم وليس إثراء مخزونه اللغوي لأن التلميذ ينشغل في الظواهر الصوتية أو التركيبية باستنباط القواعد واستخلاص النتائج، أكثر من الاهتمام بالمعجم، مثلا في درس المماثلة في الكلمة يتم تعريف المماثلة في اللغة : بالمساواة .
وفي الاصطلاح : تقريب حرف من حرف أو فناؤه فيه عن طريق الإبدال أو الإدغام .
ولكي يتعرف التلميذ أكثر على المماثلة خصوصا في شقيها التطبيقي يتبع ما طرأ على الكلمات التي وقع فيها إعلال أو إدغام من خلال جدول مساعد، يتضمن الأفعال التي على صيغة " فعل " عندما تصبح على صيغة " افتعل" ليخلص من ملاحظاته على ما يلي :
تبدل تاء " افتعل " طاء ، في كل فعل ثلاثي مبدوء بأحد حروف الإطباق الأربعة، وتبدل " دالا " في كل فعل ثلاثي مبدوء بزاي أو دال أو ذال، وما يحدث في الفعل يحدث في المصدر وباقي المشتقات، فهذه القواعد لا تسهم في اكتساب وتعلم المعجم، لأن فكر التلميذ يكون مشدودا إلى فك وتفسير تلك العلاقات التي تجمع الوحدات الصوتية .
إن هذا القصور في الفصل بين الظواهر التركيبية والصوتية والظواهر المعجمية يفسر شيء واحد هو الضبابية في تصور المعجم كمكون مستقل بذاته، وإن كانت هناك محاولات للفصل في ذلك في أحد الكتب المدرسية هو كتاب السنة الأولى من النظام القديم في شعبة العلوم التجريبية إلا اٌن ذلك كان بشكل سطحي، إذ تم التطرق فيه إلى كيفية التعامل مع المعجم كصناعة قاموسية واستعراض مجموعة من القواميس التي يعتمد البحث فيها على مخارج الحروف " كالعين " للخليل الفراهيدي وأيضا التي يعتمد فيها على أواخر الكلمة مثل لسان العرب، فإنها تبقى من المحاولات المحمودة في الدرس اللغوي .
انطلاقا من استقرائنا لكتب اللغة العربية الثلاثة المقررة في السلك الثاني، تبين لنا أن المؤلفين لا يميزون في الدرس اللغوي تميزا واضحا بين الظواهر التركيبية والظواهر المعجمية، الشيء الذي جعلهم يهمشون هذا الأخير، وربما هذا ناتج عن القطيعة القائمة بين الوعي الكائن للمؤلفين ، وبين ما توصلت إليه النظريات الحديثة في مجال المعجم والدلالة .
2 – درس النصوص والتحليل المعجمي والدلالي فيه :
سبق وأن توصلنا إلى أن حضور المعجم في الدرس اللغوي كمكون مستقل يكاد يكون منعدما أو بالأحرى متواريا وراء المستويات الصوتية والتركيبية الأخرى، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن تجليات المعجم والدلالة في درس النصوص وبعض الطرق المقترحة لتحليله ؟
