منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    قصيدة اللاشكل

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    قصيدة اللاشكل Empty قصيدة اللاشكل

    مُساهمة   الأحد مارس 21, 2010 2:38 pm


    منقول لتعميم الفائدة
    مع الود طبعا


    قصيدة اللاشكل ... قصيدة الأشكال المتعددة

    عبده وازن


    لم تعد قصيدة النثر العربية تحتاج الى من يدافع عنها، فهي باتت منذ قرابة خمس وأربعين سنة على نشوئها، قادرة تمام القدرة على هذا الدفاع، لا سيما بعدما بسطت جناحيها على الشعر الجديد والراهن. ولا يحلو لي أن أقول إنها انتصرت في «المعركة» التي شنت عليها منذ الستينات، مصحوبة بحملة من الاتهام والتخوين والتجريح. فهذه القصيدة ليس من طبيعتها أن تقف عند انتصار ما، لأنها ابنة التحوّل الدائم، والقلق الدائم، وقد فرضت نفسها بجمالياتها الخاصة وشعرياتها الفريدة.


    أعترف انني لم أنتبه يوماً الى أنني اكتب قصيدة نثر. كلّ ما في الأمر انني اكتب قصيدة لا أقف عند عتبة اسمها. واعتقد ان هذا الشأن ينطبق على سائر الشعراء العرب الذين يكتبون هذه القصيدة تلقائياً. وهذا ايضاً ما يحصل في فرنسا، مسقط رأس قصيدة النثر، أما نقدياً فلم تمض بضع سنوات على وضع سوزان برنار كتابها الشهير «قصيدة النثر منذ بولدير حتى ايامنا» حيث لم يعد أي شاعر ينتبه الى أنه يكتب قصيدة نثر تحديداً عام 1959 حتى انحسر الكلام على قصيدة النثر وبدت نادرة جداً الكتب التي تناولتها لاحقاً، على خلاف الكتب النقدية الكثيرة التي تصدت للشعر الجديد ومدارسه وللشعريات الجديدة المتنوعة. وطوال عقدين وخصوصاً عقد السبعينات من القرن الماضي اختفت قصيدة النثر من المعترك النقدي لأنها «كرست» نفسها غير القابلة للتكريس أصلاً، منذ منتصف القرن التاسع عشر مع بودلير والينريوس برتران ومالارميه.


    اعتقد اننا انتقلنا اليوم من مقولة «قصيدة النثر» الى مقولة نابعة منها ولكنها أشد رحابة هي مقولة «شعر النثر». ولعل المقاييس التي وضعتها الناقدة سوزان برنار، وهي: الايجاز والكثافة أو التوهج كما يحسن لبعضهم أن يقول والمجانية، لعل هذه المقاييس لم تبق قادرة على تحديد قصيدة النثر الراهنة في فرنسا نفسها وأوروبا والعالم العربي كذلك. هذا ما لحظه ناقد مثل تودورف عندما اعتبر ان صفتي أو معياري الايجاز والكثافة لا يمكن حصرهما في قصيدة النثر وحدها، لأنهما من معايير الشعر الحديث أياً كانت تجلياته. أما المجانية فيجب ان يفهم بها أن القصيدة لا غاية لها سوى نفسها وأنها موجودة لنفسها ولا هدف تعليمياً (ديداكتيك) لها ولا اجتماعياً ولا سياسياً. «شعر النثر» قد يكون خير وصف يمكن ان توصف به «قصائد النثر»، بحسب تسمية الناقد الفرنسي جوليان روميت والناقدة الفرنسية بريجيت بيركوف. فليس من قصيدة نثر واحدة ذات نظام مغلق ونموذج جاهز، بل ثمة قصائد نثر تختلف واحدتها عن الاخرى، شكلاً وأسلوباً وبنية ورؤية. لم يعد أي شاعر في فرنسا والعالم العربي يلتزم المعايير التي استخلصتها سوزان برنار بل ان «شعر النثر» تحرر تمام التحرر من المقولات الجاهزة ماضياً في حلم الحرية، الحرية المستحقة طبعاً ولو عادت سوزان برنار الآن الى الابتداع الشعري المراكم راهناً لاستخلصت معايير جديدة تختلف عن المعايير السابقة. فقصيدة النثر شهدت تطوراً هائلاً لا سيما بعدما اخترقت المدارس والانواع كافة. وهذا ما حدث عربياً مع الشعراء الذين اعقبوا حركة «شعر» من امثال سركون بولص وعباس بيضون وسليم بركات وبول شاوول وسواهم، ومع شعراء الاجيال اللاحقة وما اكثرهم. لئلا أقول المشروطة بحسب عبارة اوكتافيو باز. وما يجب الاشارة اليه ان ما كان يسمى شعراً حراً في فرنسا مثلاً تحرر في ضوء قصيدة النثر من سطوة الاوزان الجديدة والمتنوعة لتصبح قصيدة الشعر الحر قصيدة أسطر لا يحكمها وزن ولا قافية. وطرحت هذه القصيدة نفسها قريناً لقصيدة النثر الجديدة التي باتت تستعين بما توافر لها من اشكال لتصل الى اللاشكل القائم على ابتداع اشكال مجهولة وغير معروفة. هكذا عرفـــت قصيدة النثر الجديدة كيف توظف اشكالاً عدة لمصلحتها كالوصف والسرد المختصر والحوار والخاطرة أو الأفوريسم والمشهدي والحلمي وسواها.


