السمات الأسلوبية و الصور الشعرية
السمات الأسلوبية و الصور الشعرية
دراسة نقدية
بقلم / حسن غريب أحمد
كاتب وناقد مصري
************************************************** ********************************
السمات الأسلوبية و الصور الشعرية
فى ديوان {{ تشكيل الأذى }}
للشاعرة الإماراتية [[ ميسون صقر ]]
ميسون صقر – مازالت تثير اهتمام الناشرين و النقاد و المثقفين لأنها أكثر الشاعرات العرب اللواتى تصدر لهن كل سنة طبعة جديدة من أعمالها ، لاسيما " هكذا أسمى الأشياء 1982 " و " الريهقان 1992 " و " جريان فى مادة الجسد 1992 " و " البيت 1992 م " و " السرد على هيئته 1993 م " – و " مكان آخر 1994 م " و " الآخر فى عتمته 1995 " و " ديوانها الذى كتبته باللهجة العامية المصرية (( عامل نفسه ماشى 1996م )) إلى جانب معارضها التشكيلية الرائعة بإشكالها المتعددة – و أخيراً ديوانها " تشكيل الأذى " الذى بين يدى الآن الصادر عن سلسلة كتاب شرقيات للجميع 1997 م و الذى نحن بصدد هذه الدراسة عنه 0
يبقى إذن هذه الشاعرة الإماراتية العربية محور اجتذاب القراء الذى يزداد يوماً بعد يوم و السبب طبعاً هو العالم الكونى المثير و العميق الذى كتبته فى قصائدها 0
إن شاعرة بأهمية " ميسون صقر " لا يستطاع استيعابها فى جيل واحد و لا فى مكان محدود ، فهى مشرعة على الأسئلة الانسانية الكبيرة و حاملة كنز القلق الأعمق 0
** الرؤية المعيارية فى تقسيم الأساليب و التقنيات :
لقد انشغل كثير من نقادنا على امتداد العصور بمطاردة شعرية النص من خلال مرجعيات تاريخية و اجتماعية و نفسية و غالباً ما كانوا يقيسون جماليات النصوص الأدبية من خلال وفائها بشروط المحاكاة ، أو استجاباتها لنظريات الانعكاس بوصف الأدب مرآه تعكس الأعراف و التقاليد أو تعكس المتغيرات الاجتماعية أو تعكس ذات المبدع نفسه ، متجاهلين أن النص الشعرى هو قبل ذلك فن وواقعية جمالية ، تستجيب لعناصر بنائها و تشكلها الفنى قبل أى شئ آخر – و هذا التشكيل يعود إلى بنيته الأسلوبية ، و مستويات التحويل الجمالى لتجربته 000 و بخاصة تلك الطرق و التراكيب و الصيغ غير العادية التى يلجأ إليها الشاعر فى إنتاج دلالته الشعرية 0
و لا جدال فى أن النقاد العرب القدامى قدموا رؤى و استبصارات نافذة فى جماليات النصوص و أساليب التشكيل 00 فى إطار الجزئيات ، ما يعجز الكثير من المتأخرين عن مجارتها لغة و معجماً و نحواً و صرفاً و بلاغة 00 ووقفوا طويلاً أمام تقنيات علم المعانى و البيان و البديع التى كان لها دور لافت فى الصياغة الأدبية 00 و لكنهم للأسف لم يستطيعوا التخلص من مأخذين اثنين كان لهما أثر سلبى فى مسيرة النقد العربى ::
الأول : الرؤية المعيارية التى تقسم الأساليب و التقنيات ليس من خلال أهميتها فى الواقع أو حسب ترددها فى النصوص و إنما بحسب قيمتها المثبتة فى الذهن أو العرف سلفاً 0
ثانياً : عدم النظر إلى النصوص وحدات كاملة 000
و إنما كانوا يعمدون إلى تفتيتها جزئيات استجابة لنزعة التقعيد 00
قد تتداخل مباحث الأسلوب مع الشعريات ، غير أن الذى لا شك فيه أن مباحث الأسلوب يمكن أن تمد النقد الأدبى بروافد مثمرة يمكن أن تضئ الكثير 0
أسوق هذه المقدمة و أنا أتابع خارطة الشاعرة المتميزة " ميسون صقر " فى مساحة واسعة من النتاجات الشعرية المتباينة فى اتجاهاتها و مستوياتها ، ما يصعب معه استخلاص قواعد عامة و قوانين محددة تضبط أساليب الشعر الإماراتى بكل اتجاهاته 00 0 لذلك سأكتفى بإبراز بعض السمات الأسلوبية و الصور الشعرية التى تهيمن على نصوص شاعرتنا ميسون صقر 0
00 الصور الشعرية
الصورة الشعرية 000 أذن لدينا ( صورة ) و ( شعر ) فيلزمنا قبل حديثنا عنها أن نعرفهما معاً ، حتى لا نحيل إلى مجهول ، و لنبدأ بتعريف ( الشعر ) أولا :
الشعر (( تعبير فنى موزون عن تجربة إنسانية ))
هذا التعريف الذى وضعناه ، و نعمل بمقتضاه – نقداً و إبداعاً ، منذ وعينا النقد و الإبداع ، و علينا أن نشرحه حتى نكون على وعى به ، تعبير و ليس ( توصيلاً ) فالتوصيل و هو وظيفة ( معلومات ) يراد ( توصيلها ) و هنا لا نحتاج إلى ( تصوير ) 00
أما التعبير فهو لغة الأدب و الفن بمختلف أنواعهما ، فالأديب و الفنان يعيش ما فـ ( يعبر ) عنها و لكن ، أليس الإنسان ( معبراً ) بطريقة ما ؟؟ حتى بدون لغة ، أليست ( الدموع ) تعبيراً عن الحزن – و قد تكون عن الفرح ! أليست ( الابتسامة ) معبرة عن شئ الأحاسيس و المشاعر ؟ و تقطيبه الجبين ألا تعبر عن ضيق أو غضب ؟
إذن فما ميزة الفنان أو الأديب إذ (( يعبران )) ؟
لذلك جاء قولنا ( فنى ) فالتعبير ( الفنى ) هو الذى يقوم على متطلبات الفن باستخدام لغة خاصة به تخضع لقواعد و قوانين معينة ، و هى لغة ( مجازية ) نبع من العقل و العاطفة معاً ، تعكس لغة ( العلم ) ؟ التى تقوم على العقل وحده و لكن !!!
