د. أيمــــــــن بكـــــر
قصيدة النثـر: صراع المشروعية وتفتيت النظام فـي قصيـدة عـبدالله ثابـت
١- تمهيد
ما المطلوب من النقد في مواجهة ما يعرف بـ«قصيدة النثر» التي شاع حولها خطاب تبسيطي - ومريح للعقلية المحافظة- خطاب إدانةٍ تاريخي يرمي كل كتابة مجددة بتهم محددة تتكرر دون الاعتناء بالتجديد حتى في صياغتها؛ من مثل الإغراق في الذاتية، والغموض الذي يصل حد الاستغلاق، وأيضا العشوائية في الرؤية، أو الخروج عن تقنينات النوع الأدبي وتقاليده، والانقطاع عن أعراف الثقافة العربية خاصة ما يتصل بتراثها الشعري، والعمالة، بالتالي، لثقافة أخرى...الخ؟
في مواجهة كتابة يفترض أنها تختط طرائق جمالية وتعبيرية مغايرة عما اعتادته الثقافة، لا أظن الإشكالية التي تواجه النقد تقف عند التعرف على آليات تحليلية تتغيا تأويل المضمون، أو تحليل انحرافات التركيب بما يصل في النهاية إلى بلورة معادلات تقنن أساليب اللغة في صنع جماليات مغايرة، لكني أظن الإشكالية الأكثر عمقا تتمثل في اكتشاف المنطلقات الفلسفية للكتابة؛ المنطلقات التي تمثل مفاتيح للقراءة لا تسعى لصوغ «قوانين» بل تسعى لخلق مساحة مرنة من الأفكار يمكنها أن تتعرف على محددات الوعي الذي صدرت عنه الكتابة، وهو ما يمكن- لمن يشاء- أن يقود لحوار عميق يتحرك الوعيُ القارئُ عبره نحو بلورة قيمٍ جماليةٍ وثقافيةٍ يطرحها النص الإبداعي.
أتحدث هنا عن نوع من النقد يتحرك في الثقافة العالمية ليحتل مساحات شغلتها الفلسفة فيما مضى، نقد يحاول أن يتوازى إبداعيا مع النصوص التي يقوم بتحليلها دون أن يفقد صلة المتحاور معها الكاشف عن وعيها العميق، نقد ربما يقف على محددات الوعي الذي صدرت عنه الكتابة كما أسلفنا القول، لكنه في كل الأحوال سيقدم هو نفسه عبر تحليله للنصوص وعيا مغايرا للنظر للعالم.
انطلاقا مما سبق تتحد أهداف هذه الدراسة في الآتي:
أولا: ستحاول، وبصورة سريعة، التعرض لفكرة انفصال قصيدة النثر عن تراث الشعر العربي،
وثانيا: ستسعى إلى بلورة بعض المنطلقات الفلسفية للكتابة، عبر المقارنة بين ملامح وجود الذات الشاعرة في قصيدة التفعيلة، وما يمكن أن نميزه كملمح خاص بوجود الذات الشاعرة في قصيدة النثر، والوقوف عند فكرة تفتيت نظام البناء المتماسك عليها والمتسلسل بصورة منطقية وذلك عبر تحليل ديواني الشاعر عبد الله ثابت «ألـ...هتك» (وزارة الثقافة والسياحة- صنعاء/2004)، و «النوبات: تالف يمضغ عصبه» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت/2005). لما أظنه من تجسدٍ لكثير من أطروحات الدراسة فيهما.
٢- صراع المشروعية: انتساب أو عدم انتساب
يمكن اعتبار فكرة انفصال قصيدة النثر العربية عن تراث الشعر العربي ؛ أو القطيعة التي يفترض غالبا أن قصيدة النثر قد أحدثتها مع هذا التراث ، يمكن اعتبار هذه الفكرة نقطة بدء مناسبة تمهد لطرح المنطلقات الفكرية والفنية التي يصدر عنها هذا البحث في سعيه لتحليل بعض جماليات قصيدة النثر العربية ؛ فمن الممكن عبر هذه الفكرة أن يتم - مبدئيا - تحديد مساحات التقاطع والانفصال بين هذه الدراسة والدراسات السابقة التي تدور في الفلك نفسه، إذ يبدو أن هناك تيارا كبيرا من الباحثين يؤيد فكرة الانفصال السابقة ، سواء من زاوية من يراه إيجابيا مبشرا بميلاد شعرية جديدة ، أو من جانب من ينفي على أساسه انتماء قصيدة النثر لـ « الشعر» عموما (١) . ويبدو أن هذا الانفصال عن تراث الشعر العربى هو نفسه أمر فى حاجة إلى مراجعة؛ حيث لا يقف الأمر عند حدود فصل قصيدة النثر عن الشعرية العربية التقليدية المتمثلة في عمود الشعر ، بل يتعدى ذلك إلى محاولة فصلها عن ما يسمى « الشعرية العربية الجديدة ، كما يلاحظ حاتم الصكر حين يقول :
يخيل إلينا ونحن نعاين المحور المقترح ، أنه يراد لنا النظر إلى « قصيدة النثر » خارج الشعرية العربية الجديدة ، فكأننا نقع فى مصادرة فذة تفصل بالواو بين قصيدة النثر - موضوع بحثنا - والشعرية العربية الجديدة التى تتكون وتتحور إلى جوارها . كما يراد لنا الإقرار سلفا - هذه مصادرة أخرى - بوجود «شعرية » « عربية » « جديدة »(٢)
الأمر إذن يبدأ من الشك في وجود «شعرية» توصف بأنها «عربية» و «جديدة» يمكن إضافة قصيدة النثر لها أو فصلها عنها، بما يضيف مشكلة أخرى لمشكلات التعريف التي يرصدها هذا البحث ؛ فمن جهة يبدو مفهوم الشعر الذي ينفي على أساسه النقاد « شعرية » قصيدة النثر أو يثبتونها مفهوما غائما في أفضل الأحوال ، ناهيك عن ملامح هذه الشعرية سواء على مستوى شعر التفعيلة أو على مستوى قصيدة النثر، وخصوصيتها العربية التي يمكننا عبرها أن ندعي اختلاف تلك الشعرية عن مثيلتها الفرنسية أو الهندية مثلا.
من زاوية أخرى؛ هل يمكننا - بعد مرور عدة عقود - أن نرصد مساحات الاشتراك ومساحات التمايز بين المنطلقات الفلسفية التي تقع في الأساس من حركة التجريب الشعري العربي الحديثة ، التي قامت بالنقلة الأساسية من عمود الشعر العربي إلى الشكل السطري ، المتحرر من انتظام القافية وانتظام عدد التفعيلات في البيت ( قصيدة التفعيلة ) ، وبين المنطلقات الفلسفية التي تنهض عليها قصيدة النثر العربية ، إن كان لهذه المساحات وجود ؟
ما أظنه هو أن المقارنة السابقة ضرورية، في سياق محاولة اكتشاف ما تشترك فيه قصيدة النثر مع تراث التجريب الشعري العربي الحديث - إن كان هناك ثمة اشتراك - وما يمكن أن تكون هذه القصيدة قد حققته من تمايز وتفرد على مستوي المنطلقات الفلسفية، والرؤى الفنية التي تصدر عنها .