    واذا كانت قصيدة النثر بحسب سوزان برنار فسحة «للتوتر الشعري» فهي ايضاً مغامرة سافرة في اكتشاف منابع اللغة والاحتكاك بالمجهول وابتداع المفاجآت الساحرة، لغة وصوراً وعلاقات. وهذا «التوتر» الذي تتحدث عنه سوزان برنار هو رديف ما يسميه اندريه بروتون «بابا» السورياليين «التشنج» و «جمالية التشنج». ولعله يمثل ايضاً السبيل الى ما يسميه رامبو «تشويش الحواس» الذي أتاح له أن يكتب رائعته «الاشراقات». أما اللافت في قصيدة النثر فهو انها كانت ملتقى المدارس والتيارات، بعدما عبرتها الرومانطيقية أو جاورتها، وأجتازتها الرمزية والبرناسية والسوريالية والدادائية وسائر المدارس الحديثة. وظلت هذه القصيدة راسخة ومتحولة في الحين عينه. وقد يسأل سائل لماذا عمد كبار شعراء الوزن في فرنسا مثلاً الى كتابة قصيدة النثر؟ الم تكفهم الأوزان الفرنسية الكلاسيكية والحديثة للتعبير عما يجيش في داخلهم وعن نظرتهم الى العالم؟ لنتصور رامبو شاعر «المركب السكران»، تلك القصيدة الموزونة الشهيرة، ينادي بتخطي «الشكل العجوز» للشعر، كما يعبّر. وشعريته البديعة والغريبة تفجرت في قصائد النثر وليس في الشعر الموزون. فهذا الشعر كان عاجزاً حتماً عن تحمل تجلياتها الوحشية و «الصوفية» والجحيمية والفردوسية. لم تغر قصيدة النثر شاعراً مثل بودلير أو مالارمية أو جيرار دونيرفال. لم تغرهم فقط قصيدة النثر بل كانت حافزاً لهم على عيش الزمن الحديث ومواكبة المدينة الحديثة وقد وجدوا في هذه القصيدة، امكانات خلاقة خربطت طبيعة الشعر نفسه. وقد لا تخلو هذه القصيدة من الاغراء حقاً أولاً في طلاوتها ورحابتها على رغم مبدأ الاختصار وفي تخليها ثانياً عن الاطراد أو الانتظام الرتيب للوزن. وقد استطاعت هذه القصيدة فعلاً أن تخلق موسيقاها الخاصة أو الموسيقى الاخرى وهي ليست تلك التي تولدها الايقاعات المنتظمة والعودة المنتظرة للقوافي. انها الموسيقى الاخرى، الداخلية والصوتية، الاشد تنافراً وتناغماً في آن واحد والأقل توحداً وملاسة. بدت قصيدة النثر للوهلة الاولى انها ضد وحدة «الصوت» وضد وحدة «الدهشة». فهي التي تستوحي الحياة الحديثة كان لا بد لها من أن تتمكن من احتواء الاصوات المتنافرة والانقطاعات والانغام الناشزة. انها قصيدة الضوضاء وقصيدة الصمت وقصيدة الصراخ. وكم اخطأ الذين رأوا أن قصيدة النثر خلوٌ من الايقاعات. فهذه القصيدة يستحيل عليها أن تنهض بعيداً عن الايقاع الذي هو ايقاع اللغة أولاً واخيراً، وعن المؤثرات الصوتية التي ترتكز اللغة عليها اصلاً. ولعل أهم وصف أو تحديد لقصيدة النثر هو ذاك الذي وصفه بودلير قائلاً: «مَن منّا لم يحلم بمعجزة نثر شعري، موسيقي بلا وزن ولا قافية، لين ومتنافر، كي يتآلف مع الحركات الغنائية للروح، ومع تموجات الحلم وارتجافات الوعي؟». مثل هذا الوصف أو التحديد يرسّخ الطابع الحر الذي اتسمت به قصيدة النثر. وهو عوض ان يحدّ هذه القصيدة ضمن معايير معينة فتح أمامها باب الحرية لتكون قصيدة المستقبل والمستقبل الذي لا تخوم له. بات من المسلّم به أن الوزن لم يكن يوماً ليصنع قصيدة. الوزن وحده ليس غاية البتة. وليس من المهم تقديس قواعد الوزن، بل المهم هو الوفاء للتناغم الداخلي، التناغم الكامن في روح الشاعر، والوفاء للرؤيا والاستيحاء الخلاق والدهشة والحلم. المهم احترام «التجربة الداخلية» للشاعر والقارئ بدوره. والشعر كما علمنا التاريخ يستحيل حصره في شكل واحد وطريقة واحدة في الكتابة وفي اسلوب واحد. وفرادة قصيدة النثر تكمن في أنها نشأت من رفض الثبات في الانواع، وقد رفضت هي نفسها أن تُحدّد أو ان تتميز كنوع جديد. هذا ما يؤكده تعدد الاشكال فيها، وغياب الإكراه أو الارغام الذي يمارسه المضمون عادة أو الأسلوب. انها قصيدة الحرية والخلق الذي لا حدّ له. وفي هذا المعنى ليست قصيدة النثر نوعاً اضافياً بل يضاف الى سائر الانواع، انها كينونة اساسية في الشعر الحديث. وقد علمتنا هذه القصيدة ان الكتابة الشعرية حرة ويجب عليها ان تكتشف كل مرة. انها القصيدة المغامِرة، القصيدة التي لا تستسلم لأي يقين، القصيدة التي تشكّك في العالم مقدار شكها في نفسها. وجدت قصيدة النثر لتكون نقيض اليقين، أي لتكون قصيدة الاختبار الذي لا حدود له. انها قصيدة القلق، قصيدة التمرد الدائم، قصيدة الاكتشاف الدائم. انها القصيدة الاكثر حرية، القصيدة الأكثر استحقاقاً للحرية. انها الصيغة الشعرية الفردية او الشخصية التي تظل تعصى على أي تحديد نهائي. هكذا صنعت قصيدة النثر ما يشبه الاستقامة الجديدة، وأرادت لنفسها ان تكون شهادة ورؤيا في الحين عينه.