أليس هذا ( التعبير الفنى ) قاسماً مشتركاً بين كل الفنون و الأدب ؟ أجل بل لابد للفنون و الآداب أن تقوم على هذا التعبير الفنى الذى هو فى الحقيقة ( تصوير ) لما يعمل فى نفس الأديب أو الفنان ، و لهذا قلنا ( موزون ) ليكون الوزن فيصلا يميز الشعر من النثر الفنى ، فكل ما يحمله النثر الفنى من أفانين مجازية ، يحمله الشعر ، بل لقد يعلو النثر الفنى أحياناً على الشعر فى استخدامه لهذه الافانين 00
هذا ما وضعناه تعريفاً ( للشعر ) فما هى الصورة ( الشعرية ) ؟؟ هى باختصار شديد ، ( تجسيد شعرى جزئى ) فما الصورة الأدبية و الفنية إلا ( تجسيد ) لاحساس أو شعور أو موقف أو حالة من الممكن أن نضبط كل هذا فى قولنا (( تجسيد لما هو معنوى )) و قد تنحوا أحياناً نحوا (( تجريديا )) بالنسبة (( للمادى )) و لكن هذا قليل جداً ، فليس من طبيعة اللغة ( لغة الكتابة ) التجريد ، بل هى ما جاءت إلا ( لتجسيد ) ما يدور فى الصدور ، وقد يقول قائل 0000
ليس التجسيد مقصوراً على ( الصورة ) وحدها فالعلم الأدبى أو الفنى ( تجسيد برمته ) و لهذا قلنا تجسيد ( جزئى ) فالعمل الأدبى أو الفنى كل أجزائه ( الصور ) من تلاقى الصور يتم العمل كله 0
00 الصور الشعرية لدى الشاعرة :
اتفقنا إذن على أن ( الصورة الشعرية ) هى ( تجسيد شعرى جزئى ) و الآن فكيف نرى الصورة الشعرية عند ميسون صقر فى ديوانها ( تشكيل الأذى ) 0
و يداك معلقتان فى ألم العناق
هنا اليد ( ألم ) و الألم ( صوت ) و العناق مما ( يرى ) لا مما ( يسمع ) فهنا ( تراسل الحواس ) حيث تضفى الشاعرة صفة شئ على شئ آخر لا يشاركه أصلاً فى هذه الصفة توظيفاً جيداً ، فرؤية الألم تثير فينا شجناً ، و لكنها تضاعف حين يكون لها ( عناق ) ففى هذا ( تجسيد ) للأيادى فى صورة كائن حى يئن ألما ، مما تثير أوجاعنا حياله فإنها قد شغلت منا ( حاستين ) الألم و اليد ، فكان وقعه اشد إيلاماً مما لو رأيناه فقط أو سمعنا و حسب 0
المزج بين المادي و المعنوى
لا تفلتها لذة الليل
لكنها فى ردائها الذى كلما خلعته
اشتدت شهوتها فتنة
تشبة القدمين السائرتين
نحو هذه الظلمة فيها
الشاعرة هنا تمزج بين ما هو مادي و ما هو معنوى فلذة الليل و الرداء الذى خلعته 000 هما هنا يرسفان فى القيود و تقييد القدمين الثائرتين أمضى من تقيد الايدى و الارجل فمادة القدمين من الرقة بحيث لا تحتمل خشونة القيد و قيد القدمين لن يكون إلا فى الظلمة و قد يكون قيدها نوراً يعيش أو مناظر تؤذى ارقً يحرمها لذة النوم ، أو عله ، و هو يصب فى النهاية فى الظلام و القدمان ترسفان ( الشهوة ) من شبق و هذا هو المزج بين المادى ( الشهوة ) و المعنى ( شبق ) و قد حاولت أن أتمثل هذه الصورة فلم أوفق ، ( فالقدمان السائرتان ) و ( شهوة الفتنة ) توحى بالاعتناق ففيهما النور و التالق و الحركة ، كذلك فالشبق منه من ( الحيوانية ) ما يتنافى و ما فى الظلام من سواد ( و لكنها فى ردائها الذى كلما خلعته ) حصارا آخر يؤكد تقييد الجسد ، و تقيديها يؤكده مما يوحى نحوه ( انحنت ، و الشرفة تعلو ) و خلع الراداء يفيد تغير وجها بهذا الوصف و لم تذكر ( الشهوة ) أو تجعلها من معطيات ( الفتنة ) فهذا يترك للمتلقى استشفاف الموقف دون تدخل من الشاعرة 0
( الرقصة التالية ستعلمان أكثر ) التعبير هنا موقف فالشاعرة لم تقل ( ستعلمنى ) أكثر ، و إنما قد جعلتها للجمع ( ستعلمنا فقولنا أنا ) ( العشق ) أقوى من قولنا أنا ( أعشق ) فالتعبير ( بالمصدر ) افعل من التعبير ( بالفعل ) فهى تعى أن ( الموصوف ) هو هو عين ( الصفة ) أو على الاصح هو هو ( مصدرها ) 0
هكذا تضحكنى الأشباح
هكذا ألهث وراء الظل
تصوير مجسد للضحك فى صورة لها من الفعالية مما يجعل ( الظل ) يلهث و إضافة ( الشبح ) للضحك أشد فعالية مما لو قالت ( تضحكنى هكذا الأشباح ) من رحلة الغيبيات إلى رحلة النور و الألق و الفؤاد 00 و رحلة الفؤاد لا تكون إلا رحلة ( حب ) ، ( الظل ) شئ ( غامض ) و الرقصة ستعلمنى و الرداء و لذة الليل 00 فشاعرتنا تريد أن تقول أن هذه الفتاة المخترقة رغبة ، المحاصر وجهها ما بين كتاب و سوار ، يخرجها من أو من سيوجهها فى عالمها ( الشهوة ) ضحك الأشباح و لهث وراءها و لكن كلمة ( الهث ) مثل ( ظلام ) يذهب بالادلة قد جاءت لا تساوق المسار النفسى لهذه الصورة ، فالتى تحيا ( الأشباح ) هى فى الحقيقة رحلة ( شحوب ) حتى ( وراء الظل ) و إنما هو جو مشحون باللهب و السعير و لا يقال عن نار الشهوة إنما ( اللهث ) إلا فى موطن ( السخرية ) و فى الحقيقة لقد وقفت الشاعرة ميسون صقر من حيث ( السيناريو ) فقد جاءت الصور مجيئاً يسلم كل صورة إلى التى تليها ، حينا و بعدها شعراً لابط إحدى الجثيتين
غصون لأشجار تكسرت
و بعض نبيذ معتق