قد يكون المستوى المعجمي والدلالي في النص من بين المستويات المربكة لفهم التلاميذ، بسبب الدور الوظيفي الذي تقدمه كل مفردة في توضيحها لباقي المستويات اللغوية الأخرى، وبالطبع يجب أن نستثني هنا الألفاظ الغريبة والحوشية التي نلجأ معها للمعاجم اللغوية من أجل فك رموزها، ولكن نقصد بصفة خاصة المفردات البسيطة والسهلة التي تكشف عن معناها منذ الوهلة الأولى في اللغة التواصلية اليومية، والتي قد تصبح محملة في النص بدلالات ومعان متعددة، مثلا إذا أخذنا نصا شعريا نجد أن الألفاظ التي توظف فيه تنتمي إلى اللغة الطبيعية غير أن استعمالها في سياق خاص يجعلها تتخذ دلالة عميقة ، الشيء الذي لا يجعل لها مدخلا معينا في القاموس أي أنها عندما تندرج في قصيدة شعرية ما فإنها تكف عن الانتساب إلى ما هو عام ومشترك وذلك بواسطة دلالة الإيحاء connotation التي تصبح منطوية عليها (2 )، وبالتالي فإن عدم مراعاة خصوصية الاستعمال اللغوي للمفردات قد يؤدي إلى سوء الفهم وتشويه المعنى خصوصا في النصوص الشعرية التي تأتي فيها المفردات متراصة بشكل مختلف عما هي عليه في النصوص النثرية، ولذلك فإن أي محاولة لإسقاط الدلالات المعجمية للكلمات في استعمالها اللغوي التواصلي العادي على نفس تلك الكلمات الواردة في النص الشعري، هي مغامرة قد تؤدي إلى فهم سطحي للمعنى، ونشير هنا إلى مسألة أساسية وهي : » استحالة اعتماد السياق اللغوي كوسيلة مساعدة للاقتراب من فهم معجم النص الشعري، ذلك أن التلميذ إذا كان في لغة النثر العادية ، يرتكز في شرحه لمعاني بعض الكلمات، التي لم يسبق له أن اطلع عليها، على السياق الذي وردت فيه مطبقا قانون الانطلاق من المعلومات للوصول إلى الـمجهول فإنه وهو إزاء نص شعري لا يملك إلا أن يتخلى عن هذا القانون « (3 )، وذلك راجع بالأساس كما أشرنا إلى تلك العلاقة المتفككة وغير المنطقية بين المفردات الشعرية الشيء الذي يجعل التلميذ يقف عاجزا أمام هذه الدلالات المفتوحة والمتعددة التي قد تشتمل عليها كل مفردة .
لكن ما هي بعض الطرق التحليلية الكفيلة بمساعدة التلميذ وتخليصه من هذا القلق والتشويش ؟ وكيف نجعله ينمي مخزونه اللغوي أمام هذا الإشكال ؟ هل من خلال حفظه للقصائد والمفردات؟ أم هناك قراءة تحليلية معينة تمكنه من ذلك ؟
هذه الأسئلة قد نجد لها إجابة في الكتاب المدرسي الذي يشير فيه أصحابه إلى كيفية قراءة الجانب المعجمي في النصوص وذلك من خلال استخراج الحقول المعجمية التي تعد تمرينا مثمرا ومكونا في الوقت ذاته، فهذه الوسيلة يمكن أن تطبق على جميع النصوص كيفما كان جنسها الأدبي، إذ أن » مقاربة النصوص انطلاقا من الحقول المعجمية من النادر أن تكون غير مجدية ، فالتلميذ الذي مرن على استعمال هذه الأداة بإمكانه أن يقارب نصوصا كثيرة بدون أن يكون قد حصل على تعليمات مسبقة ، وهذا ما يمكنه من إنجاز قراءة شخصية وفعالة في
الوقت نفسه « ( 4)، بمعنى أن اشتغال التلاميذ على تحليل النصوص انطلاقا من هذه المقاربة يختزل لهم معنى النص من خلال وضع قوائم معجمية لكل كلماته سواء كانت متجانسة أم مفككة، » وهكذا فإذا ما وجدنا نصا بين أيدينا ولم نستطع تحديد هويته بادئ الأمر فإن مرشدنا إلى تلك الهوية هو المعجم بناء على التسليم بأن لكل خطاب معجمه الخاص.