    انها قصيدة المستقبل، بل قصيدة مستقبل المستقبل.
    __________________
    تتنزهُ في ربوعي رابعة
    ابتسام السيد غير متصل
    ابتسام السيد
    عرض الملف الشخصي العام
    البحث عن المزيد من المشاركات بواسطة ابتسام السيد
    قديم 12-02-2010, 11:10 AM #3
    ابتسام السيد
    مطـــــــــــرية

    صورة عضوية ابتسام السيد

    تاريخ الانضمام: Sep 2008
    محل السكن: ليبيا
    المشاركات: 3,118
    ابتسام السيد is on a distinguished road

    افتراضي
    قصيدة النثر في ليبيا
    في منتصف سبعينات القرن الماضي، صار من المقبول قراءة هذه النصوص التي لا تمت للوزن ولا تتماش معه، وإن كان البعض قد ألمح أن بدايات السبعينات ذاتها شهدت ممارسة البعض لمثل هذه الكتابات، إلا إن (قصيدة النثر) بدأت كنص يفرض نفسه على أعمدة الصحف وصفحات المجلات في النصف الثاني من السبعينات بشكلٍ يؤكد حضورها وحضور شعرائها، الذين كانوا إما شعراء اختاروا قصيدة النثر (وهنا تكون القصدية هي المحرك، في الكتابة بهذا الشكل)، وإما شعراء أرادوا خوض تجربة الكتابة خارج الوزن بعد أن كتبوا النص التقليدي والتفعيلي (وهنا تكون القصدية بغاية التجريب).. لكن الثابت أن فترة الثمانينات1.. هي الفترة الخصبة، والفترة التي تكونت فيها (قصيدة النثر) في ليبيا وشكلت من خلالها منهجها واتجاها، بحيث كانت هذه الفترة فترة التجريب الكبرى التي كتب فيها الشعراء وتحركوا فيها في أكثر من اتجاه، حيث شهدت هذه العشرية صدور أولى مجموعات (قصيدة النثر)2، وكانت للشاعر "عبداللطيف المسلاتي" بعنوان (سفر الجنون/1) الصادرة في طبعتها الأولى بتاريخ 1980، عن المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، وتشير التواريخ المثبتة في نهاية القصيدة الأولى أنها نشرت في العام 1976، منشورة في ثلاث مطبوعات محلية هي: صحيفتي الأسبوع الثقافي والفجر الجديد، ومجلة الفصول الأربعة.
    الثمانينات لم تكن مجرد عشرية عادية بالنسبة لحركة الشعر الليبي، لقد كانت أحد أخصب المراحل إنتاجاً، فنشرت في هذه العشرية 40 مجموعة شعرية، بينها 15 مجموعة شعرية (قصيدة نثر) بنسبة تمثل 37.5 % وهي نسبة مرضية لمجموع سبعة شعراء توزعت مجموعاتهم الشعرية كالتالي (بحسب الإصدار الأول للشاعر):
    1- عبد اللطيف المسلاتي، مجموعتين شعريتين: سفر الجنون/1، سفر الجنون/2.
    2- محمد الكيش: مجموعتين شعريتين: عن بهية والزمن الأخضر، كتاب المراثي.
    3- محفوظ أبوحميدة: مجموعة شعرية واحدة: يبتغيك الفؤاد قريبة.
    4- عبدالرحمن الجعيدي: ثلاث مجموعات شعرية: أحبك من البحر إلى دمي، أغان على أرصفة الضياع، مقاطع ممزقة للوطن والحب.
    5- فوزية شلابي: خمس مجموعات شعرية: في القصيدة التالية أحبك بصعوبة، بالبنفسج أنت متهم، فوضوياً كنت وشديد الوقاحة، عربيداُ كان رامبو، والسكاكين أنت لحدها يا خليل.
    6- عائشة المغربي: مجموعة شعرية واحدة: الأشياء الطيبة.
    7- زاهية محمد علي: مجموعة شعرية واحدة: الرحيل إلى مرافئ الحلم.
    وموازاة لهذه المجموعات كانت حركة النشر من خلال الصحف والمجلات، تؤكد حضور (قصيدة النثر) وحضورها القوي، الذي يعبر كونها الشكل الذي أخذ أكثر الشعراء إلى عوالمه.
    وإن عدنا إلى بدايات (قصيدة النثر) في ليبيا وظهورها كشكلٍ أدبي، نرى أنهُ لم تثر حولها أياً من المناقشات أو الحوارات، حتى إنها لم تتعرض للمواجهات الحامية التي تعرضت لها (قصيدة النثر) عربياً، حتى إن بعض هذه الخلافات تم استيرادها من تلك المواقع التي حمى فيها الخلاف، وإن كانت بعض الحوارات الحامية حدثت فعلاً ضمن نطاقات ضيقة ومحدودة من خلال اللقاءات، لكنها كانت تفتقر إلى محاور النقاش الأساسية وأيضاً لتشبث كل طرفٍ بما له، لذا فإننا نستطيع القول أن (قصيدة النثر) في ليبيا لم تعاني الكثير من أجل أن تتميز نصاً وشاعراً، بل إن هناك بعض الشعراء الذين تخلوا عن الوزن باتجاه انفتاح (قصيدة النثر) على عوالم أكثر اتساعاً.. ونستطيع