تعبير جيد جداً فالشاعرة تقل الأشجار لغصون تكسرت و تركت لنا محن المتلقين تتمة الصورة ، أو استشفاف ما تريده الشاعرة دون إيضاح ، و هذا مما يجعل المتلقى أكثر بمعاينة للعمل ، إذ أنه يشعر بأنه ( مشارك ) فيه و مناجل لأجساد تلاقت فى ود 00
صورة بعض ضوء
تحت الخيمة السوداء
غصون لأشجار تكسرت
و بعض نبيذ معتق
مناجل لأجساد تلاقت على ود
و الهواء الثقيل
يصيح نجمة محيرة و تخيلها متعذر – فمناجل الأجساد هذا ( تجريد ) مقبول يصور الجسد فى حالة ( الألتقاء ) و هذا يكفى ( التلاقى فى ود ) أما كون المناجل فى ود فمن الممكن أن يشرق و لكن فى أعين الأخرين أو حتى فى دمائهم ، و قد نقبل بعد جهد ، أن يتلاقى الجسد فى ود ، كإنعكاس لحيوية الجسد و تألقه على الدم و لكن لم هى ( مناجل ) بالتحديد ؟ فلو قالت ( بأس الأجساد تلاقت فى ود ) لما تساءلنا و امتداد الشارع ما بين الفؤاد و البصر صورة متماثلة فها هو الشارع يطول و يرحب فهو يقع ما بين لذة ( الصبح - و النجمة ) فأن حد من ناحية الصبح فلا يجد من ناحية ( النجمة ) و الشاعرة لم تقل ما بين ( صبح و نجمة ) و إنما ما بين الصبح و النجمة المشع للضوء و كلاهما أفعل من ( القلب و العين ) فالقلب وعاء ( النبض و العين وعاء البصر ) فالشاعرة إذن خارجة عن الحضارة بين ( وعائين ) و هو يزداد ( طولاً ) كلما نظرت الشاعرة للقمر و هذه صورة فريدة ، فالشاعرة حين تنظر إلى الملأ لا ترى ما ( يحد ) طريقه ، فعيناها سابحتان فى ( لانهائية ) و هنا نظرت إلى ( نجمة الصباح ) و النجمة بما تحمل من رصيد شاعرى لا حد له ، أكثر رحابة من ( السماء ) ذاتها لا من حيث ( الرفعة ) و لكن بما تحمله من خيالات عبر القرون فيكون الانجذاب اليه مستغرقاً بحيث لا يرى السائر المنجذب لطريقه نهاية 0
و الهواء الثقيل
يصبح نجمة حينا
لماذا ( الثقيل ) فهذا يدعو للتساؤل لاسيما و الشاعرة لم تشر من قبل إلا إلى ( الخيمة السوداء ) و تكسر الأشجار و إن كان مقصود بها مجرد ( اللقاء ) تقول تلاقت على ود - إلا أنها تسعى ( الجثيتين ) لا تتفق مع لقاء مناجل الأجساد بالقيدين فالشاعرة لا ترمى بالطبع إلى الرضا عن القيود و بحيث يكون هذا الرضا ملاصقاً للهواء الثقيل 0
يجتثنى عرق ينزف
تعبير موفق على الرغم من مجافاته لمنطق القائل لــ ( يجتثنى عرق ينزف ) فالعروق ( وعاء ) و النزف ( دماء ) و المنطق يروى السائل عن وعائه و لكن فى مجال الشعر يعذب أحياناً أن ( نكسر ) هذا المنطق كذلك ( عصموا الاعضاء بالبتر و خلقوا من أعضاء أخرى ) فالبتر يجعل من العضو ( منفصلاً ) ذا انفصال يجهز على باقى الأعضاء عضو إثر عضو 00 من قصيدة ( العصيان ) 0
حنانى الذى مر علىّ دون أن أراه
الحنان الشريد ( إنحناء ) فاقدامنا المرهفة و خطانا ( توسدت ) هذا الحنان فهو يمر شارداً لا يستقر تعرف كيف تلوك المسافات و مرور الحياة حين استوعبها الذئاب ، فالمسافات و مذاق نكهة الفم تصور جيداً لهذا ( الحنان ) بالحب فهو متعود على ( مرور الحياة ) للمسافات و الإرتحال الطويل فى عالم الحب و كذلك الحرقة التى تسيل على الكرسي من الجسد للأعين العنيدة فهى عاشقة مغامرة تواجه عناء الأعين 00 من قصيدة ( الوهم ) ص 34
لا تبوح لي
و لا تكثر الكلام عنك
و حين أصيح فى هذا الفراغ
أنت أعلم علم المعرفة
بأنك لن تصافح يدى إلا بسكين
( البوح ) هنا هو ( لحظة سحر تطوف بالمصافحة ) فهذه اللحظة لا تحملنى أنا و إنما تحمل عنى الفراغ فهى ( أعلم أعلم ) بطريق المصافحة بحيث تحول إلى مجرد ( محفه ) أنا عليها 00 فهى لم تكلفنى عناء السعى و إنما أبقت على قواى أن تبدد فى سير و أبقت على ذات الصياح أن يتكبد عناء المصافحة ، كذلك فقد أقالت اليد المحملة بسكين سنين العمر من تعثرها لأنك فى ( تجسيد ) هذه الصورة للعمر و تصوير فى هيئة القلب الذى يحمل سكينا لتقبل الحبيب حين يتعثر فى بعد المسافات بين حبيبته 0
يداك تبدلان نزقى
ما سهوت حين يمتلك القلب
موتك الذى احمله
ولادة فى السر
و هنا إيحاء باستجلاب الأمن و الذكريات الفرحة من باب ( لتكون لك مرفأ ) و جميل جدا أن تأتى الحبيبة كالصخرة لتفتح شباك القلب و ما يفتح صباحا إلا لدخول النور و النسائم ( صرختى فى الجبال ) المشعرة بالألفة 0 أما صرختى فى الجبال و أجلى ينسحب فإذا به ( مولود ) و إذا بالمرفأ ايدى أم رءوم هى ترشق كل الفنون بالدفء ( لأكون عند ظهرك - عبرت ) ما لها فى توق الوحدة ، الحزن ، الهم ، الحيرة ، و أنا أسمى مثل هذا التعبير ( الولود ) 0 من قصيدة ( لأكون عند ظهرك ) ص 55 0
يناولنى يومه لأجلى
رأيت كيف سأنزل الجبل
الصورة الأولى مصوغة باقتدار فأجلى تناولنى و الأجل ( نهاية ) مما يجعل من الأجل نتيجة له ، و قد كدت أقول ( مناولة يوم الأجل ) تحصيل حاصل و لكن لا بأس فمن الممكن النكران مع استمرار المعاناة 0