وإذا كانت الأفكار السابقة تشكل منظورا يمكنه التعامل مع كثير من قضايا قصيدة النثر ، فإن هذا البحث يقف فقط- كما سبقت الإشارة- عند ما يراه الباحث ملمحا جماليا مميزا ، وهو ما يتصل بأبعاد تشكل الذات الشاعرة وفعلها في نصوص قصيدة النثر، وكذلك عند فكرة انتظام البناء الشعري وترابطه العلي والمنطقي.
٣- حول فلسفة وجود الذات الشاعرة وتشكلها
هناك فكرة أظنها فاعلة بصورة أساسية في تشكل جماليات قصيدة النثر عموما ، ويمكن تتبع هذه الفكرة في تجارب شعراء قصيدة النثر ، أولا عبر إعلاناتهم عن أنفسهم وعن تجاربهم كما تتبدى في مقدمات التأويل Thresholds of Interpretation التي نصادفها في النص المطبوع ، وثانيا عبر تحليل تأويلي لبعض نصوصهم .
الفكرة التي أشير إليها أشبه بالعملة ذات الوجهين ؛ يمكن تلخيص وجهها الأول في اعتماد شاعر قصيدة النثر لرؤى ذاته الشاعرة وتجاربها في العالم بوصف هذه الرؤى وتلك التجارب هي المنبع الرئيس للكتابة ، وبوصف إعادة صياغة تلك الرؤى والتجارب هي في الوقت نفسه هدف الكتابة الأساسي ، بما ينتج عن ذلك من اعتماد التكوينات التصويرية المعبرة عن علاقات خاصة بين مفردات العالم في وعي المبدع بوصفها هي الطريقة الوحيدة المتاحة للتعبير عن الذات وتحقيق التواصل الأدبي في الوقت ذاته ، بما يعكس واحدا من الأسس الفكرية التي تنبنى عليها جماليات هذه الكتابة : وهو رفضها الاعتراف بمشروعية الوجود الناتجة من الاتساق مع ما هو عام على مستوى الرؤى ، بما يبدو منعكسا على التكوينات التعبيرية المستخدمة، وأيضا على مساحات ظلال المعنى التي تبدو معبرة عن اختيارات الشاعر الساعية للانفصال والتميز عن العرف الشائع في استخدامه لمفردات اللغة عبر سياقات فنية متنوعة، أو من زاوية أخرى؛ سعيها لتأكيد خصوصية وفردية التجربة الإنسانية ( ومن باب أولى التجربة الإبداعية ) بعيدا عن الأطر التجميعية ثقافية كانت أو اجتماعية .
الوجه الثاني للفكرة يمكن اعتباره أحد الفروق الرئيسة بين الوعي الفني المطروح في قصيدة النثر ونظيره مما يمكن التعرف عليه في قصيدة التفعيلة ، وأقصد بهذا الوجه طبيعة التعامل مع فكرة تفرد الذات الشاعرة وتميزها ؛ ففي حين تتحرك الذات الشاعرة في قصيدة التفعيلة - مثلها في ذلك مثل الذات الشاعرة في الحقبة الرومانسية - من مسلّمة أنها ذات متفردة لها طبيعة خاصة متميزة عن غيرها من الذوات الحضارية، في حين لا تتعامل الذات الشاعرة في قصيدة النثر مع فكرة تفردها وتميزها باعتبارها مسلمة لا تحتاج لنقاش وإثبات ، بل يتحول الأمر إلى سؤال ضمني يهدف النص - ضمن ما يهدف إليه - إلى الإجابة عنه غالبا بالإثبات ، إن الذات الشاعرة في قصيدة النثر لا يبدو أنها تسلم مبدئيا بوجود طبائع جوهرية مميزة لذوات المبدعين في ثقافة معينة، وهو ما يدعوها- خصوصا وهي تنطلق من اعتمادها لرؤاها وتجاربها بوصفها منبع الكتابة وهدفها كما تشير هذه الفكرة - إلى محاولة إثبات تفردها وتميزها كمبرر يسوغ اعتماد تجارب هذه الذات ورؤاها ونفض الرؤى الجمعية الشمولية التي تدّعي الصحة المطلقة والكمال ، بعبارة أخرى ؛ يبدو أن عنصر المشروعية الذي تحاول الذات الشاعرة في قصيدة النثر أن تكتسبه يأتي من خارج مشروعية المنظومات القيمية العامة والرؤى الحضارية الرسمية التي ظل شاعر قصيدة التفعيلة يبحث عنها باعتباره امتدادا «رسميا» للخطاب الشعري العربي .
يمكننا أن نستدل على الفكرة السابقة مبدئيا عبر تتبع طبيعة أحادية الرؤية عند رموز شعر التفعيلة، والتي تصل أحيانا إلى ما يوحي بأحادية التوجه العقلي single mindedness (وهو سيطرة فكرة وحيدة على العقلية بوصف هذه الفكرة هدفا نهائيا لا يمكن لتلك العقلية أن ترى سواه، وهو ما يعبر عن يقين لا يتزعزع بامتلاك الحقيقة، أو في أحسن الأحوال يعبر عن إيمان الذات الشاعرة بقدرتها على الذهاب إلى أغوار في الرؤية الثقافية لا يمكن لغيرها أن ينفذ إليها) هذه الأحادية أراها تعبر بصورة مباشرة عن إيمان مبدئي بتفرد الذات الشاعرة وتميزها، تفرد لا يشك فيه الشاعر، وتميز يمنحه بصورة بدهية الحق في أن يقود المجموع نحو أفكاره التي لا تحتمل المراجعة، ولنلاحظ طبيعة اللهجة الإطلاقية الأمرية في الخطاب الشعري عند أمل دنقل كنموذج واضح لما أذهب إليه :
لا تصالح /ولو منحوك الذهب /أترى حين أفقأ عينيك /ثم أثبت جوهرتين مكانهما /هل ترى ؟!هي أشياء لا تشترى .
أو قوله :
عندما تهبطين على ساحة القوم لا تبدئي بالسلام / فهم الآن يقتسمون صغارك فوق صحاف الطعام/ بعد أن أشعلوا النار في العش والقش والسنبلة / وغدا يذبحونك بحثا عن الكنز في الحوصلة / وغدا تغتدي مدن الألف عام مدنا للخيام / مدنا ترتقي درج المقصلة.(٣)
إن ما يعنيني في المقطعين السابقين ليس هو الإشارة إلى موقع النبي الذي تتبوأه الذات الشاعرة، فقط أشير إلى فكرة تسليم الذات المبدئي بتفردها الذي يسمح بظهور هذا النوع من التقرير الإطلاقي الآمر.
يمكننا في المقابل أن نلاحظ غياب هذه اللغة بصورة شبه كاملة في قصيدة النثر ، إذ يبدو شاعر قصيدة النثر مشغولا بإثبات التفرد والتميز بصورة مبدئية باعتبار أن هذا التفرد، المشكوك فيه من قبل الثقافة الرسمية، هو السبيل الوحيد لإكساب هذه الذات المشروعية التي ترفض الثقافة منحها إياها . ومن زاوية ثانية يبدو أن إثبات هذا التفرد للذات الشاعرة في قصيدة النثر هو الخطوة الأولى المسوغة لاعتماد تجارب هذه الذات ورؤاها بوصفها منبع الكتابة وهدفها في الوقت نفسه .