القول أن هذا النص عاش بتجاور تام مع أشكال الكتابة الشعرية الأخرى، دون أن تكون أياً من صدامات (النثر× الشعر)، ولعلنا نعيد هذا إلى طبع الثقافية الليبية الذي يفتقد حقيقية للعمق الذي يمكنه من اتخاذ موقف ثقافي تجاه أياً من أجناس الكتابة أو الإبداع الجديدة، فطبيعة التكوين الثقافي الليبي طبيعة التأثر، والتتلمذ (حتى هذه اللحظة نكاد نلمس الكثير من مظاهر التتلمذ والتأثر).. وطبيعة التلميذ تجعله دائماً وفيَّ السمع لكل ما يقوله له أستاذه، وهو (الشرق) الذي كان الأستاذ الأول للثقافة في بلادنا، فلقد ظلت ليبيا تعيش حالة من ألا توازن حتى الخمسينيات، لتتمتع بنوعٍ من الاستقرار يكفل لها النظر إلى داخلها وإلى شؤونها، للوقوف على أرضها ومن ثم الانطلاق بثبات.. طبيعة التتلمذ هذه كانت تعني في مستوى موازي عدم النظر إلى ما يمكن أن يتكون من رصيد، ولأنه لم يتم الالتفات إلى هذا الرصيد إلا متأخراً (في تسعينات القرن الماضي)، فإننا ظللنا ننظر إلى الشرق الرائد الذي لا يكذب أهله، ومصدر النور الوحيد الذي منه تأتي المعارف والعلوم.. ولقد تأثر الكثير من شعراءنا بشعراء الشرق حد التناص، سواء على مستوى الأفكار أو على مستوى النصوص.. وفي نهاية الستينيات يكتب أحد النقاد، أن الشعر في ليبيا بعد أن أنفلت خارج حدود الوزن والصورة الشعرية العربية، تحول إلى شعر (نواقيس وصلبان)، مشيراً لأثر بعض المطبوعات مثل: (الطليعة)، (الكتاب)، (الآداب) البيروتية، في تكوين النص الليبي، فكراً وشكلاً.
    لكن السبعينات بدأت تشهد التغيير الفعلي، والتأثر أكثر، لتكون الثمانينات شكل هذا التأثر الجديد، فبعد أن كان التأثر بما يأتي من الشرق في شكل نتاجٍ أدبي (شعر، قصة، رواية)، بدأ التأثر في مستواه الثاني بالترجمات التي بدأت تأتي مواكبة للأسماء الشعرية الغربية الكبرى، والتي فتحت الآفاق ناحية معاني جديدة للصراع وأكثر فلسفةً، لتكون أسماء من أمثال: بودلير، إليوت، رامبو، بابلونيرودا، كافكا، لوركا.. وفي مستوى ثاني كتاب وروائيون من أمثال: أرنست همينجواي، تولستوي.. أهم المحركات والمكونات الجديدة.. فإن كانت حركة النص الشعري في ليبيا لم تعول على رصيدها (بفضل الأستاذ)، فإن (قصيدة النثر) نشأت بانقطاعٍ تام عن مكانها محلياً، باتجاه النموذج العربي والنموذج الغربي (مترجماً)، لذا بمجاوزة ربكة الظهور الأول في السبعينات، فإن الخطوة الثاني كانت آكد ناحية تأكيد فاعلية النص، ولو اتجهنا إلى للمجموعات الصادرة في هذه الفترة أكثر تجريباً وتعويلاً على النص، ناحية كونه الشكل الذي سيكون محل التجربة، أو الإطار العام للتجربة.. وبذا فإننا في هذه البداية سنلمح بشكل واضح سعي النص باتجاه تبني فلسفته الخاصة، كما تقدمه تجربة "الشاعر/عبداللطيف المسلاتي" باعتماده بشكل مبكر تقنية (حساب الفقرات).. ومجرد الرصد كما في تجربة "الشاعر/محفوظ أبوحميدة"، أو أن تتعدد إحالات النص، وتتجه صوب البحث في الموروث العربي بشكل واضح كما في تجربة "الشاعر/محمد الكيش"، أما النص بشكله المستقل فقد قدمه "الشاعر/عبدالرحمن الجعيدي" في شكله الخالص للنص، بينما يتحول النص إلى رغبة الخروج والثورة في تجارب الشاعرات "عائشة المغربي" و"زاهي محمد علي" وبشكلٍ مميز من خلال تجربة "الشاعرة/فوزية شلابي".. وأن كان النص في غالبه يجنح عند الشعراء باتجاه استخدام الفقرة، أو التفقير، إلا أنه حتى هذه اللحظة ظل يعول على عمودية البناء، بحيث يخلص النص في بنائه إلى البداية والنهاية.. لكننا بالدخول إلى التسعينات نكون قد دخلنا بتجربة (قصيدة النثر) خطوة جديد.
    وإن سمح لي بالوقوف قليلاً.. فإني أنبه إلى إن (قصيدة النثر) في شكلها الخارج عن الأنظمة، والطامح أكثر ناحية التغيير، كان يوازي رغبة الانطلاق لدى الأنثى، ومحاولة قفزها السور الدائر حولها، لذا فإنها آمنت بهذا النص إيماناً كاملاً، بأنه الشكل الأقدر على منحها الصوت الذي تريد، والعالم الأكثر رحابة دون قيود3.. لذا فإن عشرية الثمانينات (تحديداً أواخر السبعينات) شهدت ظهور أكثر من شاعرة.. لتقدم الثمانينات مجموعة أخرى من الشاعرات، وهكذا.. ولو قرأنا هذا الظهور من وجهه الآخر، بقراءة النص، لأمكننا الوقوف على إمكانيات (قصيدة النثر) التي تم استثمارها في كتابة النص.