رأيت كيف سأنزل الجبل
لا لزوم لها 00 فالأجل هنا يشى بانعدام الحركة مما يترتب عليه ( عدم القدرة على النزول ) خصوصاً و الشاعرة تكرر معنى ( النكران ) 0
و إينما تقلبت أوتار غنى
كأنما روحه معضلة – كأنما ما كنا
و فى تعبيرها ( تقلبت أوتاره ) امتلاء بالمعنى فى تركيز مدهش ، فكأنها تقول لقد حاولت السعى إليك شوقاً و لهفاً بالغناء و الوتر فهذا الحلم لم يكن حلم ( روحه ) و إنما حلم يقظة يعنى إنشغالى بك مما دفعنى أن أسعى إليك بروح معضلة و لكن كأنما ما كنا و الأوتار بالغناء أنكرتنى و خانتنى فلم أقو على المجئ إليك فهل أدركتنى روحك ؟ و الروح هنا تعنى ( القلب ) كلها فهذا تعبير ( بالجزء عن الكل ) و اختارت العين لأنها أهم وسائط الاتصال و قد ختمت القصيدة ختاماً مدهشاً 0
لم تكن أمى حين سقطت متلفة
لم تعد ثوبى الذى ألبسنى العافية
و لا محملا بالآثام نحوى
صبرك على الحياة سينفد
و سأعتاده الحب دونك
فها هو الحب ( الآثام ) تضمه لصدرها و ترسله ليعتاد الحب من دونه يثير صبرها على الحياة ثم ينفد
أحلم كأننى أرى
يجب ألا يتكرر صوتى
أنت شئ أو تحفة
الحلم هو بداية ( كل شئ ) فالصوت تعبير عن ( المادي ) و التكرار ( عن المعنى ) و هذا تصوير مكثف 00 فالحلم يعنى ( السعى و المضى ) و ما من عمل إلا و السعى و المضى روحه و كيانه فالعمل ( فعل ) و العقل ( حركة ) لذلك جاءت ( الأحلام ) لكن ( الكون ) محور الحياة 0
تحركنى بأحشاء الكون معبرة إلى ( صبرك على الحياة ) إلى حيث التغلغل فى الأحشاء يعيدنا هنا ليس معبر ( أنت شئ ) داسها إلى التحفة مما منها 00 إذن ( يتكرر صوتى ) و أكثر منهما يتغلغل من الغيرة حتى النخاع و هما ملازمتاه أبداً ولانقطعت به الآثام عن الوصول إلى أى مكان ، و كما حملناه فهو يحمل عن صاحبتهما كل شئ مركزه فى كلمة ( ألبسنى ) فكل شئ ( بمعيار ) و يغامر من أجلى ( و سأعتاده الحب دونك ) مكابدة الظلمة و المخاوف و المجهول ::
كان قد نام فى حضنها
حين وصلنا
تمطت و خرج سريعا
هذا التمطي يضم كل ما هو معنى 00 قد نام فى حضنها و تصح كذلك ( خرج مسرعاً ) فهى معانقة بالغة فها هو يتمطى و يعانق فى ( ارتياب ) صورة طريفة فعالة الحرير الذى فى كلامه 00
الحصان المتهور
يترك لي ركضا
و صوتى يثرى النزيف
يمتد للكهوف - يتكسر
صورته تشكيل الأذى
يا له من امتداد متكسر
فى كل مكان فيه أسطح نابضة ثم نبضات فإثراء النزف و الصورة المشكلة للأذى – هنا معبرة عن سطح كل ( ركض ) العرق ، الدم ، الأنفاس 0
و بعد هذه الصورة الفريدة لشاعرتنا المتميزة ميسون صقر لا أجد ميلاً إلى الاستمرار لأن الديوان زاخر بالعديد من الصور الموحية و إنما أنا مقدم نماذج فحسب و لم أتناول من الديوان إلا النذر فلو ذهبت إلى ( الإحصاء ) لأستوجب هذا منى كتاباً ضخماً و حسبنا أن ندفة الذهب تحمل حصيلة السنبلة كله 00 و بعد فهذه محاولة للدخول إلى العالم الشعرى عند الشاعرة الإماراتية المتألقة (( ميسون صقر )) حاولت خلالها الاقتراب من الرؤيا الشعرية عندها و سعيت إلى ايجاد العلاقة الخفية بين موضوع شعرها بصوره الجميلة و أدوات بنائها المتفردة 0
إن الشاعرة ( ميسون صقر ) هى علامة ملحوظة فى خريطة الشعر العربى المعاصر بما لديها من حساسية شاعرية و ما تمتلكه من صدق فنى و مشاعر متوقدة تؤكد مقولة نوفاليس الشاعر و الكاتب الألمانى ( ت 1801 ) فى شذراته من أن الشعر ( هو مسلك النفس الجميلة الموقعة ، صوت مصاحب لذاتنا المكونة ، مسيرة فى بلد الجمال ، أثر ناعم يشهد فى كل مكان على أصابع الإنسانية قاعدة حرة ، إنتصار على الطبيعة الفجة فى كل كلمة ، فطنة تعبير عن فعالية حرة مستقلة ، علو و إرتفاع ، بناء للنزعة الإنسانية ، تنوير ، إيقاع ، فن )
انتهت
المراجع و الهوامش
1- كتاب ( فن الشعر ) ترجمة إنجليزية – انجرام باى ووتر - قام بالترجمة العربية و تقديمها و التعليق عليها د 0 ابراهيم حمادة ص 56 - طبعة 1989 - مكتبة الانجلو 0
2- موسوعة الفكر الأدبى - الجزء الأول - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1988 ص 4
3- دليل الناقد الأدبى - د 0 نبيل راغب - دار غريب للطباعة و النشر - ص 197
4- نسيم مجلى - دراسة بعنوان ( أمل دنقل ) كتاب المواهب - الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1988
5 – أنور الخطيب : أدب المرأة فى الإمارات ، الجزء الثالث ، أبحاث الملتقى الثانى ، الشارقة ، اتحاد كتاب و أدباء الإمارات 1989 م ، ص 30 إلى ص 31
6 – الرشيد أبو شعير : مدخل القصة الإماراتية - اتحاد كتاب و أدباء الامارات - الشارقة فى 1998 م ص 42 إلى ص 43
منقول
السمات الأسلوبية و الصور الشعرية
دراسة نقدية
بقلم / حسن غريب أحمد