وهذه المبادئ العامة التي تم التوصل إليها بخصوص استعمال اللغة في الكشف عن المعنى في مادة تحليل النصوص الأدبية ودراسة المؤلفات, تمكن التلميذ من اكتساب مفردات وكلمات المعجم العربي بطريقة فنية ومحفزة، انطلاقا من تقديم المعاني السياقية لكل المفردات والتعابير الواردة في النص، اي معالجة الكلمات في مستواها المعنوي الذي وردت به في كل نص، وهي طبعا معالجة تختلف تماما عن المعالجة التي تقترحها المعاجم التي تقدم كل الشروحات عن كل كلمة في شكل خطي تتابعي ، بل إنها محاولة لاستنطاق النص بالكشف عن المعاني الأصلية للمفردات التي تبقى غائبة عن المتعلم إذا شغلناه بمجرد البحث في قواعد اللفظ وتسهيل الحفظ، وكيف يتأتى للمتعلم أن يعبر عن معاني النصوص إذا لم تتوافر له المفردات المعبرة، وإذا لم نزوده بمعانيها الأصلية واستعمالاتها المتنوعة من خلال سياقاتها وورودها داخل نصوص متاحة يسترجعها ويسألها ويستنطقها (5 ).
3 – الحقول المعجمية والدلالية في ضوء التوجيهات الرسمية :
إن من يقرأ التعليمات الرسمية يجد غيابا كبيرا لمصطلح الحقول المعجمية والدلالية في مطبوع البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة اللغة العربية بالسنة الأولى من سلك الباكلوريا الصادر في دجنبر 2005 ، لم نجد فيه مكانا للفظ الحقول بل اكتفى واضعو المطبوع بالإشارة إلى إجراءات منهجية عامة، لم تخرج عن صنافة بلوم للأهداف بمراحلها المعروفة، الفهم والتحليل والتركيب والتقويم أما عن كيفية تطبي هذه المراحل فبقيت دون توضيح ولعل هذا راجع إلى الطبيعة التوجيهية للمطبوع .
أما في الكتيب الصادر عن وزارة التربية الوطنية الموسوم بعنوان "منهاج اللغة العربية بالتعليم الثانوي " والمطبوع بتاريخ 1996 فيتضمن إشارة إلى أن القراءة المنهجية تستند إلى بعض الأساليب المرتبطة بالمكونات الدالية والدلالية والتداولية باعتبارها تكون شبكة دلالات المرتبطة بقراءة التلميذ للنص ليتم الاهتمام بالمستوى الأسلوبي في عناصره التركيبية والبلاغية والإيقاعية(6 )، إن الحديث عن المكونات الدالية والدلالية يعني من بين ما يعنيه استثمار الحقول المعجمية والدلالية في تدريس النص الأدبي وقد جاءت في النص إشارة واضحة إلى أن الاستثمار وظيفي يهدف إلى تقريب النص من التلميذ وربطه بالمستويات اللغوية الأخرى. كيف سيتم ذلك ، هذا ما ستتم الإشارة إليه في نفس الكتيب، حيث يندرج إيجاد الحقول المعجمية والدلالية في المرحلة الثالثة من مراحل تدريس النصوص وهي مرحلة اكتساب المتعلم القدرة على تحليل النص ، حيث يقارب التلاميذ النص في جانبه المعجمي، وذلك من خلال الأنشطة التعليمية التعلمية الآتية :
- استخراج عبارات وألفاظ تتكرر .
- إيجاد الحقل المعجمي أو الدلالي لعبارات معينة .
- تحديد الصفة التي تجمع بين مفردات معينة أو تفرق بينها .
- استخراج الأفعال الموجودة في النص وتصنيفها.
ثم تعقب ذلك أنشطة أخرى تتعلق بالصور الفنية والجوانب التداولية للنص. والملاحظ أن هذه التعليمات على درجة عالية من العمومية، ولا توضح الأبعاد الوظيفية للحقول المعجمية والدلالية، وإن كانت تشير إلى ذلك، كما أنها لا تبرز كيفية الاستثمار الإجرائي للإمكانات التي توفرها الحقول بالنسبة للأستاذ والتلميذ خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتدريس بالكفايات، وإن كان هذا ينطوي على بعض السلبيات ، فإنه من جهة أخرى يمنح الأستاذ حرية التصرف والإبداع بحسب نوع النصوص التي يعمل عليها وبحسب الوضعيات المشكلة التي تطرأ داخل القسم .