سأحاول تأكيد الفكرة السابقة أولا عبر تتبع إعلانات الشعراء حول فكرة تفرد الذات ورغبتها في الخروج عن كل التكوينات التنظيمية الجمعية وعن كل الانتماءات السياسية الشمولية التي تساوم هذا التفرد، الذي يراه المبدع متحققا في ذاته ، كما سنحاول إثبات ارتباطه بفكرة اعتماد الذات لرؤاها وتجاربها الشخصية بوصفهما منبع الكتابة الشعرية ، وبوصف إعادة صياغتهما هي الهدف الأول للكتابة الشعرية .
٤- حول إعلانات الشعراء
يمكننا أن نلمح فى دواوين شعراء قصيدة النثر - بصورة شبه متواترة - ما يصح اعتباره إعلانا عن تفرد الذات وعدم اشتراكها فى التصنيفات التجميعية الشمولية التي تسعى الثقافة لإدراج الأفراد فيها سواء على مستوى تجاربهم الإنسانية ، أو على مستوى إبداعاتهم الفنية إذا ما كانوا من المبدعين . ويمكن لهذا الإعلان أن يأخذ أشكالا متنوعة أحدها أن يعلن الشاعر عبر العنوان أو التصدير أو الإهداء أو الغلاف الخلفي، تأكيد وحدة الذات وانفلاتها من النظم والسياسات المعرِّفة للفرد في الثقافة، وهو ما يبدو أيضا واضحا في علاقة الذات بالمجموع داخل النصوص.
هذا الإعلان يمكن أن نعتبره في كثير من الأحيان سعيا من باب خلفي لإثبات تفرد الذات بما يعد إشارة واضحة لما نذهب إليه من عدم انطلاق الذات الشاعرة في قصيدة النثر عموما من فكرة تفردها وتميزها المبدئيين، بل إنها - أي تلك الذات - تحاول إثبات هذا التفرد عبر الكتابة الشعرية نفسها، إنها ذات تتحول إلى الداخل في جانب من وعيها، مسلطة ضوءا قويا على نفسها، وساعية إلى إثبات ما تراه من ميزات تصنع تفردها، هذا السعي يأتي من موقع الذات الشاعرة القائم في العالم، عبر منطق العالم وسياساته كما تعيها في لحظة تاريخية محددة، وليس عبر تقدير اجتماعي/ سياسي مسبق كالذي كان يمنح للشاعر الجاهلي مثلا، وليس عبر حالة إلهام خاص ولا عبر النظر إلى العالم من خلال إشراقات الروح وفيوضات ذات الشاعر الملهم كما يمكن أن نصف الشاعر في الفترة الرومانسية .
تفرد الذات:
المقطع الذي يضعه الشاعر عبد الله ثابت على الغلاف الخلفي لديوانه الأول «ألـ...هتك»(٤)، يفصح عما ذهبنا إليه بوضوح. يقول:
اليوم جريت حافيا
خلعت سنيني العجاف .. بؤس التجاعيد الجبلية
مسحت عن وجهي الزمن
وثيابي العربية ألقيتها رأس المنحدر
رميت نعلي باتجاه الشمس
وركضت بين جدران الطين.. صارخا: أنا فرح!
آكل الحلوى المكشوفة.. أمص أكياس التوت المثلجة
اليوم.. أعود طفلا (الـ...هتك/ الغلاف الخلفي)
وبغض النظر عن احتمالات الدلالة في المقطع السابق، ما يعنيني هو إشارته بوضوح إلى تلك الرغبة في التنصل من التاريخ (خلعت سنيني العجاف/ مسحت عن وجهي الزمن) ومن الهوية (وثيابي العربية ألقيتها رأس المنحدر) ومن وعي نتج عنهما، وعن ثقافة تآكلت ولم تعد كافية لإرضاء طموح الذات الشاعرة في خلق عالم ذي شروط إنسانية مختلفة.
إشكالية الثقافة هنا لا تنفصل عن الهوية وعن التاريخ/الزمن الذي يعبر عن محتوى الذاكرة، يعبر عن مكونات الوعي، الثقافة هنا أيضا هي ذلك الارتباط بالعرف الجمعي والموروث الجمعي الذي يتم نقله من جيل لجيل، بما يشكل هوية مجتمع ثقافي معين. ولعل فكرة الطفولة هنا يمكنها أن تؤول في أكثر من اتجاه في الوقت نفسه؛ فخلافا للإشارة التقليدية التي توحي بها الطفولة: البراءة والنقاء..الخ، هناك في هذا السياق بعض ظلال المعنى التي تجبرنا على النظر للطفولة بوصفها إعلانا عن قدرة الذات الشاعرة على الانخلاع من التصنيفات الجمعية، وقدرتها على صياغة واقعها الثقافي والإنساني والجمالي من البداية، فالطفولة هنا لم تأت غفلا من دلالات أخرى توجهها نحو المعاني السابقة، دلالات خلع السنين ومسح الزمن، والتخلي عن الهوية العربية والطموح الجامح (رميت نعلي باتجاه الشمس) وكذلك تحدي الأعراف الثقافية (آكل الحلوى المكشوفة...).
العودة للبدايات أو الطفولة بالمعنى السابق هي التي يفتتح بها عبد الله الديوان نفسه بقوله:
للمجبولين
من كذب الأطفال..
وحدهم..
المسكونون برائحة الأرض
والمطر (الـ...هتك/ ٥)
هناك في المقطع السابق ما يؤكد أن الطفولة هنا ليست تستهدف دلالاتها التقليدية في الشعر (البراءة والنقاء...) فالطفولة مقترنة بالكذب وهو ما يشوش فكرة البراءة، ويلقينا في دائرة دلالية ذات ظلال مغايرة يؤكدها مقطع الغلاف الخلفي؛ إنها دائرة العودة للبدايات وإعلان التمرد الذي ينبئ بمسار آخر للوعي وللشخصية، وهو ما يمكن أن نؤكده عبر اقتران حالة الطفولة هذه بالبدايات، بالعجينة التي تكونت منها الخليقة الأولى؛ وأعني الطين الذي تدل عليه «رائحة الأرض والمطر».
الغلاف الخلفي للديوان الثاني يقلص جدا مساحات الشك في الرؤية السابقة، ويوسع مساحة الرفض لكل الانتماءات العرقية والقومية ولكل تصنيف جمعي مؤسساتي، يقول:
لست موسيقارا، ولا حانوتيا، ولا جنديا على باب جمهورية أو مملكة، ولست شيوعيا ولا قوميا، ولا إقطاعيا ولا قدسيا، ولا أبيض أو ملونا، أو زنجيا، ولا بوهيميا، أو قيميا، ولا زير نساء أو مثليا، ولست عزة بيجوفيتش، أو حتى صموئيل وصدام الحضارات، كما أنني لست روتينيا أو قصة شعبية، أو كيس براز لمريض كلى، أو «حلوى غزل البنات».. لست أي شيء.. إنني مجرد التواء في رقبة الوقت!