كاتب وناقد مصري
************************************************** ********************************
السمات الأسلوبية و الصور الشعرية
فى ديوان {{ تشكيل الأذى }}
للشاعرة الإماراتية [[ ميسون صقر ]]
ميسون صقر – مازالت تثير اهتمام الناشرين و النقاد و المثقفين لأنها أكثر الشاعرات العرب اللواتى تصدر لهن كل سنة طبعة جديدة من أعمالها ، لاسيما " هكذا أسمى الأشياء 1982 " و " الريهقان 1992 " و " جريان فى مادة الجسد 1992 " و " البيت 1992 م " و " السرد على هيئته 1993 م " – و " مكان آخر 1994 م " و " الآخر فى عتمته 1995 " و " ديوانها الذى كتبته باللهجة العامية المصرية (( عامل نفسه ماشى 1996م )) إلى جانب معارضها التشكيلية الرائعة بإشكالها المتعددة – و أخيراً ديوانها " تشكيل الأذى " الذى بين يدى الآن الصادر عن سلسلة كتاب شرقيات للجميع 1997 م و الذى نحن بصدد هذه الدراسة عنه 0
يبقى إذن هذه الشاعرة الإماراتية العربية محور اجتذاب القراء الذى يزداد يوماً بعد يوم و السبب طبعاً هو العالم الكونى المثير و العميق الذى كتبته فى قصائدها 0
إن شاعرة بأهمية " ميسون صقر " لا يستطاع استيعابها فى جيل واحد و لا فى مكان محدود ، فهى مشرعة على الأسئلة الانسانية الكبيرة و حاملة كنز القلق الأعمق 0
** الرؤية المعيارية فى تقسيم الأساليب و التقنيات :
لقد انشغل كثير من نقادنا على امتداد العصور بمطاردة شعرية النص من خلال مرجعيات تاريخية و اجتماعية و نفسية و غالباً ما كانوا يقيسون جماليات النصوص الأدبية من خلال وفائها بشروط المحاكاة ، أو استجاباتها لنظريات الانعكاس بوصف الأدب مرآه تعكس الأعراف و التقاليد أو تعكس المتغيرات الاجتماعية أو تعكس ذات المبدع نفسه ، متجاهلين أن النص الشعرى هو قبل ذلك فن وواقعية جمالية ، تستجيب لعناصر بنائها و تشكلها الفنى قبل أى شئ آخر – و هذا التشكيل يعود إلى بنيته الأسلوبية ، و مستويات التحويل الجمالى لتجربته 000 و بخاصة تلك الطرق و التراكيب و الصيغ غير العادية التى يلجأ إليها الشاعر فى إنتاج دلالته الشعرية 0
و لا جدال فى أن النقاد العرب القدامى قدموا رؤى و استبصارات نافذة فى جماليات النصوص و أساليب التشكيل 00 فى إطار الجزئيات ، ما يعجز الكثير من المتأخرين عن مجارتها لغة و معجماً و نحواً و صرفاً و بلاغة 00 ووقفوا طويلاً أمام تقنيات علم المعانى و البيان و البديع التى كان لها دور لافت فى الصياغة الأدبية 00 و لكنهم للأسف لم يستطيعوا التخلص من مأخذين اثنين كان لهما أثر سلبى فى مسيرة النقد العربى ::
الأول : الرؤية المعيارية التى تقسم الأساليب و التقنيات ليس من خلال أهميتها فى الواقع أو حسب ترددها فى النصوص و إنما بحسب قيمتها المثبتة فى الذهن أو العرف سلفاً 0
ثانياً : عدم النظر إلى النصوص وحدات كاملة 000
و إنما كانوا يعمدون إلى تفتيتها جزئيات استجابة لنزعة التقعيد 00
قد تتداخل مباحث الأسلوب مع الشعريات ، غير أن الذى لا شك فيه أن مباحث الأسلوب يمكن أن تمد النقد الأدبى بروافد مثمرة يمكن أن تضئ الكثير 0
أسوق هذه المقدمة و أنا أتابع خارطة الشاعرة المتميزة " ميسون صقر " فى مساحة واسعة من النتاجات الشعرية المتباينة فى اتجاهاتها و مستوياتها ، ما يصعب معه استخلاص قواعد عامة و قوانين محددة تضبط أساليب الشعر الإماراتى بكل اتجاهاته 00 0 لذلك سأكتفى بإبراز بعض السمات الأسلوبية و الصور الشعرية التى تهيمن على نصوص شاعرتنا ميسون صقر 0
00 الصور الشعرية
الصورة الشعرية 000 أذن لدينا ( صورة ) و ( شعر ) فيلزمنا قبل حديثنا عنها أن نعرفهما معاً ، حتى لا نحيل إلى مجهول ، و لنبدأ بتعريف ( الشعر ) أولا :
الشعر (( تعبير فنى موزون عن تجربة إنسانية ))
هذا التعريف الذى وضعناه ، و نعمل بمقتضاه – نقداً و إبداعاً ، منذ وعينا النقد و الإبداع ، و علينا أن نشرحه حتى نكون على وعى به ، تعبير و ليس ( توصيلاً ) فالتوصيل و هو وظيفة ( معلومات ) يراد ( توصيلها ) و هنا لا نحتاج إلى ( تصوير ) 00
أما التعبير فهو لغة الأدب و الفن بمختلف أنواعهما ، فالأديب و الفنان يعيش ما فـ ( يعبر ) عنها و لكن ، أليس الإنسان ( معبراً ) بطريقة ما ؟؟ حتى بدون لغة ، أليست ( الدموع ) تعبيراً عن الحزن – و قد تكون عن الفرح ! أليست ( الابتسامة ) معبرة عن شئ الأحاسيس و المشاعر ؟ و تقطيبه الجبين ألا تعبر عن ضيق أو غضب ؟
إذن فما ميزة الفنان أو الأديب إذ (( يعبران )) ؟
لذلك جاء قولنا ( فنى ) فالتعبير ( الفنى ) هو الذى يقوم على متطلبات الفن باستخدام لغة خاصة به تخضع لقواعد و قوانين معينة ، و هى لغة ( مجازية ) نبع من العقل و العاطفة معاً ، تعكس لغة ( العلم ) ؟ التى تقوم على العقل وحده و لكن !!!