    أمّا لو وازينا المشهد من خارج المجموعات المنشورة، من خلال ما ينشر في الصحف والمجلات، لأمكننا التأكد من مشروع النص الجديد الذي بدأ يكتب، والذي بدأت تتأكد معالمه من خلال محاولات متميزة، لبعض الشعراء من الاشتغال بهذا النص (لعل من ميزات الثقافة الليبية إنها لا تنحاز للكتاب كثيراً، فالكثير من إرثنا الثقافي لازال موجوداً في الصحف والمجلات، حتى إننا يمكننا اعتبار أن ثقافتنا المحلية أكثر ما اعتمدت كان على الصحف والمجلات، لذا فإني أعول عليها كثيراً في قراءة المشهد الشعري في اكثر آفاقه اتساعاً.. إنه البحث عن قاعدة تضمن الأكثر لا الكثير)
    وكذا كانت التسعينات ، درباً أكثر إيكاداً للتعويل على هذا النص.. فظهرت مجموعة من الأسماء المهمة، في المشهد الشعري الليبي، إضافة إلى مجموعة الثمانينات (أو من بقى منهم معولاً على الشعر)، ويمكننا أن نلمس في التسعينات الخط الثاني في (قصيدة النثر)، إذ صار النص أكثر انقطاعاً عن منجزه السابق، فبعد أن كان التراث ومحاولة خلق إيقاعات تعويضية في (قصيدة النثر)، تم الانحياز أكثر للنثري، أو ما يمكننا أن نسميه (الإخلاص للنثر) باعتماد اللا إيقاع، أو حالة الإيقاع إلا متزنة. فصار الانحياز أكثر للتعويل على آليات السرد (بدا النظام السردي واضحاً عند مجموعة من الشعراء، منهم: "مفتاح العماري"، "عمر الكدي"، "حواء القمودي" وفي مستوى مقابل "عبدالمنعم محجوب") وفي مستوى موازي الأخ بنظام التفقير وأسطر أو الوحدات (وهذا بشكلٍ واضح عند: "محمد الكيش"، "محي الدين محجوب")، أو بالانقطاع إلى النثر أو النثرية (ويعتبر الشاعر "عاشور الطويبي" أحد أهم الأسماء)، أو النص المتعدد الآفاق، وهو يزاوج بين نظام السرد وآلية القطع والمجاورة (وهو ملمح يتفق في أكثر الأسماء، ونتمكن منه بقوة عند: "سالم العوكلي"، "عبدالسلام العجيلي"، "عائشة المغربي")، ولعلكم لاحظتم أني أخص من الشعراء من توفر لديهم القصد في كتابة (قصيدة النثر)..
    وأقف مجدداً.. خاصة مع التواجد القوي للخط الثالث (أسمح لنفسي كثيراً بجواز التسميات)، وانحيازه التام لهذا المنجز الحداثوي.. حيث تأكدت بهذه الصوت خصوصية النص بشاعره، ودوران هذا النص في ذاته، وارتكابه اليومي، بأكثر حدة وعلانية..
    لكن أهم ما يميز المناخ الثقافي في بلادنا، أو النص الشعري في ليبيا، هو صفة الفردانية أو فردانية الصوت، بحيث إنك في هذا المشهد تستطيع أن تستمع لجوقة تتمتع بقدرٍ كبير من التميز على مستوى الأصوات، وفي ذات الوقت تنتظم في لحن واحد، هو شكل المحيط العام، حتى لكأننا نستطيع أن نقرأ النصوص جميعها في نصٍ واحد.
    وإن كنا لن نستطيع قراءة هذه التجربة في هذه المقاربة العجول، إلا أن الغاية باستكمال هذه المقاربة هو ما يمهلنا للقاء قريب.
    هوامش:
    * جزء من دراسة عن قصيدة النثر في ليبيا.
    1- في هذا نشترك وتجربة (قصيدة النثر) في المغرب العربي، الذي لا يختلف كثيراً بالحال عنا.
    2- في العام 1975 صدرت مجموعة (خمائل الصمت) للشاعر/الشارف الترهوني، وهي مكتوبة خارج أوزان الخليل، لكننا لا نستطيع أن نضمها إلى (قصيدة النثر) كونها أقرب إلى الخواطر، أو النثر الشعري.
    3- وردت هذه الإشارة بأكثر توضيحاً ضمن الورقة المقدمة ضمن فاعليات (ندوة الكتابة النسائية في ليبيا-27-29/5/2000) بعنوان: (كيف تكلمتِ الخطاب؟).
    المتوسط للدراسات والبحوث
    رامز النويصري
    مجلة المقتطف الألكترونية
    __________________
    تتنزهُ في ربوعي رابعة
    ابتسام السيد غير متصل
    ابتسام السيد
    عرض الملف الشخصي العام
    البحث عن المزيد من المشاركات بواسطة ابتسام السيد
    قديم 12-02-2010, 11:11 AM #4
    ابتسام السيد
    مطـــــــــــرية