2 – دراسة تطبيقية على بعض النصوص الــمقررة في
الكتاب الـمدرسي:
انطلاقا مما تطرقنا إليه يمكن القول أن دور النص يبقى شاسعا في تعلم وتعليم المعجم والدلالة على اعتبار التعامل معهما كمادة اجتماعية نتواصل بها ونحتاج إليها، ومن هنا تتجلى أهمية ذلك لدى التلاميذ الذين يشعرون حقا أنهم بإزاء شيء لا بد منه .
وهذه الحقيقية كلما أدركها المعلم فإنه حتما سيغير طريقته التقليدية ، ويهتم بتعليم التلاميذ مناهج تساعدهم على الاستعمال الصحيح للمعجم لا بتحفيظهم القواعد والمفردات والتعاريف ولا يمكن أن يفعل ذلك إلا إذا كانت تحت أيديهم مفردات سهلة الاستعمال والعدة المعجمية التي يحتاجون إليها والقدرة على تحديد والإشارة إلى التمارين الأكثر دلالة(7). أي الانتقال بالتدريس من كفاية التلقي إلى كفاية الإنتاج وذلك بتوزيع طرق التعليم بحيث يتم التركيز على إشراك الطالب في عملية الاكتساب اللغوي من خلال العمل على تكوين ملكته وجعله قادرا على إنتاج اللغة عوض أن يكتفي بالتلقي, وطريقة تحليل النصوص تخدم كفاية الإنتاج أكثر من خدمتها لكفاية التلقي، ومن هنا تتجلى أهمية النصوص في إغناء قريحة المتعلم بمعاني وألفاظ جديدة وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة إذ يصطدم في النص الشعري مثلا بحروف وكلمات متراصة فيما بينها تشكل سلسلة متشابكة من العلاقات الدلالية، فهو لا يرى أمامه صورا متحركة على شاكلة ما نراه في الصور التمثيلية أو اللوحات الزيتية أي أنه يصطدم بصريا أولا بصور خطية تشكل جسم القصيدة أو النص الذي يريد أن يتذوقه من أجل هذا ستكون الحواس خادمة لهذا التوجه الذي يصطلح على تسميته بالبنية المعجمية, فالوحدة اللغوية هنا وحدة أساسية في بنية الخطاب الشعري, ومن هنا تمكننا دراسة المستوى المعجمي من القبض على دلالته ورصد شبكة العلاقات المتداخلة التي تكون جماليته وإخفاءها عن القارئ، فالدلالة تظهر وتختفي فتفعل في ذهنية القارئ وتدفعه إلى المقاربة والإنتاج، والمقصود بالمعنى المعجمي هنا هو مجموع الشفرات والعلامات اللغوية التي تشكل بنية نص ما بسياقاتها المعجمية والدلالية التي ينفرد بها كل شكل أدبي وهي تشكل حقوله الدلالية، هذه الأخيرة التي تعمل على تقديم المعنى وتحليله، ذلك المعنى الذي تشكله مفردات اللغة من خلال ترابطها وفق أنساق معنوية والتي هي في حركة وتغير دائمين بسبب التطور الدائم الذي تعرفه المفردات اللغوي (8 ) الشيء الذي جعل تراير Trier وهو أحد أبرز المهتمين بنظرية الحقول الدلالية إلى اعتماد طريقة سانكرونية حاول فيها إقامة نوع من المقارنة بين الحقول المعجمية حسب الحقب الزمنية أي دراسة مفردات حقل ما في حقبة زمنية معينة ومقارنتها تجعل آخر في حقبة زمنية أخرى، وعموما » إن الاشتغال على النصوص مع تلامذة التعليم الثانوي انطلاقا من البحث عن الحقول المعجمية تمرين مثمر ومكون في الآن نفسه فهو يمكن من معالجة النص انطلاقا من مادته الخاص به: اللغة مع عدم إلغاء التمييز المسبق بين العمق والشكل « (9 ).