أليس هذا ( التعبير الفنى ) قاسماً مشتركاً بين كل الفنون و الأدب ؟ أجل بل لابد للفنون و الآداب أن تقوم على هذا التعبير الفنى الذى هو فى الحقيقة ( تصوير ) لما يعمل فى نفس الأديب أو الفنان ، و لهذا قلنا ( موزون ) ليكون الوزن فيصلا يميز الشعر من النثر الفنى ، فكل ما يحمله النثر الفنى من أفانين مجازية ، يحمله الشعر ، بل لقد يعلو النثر الفنى أحياناً على الشعر فى استخدامه لهذه الافانين 00
هذا ما وضعناه تعريفاً ( للشعر ) فما هى الصورة ( الشعرية ) ؟؟ هى باختصار شديد ، ( تجسيد شعرى جزئى ) فما الصورة الأدبية و الفنية إلا ( تجسيد ) لاحساس أو شعور أو موقف أو حالة من الممكن أن نضبط كل هذا فى قولنا (( تجسيد لما هو معنوى )) و قد تنحوا أحياناً نحوا (( تجريديا )) بالنسبة (( للمادى )) و لكن هذا قليل جداً ، فليس من طبيعة اللغة ( لغة الكتابة ) التجريد ، بل هى ما جاءت إلا ( لتجسيد ) ما يدور فى الصدور ، وقد يقول قائل 0000
ليس التجسيد مقصوراً على ( الصورة ) وحدها فالعلم الأدبى أو الفنى ( تجسيد برمته ) و لهذا قلنا تجسيد ( جزئى ) فالعمل الأدبى أو الفنى كل أجزائه ( الصور ) من تلاقى الصور يتم العمل كله 0
00 الصور الشعرية لدى الشاعرة :
اتفقنا إذن على أن ( الصورة الشعرية ) هى ( تجسيد شعرى جزئى ) و الآن فكيف نرى الصورة الشعرية عند ميسون صقر فى ديوانها ( تشكيل الأذى ) 0
و يداك معلقتان فى ألم العناق
هنا اليد ( ألم ) و الألم ( صوت ) و العناق مما ( يرى ) لا مما ( يسمع ) فهنا ( تراسل الحواس ) حيث تضفى الشاعرة صفة شئ على شئ آخر لا يشاركه أصلاً فى هذه الصفة توظيفاً جيداً ، فرؤية الألم تثير فينا شجناً ، و لكنها تضاعف حين يكون لها ( عناق ) ففى هذا ( تجسيد ) للأيادى فى صورة كائن حى يئن ألما ، مما تثير أوجاعنا حياله فإنها قد شغلت منا ( حاستين ) الألم و اليد ، فكان وقعه اشد إيلاماً مما لو رأيناه فقط أو سمعنا و حسب 0
المزج بين المادي و المعنوى
لا تفلتها لذة الليل
لكنها فى ردائها الذى كلما خلعته
اشتدت شهوتها فتنة
تشبة القدمين السائرتين
نحو هذه الظلمة فيها
الشاعرة هنا تمزج بين ما هو مادي و ما هو معنوى فلذة الليل و الرداء الذى خلعته 000 هما هنا يرسفان فى القيود و تقييد القدمين الثائرتين أمضى من تقيد الايدى و الارجل فمادة القدمين من الرقة بحيث لا تحتمل خشونة القيد و قيد القدمين لن يكون إلا فى الظلمة و قد يكون قيدها نوراً يعيش أو مناظر تؤذى ارقً يحرمها لذة النوم ، أو عله ، و هو يصب فى النهاية فى الظلام و القدمان ترسفان ( الشهوة ) من شبق و هذا هو المزج بين المادى ( الشهوة ) و المعنى ( شبق ) و قد حاولت أن أتمثل هذه الصورة فلم أوفق ، ( فالقدمان السائرتان ) و ( شهوة الفتنة ) توحى بالاعتناق ففيهما النور و التالق و الحركة ، كذلك فالشبق منه من ( الحيوانية ) ما يتنافى و ما فى الظلام من سواد ( و لكنها فى ردائها الذى كلما خلعته ) حصارا آخر يؤكد تقييد الجسد ، و تقيديها يؤكده مما يوحى نحوه ( انحنت ، و الشرفة تعلو ) و خلع الراداء يفيد تغير وجها بهذا الوصف و لم تذكر ( الشهوة ) أو تجعلها من معطيات ( الفتنة ) فهذا يترك للمتلقى استشفاف الموقف دون تدخل من الشاعرة 0
( الرقصة التالية ستعلمان أكثر ) التعبير هنا موقف فالشاعرة لم تقل ( ستعلمنى ) أكثر ، و إنما قد جعلتها للجمع ( ستعلمنا فقولنا أنا ) ( العشق ) أقوى من قولنا أنا ( أعشق ) فالتعبير ( بالمصدر ) افعل من التعبير ( بالفعل ) فهى تعى أن ( الموصوف ) هو هو عين ( الصفة ) أو على الاصح هو هو ( مصدرها ) 0
هكذا تضحكنى الأشباح
هكذا ألهث وراء الظل
تصوير مجسد للضحك فى صورة لها من الفعالية مما يجعل ( الظل ) يلهث و إضافة ( الشبح ) للضحك أشد فعالية مما لو قالت ( تضحكنى هكذا الأشباح ) من رحلة الغيبيات إلى رحلة النور و الألق و الفؤاد 00 و رحلة الفؤاد لا تكون إلا رحلة ( حب ) ، ( الظل ) شئ ( غامض ) و الرقصة ستعلمنى و الرداء و لذة الليل 00 فشاعرتنا تريد أن تقول أن هذه الفتاة المخترقة رغبة ، المحاصر وجهها ما بين كتاب و سوار ، يخرجها من أو من سيوجهها فى عالمها ( الشهوة ) ضحك الأشباح و لهث وراءها و لكن كلمة ( الهث ) مثل ( ظلام ) يذهب بالادلة قد جاءت لا تساوق المسار النفسى لهذه الصورة ، فالتى تحيا ( الأشباح ) هى فى الحقيقة رحلة ( شحوب ) حتى ( وراء الظل ) و إنما هو جو مشحون باللهب و السعير و لا يقال عن نار الشهوة إنما ( اللهث ) إلا فى موطن ( السخرية ) و فى الحقيقة لقد وقفت الشاعرة ميسون صقر من حيث ( السيناريو ) فقد جاءت الصور مجيئاً يسلم كل صورة إلى التى تليها ، حينا و بعدها شعراً لابط إحدى الجثيتين
غصون لأشجار تكسرت