سلسلة النفي السابقة سوف تمتد غالبا في وعي القارئ لتشمل ما لم يقله الشاعر في المقطع السابق، سيتعرف القارئ قبل جملة «لست أي شيء» على قصدية المقطع الشعري إلى نفي كل ما يمكنه أن يعرف الذات الحضارية، ثم يأتي التعريف مختصرا غير محدد وفاتحا الباب لتأمل واسع لا يخرج القارئ الراغب في الوصول إلى تصنيف تقليدي من حيرته، بل ربما زادها حدة باستخدام تكوين لغوي مجازي يجبر القارئ على الدخول في مساحات تأويل غير مألوفة في سياق تحديد الهوية الحضارية لفرد ضمن مجموع.
المعنى السابق يتردد في الديوان، ويتم تناوله من جوانب مختلفة، ففي المقطع التالي تعلن الذات الشاعرة أنها كانت جزءا مندمجا من الثقافة، أي انها كانت مستسلمة للتعريفات الثقافية لها، لكنها الآن لم تعد ما كانته. يقول:
كما كانت النساء ترغبني كنت، وكما يفعل الرجال النبلاء كنت، وكما يشتهي المراهقون شوارع كنت، وكما يمد طفل يده بريال إلى بائع حلوى، فينشغل عنه بأكمام الكبار كنتُ
.. لكنني الآن شيء آخر
ليس مهما تحديد الشيء الذي صارته الذات الشاعرة، المهم هو إعلان الانفلات من التصنيفات الثقافية التجميعية المألوفة حتى مع كونها مقبولة غير ممجوجة من قبل الثقافة، بل لأنها كذلك مقبولة
٥- النظام/ تفتيت النظام
في ديوانه «ألـ...هتك» يبدو عبد الله ثابت أقرب لشاعر قصيدة التفعيلة الذي أشرنا إليه في بداية الدراسة، إنه واثق ثقة شديدة من العالم الذي يقدمه، ومعتد به بالقوة نفسها، لكن بدايات التمرد الجمالي، وأخص به هنا ما يتصل بتشكل الذات الشاعرة ومحاولتها إثبات تفردها، وتحركها في التجربة الجمالية (من) العالم وليس (من فوق) العالم تبدو بذوره واضحة بداية من عناوين القصائد التي جاءت في معظمها بصيغة النكرة، التي لا تبدو معها المعرفة موثقة أو ذات كبير عهد بوعي الشاعر، وهو ما يبدو متناقضا مع التركيب البنيوي للديوان، الذي اتخذت القصيدة فيه شكل القصيدة التفعيلية تماما (وجود عنوان- البناء متسلسل منطقيا ومترابط عليها- دلالات التراكيب والصور التخييلية أقرب لمنطق التركيب والتخييل التفعيلي)
الديوان السابق للشاعر يحتوي الكثير من علامات الوعي الجديد؛ الوعي الراغب في نفض التعريفات المسبقة والهويات الملتصقة بنا دون إرادة منا، لكنه لم يتخلص تماما من هذا الوعي ومن تلك الأفكار المسبقة، هو يطمح ويقوم ببناء هويته الخاصة دون أن يدركها تماما في هذا الديوان، فمن ينفض وعيا لا يمكنه أن يفعل ذلك دفعة واحدة، لا يمكنه إلا أن يمارس وعيه المرفوض أولا منطلقا منه في رفضه، بعبارة أخرى؛ يتحرك الوعي من ذاته لرفض ذاته، وهو ما يبرر لجوءه لآليات كتابة تنتمي للموروث، للوعي القائم، حتى يتعرف الوعي نفسه على آليات مغايرة يتمسك بها بوصفها ما يميز إبداعه.
في ديوان «النوبات: تالف يمضغ عصبه» يتحرك أفق التجربة الشعرية بعيدا عن الموروث المألوف، خاصة فيما يتصل بالبناء. الديوان هو مجموعة نصوص مبعثرة، وإن شئت نصا واحدا متسلسلا، وإن شئت نصا واحدا قابلا للانقراء بأكثر من طريقة، وهو ما يكسر حالة البناء الأحادي المكتمل الخطي والمغلق الذي يميز وعي قصيدة التفعيلة، بحيث يمكننا القول ان الديوان السابق يفتت النظام البنائي التقليدي للقصيدة في محاولة للتعبير عن تجربة تتميز هي نفسها بالبعثرة وعدم الانتظام.
عنوان ديوان عبد الله الثاني يوحي بهذه البعثرة، حيث توحي كلمة نوبات بالقفز العشوائي من حالة إلى حالة، ويؤكد ذلك ما يضيفه باقي العنوان من ظلال توحي بالمرض النفسي (تالف يمضغ عصبه)، اللاترابط بين صفحات الديوان يمنح حرية كبيرة للقارئ في ممارسة فعل القراءة دون توجيه من عنوان أو روابط موضوعية أو لغوية- إلا ما شاء القارئ أن يصطنعه- فالنصوص تبدو مقاومة لفكرة النظام أو الترتيب المتجانس.
لي هنا أن أستخدم الإهداء الشخصي الذي كتبه الشاعر لي على ديوانه، إذ أظنه يؤكد وعي الشاعر بصورة عميقة بتوجه تجربته نحو تكسير النظام وممارسة حالة تبعثر حر يشبه لعب الأطفال الذي أشرنا إليه في الديوان الأول، يقول الإهداء «إليك هذا الصراخ.. هذا العويل» إذ ما القانون البنائي المنطقي المتجانس الذي يمكنه أن يحكم الصراخ أو العويل، خاصة إذا كان من «تالف» يمارس فعلا يتخطى كل حدود العنف حين «يمضغ عصبه»؟؟! الصراخ والعويل إذا يتحدان في فكرة كسر البنية المنتظمة المتجانسة المغلقة.
الهوامش
١- يمكن التمثيل لهذا التصور - انفصال قصيدة النثر العربية ( بل وحركة الشعر الحديث كلها ) عن تراث الشعر العربي - بما قاله الدكتور غالي شكري من أن :
...حركات التجديد في جميع المراحل السابقة على حركة الشعر الحديث قد حافظت على جوهر الشعر العربي ، بينما نلاحظ في الوقت نفسه أن الحركة الحديثة تقوم أساسا على رفض هذا الجوهر
- يراجع :
- غالي شكري ، شعرنا الحديث إلى أين ؟ ، دار المعارف ، القاهرة ، 1985 ، ص112 .
كما يتبدى هذا الفرض في رؤى الشعراء أنفسهم ، سواء أكانوا من مهاجمي قصيدة النثر أم من المدافعين عنها؛ فنزار قباني ، مثلا ، الذي يبدو في بداية مقابلته مع جهاد فاضل متسعا لاستقبال هذا الشكل الجديد يرى مع ذلك أنه شكل « شكل ... طارئ هجين ... لم يعرفه تاريخنا الأدبي » .
يراجع :
- جهاد فاضل ، قضايا الشعر الحديث ، دار الشروق ، بيروت ، 1984 ، ص٢٤٤ .
٢- حاتم الصكر ، قصيدة النثر والشعرية العربية الجديدة : من اشتراطات القصد إلى قراءات الأثر ، القاهرة ، مجلة فصول المجلد الخامس عشر ، العدد الثالث / خريف 1996 ، ص ٧٤ .
٣- أمل دنقل ، الأعمال الكاملة ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، 1998 ، ص 345 ، و 293 بالترتيب .
٤- سيشار لهذا المرجع بعد ذلك في المتن هكذا: (الـ...هتك/ ص..).