    صورة عضوية ابتسام السيد

    تاريخ الانضمام: Sep 2008
    محل السكن: ليبيا
    المشاركات: 3,118
    ابتسام السيد is on a distinguished road

    افتراضي
    فصيدة النثر بقلم: محمد الصالحي (كاتب وناقد من المغرب

    يصطدم الباحث في قصيدة النثر العربية بمعضلة تدخل الحدود بين أشكال أدبية عدة أفرزتها المحاولات الإبداعية العربية الحديثة منذ ما سمي بعصر النهضة. أي منذ النحاولات الأولى لزعزعة الفواصل السميكة الموروثة بين الشعر والنثر، إذ لم يعد الشكل الظاهر للنص كافيا لوضع هذا النص في خانة الشعر وذلك في خانة النثر، لأن هذا تطاول على اختصاصات ذاك والعكس(1).

    ففي زمن وجيز تجمعت في سلة النقد الشعري العربي مصطلحات من مثل:

    الشعر المنثور

    القصيدة المنثورة

    الشعر المرسل

    الشعر المنطلق

    الشعر الحر

    النثر المركز

    النثر المشعور

    النثر الموقع

    البيت المنثور

    النثر الشعري

    قصيدة النثر

    النثيرة...

    و المتأمل للدرس التقدي العربي الحديث حول الشعر سيلاحظ الفوضى السائدة بسبب عدم تدقيق المصطلح وبسبب من عدم توحيد ثانيا. إن الباحث الذي يتناول قصيدة النثر في الشعر العربي الحديث ليجد من أولى أولوياته توضيح هذا المصطلح توضيحا شافيا حتى يتسنى له فرز المتن الذي سيتعامل معه، وحتى يساهم ، ما استطاع في تجلية هذه الضبابية المفاهيمية التي ما انفكت حدودها تتسع.

    لقد شهدت القصيدة العربية، في ظرف وجيز جدا من التغيرات والتلوينات ما لم تشهد طلية تاريخها الطويل، فلم تكد قصيدة (التفعيلة ) تبشر بإيقاعها الجديد الذي سيحرر في نظر أصحابها ، الشعر العربي من الرتابة الوزنية والملل القافوي، حتى ظهرت قصيدة النثر، أو القصيدة التي تدعي كونها نثرية لترى في التفعيلة مجرد تكرار لقوانين العروض وخروجا محتشما عن سياج الخليل (2) ، ولتدعو الى شكل جديد يتسع للمعاني الجديدة (3) داعيه الشاعر الى ايجاد لغه جديدة تتيح إمكانية التعبير عن فورات نفسية أكثر قوة بعيدا عن قيد الوزن والقافية ، لا مفر من نظرة تبسيطية كهذه الى المسألة لأن الثورة على القديم تأتي، دوما من الإحساس بكون المؤسسة القديمة (البيت التقليدي والسطر التفعيلي هنا) لم تعد ملائمة للبت في مشكلات أوجدها مناخ جديد، ومن أن سوء الأداء يستلزم البحث عن بديل أسلم ما يتولد عنه عصيان عادة ما يكون عنيفا (4)، لهذا صاحبت الدعوة لخرق كل الممنوعات لغويا ، أخلاقيا، واجتماعيا ، الدعوة لكسر بنية اللغة الشعرية (5).

    ظهور قصيدة النثر بشكلها الصارخ والهجومي في لحظة زمنية سمتها الاستعمار الغربي لبلدان العالم العربي وبلوغ الحركات الاستقلالية الوطنية أوجها، وفي لحظة كان الفكر العربي فيها يتوزعه تياران قويان سمي الصراع بينهما- اختزالا - صراعا بين الأصالة والمعاصرة ، جعل النقاش حول قصيدة النثر يحتد ويتخذ أبعادا لم يثرها أي نقاش شعري عربي من ذي قبل .

    ذلك أن القيم العربية العامة لم تتغير جذريا حتى تتغير الأشكال الأدبية والبنى الذهنية جذريا،.

    المجتمع العربي مايزال يراوح مكانه اجتماعيا وثقافيا، ولم يزده الاستعمار الغربي والصدمة الحضارية الناتجة عنه إلا نكوصا وارتدادا الى ذاته وماضيه ، فهو لم يبرح بعد لحظة الخطابة والتوصيل الشفاهي الى مرحلة الكتابة ، بما ترمز اليه الكتابة من اعتماد التقنية أداة في تفعيل التواصل الأدبي والشعري خاصة ، ومن حرية فردية في التلقي والتأويل (6).

    لقد نظر الى النص الجديد، في ظل الظروف العامة أعلاه ، كمؤزرة للانكسار العام الذي أضحت الأمة تعيشه ، حضاريا وسياسيا، ورثى في (اللاشكل ) الذي أصبحت تنادي به قصيدة النثر، معادلا موضوعيا للبعثرة التي تعرفها الأحوال العربية (7) ونحن على بعد سنوات قليلة ، فقط من سقوط فلسطين والاستقلالات الوطنية في معظمها، طرية لا تزال ، وثقافيا /أدبيا، مايزال الشعر التفعيلي يثير جدلا صاخبا بين المؤيدين

    والرافضين (Cool.

    ومما يزيد هذه الفرضية تأكيدا أن النقد العربي الذي رأى (في قصيدة النثر) عصيانا وشكلا غربيا دخيلا، رحب بقدوم الرواية والقصة القصيرة ، وهما شكلان غربيان ، ورأى في موت المقامة حدثا طبيعيا ، كما لم ينتبه لكون الشعر التفعيلي ، ذاته فكرة غربية رغم قيامه على التفعيلة الخليلية .

    من هنا الصعوبة الكبرى التي لقيتها هذه القصيدة في الانضمام للحقل الشعري العربي، والرفض الذي ووجهت به هي وأصحابها ، إذ لأول مرة في تاريخ الشعر العربي سيرفض نص ويحارب ، وينظر في ذات الآن ، الى الشاعر كشخص غريب الأطوار، بل وكمريض عصي على المعافاة ، والى قصيدة النثر كمؤشر على قساوة اليأس الذي أصاب الذات العربية(9).

    إن مثل هذه الأحكام ، وهي كثيرة تجعل الشعرية في رتبة أدنى من الشعر، فتحكم على النصوص انطلاقا من الموضوعات التي تثيرها مستخلصة الجمالي من الوجودي(10)، في حين أن العكس هو المطلوب من كل عملية نقدية علمية تعتمد الملاحظة والاستقراء والرصد والمقارنة لا المناظرة والجدل ، وتسعي الى أن تشارك الابداع في تأسيس مذهب أدبي جديد زي أسس واضحة ، لأن الجنس الأدبي لا يولد كاملا، كما لا ينال فشله إن فشل ، من القيم الأدبية الراسخة (11).

    فهذا النوع من (النقد) إنما يحجب ضوء النص ، ويحول دون الدنو منه لمساء لته فهو يسائل المضامين في غفلة عن علاقتها بالمستويات الايقاعية المتعددة للنص ، وهو لا يرى في اللغة إلا طريقا للوضوح والابانة غافلا عن كون الوضوح الايقاعي لا المعنوي هو المطلوب في النص الشعري، وهو نقد يسائل الشاعر أكثر مما يسائل النص ، وهو ينطلق من معيار شعري سابق يحاكم في ضوئه النص الجديد (12).