و بعض نبيذ معتق
تعبير جيد جداً فالشاعرة تقل الأشجار لغصون تكسرت و تركت لنا محن المتلقين تتمة الصورة ، أو استشفاف ما تريده الشاعرة دون إيضاح ، و هذا مما يجعل المتلقى أكثر بمعاينة للعمل ، إذ أنه يشعر بأنه ( مشارك ) فيه و مناجل لأجساد تلاقت فى ود 00
صورة بعض ضوء
تحت الخيمة السوداء
غصون لأشجار تكسرت
و بعض نبيذ معتق
مناجل لأجساد تلاقت على ود
و الهواء الثقيل
يصيح نجمة محيرة و تخيلها متعذر – فمناجل الأجساد هذا ( تجريد ) مقبول يصور الجسد فى حالة ( الألتقاء ) و هذا يكفى ( التلاقى فى ود ) أما كون المناجل فى ود فمن الممكن أن يشرق و لكن فى أعين الأخرين أو حتى فى دمائهم ، و قد نقبل بعد جهد ، أن يتلاقى الجسد فى ود ، كإنعكاس لحيوية الجسد و تألقه على الدم و لكن لم هى ( مناجل ) بالتحديد ؟ فلو قالت ( بأس الأجساد تلاقت فى ود ) لما تساءلنا و امتداد الشارع ما بين الفؤاد و البصر صورة متماثلة فها هو الشارع يطول و يرحب فهو يقع ما بين لذة ( الصبح - و النجمة ) فأن حد من ناحية الصبح فلا يجد من ناحية ( النجمة ) و الشاعرة لم تقل ما بين ( صبح و نجمة ) و إنما ما بين الصبح و النجمة المشع للضوء و كلاهما أفعل من ( القلب و العين ) فالقلب وعاء ( النبض و العين وعاء البصر ) فالشاعرة إذن خارجة عن الحضارة بين ( وعائين ) و هو يزداد ( طولاً ) كلما نظرت الشاعرة للقمر و هذه صورة فريدة ، فالشاعرة حين تنظر إلى الملأ لا ترى ما ( يحد ) طريقه ، فعيناها سابحتان فى ( لانهائية ) و هنا نظرت إلى ( نجمة الصباح ) و النجمة بما تحمل من رصيد شاعرى لا حد له ، أكثر رحابة من ( السماء ) ذاتها لا من حيث ( الرفعة ) و لكن بما تحمله من خيالات عبر القرون فيكون الانجذاب اليه مستغرقاً بحيث لا يرى السائر المنجذب لطريقه نهاية 0
و الهواء الثقيل
يصبح نجمة حينا
لماذا ( الثقيل ) فهذا يدعو للتساؤل لاسيما و الشاعرة لم تشر من قبل إلا إلى ( الخيمة السوداء ) و تكسر الأشجار و إن كان مقصود بها مجرد ( اللقاء ) تقول تلاقت على ود - إلا أنها تسعى ( الجثيتين ) لا تتفق مع لقاء مناجل الأجساد بالقيدين فالشاعرة لا ترمى بالطبع إلى الرضا عن القيود و بحيث يكون هذا الرضا ملاصقاً للهواء الثقيل 0
يجتثنى عرق ينزف
تعبير موفق على الرغم من مجافاته لمنطق القائل لــ ( يجتثنى عرق ينزف ) فالعروق ( وعاء ) و النزف ( دماء ) و المنطق يروى السائل عن وعائه و لكن فى مجال الشعر يعذب أحياناً أن ( نكسر ) هذا المنطق كذلك ( عصموا الاعضاء بالبتر و خلقوا من أعضاء أخرى ) فالبتر يجعل من العضو ( منفصلاً ) ذا انفصال يجهز على باقى الأعضاء عضو إثر عضو 00 من قصيدة ( العصيان ) 0
حنانى الذى مر علىّ دون أن أراه
الحنان الشريد ( إنحناء ) فاقدامنا المرهفة و خطانا ( توسدت ) هذا الحنان فهو يمر شارداً لا يستقر تعرف كيف تلوك المسافات و مرور الحياة حين استوعبها الذئاب ، فالمسافات و مذاق نكهة الفم تصور جيداً لهذا ( الحنان ) بالحب فهو متعود على ( مرور الحياة ) للمسافات و الإرتحال الطويل فى عالم الحب و كذلك الحرقة التى تسيل على الكرسي من الجسد للأعين العنيدة فهى عاشقة مغامرة تواجه عناء الأعين 00 من قصيدة ( الوهم ) ص 34
لا تبوح لي
و لا تكثر الكلام عنك
و حين أصيح فى هذا الفراغ
أنت أعلم علم المعرفة
بأنك لن تصافح يدى إلا بسكين
( البوح ) هنا هو ( لحظة سحر تطوف بالمصافحة ) فهذه اللحظة لا تحملنى أنا و إنما تحمل عنى الفراغ فهى ( أعلم أعلم ) بطريق المصافحة بحيث تحول إلى مجرد ( محفه ) أنا عليها 00 فهى لم تكلفنى عناء السعى و إنما أبقت على قواى أن تبدد فى سير و أبقت على ذات الصياح أن يتكبد عناء المصافحة ، كذلك فقد أقالت اليد المحملة بسكين سنين العمر من تعثرها لأنك فى ( تجسيد ) هذه الصورة للعمر و تصوير فى هيئة القلب الذى يحمل سكينا لتقبل الحبيب حين يتعثر فى بعد المسافات بين حبيبته 0
يداك تبدلان نزقى
ما سهوت حين يمتلك القلب
موتك الذى احمله
ولادة فى السر
و هنا إيحاء باستجلاب الأمن و الذكريات الفرحة من باب ( لتكون لك مرفأ ) و جميل جدا أن تأتى الحبيبة كالصخرة لتفتح شباك القلب و ما يفتح صباحا إلا لدخول النور و النسائم ( صرختى فى الجبال ) المشعرة بالألفة 0 أما صرختى فى الجبال و أجلى ينسحب فإذا به ( مولود ) و إذا بالمرفأ ايدى أم رءوم هى ترشق كل الفنون بالدفء ( لأكون عند ظهرك - عبرت ) ما لها فى توق الوحدة ، الحزن ، الهم ، الحيرة ، و أنا أسمى مثل هذا التعبير ( الولود ) 0 من قصيدة ( لأكون عند ظهرك ) ص 55 0
يناولنى يومه لأجلى
رأيت كيف سأنزل الجبل
الصورة الأولى مصوغة باقتدار فأجلى تناولنى و الأجل ( نهاية ) مما يجعل من الأجل نتيجة له ، و قد كدت أقول ( مناولة يوم الأجل ) تحصيل حاصل و لكن لا بأس فمن الممكن النكران مع استمرار المعاناة 0