مجلة نزوى
أيمــــــــن بكـــــر 2009-07-18
منقول
قصيدة النثـر: صراع المشروعية وتفتيت النظام فـي قصيـدة عـبدالله ثابـت
١- تمهيد
ما المطلوب من النقد في مواجهة ما يعرف بـ«قصيدة النثر» التي شاع حولها خطاب تبسيطي - ومريح للعقلية المحافظة- خطاب إدانةٍ تاريخي يرمي كل كتابة مجددة بتهم محددة تتكرر دون الاعتناء بالتجديد حتى في صياغتها؛ من مثل الإغراق في الذاتية، والغموض الذي يصل حد الاستغلاق، وأيضا العشوائية في الرؤية، أو الخروج عن تقنينات النوع الأدبي وتقاليده، والانقطاع عن أعراف الثقافة العربية خاصة ما يتصل بتراثها الشعري، والعمالة، بالتالي، لثقافة أخرى...الخ؟
في مواجهة كتابة يفترض أنها تختط طرائق جمالية وتعبيرية مغايرة عما اعتادته الثقافة، لا أظن الإشكالية التي تواجه النقد تقف عند التعرف على آليات تحليلية تتغيا تأويل المضمون، أو تحليل انحرافات التركيب بما يصل في النهاية إلى بلورة معادلات تقنن أساليب اللغة في صنع جماليات مغايرة، لكني أظن الإشكالية الأكثر عمقا تتمثل في اكتشاف المنطلقات الفلسفية للكتابة؛ المنطلقات التي تمثل مفاتيح للقراءة لا تسعى لصوغ «قوانين» بل تسعى لخلق مساحة مرنة من الأفكار يمكنها أن تتعرف على محددات الوعي الذي صدرت عنه الكتابة، وهو ما يمكن- لمن يشاء- أن يقود لحوار عميق يتحرك الوعيُ القارئُ عبره نحو بلورة قيمٍ جماليةٍ وثقافيةٍ يطرحها النص الإبداعي.
أتحدث هنا عن نوع من النقد يتحرك في الثقافة العالمية ليحتل مساحات شغلتها الفلسفة فيما مضى، نقد يحاول أن يتوازى إبداعيا مع النصوص التي يقوم بتحليلها دون أن يفقد صلة المتحاور معها الكاشف عن وعيها العميق، نقد ربما يقف على محددات الوعي الذي صدرت عنه الكتابة كما أسلفنا القول، لكنه في كل الأحوال سيقدم هو نفسه عبر تحليله للنصوص وعيا مغايرا للنظر للعالم.
انطلاقا مما سبق تتحد أهداف هذه الدراسة في الآتي:
أولا: ستحاول، وبصورة سريعة، التعرض لفكرة انفصال قصيدة النثر عن تراث الشعر العربي،
وثانيا: ستسعى إلى بلورة بعض المنطلقات الفلسفية للكتابة، عبر المقارنة بين ملامح وجود الذات الشاعرة في قصيدة التفعيلة، وما يمكن أن نميزه كملمح خاص بوجود الذات الشاعرة في قصيدة النثر، والوقوف عند فكرة تفتيت نظام البناء المتماسك عليها والمتسلسل بصورة منطقية وذلك عبر تحليل ديواني الشاعر عبد الله ثابت «ألـ...هتك» (وزارة الثقافة والسياحة- صنعاء/2004)، و «النوبات: تالف يمضغ عصبه» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت/2005). لما أظنه من تجسدٍ لكثير من أطروحات الدراسة فيهما.
٢- صراع المشروعية: انتساب أو عدم انتساب
يمكن اعتبار فكرة انفصال قصيدة النثر العربية عن تراث الشعر العربي ؛ أو القطيعة التي يفترض غالبا أن قصيدة النثر قد أحدثتها مع هذا التراث ، يمكن اعتبار هذه الفكرة نقطة بدء مناسبة تمهد لطرح المنطلقات الفكرية والفنية التي يصدر عنها هذا البحث في سعيه لتحليل بعض جماليات قصيدة النثر العربية ؛ فمن الممكن عبر هذه الفكرة أن يتم - مبدئيا - تحديد مساحات التقاطع والانفصال بين هذه الدراسة والدراسات السابقة التي تدور في الفلك نفسه، إذ يبدو أن هناك تيارا كبيرا من الباحثين يؤيد فكرة الانفصال السابقة ، سواء من زاوية من يراه إيجابيا مبشرا بميلاد شعرية جديدة ، أو من جانب من ينفي على أساسه انتماء قصيدة النثر لـ « الشعر» عموما (١) . ويبدو أن هذا الانفصال عن تراث الشعر العربى هو نفسه أمر فى حاجة إلى مراجعة؛ حيث لا يقف الأمر عند حدود فصل قصيدة النثر عن الشعرية العربية التقليدية المتمثلة في عمود الشعر ، بل يتعدى ذلك إلى محاولة فصلها عن ما يسمى « الشعرية العربية الجديدة ، كما يلاحظ حاتم الصكر حين يقول :
يخيل إلينا ونحن نعاين المحور المقترح ، أنه يراد لنا النظر إلى « قصيدة النثر » خارج الشعرية العربية الجديدة ، فكأننا نقع فى مصادرة فذة تفصل بالواو بين قصيدة النثر - موضوع بحثنا - والشعرية العربية الجديدة التى تتكون وتتحور إلى جوارها . كما يراد لنا الإقرار سلفا - هذه مصادرة أخرى - بوجود «شعرية » « عربية » « جديدة »(٢)
الأمر إذن يبدأ من الشك في وجود «شعرية» توصف بأنها «عربية» و «جديدة» يمكن إضافة قصيدة النثر لها أو فصلها عنها، بما يضيف مشكلة أخرى لمشكلات التعريف التي يرصدها هذا البحث ؛ فمن جهة يبدو مفهوم الشعر الذي ينفي على أساسه النقاد « شعرية » قصيدة النثر أو يثبتونها مفهوما غائما في أفضل الأحوال ، ناهيك عن ملامح هذه الشعرية سواء على مستوى شعر التفعيلة أو على مستوى قصيدة النثر، وخصوصيتها العربية التي يمكننا عبرها أن ندعي اختلاف تلك الشعرية عن مثيلتها الفرنسية أو الهندية مثلا.
من زاوية أخرى؛ هل يمكننا - بعد مرور عدة عقود - أن نرصد مساحات الاشتراك ومساحات التمايز بين المنطلقات الفلسفية التي تقع في الأساس من حركة التجريب الشعري العربي الحديثة ، التي قامت بالنقلة الأساسية من عمود الشعر العربي إلى الشكل السطري ، المتحرر من انتظام القافية وانتظام عدد التفعيلات في البيت ( قصيدة التفعيلة ) ، وبين المنطلقات الفلسفية التي تنهض عليها قصيدة النثر العربية ، إن كان لهذه المساحات وجود ؟
ما أظنه هو أن المقارنة السابقة ضرورية، في سياق محاولة اكتشاف ما تشترك فيه قصيدة النثر مع تراث التجريب الشعري العربي الحديث - إن كان هناك ثمة اشتراك - وما يمكن أن تكون هذه القصيدة قد حققته من تمايز وتفرد على مستوي المنطلقات الفلسفية، والرؤى الفنية التي تصدر عنها .