والحقيقة التي يمكن أن نشير إليهاهنا هي أن هناك نوع من التداخل بين الحقل المعجمي والحقل الدلالي، إذ لا يمكن الحديث عن الحقول الدلالية خارج الحقول المعجمية ، ورغم ذلك سنحاول الاستفادة قدر الإمكان من التحديدات النظرية التي تعرضنا إليها في الفصل السابق في مقاربة اٌحد النصوص، وقد وقع اختيارنا على نص " للكميت " و حق الهاشميين اًوجب" من كتاب اللغة العربية " النجاح " السنة I شعبة الآداب باكلوريا، وسنركز في تحليل هذه القصيدة على المستوى المعجمي والبنية الدلالية وإبراز تجلياتها متبعين في ذلك بعض الأسئلة المقدمة في الكتاب المدرسي وهي كالآتي :
* بعد قراءتك النص، تبين أن موضوعه هو الانتصار لحق جماعة بني هاشم في الخلافة في مواجهة جماعات أخرى معادية مثل جماعة الأمويين المغتصبين لها في نظر الشاعر إلى أي حد يدعم تواثر المعجم في هذه الهاشمية هذا الاستنتاج ؟
* للإجابة على ذلك يقتضي الأمر استخراج الألفاظ الدالة على بني هاشم وأخرى دالة على أعدائهم .
* تأويل هيمنة حقل على آخـر .
ومن هنا تظهر أهمية المعجم في درس النصوص من خلال العناية التي منحت له من طرف المقررين ,وتبعا لهذا يمكن أن نحدد معجم الكميت على الشكل التالي :
يتكون هذا النص من 23 بيتا تتوزع ألفاظه كالآتي :
الأفعال حوالي 48 فعل مع تكرار بعضها .
الأسماء حوالي 97 كلمة .
وتشير هذه القراءة الكشفية للمستوى المعجمي أنه ينفتح على عدة محاور معجمية تبعا لأفكاره الأساسية التي يحدث فيها عن :
• نفي الطرب إلى الحبيبة أو الخمر، لأن طربه إلى أهل جماعته لم يترك مجالاتها .
• احتقار وتسفيه الأعداء وانتصاره في المقابل لبني هاشم باعتبارهم أهل فضائل .
ومن خلال استقرائنا للمعجم نجده يتوزع على حقلين معجمين دالين نحددهما على الشكل التالي :
حقل دال على الأنا / الجماعة
حقل دال على الآخر / الأعداء
طربت ، شوقا، البيض ، لعبا ، الفضائل، خير ، بني هاشم ، النهى، ، قالوا ، عيروها ، فيحلبوا ، سفاها
أرضى، آل، جهنم، تقي ، حق، القربى، أناس .. هؤلاء / طائفة / خبثهم ، ضلالهم ، يسخرون
الواضح من هذا الجرد أن الألفاظ المهيمنة هي الدالة عن الجماعة التي ينتصر إليها الشاعر عن الحقل الدال عن الأعداء، كما أن ألفاظ الحقل الأول تتميز بكونها تشمل أو تدل على كل ما هو حميد وإيجابي من أخلاق وقيم عكس الحقل الثاني الدال عن العدو أو الآخر الذي جاءت مفرداته عبارة عن صور سلبية ، والتعليل الوحيد الذي يمكن أن نقدمه هنا هو انتصار وتعصب الشاعر لآل البيت على غيرهم من الطوائف، فقد استطاعت الشخصية الجماعية أن تستأثر بمشاعر الشاعر ، وتستبد بعواطفه حتى اختفت شخصيته الفردية، ولا غرابة في ذلك، إذا تأملنا في الشعر العربي القديم ووقفنا على بعض أغراضه التي لا يكاد يلمح فيها أثر للفردية، فقلما كان الشاعر يعبر عن نفسه بل كان قبل أن يكون قيتارة نفسه كان بوق جماعته ومآثرها .