    فإلى جانب الحيرة التي يدفع اليها ازدواجية الانتماء للشعر والنثر معا (قصيدة النثر) فإن الأشكال (اللاشكلية ) التي تتخذها هذه القصيدة بحرية بادية ، والموضوعات الصاعقة التي لم يخطر بمال ، يوما أنها ستصبح موضوعات شعرية وشخصية شاعرها القريبة من شخصية الصعلوك بمعنييه القديم والحديث معا، ولفتها التي تخلت عن كل (وقار)، وتنصل شاعرها من كل مسؤولية سياسية أو قومية مباشرة ساعيا الى تغيير الحياة بدل تغيير العالم ، مقتربا من رامبو ومعرضا عن ماركس ، حيث غدا الشاعر الحداثي يمارس نشاطه بغض النظر عن الشروط العامة التي تضمن لرسالته سلامة الوصول والفهم فهو قد أعاد النظر في مفهوم الشعر وفي وظيفته ، ومنح نفسه كشاعر، وضعا اعتباريا غريبا، وصدم المتلقي ولم يأبه بالمؤسسة الوسيطة التي تعين من يتكلم وتحدد له شروط الكلام (13) .، وملغيا بكثير من الكبرياء والعجرفة شجرة نسبه في مناخ يؤمن بتسلسل الأنساب ويقول بوراثة كل ذلك سهل عملية الهجوم على "قصيدة النثر" والمناداة بوأاها في المهد، ودفع النقاد الأكثر اعتدالا الى تقديم النصيحة لأصحابها بالبحث عن الشعر في مظانه لأنهم أخطأوا الطريق !


    يتبع
    __________________
    تتنزهُ في ربوعي رابعة
    ابتسام السيد غير متصل
    ابتسام السيد
    عرض الملف الشخصي العام
    البحث عن المزيد من المشاركات بواسطة ابتسام السيد
    قديم 12-02-2010, 11:11 AM #5
    ابتسام السيد
    مطـــــــــــرية

    صورة عضوية ابتسام السيد

    تاريخ الانضمام: Sep 2008
    محل السكن: ليبيا
    المشاركات: 3,118
    ابتسام السيد is on a distinguished road

    افتراضي
    هذا المصطلح المركب (قصيدة - النثر) الذي زاد من صعوبة تقبل هذا النص لا يمكن فهمه الا في ضوء الحيثيات السابقة لأن صفة النثرية هنا تحمل حكم قيمة وتستدعي على الفور النص المضاد، أي (قصيدة الشعر) التي هي القصيدة الموزونة تقليدية أم تفعيلية (15).

    ورغم أن كتاب (قصيدة النثر) عربيا هم أول من استعمل هذه التسمية وكتبوا تنظيراتهم الساخنة مرددينها فإن أعداء الشكل الجديد سرعان ما سيستغلونها (التسمية ) للطعن فيه ومهاجمته (16).

    ويبدو أن مصطلح (قصيدة النثر) أطلق ، عربيا ، بنوع من الطمأنينة "رغبة في تسمية الأشياء بأسمائها للخروج من البلبلة والخلاص من تشويا الحقائق (17) كما كانت نية المتحمسين له ، في حين أنا مصطلح يفتح باب الجدل على مصراعيه بدل أن يفلقا فإضافة لكونه يستدعي تعميق النظر في مفهوم النثر وهي مهمة ليست سهلة أبدا فإنه يجعل من البحث عن علائق النص الجديد بالأشكال الشعرية السابقة عليه أو المحايثة له ضروريا كما يستعجل تحديد الأسس الشكلية والبنائية لقصيدة النثر التي مهما ادعت أنها ضد الأشكال كلها فإن لها شكلا .

    هكذا ستضع قصيدة النشر الدرس النقدي في مأزق لأنها جمعت بهذا الشكل الفج بين الحقلين المكونين للعملية الأدبية كلها: الشعر والنثر. وهذا الجمع الذي يفاجئنا منذ البدء، سيبعثر المسلمات الاجناسية ويدفع الى اعادة النظر في استراتيجيات التلقي .. بتعبير أوجز نقول : إن قصيدة النثر جسدت كل الاشكاليات الشعرية العربية قديما وحديثا وحتمت إعادة النظر في القناعات النقدية والأدبية والبحث عن معرفة انسب لما يفرضه النص الجديد (18).

    من هنا كان ضروريا النظر في العلائق بين الشعر والنثر للاقتراب ، ما أمكن من الفجوات التي يتسرب منها هذا لذاك والعكس ، واستقصاء الامكانيات الايقاعية التي تنطوي عليها اللغة بعيدا عن الثنائية الصارمة : الشعر /النثر.

    لذا لن نبحث عن تعريفات للشعر وللنثر، ولا عن التقلبات المفاهيمية التي لحقتهما عبر مسيرة الأدب العربية الطويلة ، وانما سنسعي الى الاقتراب من الابدالات الايقاعية بينهما.