وإذا كانت الأفكار السابقة تشكل منظورا يمكنه التعامل مع كثير من قضايا قصيدة النثر ، فإن هذا البحث يقف فقط- كما سبقت الإشارة- عند ما يراه الباحث ملمحا جماليا مميزا ، وهو ما يتصل بأبعاد تشكل الذات الشاعرة وفعلها في نصوص قصيدة النثر، وكذلك عند فكرة انتظام البناء الشعري وترابطه العلي والمنطقي.
٣- حول فلسفة وجود الذات الشاعرة وتشكلها
هناك فكرة أظنها فاعلة بصورة أساسية في تشكل جماليات قصيدة النثر عموما ، ويمكن تتبع هذه الفكرة في تجارب شعراء قصيدة النثر ، أولا عبر إعلاناتهم عن أنفسهم وعن تجاربهم كما تتبدى في مقدمات التأويل Thresholds of Interpretation التي نصادفها في النص المطبوع ، وثانيا عبر تحليل تأويلي لبعض نصوصهم .
الفكرة التي أشير إليها أشبه بالعملة ذات الوجهين ؛ يمكن تلخيص وجهها الأول في اعتماد شاعر قصيدة النثر لرؤى ذاته الشاعرة وتجاربها في العالم بوصف هذه الرؤى وتلك التجارب هي المنبع الرئيس للكتابة ، وبوصف إعادة صياغة تلك الرؤى والتجارب هي في الوقت نفسه هدف الكتابة الأساسي ، بما ينتج عن ذلك من اعتماد التكوينات التصويرية المعبرة عن علاقات خاصة بين مفردات العالم في وعي المبدع بوصفها هي الطريقة الوحيدة المتاحة للتعبير عن الذات وتحقيق التواصل الأدبي في الوقت ذاته ، بما يعكس واحدا من الأسس الفكرية التي تنبنى عليها جماليات هذه الكتابة : وهو رفضها الاعتراف بمشروعية الوجود الناتجة من الاتساق مع ما هو عام على مستوى الرؤى ، بما يبدو منعكسا على التكوينات التعبيرية المستخدمة، وأيضا على مساحات ظلال المعنى التي تبدو معبرة عن اختيارات الشاعر الساعية للانفصال والتميز عن العرف الشائع في استخدامه لمفردات اللغة عبر سياقات فنية متنوعة، أو من زاوية أخرى؛ سعيها لتأكيد خصوصية وفردية التجربة الإنسانية ( ومن باب أولى التجربة الإبداعية ) بعيدا عن الأطر التجميعية ثقافية كانت أو اجتماعية .
الوجه الثاني للفكرة يمكن اعتباره أحد الفروق الرئيسة بين الوعي الفني المطروح في قصيدة النثر ونظيره مما يمكن التعرف عليه في قصيدة التفعيلة ، وأقصد بهذا الوجه طبيعة التعامل مع فكرة تفرد الذات الشاعرة وتميزها ؛ ففي حين تتحرك الذات الشاعرة في قصيدة التفعيلة - مثلها في ذلك مثل الذات الشاعرة في الحقبة الرومانسية - من مسلّمة أنها ذات متفردة لها طبيعة خاصة متميزة عن غيرها من الذوات الحضارية، في حين لا تتعامل الذات الشاعرة في قصيدة النثر مع فكرة تفردها وتميزها باعتبارها مسلمة لا تحتاج لنقاش وإثبات ، بل يتحول الأمر إلى سؤال ضمني يهدف النص - ضمن ما يهدف إليه - إلى الإجابة عنه غالبا بالإثبات ، إن الذات الشاعرة في قصيدة النثر لا يبدو أنها تسلم مبدئيا بوجود طبائع جوهرية مميزة لذوات المبدعين في ثقافة معينة، وهو ما يدعوها- خصوصا وهي تنطلق من اعتمادها لرؤاها وتجاربها بوصفها منبع الكتابة وهدفها كما تشير هذه الفكرة - إلى محاولة إثبات تفردها وتميزها كمبرر يسوغ اعتماد تجارب هذه الذات ورؤاها ونفض الرؤى الجمعية الشمولية التي تدّعي الصحة المطلقة والكمال ، بعبارة أخرى ؛ يبدو أن عنصر المشروعية الذي تحاول الذات الشاعرة في قصيدة النثر أن تكتسبه يأتي من خارج مشروعية المنظومات القيمية العامة والرؤى الحضارية الرسمية التي ظل شاعر قصيدة التفعيلة يبحث عنها باعتباره امتدادا «رسميا» للخطاب الشعري العربي .
يمكننا أن نستدل على الفكرة السابقة مبدئيا عبر تتبع طبيعة أحادية الرؤية عند رموز شعر التفعيلة، والتي تصل أحيانا إلى ما يوحي بأحادية التوجه العقلي single mindedness (وهو سيطرة فكرة وحيدة على العقلية بوصف هذه الفكرة هدفا نهائيا لا يمكن لتلك العقلية أن ترى سواه، وهو ما يعبر عن يقين لا يتزعزع بامتلاك الحقيقة، أو في أحسن الأحوال يعبر عن إيمان الذات الشاعرة بقدرتها على الذهاب إلى أغوار في الرؤية الثقافية لا يمكن لغيرها أن ينفذ إليها) هذه الأحادية أراها تعبر بصورة مباشرة عن إيمان مبدئي بتفرد الذات الشاعرة وتميزها، تفرد لا يشك فيه الشاعر، وتميز يمنحه بصورة بدهية الحق في أن يقود المجموع نحو أفكاره التي لا تحتمل المراجعة، ولنلاحظ طبيعة اللهجة الإطلاقية الأمرية في الخطاب الشعري عند أمل دنقل كنموذج واضح لما أذهب إليه :
لا تصالح /ولو منحوك الذهب /أترى حين أفقأ عينيك /ثم أثبت جوهرتين مكانهما /هل ترى ؟!هي أشياء لا تشترى .
أو قوله :
عندما تهبطين على ساحة القوم لا تبدئي بالسلام / فهم الآن يقتسمون صغارك فوق صحاف الطعام/ بعد أن أشعلوا النار في العش والقش والسنبلة / وغدا يذبحونك بحثا عن الكنز في الحوصلة / وغدا تغتدي مدن الألف عام مدنا للخيام / مدنا ترتقي درج المقصلة.(٣)
إن ما يعنيني في المقطعين السابقين ليس هو الإشارة إلى موقع النبي الذي تتبوأه الذات الشاعرة، فقط أشير إلى فكرة تسليم الذات المبدئي بتفردها الذي يسمح بظهور هذا النوع من التقرير الإطلاقي الآمر.
يمكننا في المقابل أن نلاحظ غياب هذه اللغة بصورة شبه كاملة في قصيدة النثر ، إذ يبدو شاعر قصيدة النثر مشغولا بإثبات التفرد والتميز بصورة مبدئية باعتبار أن هذا التفرد، المشكوك فيه من قبل الثقافة الرسمية، هو السبيل الوحيد لإكساب هذه الذات المشروعية التي ترفض الثقافة منحها إياها . ومن زاوية ثانية يبدو أن إثبات هذا التفرد للذات الشاعرة في قصيدة النثر هو الخطوة الأولى المسوغة لاعتماد تجارب هذه الذات ورؤاها بوصفها منبع الكتابة وهدفها في الوقت نفسه .