رأيت كيف سأنزل الجبل
لا لزوم لها 00 فالأجل هنا يشى بانعدام الحركة مما يترتب عليه ( عدم القدرة على النزول ) خصوصاً و الشاعرة تكرر معنى ( النكران ) 0
و إينما تقلبت أوتار غنى
كأنما روحه معضلة – كأنما ما كنا
و فى تعبيرها ( تقلبت أوتاره ) امتلاء بالمعنى فى تركيز مدهش ، فكأنها تقول لقد حاولت السعى إليك شوقاً و لهفاً بالغناء و الوتر فهذا الحلم لم يكن حلم ( روحه ) و إنما حلم يقظة يعنى إنشغالى بك مما دفعنى أن أسعى إليك بروح معضلة و لكن كأنما ما كنا و الأوتار بالغناء أنكرتنى و خانتنى فلم أقو على المجئ إليك فهل أدركتنى روحك ؟ و الروح هنا تعنى ( القلب ) كلها فهذا تعبير ( بالجزء عن الكل ) و اختارت العين لأنها أهم وسائط الاتصال و قد ختمت القصيدة ختاماً مدهشاً 0
لم تكن أمى حين سقطت متلفة
لم تعد ثوبى الذى ألبسنى العافية
و لا محملا بالآثام نحوى
صبرك على الحياة سينفد
و سأعتاده الحب دونك
فها هو الحب ( الآثام ) تضمه لصدرها و ترسله ليعتاد الحب من دونه يثير صبرها على الحياة ثم ينفد
أحلم كأننى أرى
يجب ألا يتكرر صوتى
أنت شئ أو تحفة
الحلم هو بداية ( كل شئ ) فالصوت تعبير عن ( المادي ) و التكرار ( عن المعنى ) و هذا تصوير مكثف 00 فالحلم يعنى ( السعى و المضى ) و ما من عمل إلا و السعى و المضى روحه و كيانه فالعمل ( فعل ) و العقل ( حركة ) لذلك جاءت ( الأحلام ) لكن ( الكون ) محور الحياة 0
تحركنى بأحشاء الكون معبرة إلى ( صبرك على الحياة ) إلى حيث التغلغل فى الأحشاء يعيدنا هنا ليس معبر ( أنت شئ ) داسها إلى التحفة مما منها 00 إذن ( يتكرر صوتى ) و أكثر منهما يتغلغل من الغيرة حتى النخاع و هما ملازمتاه أبداً ولانقطعت به الآثام عن الوصول إلى أى مكان ، و كما حملناه فهو يحمل عن صاحبتهما كل شئ مركزه فى كلمة ( ألبسنى ) فكل شئ ( بمعيار ) و يغامر من أجلى ( و سأعتاده الحب دونك ) مكابدة الظلمة و المخاوف و المجهول ::
كان قد نام فى حضنها
حين وصلنا
تمطت و خرج سريعا
هذا التمطي يضم كل ما هو معنى 00 قد نام فى حضنها و تصح كذلك ( خرج مسرعاً ) فهى معانقة بالغة فها هو يتمطى و يعانق فى ( ارتياب ) صورة طريفة فعالة الحرير الذى فى كلامه 00
الحصان المتهور
يترك لي ركضا
و صوتى يثرى النزيف
يمتد للكهوف - يتكسر
صورته تشكيل الأذى
يا له من امتداد متكسر
فى كل مكان فيه أسطح نابضة ثم نبضات فإثراء النزف و الصورة المشكلة للأذى – هنا معبرة عن سطح كل ( ركض ) العرق ، الدم ، الأنفاس 0
و بعد هذه الصورة الفريدة لشاعرتنا المتميزة ميسون صقر لا أجد ميلاً إلى الاستمرار لأن الديوان زاخر بالعديد من الصور الموحية و إنما أنا مقدم نماذج فحسب و لم أتناول من الديوان إلا النذر فلو ذهبت إلى ( الإحصاء ) لأستوجب هذا منى كتاباً ضخماً و حسبنا أن ندفة الذهب تحمل حصيلة السنبلة كله 00 و بعد فهذه محاولة للدخول إلى العالم الشعرى عند الشاعرة الإماراتية المتألقة (( ميسون صقر )) حاولت خلالها الاقتراب من الرؤيا الشعرية عندها و سعيت إلى ايجاد العلاقة الخفية بين موضوع شعرها بصوره الجميلة و أدوات بنائها المتفردة 0
إن الشاعرة ( ميسون صقر ) هى علامة ملحوظة فى خريطة الشعر العربى المعاصر بما لديها من حساسية شاعرية و ما تمتلكه من صدق فنى و مشاعر متوقدة تؤكد مقولة نوفاليس الشاعر و الكاتب الألمانى ( ت 1801 ) فى شذراته من أن الشعر ( هو مسلك النفس الجميلة الموقعة ، صوت مصاحب لذاتنا المكونة ، مسيرة فى بلد الجمال ، أثر ناعم يشهد فى كل مكان على أصابع الإنسانية قاعدة حرة ، إنتصار على الطبيعة الفجة فى كل كلمة ، فطنة تعبير عن فعالية حرة مستقلة ، علو و إرتفاع ، بناء للنزعة الإنسانية ، تنوير ، إيقاع ، فن )
انتهت
المراجع و الهوامش
1- كتاب ( فن الشعر ) ترجمة إنجليزية – انجرام باى ووتر - قام بالترجمة العربية و تقديمها و التعليق عليها د 0 ابراهيم حمادة ص 56 - طبعة 1989 - مكتبة الانجلو 0
2- موسوعة الفكر الأدبى - الجزء الأول - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1988 ص 4
3- دليل الناقد الأدبى - د 0 نبيل راغب - دار غريب للطباعة و النشر - ص 197
4- نسيم مجلى - دراسة بعنوان ( أمل دنقل ) كتاب المواهب - الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1988
5 – أنور الخطيب : أدب المرأة فى الإمارات ، الجزء الثالث ، أبحاث الملتقى الثانى ، الشارقة ، اتحاد كتاب و أدباء الإمارات 1989 م ، ص 30 إلى ص 31
6 – الرشيد أبو شعير : مدخل القصة الإماراتية - اتحاد كتاب و أدباء الامارات - الشارقة فى 1998 م ص 42 إلى ص 43
منقول