وهذا الجرد قد يطرح العديد من المشاكل المنهجية التي تستوجب توضيحها حلها مع التلاميذ، فلفظة » هؤلاء « في الحقل المعجمي الدال على الآخر تحمل معنى التحقير، وكلمة » بني هاشم « في الحقل الدال على الجماعة تعني التقدير والاحترام لأنه يسمي هذه الأخيرة اعترافا بها وتهميشه للأعداء بعدم ذكر اسمهم وكذلك لفظة » قالوا « التي فيها نوع من التسفيه، لكن كيف يتم إقناع التلاميذ بأن هذه المعاني لا يمكن قبولها هنا، وأن نصا إذا كان متعدد المعاني لا يمكن أن يكون له أي معنى كان ؟
فالحل هو جعلهم يقبلون قاعدة مفادها أن هذه الكلمات التي تم جردها لبناء الحقول المعجمية ينبغي أن نفهمها في استعمالها السياقي :
- بني هاشم رهط النبي فإنـني *** بهم ولهم أرضى مرارا وأغضـب
- وكنت لهم من هؤلاء وهؤلاء *** مجنا على أني أدم واقصـــــــــب
- وقالوا ترا بي هواه وراًيـه *** بذلك اًدعــى فيهم وألقـــــــــــــــــب
وهناك أهمية أخرى للقراءة المنهجية انطلاقا من الحقول المعجمية، هي الانتهاء إلى رؤية دينامية أو درامية للنص، يجب إذن على الأقل، خلق الاهتمام لدى التلاميذ بجرد الحقول المعجمية والكشف عن تطورها داخل النص وعن تغيراتها وتعارضاتها، والنص الذي بيد أيدينا يخلق نوعا من الدينامية ناتجة عن صراع على مستوى الكلمات الأساسية التي تشكل صميم الموضوع مثل : آل ، الفضائل ، بني هاشم ** قالوا، طائفة، خبثهم ، هؤلاء .. ، فالصراعات العصبية والشعوبية التي ظهرت في العصر الأموي نتيجة نشأة الأحزاب السياسية والمذاهب الفقهية، انعكست على معجم النص الذي يمكن أن نحدد سمات بعض ألفاظه على الشكل التالي :
بنو هاشم طربت هؤلاء طائفة
+ اسم مركب + حي +فعل +ماض +ثلاثي + اسم اشارة +أشخاص+ +اسم +حي+كثرة
+ أفراد + أصالة +حب ـ كره ,.... +تحقير +ظلم..... +قلة الشأن......
+ شرف – ظلم
فالشاعر أقام نصه على نوع من التعارض ركز فيه على كلمات ( ذات قيمة / بدون قيمة ) أو ( حي / غير حي ) ..
وهذا الصراع سينبثق عنه نوع من التضاد على مستوى الأفعال :
أرضى # أغضب ، ورثناها # ما ورثتهم ، أروح # أغـدو ..
وكذلك على مستوى الأسماء : بني هاشم # الردفين ، أم # أب
كما أن معجم هذه القصيدة يركز على شيء آخر هو الترادف، إذ يقول اللفظة ويردفها أخرى حتى يؤكدها وتسمى هذه الطريقة بأسلوب الإرصاد والتسهيم ومن ذلك :
طربت ---- أطرب هؤلاء ---- هؤلاء طائفة ---- طائفة
ومعنى هذا أن هذا الترادف والثنائيات الضدية تلعب دورا مهما في إضاءة جوانب مهمة من النص، فبمجرد ما تدخل كل كلمة في تآلف واقعي مع كلمة أخرى أو مع مجموعة من الكلمات حتى تحدد لنا معنى النص، إذ تكون بمثابة مفاتيح تبصرنا بمواطن الغموض فيه، وهذا يستدعي الأخذ بعين الاعتبار قيمتها الاستعمالية .