سأحاول تأكيد الفكرة السابقة أولا عبر تتبع إعلانات الشعراء حول فكرة تفرد الذات ورغبتها في الخروج عن كل التكوينات التنظيمية الجمعية وعن كل الانتماءات السياسية الشمولية التي تساوم هذا التفرد، الذي يراه المبدع متحققا في ذاته ، كما سنحاول إثبات ارتباطه بفكرة اعتماد الذات لرؤاها وتجاربها الشخصية بوصفهما منبع الكتابة الشعرية ، وبوصف إعادة صياغتهما هي الهدف الأول للكتابة الشعرية .
٤- حول إعلانات الشعراء
يمكننا أن نلمح فى دواوين شعراء قصيدة النثر - بصورة شبه متواترة - ما يصح اعتباره إعلانا عن تفرد الذات وعدم اشتراكها فى التصنيفات التجميعية الشمولية التي تسعى الثقافة لإدراج الأفراد فيها سواء على مستوى تجاربهم الإنسانية ، أو على مستوى إبداعاتهم الفنية إذا ما كانوا من المبدعين . ويمكن لهذا الإعلان أن يأخذ أشكالا متنوعة أحدها أن يعلن الشاعر عبر العنوان أو التصدير أو الإهداء أو الغلاف الخلفي، تأكيد وحدة الذات وانفلاتها من النظم والسياسات المعرِّفة للفرد في الثقافة، وهو ما يبدو أيضا واضحا في علاقة الذات بالمجموع داخل النصوص.
هذا الإعلان يمكن أن نعتبره في كثير من الأحيان سعيا من باب خلفي لإثبات تفرد الذات بما يعد إشارة واضحة لما نذهب إليه من عدم انطلاق الذات الشاعرة في قصيدة النثر عموما من فكرة تفردها وتميزها المبدئيين، بل إنها - أي تلك الذات - تحاول إثبات هذا التفرد عبر الكتابة الشعرية نفسها، إنها ذات تتحول إلى الداخل في جانب من وعيها، مسلطة ضوءا قويا على نفسها، وساعية إلى إثبات ما تراه من ميزات تصنع تفردها، هذا السعي يأتي من موقع الذات الشاعرة القائم في العالم، عبر منطق العالم وسياساته كما تعيها في لحظة تاريخية محددة، وليس عبر تقدير اجتماعي/ سياسي مسبق كالذي كان يمنح للشاعر الجاهلي مثلا، وليس عبر حالة إلهام خاص ولا عبر النظر إلى العالم من خلال إشراقات الروح وفيوضات ذات الشاعر الملهم كما يمكن أن نصف الشاعر في الفترة الرومانسية .
تفرد الذات:
المقطع الذي يضعه الشاعر عبد الله ثابت على الغلاف الخلفي لديوانه الأول «ألـ...هتك»(٤)، يفصح عما ذهبنا إليه بوضوح. يقول:
اليوم جريت حافيا
خلعت سنيني العجاف .. بؤس التجاعيد الجبلية
مسحت عن وجهي الزمن
وثيابي العربية ألقيتها رأس المنحدر
رميت نعلي باتجاه الشمس
وركضت بين جدران الطين.. صارخا: أنا فرح!
آكل الحلوى المكشوفة.. أمص أكياس التوت المثلجة
اليوم.. أعود طفلا (الـ...هتك/ الغلاف الخلفي)
وبغض النظر عن احتمالات الدلالة في المقطع السابق، ما يعنيني هو إشارته بوضوح إلى تلك الرغبة في التنصل من التاريخ (خلعت سنيني العجاف/ مسحت عن وجهي الزمن) ومن الهوية (وثيابي العربية ألقيتها رأس المنحدر) ومن وعي نتج عنهما، وعن ثقافة تآكلت ولم تعد كافية لإرضاء طموح الذات الشاعرة في خلق عالم ذي شروط إنسانية مختلفة.
إشكالية الثقافة هنا لا تنفصل عن الهوية وعن التاريخ/الزمن الذي يعبر عن محتوى الذاكرة، يعبر عن مكونات الوعي، الثقافة هنا أيضا هي ذلك الارتباط بالعرف الجمعي والموروث الجمعي الذي يتم نقله من جيل لجيل، بما يشكل هوية مجتمع ثقافي معين. ولعل فكرة الطفولة هنا يمكنها أن تؤول في أكثر من اتجاه في الوقت نفسه؛ فخلافا للإشارة التقليدية التي توحي بها الطفولة: البراءة والنقاء..الخ، هناك في هذا السياق بعض ظلال المعنى التي تجبرنا على النظر للطفولة بوصفها إعلانا عن قدرة الذات الشاعرة على الانخلاع من التصنيفات الجمعية، وقدرتها على صياغة واقعها الثقافي والإنساني والجمالي من البداية، فالطفولة هنا لم تأت غفلا من دلالات أخرى توجهها نحو المعاني السابقة، دلالات خلع السنين ومسح الزمن، والتخلي عن الهوية العربية والطموح الجامح (رميت نعلي باتجاه الشمس) وكذلك تحدي الأعراف الثقافية (آكل الحلوى المكشوفة...).
العودة للبدايات أو الطفولة بالمعنى السابق هي التي يفتتح بها عبد الله الديوان نفسه بقوله:
للمجبولين
من كذب الأطفال..
وحدهم..
المسكونون برائحة الأرض
والمطر (الـ...هتك/ ٥)
هناك في المقطع السابق ما يؤكد أن الطفولة هنا ليست تستهدف دلالاتها التقليدية في الشعر (البراءة والنقاء...) فالطفولة مقترنة بالكذب وهو ما يشوش فكرة البراءة، ويلقينا في دائرة دلالية ذات ظلال مغايرة يؤكدها مقطع الغلاف الخلفي؛ إنها دائرة العودة للبدايات وإعلان التمرد الذي ينبئ بمسار آخر للوعي وللشخصية، وهو ما يمكن أن نؤكده عبر اقتران حالة الطفولة هذه بالبدايات، بالعجينة التي تكونت منها الخليقة الأولى؛ وأعني الطين الذي تدل عليه «رائحة الأرض والمطر».
الغلاف الخلفي للديوان الثاني يقلص جدا مساحات الشك في الرؤية السابقة، ويوسع مساحة الرفض لكل الانتماءات العرقية والقومية ولكل تصنيف جمعي مؤسساتي، يقول:
لست موسيقارا، ولا حانوتيا، ولا جنديا على باب جمهورية أو مملكة، ولست شيوعيا ولا قوميا، ولا إقطاعيا ولا قدسيا، ولا أبيض أو ملونا، أو زنجيا، ولا بوهيميا، أو قيميا، ولا زير نساء أو مثليا، ولست عزة بيجوفيتش، أو حتى صموئيل وصدام الحضارات، كما أنني لست روتينيا أو قصة شعبية، أو كيس براز لمريض كلى، أو «حلوى غزل البنات».. لست أي شيء.. إنني مجرد التواء في رقبة الوقت!