    أي ما هي المتجليات الشعرية في جسد النثر العربي؟ ما هي المتجليات النثرية في جسد الشعر العربي؟ كيف حصل هذا التداخل حتى أصبحنا أمام أجناس أدبية تحمل أسماء لا تحيلنا لا على النثر ولا على الشعر، بل ترمي بنا وبمسلماتنا في منطقة التماس الصعبة حيث يصطدمان وينتج عن اصطدامهما شرر مستطير؟

    من منهما (الشعر والنثر) تخلى عن بعضه أكثر من الأخر؟ ماذا فقد الشعر حتى عد قريبا من النثر؟ ماذا فقد النثر حتى عد قريبا من الشعر؟ ثم لماذا حين حصل هذا التداخل أصبحنا أمام نص سلمنا بشعريته ، رغم أنه تخل عن كثير من مواصفات الشعر المتداولة والمتعارفة ؟ هل لأن الأفضلية في تراثنا الأدبي كانت دائما للشعر، وأن النثر مهما يكن فنيا، فانه يبقى في منزلة دون الشعر؟

    سنتوقف قليلا عند معنى كلمة "نثر" حتى نستجلي حقلها الدلالي ، لأن المتأمل في المصطلحات التي منحتها الأشكال التي سبقت قصيدة النثر في الزمن أو جايلتها ، سيرى كيف تبرز صفة النثرية كخاصية مشتركة بين أكثر هذه المصطلحات تداولا: الشعر المنثور - النثر الشعري - قصيدة النثر.

    يعرف القاموس المحيط للفيروز آبادي كلمة "نثر" هكذا نثر الشي ء ينثره وينثره نثرا ونثارا رماه متفرقا كنثره فانتثر وتنثر وتناثر والنثارة بالضم والنثر بالتحريك ما تناثر منه أو الأولى تخص ما ينتثر من المائدة فيؤكل للثواب . وتناثروا مرضوا فماتوا والنثور الكثيرة الولد والشاة تطرح من أنفها كالدود كالناثر والواسعة الإحليل .

    والنيثران كريهتان وككتف ومنبر الكثير الكلام ونثر الكلام والولد أكثره والنشرة ´الخيشوم وما والاه أو الفرجة بين الشاربين حيال وترة الأنف ، وكوكبان بينهما قدر شبر وفيهما لطخ بياض كأنه قطعة سحاب وهي أنف الأسد والدرع السلسة الملبس أو الواسعة . والعطسة والنثير للدواب كالعطاس لنا. نثر ينثر نثرا أو استنثر استنشق الماء ثم استخرج ذلك بنفس الأنف كانتثر والمنشار نخلة يتناثر بسرها أو أنثره أرعفه وألقاه على خيشوما والرجل أخرج ما في أنفه أو خرج نفسه من أنفه وأدخل الماء في أنفه كانتثر وا ستنثر والمنشر كعظم الضعيف لا خير فيه "(19).

    يجمع بين هذه المعاني جميعا معنى الشتات واللاتناسق : رمي الشيء متفرقا - تناشر الشيء - المرض - كثرة الكلام - العطاس - الرعاف - العظم (الشخص الذي لا خير فيه ) ... والشتات اللاتناسق هما الصفتان اللتان جعلتا العرب قديما، يسمون النثر نثرا لأن شكله يوحي بالتبعثر عكس الشعر الذي يسيجه سياج الوزن والقافية والتشطير فيجعله ذا شكل بين واضح .

    من هنا نفهم لماذا ظلت الشعرية تحتفظ بشرطي الوزن والقافية كشرطين ضروريين لا محيد عنهما رغم انتقال هذه الشعرية من طور تعريف الشعر بالوزن والقافية والمعنى، الى طور تعريفا بالوزن والقافية والتخييل درءا منها لكل (تسيب ) قد يلحق الشكل الشعري فيفقد تناسقه ويصبح نثرا.

    هذا الهاجس هو ذاته الذي سيجعل العرب المحدثين يمنحون الأشكال الجديدة الناتجة عن قرع النهضة العربية باب الحداثة ، يمنحونها صفة النثرية كأنما فاض الشعر عن ضفتيه فتناثر فأصبح نثرا ،وأخذ يغطي بياض الورق كأي نثر عادي.

    قد يكون هذا تفسيرا شكليا محضا، لأن الشعر ليس مجرد هيئة على الورق ولكنه علاقات ودينامية وصراع وأخيلة وايقاع ، لكننا ملزمون ، ونحن فروم تدقيق المصطلح بهذه الاشارة لأن التسمية التي منحها هذا الشكل أو ذاك تحمل من الدلالات الحضارية والسياسية أكثر مما تحمل من دلالات شعرية .

    تتفق جل الدراسات المنجزة حول بدايات تململ قارتي الشعر والنثر في الأدب العربي الحديث واقترابهما من بعضيهما حول كون أمين الريحاني ومي زيادة وجبران خليل جبران أول من كتب نصومعا أدبية استدعت إعادة النظر في مفهومي الشعر والنثر معا لكون هذه النصوص تحمل في أغلبها شكل النثر، لكنها، إيقاعيا ورؤيويا مختلفة عنه فقد برز فيها النبر بشكل يجعلها أكثر غنائية وحضرت فيه الذات الكاتبة بحدة جعلت إيقاعها منسجما متراصا، ومالت الى التصوير بطريقة غير مطروقة من ذي قبل في النثر العربي، واستفادت من تقنية السجع من غير إفراط ، مما جعل المتقبل يستعيض عن القافية والوزن والتشطير بتقنيات جديدة . واذا كانت هذه الكتابات قد أدرجت ، في باديء الأمر، في زخانة الشعر المنثور فإن كتابات جبران سرعان ما ستمنح اسما جديدا أكثر غموضا واستفلاقا "النثر الشعري".

    هذان المصطلحان سينضاف اليهما، بعيد ذلك بقليل ، اسم ثالث سيزيد المسألة تشابكا، إذ سينعت ما كتبه أحمد باكثير، وغيره كثير، بالشعر المرسل ، قبل أن تتوسع دائرة المصطلحات لتشمل الشعر الحر وقصيدة النثر لاحقا.


    يتبع
    __________________
    تتنزهُ في ربوعي رابعة
    ابتسام السيد غير متصل
    ابتسام السيد
    عرض الملف الشخصي العام
    البحث عن المزيد من المشاركات بواسطة ابتسام السيد
    قديم 12-02-2010, 11:12 AM

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 10:58 pm