ومن هنا يتبين لنا الدور الذي يلعبه المعجم والدلالة ، فهما لحمة أي نص كان، وتحيلا مكانا أساسيا في تحليل أي خطاب لذلك اهتمت بهما الدراسات اللغوية قديما وحديثا وجعلتهما محور الدراسة التركيبية والدلالية وهذا يجعلنا نعترف أن اعتماد الطريقة الإحصائية لها دور كبير في تعلم المعجم ومعاني مفرداته، لأنها تجعل التلميذ يتفاعل مع الخطاب ورصد معانيه ، وتمكنه أيضا من قراءة منهجية أكثر فاعلية وإنتاجية للمعنى لأنها تقود التلاميذ إلى فكرة أن النص هو قبل كل شيء اشتغال على اللغة، فقراءة نص ما ليس فقط المرور عبر كلماته من أجل الارتباط بما يصفه أو يحكيه، أو يؤكده ولكن أيضا الوقوف عندها لقراءة النص بحرفيته، فكل نص إذن يبدو مع خصوبة المناقشات التي يثيرها لدى التلاميذ بمثابة آثار اللغة التي تخلق آثار المعنى .
وهذا لا يعني أننا نعتمد اعتمادا على الجانب المعجمي أو الدلالي لفك رموز النص لذلك فنحن » مضطرون إلى القبول بأن بعض العناصر قد يهيمن على ما سواه ويكشف بروزها ولكنه لا يقضي عليها نهائيا « (10 ) إيمانا منا أن المعجم – في الأخير – ما هو إلا بنية تتشكل من عدة عناصر صوتية تركيبية صرفية .
من خلال كل هذا يتبين أن تعلم المعجم والدلالة يقتضي التعامل معه بكل حرية ودون قيود انطلاقا من تحفيز التلاميذ على التفاعل مع النص وربط وحداته المعجمية والدلالية بسياقه الاجتماعي، حيث تصبح اللغة وظيفة تركيبية ودلالية الشيء الذي يفتقده المعجم كقاموس ، حيث تبقى المفردات داخله حبيسة وجامدة لا معنى لها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية يجب التعامل مع المعجم كمكون مستقل بذاته له وظيفة فعالة في اكتساب وتعلم اللغة ، وهذا الأمر لن يتأتى إلا بالتعامل معه بشكل علمي انطلاقا من تنظيرات اللسانيين التي يجب استغلالها إلى أقصى الحدود في وضع البرامج الدراسية حتى نحقق تكاملا بين جميع المستويات اللغوية.
المراجع:
( 1 ) - البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة اللغة العربية ، دجنبر 2005 ، ص : 7
(2) – تدريس الأدب : محمد حمود ( استراتيجية القراءة والقراء ) ، منشورات ديداكتيكا 93 ، ص : 48
( 3) - مجلة علوم التربية ، المجلد الثاني ، العدد 17 / 1999 ، ميشال موكنو Michel Mougnot ، ترجمة : ع . القادر سباغ ص : 25
( 4 ) – الـمرجع السابق ص40
(5 ) – اللسانيات وتعليم اللغة العربية وتعلمها ، ذ . عبد العــــــزيز العماري ، سلسلة الندوات 14 ، 2002 ، ص : 144 / 145
( 6 ) – منهاج اللغة العربية للتعليم الثانوي ، ص : 26 – 27
(7 ) – Précis de lescologie français jacqueline Picoche , NATHAN 1977 p 151
(8 ) – Elements de semantique Jhan lyans : La rausse Edition page 120 / 103
(9 ) – مجلة علوم التربية ، المجلد II ، العدد 17 أكتوبر 1999 ، ص : 113
(10 ) – تحليل بنية الخطاب الشعري ، د . محمد مفتاح ، المركز الثقافي العربي ، ط III ، 1992 ص ك 59