سلسلة النفي السابقة سوف تمتد غالبا في وعي القارئ لتشمل ما لم يقله الشاعر في المقطع السابق، سيتعرف القارئ قبل جملة «لست أي شيء» على قصدية المقطع الشعري إلى نفي كل ما يمكنه أن يعرف الذات الحضارية، ثم يأتي التعريف مختصرا غير محدد وفاتحا الباب لتأمل واسع لا يخرج القارئ الراغب في الوصول إلى تصنيف تقليدي من حيرته، بل ربما زادها حدة باستخدام تكوين لغوي مجازي يجبر القارئ على الدخول في مساحات تأويل غير مألوفة في سياق تحديد الهوية الحضارية لفرد ضمن مجموع.
المعنى السابق يتردد في الديوان، ويتم تناوله من جوانب مختلفة، ففي المقطع التالي تعلن الذات الشاعرة أنها كانت جزءا مندمجا من الثقافة، أي انها كانت مستسلمة للتعريفات الثقافية لها، لكنها الآن لم تعد ما كانته. يقول:
كما كانت النساء ترغبني كنت، وكما يفعل الرجال النبلاء كنت، وكما يشتهي المراهقون شوارع كنت، وكما يمد طفل يده بريال إلى بائع حلوى، فينشغل عنه بأكمام الكبار كنتُ
.. لكنني الآن شيء آخر
ليس مهما تحديد الشيء الذي صارته الذات الشاعرة، المهم هو إعلان الانفلات من التصنيفات الثقافية التجميعية المألوفة حتى مع كونها مقبولة غير ممجوجة من قبل الثقافة، بل لأنها كذلك مقبولة
٥- النظام/ تفتيت النظام
في ديوانه «ألـ...هتك» يبدو عبد الله ثابت أقرب لشاعر قصيدة التفعيلة الذي أشرنا إليه في بداية الدراسة، إنه واثق ثقة شديدة من العالم الذي يقدمه، ومعتد به بالقوة نفسها، لكن بدايات التمرد الجمالي، وأخص به هنا ما يتصل بتشكل الذات الشاعرة ومحاولتها إثبات تفردها، وتحركها في التجربة الجمالية (من) العالم وليس (من فوق) العالم تبدو بذوره واضحة بداية من عناوين القصائد التي جاءت في معظمها بصيغة النكرة، التي لا تبدو معها المعرفة موثقة أو ذات كبير عهد بوعي الشاعر، وهو ما يبدو متناقضا مع التركيب البنيوي للديوان، الذي اتخذت القصيدة فيه شكل القصيدة التفعيلية تماما (وجود عنوان- البناء متسلسل منطقيا ومترابط عليها- دلالات التراكيب والصور التخييلية أقرب لمنطق التركيب والتخييل التفعيلي)
الديوان السابق للشاعر يحتوي الكثير من علامات الوعي الجديد؛ الوعي الراغب في نفض التعريفات المسبقة والهويات الملتصقة بنا دون إرادة منا، لكنه لم يتخلص تماما من هذا الوعي ومن تلك الأفكار المسبقة، هو يطمح ويقوم ببناء هويته الخاصة دون أن يدركها تماما في هذا الديوان، فمن ينفض وعيا لا يمكنه أن يفعل ذلك دفعة واحدة، لا يمكنه إلا أن يمارس وعيه المرفوض أولا منطلقا منه في رفضه، بعبارة أخرى؛ يتحرك الوعي من ذاته لرفض ذاته، وهو ما يبرر لجوءه لآليات كتابة تنتمي للموروث، للوعي القائم، حتى يتعرف الوعي نفسه على آليات مغايرة يتمسك بها بوصفها ما يميز إبداعه.
في ديوان «النوبات: تالف يمضغ عصبه» يتحرك أفق التجربة الشعرية بعيدا عن الموروث المألوف، خاصة فيما يتصل بالبناء. الديوان هو مجموعة نصوص مبعثرة، وإن شئت نصا واحدا متسلسلا، وإن شئت نصا واحدا قابلا للانقراء بأكثر من طريقة، وهو ما يكسر حالة البناء الأحادي المكتمل الخطي والمغلق الذي يميز وعي قصيدة التفعيلة، بحيث يمكننا القول ان الديوان السابق يفتت النظام البنائي التقليدي للقصيدة في محاولة للتعبير عن تجربة تتميز هي نفسها بالبعثرة وعدم الانتظام.
عنوان ديوان عبد الله الثاني يوحي بهذه البعثرة، حيث توحي كلمة نوبات بالقفز العشوائي من حالة إلى حالة، ويؤكد ذلك ما يضيفه باقي العنوان من ظلال توحي بالمرض النفسي (تالف يمضغ عصبه)، اللاترابط بين صفحات الديوان يمنح حرية كبيرة للقارئ في ممارسة فعل القراءة دون توجيه من عنوان أو روابط موضوعية أو لغوية- إلا ما شاء القارئ أن يصطنعه- فالنصوص تبدو مقاومة لفكرة النظام أو الترتيب المتجانس.
لي هنا أن أستخدم الإهداء الشخصي الذي كتبه الشاعر لي على ديوانه، إذ أظنه يؤكد وعي الشاعر بصورة عميقة بتوجه تجربته نحو تكسير النظام وممارسة حالة تبعثر حر يشبه لعب الأطفال الذي أشرنا إليه في الديوان الأول، يقول الإهداء «إليك هذا الصراخ.. هذا العويل» إذ ما القانون البنائي المنطقي المتجانس الذي يمكنه أن يحكم الصراخ أو العويل، خاصة إذا كان من «تالف» يمارس فعلا يتخطى كل حدود العنف حين «يمضغ عصبه»؟؟! الصراخ والعويل إذا يتحدان في فكرة كسر البنية المنتظمة المتجانسة المغلقة.
الهوامش
١- يمكن التمثيل لهذا التصور - انفصال قصيدة النثر العربية ( بل وحركة الشعر الحديث كلها ) عن تراث الشعر العربي - بما قاله الدكتور غالي شكري من أن :
...حركات التجديد في جميع المراحل السابقة على حركة الشعر الحديث قد حافظت على جوهر الشعر العربي ، بينما نلاحظ في الوقت نفسه أن الحركة الحديثة تقوم أساسا على رفض هذا الجوهر
- يراجع :
- غالي شكري ، شعرنا الحديث إلى أين ؟ ، دار المعارف ، القاهرة ، 1985 ، ص112 .
كما يتبدى هذا الفرض في رؤى الشعراء أنفسهم ، سواء أكانوا من مهاجمي قصيدة النثر أم من المدافعين عنها؛ فنزار قباني ، مثلا ، الذي يبدو في بداية مقابلته مع جهاد فاضل متسعا لاستقبال هذا الشكل الجديد يرى مع ذلك أنه شكل « شكل ... طارئ هجين ... لم يعرفه تاريخنا الأدبي » .
يراجع :
- جهاد فاضل ، قضايا الشعر الحديث ، دار الشروق ، بيروت ، 1984 ، ص٢٤٤ .
٢- حاتم الصكر ، قصيدة النثر والشعرية العربية الجديدة : من اشتراطات القصد إلى قراءات الأثر ، القاهرة ، مجلة فصول المجلد الخامس عشر ، العدد الثالث / خريف 1996 ، ص ٧٤ .
٣- أمل دنقل ، الأعمال الكاملة ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، 1998 ، ص 345 ، و 293 بالترتيب .
٤- سيشار لهذا المرجع بعد ذلك في المتن هكذا: (الـ...هتك/ ص..).
مجلة نزوى
أيمــــــــن بكـــــر 2009-07-18
منقول